ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | الكُرد وحق تقرير المصير
|
سعد الله مزرعاني | الاخبار اللبنانية |
شاع حق تقرير المصير، كمبدأ وكهدف وشعار سياسي، تحت وطأة انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية في بداية القرن العشرين، وتحت تأثير التحولات الاقتصادية الهائلة التي كرستها (أو ساعدت على بلورتها) نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية في عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي.
ولقد أمكن، بشكل عام، اعتبار أن الاستقلال السياسي للبلدان المستعمرة قد أنجز غالباً، وإن الاستعمار القديم قد انتهى. شذَّت عن ذلك حالات محدودة في «أفريقيا الجنوبية» من خلال نظام الفصل العنصري (الأبارتيد). أما الشذوذ الأعظم فقد تجسّد بُعيد ذلك في فلسطين من خلال المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي استمر، وحيداً في هذا الكون، نظاماً يجمع بين كل وأبشع أنواع الاستعمار، وسط حماية دولية، سياسية واقتصادية وعسكرية، لا مثيل لها في التاريخ. قوى التحرر والتغيير، قبل حوالى 100 عام، حوّلت شعار حق الشعوب في تقرير المصير إلى ركن أساسي في مواقفها وسياستها الخارجية. الاتحاد السوفياتي بقيادة مؤسسه فلاديمير لينين نظَّر للفكرة، وأقدمت دولته الوليدة على فضح المعاهدات الاستعمارية التي كانت روسيا شريكاً فيها ومنها معاهدات تقاسم هيمنة ونفوذ في المنطقة العربية نفسها. لكن في وقائع التاريخ، أيضاً، أن أشكالاً جديدة من الهيمنة الإمبراطورية قد حلَّت محل الأشكال القديمة. وأن استقلال البلدان وسيادتها على أرضها وثرواتها ومصائرها عموماً، كانا منتقصين ومجتزأين إلى حدود خطيرة. كذلك فإن حركات تغيير كانت قد تبنَّت شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، قد تراجعت عنه في مراحل لاحقة، وأنشأت لنفسها إمبراطوريات خاصة (المعسكر الاشتراكي) بُني جزء أساسي منها على الإخضاع والإكراه، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. ولقد كان في خرائط ما بعد الحرب العالمية الثانية (وبالاستناد الى نتائجها) حجم كبير من التعسف في عملية تقاسم النتائج والنفوذ والبلدان. هنالك ضحايا معروفون ذهبوا ضحية سهلة ومتعسفة على ضفتي تلك الخرائط (الوضع اليوناني على سبيل المثال). وسط كل ذلك تجمعت عناصر عديدة، سياسية واقتصادية وأمنية، في تطورات ومواقف مراكز قوى تلك المرحلة، القديمة والجديدة، الدولية والإقليمية، لحرمان الشعب الكردي من أن يكون له كيان مستقل. جرى توزيع كردستان الطبيعية بين أربعة بلدان. وجرى، بالكامل، شطب حق تقرير المصير للكرد واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا وسط تواطؤ دولي وإقليمي شبه شامل رغم الصراعات والتباينات الدولية والإقليمية على المستويات كافة. جزء من القوى التحررية العربية استظل شعارات تحررية قومية. كانت هذه الشعارات الموجهة أصلاً ضد الهيمنة الخارجية الاستعمارية، تنطوي في الوقت عينه على نظرة استعلائية وشوفينية ضد القوميات الأخرى في المنطقة العربية. وهي، عموماً، أقليات عرقية أو دينية. بلغ من تفاقم هذا الخطأ أن ترتبت عليه، سياسات قمع وتمييز واضطهاد وإرهاب اقترنت غالباً بمنع الكرد خصوصاً من ممارسة أبسط عناصر التعبير عن الهوية والثقافة والحضارة الخاصة بهم، وبأبشع الأساليب وصولاً إلى استخدام أدوات الإبادة أو العقاب الجماعيين. حاول الكُرد، عبر تعبيرات سياسية وتنظيمية ناشطة، تغيير هذا الواقع. حمل كثيرون منهم السلاح. لجأوا إلى قوى خارجية، إقليمية ودولية، طلباً لدعم سياسي أو عسكري. تعرضوا لاستغلال قضيتهم من قبل قوى حاولت توظيف نقمتهم في خدمة مشاريعها ومصالحها. ارتكبوا في مجرى ذلك، أخطاء صغيرة أو كبيرة… لكن معاناتهم استمرت وتصاعدت خصوصاً في تركيا، وحتى فترة متأخرة، في العراق. لأسباب عديدة، وكجزء من سياساتها حيال العراق، وبعد تعاظم استهداف المناطق الكردية من قبل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قدّمت الإدارات الأميركية المتلاحقة مساعدات مهمة لحماية المناطق الكردية من خطر قصف الطيران العراقي. فرضت مناطق «حظر جوي» أفقد الرئيس العراقي تفوقاً عسكرياً كان حاسماً في الميدان. عام 2003، أي في مجرى الغزو الأميركي للعراق وبعده، توسَّعت وتوطَّدت العلاقات الأميركية الكردية. سعى الأميركيون لتقديم أنفسهم كحماة وضامنين للمناطق وللمصالح الكردية في تركيبة ما بعد الغزو والاحتلال. طبعاً، كان ذلك بثمن الولاء الكردي الكامل لواشنطن وسياساتها في العراق والمنطقة. دخل الكيان الصهيوني، مرة جديدة، على الخط، لتعميق الصراع العربي الكردي ولجني مكاسب خاصة. في امتداد نتائج الغزو الأميركي للعراق ومن ضمنه سياسة تغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية و… في المنطقة، ومن ضمن تعاظم دور الكرد في الصراعات الموزعة على أكثر من بلد، وخصوصاً ضد «داعش» والإرهاب… تعاظمت النزعة الكردية نحو الانفصال. نشوء إقليم كردستان العراق، كإقليم ذي حكم ذاتي، تكاملت مقومات تحوله إلى إقليم مستقل وسط اضطراب عراقي خطير وشامل (فضلاً عن الأزمة السورية والتركية). وهو اضطراب قاد، بين أمور أخرى يعدها البعض للمنطقة ولوحدة بلدانها السياسية والجغرافية والاجتماعية، إلى إعلان استفتاء الاستقلال من قبل رئاسة إقليم كردستان العراق في 25 من شهر أيلول القادم. ثمة صراع في إقليم كردستان العراق، بين تشكيلاته السياسية، حول السلطة والنفوذ والعلاقات مع بغداد والخارج. لكن ثمة تعاطفاً سياسياً وشعبياً كردياً عاماً، لا جدال بشأنه، شعار الاستقلال، ولو مع شيءٍ من الحذر والرغبة في التدرج والإبقاء على شيء من الوحدة في نطاق العراق، من قبل كثيرين. لا تبشر تطورات الوضع، في الشرق الأوسط عموماً وفي المنطقة العربية خصوصاً، بالتوصل إلى حوارٍ بناء وجدي وملتزم بشأن مشكلة الكرد وحقوقهم بما يحول دون الانفصال. التمزق السياسي والمذهبي الراهن، التدخلات والمصالح الخارجية، ضعف الروح الوطنية وروح المسؤولية، تراجع قيم العدالة والتسامح والتضامن الوطني والقومي… كلها أمور تشير على أن فرص استيعاب حركة النزوع الكردي نحو الانفصال لا علاج مقبولاً لها في المرحلة الراهنة. البعض يكتفي بالتحذير. بعض آخر يريد أن يكون الاستفتاء شاملاً كل الشعب العراقي وكذلك دول المنطقة. هذا لن يعالج شيئاً ويكرر سياسات بائسة سابقة. في كل الحالات ينبغي دعم حق الشعب الكردي في تقرير مصيره. حبّذا لو توفرت شروط استمرار الوحدة وفق علاقات مختلفة تقوم على الاعتراف، من قبل الدول المعنية، بحقوق الكرد وثقافتهم وحضارتهم، وهي حقوق سياسية وإنسانية بالدرجة الأولى. الأمل مفقود في هذا الاتجاه، ولذلك لا يمكن رفض حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وفق الاتجاه الذي يريده، شرط أن يتم ذلك بشكل واقعي ومدروس ومن دون إكراه من أي سلطة: كردية أو عربية أو أجنبية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | نقضتم البيعة..!
|
عبداللطيف الدعيج
|
القبس الكويتية |
كثير من أهلنا ممن نزح إلى الكويت، من على ضفتي الخليج ومن العراق، نزح إليها طلباً للرزق، وطمعاً في حياة أفضل. الرزق كان التجارة وما يصاحبها وما تتطلبها من أعمال وحرف لا تتوافر في مناطق المهاجرين والباحثين عن لقمة العيش، بسبب فقر المواد الخام، وانعدام أولويات التصنيع والتحويل، خصوصا في الجزيرة العربية. والحياة الأفضل تمثلت في انفتاح المجتمع الكويتي وتنوعه الثقافي، وتعدد المعتقدات والمذاهب وحتى الديانات فيه، وذلك قياسا إلى المجتمعات والمناطق المنعزلة، حضاريا وجغرافيا، التي تقاطر منها المهاجرون. بلد التعايش
الكويت وبيئتها البحرية ووسائل الإنتاج والعمل فيها فتحت مدارك السكان، وغرست في نفوسهم التأقلم مع الجديد، والتعايش مع الغريب. فالحياة البحرية والتجارة الخارجية، في الواقع، تفرض على من يمارسها التعايش مع الغير وحتى الاعتماد عليه، وبالتالي الاستئناس به. المجتمعات الرعوية، وحتى شبه الريفية المجاورة، تتطلب الانعزال والاكتفاء الذاتي، مما يشجع على الانغلاق والانكفاء، وبالتالي الرهبة من الغير، تصل إلى المعاداة المسبقة له. الانفتاح والتعايش كانا السمة الأساسية للمجتمع الكويتي، بل هما الطبيعة الفريدة لما سمي بـ«الأسر العتبية» التي استوطنت الكويت. هذه الأسر، وعلى رأسها الأسرة الحاكمة، كانت أسر «مدنية» ــ قياسا إلى الوسط المحيط. أي لم تكن قبلية أو صحراوية كما زعم التاريخ المنقول. والتاريخ المنقول، مثل كل التاريخ العربي والإسلامي، فيه خرافات وأساطير، وحتى أكاذيب تناقلها ــ ولم يكتبها ــ الأولون. وقد كشفت تحليلات الحمض النووي لبعض أفراد الأسر العتبية (الصباح، الخليفة، الصقر، القطامي على سبيل المثال)، أن أفرادها بالفعل أبناء عمومة، لكنهم لا يمتون إلى الجزيرة العربية بصلة. ربما على أطرافها، كما في العراق والشام، وحتى ضفاف الخليج العربي.. ولكن ليس في قلب الجزيرة كما تزعم الروايات. (قبل مدة نشر البعض فيلماً على «تويتر» يبين أطلالا قديمة، زاعما أنها كانت مساكن آل صباح وآل خليفة في نجد، لكن طبعا كالعادة، مثل كل تاريخنا، نقلا عن حكايات وروايات). الملاذ
القصد أن الكويت في بداية تأسيسها شكلت محجا مناسبا لطالبي الرزق، وملاذا مفتوحا لمن ينشد الأمن والسلامة. الحروب والغزوات والاقتتال، ومعها الفقر والمجاعات، كانت السائدة على ضفتي الخليج في ذلك الوقت. أي تحديدا في القرنين السابع والثامن عشر.. وهما بداية تأسيس الكويت. البصرة كانت تئن تحت هجمات عشائر المنتفق، وأقسام كبيرة من إيران تعرضت للتخريب على يد الأفغان، فيما الضفة الشرقية للجزيرة العربية تعاني صراعات بني خالد، التي ما كادت تخمد، حتى وقعت المنطقة أسر القحط والجفاف (الذي يزعم من يميلون إلى بدوية الأسر العتبية، أنه كان سبب هجرتها من موطنها الأصلي في الجزيرة العربية). كل هذا جعل الكويت، كما قلنا، محجا لمن يطلب الرزق، ولمن يطلب السلامة أيضا. لهذا نزح المهاجرون إلى الكويت بسبب الفقر والأمن الجماعي، ونزح إليها الكثيرون بسبب أوضاعهم ومشاكلهم الفردية أيضا. فلا شك أن الكثير من الكويتيين، أو بالأحرى المهاجرين، نزحوا إلى الكويت هربا من واقع أو ماض في مواطنهم الأصلية. الخلاصة أن الكويت كانت تمثل عند نشأتها المستقر والملجأ، الكاسي والحامي ليس للأسر العتبية المؤسسة، ولكن لكل من التحق بها وانضم إلى كويت الاستقرار والانفتاح والتسامح، وكل ما كان مفقودا وقتها في الإقليم المحيط. وهكذا أو على كل هذا بايع الكويتيون المقيمون أو المهاجرون أو حتى من سبق كل هؤلاء من أسر الصيادين أو «الزواريع» أو الغواصين ممن تجمع حول «الكوت» في ذلك الوقت. كل هؤلاء الكويتيون بايعوا صباح الأول، وبايعهم على الأمن والاستقرار ورفض الانغلاق أو التنافر الاجتماعي. استهداف التمدّن والانفتاح الكويتي
اليوم وبعد مرور عقود، بل قرون على الانفتاح والتعايش السلمي، الذي اختبره الكويتيون وحرصوا عليه، بل دافعوا واستشهدوا ذوداً عنه في بعض الحروب والوقعات، التي كانت تستهدف «التمدن» والانفتاح الكويتي، اليوم أصبح الانغلاق مع الأسف منا وفينا. وبعد أن صدينا التخلف والتطرف في «الجهراء» طلع لنا مع الأسف في الداخل، في مؤسسات الدولة وفي البنى الاجتماعية وحتى الاقتصادية، التي تفضّل مع الأسف بعض أبناء صباح الأول ــ الذي عاهده الكويتيون على حماية هذه المؤسسات والحرص عليها ــ تفضل فسلمها إلى مجاميع التطرف والتخلف. تماما ذات المجاميع وذات النهج الذي رفضه المرحوم الشيخ سالم الصباح، ومعه بقية الكويتيين، وقدموا الضحايا والشهداء في الجهراء لصده وصدهم عن الكويت وأهلها المتحررين. تمسك الكويتيون بتعايشهم وانفتاحهم الاجتماعي، وزادوا عليه الانفتاح والتطور السياسي، اللذين تمثلا في الديموقراطية والدستور الكويتي، الذي كان من المفروض أن يكون المثال والقدوة السياسية في المنطقة. لكن مع الأسف لم يلتزم بعض أحفاد صباح الأول بعهدهم، ونقضوا البيعة، وسلموا البلد طواعية إلى مجاميع التخلف والتطرف الديني.. مرة أخرى ذات المجاميع التي استشهد تسعمئة كويتي لرفضها في الجهراء. وبدلا من أن يتمدد النظام الديموقراطي الكويتي، وبدلا من أن يؤثر إيجابا في الإقليم المحيط، بدلا من ذلك تقلّص نظامنا الديموقراطي، وفقدنا ككويتيين الكثير من الحرية السياسية والانفتاح الاجتماعي، وخسرنا كل مميزات وصفات المجتمع المدني، الذي دافع عنه الأولون أو المجتمع الديموقراطي، الذي اختلقه المؤسسون الأوائل. أي، بالعربي، الذين دحرناهم في الجهراء طلعوا لنا نبتاً شيطانياً في ساحة الصفاة، وفي مجلس الأمة بعد. الخطر الكبير
اليوم وقد بلغ السيل الزبى، وأصبح التطرف والتشدد الديني خطرا على الكويت، بل على المنطقة كلها. فأهل الخير عندنا وجمعياتنا الدينية ــ الذين تدافع عن وسطيتهم حكومتنا ليل نهار ــ أو بشكل أدق سياسياً الإخوان المسلمون والسلف عندنا، هم من عفّس العالم وقلب المنطقة رأسا على عقب تحت سمع ونظر، وأحيانا مباركة حكومتنا. نعم، إخوان الكويت وسلفيوها هم المسؤولون الرئيسيون عن الإرهاب العالمي اليوم، من أفغانستان والشيشان حتى مصر وتونس. موارد النفط تم تسخيرها من قبل «المنظمات الشعبية»، وفي بعض الأحيان بعض الدول أو أقسام منها لنشر التطرف وقمع التمدن بحجة التدين والتبشير الديني، من مجتمعاتنا الداخلية وحتى نيكاراغوا في أميركا اللاتينية، على بعد خمسة عشر ألف كيلومتر. ومن يشكك في ذلك فعليه أن «يقوقل» (كولونيل أوليفر نورث أو إيران غيت) اليوم، وبعد كل هذا مطلوب أن ينتصر النظام هنا للدولة المدنية، لسياسة الرعيل الأول، وللبيعة الأولى للكويتيين، بيعة الأمن والاستقرار والانفتاح الاجتماعي، وأن يقوم وبحركة فورية وثورية بدورة المئة وثمانين درجة المطلوبة.. اليوم وليس غداً. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | الحشد الشعبي في طور الحزبلة!
|
عبدالله ناصر العتيبي
|
الحياة السعودية |
المواطن العراقي يتساءل عن مستقبل الحشد الشعبي بعد عودة الهدوء إلى الأراضي العراقية. البعض يقول إنه سيذوب في المجتمع العراقي ويتلاشى من المشهد السياسي والعسكري. يعود مقاتلوه إلى مهنهم السابقة. النجار إلى منجرته، والخباز إلى مخبزه، والمزارع إلى مزرعته، والموظف إلى دائرته الحكومية، أما قادته فيتقاعدون عن العمل مكتفين بالوجاهة والصيت والغنى التي حققوها طوال السنوات الماضية. ربما يظهرون في شكل متقطع مستقبلاً في القنوات الفضائية كمحللين سياسيين من فرانكفورت أو لندن أو باريس، وربما يختفون إلى الأبد في جزر البهاماس الساحرة. ويقول البعض الآخر إنه سيتحول إلى حزب سياسي فاعل في العملية السياسية العراقية محاولاً صنع بصمة وجود سياسي تتماشى مع خطه العسكري الحالي، القادة السابقون هم السياسيون الجدد، والمقاتلون الحاليون هم المواطنون المستقبليون الذين ستكون عليهم مهمة اختراق صناديق الاقتراع في مختلف مناطق العراق. ويقول بعض ثالث إن الحشد الشعبي سيبقى كما هو: قوة مسلحة تلقي بظلالها على كل التحولات العراقية المقبلة.
وأقول أنا… الرجل الذي يرصد الأمور من خارج الدائرة العراقية إن الحشد الشعبي وُجد ليبقى. لن يتقدم ليختطف الدولة العراقية بالكامل، ولن يتراجع ليذوب في الحياة المدنية، بل سيبقى طيفاً عراقياً كبيراً يملك السلاح ليؤثر في القرار السياسي، ويحظى بالهيمنة ليعيد تشكيل الفسيفساء المجتمعية في العراق في شكل يتناسب مع أجندته الداخلية والإقليمية. سيظل قوة مسلحة من جانب وتياراً سياسياً من جانب آخر. ينازع السلطة المركزية في امتلاك الشارع بالسلاح، ويدخل معها في شراكة غالبة في مجلس الوزراء!
يريد القادة الفعليون للحشد الشعبي، والذين لا يعرفهم أحد بالمناسبة (!) أن يكونوا نسخة أخرى من حزب الله اللبناني. يريدونه أن يحكم من غير أن يتورط في الحكم. ويسيطر محلياً من غير أن يكون لسيطرته هذه تبعات دولية، إذ لا صفة حكومية له قابلة للمحاسبة والمراقبة من المجتمع الدولي!
المنظرون الكبار للاختراق الإيراني في المنطقة يرون أن زرع كيانات مسلحة تشارك جزئياً في العملية السياسية في بلدانها، أفضل بكثير من خلق أحزاب أو ميليشيات تستأثر بالسلطة كاملة. يعرف صنّاع النظرية هؤلاء أنهم لو سمحوا مثلاً لحزب الله بالسيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية فسيواجه إن عاجلاً أو آجلاً بثورة شعبية لبنانية (عربية الملامح) تطيح بالحلم الإيراني كله في لبنان. كما أنه سيكون مسؤولاً أمام المجتمع الدولي عن أية تجاوزات واختراقات وتحركات مشبوهة على الأرض اللبنانية، وهذا ما لا يريده له راعيه الإقليمي، إذ يفضّل دائماً ألا تكون له علاقة مباشرة مع أذرع الأمم المتحدة المختلفة كي يعمل على مشاريعه الإقليمية بحرية. هذه الصيغة الوجودية «المتغلبة» من غير ظهور في الصورة هي الضمانة الوحيدة للبقاء طويلاً والعمل بما يخالف التوجهات الوطنية للبلد المستضيف.
حزب الله، التنظيم المسلح، ذو الأيديولوجية التابعة لدولة إقليمية، سيعمل دائماً على ألا يتورط في تمثيل لبنان داخلياً وخارجياً، لكنه سيعمل كل الوقت على أن تكون مفاتيح القوة بيديه دائماً، وسيُبقي طوال الوقت رجل دين على رأس زعامته، يقول للناس ائتمروا بما أقول طاعة لله والرسول فيأتمرون!
حزب الله ما زال مشروعاً ناجحاً لهذه النظرية السياسية، والحشد الشعبي في طور التشكيل، وسيعلن في المستقبل القريب عن شخصية دينية تتولى زعامته جاعلة منه مهوى أفئدة للمؤمنين وحزباً سياسياً دينياً بذراع عسكرية متغلبة، قادر على الحكم المتخفّي داخلياً من غير أن يخضع لأي تبعات دولية!
المنظرون نجحوا في لبنان، وسينجحون في العراق إن لم يتدارك العراقيون وضعهم، لكنهم اصطدموا بجدارين كبيرين في اليمن والبحرين ما أفشل مشروعهم.
فشل المنظرون في اليمن لأن الحزب المسلح الذي أرادوه أن يتّبع السيرة الحزبلاهية انقض على الحكم في لحظة غير محسوبة تزامنت مع هشاشة الدولة الشرعية في صنعاء، واستولى عليه بالكامل مخالفاً– في تقديري– نظرية الحكم الجزئي التي كان المنظرون يطمحون لها، ما جعل دول التحالف العربي تنتفض عسكرياً لإعادة الأمور إلى نصابها، الأمر الذي سيجرّد الحوثي في المستقبل من سلاحه والذي هو أهم أداة للحكم الجزئي!
وفشلوا في البحرين لسببين، الأول دخول قوات درع الجزيرة في الوقت المناسب وتفويت فرصة إملاء شروط جمعية الوفاق ذات التسليح الخفيف على الحكومة البحرينية، والثاني لأنه لا يمكن اختراق قرار البحرين السياسي كدولة ملكية بواسطة أحزاب أو جمعيات غير مشرعنة في الأصل!
العراقيون اليوم في تقديري أمام لحظة حاسمة في تاريخهم، إما أن ينجوا بدولتهم التي تتعافى شيئاً فشيئاً من الحرب الداخلية الطويلة، وإما أن يسقطوا في الفخ فيصبحوا تابعين لقوة متغلبة تتحكم في مستقبلهم ووجودهم فترة طويلة من الزمن باسم وكيل دين داخلي يأتمر بأوامر تاجر دين خارجي!
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | أنا الكردي إذ أقرّر مصيري
|
عصام الخفاجي
|
الحياة السعودية |
مؤثر ترحيب الأكراد بمقال يكتبه عربي يدافع عن حقهم في تقرير مصيرهم لأنه يقول الكثير عن إحساسهم بأن قلة قليلة من العراقيين تتعاطف مع حلمهم ببناء دولتهم المستقلة، في مقابل أغلبية ترى فيه تجزئة للعراق وإضعافاً له. محقّون هم إن شعروا بأن غالبية الساسة العراقيين الذين يلحّون على قيادتهم بتأجيل الاستفتاء على استقلال كردستان ينطلقون من سعي الى إدامة إلحاقها ببلد لم يعودوا يشعرون بالإنتماء له. ولعل هذا الإلحاح أعطى زخماً أكبر لحماسة قادة الكرد للاستعجال بإجراء الاستفتاء. فرغبة الخصم بالتأجيل تعني أنه متضرر منه. وتضرّر الخصم يعني استفادتنا. زعيم كردستان السيد مسعود البارزاني قال أيام تأجيج المالكي للصراع ضد السنّة إن كردستان مستفيدة من هذا الصراع لأنه ينهك العراق.
متأمّلاً في هذا الجو المسموم، كتبت مراراً أن من مصلحة الشعبين العراقي والكردي الانفصال عن بعضهما والسعي الى نسج علاقة جوار ودّية تحكمها القوانين المنظمة للعلاقات الدولية، فذلك خير من إحساس خُمس الشعب بأنهم خاضعون لإستعمار قوة أجنبية. ودعوت، وما زلت أدعو، إلى أن يجري استفتاء الكرد على الإستقلال في موعد قريب تتحدّد على إثره طبيعة ووظيفة المحادثات مع بغداد: حل لمظالم إقليم مع السلطة الاتحادية او تنظيم شكل العلاقة بين دولتين. ولأن الجو مسموم، تمنّيت على القادة في بغداد أن يكونوا هم المبادرين إلى طرح هذا الأمر لكي يزيح العراقيون عن ضمائرهم الشعور بأنهم غاصبون لحق الكرد. على الكرد أن يقرّروا بأنفسهم إن كانوا يريدون الإستقلال أم لا. على الكرد أن يقرروا أين تكمن مصلحتهم وعلى العراقيين الإمتثال لإرادتهم. فحق تقرير المصير لأي شعب هو مبدأ إنساني يعلو على أي دستور وطني. ولو كانت الشعوب الطامحة لتحقيق استقلالها ركنت إلى الدساتير الوطنية لما حصل شعب على حرّيته.
الآن، وقد اقتربت ساعة الحقيقة (إن لم يتم تأجيل الاستفتاء في اللحظة الأخيرة) عليّ أن أجيب عن السؤال الحارق: لو كنتُ كردياً فهل سأصوّت للاستقلال؟ جوابي بكل بساطة هو: لا.
أزيح جانباً الاعتبارات الإقليمية والدولية وأفترض، كما يفترض البارزاني، بأن العالم سيتعامل مع الأمر الواقع بعد إعلان الدولة وبعد أن يرى أن كردستان متحمّسة للعب دور الحليف المضمون الولاء للغرب. وسأذهب بعيداً وأفترض أن بغداد لن ترى في تعامل بعض الدول إيجاباً مع كردستان خطوة عدائية تضع تلك الدول في موقف المفاضلة بين صداقة العراق أو صداقة كردستان. وسأتجاوز الوقائع الإقتصادية التي تقول إن متوسط إيرادات تصدير نفط كردستان للمواطن الكردي (بما فيها عوائد نفط كركوك) تقل عن متوسط العائد من النفط العراقي الذي يحصل عليه المواطن الكردي الآن. وسأزيح جانباً واقع أن كردستان لا منفذ مستقلاً لها لتصدير نفطها بل لا بد من مروره عبر تركيا التي تستطيع خنقها اقتصادياً. وسأفترض أن مستوى الفساد وهدر الموارد في بغداد وأربيل متساوٍ، وهو افتراض واقعي إلى حد كبير. وسأفترض أن كردستان ستنجح في تنويع موارد دخلها وتصبح دبي الشرق الأوسط، كما يعلن قادتها، وهو افتراض أبعد ما يكون عن التحقق.
اندفاع كردستان المتسارع نحو الاستقلال مبني على شكواها من أنها، بعد أربعة عشر عاماً تلت سقوط صدّام، ليست شريكة متكافئة في السلطة الاتحادية، في حين أن الوقائع تقول إن كردستان تتمتع بسلطات تتجاوز ما تتمتع به مقاطعات سويسرا ذات النظام الاتحادي الأقل مركزية في العالم بحدود. لكن هذا لن يكون دافعي كـ «كردي» لقول «لا» صريحة للاستقلال.
دافعي هو أن كردستان لم تبن دولة مواطنة تتفوّق على بناء دولة المحاصصة الطائفية الريعية الفاسدة في العراق، وأن تحررها من القيد العراقي لن يجعلها أكثر فساداً وريعية فقط، بل دولة بوليسية كذلك. نظام حكم العراق الاتحادي متحيّز ضد العرب السنّة ودستوره مملوء بصياغات تمأسس المرجعية الشيعية. لكن سلطة بغداد لم تتجرّأ على منع رئيس البرلمان السنّي من دخول بغداد ولا على منع انعقاد جلسات البرلمان لمدة سنتين. السلطة التنفيذية لكردستان التي تستمد شرعيتها من برلمانها قامت بذلك بكل بساطة، فأوقفت بيشمركتها على مداخل العاصمة أربيل رئيس البرلمان وطالبته بالعودة من حيث أتى لتبقي البرلمان معطّلاً منذ أكثر من سنتين.
أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في بغداد استقوت بالغالبية السكانية للشيعة لتعمّق وتسيّس الانقسام المجتمعي بين جنوب ووسط شيعي وغرب وشمال سنّي. والحزب الديموقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل ودهوك عمّق وسيّس الإنقسام المجتمعي بين وسط وغرب موالٍ له وبين شرق وجنوب بعيد كل البعد من سلطته. لا تعجّ كردستان بالميليشيات والعصابات المسلّحة، لكن لها جيشين عجزت القيادة السياسية الداعية إلى الإستقلال وبناء الدولة عن توحيدهما. هذان الجيشان كانا قبل عقدين طرفي حرب أهلية لا ضمانة لعدم تجددها في الغد.
أتابع، أنا المواطن الكردي، أداء نوابي في البرلمان العراقي لكي أرى صورة ما سيدور في برلمان بلدي بعد الإستقلال. سلطة بغداد تبني كل حساباتها على المحاصصة. نوّابي صوّتوا بحماسة لكل ما يكرّس المحاصصة، بل إن شكواهم من عدم نيل حصّتهم من السلطة الاتّحادية هي في جوهرها شكوى من عدم المضي بالمحاصصة شوطاً أبعد. نوّابي كانوا في مقدمة الرافضين لدعوات إحلال مهنيين كفوئين في المراكز القيادية لكي لا تتخلخل حصص الطوائف والقوميات. نوّابي مدركون أن كسر نظام الكوتا في بغداد يكسره في كردستان. لم يصدر عن نوابي ولا عن قادتي السياسيين موقف واحد مؤيد للتظاهرات والحراك الجماهيري المطالب بمحاربة الفساد. نوابي مدركون أن دعم التظاهر والحراك المدني في بغداد يعني دعمه في أربيل والسليمانية، وأن فتح ملف الفساد في بغداد يعني فتحه في أربيل والسليمانية. نوّابي صوّتوا لمصلحة قانون يقيّد بشدة حرية التعبير لأنه يكرّس ما تقوم به سلطة الإقليم أصلاً من تضييق واعتقال للإعلاميين.
سلطة بغداد فاسدة. فضائح نهب أبناء وأقارب المسؤولين أكبر وأكثر من أن تُحصى. لكن الحذر من مقارنتهم بماضٍ صدّامي كريه أملى عليهم تجنّب وضع أقاربهم في موقع السلطة. لكن كردستان لا ترى مشكلة في أن يكون البارزاني رئيساً للإقليم وابن أخيه رئيساً لوزرائه وابنه مستشاراً لأمنه القومي.
فبمَ يعدني، قائدي، رئيس الإقليم وهو يدعوني، أنا الكردي البسيط، للتصويت بنعم على الإستقلال؟
مثلما دعوت قادة بغداد إلى الاستماع لصوت الشعب الكردي، آمل في أن تستمع سلطة كردستان لصوت شعبها. ومثلما يطالب قادة كردستان، محقّين، بحق تقرير المصير، آمل في أن تمنح شعبها حق تقرير مصيره بلا تخويف. آمل في أن تمنحه الحق الذي طالبت به ونالته عام 2004: الحق في تعطيل أي قانون إذا رفض تمريرَه ثلثا سكان محافظات ثلاث، أي حوالى عشرة في المئة من مجموع السكان. آمل في أن يعتبروا التصويت على الإستقلال لاغياً إن لم يحظ بغالبية الثلثين على الأقل. آمل في أن يدركوا أن العالم يرى ممارستهم الفاضحة للإرهاب المعنوي (والجسدي الموثّق مراراً) والتخوين بحق من يدعو إلى تأجيل الاستفتاء من الأكراد. آمل في أن يعرفوا أن منح شيوخ الدين سلطة إصدار فتاوى بتحريم التصويت بـ «لا» هو مقدمة منحهم سلطة على الدولة والسياسة مستقبلاً. ستذوب الحركات المركّزة على المطالب القومية مثل الاتحاد الوطني الكردستاني لتنضوي طائعة أو مشتراة أو مرغمة في جسم السلطة. لكن البديل الإسلامي ينتظر فرصة الخيبات المقبلة بكل تأكيد. لست أكثر حرصاً على كردستان من شعبها بالتأكيد. لكنني أرتعب من صورة كردستان التي لن تشبه دبي قدر ما تشبه جمهورية جنوب السودان. دولة فاشلة تتقاتل فيها قوّتا بيشمركة وتصعد في ظل القتال بالضرورة ميليشيات إسلامية تدعمها هذه القوة الإقليمية أو تلك ويصدر مجلس الأمن الدولي قرارات في شأن إيقاف القتال وأوضاع اللاجئين فيها.
أدرك، وقد عشت التجربة الفلسطينية، سحر السعي وراء علم ونشيد وطني يعمّق الحسّ بالهويّة. ولكن الويل، كل الويل، يوم يصعد جمال عبدالناصر الكردستاني بطلاً قومياً حقق حلم شعبه بعد قرن من العذاب ليبني دولة بوليسية تلوح غيومها السوداء منذ الآن. يومها قال عبدالناصر النزيه الذي لم يتلوّث بالفساد ولا المحسوبية: إرفع رأسك يا أخي، أنت مصري. رفع المصري رأسه ليركع للبطل الذي حرّره وليستمر راكعاً لستين عاماً لاحقة.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
كاظم الساهر ليس «سوبرمان»
|
طارق الشناوي
|
الشرق الاوسط السعودية |
على مدى 27 عاماً والشعب الكويتي لم ينس، ولأن الجرح عميق فإنه من المستحيل أن يندمل. الكراهية ضد المغتصب صدام حسين تزيدها الأيام لهيباً. لم ولن تجف دماء الشهداء الكويتيين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن. الشعب الكويتي تسامح مع الشعب العراقي لأنه يعلم أنهم مقهورون. الرابطة التاريخية بين الشعبين عصية على الانفصام، ولكن تبقى بعض التفاصيل العالقة، مع عدد من الأشخاص الذين كانت لهم في القلوب مكانة خاصة. باءت قبل أيام بالفشل محاولة المطرب الكبير كاظم الساهر الغناء في الكويت، ولم تكن الأولى، وأقول لكم أيضاً إنها لن تكون الأخيرة. سيحاول كاظم مجدداً طرق الباب لعله يُفتح. هكذا تراجع منظمو الحفل الذي كان مزمعاً إقامته في دولة الكويت، تحسبا لغضب محتمل. تابعوا بعض تفاصيل الرفض على (النت) وتوجسوا أن يتعكر صفو الليلة الغنائية، كاظم على الجانب الآخر رد برسالة صوتية يؤكد خلالها أن الشعب العراقي غير مسؤول عن جنون الطاغية، إلا أن الاتهام الذي كان ولا يزال يلاحق كاظم، أنه غنى للديكتاتور، فهو لا يعامل باعتباره واحدا من أفراد الشعب العراقي فلا كراهية بين الشعبين. هي بالطبع خطيئة لو عزلناها عن الظرف بشقيه الزمان والمكان، دعنا نسأل هل كان كاظم يستطيع أن يقول لا ولم يقلها؟ بالمناسبة أنا أفكر معكم بصوت مسموع، لا أدافع أو أدين أحدا، كاظم يعلم تماما باعتباره المطرب العراقي الأول، أنه لو تقاعس عن الغناء، فلن يأمن على حياته، ربما تلقى إشارة غير مباشرة للغناء، قد يقول البعض لماذا لا نفترض أنه هو الذي تطوع بالغناء من دون أن يتلقى تلك الإشارة؟ ممكن طبعا، إلا أنه حتى مع افتراض صحة ذلك، فإنه كان يخشى سوء العاقبة. كاظم مثل أغلب الفنانين في عالمنا العربي، يعيش خاضعا للنظام الحاكم ويخاف من العقاب، حتى لو لم يكن ينتظر «الجزرة» التي تمنحها السلطة لمن ترضى عنهم، فإنه ولا شك يخشى «العصا» التي تنهال بها على من يعارضها. الناس تعودت أن تعامل الفنان باعتباره بطلاً صاحب موقف سياسي، بينما الحقيقة أنه يمتلك موهبة ولكن لا يمتلك في العادة موقفاً، جزء من تسويق البضاعة أن يقدم الفنان نفسه لجمهوره كصاحب رأي، وأن صوته فقط ملك للناس وليس الحاكم. كاظم قبل نحو 30 عاماً وهو يحتل مكانته الاستثنائية كنجم عربي محبوب، أي أن نجاحه قد تجاوز حدود العراق، ولكن هل ننسى أننا عندما نتحدث عن سلطة باطشة مثل صدام فإن القتل يعتبر بالنسبة له مثلما يردد تحية صباح الخير؟!. كاظم إذا أراد الغناء في الكويت فإن عليه تغيير الخطاب الذي يتوجه به للشعب، حتى لو قلنا إن الرافضين لوجوده يشكلون الأقلية، فإن المطلوب أن يعترف أنه إنسان وليس مناضلاً، وأنه غنى لصدام أكثر من مرة لأن الثمن لو امتنع، من الممكن أن يصبح حياته. الأبطال عبر التاريخ هم الأقلية، بينما كاظم مثل أغلب الفنانين والمثقفين يريد فقط أن يصل صوته للناس. هناك صورة ذهنية للفنان صنعها الإعلام تؤكد أنه البطل المغوار، والغريب أن بعضهم يصدق نفسه، والمطلوب من كاظم أن يقول أولاً للشعب الكويتي، حتى الذين سامحوه، اغفروا لي لأني بشر ولست «سوبرمان»، وبعدها من الممكن أن يفتح له الباب!
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | القلق الإيراني في العراق
|
عبدالرحمن الطريري
|
عكاظ السعودية |
يقترب العراق اليوم من تحرير أراضيه من داعش، بعد أن سيطرت داعش على الموصل ومناطق عدة لسنوات ثلاث، وكم صُدم العراقيون أكثر من غيرهم من انهيار الجيش العراقي أمام مئات من عناصر داعش، وكان ذلك خلال فترة حكم نوري المالكي حليف إيران، والذي ربما استلزم عليه وفاؤه لإيران أن يكون هذا الجيش على الورق.
ينتهي العراق من الإرهاب للمرة الثانية اليوم، ففي المرة الأولى تخلص العراق من تنظيم القاعدة وكان للصحوات العشائرية دور كبير في ذلك، لكن سياسة المالكي قوضت دور هذه الصحوات، وأوقفت تمويلها وتعاملت بطائفية وتراخت أمنيا حتى انطلقت داعش وعاثت في الأرض فسادا، وجاء حيدر العبادي ورغم كل التحديات نجح في مكافحة داعش، بمساعدة من عدة حلفاء على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
اليوم نرى تقاربا بين العراق ومحيطه العربي، وفي المقدمة تأتي المملكة في سعيها لإعادة العراق لمحيطه الطبيعي، يأتي هذا التقارب بعد سنوات لم يكن التباعد فيها أمرا مناسبا، سمحت هذه السنوات بتغول إيران أكثر في العراق، وقد أظهر هذا وجه إيران الحقيقي للعراقيين، ورأينا ذلك في مظاهرات خرجت في البصرة وصيحاتها «إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة».
مما يعنى أن العراقيين عرفوا أن أزلام إيران في العراق وعلى رأسهم المالكي، إنما هم فسدة نهبوا خيرات العراق، ولم يروا انعكاس أثر هذه الخيرات على بلدهم، بل كانت هذه الأموال بالإضافة لجيوب الفاسدين، تسهم في تمويل معارك بشار الأسد، حين صعب التمويل المباشر من إيران مع العقوبات المفروضة عليها.
الدول العربية حاولت عدة مرات أن تعود للعراق، ولأن هذا الأمر خطير على إيران، لمعرفتها بعروبة العراقيين العميقة أيا كان مذهبهم، فقد تصدت لعدة محاولات تقارب، منها التهديد المستمر لسفير المملكة السابق في العراق الوزير ثامر السبهان، والذي عين سفيرا في بغداد في 2 يونيو 2015، لكن المملكة وعدة دول عربية لم يثنها ذلك واستمرت في الوقوف إلى جانب العراق.
وبالحديث عن عروبة العراق فيجب العودة لما قاله عمرو موسى عن محاولة إيران عبر نوري المالكي أيضا، أن لا يكون دستور العراق عروبيا، حيث كان التيار الإيراني يرغب في أن تكون صياغة الدستور تقول «الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية»، لكن إصرار الجامعة العربية جعل النص «العراق دولة عربية مؤسسة للجامعة العربية»، وهو ما ذكرته بتفصيل أكثر في مقال (العراق العربي وسورية العربية) 30 يناير 2017.
حين دخلت إيران للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حملت شعار الطائفية وضربت السنة بالشيعة وتلاعبت بالأكراد، لكن قبل هذا كله لم يكن المعيار الطائفي هو المحرك الرئيسي، بل كان الحقد والولاء هما المحركان، فتم تصفية الطيارين الشيعة في البصرة والذين كانوا في الجيش العراقي وقصفوا إيران خلال سنوات الحرب، حيث لم تنس يوما ولم تسامح الجيش العراقي، ثم تعاملت مع الشيعة قبل غيرهم على مبدأ الولاء المطلق لإيران لا مبدأ الطائفة.
اليوم تشعر إيران بقلق شديد من التقارب السعودي العراقي، عبر زيارة رئيس الوزراء ووزير الداخلية وعدة مسؤولين، ثم كان القلق أكبر بزيارة مقتدى الصدر ولقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي اعتبره زعيم التيار الصدري حوارا شفافا وصريحا بين الطرفين.
لدى العراق تحديات كبيرة اليوم بعد أن تنتهي المعركة مع الإرهاب، لديه تحدي انفصال كردستان، ولديه تحدي منع أسباب ظهور الإرهاب مجددا، وعدم وجود عدالة في التنمية، والتحدي الأكبر هو كيف يمكن الحد من النفوذ الإيراني، وكيف يمكن أن يكون خير العراق لأهله.
يعود العرب إلى العراق ويبقى العراق عربيا لأن الأشياء مهما طال بعدها تعود لطبيعتها، ليس الطريق معبدا بالزهور، لكن بغداد المتنبي تستحق، وقد قال فيها أبو الطيب
الشمس أنت فضاء الدوح مبتهجٌ
أو جنة الجنات أرضها علمي
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ
بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
|