سبع مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 تحذير: لا تتحدثوا عن الترياق والحشيش والكريستال بالعراق هيفاء زنكنة

 

 

القدس العربي
 

لم يعد انتشار تعاطي المخدرات وبيعها، بأنواعها من حبوب الهلوسة إلى الهيروين (الترياق)، خافيا على أحد في العراق. المسؤولون في الحكومة يتحدثون عن الآفة، في استديوهات البث التلفزيوني، على مدى ساعات وساعات. الأطباء يحذرون من تزايد أعداد الشباب المدمنين وعدم القدرة على توفير العلاج. رجال الشرطة والأمن يواصلون حملات المداهمة والاعتقال، للمدمنين وعصابات المتاجرة، على حد سواء. وزارة الداخلية تحذر من تفاقم الظاهرة التي أدت إلى ظهور ظاهرة جديدة أخرى في المجتمع هي اغتصاب الأطفال. منظمات المجتمع المدني، بالتعاون مع المنظمات الدولية، تقيم الندوات وورشات التوعية للمسؤولين (مع اهمال المدمنين)، لتنبيههم إلى المخاطر. واذا ما وضعت مفردتي المخدرات والعراق في آلة البحث الالكتروني «غوغل»، حتى يتجسد حجم الكارثة، متمثلا بآلاف العناوين الخاصة بالعراق، المتضمنة مفردات مثل: تعاطي، انتشارها بين الشباب، الإدمان، الدعارة، حبوب الهلوسة، الجنوب يشتكي، أطفال يتعاطون، تنامي تجارة المخدرات، إقليم كردستان، مدينة المخدرات، طريق المخدرات، من المسؤول، إيران، ومصنع للمخدرات.

هناك، أيضا، تحقيقات مصورة، ترينا حال الضحايا من الاطفال والشباب، ولوعة الاطباء لعدم توفر امكانية توفير العلاج، من داء صار تأثيره واضحا للجميع، في بلد كان، قبل ان يصل اليه الغزاة، واحدا من البلدان النظيفة من المخدرات. كانت هناك، بالتأكيد، حالات فردية، تبدت بتناول بعض العقاقير وشم الغراء، في الشهور السابقة للاحتلال، الا ان المجتمع، لم يعرف تعاطي المخدرات وتهريبها كظاهرة، متمددة بين شرائح مختلفة، بشكلها الحالي. مما يدفع إلى التساؤل عن الاسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.

تشير اصابع الاتهام، في معظم التقارير، إلى ان إيران، تلعب دورا في انتشار المخدرات وتهريبها، لعدة أسباب، أولها ان الجمهورية الإسلامية، نفسها، تعيش في ظل تفشي استخدام المخدرات، وأكثرها شيوعا، لرخصه، هو الترياق (الهيروين)، البديل لتناول الكحول بسبب تحريم الأخير دينيا وقانونيا، وادعاء عدم وجود تحريم ديني صريح للترياق، لا يزيد عن كونه حيلة شرعية هزيلة، وتعبيرا عن خلل في المجتمع الإيراني يتغاضى عنه النظام الديني لتكريس مصلحته الخاصة. وثاني الأسباب كون إيران، سوقا وممرا للهيروين الأفغاني، الذي لم يعد خافيا تدخل المخابرات الأمريكية (السي آي أي) في تشجيع تسويقه. السبب الآخر هو توافد الزوار الإيرانيين إلى مدينة كربلاء، خاصة، لأداء مراسيم الزيارة، بأعداد هائلة، بدون تدقيقات حدودية، الأمر المشجع لمروجي المخدرات من الإيرانيين وغيرهم، بجلب بضائعهم، بحثا عن مستهلكين محليين أو عبورا إلى دول مجاورة. اذ يشكل العراق، كما ذكر تقرير مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، ممرا جيدا ومخزن تصدير في آن واحد، بسبب ضعف الرقابة الحدودية. اجتماعيا، هناك مقاتلي الميليشيات المدعومة إيرانيا أو التي تم تأسيسها في إيران منذ الثمانينات، التي تربى بعض افرادها والجيل التالي، على تعاطي الترياق والحشيش، باعتبارهما من الامور المقبولة ثقافيا ومجتمعيا، كما هو مضغ القات في اليمن، مع اختلاف التأثير والنتائج. وهم بحاجة إلى تغذية إدمانهم الذي ينعكس على موقفهم من تعاطي المخدرات وتداولها، بعد ان اصبح قادتهم ساسة متنفذين بالعراق.

لا يمكن حصر مسؤولية الجمهورية الإسلامية بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل ان هناك مسؤولية سياسية ـ اقتصادية يتحملها، معها، بعد أن أسس لها، الاحتلال الانكلو ـ أمريكي وساسة الحكومة العراقية، بالاضافة إلى تنظيم « الدولة الإسلامية». فتجارة المخدرات، زراعة وتصنيعا وترويجا، مربحة لكل الاطراف المذكورة. وهناك أمثلة تاريخية تثبت ان توفيره في اسواق الدول المستعمرة، التي يراد اخضاعها، بلا مساءلة قانونية أو عقاب، ومع تردي الاوضاع الاقتصادية وتنامي روح اليأس والاحباط، يدفع الشباب إلى تعاطيه وتحويلهم إلى عبيد، مسلوبي الارادة، من السهل تسخيرهم للقيام بأي عمل يطلب منهم. وهل هناك ما هو أكثر عبودية من الخضوع للغزاة؟

أبرز مثال تاريخي، هو قيام التجار الانكليز بغمر الاسواق الصينية بالأفيون، منتصف القرن السابع عشر، وحين شرع المسؤولون الصينيون قوانين لمنع تعاطيه واستيراده، أعلنت بريطانيا الحرب على الصين التي أطلق عليها أسم «حرب الأفيون» باعتبار القوانين الصينية تجاوزا على التجارة العالمية الحرة. واليوم، يتم تدريس حرب الأفيون، في المدارس الصينية، باعتبارها بداية «قرن الإذلال» الاستعماري ـ الذي انتهى مع إعادة توحيد الصين بقيادة الرئيس ماو عام 1949. وتزودنا فضيحة إيران / كونترا ـ التي ساعد خلالها الكولونيل الأمريكي أوليفر نورث على اتمام صفقة بيع الأسلحة لإيران اثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، لتمويل حرب الكونترا في أمريكا الوسطى ـ بمثال آخر يتبدى بقيام نورث باستخدام شركات نقل جوي وبحري معروفة بأنها ناقلات للمخدرات، في الوقت نفسه. كما أشارت تقارير عديدة إلى انخراط جنود الاحتلال الأمريكي، بالعراق، في تهريب وتوزيع وتعاطي المخدرات أنفسهم، وما سببه ذلك من مجازر، من بينها اغتصاب وحرق الطفلة عبير الجنابي وقتل كافة افراد عائلتها، قرب مدينة المحمودية، في 12 آذار/مارس 2006.

محليا، يشكل التهريب مصدرا مربحا جدا للاحزاب السياسية وميليشياتها، أما عن طريق المشاركة الفعلية بالتجارة أو التغاضي مقابل ثمن أو نتيجة ابتزاز. وفي ظل الفساد الكلي الشامل تتعدد الاساليب. فمقابل منع تناول الكحول، هناك قبول علني أو مبطن بتعاطي المخدرات. في احدى خطب عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، سابقا ورئيس حزب بيت الحكمة حاليا، وهو أحد الذين ترعرعوا في الجمهورية الإسلامية، ينصح الحكيم جمهور مستمعيه، في حزيران/يونيو 2017، عن وجوب تعاطي المخدرات « كالحشيش والكبسول والكريستال في الاماكن المخصصة لها» باعتبار «واذا ابتليتم فاستتروا»، محذرا الآخرين من التبليغ عنهم « لأن الله يحب الساترين».

لتوضيح سبب تعاون الادارة الأمريكية مع تجار المخدرات، وبالضرورة الأنظمة التي تتغذى على الفساد وما يجره من أنشطة غير مشروعة، يقول جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا : «ستتعامل، دائما، مع مهربي مخدرات وتجار أسلحة ومهربين أجانب… لأنهم من نوع الناس الذين ستعتمد عليهم لتنفيذ حرب سرية… وهذا صحيح بالنسبة لأية حكومة في أي مكان ـ سواء كنت تتحدث عن أفغانستان، كولومبيا، جنوب شرق آسيا أو بورما، إذ تميل لتحقيق أنشطتك إلى التعاون مع أشخاص يشاركون في أنشطة غير مشروعة أخرى، وهذه الأمور أقرب ما تكون إلى التماثل». مع وجود حكومة مخدرة بالفساد ودولة فاشلة، هذا هو، بالضبط، ما تقوم به الادارة الأمريكية والجمهورية الإسلامية، معا، في العراق.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 رداً على علاء اللامي: ليس كل نقدٍ لصلاح الدين الأيوبي هجاءً مذهبياً

 

أحمد راسم النفيس

 

 الاخبار اللبنانية
 

 

استوقفني ما وصفه الكاتب علاء اللامي في مقاله المنشور في صحيفة «الأخبار» الموقرة (17/08/2017) بـ«حملة تشنيع وهجاء ضد بعض الشخصيات التاريخية العربية الإسلامية»، وعلى رأسهم بالقطع يوسف بن أيوب المسمى بصلاح الدين.

الغريب أن الكاتب قرر منذ البدء أن كل ما يوجه إلى صلاح الدين من اتهام هو هجاء مذهبي، فيما تمثّل آراؤه وحده تقييماً موضوعياً.

 

حسم الكاتب موقفه بالقول إن «قراءتي لشخصية صلاح الدين الأيوبي لا تعني عدم الانحياز المبدئي له كرمز لمقاومة الغزو الأجنبي الإفرنجي، فلست مستشرقاً أو مأخوذاً بالمنهج العلموي الاستشراقي الذي يدس السم بالعسل كبعض الليبراليين واليساريين المزيفين، ولا متسامحاً مع القراءات الطائفية السلفية سواء كانت وفق المنهج التمجيدي السني أو الآخر الهجائي الشيعي في الوقت عينه».

لا نعتقد أن هذا المنهج يمكن وصفه بالموضوعي، بل هو نهج انفعالي لا موضوعي، حيث يرى أن أي نقد يوجه لصلاح الدين، يدخل ضمن ما يسميه بالليبرالي والاستشراقي واليساري المزيف.

إن تشخيص المسألة وكأنها مجرد خلاف حول شخص المدعو يوسف ابن أيوب يمثل استخفافاً بواحدة من أخطر القضايا التي حولت مسار الحضارة والتاريخ الإسلامي، وهي سقوط الحضارة الإسلامية التي شيّدتها الدولة الفاطمية وتحولها إلى أنقاض تمثلها أكوام مدينة تنيس (الواقعة على الحافة الشمالية الغربية لبحيرة تنيس سابقاً المنزلة حالياً) أعجب مدينة في تاريخنا والتي تحولت بفضل «الكابوس الأيوبي» إلى كيمان لا يكاد يذكرها أحد أو حتى يعرف عنها شيئاً. فسقوط الأندلس وبغداد مأساة تستدعي «قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل»، أما سقوط الدولة الفاطمية فاستحقاق طبيعي ربما يستدعي الاحتفاء والتمجيد!

 

العالم الإسلامي والتحاقب التاريخي

 

الذين درسوا التاريخ يعرفون جيداً أن ثمة ما يسمى بـ«التفسير الإجمالي الحضاري للتاريخ» (Macrohistory) أي دراسة تعاقب المراحل التاريخية وكيف أفضت مرحلة إلى أخرى أو بمصطلح أدق «التحاقب التاريخي».

الأيوبي صلاح الدين لم يكتفِ بالقضاء على البنية السياسية والعسكرية للفاطميين التي أقضت مضاجع الفرنج الصليبيين وأجبرت الروم البيزنطيين على التزام سلام دائم معهم، بل محا البنية الثقافية والحضارية لمصر والعالم الإسلامي عبر تدمير مكتبة الفاطميين التي ضمّت مليونين من الكتب، وهي كارثة تفوق أضعاف أضعاف كارثة مكتبة بغداد التي دمرها الغزو المغولي، ويكفيه هدم بعض أهرام الجيزة مستفيداً من أحجارها لبناء قلعة تحميه من غضب المصريين.

القضاء على الدولة الفاطمية كلفنا ما هو أسوأ، وهو سقوط مصر والعالم الإسلامي في قبضة العبيد المماليك الذين دامت دولتهم ستة قرون، اثنان منها خالصة لهم، وأربعة نيابة عن العثمانيين الذين قاموا بتسليمنا غنيمة باردة للغرب.

لم يكلف كثير من كتابنا ومفكرينا نفسه همّ دراسة هذا التحاقب المأساوي وكيف انتقلت مصر من حكم مرتزقة السلاجقة إلى حكم العبيد المماليك المجلوبين من شتى بقاع الأرض ومعهم آفاتهم الأخلاقية والذين وصفهم المقريزي في «الخطط» بأنهم «أزنى من قردة وألص من ذئب وأفسد من فأر».

الأيوبيون، إخوة صلاح الدين، وأحفاده، فشلوا في حكم مصر فتسلمها عبيده، أي المماليك البحرية (قطز وبيبرس وأيبك) فكان أن انتفض الأشراف ضدهم بقيادة الشريف فخر الدين ابن ثعلب وكان أن علقت لهم المشانق من بلبيس إلى القاهرة (قرابة مائة كيلومتر).

ولئلا يعتقد الأستاذ اللامي أننا نهذي فعليه أن يراجع مذكرات أحمد عرابي الذي تمثلت مصيبته الكبرى ومصيبة مصر عام 1882، أي بعد نهاية العصر الفاطمي بستة قرون في الضباط الجراكسة أحفاد المملوك خاير بيك الذي سلم مصر للعثمانيين.

 

صلاح الدين قاهر الصليبيين؟!

 

هكذا تعلمنا في المدرسة حتى في دروس اللغة الإنجليزية. قصة القدس تحتاج إلى شرح وتفصيل حيث تمكن الصليبيون وعبر علاقاتهم (الدبلوماسية) من تسلّم القدس من يد الأيوبيين الأبناء مرتين حتى أخرجوا منها نهائياً على يد الخوارزميين.

أما سائر بلاد الشام فلم يخرج الفرنج منها إلا في عصر الأشرف قلاوون وبقيت في أيديهم قرنين من الزمان بعد صلاح الدين.

السؤال اللغز الذي يحتاج إلى دراسة وتفصيل هو لغز الرسائل العلنية والسرية المتبادلة بين صلاح الدين وبابا الفاتيكان، وهو ما أغفلته المصادر العربية أو لم تحط به أصلاً، باعتبار أن هذا النوع من العلاقات والصفقات محكوم بالبقاء في الخفاء بعيداً عن عين المواطن العربي.

 

كانت مصر الفاطمية هي غاية الصليبيين وليس القدس كما يحدثنا الإعلام

 

في كتاب «العلاقات السياسية بين الدولة الأيوبية والإمبراطورية الرومانية المقدسة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يكشف الكاتب عادل عبد الحفظ حمزة عن القشرة الخارجية لهذه العلاقة المريبة التي لا تختلف شيئاً عما يعلنه حكام زماننا المعاصر من صفقات يسمونها تاريخية.

يقول الكاتب «كان صلاح الدين حريصاً على أن يبلغ الإمبراطور فردريك الأول (1152- 1190م) إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة بمجريات الأمور في الشرق وأيضاً بمراسلات البابوية، فقد أرسل إليه برسالة منتصف أبريل 1182م /ذي الحجة 577هـ يقول فيها أنه أحسن استقبال المندوب البابوي ألبيركوس جانسيوم وأنه أكرمه وأعاده صحبة مندوبه أبو طاهر».

كانت البابوية ترسل المندوب برسالتين، واحدة خطية وأخرى شفوية يغلب عليها السرية حيث يقول صلاح الدين «ولقد استمعنا بعناية إلى كل ما قاله من قبلكم» (ص 83).

ويذكر صلاح الدين أنه أعجب بكل ما جاء في الرسالة البابوية وأنه تلقاها بشغف وروح طيبة كما يذكر له أن الصداقة وطيدة جداً، حيث يقول «تأكدنا من عظم الصداقة بيننا». يقول الكاتب: «كما أرسل مع المندوب البابوي رسالة شفوية غير مكتوبة وسرية للغاية» (ص 84).

ويلاحظ الكاتب أن المصادر العربية المعاصرة لصلاح الدين لم تذكر شيئاً عن هذه المراسلات في حين تذكره المصادر اللاتينية.

في شباط/ فبراير 1188م/ 584 هـ، أرسل الإمبراطور فريدريك الأول رسالة إلى صلاح الدين مع مبعوثه هنري دي ستيتيز من ألمانيا يخاطبه فيها بصفته سلطان المسلمين في الشرق، ثم يحذره من المساس ببيت المقدس ثم يذكره بالصلات الطيبة السابقة بينهما والرسائل التي جرى تبادلها بينهما قائلاً: «إن الخطابات التي أخلصت لنا فيها منذ وقت طويل بشأن المسائل الهامة والعظيمة الشأن بيننا والثقة التي كانت تحملها كلماتك إلينا قد اعتبرت وسيلة للاتصال بعظمتكم» (ص 136).

ويمضي فريدرك قائلاً: «إن صلاح الدين ليس له حق في القدس»، إذ يعتبره وصياً عليها أو مجرد حارس قائلاً: «التي توليت حكمها كأوصياء حراص لكل من يهودا والسامرة وفلسطين»، ولذا يعتبر فردريك نفسه المدافع عن هذه الأرض ويعطي تعويضاً عما خربه كما تقتضيه القوانين المقدسة، ثم يعطيه مهلة اثني عشر شهراً اعتباراً من تشرين الثاني/ نوفمبر 1188م كي يتمكن صلاح الدين من الاستجابة لهذه الطلبات وإن لم يستجب فسوف يهاجمه (وإلا هاجمناك في مصر لإحياء الصليب باسم يسوع).

ويذكره أن هذه الأرض أرض المسيح وأنه ــ صلاح ــ يعرف هذا تماماً «والتي تبررها كل الكتب القديمة»، ثم يذكر له أن كل المنطقة الشرقية ومصر كانت تابعة لهم «ولا تذكر أن كل من ثيوثيا Scythia وبارثيا Parthis حيث لقي جنرالنا ماركوس كراسوس الموت المفاجئ ومصر حيث كان أنطونيو وكليوباترا».

الذي نخلص إليه من قراءتنا لهذا الملف وبمعنى أدق لما توفر لدينا من معلومات حوله، أن مصر الفاطمية كانت هي الهدف والغاية الذي تكالب عليه كل هؤلاء وليس مجرد الاستيلاء على القدس كما يحدثنا إعلامنا السطحي الساذج والفج.

كانت مصر، احتلالاً أو تدميراً وإزاحتها من طريق التمدد الصليبي، هي الهدف والغاية، وهو ما نجح الصليبيون والمتحالفون معهم في تنفيذه، وما أشبه الليلة بالبارحة.

الرسائل السرية والخطط الحقيقية متوفرة لدى الغرب. أما نحن، فمنشغلون احتفالاً بصلاح الدين «محرر القدس» ومدمر الحضارة الإسلامية!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   الأكراد يستحقون دولة مستقلة)   جهاد الخازن

 

  الحياة السعودية
أكراد العراق سيصوتون في 25 من الشهر المقبل على استفتاء للاستقلال. الاستفتاء لا إطار قانونياً له، وغير قابل للتنفيذ، مع ذلك الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعارضه.

 

بعض المعارضة ضد أي استفتاء وبعض آخر يقترح إجراء الاستفتاء بعد الانتخابات البرلمانية العراقية في نيسان (أبريل) 2018. كان الأكراد اتفقوا مع نوري المالكي على تأييده للبقاء رئيساً للوزراء مرة ثانية، وهو بقي في منصبه إلا أنه تجاهل مصالح الأكراد تماماً، وهم تعلموا درساً في عدم الثقة بالوعود السياسية.

 

الاستفتاء يدعمه حزب مسعود بارزاني واسمه الحزب الديموقراطي الكردستاني، كما يتلقى تأييداً مشروطاً من الاتحاد الوطني في كردستان، لكن هناك معارضة من بعض الأكراد مثل أتباع الجماعات الإسلامية.

 

أرى أن الأكراد يستحقون دولة مستقلة ليس في كردستان العراق فقط وإنما حيث وُجدوا في المنطقة من إيران إلى العراق وتركيا وسورية. هم اضطهِدوا عقوداً، ودفعوا ثمناً من أرواحهم، فلا أعود إلى تاريخ أو جغرافيا، وإنما أنقل عن الأخ مسعود بارزاني في مؤتمر عقد في واشنطن الشهر الماضي. فقد ذكّر المستمعين بأن 182 ألف كردي قتِلوا أيام صدام حسين وكان بينهم خمسة آلاف قتِلوا في حلبجة وحدها. هو سأل: إذا كان الوقت الحالي ليس مناسباً فمتى هو الوقت المناسب؟

 

أؤيد استقلال الأكراد من دون أن أعمى عن الأخطار المحيقة بهم. إذا استقلوا فهم من دون منفذ على البحر وتستطيع دول الجوار أن «تخنقهم» بحصار بري وجوي. ثم أن الاستقلال في شمال العراق لا يمكن أن يقف عند حدود كردستان العراق والمناطق الأخرى التي ضمّها الأكراد خلال القتال مع «داعش»، ففي تركيا وحدها حوالى 30 مليون كردي في شرق البلاد وقرب الحدود مع العراق وإيران. إذا استقلت كردستان العراق فالأكراد حول الدولة الجديدة سيسعون إلى الانضمام إليها، ما يعني حروباً مع دول الجوار. وتركيا تهدد، فالرئيس رجب طيب أردوغان يخوض حرباً مع حزب العمال الكردستاني، وهذا له مواقف إرهابية، إلا أن أردوغان اعتقل سياسيين من الأكراد وصحافيين ورجال أعمال، وحوّل بعضهم إلى المحاكم. وفي حين أن عاصمة الأكراد التركية هي ديار بكر فقد أصبح الوجود التركي الرسمي فيها يفوق وجود الأكراد، والحكومة تعيّن المسؤولين من رئيس البلدية نزولاً.

 

الاستفتاء الكردي سيشمل مناطق ضمها الأكراد بعد هزيمة «داعش» في الموصل وغيرها، وحكومة بغداد تعارض الاستفتاء أصلاً، وتعارض بشدة أكبر أن يُستفتى سكان المناطق المضمومة في الشمال. الولايات المتحدة تؤيد الحكومة في بغداد، وتريد أن تعود المناطق المحررة تحت سيطرة الحكومة المركزية.

 

الأكراد لهم ظلامة وأرى أن لها أسباباً موضوعية، ولعلي أتوكأ على رسالتَيْن تبادلهما الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مع مسعود بارزاني رئيس كردستان العراق. الأخ أبو الغيط وقف في رسالته ضد الاستفتاء، ورد عليه الأخ مسعود مذكّراً بما عانى منه الأكراد في العراق وغيره. الأكراد الآن لهم عبارة تصف الاستقلال المنشود، هي «نحن نستحق ذلك»، أي الاستقلال.

 

أوافق على هذا ولكن أرجو ألا يغرق الأكراد في الأحلام، فالمعارضة الأشد لاستقلالهم ستأتي من تركيا التي تحارب حزب العمال الكردستاني كل يوم، كما تعارض أن ينفرد الأكراد السوريون بمناطقهم قرب حدودها خشية أن يصيبوا بعدوى الاستقلال الأكراد في تركيا.

 

أستطيع أن أعود بكل ما سبق إلى احتلال الولايات المتحدة العراق في 2003، فهي أطاحت صدام ونظامه، إلا أنها وضعت مكانه نظاماً طائفياً بغيضاً، وتعرضت الأقليات من أكراد ومسيحيين للأذى، ومن دون أن ينتصر لهم أحد في الساحة العالمية بسبب الموقف الأميركي المؤيد للحكم الذي أقامته واشنطن بعد صدام.

 

كل ما سبق وُجِد أو موجود، ومع ذلك أتمنى أن أعيش لأرى دولة كردية مستقلة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  صقر الجبل الكردي

 

 عصام الخفاجي

 

 

   الحياة السعودية
 

خلال أسبوع واحد تحوّلتُ في أعين معلّقين أكراد من «صديق وفيّ للشعب الكردي»، مدافع عن حقه في تقرير مصيره ومؤيد لقيام دولة كردستان المستقلة، «مفكّر موضوعي مرموق» و «محلّل دقيق لأوضاع كردستان والعراق» إلى «عربي يدس السم في العسل»، «شوفيني يريد إبقاء كردستان خاضعة تحت هيمنتهم»، و «متظاهر بالحياد وهو يفرغ حقده على كردستان». وتحوّلت في أعين عراقيين عرب من «مدافع عن المخططات الأميركية لتقسيم العراق» إلى «ديموقراطي شجاع».

 

وبين هذا وذاك تعرّض موقع إلكتروني ينشر مقالاتي، وله شعبية بين الأكراد، إلى التخريب بعد أن انهالت الشتائم فيه عليّ أنا الذي «أفتخر بجرائم صدام حسين ضد الأكراد»، وعلى المشرف الكردي على الموقع الذي «جلب الخزي على نفسه» و «كشف عن نواياه الشريرة» بنشره مقالات تعرّض بشعبه.

 

والقضية، باختصار، تعود إلى نشري مقالين متتاليين رأيت في الأول منهما أن بقاء كردستان إقليماً تابعاً للعراق، وإن شكلياً، بات أمراً مدمّراً للعلاقة بين الشعبين الكردي والعراقي وأن من مصلحتهما التعجيل في فتح مفاوضات لا تدور حول حل مشاكل بين إقليم وسلطة اتّحادية يخضع لها، بل بين العراق وبين دولة كردستان الجارة التي تمنيت أن يقابل العراقيون ولادتها لا بالقبول على مضض بل بالترحاب. وأثرت في المقال الثاني أسئلة افترضت أن من حق المواطن الكردي أن يطرحها وهو يشرع في التصويت على الاستفتاء على استقلال كردستان بعد أسابيع قليلة، خالصاً إلى استنتاج مفاده بأنني لو كنت كردياً لصوّتّ على سؤال هل تؤيد استقلال كردستان بـ «لا».

 

لا تثير الفجوة الهائلة التي تفصل العراقيين عن الأكراد الدهشة، فهي باتت في عداد البدهيات، لكنها تكشف أن العصبيات القومية لا تزال، حتى في ظل طغيان العصبيات الطائفية والدينية، ذات قدرة هائلة على استحضار أسوأ ما في ثقافتنا السائدة من اختزال للفرد إلى جزء من قطيع يُسلخ عنه عقله وقدرته وتُعزى آراؤه لا إلى اجتهاداته بل إلى قطيعه القومي أو الطائفي، فلا يعود ثمة نقاش بين أفراد بل عراك بين أقوام، ولا يعود ثمة تأمل في مضمون الفكرة بل تساؤل عن نوايا مطلقها. وسؤال «لمصلحة من؟» يجسّد الخصي الذي أصاب الإبداع والاجتهاد في منطقتنا، ويفسّر أسباب العجز عن إيجاد حلول لكوارثها المتزايدة. ولعلّي أنتجت، من دون قصد، حالة مختبرية لقدرة العصبية الغريزية على انتقاء ما يتساوق مع ميولها فتلتقط العصبية الكردية فكرة الاستقلال الضروري لكردستان فيما تلتقط العصبية العربية حجج الإجابة الرافضة له.

 

لن أكرر الحجج، بل أحاول أن أبيّن أن تصويت الكردي بـ «نعم» على الاستفتاء في هذا التوقيت وبهذه التخريجة سيكون تصويتاً بـ «نعم» لإطلاق يد السيد مسعود البارزاني للقضاء على تجربة أملَ كثيرون بأن ترسّخ نظاماً ديموقراطياً في كردستان و «نعم» لتكريسه ديكتاتوراً يؤسس لدولة لا تحمل من الشكل الجمهوري للحكم غير الاسم كما كوريا الشمالية وسورية.

 

من الصعب الموافقة على تفسير القيادة الكردية أو تبريرها للتوقيت الدرامي للاستفتاء كضرورة لبدء المفاوضات مع بغداد وهي تحمل تفويضاً شعبياً مطالباً بالاستقلال، لأن كل سياسيي بغداد بلا استثناء يدركون بأن غالبية الكرد تطالب به. وهذا هو السبب الرئيس الذي يوجب تأييد قيام جمهورية كردستان المستقلة. والأقرب إلى الدقة أن بارزاني عازم على التفاوض وهو يحمل تفويضاً من الشعب بوصفه قائده الأوحد في المعركة الفاصلة لإنجاز التحرر الوطني. هي محاولة لفرض شرعية قيادته للإقليم/ الدولة التي تمر بأضعف حالاتها. فالرجل قرّر تمديد فترة حكمه بعد أن استنفد كل الذرائع التي تمكّنه من ذلك. حكم كردستان منذ 2003، وكان قبلها يتنازع السلطة مع السيد جلال الطالباني. نجح في إقناع البرلمان بأن يعتبر أن فترة الدورتين القصويين للرئاسة تبدأ منذ إقرار الدستور. أنهى الدورتين فأقنع الأحزاب السياسية بالتمديد له عامين بسبب الظروف الاستثنائية وما أكثرها حين يستمتع القائد بالعرش. انتهت السنتان، فجاء «داعش» بظرف استثنائي قرر بسببه التمديد لنفسه من دون الرجوع إلى البرلمان هذه المرة لأنه قرر تعطيله قبل سنتين. وها إن كردستان قد تحررت من «داعش» ويوشك العراق أن يتحرر منه.

 

ولأنه واحد من حكام منطقتنا، لم تثر كل تلك الإجراءات سخطاً واسعاً في أوساط جمهرة الكرد التي تطحنها الأزمات الاقتصادية والتخويف من العدو الخارجي. فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، غريمه سياسياً ونظيره في التمتع بسلطة العائلة، تنازل عن مطلبه بتولي أحد قادته منصب الرئيس واكتفى بتوريث ابن قائده التاريخي جلال الطالباني منصب نائب رئيس الوزراء. وبقيت حركة كوران (التغيير) تناطح وحدها وتطالب بعودة الحياة السياسية التعددية وبتأجيل الاستفتاء بوصفه قراراً يجب أن يتّخذه ممثلو الشعب المنتخبون، وهي التي لا تقل حماساً للاستقلال عن غيرها.

 

نحن، إذاً، أمام منظور للإصرار على إجراء الاستفتاء بعد شهر ومنظورين للدعوة إلى تأجيله: منظور سياسيي بغداد الآملين بأن يؤدي عامل الزمن والضغط الإقليمي والدولي وتقديم التنازلات للإقليم إلى تمييع المطالبة بالاستقلال وركنه جانباً، ومنظور لا أوهام فيه بأن تتجاوز كردستان أزماتها السياسية الداخلية والاقتصادية التي أضيفت إليها الآن أزمتها الجدية في التعاطي مع العالم ودول الإقليم، بل ينطوي على محاولة للتنفيس عن اختناقات تقود كردستان إلى طريق مسدود وعلى مسعى لترصين موقع الأكراد في مفاوضات هي في واقعها معركة سياسية قد تتعسكر إن أصر بارزاني على قراره الإمبراطوري.

 

في مغامرته هذه، يراهن بارزاني وربما كان على حق، على إلهاب حماس الشعب القومي الذي سيسانده إن قرر سحق مؤسسات الحكم وتحويلها إلى منابر للحزب القائد. سيتكرّس زعيماً لا يأبه بالشكليات القانونية ولا بتنظيرات المثقفين التي ليس من شأنها إلا إضاعة الزمن في الثرثرة والنقاشات، فيما يريد الشعب قرارات حاسمة يتخّذها قائد حازم أعرف بمصالح شعبه من الشعب نفسه. وأكاد أجزم أن الخطوة اللاحقة لـ «نعم» ستكون الدعوة إلى انتخابات يحصل فيها حزب الرئيس على غالبية كبيرة في برلمان يقرر تحويل نظام الحكم في كردستان إلى نظام رئاسي يسحب السلطات من البرلمان ويضعها في يد الحاكم. وقد يستعيض القائد عن ذلك، وقد أغوته الاستفتاءات، باستفتاء آخر لـ «نعم» أخرى لنظام سياسي أكثر فردية. وستكون «الأخطار المحدقة بالوطن، والأعداء الذين يتربّصون بدولتنا الفتيّة» حجة أثيرة بالطبع. حكمة يعرفها كل ديكتاتور ناجح بالفطرة: عمّقْ الإحساس بالخطر الخارجي وستجد الجمهرة طوع بنانك.

 

وماذا إن اضطر بارزاني إلى التراجع عن قرار إجراء الاستفتاء في اللحظة الأخيرة، وهو أمر لا أستبعده إن صدقت الإشارات الأميركية عن إيقاف المساعدات للبيشمركة إن لم يتراجع؟ قد لا يتغير شيء، وقد يتغيّر كل شيء. قد يوجه بارزاني خطاباً إلى الشعب، وهو متهدّج الصوت، يشرح فيه الجهود التي بذلها من أجل حرية كردستان وصموده بوجه الضغوط والمؤامرات الداخلية والخارجية. وقد يذكّرهم بالعذابات التي تحمّلها الشعب الكردي وهو يكافح من أجل نيل حرّيته. وقد يعلن تنازله عن السلطة إن تأكد أن الكرد سيزحفون إلى قصره، كما زحف المصريون ليعيدوا عبد الناصر إلى السلطة إثر هزيمة 1967. عند ذاك سيعلن بارزاني: «خسرنا معركة ولم نخسر الحرب».

 

كرّست شغلي النظري طوال العقود الثلاثة الأخيرة لدراسة تكوّن الدول والأمم والهويات القومية، وأدرك تماماً الهياج المصاحب لتبلور تلك الهويات، بل ضرورته لسوء الحظ. وأعرف كيف يؤدي هذا الهياج إلى صعود الاستبداد وتعمّقه. وأدرك بالتالي أن كل ما كتبت وكتبه غيري لن يدفع الجمهرة الغالبة إلى التفكير العقلاني. يتوهّم من يقول إن الشعوب تتعلم من تجارب غيرها أو من التاريخ. ربما يصح هذا في حالة نخب من المثقفين، لكن البشر الذين يمرون بظروف تاريخية متشابهة ينزعون إلى التفكير والتصرف بطرق متشابهة. والشعب الكردي يعيش اليوم عرس خمسينات وستينات العرب في القرن الماضي: الأولوية المطلقة للتحرر الوطني، أما المشاكل الأخرى فستتولى قيادتنا حلّها.

 

ملاحظة ختامية: أستمع الآن إلى أغنية تقول «هلا يا صكر (صقر) الجبل». قبل 2003، كان العراقيون يستمعون إلى أغنية «هلا يا صكر البيدا» (صقر البيداء).

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     الإرهاب بين الطرح السنّي والمفهوم الشيعي

 

 

   مصطفى الفقي

 

    الحياة السعودية
 

هناك ثلاثة تواريخ مهمة في حركة المد الديني والمشروع الإسلامي عموماً تأثرت بها مسيرة العرب والمسلمين بل ربما العالم كله، الأول هو نشوء حركة «الإخوان المسلمين» في مصر من مدينة الإسماعيلية عام 1928 بعد سنوات قليلة من سقوط آخر خلافة إسلامية في إسطنبول، والثاني نجاح الثورة الإيرانية في الوصول إلى السلطة في شهر شباط (فبراير) عام 1979، أما الثالث فهو حادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بما حمله في طياته من نتائج خطيرة وتداعيات، من سقوط أنظمة وانهيار دول، حتى أضحى مبرراً للعدوان باسم الدفاع عن النفس ومطاردة العرب والمسلمين بدعوى مكافحة الإرهاب، أما العرب والمسلمون فهم أول ضحاياه وأكثر من دفع فاتورة جرائمه.

 

وعلى رغم الاختلاف بين المحطات الثلاث التي أشرنا إليها، إلا أن القاسم المشترك بينها هو أن كلاً منها أدى إلى تحولات كبيرة وخطيرة في مسيرة الإسلام السياسي بالدرجة الأولى والاتهامات الظالمة التي وجهت إلى الديانة المحمدية وأساءت إلى العرب والمسلمين على حد سواء، وخلطت بين الإرهاب والكفاح المسلح ووضعتنا جميعاً في موقف دفاعي من دون ذنب أو جريرة. ولا بد هنا أن نناقش الطرح الظالم الذي ربط بين الإرهاب والإسلام السنّي تحديداً، على اعتبار أن تنظيمي «القاعدة» و «داعش»، وهما أخطر تنظيمين إرهابيين ظهرا في العقود الأخيرة، ينتميان ولو من حيث الشكل الظاهري إلى الإسلام السنّي، وعلى رغم أني أظن أن الثورة الإيرانية أدت أيضاً إلى دفعة قوية للتطرف والغلو والإرهاب في بعض مناطق العالم الإسلامي، إلا أنها تمكنت من التملص من المسؤولية وساعدها ذلك الانقسام المهين بين السنّة والشيعة بفعل الوجود الأجنبي وتغذيته ذلك النوع من المشاعر التي لا مبرر لها، وقد استثمر الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية الخلاف السنّي- الشيعي المزعوم في توسيع الهوة بين أتباع المذهبين، على رغم أن الفارق بينهما تاريخي وليس دينياً، فإلههما واحد، ونبيهما واحد، وقرآنهما واحد، وقبلتهما واحدة، وأركان دينهما ثابتة، والخلاف التاريخي الذي بدأ منذ القرن الأول الهجري ينصب على أولوية الإمام عليّ بالخلافة بعد رسول الله، بينما يرى الفريق الآخر أن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هي المسار الطبيعي الذي وصل بالجميع إلى الإمام عليّ، كرم الله وجهه، وهو محل تقدير وتوقير لدى أهل السنّة والجماعة على نحو لا يقل إطلاقاً عن تقدير الشيعة له، والآن دعنا نناقش ما أجملناه من خلال الملاحظات التالية:

 

أولاً: إن الشيعة العرب جزءٌ لا يتجزأ من الجسد العربي بل يسبق تشيّع الفرس الذي انتشر في ظل الدولة الصفوية بقرون عدة، فالتشيع العربي بدأ منذ عام الانقسام حول الخلافة الإسلامية والمواجهة بين عمر وعلي أثناء ما نطلق عليه «الفتنة الكبرى»، وأتذكر أني سألت ذات يوم صديقاً كان ضابطاً عراقياً سابقاً ومعاوناً لرئيس أركان حرب القوات المسلحة العراقية أثناء الحرب العراقية- الإيرانية: كيف كان موقف الضباط الشيعة في الحرب مع إيران؟ قال لي: كانوا في الصفوف الأولى يحاربون من أجل الوطن العراقي ويؤكدون انتماءهم العربي قبل انتسابهم الشيعي ولقد قاتلت معهم طوال السنوات الثماني وأدركت عروبتهم الحقيقية وإيمانهم بأمتهم ووطنهم، ثم أضاف مفاجأة من العيار الثقيل: أنت تعرفني منذ أكثر من ثلاث سنوات عملنا فيها معاً في عاصمة أوروبية وأريد أن أقول لك إني عراقي شيعي، ولعل في معرفتك بي شهادة حقيقية تضاف إلى ما ذكرته لك.

 

ثانياً: تتردد مقولة تاريخية ينطلق منها البعض قائلين إن الشيعة هم ثوار الإسلام، إضافة إلى أنه لا يمكن التفرقة بين المسلمين بسبب معيار الثورة، فالخلافات المنهجية هي تعبير عن التفاوت في النظرة التاريخية، وليست أبداً اجتهادات فكرية أو خلافات حول جوهر الشريعة، لذلك فإن المسلمين على اختلاف مذاهبهم يدينون الإرهاب ويرفضونه ويعتبرونه عدواناً على الأرواح وخروجاً عن صحيح الدين، لذلك فإن الحديث عن وجود أغلبية سنّية في صفوف التنظيمات المتطرفة هو أمر مردود عليه بأن هناك تنظيمات متعددة تقوم على قاعدة إرهابية وليست نظرة مذهبية، لذلك فإنه لا يوجد سنّي مسلم يبرر الإرهاب ولا شيعي مسلم يقبل جرائمه، فالإدانة واحدة والرفض مشترك ولا قبول لهذه الجرائم في ملّة أو دين أو مذهب.

 

ثالثاً: عندما نتحدث عن الخلاف الفارسي- العربي وهو خلاف تاريخي، فإننا ندرك أنه تراكم لعصور متعاقبة من سوء الفهم المتبادل والثقة المفقودة، فالدولة الفارسية كانت تنظر في كثير من مراحلها بنوع من الاستعلاء إلى العرب مع أنهم يمثلون مصدر الشريعة الغراء ومهبط الوحي ومنزل الرسالة، لذلك فالخلاف بين الفرس والعرب يقف على أرضية قومية وليس خلافاً مذهبياً أو دينياً فالكل يقبل مظلة الإسلام ولكن الدوافع القومية الكامنة والأطماع الفارسية في منطقة الخليج هي التي دفعت بالخلاف بين الأمتين الفارسية والعربية إلى هذا المدى.

 

رابعاً: لقد اتفق جميع خبراء الدراسات السلوكية على أن الإرهاب ظاهرة عالمية عرفتها الإنسانية في مراحل معينة من تطورها، وهي لا ترتبط بجنسية ولا تعبر عن دين ولا تمثل قومية، إنما هي ظاهرة عدوانية متطرفة تتعمد الفهم المغلوط للديانات والثقافات والحضارات وتسعى إلى تمزيق وحدة الصف والعبث بما هو مشترك بين أبناء الجنس البشري مع محاولة تصنيفهم على نحو يخدم أهدافها ويدعم البعد الإرهابي في أساليبها الدموية، وذلك يعني أن محاولة الزعم بوجود إرهاب سنّي أو ثورة شيعية هو نوع من العبث الفكري الذي لا يستقيم مع حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا، فالجريمة لا دين لها ولا وطن ولكنها تسعى إلى استغلال مظاهر الحياة كافة، لخدمة غاياتها التي لا يقرّها شرع ولا يقبلها دين.

 

خامساً: لقد أثبت الشيعة العرب في العراق ودول الخليج وأقطار المشرق العربي أنهم يدافعون عن أوطانهم إذا واجهوا عدواً أو تجاوز عليهم خصم، بينما لا يمكن بيع أوطانهم ثمناً لخلاف مذهبي لا يشكل اختلافاً حقيقياً في إطار جوهر الدين وثوابت الشريعة، ولكن يتم استغلال بعضهم من قوى إقليمية لا تريد الاستقرار والأمن والسلام لشعوب المنطقة، فتدفعهم نحو بعض حالات التمرد على شرعية الحكم ووحدة الصف واحترام مفهوم المواطنة، وليس صحيحاً على الإطلاق أن هناك عربياً يتمرد على سلطة الحكم بدافع مذهبي ما لم تكن وراءه رائحة التآمر ودوافع العدوان.

 

سادساً: لقد زرع تنظيم «داعش» انطباعاً عاماً على المستوى العالمي بتأكيد انتمائه المذهبي بل قام بعمليات قتل مروعة وفقاً للهوية وتلطخت أعلامه السوداء بدماء السنّة والشيعة على السواء، ولذلك فإننا نؤكد أن ذلك الإجرام الإرهابي لا يستند إلى مذهب ديني، ولكنه يوظف ذلك لخدمة أغراضه وتحقيق أهدافه.

 

سابعاً: دعنا نعترف بأن لدى المسلمين مشكلة حقيقية تجاه تفسير مفهوم الجهاد، إذ حاولت فرق كثيرة وجماعات مختلفة تطويعه وفقاً لأهوائها بينما الجهاد في الإسلام له مدلول أرقى وأرفع بكثير مما حاول البعض إلصاقه به أو نسبته إليه، فالجهاد يعلو على الدماء والأشلاء وليس الجهاد بالضرورة سيفاً أو مدفعاً، ولكنه يمكن أن يكون أيضاً دعوة مخلصة أو رسالة صادقة أو كلمة حق أمام سلطان جائر، فالجهاد نزعة إصلاحية وليس جماعة إرهابية أو شهوة دموية، من هنا يصعب إلصاق تهمة الإرهاب بفضيلة الجهاد، فالفارق بينهما كبير والمسافة واسعة ولا ينبغي الخلط بينهما، كما تحاول بعض القوى الإقليمية تبريراً لسياسات عدوانية أو تحويلاً للأنظار عن جرائم في حق الشعوب التي تحاول أن ترفع الداء وتدفع البلاء، ولكن روح العصر وخطورة وسائل تكنولوجيا المعلومات قد لا تساعد على ذلك في كثير من المناسبات.

 

لقد أردنا من السطور السابقة أن نؤكد معنى نحرص عليه ونلتزمه وهو أن الإرهاب لا وطن له ولا دين ولا مذهب، ومن الظلم الحديث عن إرهاب سنّي أو آخر شيعي فالإرهاب جزء من الجريمة المنظمة التي يعرفها عصرنا كما عرفتها عصور سابقة ومن غير المعقول أن نتحدث عنه بغير ذلك، فالإرهاب لا يقف بين الطرح السنّي أو المفهوم الشيعي ولكنه ينطلق من قواعد عدوانية آثمة لا تحترم قيمة الإنسان ولا حق الحياة ولا تملك رؤية للمستقبل.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     ما دور العائلات اليهودية وتجار الأسلحة والحروب في نفط العرب والمسلمين؟ اول امتياز للتنقيب عن النفط في العالم العربي كان لشركة بترول البحر الميت ويرأسها ادميرالان من البحرية البريطانية

 

   د. عبد الحي زلوم

 

    الراي اليوم بريطانيا
 

سجل أول ظهور في التاريخ للنفط في العراق في هيت قرب بغداد قبل حوالي 5 آلاف عام. كان  تسرب النفط إلى سطح الأرض عبر الشقوق في المناطق التي تسمى الآن العراق وإيران  وشبه الجزيرة العربية تحدد مكانه. وظل البترول محدوداً في استخدامه كدواء حتى منتصف القرن التاسع عشر.

جمع جورج بيسيل عدداً من المستثمرين ليجروا دراسة حول ما إذا كان البترول يمكن استخدامه كسائل مضيء، وفوضوا أستاذاً في الكيمياء من جامعة ييل بإجراء هذه الدراسة. وأصبح التقرير جاهزاً في 16/4/1855. كانت نتائج التقرير إيجابية بأنه يمكن تقطير هذا الزيت إلى عدة منتجات بما فيها مادة الكيروسين للاضاءة .

كان الصينيون قد طوروا تقنية للحفر قبل 1500 عام يمكنها الحفر حتى عمق 3000 قدم بحثاً عن الملح . سجل بسيل شركة اسمها (شركة نفط سينيكا Seneca Oil Company)، وعين وكيلاً عاماً لها إدوين دريك وأُوكلت إليه مهمة الحفر قرب  مدينة تيتوسفيل (Titusville) في بنسلفانيا في مزرعة يوجد بها تسرب ينتج يومياً ما بين 3 إلى 5 غالونات من النفط حتى تمكن من إنتاج النفط على عمق 69 قدماً في عام 1859. واشتروا كل براميل الويسكي الموجودة داخل وخارج المدينة كي يتمكنوا من تخزين النفط المكتشف. وبات التخزين هو المشكلة الكبرى  حيث أن سعر برميل الويسكي الفارغ وتكلفته أصبحت تعادل ضعفي كلفة النفط الموجود بداخله.

وفي 10/1/1870 أسس روكفيلر وشركاه شركة نفط ستاندارد (Standard Oil Company).. وقد تمكنت شركة نفط ستاندارد من إملاء شروطها على منتجي النفط من خلال عدة وسائل، منها التحكم بنقل النفط عبر السكك الحديدية، والتواطؤ معهم، علاوة على التحكم بعمليات تكرير النفط والبيع بأسعار أقل بكثير من الشركات المنافسة، مما أدى إلى إفلاسها. وسيطرت ستاندارد على ج 90% من إجمالي الكيروسين الأميركي مع نهاية السبعينيات من القرن التاسع عشر، وأصبحت روسيا سوقاً كبيرة جداً لشركة نفط ستاندارد.

كان هناك في باكو، عاصمة أذربيجان، بعض الأماكن التي يحدث فيها تسرب نفطي وكانت الفترة ما بين عامي 1871-1872 قد شهدت حفر أول الآبار، ثم تم تشغيل 20 محطة تكرير بحلول عام 1873 إحداها اشترتها عائلة نوبل الشهيرة. والتي كانت تعمل في تجارة الأسلحة.

وهنا بدأ الكيروسين الذي تملكه عائلة نوبل ينافس بقوة الكيروسين الذي تُصدره شركة نفط ستاندارد. لمنطقة بحر قزوين. وتمكنت  عائلة نوبل على وجه السرعة من ابتكار ناقلات النفط سنة 1878 وأصبحت “شركة الأخوة نوبل لإنتاج النفط”  ، أول شركة نفطية متكاملة في العالم تدمج من التنقيب والإنتاج وحتى  أنظمة التوزيع بالتجزئة. وتم   تحقيق ذلك كله في غضون عشر سنوات فقط! وأخرجت  الكيروسين الأميركي من روسيا. ولسبب إلحاح منتجي النفط الروس، قامت روسيا باحتلال ميناء باتوم (Batum) التركي على البحر الأسود حتى يتمكنوا من ربطه مع نفط القفقاس، عن طريق خط من السكك الحديدية. وقامت الشركة الروسية صاحبة العلاقة بضمان قرض من عائلة الرروتشايلد  مقابل رهن مرافق نفطية) وإعطاء محطة تكرير تابعة لعائلة الروتشايلد  في ميناء فيوم على البحر الأدرياتيكي بأسعار تفضيلية. وبعد إنشاء خط السكك الحديدية بين باكو وباتوم، والانتهاء منه، قامت عائلة الروتشايلد بتأسيس شركة نفط البحر الأسود وبحر قزوين (بنيتو) Bnito. بحلول عام 1888، أصبح الإنتاج الروسي يبلغ 80% من الإنتاج الأميركي وبات بحاجة لأسواق للتصدير مما  أقض مضجع شركة نفط ستاندارد، والتي كانت لديها شبكة تجسس خاصة تضم العديد من قناصل الحكومة الأميركية. اتخذت شركة ستاندارد إجراءات صارمة تمثلت في تخفيضها لأسعار نفطها في أوروبا.

قامت عائلة الروتشايلد بالبحث عن أسواق لها. وكان فريد لين (Fred Lane) يرعى مصالح نفط عائلة الروتشايلد في لندن، حيث عرّفهم على ماركوس صامويل  وهو يهودي مثلهم. وكان لوالد ماركوس علاقات تجارية وطيدة مع اليابان، وشبكة متكاملة من العلاقات مع البيوتات التجارية البريطانية في كل دول الشرق الأقصى . وجاء افتتاح قناة السويس عام 1869 ليختصر الرحلات البحرية إلى الشرق الأقصى بحوالي4000 ميل.

قرر ماركوس صامويل أن يبني ناقلات نفط لتعبر قناة السويس وفي 22/7/1892، أبحرت الناقلة موريكس (Murex) من باتوم، وعبرت قناة السويس في 23/8/1892. وتشكلت بعد ذلك شركة للناقلات. وما بين عامي 1894-1895 كانت شركة الأخوة صامويل أيضاً قد أصبحت المزود والممول الرئيس للأسلحة والإمدادات لليابان في حربها ضد الصين.

في عام 1880، قام مدير هولندي في شركة تبغ شرق سومطرة بتجميع عينات من تسرب نفطي من أحد الشقوق، وأرسلها للتحليل وكان 60% من ذلك النفط عبارة عن كيروسين. وقد حصل هذا الهولندي، واسمه تسيلكر(Zijlker)، على امتياز من سلطان لانكات لشمالي شرقي سومطرة، حيث تم عام 1885 حفر أول بئر بنجاح. وحصل تسيلكر على المال، الذي كان يلزمه من خلال بعض المصرفيين، إلى جانب حصوله على رعاية الملك الهولندي نفسه، الذي منح الشركة لقب “ملكية” ليصبح اسمها الشركة الملكية الهولندية (Royal Dutch Company). واستكملت رويال دوتش تجهيز بنيتها التحتية في الهند الشرقية، فشرعت في أعمالها بدءاً من 2/4/1892،وحصلت رويال دوتش على “حماية” من الحكومة الهولندية.

في عام 1882، أدار المخترع توماس أديسون مفتاح مولد كهربائي في مكتب المصرفي جيه بي مورغان في مانهاتن ليشعل بذلك ثورة هائلة غيرت وجه العالم. كما  أن الكهرباء سرت في لندن في العام نفسه، وتدريجيا، حلّ مصدر النور النظيف هذا محل الكيروسين.  وفي الوقت نفسه اخترع المهندس الألماني دايملر    (Daimler) محرك الاشتعال الداخلي والذي يمكن استخدامه بمشتق آخر من البترول هو البنزين. تمكن هنري فورد  من تطوير سيارة أسماها باسمه. وهكذا تبدلت أولويات المشتقات النفطية من الكيروسين إلى  البنزين ولاحقاً  زيت الوقود عندما وافق ونستون تشرشل  أدميرال البحرية على استبدال الفحم كوقود للأسطول البريطاني بزيت الوقود، وهو مشتق بترولي آخر أضفى على النفط بعداً استراتيجياً إضافياً. وعندما أصبحت المركبات المدرعة والدبابات والطيارات فيما بعد، أسلحة للحرب العصرية، أصبح البترول هو المصدر الذي يوجه نمو القرن العشرين، بل وحروبه وصراعاته.

ظل صامويل حتى أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر يحصر معظم استثماراته في ناقلات النفط ومرافق التخزين، ولكنه الآن يحتاج إلى إمداداته الخاصة من النفط. لذا، فقد حصل على امتياز في إقليم كيوتاي (Kutei) شرق بورنيو (Borneo). واكتشف أول بئر نفطي عام 1897، بينما اكتشفت أول بئر غزيرة الدفق في إبريل من عام 1898 وفي الوقت ذاته، قام صامويل بدمج كل شركاته شركة واحدة عام 1897 وهي شركة شل للنقل والتجارة ، ثم اندمجت هذه الشركة فيما بعد مع رويال دوتش لتشكل شركة رويال دوتش  شل Royal Dutch Shell. وهكذا شكل اليهود أول شركة نفط من ما يسمى بالاخوات السبعة .

في السنوات الأولى من القرن العشرين أصبح النفط الروسي مهدداً بفعل الحركات الثورية، وهذا ما أصاب الشركات الروسية وعائلتي الروتشايلد ونوبل بنوبة من القلق وأصبح جوزيف جوغاشريليJoseph Djugashrili)، الذي عرف فيما بعد باسم جوزيف ستالين  المنظم الاشتراكي الرئيس في ميناء باتوم النفطي. وكان هذا سبباً  جعل  عائلتي الروتشايلد ونوبل يفكرون في بيع شركاتهم النفطية. وفي عام 1912، باعت عائلة الروتشايلد كل شركاتها النفطية الروسية واستبدلتها بأسهم وحصص في شركة رويال دوتش  شل بحيث أصبحت من كبار المساهمين. وحيث أن شركة شيل shell قد اصبحت شركياً رئيسياً في امتياز نفط العراق فلذلك اصبحوا جزءاً من ملكية شركة نفط العراق لاحقاً .

 في 25/5/1901، وقّع امبراطور إيران مظفر الدين شاه اتفاقية لامتياز نفطي مع شركة ويليام نوكس دآرسي التي منحتها وزارة الخارجية البريطانية كل الدعم السياسي، ومن ثم العسكري ، وعينت الضابط آرنولد ويلسون مسؤولاً عن حماية عمليات دآرسي في إيران. وتعرضت ميزانية دآرسي إلى هزة عنيفة حيث نفذت كل أمواله وباتت عملياته مهددة بالتوقف..  قابل دآرسي الفرع الفرنسي لشركة عائلة الروتشايلد، . فأرسلت المخابرات البريطانية جاسوسها الأكبر ريلي (Reilly) ليقنع دآرسي ببيع الامتياز إلى شركة بريطانية مسيحية ذات سمعة جيدة. وقد تنكر ريلي بزي كاهن ليداعب المشاعر الدينية القوية المعروفة لدى دآرسي ، ولكن ريلي كان يهودياً واسمه الحقيقي سيغموند جورجيفيتش روزنبلوم . الشي بالشيء يذكر فقد حصل رويتر مؤسس وكالة رويترز للانباء على امتياز التنقيب عن النفط في بلاد فارس( ايران)  في الربع الاخير من القرن التاسع عشر . لكن تمّ الغاء الامتياز بعد أن تظاهر الناس ضد ذلك الامتياز بعد أن عرفوا أن رويتر يهودي وأن اسمه قبل ان يغيره كان اسرائيل جوزيفات.

في 25/5/1908، اُكتِشِفَ النفط قرب مسجد السليمان. وفي 19/4/1909، باع بنك إسكتلندة أسهماً في شركة النفط البريطانية . الفارسية ومع عام 1912، كان رأس المال العامل لهذه الشركة قد نفذ تماماً بسبب حقول النفط الضخمة المكتشفة، والبنى التحتية اللازمة لتطويرها واستغلالها. وفي 20/5/1914، وقعت الأدميرالية البحرية البريطانية وشركة النفط البريطانية الفارسية اتفاقية، امتلكت بموجبها الحكومة البريطانية 51% من الشركة المذكورة بحيث يكون للحكومة ادميرالان عاملان في مجلس إدارتها ويُعينان من الحكومة، علاوة على اتفاقية سرية منفصلة تمنح الإمارة البحرية زيت الوقود بأسعار تفضيلية.

ولقد تغير اسم شركة البترول البريطانية الفارسية الى شركة البترول البريطانية ( BP)

من الجدير ذكره أن عائلة نوبل المعروفة وعائلة ماركوس كانت مهنتهما تجارة الاسلحة وأن عائلة الروتشايلد كانت مهنتها الاساسية تمويل الحروب . وهكذا امتزج النفط مع الحروب والدماء والسياسة.  مولت عائلة الروتشايلد الحكومة البريطانية لشراء اسهم مصر  في شركة قناة السويس سنة 1875. وفي حدود الوقت ذاته  مولت المستوطنات اليهودية في فلسطين بل وجهت الحكومة البريطانية وعد بلفور الى  ”  اللورد روتشايلد”.  كذلك فوضت الادميرالية البريطانية حوالي سنة 1880 اثنين برتبة ادميرالان في البحرية لدراسة جدوى التنقيب عن المصادر النفطية والمعدنية في منطقة مِديّن المتاخمة لخليج العقبة تم بعدها مباشرة الإعلان عن تأسيس شركة استثمار باسم اكس . واي للتنقيب والتطوير المحدودة وتم بعدها تأسيس شركة البحر الميت للبترول سنة1882 وهي أول شركة صاحبة امتياز للتنقيب عن النفط في الشرق الاوسط. وللعلم أعلن الكيان الصهيوني عن اكتشاف حقل نفط في منطقة البحر الميت سنة 2016 مدعياً ان الحقل في ارضه بينما الحقل هو في الاراضي الفلسطينية.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  وأخيرا زرت بغداد!

 

 جاسم الشمري    الغد الاردنية  
 

 

بعد سنوات من الغربة والحل والترحال في بلدان قريبة وبعيدة وصلت طائرة الخطوط الجوية العراقية المزينة بذلك الثوب الأخضر المطرز بطائر السنوسو الجميل لبغداد المحروسة، في رحلة لم أكن أعرف متى تنتهي، لأن قلبي هرب مني محلقاً أمامي قبل جسدي، وكأنني في مضمار سباق بين قلبي وتلك الطائرة المميزة بأناقتها وخدماتها.

وبعد رحلة تتسابق فيها الذكريات والأمنيات حطت الطائرة بمطار بغداد الدولي، الذي لبس ثوباً مُزَرْكَشاً، وكأن فناناً مميزاً طرزه على ذلك الطول الفتان لذلك الصرح الحضاري الكبير.

وبعد إجراءات بسيطة قال لي موظف الجوازات: أهلا وسهلا بك سيدي ببلدك العراق، فقلت له: أنا مشتاق لكل شيء في وطني، فرد علي مبتسماً: والعراق مشتاق لجميع أبنائه، حللت أهلاً ووطئت سهلاً.

وبباب المطار كانت الباصات الأنيقة تنتظر الركاب لنقلهم لأغلب أحياء بغداد الكبيرة، وعبر نافذة الباص المكيف والهادئ، كنت أتابع كل صغيرة وكبيرة في شوارع المدينة.

وأخيراً التقيت بحبيبتي، بغداد! يا الله كم هي جميلة سيدتي! ما أروع تنظيم شوارعها، وتشجيرها، وتنسيقها. كل شيء رسم بعناية، وكأنني في مدينة زيّنت لتنشر الراحة والطمأنينة في نفوس أهلها بجميع الأوقات.

وحينما وصلت لحينا البَهيّ آثرت أن أسير مشياً على الأقدام لبيت أهلي حتى أُشبع خلايا فكري وحسرات روحي التي تئن على فراق الوطن منذ تموز(يوليو) 2005.

مررت بذلك الشارع الأنيق المطرز بأشجار الياسمين، ونظرت لبيوت جيراننا من الشيعة والسنة والكرد والنصارى، وتذكرت تلك المرأة النصرانية التي كانت تفرح بقدومي لزيارة أهلي وتحتضنني لأنني كنت صديقاً لولدها الذي فقد في الحرب العراقية الإيرانية، وكأنها تجد فيّ بعض ذكريات ابنها الفقيد.

وحينما وصلت لبيت أهلي وهم لا يعلمون بوصولي- ولا أدري هل طرقت الباب الخارجي، أم ولجت مباشرة للباب الداخلي للصالة- وقبل أن أطرق الباب وقفت قليلاً وبلحظات عجيبة وخاطفة مرّت بمخيلتي سنوات العمر الماضية بحلوها ومرها، هنا جلسنا، هنا ضحكنا، هنا اختلفنا منْ الذي سجل الهدف، وهنا تناولنا الشاي العراقي، وهنا وهنا وهنا. ذكريات جميلة رغم كل الأوجاع!

طرقت الباب، وكانت المفاجأة المدهشة لأهلي، وبعد أن استقبلني أخوتي بحرارة تلك السنوات الطويلة جلسنا قليلاً وتسامرنا، ضحكنا وبكينا من الفرح، وبعد ساعات من الوصول جاء جميع أحبابي من أخوتي وأخواتي، وغالبية أقربائي وأصدقائي للسلام عليّ.

وفي المساء قلت لهم اتركوني مع ذكرياتي لعلي أشبع اشتياقَ وفضولَ تلك السنوات المريرة، وفي لحظتها تذكرت غرفة أمي، التي رحلت في لحظة وهي كالقمر في زهوه وجماله، وجلست حيث كنا نجلس معاً، ونأكل من يدها أبسط طعام وألذه، ولكنه رغم بساطته ما زال عالقاً في الروح والفكر، وتذكرت ذلك الشاي العراقي الثقيل الذي لم نذق مثله في محطات غربتنا!

في اليوم التالي قالوا فلان يدعوك على الغداء، وفلان يدعوك على العشاء، وفلان وفلان، قلت لهم: لا، إنه يوم أمي، سأزور قبرها، ذلك العش الذي يضم جسدها الكريم.

وصلت لقبر أمي بدلالة أحد أخوتي، وجلست عند رأسها، سلمت عليها، ودعوت لها، وقلت لها: يا أُمّي: ثقي بالله ما هجرتك مخيراً، وإنما فارقتك مجبراً، وبالأمس وصلت، واليوم لم أزر أحداً قبلك.

جلست عند رأسها وأغمضت عينيّ، وكأنني أُقبل يدها وجبينها، وأقول لها: سامحيني يا أُمّي فما أملك من أمر الفراق شيئاً، كنتِ رفيقة روحي في أوقات الألم بمقابر الغربة، فأنت لست وحدك في المقابر يا أمّي، فالغرباء لهم مقابرهم التي ربما لا تشبه هذه المقابر في بعض الجوانب.

وبعدها بكيت وبكيت، وحينما تعبت من البكاء غفوت، وحينما صحوت سلمت عليها ثانية ورحلت.

في شوارع حينا الأنيق تذكرت صور أحبابي الذين فارقتهم، ووقفت أمام منازلهم وكأنني جسد بلا روح، ولا أدري كيف افترقنا؟

حاولت أن استرجع ذكرياتي التي قطعت أوتار قلبي فوجدتها تهرب أمامي واحدة تلو الأخرى.

في لحظتها شعرت بحسرة تمزق الروح والجسد، ولا أدري ماذا أفعل. وإلى أين أتجه؟ وفجأة سمعت منبه الساعة يوقظني!

يا إلهي.. إنه حلم، لقد كنتُ أحلم. ورغم ذلك ما فتئت لذة ذلك الحلم البعيد تغمر روحي وكياني!

ليت بعض أحلامنا تتحقق!

كم هي مؤلمة أحلام الغربة؟!