ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | التقارب العراقي الخليجي
|
شملان يوسف العيسى | الاتحاد الاماراتية |
هُنالك خطوات جادة من قبل قيادات دول مجلس التعاون الخليجي والقيادة العراقية لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات العالقة بين الطرفين تمهيداً لعودة العلاقات الطبيعية.
تصريحات سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن عزمه لدعوة انعقاد مؤتمر دولي لجمع الأموال لإعادة إعمار العراق بعد تحرير الموصل، وزيارة رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي لمكة المكرمة في الشهر الماضي ومقابلته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تطوران ربما فتحا الباب للزيارات المتبادلة بين القيادات الدينية والوزراء والمسؤولين في العراق ودول الخليج لوضع أسس التعاون الجديد بين الأشقاء.
لقد تمخض عن اللقاءات العراقية الخليجية خلال الآونة الأخيرة تعيين سفير جديد للمملكة العربية السعودية في بغداد، وفتح قنصلية سعودية في النجف، وإنشاء خط جوي، وفتح المنافذ الحدودية البرية، وتعزيز التبادل التجاري بين الطرفين.
التحرك الخليجي تجاه العراق خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح، لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً، مما سهل دخول إيران ومنحها فرصة للعبث بالشؤون الداخلية العراقية.
ربما راعينا في علاقتنا مع العراق بعد الغزو الأميركي له في عام 2003 توجهات صانع القرار الأميركي، رغم أن مصالحه وأهدافه في العراق تختلف عن تطلعاتنا فيما يخص هذا البلد العربي الشقيق ومستقبله بعد سقوط طاغيته السابق صدام حسين.
والسؤال الآن هو: هل التقارب الخليجي العراقي سيعيد المياه إلى مجاريها في علاقات الجانبين، أم أن هناك معوقات وعراقيل تقف في وجه أي تقارب عراقي خليجي عميق؟
معظم السياسيين العراقيين تربطهم مصالح حزبية ودينية وسياسية مع نظام حكم الملالي في إيران.. ما يجعل من الصعب تخليص العراق من الهيمنة الإيرانية. فالابتعاد عن الهيمنة الإيرانية أمر مستحيل، لأن ذلك يتطلب وجود حكومة وطنية عراقية قوية وقادة في البرلمان لديهم نزعة وطنية قوية تنشد وحدة العراق، وجمع شتات شعبه، ووحدته الوطنية، والأهم من كل ذلك قرار سياسي مستقل تماماً عن الآخرين في المنطقة. لكن كل هذه العوامل والشروط ليست متوافرة في عراق اليوم.
إيران تربطها علاقات وثيقة بالمحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية، بسبب المذهب والقرب الجغرافي والمصالح الاقتصادية المشتركة. وهناك الآن قوى وفصائلُ «الحشد الشعبي» الشيعية التي يقدر عددها بنحو 44 فصيلا شيعياً، وهي كلها قادرة على ردع أي سياسة تتخذها الحكومة العراقية باتجاه التقارب مع دول الخليج العربية.
والحقيقة المرة، هي أن العرب لا يملكون رؤية مشتركة تجاه العراق، كما أنهم لوحدهم لا يستطيعون إنقاذه من مخالب إيران. لذلك يبقى الأمر كله في هذا الصدد مرهوناً بالقوى الوطنية العراقية، وكيف ستنظر لمصالح العراق على المدى الطويل. لذا فإنه ينبغي للقادة العراقيين أن يتفقوا على ماذا يريدون للعراق أن يكون عليه.. بلد ديمقراطي تعددي مستقر أم نظام طائفي تتصارع فيه قوى المجتمع وتستغله إيران لتحقيق مصالحها؟
القوى الديمقراطية العراقية تحتاج إلى دعم من دول الخليج والدول الغربية، لضمان استقلال بلاد الرافدين واستقرارها بعيداً عن المحاصصة الطائفية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | كيسنجر يريد بقاء «داعش»!
|
مشاري الذايدي
|
الشرق الأوسط |
يجادل الكاتب الإيراني بهذه الصحيفة، الأستاذ أمير طاهري، الطرح الذي انتشر مؤخراً عن أشهر منظّر سياسي أميركي، حي، الدكتور هنري كيسنجر، بخصوص مواجهة الغرب لـ«داعش» وشقيقاته في سوريا والعراق. خلاصة نصيحة كيسنجر هي عدم العجلة في القضاء على «داعش» وأمثاله، لأن ذلك يعني إفساح المجال لتفرد الجمهورية الخمينية الإيرانية بسوريا والعراق أيضاً! ذهل طاهري من هذا الطرح، وبنى نقضه على كيسنجر بأنه سليل ثقافة سياسية قديمة، تقوم على مبدأ «توازن القوى» من مخلفات العصور الأوروبية الويستفالية. بالنسبة لطاهري فإن القضاء على «داعش» لا يعني عدم القضاء على النظام الخميني لاحقاً، فالخمينية والداعشية والقاعدة والطالبانية كلها وجوه لحقيقة قبيحة واحدة. يتابع، مثلما لم يكن القضاء على الخطر النازي في الحرب العالمية الثانية مؤجلاً بسبب الخوف من التمدد السوفياتي الأحمر، حيث تم لاحقاً القضاء عليه، فكذلك الأمر يجب أن يكون مع خطر «داعش» وشقيقاته بسوريا والعراق. ليس كيسنجر فقط من قال ذلك، فهناك دعوات أميركية متواترة لوجوب مواجهة الرئيس ترمب مخاطر الخمينية في الشرق الأوسط، وتعويض سنوات الضياع، بل «الرخاوة» الأوبامية، إباّن أحلام اليقظة التي راودت عقل الرجل الأميركي المسمى باراك بن حسين بن أوباما، حيال «اعتدال» خميني مأمول! مجلة «فورين بوليسي» نشرت الجمعة الماضية، تقريراً أكدت فيه أن: «ترمب يواجه خطراً آخر، وهو أن يذكره التاريخ بأنه قام بهزيمة (داعش) حتى يمهد الطريق أمام الخلافة الإيرانية». رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، بدوره حذّر الغرب، بما فيه روسيا، من ترك سوريا نهباً للجماعات التابعة لإيران، بالنسبة للأمن الإسرائيلي هذه قضية مرفوضة، وكلنا نتذكر غارات الطيران الإسرائيلية على أهداف إيرانية بسوريا. هناك سباق محموم على الأرض السورية، ومزاد أحلام وخطط، على وقع الهزائم التي مني بها «داعش» و«النصرة» وأمثالهما، و«تطويع» الفئات المسلحة التابعة للمعارضة «المعتدلة». نظام بشار لديه أوهامه عن عودة الجميع لبيت الطاعة، وكرد سوريا لديهم أحلامهم الأخرى، ببركة حماستهم لمواجهة «داعش» في الشرق السوري، وجماعة إيران، ومنهم حزب الله اللبناني، لديهم أوهامهم السورية أيضاً، من آخر ذلك محاولة نصر الله إجبار الحكومة اللبنانية على التطبيع مع بشار. بعيداً عن حجج طاهري، فإنه لا ريب فيه أن هزيمة «داعش» و«النصرة» ومغناطيس دعايتهما لن يكون بحلول جنود الولي الفقيه بصرخات قاسم سليماني على وديان وجرود ومروج الشام… هذا خير قابلة لمولود التدعشن والتقعدن. حتى تقضي على «داعش» وشقيقاته يجب أن تواجه الخمينية بنفس الوقت، والعكس صحيح. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | سليمان فيضي.. مثقَّف عراقيّ في الحجّ | حسين بافقيه | مكة السعودية |
سمَّى المحاميّ والصَّحفيّ العراقيّ سليمان فيضي رحلته إلى الحجاز التُّحفة الإيقاظيَّة في الرِّحلة الحجازيَّة، واصطنع لروايته عنوان الرِّواية الإيقاظيَّة، وكان مِنْ قَبْل قدْ أنشأ في مدينة البصرة صحيفة الإيقاظ.
نقرأ في كِتاب الأعلام لخير الدِّين الزِّرِكليّ أن سليمان فيضي (1302-1370هـ=1885-1951م): حقوقيّ أديب مِنْ مقدَّمي الكُتَّاب. وُلِدَ بالموصل، وتعلَّم بها ثُمَّ بالمدرسة العسكريَّة ببغداد، وانتُخِبَ سنة 1914م نائبًا عن البصرة في مجلس النُّوَّاب العثمانيّ، وكان في بغداد 1920-22 مدرِّسًا للتَّطبيقات القانونيَّة (الصُّكوك) بمدرسة الحقوق، وعمل في المحاماة، وله جملة مِنَ المؤلَّفات في القانون، والأدب، والتَّاريخ.
ويجلو لنا ابنه باسل في تقديم مؤلَّفاته المختارة طَرَفًا مِنْ جهاد أبيه، ونَعْرِف أنَّه كان معدودًا في رجال النَّهضة القوميَّة والوطنيَّة في العراق، وأنَّه مِنْ دُعاة الإصلاح السِّياسيّ. والحقّ أنَّ ذلك يظهر في شغف سليمان فيضي بمفردة «الإيقاظ»، واختيارها عنوانًا لصحيفته الَّتي كانتْ أُولى الصُّحُف الأهليَّة في العراق، ورحلته الحجازيَّة، وروايته.
إذنْ، نحن بإزاء رحَّالة ما اتَّخذ مفردة «الإيقاظ» عنوانًا لرحلته الحجازيَّة إلَّا لأنَّه حين نوى الحجّ إلى بيته الحرام، في غضارة الشَّباب، رأى أنَّ مِنْ منافع هذه الشَّعيرة معاني «اليقظة» و»النَّهضة» و»التَّرقِّي»، وهي تلك المفردات الَّتي ذاعتْ على أقلام جمهرة واسعة مِنْ مثقَّفي عصر النَّهضة العربيَّة والإسلاميَّة، في تلك المُدَّة الَّتي أعقبتْ إعلان الدُّستور العثمانيّ، سنة 1326هـ=1908م، وبلغ أثرها غير ناحية مِنْ نواحي العالَم الإسلاميّ، والمشرق العربيّ بخاصَّةٍ، حتَّى رأينا أنَّه ما مِنْ أديب أوْ صاحب رأي إلَّا وكان عليه مِنْ ذلك الإعلان أثر، وانتهى شيء مِنْ ذلك كبير إلى الحجاز، فأخرج نُخبه عمَّا استقرَّ في وجدانهم مِنْ قديم الثَّقافة.
على أنَّه ليس بغريب أوْ عجيب أن يذهب سليمان فيضي هذا المذهب، فيعتدُّ الحجَّ «إيقاظًا» للجماعة الإسلاميَّة، ذلك أنَّ مِنْ مقاصد الحجّ الَّتي يذوقها أولو البصر «اليقظة» و»النَّهضة»، فلن يتحقَّق في وعي الجماعة المسلمة معنًى «الأُمَّة» إلَّا في الحجّ، وإلَّا في الدِّيار المقدَّسة الَّتي يجتمع فيها مِنْ كلّ أنحاء العالَم الإسلاميّ مَن استطاع إلى الحجّ سبيلًا، بلْ إنَّنا نرى غير داعيةٍ مِنْ دُعاة النَّهضة، وغير سياسيّ يعتدُّ مكَّة المكرَّمة، ويرى في الحجّ، البيئة الصَّالحة لنهضة إٍسلاميَّة جديدة، وإذا ما أردْنا على ذلك الشَّاهد والمثل، فسيُخْرجنا ذلك عمَّا نحن بسبيله، وبحسْبنا أنْ نذكر كِتاب أُمّ القرى للمصلح الاجتماعيّ والسِّياسيّ الجليل عبد الرَّحمن الكواكبيّ، وموقعه في النَّهضة العربيَّة مذكور معروف، بلْ إنَّ الاستعمار الغربيّ، ولا سيَّما الفرنسيّ والهولنديّ، كان يقرأ في الحجّ غير ما يقرأه عوامُّ المسلمين. نعمْ، كان الحجّ، ولا يزال، الرُّكن الخامس مِنْ أركان الإسلام، ولكنَّهم رأوا أنَّ شُعُور المسلمين بمعنى «الأُمَّة» لا يتحقَّق إلَّا في الحجّ، وكانتْ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، وكانتِ المشاعر المقدَّسة ذلك المَعِين الَّذي يَرِدُه المسلمون، فيعودون أقوى شُعُورًا بأنَّهم أُمَّة واحدة، كما أرادهم الله – تبارك وتعالى – فلمَّا أدرك المستعمر تلك القوَّة الَّتي استكنَّتْ في هذه الشَّعيرة الدِّينيَّة العظيمة، جعل يضع العقبات والعراقيل، ويختلق الأعذار حتَّى لا يُمَكِّن مسلمي الجزائر وإندونيسيا مِنَ الحجّ إلى البيت العتيق، مخافة أن يلتقوا بإخوة لهم، فيعودوا، وكلُّهم تصميمٌ على أن يجاهدوا المستعمر ويناضلوه.
وما العراق بمختلف عمَّا حدث في غير ناحية مِنْ ديار الإسلام، فساغ أن يقرأ سلميان فيضي في شعيرة الحجّ معنى «الإيقاظ»، وليس «اليقظة»، فحسْبُ، وساغ أن تذيع هذه المفردة في أثناء الكِتاب، ولا ريب أنَّ لهذه الرِّحلة مقامًا جليلًا في جريدة مؤلَّفاته، متى عرفْنا أنَّ التُّحفة الإيقاظيَّة في الرِّحلة الحجازيَّة كانتْ أولى مؤلَّفات أديبٍ وصحفيٍّ وفقيهٍ قانونيٍّ معدود مِنْ «مُقَدَّمي الكُتَّاب»، كما قال الزِّرِكْليّ.
ويستجلب النَّظر أنَّ سليمان فيضي حِين أَمَّ البيت الحرام، حاجًّا، كان في السَّادسة والعشرين مِنْ عمره، وأنَّه أنشأ لهذه الغاية يضع كِتابًا بتمامه عنْ هذه الرِّحلة، فحقَّق له الحجّ أداء رُكْن مِنْ أركان الإسلام، وأتاح له أن يتعرَّف جانبًا مِنْ أحوال العالَم الإسلاميّ، مِمَّا تبلغه سفينته المبحرة في مياه الخليج، حتَّى تبلغ بحر العرب، ثُمَّ تمخر عُباب البحر الأحمر، إلى أن يؤذن ببلوغها ساحل جدَّة، وانطوتْ رحلته تلك على جملة واسعة مِنَ الأخبار عنْ عرب الخليج، لا سيَّما المحمَّرة، والبريم، وعبَّادان، والفاو، وبوشهر، ولنجهْ، قبل أن يجتاز بسواحل اليمن، وجلتْ لنا تلك الصَّفحات طَرَفًا مِنْ أحوال عرب تلك النَّواحي، نعتدُّها، اليومَ، مِنْ أسنى الفوائد.
ولا ريب أنَّ هذه الرِّحلة تباين ما استقرَّ في ذاكرتنا مِنَ الرِّحلات الحجازيَّة، أوَّلًا لأنَّنا لمْ نألفْ، مِنْ قَبْلُ، رحلة حجازيَّة لعراقيّ، وثانيًا أنَّ صاحب هذه الرِّحلة معدود مِنْ رجال الصِّحافة، وأخيرًا ذلك الإلحاح على معنى «التَّعارف» في الحجّ، وكأنَّما كان سليمان فيضي أنشأ يبحث، في أعقاب إعلان الدُّستور العثمانيّ، عنْ معنى جديد للأُمَّة، فلمَّا أمعن النَّظر حواليه ألفاه ماثلًا في «الحجّ»، ولا شكَّ أنَّه لولا الحجّ ما عرف العالَم الإسلاميّ تلك المسالك، والدُّرُوب، والمنازل، والدِّيار، فلمْ تكنْ قافلة الحجّ لِتُعْرِض عمَّا حولها، إنَّما كانتْ تنشئ مُدُنًا، وتبث العمران، في كلّ ناحية تسلكها في الطَّريق إلى البيت الحرام، وامتلأ وجدان المحامي والصَّحفيّ الشَّاب سليمان فيضي شعورًا، وكان «التَّعارُف» سبيله إلى «الأُمَّة» الَّتي يرجوها:
«وعلى ما انطبعتْ عليه نفوسهم وأَلِفَتْه قلوبهم جاءت الشَّريعة الإسلاميَّة الغرَّاء والمِلَّة الحنيفيَّة البيضاء بفريضة حجّ بيت الله الحرام وزيارة الصَّفا والمقام والمشاعر العظام على كلّ مَن استطاع إليه سبيلًا مِنَ الأنام، فأنتج لهم هذا الغرض اكتشاف الأقطار والأمصار والتقاء البعض بالبعض في موسم الحجيج العامّ، حيث يتعارف المسلم بأخيه وتجتمع الأفئدة في دائرة واحدة، رغمًا على بُعْد ديارهم وتبايُن أقطارهم، وليس بخافٍ على المستبصرين ما كان يتبع هذا مِن استحكام قوَّة روابط الأُمَّة وعُلُوّ شأنها وجلْب دواعي الأُلفة لارتفاع مكانها، وما زال الأمر كذلك إلى أنْ تَقَلَّصَ ظِلُّ العِلْم مِنَ الشَّرق وعَمَّتِ الجهالة جميع البلاد الإسلاميَّة، وتَقَدَّمَ أهل الغرب بفضل ما أخذوه عن المسلمين، فأصبح السَّفر والاكتشاف واختراق الكُرَة الجويَّة والسَّير في الأرض مختصًّا بالأُمَّة العربيَّة».
إذنْ، لمْ تكنْ التُّحفة الإيقاظيَّة في الرِّحلة الحجازيَّة إلَّا محاولة شابٍّ عراقيّ امتهن المحاماة والتَّعليم والصِّحافة لـ»إيقاظ» الأُمَّة، وكانتْ تحفته هذه، في وجهٍ مِنْ وجوهها، بمنزلة السُّؤال الَّذي بسط فيه إصلاحيّ آخر هو الأمير شكيب أرسلان، لَمَّا نظر في أحوال الأمَّة الإسلاميَّة وأحوال الغرب المتقدِّم، فكان سؤاله الكبير لماذا تأخَّر المسلمون وتَقَدَّمَ غيرهم؟ رأى سليمان فيضي تلك الهُوَّة السَّاحقة بين المسلمين والغرب، فأدرك أنْ لا حَلَّ ناجعًا لإيقاظ الأُمَّة إلَّا بمدِّ عُرا التَّعارُف بين أفرادها ودولها، وإلَّا في العِلْم والسَّير في مجاهل الأرض مستكشفين ومتعلِّمين، وأنَّه لن يتمَّ ذلك إلَّا بـ»إحياء الرَّابطة الدِّينيَّة وتمكين أسباب الاتِّفاق بين علماء ووُعَّاظ كلِّ قُطْر مِنَ الأقطار الإسلاميَّة باتِّخاذ كلِّ فريقٍ مراكز في أقطار مختلفة يرجعون إليها عند حدوث ما يُلِمُّ بالمؤمنين ويجتمعون فيها على ما يرفع شأن المسلمين، ليعيدوا لهذا الدِّين مجده السَّابق وعِزَّه الماضي وسطوته الباهرة وغلبته القاهرة، ولا يخفى ما في ذلك مِنَ الفوائد الدِّينيَّة فضلًا عمَّا يتشعَّب مِنْ هذا العمل الجليل مِنَ المنافع لنشر العلوم وتثقيف العقول وربط القلوب والتَّعاون على البِرِّ والتقوى ونظر كلِّ فريقٍ في أحوال الفريق الآخَر مِنْ إخوانه في الدِّين، وهذا العمل لا يكلِّف العلماء إلَّا نهضة خالصة لوجه الله الكريم ولا يضرُّ ذوي اليسار سوى المساعدة بإنفاق جزءٍ مِنْ أموالهم في سبيل الله حُبًّا لنُصْرة دينه الحنيف القويم».
كان سليمان فيضي لا يشغله في رحلته تلك إلَّا «إيقاظ» الأُمَّة مِنْ غفوتها، وعرفْنا أنَّ لا سبيل إلى ذلك إلَّا بإحياء روح «الأُمَّة»، ورأيناه يعتدُّ الحجّ «مؤتمرًا إسلاميًّا» يوطِّئ لنهضتها ويقظتها، وعلى أنَّ التُّحفة الإيقاظيَّة أتحفتْنا بطرائف تستهوي قُرَّاء الرِّحلات، وفيها قَدْرٌ وافرٌ مِنْ ذلك = فإنَّ عين القارئ لا تُخْطِئ عناية الرَّجُل بما يُحَقِّق ذلك «الإيقاظ»، ورأْس ذلك التَّعليم، أوْ ما يدعوه «المعارف»، فهو إنْ بلغ مكَّة المكرَّمة يختصُّها بفضل بيان عن التَّعليم والمدارس والعلوم فيها، ويفعل ذلك حين يبلغ المدينة المنوَّرة، ولن يستعصي علينا فهم ذلك، أوْ أنَّنا نعُدُّه مِنْ مكمِّلات رحلته، ذلك أنَّه قدْ سبق في سِيرة الرَّجل إنشاؤه، عقب إعلان الدُّستور، مدرسة وطنيَّة بمدينة البصرة، اتَّخذ عبارة «تذكار الحُرِّيَّة» اسْمًا لها، تُدَرَّس فيها العربيَّة والفارسيَّة والتُّركيَّة والفرنسيَّة والإنـﮕليزيَّة وسائرة العلوم الدِّينيَّة والفنون العصريَّة، فكان الإلماح إلى أمر التَّعليم في المدينتين المقدَّستين ملائمًا لطبيعته ونهجه، ولا شكَّ أنَّ مؤرِّخ التَّعليم في الحجاز سيفوته خير كثير إنْ لمْ يقف على كلامه عنْ معاهد التَّعليم في جدَّة ومكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، وخاصَّةً ما اتَّصل بالمدرسة الرُّشديَّة في جدَّة، والفلاح، فيها، والصُّولتيَّة والخيريَّة في مكَّة المكرَّمة، ونظهر في هذه الرِّحلة على أسماء جِلَّة مِنْ علماء الحجاز، لذلك العهد.
دلَّتِ التُّحفة الإيقاظيَّة في الرِّحلة الحجازيَّة على تفكير شابٍّ عراقيٍّ غادر بلاده إلى الحجاز، إجابةً لأذان إبراهيم – عليه السَّلام – وهَبَّ يبحث عن «الجامعة الإسلاميَّة» في تلك المشاعر، على أنَّ في الرِّحلة، مِمَّا يُهِمُّ الباحث في التَّاريخ الثَّقافيّ والاجتماعيّ في الحجاز الحديث ما يجلو له غير ناحية مِنْ تلك النَّواحي: الحَجْر الصِّحِّيّ في ساحل جدَّة، بيوت جدَّة وشوارعها وقهواتها، ورجالاتها، وستُظْفِره بما يماثل ذلك، بلْ ويزيد عليه، في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة: المحمل، والحجّ، وفي الكِتاب إحصاء للبيوت والأسواق، وكلام مبسوط عنْ أمن الحجيج، والطُّرُق والمسالك، والعُرْبان، وبخاصَّةٍ حين سلك الطَّريف المخيف ما بين ينبع البحر والمدينة المنوَّرة.
كلُّ ذلك وسِواه كثير، يبوِّئ التُّحفة الإيقاظيَّة في الرِّحلة الحجازيَّة، ويبوِّئ صاحبها سليمان فيضي مكانةً جليلةً في هذا الضَّرْب مِنَ الرِّحلات، ويجعل لها، كذلك، موقعًا ممتازًا في التأريخ للحجاز الحديث. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | استعادة العراق تنهي الطائفية | عكرمة الأنصاري
|
الرياض السعودية |
التحرك الخليجي الأخير بقيادة المملكة تجاه العراق، خطوة شجاعة وبداية ناجعة، من أجل استعادة هذا البلد العريق إلى حضنه العربي، وانتزاعه من الهيمنة الفارسية، وتصحيح لمسارات خاطئة اتخذها حكام العراق الجدد بعد الغزو، نتيجة للمحاصصة الطائفية التي أعقبت عملية الإطاحة بالنظام البعثي، والتي كان من سلبياتها ظهور النفس المذهبي بطريقة فجة وعنيفة، والذي كان أكثر فصوله دموية تنظيم داعش المتراجع حاليا على كافة الأصعدة.
إن الجهد الدبلوماسي الحالي للخليج بقيادة المملكة، كفيل بإخراج العراق من دوامات الصراعات الطائفية، مما يخفف من مشكلة الإرهاب الذي يجد ذريعة له في الممارسات التي تقوم بها جهات محسوبة على العراق الجديد بولاء إيراني معروف! فالعراق يبقى رقما مهما في المعادلة الإقليمية، ويمثل أحد الحواضن الكبرى للتوجه العروبي تاريخيا، والذي كان للمثقفين الشيعة دور ريادي في صقله وإيجاده.
الثقل العربي والإسلامي للمملكة يسمح ولا شك بإعادة العراق لمحيطه الطبيعي، وكسر الهيمنة الإيرانية واستفرادها بهذا البلد بحجة التطابق المذهبي مع بعض مكوناته، والتي هي في الأساس تمتلك إرثا أدبيا ومعنويا في الطائفة الشيعية ليس بحاجة إلى غطاء إيراني دينيا كان أو سياسيا عائلتي الحكيم والصدر أحفاد السبطين على التوالي نموذجا.
النخبة العربية الشيعية في العراق وصلت من النضج السياسي ما يجعلها تدرك أن الأثمان المترتبة على التماهي الكلي مع إيران، ستعني عزل العراق عن محيطه بل وتاريخه فمرجعية النجف العربية هي الأصل وليس قم، مع أن العديد من الأسر الدينية فيها أيضا من أصول عربية.
يجب سحب ورقة التشيع من إيران، ففي النهاية الشيعة الأوائل عرب خلص وكذلك أحفادهم اليوم.
دول الخليج بقيادة الرياض قادرة على احتضان العراق الجديد بهويته المتعددة إثنيا ومذهبيا فهي دول لا تستغل الانتماءات المذهبية والعرقية من أجل اختراق نسيج المجتمعات لخدمة مصالحها كما هو حال بعض القوى الاقليمية؛ بل تتصدى لخطابات التشظي الطائفي والعرقي عبر برامج التنمية والاستثمار في الاستقرار وبناء دول المواطنة التي تتسع لكافة أبنائها دون النظر في خلفياتهم المذهبية أو العرقية.
النموذج الخليجي سيكون جاذبا للعراق الجديد وهو مثال حي في الرخاء والازدهار بغض النظر عن أي أدوات تسويقية لصالحه أو دعائية ضده.
العراق بحاجة إلى الخليج من أجل إعادته إلى الساحة العربية كلاعب مؤثر بعيدا عن أدوار مندوب الظل لنظام الملالي كما هي الصورة النمطية عنه في الشارع العربي، وسيكون ذلك خطوة كبيرة في إنهاء الحروب الطائفية والقضاء على مغذياتها والقضاء على وهم تبيعة العرب الشيعة لإيران وهوياتها المذهبية العابرة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
سيناريو الأزمة لما بعد داعش: كردستان وبلقنة المنطقة
|
د. حسين البناء
|
الراي اليوم بريطانيا |
العرب، ومنذ أفول الإمبراطورية العثمانية، لم يروا يوماً هانئاً قط، فمن استعمار، فانتداب، فتقسيم، فسايكس بيكو، ووعد بلفور، فضياع فلسطين بعد نكبة ونكسة، فكامب ديفيد، فحرب إيران، فاحتلال الكويت، فوادي عربة، فأوسلو، فربيع عربي احمرّ مبكراً، فداعش، وليس ذلك آخر الأزمات، فالمستقبل حافل بإمكانيات الصراع والتأزيم في ظل غياب قيم الحرية والتمكين وبسبب التسلط وتهميش الشعوب. تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ولد سفاحاً ومات كفص ملح في نهر جار، مات جسداً، وبقيت روحه المرتكزة على بضعة آلاف من الكتب والأفكار والفتاوى المتطرفة، مما قدم ومما جد، وقد يعود على شاكلة أخرى كلما اقتضت الحاجة، وكلما شاءت القدرة والفراغ والفوضى له ذلك. دعونا نقفل الباب على بضع سنين عجاف ساد المشهد الدموي فيها على الساحة، في أعقاب إفشال حراك الربيع العربي، وتفضيل كثيرين العودة لما قبل التاريخ، على التقدم خطوة نحو المستقبل. بمجرد الانتهاء من تصدر أخبار (داعش) والحرب الدائرة في سوريا واليمن وليبيا على المشهد، بفضل التفاهمات الروسية-الأمريكية، سيكون السيناريو الآخر في طور الإخراج، وهو مكتوب بعناية، وسيشغل الساحة لعقد على الأقل، إنه بلقنة المنطقة، وكردستان نموذجاً. كردستان، لما يقارب القرن، ومنذ تعمّد عدم تلبية مطالب القومية الكردية في اتفاقية سايكس بيكو، كانت تستقريء الواقع وتنتهز الفرص لعرض قضية الانفصال، لبناء دولة الأمة الكردية الحلم، كردستان، والتي تقتطع أجزاءً من إيران و تركيا وسوريا والعراق، لتشمل مناطق جبلية حصينة، وأرض خصبة، ونفط متدفق، ورجال أشداء. بدءاً من العراق، فنيّة الانفصال وطرح فكرة الاستفتاء عليه أصبح أمراً مطروحاً وبقوة، وبدعم معلن وخفي، من عرب وأوروبيين وأميركا و إسرائيل، خاصة بعد ما آلت له الأمور في العراق المدمر الواهن. هنا سيبدأ سيناريو الحرب القادمة، حيث أن الأكراد في سوريا قد انتفعوا كثيراً من قتالهم لداعش، وتبرير الكثير من العوامل المساعدة على الحراك الانفصالي، وفي ظل ضعف الدولة السورية، فليس بمستبعد أن يحضر الكرد بقوة في الدستور السوري الجديد، ليمنحوا إمكانية الفيدرالية، أو الانفصال بشكل أو بآخر. ما أن تلبي مجريات التاريخ الأحلام القومية الكردية في العراق وسوريا، فإنه من المؤكد بأن الجبهة الكردية مع تركيا وإيران سوف تشتعل وبزخم فريد، فالدعم الدولي حاضراً، والكثيرون يرغبون بتقسيم إيران وبأي ثمن، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة وبعض العرب، ولعل حراك كردستان-إيران سوف يكون العقوبة الأكثر واقعية لطهران بسبب طموحاتها النووية و هيمنتها على المنطقة العربية، بشكل مباشر أو بالوكالة في هيئة طوائف موالية للفقيه المعصوم، عندها، ستدخل المنطقة بضع عقود من صراع لا يقل دموية عن حرب داعش حالياً. تركيا أيضاً، سائرة في طموحات الإمبراطورية، وحكومة أردوغان المنتخبة و القوية، والمؤيدة شعبياً، والتي نجحت في تحييد الجيش والقضاء من طريقها، هي اليوم تسارع الخطى، فتبتعد عن الاتحاد الأوروبي تارةً، و تناوش إسرائيل تارةً أخرى، وتتصارع مع الجميع في أحيان أكثر غموضاً من كل ما سبق. ولا ندري متى يعود (أرطغرل) مدرعاً، غانماً إلى المنطقة؟ معلناً مشروع ملء الفراغ الحاصل في الشرق الأوسط، بعد خبوت الحضور التقليدي للمثلث العربي المنهك: بغداد-دمشق-القاهرة ؟ تلتقي إيران وتركيا بقوة على ملف كردستان، وربما لا يلتقون على ملف المياه، ولكنهم يختلفون على ملفات كإسرائيل، والطائفية، وصراع المصالح في المنطقة. إيران ستقدم نفسها راعية لأتباع آية الله “البراغماتي” والولي الفقيه المعصوم، وفي جميع أنحاء العالم، ولن تتوان في تسويق الملف المذهبي لبسط ما استطاعت من نفوذ في المنطقة، أكان هلالاً أو دائرةً أو أعقد من ذلك كالبنتاغون مثلاً، وربما لا يلام من كان حاضراً لشغل الشاغر من الخريطة، بقدر ما يلام من أحدث ذاته الفراغ. نحن كعرب نلتقي مع إيران في جوارنا التاريخي، وخليجنا، وثقافتنا، وديننا، ولغتنا، وتجربتنا الإنسانية، والكثير من القيم المشتركة، و في عدائنا الوجودي للكيان الصهيوني كذلك، ونرحب به، لكن تحرير فلسطين ليس شعار لدغدغة المشاعر وحسب، إنه قضية أعقد بكثير من ذلك. إيران بمشروعها القومي (كغيرها من الكثير من الأمم عبر التاريخ) ربما لا تحمل الكثير من القيم (الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية) الصالحة للقرن القادم و التي تمكنها من كسب عقول وقلوب من بقي من الواعين في الأمة، فمشروعها كان وسيبقى قومياً إقليمياً، قد نحترمه كونه مشروع أمة حية وطموحة، ولكن لن نباركه في تسويقه للطائفية والخرافات والدكتاتورية وعلى دماء ومصالح ومستقبل الأمة.
|