اربع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 المساعدة الغذائية الأمريكية: وجبة طعام لطفل قبل قصفه هيفاء زنكنة

 

 

القدس العربي
 

من بين التغييرات التي يعمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ادخالها منذ توليه الرئاسة، تغيير القوانين المتعلقة بالمساعدات الإنسانية الغذائية إلى العالم، بنوعيها المباشرة التي تتم عبر منظمة الغذاء العالمي للأمم المتحدة، وغير المباشرة التي تقوم بها المنظمات المحلية التابعة لمؤسسات الغوث الأمريكية ومنظمات المجتمع المدني. تقوم برامج المساعدات الغذائية للأمم المتحدة، بتوفير الغذاء لملايين الناس، اما بشكل مواد عينية أو مادية، كمساعدات عاجلة، كما في حالات الكوارث والحروب أو لمحاربة الفقر، وتشكل المساعدات الأمريكية حوالي 40 بالمئة منها. تقوم أمريكا بتقديم المساعدات، عموما، بشكل أغذية، تحمل ختم «هدية من الشعب الأمريكي». فهل هي هدية لاطعام المنكوبين وتأهيل المجتمعات الفقيرة، فعلا، ام انها خاضعة لأجندة سياسية واقتصادية، لا تساعد بل تعيق؟

أصدر ترامب أمرا بالغاء برنامجين كبيرين للعون الغذائي هما «غذاء من أجل السلام» الذي أسسه الرئيس ايزنهاور عام 1954 للتخلص من محاصيل الحبوب الفائضة عن حاجة أمريكا إلى الدول الفقيرة، و»برنامج ماكغوفرن الدولي للأغذية من أجل التعليم وتغذية الطفل» التابع لوزارة الزراعة، والاردن هي احدى الدول المستفيدة منه. جوبه الالغاء بمعارضة اتحادات المزارعين ومستخدمي المنتجات الزراعية وعمال التعبئة والنقل البحري، أي الجهات المستفيدة، بالدرجة الاولى، داخل أمريكا، من برامج المساعدات، فتم الغاء القرار. أصدر البيت الأبيض أمرا تنفيذيا يفرض نقل المساعدات الغذائية الأمريكية على متن سفن ترفع علم الولايات المتحدة بينما يقتضي القانون الحالي رفع نصف السفن العلم الأمريكي. بالاضافة إلى هذه التغييرات التي ستنعكس على ملايين النازحين والمهجرين في العديد من البلدان، من بينها سوريا والعراق واليمن والسودان، صرح رئيس منظمة الغذاء العالمي للأمم المتحدة دافيد بيسلي، قائلا في ظل الحرب بالعراق : «نحن في خطي الهجوم والدفاع الاماميين ضد التطرف والإرهاب». حيث ربط بيسلي المساعدات الإنسانية، بسياسة الأمن القومي و»الحرب على الإرهاب». وعلى الرغم من معرفة الكل ان المساعدات الإنسانية لم تكن يوما مجانية، ونظيفة من المصالح السياسية والاستغلال الاقتصادي، الا ان تصريحات الادارة الأمريكية، أخيرا، اعادت التساؤلات حول ماهية المساعدات، وفاعليتها على المستويين القريب والبعيد، ومدى ارتباطها بالمصالح الامبريالية. فما هو الخطأ في برنامج المساعدات الغذائية الحالي، وكيف يؤثر على مجمل برامج المساعدات، بضمنها برنامج الأمم المتحدة؟

يلخص تقرير أوكسفام – أمريكا بالاضافة إلى العديد من الدراسات الاقتصادية، من بينها دراسة لكاتارينا واهلبرغ، مستشارة تنسيق السياسات الاجتماعية والاقتصادية في منتدى السياسات العالمية، الوضع بأنه:

أولا : 85 بالمئة من المساعدات المقدمة من برنامج الغذاء ليس هبة لوجه الله تعالى بل مشروط. فالولايات المتحدة تختار بانتقائية سياسية، مساعدة بلد ما دون غيره، وليس تبعا لحاجة الشعوب. ثانيا: شراء المعونة الغذائية في الولايات المتحدة نفسها اي من المزارع والتجار الأمريكيين انفسهم، وليس في مناطق اقرب لمن يحتاجها، ونقلها على متن سفن أمريكية، يعني انها «تجارة مربحة» وعملية ذات بعد تنموي اقتصادي داخل أمريكا. ثالثا: شراء ونقل المواد الغذائية من الولايات المتحدة يستغرق ما بين أربعة وستة اشهر للوصول إلى وجهتها النهائية. مما يجعل المساعدة غير ذات قيمة في حالات الطوارئ المفاجئة. رابعا: ان تكاليف النقل والشحن تجعل المعونة الغذائية الأمريكية أكثر تكلفة من شراء الأغذية أقرب إلى منطقة الحاجة. وفي الوقت الراهن، لا يصل المحتاجين غير 40 سنتا من كل دولار ينفق على الحبوب الأساسية للحصول على المعونة الغذائية، تنتهي غالبية الاموال في جيوب وسطاء. هذه اللوائح تحمي المصالح الخاصة، على حساب الجياع، حسب منظمة «اوكسفام – أمريكا». خامسا: تقوض المعونة الغذائية، غالبا، الإنتاج الزراعي المحلي في البلدان المستفيدة وتهدد الأمن الغذائي في الأجل الطويل. والواقع أن بعض البلدان المانحة قد وضعت برامج للمعونة الغذائية تعزز في المقام الأول مصالحها الداخلية بدلا من مساعدة الجياع. فعلى سبيل المثال، أنشأ المشرعون برنامج المعونة الغذائية في الولايات المتحدة لتوسيع أسواق صادرات الولايات المتحدة والتخلص من الفوائض الزراعية الناتجة عن إعانات المزارع المحلية. سادسا: تغير المعونة الغذائية، أحيانا، أنماط الاستهلاك في البلدان المتلقية. فنتيجة اغراق اسواق كوريا الجنوبية، مثلا، بالقمح الأمريكي أثر على زراعة المحاصيل المحلية التي باتت، بالنتيجة، ذات تكلفة أعلى من القمح. تباهى أحد مسؤولي وزارة الزراعة الأمريكية، قائلا: «لقد علمنا اكل القمح لناس لم يأكلوه من قبل». سابعا: تقوم أمريكا بتوفير المحاصيل المعدلة وراثيا المنتجة من قبل شركات الأعمال الزراعية الكبرى، مثل مونسانتو، كمساعدات غذائية، على الرغم من المخاوف المحيطة باستهلاك هذه المحاصيل ورفض عدد من الدول استلام هذه المساعدات، الا ان حاجتها في اوقات الكوارث خاصة والضغط الأمريكي يدفعها إلى القبول. وكانت «مونسانتو»، قد نجحت عام 2013، بتمرير ما يسمى بـ»قانون حماية مونسانتو» الذي يمنحها حصانة قانونية، إذ أصبح من الصعب مقاضاتها حتى لو ثبت أن منتجاتها تسبب أضرارا صحية وبيئية.

ما أثبتته برامج المساعدات والمعونة حتى الآن انها فشلت في القضاء على الجوع. وأثبتت فشلها في توفير المساعدة الملحة في العديد من حالات الكوارث الطبيعية والحروب. فهي، بمجملها، تقريبا، خاضعة لأجندات سياسية واقتصادية، تسبب، أحيانا، ضررا مستديما بدلا من العلاج. وسيزداد ضررها، إذا ما استمرت أهدافها وهيكليتها وطريقة تنفيذها بوضعها الحالي. حلا لهذا الوضع المتردي تقترح «أوكسفام» تحرير الأموال لشراء المزيد من الغذاء محليا، في حالات الطوارئ القصوى وإنهاء بيع المعونة الغذائية الأمريكية في البلدان النامية في الحالات غير الطارئة، لأنها، كما أثبتت عشرات الأمثلة على مدى عقود، تؤدي إلى قتل الناتج المحلي ويزيد المجتمع بطالة وفقرا واعتمادا على المساعدات الخارجية.

النقطة الأهم، التي لا تشير اليها منظمات المساعدات الدولية، بضمنها الأمم المتحدة و»أوكسفام» معا، هي دور الدول الكبرى المانحة للمساعدات «الإنسانية» في شن الحروب وتصنيع النزاعات، ومسؤوليتها فيما بات معروفا بـ «صناعة الفقر» والذي يشكل تحصيل حاصل لصناعة الحروب وبيع السلاح. فما فائدة منح الطفل العراقي أو السوري، وجبة طعام مجانية في المدرسة، إذا كانت مدرسته ستقصف، بعد دقائق، بطائرات أمريكية؟

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 استفتاء البرزاني وضياع البوصلة كاظم الموسوي

 

 الاخبار اللبنانية
  

احتل السيد مسعود البرزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني في إقليم كردستان، شمال العراق، (أسسه والده الراحل مصطفى البرزاني في آب/ أغسطس 1946) حيزاً واسعاً في الإعلام والمشهد السياسي هذه الأيام، بإعلانه موعداً لاستفتاء حول تقرير المصير للشعب الكردي في العراق، وتشكيل لجان وإطلاق أسماء لها.

 

ويدور كل حراكه (أو يفسر) بالانفصال عن العراق، تحت اسم استقلال إقليم كردستان. وهنا تثار أسئلة كثيرة عن صلاحية القرار وهدفه ومصداقية دعاته وإحراج أنفسهم والشعب في قضية لا تتوفر لها شروطها وظروفها، الآن على الأقل، فكيف يغامر أو يجازف رجل سياسة بقرار كهذا، خصوصاً أنه أدرى بأنه يحكم في جزء من كردستان المعترف بها، فيما ليس هناك توافق سياسي بين القوى السياسية الكردية، وهو نفسه لا صلاحية قانونية له بإصدار هكذا قرار لانتهاء مهماته الرئاسية كما أنه لا يحمل الصفة التي يفرضها هو وأتباعه عليه. ويمكن القول إن هذه القضية وحدها تقدم نموذجاً للعقلية التي تدير السياسة في الإقليم وفي تقرير أو تقدير اتجاهات البوصلة السياسية.

حدد القرار موعداً جديداً وأخيراً للاستفتاء في 25 أيلول/ سبتمبر 2017 مع حملات علاقات عامة وإعلانات وزيارات وتخبطات تثير الاستغراب حقاً، وتعكس لا معقولية ما يدعى أو ما يراد الإقرار به، لا شكلاً ولا أسلوباً، حتى ولو كانت مجرد بالونات للاختبار أو الابتزاز والضغط السياسي أو التهديد والوعيد وبالتوازي مع مشاريع خطيرة مرفوضة مسبقاً ولا تخدم من يرهن مصيره بها، لا اليوم ولا غداً.

فإذا كانت جهة الإصدار لقرار كهذا، هي البرلمان، شرعاً وقانوناً، أو توافق القوى والأحزاب السياسية في حالة عدم وجود برلمان لسبب من الأسباب، فالواقع يقول بأن البرلمان موجود ولكن معطل بدون سبب قانوني، وإنما بإرادة فردية ومزاجية مغلفة بمفردات انقلاب من دون إيضاح الأسباب أو الشواهد أو الدليل عليها. ومعروف أن رئيسه أبعد بالقوة، وشمل الإبعاد وزراء في الحكومة من حزب رئيس البرلمان، التغيير (كوران)، وهو القوة الثالثة رسمياً في الإقليم، بهدف تبرير تلك الرغبات. وهذا يفسر تصاعد حدة الصراعات والاختلافات داخل القوى السياسية الكردية، وينتهي أخيراً إلى أن الجهة الصحيحة للقرار غير موجودة شرعياً ودستورياً وسياسياً. يضاف إليها الخلاف على انتهاء مركز البرزاني نفسه، وانتقاد شامل لإصراره عليه، مخالفاً الدستور الذي وقع عليه حين صدر وبموجبه حكم رئيساً للإقليم فترتين دستوريتين وحتى فترة التمديد أيضاً.

 

القرار يقدم بياناً صريحاً عن العقلية المرتهنة والمصرة على الاستهانة بالدستور

 

 

قرار كهذا بالانفصال وتحت أي مسمى آخر يعني قراراً مصيرياً ومؤثراً، ويحسب بدقة وموضوعية لما يتركه من آثار وما يسببه من أخطار وما يقوم به من إجراء أو ما يرسم له من خطط لما بعده وكيفية قيادة الأوضاع. هذه كلها أمور ليس من السهل النقاش فيها من دون أن تكون كلها منتظمة في أطر استراتيجية الحياة والعمل في موقع ساخن سياسياً وأمنياً وإقليمياً. وهنا لا بد من التفكير بـ:

أولاً، أن القوى السياسية الكردية أساساً غير متفقة على القرار، أو توقيته أو إدارته، ولها ملاحظات جدية على خطط وسياسات مصدّر القرار ولم تنته خلافاتها البينية، فضلاً عن صراعاتها الداخلية وانعكاساتها على مصير القضية برمتها.

ثانياً، لم تحسم تطبيقات المادة الدستورية 140 والتي تحدد الموقف من المناطق التي تسمى بالمتنازع عليها، وهذه قضية حساسة، تصرح عن عقلية التحكم المقبلة وطرق تعاملها مع السكان في الإقليم والمناطق المختلف عليها، لا سيما المدن المختلطة أو الرافضة للانضمام إلى الإقليم حالياً، فكيف بعد القرار، ومن ثم لا يمكن التعايش سلمياً بحدود الدم، كما صرح مرة.

ثالثاً، القيادة الاتحادية المركزية في العراق أعلنت موقفاً واضحاً برفض الإعلان عن القرار رسمياً ودستورياً، وذكرت أن قراراً انفرادياً كهذا غير دستوري ولا يقبل وطنياً، وأن الادعاءات التي تدور حوله تناقش في بغداد ويمكن إيجاد الحلول لها، وتنتهي حينها المبررات التي توضع سبباً للقرار. أي إن عدم موافقة المركز لإجراء الاقليم، والاستمرار فيه تدل على إخلال في إدارة الحكم واختلال في نهج العلاقات الوطنية، تستهدف أبعد مما هي عليه، أو تدعيه علناً أو سراً.

رابعاً، إقليمياً، كل ما يحد إقليم كردستان العراق جغرافيا، تركيا وايران، وسوريا، لا يوافق على الفكرة أساساً، ويرفض الطرح والحديث به، لما يتركه من تأثيرات عليها، ولذلك أعلنت أنقرة وطهران على لسان مصادر رسمية عليا، رفضهما للقرار ودعوتهما إلى احترام وحدة التراب العراقي. وكذلك هو الموقف السوري، ومعروفة اجتماعات اللجنة المشتركة بين هذه الدول والعراق بشأن الموضوع الكردي فيها سابقاً.

خامساً، عربياً، بادرت جامعة الدول العربية بإرسال رسالة إلى البرزاني تحدد موقفها من قراره، وتدعوه إلى إعادة التفكير والحوار مع بغداد. ورد البرزاني عليها برسالة مطولة تحمل الكثير من التناقضات وتعبر عن صاحبها ولكنها لا تخفي حقيقة الهدف عن أعين الناس، أو كما يقال لا تخفي الشمس بغربال، كما هو معروف، مهما صيغت العبارات وتلونت الكلمات. حتى أنها حملت مناكفة مسبقة وأغلاطاً مرتدة نتائجها على صاحبها سلباً. برغم أن هناك من يقول عن بعض دعم عربي محدود وتأييد من الكيان الصهيوني معلن لهذه الخطوة، ولا يعرف مدى صدقية هذه الأطراف بما فيها الكيان وقدراتها على الإسناد والدعم الواقعي لمثل خطوة معلقة كهذه وفي خيال تطرف لا تشجع أو تدفع إلى خير واضح للمصالح الأساسية للشعب الكردي ولا العراقي بأجمعه.

سادساً، دولياً، قبل طرح الفكرة ونشرها حذر مسؤولو دول أوروبية مباشرة حكومة إربيل، من الذهاب إلى الانفصال، مهما كانت الذرائع والأسباب، وخوطب البرزاني نفسه مباشرة بمثل هذا الرأي، وليس آخر ذلك ما حصل معه في بروكسل ولقاءاته التي لم تكن كما تصور وأراد، حيث أكد له موظفون في البرلمان الأوروبي والخارجية البلجيكية، موقفاً صارماً من خططه ومشروعه. وليس آخر الانتقادات والرفض ما جاء من قبل حليفته الرئيسية التي يبني عليها خياراته، حيث اتصل به وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون وأوضح له رفض واشنطن لقراره، ونصحه بتأجيله الآن والانشغال بما هو بعد الانتصار العراقي على تنظيم الإرهاب المسمى إعلامياً «داعش». وهنا وقع أمر مضحك، أربيل تنفي المكالمة، والقنصل الأميركي ينشر خبرها على الموقع الرسمي للقنصلية، وتنقلها وسائل إعلام مقربة من الطرفين عاكسة طبيعة التناقضات المزاجية وكأنها تسلية إضافية لواقع الحال، المربك والمرتبك.

سابعاً، الهروب إلى الأمام في ظرف صعب لا ينتج ما يؤمل منه. والنتيجة بانت أكثر كشفاً، خصوصاً في أن الدخول إلى قرار كهذا وإعلانه من دون دراية واستناد كاملين إلى مهمات المرحلة ومستقبلها والتوجهات الضرورية لقضية الشعب الكردي ووقائع الحال على الأرض تكشف ضياع البوصلة فيها وتقديم بيان صريح عن العقلية السياسية المرتهنة بالقرار والمصرة على الاستهانة بالدستور والوحدة الكردية ومن ثم الوحدة الوطنية في العراق.

طرح استفتاء يراد منه الانفصال والتقسيم والتفتيت تحت ما يسمى حق استقلال ومصير أقلية في بلد لم تضطهد أو تحارب فيه، ويشارك سياسيوها في رسم سياساته وتستثمر أو «تستنزف» اقتصاده، يفضح ليس نيات وحسب وإنما خططاً ومشاريع عدائية للعراق، والشعب العراقي بكل قواه وألوانه. وليس هناك أكثر وضوحاً من الإصرار على الأخطاء والاستمرار في الاستفتاء والحيرة بما تؤول إليه النتائج وفي كل الاحتمالات. ما يدل ويؤكد على أن البوصلة مفقودة وأن الإغراءات التي دفعت بمثله خطيرة وغير سليمة للمصالح الشعبية والوطنية واستقرار المنطقة وتطورات المستقبل السياسي للعراق وجيرانه، ويبقى سؤال بعد كل ما ذكر، من تخدم مثل هذه التخبطات؟!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   مقتدى الصدر بين عاصمتين عربيتين الرياض وأبوظبي

 

 أسعد البصري   العرب
 

السعودية تريد موطئ قدم في العراق. لا نستطيع أن ننصح السعودية بدعم السنة مباشرة، سيفسر هذا تفسيرا طائفيا بل الأفضل دعمهم من خلال الصدر.

خلال أقل من شهر زار مقتدى الصدر كلا من الرياض وأبوظبي. في الرياض وعدت السعودية باستثمارات ومشاريع اقتصادية في مناطق شيعية، ورحب الصدر من جهته بفتح قنصلية سعودية في النجف الأشرف. في أبريل الماضي صرح الصدر بأنه ينصح الرئيس بشار الأسد بالتنحي وتجنيب شعبه المزيد من إراقة الدماء.

 

يحتفظ الصدر بمسافة عن المشروع الإيراني، وهو زعيم عراقي له تأثير كبير في الأحياء الشيعية الفقيرة، وقد وجه بعد عودته من الرياض خطابا مؤثرا إلى أهالي الموصل يؤكد فيه على الأخوة الإنسانية والتعاطف مع شعب فيه 400 ألف مواطن يعيشون في المخيمات بعد هدم مدينتهم في معركة هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

 

مقتدى الصدر صار يحسن السياسة. لحيته صارت بيضاء ولم يعد ذلك الفتى الصغير العاطفي. لقد تراكمت عنده خبرة سياسية في فترة صعبة من تاريخ العراق. وتكريما لزيارته منحت السعودية 10 ملايين دولار كمساعدات للنازحين، وربما تدفع الإمارات مبلغا أكبر للنازحين وضحايا الحرب في الموصل وغيرها، وقد تعد أبوظبي بمشاريع مهمة مع العراق. وهذا كله إيجابي وفي مصلحة الناس.

 

الجنرال قاسم سليماني يقوم بتجريف محافظة ديالى ويعبد فيها طريقا نحو سوريا يطلق عليه طريق الشيعة إلى البحر المتوسط. ومن هذا الطريق تدخل الشاحنات الإيرانية محملة بالدجاج واللبن والإسمنت ومواد البناء وتعود فارغة.

 

كذلك الباصات تأتي من هذا الطريق محملة بالمتطوعين والميليشيات حيث يتم تدريبهم في إيران وتعود فارغة. التجار العراقيون يقولون إنهم يفضلون إيداع ثرواتهم في بنوك إيرانية بسبب التسهيلات التي قدمتها الحكومة الإيرانية. والبنوك العراقية تعمل كواجهة لشركات إيرانية تقوم بغسيل الأموال والوصول إلى الدولار الأميركي.

 

السؤال لمقتدى الصدر ماذا سنفعل في مواجهة مشروع قاسم سليماني وهو مشروع أكبر من العراق وفيه جيوش وميليشيات وتبعية اقتصادية وتجارية لإيران؟

 

هل لدى مقتدى مراسلات مع أميركا مباشرة أو غير مباشرة؟ فتصريحات مسؤوليهم مؤخرا كانت إيجابية حوله. هل عند الصدر تصور كيف يمكن التخفيف من تبعية العراق تجاريا لإيران؟

 

وهل جرى حديث عن تبادل تجاري عربي مع العراق؟ هل عند الصدر مشروع عابر للطائفية؟ لماذا لا يزج السنة في تياره ويستفيد منهم في مشروعه؟ طالما ميليشيات فيلق بدر وغيرها صارت تضم متطوعين سنة. وحتى حزب الدعوة فتح مقرات في محافظات سنية. فلماذا لا يتقدم التيار الصدري ويفتح مقرات في المحافظات الغربية طالما خطابه وطني ويحظى بتأييد عربي؟

 

كشف مصدر مطلع في الساعات الماضية عن بدء الجيش الأميركي إنشاء أكبر قاعدة عسكرية في غرب مدينة الموصل للإشراف على الحدود العراقية السورية، وقطع يد الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية التابعة لطهران التي توغلت خلال الأشهر الماضية في المنطقة لتنفيذ المشروع الإيراني في فتح طريق بري بين طهران ودمشق عبر الموصل والصحراء.

 

وذكر المتحدث باسم العشائر العربية في الموصل الشيخ مزاحم الحويت “نحن أبناء العشائر العربية طالبنا مسبقا عدة مرات بفتح قواعد للجيش الأميركي في مناطقنا لحمايتها من الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس”. هذا معناه هناك تنسيق وغطاء أميركي لتحركات مقتدى الصدر ومشروعه العربي.

 

ربما السعودية تنظر لمقتدى كما تنظر للإمام موسى الصدر. الحقيقة بعد ذهاب ثامر السبهان إلى العراق تكشفت أزمة حقيقية لدى صانع القرار، وهي أن إيران نجحت باستغلال غياب العرب وشكلت مزاجا عاما كارها لكل ما هو قادم من الجزيرة العربية. يتحدث دبلوماسي سعودي سابق ويقول “خطر إيران على العراق لا يتمثل في الوجود العسكري الحالي، بل في تأسيس جيل عراقي معاد لجواره الخليجي والعربي. الوقت لا يزال متاحا للتحرك”.

 

السعودية تنتظر من مقتدى بقاعدته الجماهيرية أن يسهم في تخفيف الاحتقان الطائفي فلا يمكن التحرك في بيئة ومزاج معاديين. وقد شهدنا المشاكل التي واجهت السبهان. مقتدى محظوظ باختيار السعودية له وأعتقد هذه فرصة ذهبية لو أحسن استغلالها وقدم نفسه كزعيم وطني.

 

بغض النظر عن وجهة نظرنا بمقتدى الصدر وتحصيله الدراسي، فالسعودية تنظر بعقل سياسي عملاق. الصدر قائد ناجح والدليل هو انضباط تياره له. قائد عنده قدرة على ضبط هذا العدد المليوني الهائل يعتبر قائدا ناجحا.

 

سنة العراق مثلا غير منضبطين عموما. ما نحتاجه في مشروعنا العربي موجود عند مقتدى الصدر. نحتاج إلى دعمه وتطويره ليس فقط بالمال والمستشارين وزج السنة بتياره، بل نوصله من خلال سفاراتنا العربية إلى واشنطن، نكون في ساعة الصفر ذراعه الإعلامية والدبلوماسية ضد إيران. صرح الصدر قبل فترة بأنه يتعرض لتهديد وربما يُقتل وتسرب أن الجنرال سليماني قد هدده بالقتل.

 

السعودية تريد موطئ قدم في العراق. نحن لا نستطيع أن ننصح السعودية بدعم السنة مباشرة، سيُفسر هذا تفسيرا طائفيا بل الأفضل دعمهم من خلال مقتدى الصدر. إذا قبض السني الدولار والمشاريع والفرص من يد مقتدى، فإنه لن يفسرها تفسيرا مذهبيا ولن يصبح متطرفا.

 

نحن بالنهاية مع المملكة في تفكيك التورط الطائفي والتطرف في المنطقة. والسنة عندهم مظالم وثارات، لا نريد تمكينهم للانتقام والثأر، هذا تصرف خطير. نحتاج الصدر ليساعدهم ويكون “وسيط خير” بحيث نداوي الجراح دون انتقام سني.

 

كل علاقة تنجح إذا كانت منطقية. الصدر عنده تيار مليوني هذا صحيح، والعرب عندهم السفارات التي تخاطب العالم وخبرة دبلوماسية عمرها مئة عام ومصالح بتريليونات الدولارات مع العالم وأقوى مؤسسات إعلامية عربية. وأرسخ مؤسسة دينية سنية يمكن استخدامها لزج السنة مع الصدر. إذن هي علاقة متكافئة؛ الصدر يخدم العرب في العراق، والعرب يخدمونه سياسيا.

 

أتمنى من مقتدى أن يفهم معنى دعم السعودية والعرب له. وأن يعرف حجم العرب الحقيقي وثقلهم ويقدر رغبتهم بالتحالف معه. أتمنى ألا يصغي للحمقى وخصوصا الحزب الإسلامي الإخواني في العراق فهؤلاء سيسعون لتخريب هذا المشروع بخبثهم وعلاقاتهم مع طهران وتركيا.

 

الخليجي أيام داعش كان يحمد رب العالمين أن بينه وبين سنة العراق جغرافيا بحر من الشيعة الذين كانوا بمثابة درع الجزيرة الخليجي من الدواعش. وسنة العراق يتفهمون هذه المشكلة التي جعلتهم غير صالحين للتمكين السياسي حتى بعد طرد داعش.

 

كل ما يطمحون إليه اليوم هو دفع الميليشيات والنفوذ الإيراني خارج مدنهم. المشروع الإيراني تبشيري مئة بالمئة وهو صعب جدا فكما يقول لورانس العرب “من السهل جعل إنسان ما أن يكون ملحدا، إلا أنه من الصعب تحويله إلى عقيدة أخرى”.

 

المشكلة التي تواجه الصدر ليست إيران فقط بل الإخوان في العراق فهم ماكرون ويشغلون مناصب رفيعة في الدولة وحلفاء طهران وعندهم ثروات طائلة. ليست مصادفة أن تكون عاصمتا داعش الرقة والموصل قريبتين جغرافيا من رجب طيب أردوغان والإخوان المسلمين. لهذا إن مكر الإخوان بالصدر لن يكون سهلا. أعتقد بأن مقتدى قد ذهب إلى أبوظبي بسبب خوفه من الإخوان المسلمين ومكرهم وسيطلب حماية ودعما سياسيا من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4     الخمينية وإعادة برمجة الذاكرة الشيعية

 

 سعيد الحمد

 

   الايام البحرينية
 

شكل انقلاب خميني مساحة واسعة بلا حدود وفرصة نادرة للخمينية لإعادة برمجة الذاكرة الشيعية الجمعية على مرتكز واحد أساسي هو الولائية كما تطرحها الولاية المطلقة للفقيه التي كانت تواجه معارضة واختلافًا من مجموعة مراجع الشيعة الكبار يتقدمهم الخوئي بما كان له من موقع في الفضاء الشيعي.

وبنجاح انقلاب خميني تراجعت معارضات اطروحة الولاية المطلقة للفقيه لأسباب لم تعد خافية على الجميع لعل أبرزها وأكثرها أثرًا وتأثيرًا في التراجع الأسلوب الإرهابي «الاغتيال» بمختلف الوسائل والاشكال الذي مارسه خميني تجاه معارضيه من الفقهاء والمراجع الذين حصروا الولاية في «الخمس وفي القضاء» فقط فيما طرح خميني وما زالت الخمينية ماضية في الولاية المطلقة للفقيه بحيث يتحكم «الولي الفقيه» في كل شيء كبيرا كان أم صغيرا وتصبح السلطة المطلقة له وحده فقط.

في هذا المناخ قبل 38 سنة اندفعت الخمينية لإعادة برمجة الذاكرة الشيعية الجماعية والجمعية على نحو يضعها بشكل مباشر أو غير مباشر تحت وصاية الولي الفقيه من ناحية وعلى نحو يعيد انتاج ثقافة او فلنقل يعيد انتاج ايديولوجية المظلومية التي وجدت لها فضاء واسعا ومناسبا مع ظاهرة انتشار مؤسسات وجمعيات ودكاكين ما يسمى بحقوق الانسان حتى غدا هذا العنوان «حقوق الانسان» بديلا للاستعمار الجديد والقديم بمظهر «إنساني».

ولأن المظهر الانساني المنشود لدى الجماعات والجمعيات الحقوقية لانجاز مشروع الاستعمار الحديث يحتاج الى دراما «انسانية» يتوغل ويتغلغل من خلالها ويتسلل عبر حلقاتها الدرامية الساخنة فقد وجد ضالته المنشودة في «المظلومية» بطابعها الخميني وتفاصيل طقوس اللطميات السياسية المؤدلجة حتى النخاع والساعية لقلب الأنظمة واثارة الفوضى في المجتمعات، فكان أن استثمرها واستغل هذه المظلومية السياسية والحزبية الميليشياوية وفتح لها مؤسساته وجمعياته وخزائنه لتتدرب وتتعلم في معاهده ومدارسه كيف تستطيع المظلومية في تضخمها ان تجد طريقها ووسيلتها للوصول الى السلطة واستلام الحكم.

وكان الأهم على مستوى القاعدة الشيعية الشعبية العامة هو اعادة صياغة ثقافتها ووعيها وعقلها العام وفق المظلومية التي يختلط فيها الماضي السحيق في مرويات درامية بكائية مطولة يتم الشحن بها لتفريغها شعبويا في الحاضر وفي الواقع اليومي المعاش على شكل مواجهات متعمدة ومعنونة بالعنف الدموي والتخريب العلني، حتى تغدو المظلومية جزءا من ذاكرة الانتقام والثأر.

وهكذا تحول في المشهد الخميني العام الخطيب الحسيني من عالم دين يدور في فضاء مناسبة عاشوراء الى رجل سياسي فوضوي يعتلي المنابر العاشورائية للتحريض والتجييش والتعبئة لمواجهات مشحونة بذاكرة المظلومية عبر اسقاط الماضي على الحاضر وتقسيم المجتمعات الاسلامية الى معسكرين «معسكر يزيد ومعسكر الحسين».

وعندما نجحت الخمينية في تشطير وتقطيع المجتمعات وتفتيت نسيجها الوطني بمنطق طائفي مذهبي انتقلت بشطارة الحواة الى الكباء من جديد على مظلومية جديدة هي التمييز، الذي سيصبح عنوانا حداثيا لمعزوفة حداثية لدكاكين حقوق الانسان كما تدعي فتستكمل خطوط سيناريو دراما المظلومية السياسية وتحتل اسماء عاطلة وفاشلة في الوطن العربي صدارة المشهد وتصبح نجوما«حقوقية وسياسية» بصفة «ناشط» وتروى عنها البطولات الوهمية التي ستجد صداها وتأثيرها في الذاكرة الجماعية الشعبوية العامة بعد اعادة برمجتها وفق ما ذكرنا.