ثلاث مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاثنين

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 قبضة إيران في بغداد ومصير «حشدها» على المحك

 

جورج سمعان

 

 

الحياة السعودية
 

 

المشهد الاستراتيجي في العراق يمر بتحولات جذرية. العلاقات المتجددة بين المملكة العربية السعودية والعراق تنبئ بتغيير قواعد اللعبة السياسية، على المستويين الداخلي والخارجي. لكنها لن تبرّد الأزمة المستعصية في هذا البلد. قد تتصاعد قريباً على وقع حدثين مفصليين سيتركان انعكاسات واسعة تتجاوز الساحة الداخلية ايضاً. أولهما الحرب لتحرير منطقة تلعفر وما قد تجره من تغييرات في تمركز القوات المشاركة فيها وأثرها في الصراع الاتني والمذهبي المستعر، مستقبل «الحشد الشعبي». وثانيها الاستفتاء في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل على قيام «دولة» كردستان. وستكون اللعبة السياسية أمام خريطة جديدة من التحالفات والتموضعات المحلية والإقليمية.

 

طرأت عوامل كثيرة على سياسات المعنيين بالعراق منذ احتلال التنظيم الإرهابي مناطق شاسعة من بلاد الرافدين منتصف العام 2014. أذعنت إيران لضغوط جمة وتخلت عن حليفها القوي نوري المالكي الذي كان يطمع بولاية ثالثة. لم تستطع تسويقه حتى داخل تحالف القوى الشيعية. ولم ترغب أيضاً في كسر كلمة المرجعية الشيعية في النجف التي حملته المسؤولية عن استشراء الفساد والمحسوبية والهدر وقيام «داعش» كنتيجة طبيعية لهذا الفساد. لكن خلفه في كرسي الحكم ونائبه في «حزب الدعوة» حيدر العبادي لم يعرف كيف يستغل التأييد الشعبي ووقوف المرجعية ومعظم القوى المناوئة لسلفه إلى جانبه. تأخر في تطبيق برنامجه الإصلاحي. ولم ينجح في معركة تقويض مراكز القوى التي خلفها زعيم «دولة القانون» في مؤسسات الدولة وإداراتها. ولم ينجح أيضاً في ضرب نظام المحاصصة الذي جيّر الدولة ومؤسساتها وخيراتها إلى الكتل الكبيرة، خصوصاً تلك التي استأثرت بالحكم طوال أكثر من عقد. لكنه أعاد إلى حد ما تأهيل المؤسسة العسكرية بدعم صريح من الولايات المتحدة التي لم تكن إدارتها حتى العام الماضي تخلت عن تفاهمها مع طهران على تقاسم مواقع النفوذ. حتى أن مسؤولين في الإدارة السابقة وجهوا كلمات التقريظ والمديح إلى «الحشد الشعبي» على أدائه بمواجهة «داعش». وكان الأمر يتماشى مع حرص الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية. ونجح رئيس الوزراء في نهج سياسة متوازنة بين واشنطن وطهران. وطالب ببقاء الأميركيين بعد تحرير الموصل، وأوكل إلى شركة أمنية أميركية حراسة الطريق الرابط بين بغداد وعمان، بخلاف رغبة طهران.

 

وطرأ تطور سياسي كبير آخر هو دخول دونالد ترامب البيت الأبيض أول السنة الحالية. وكان من بين أهم أهداف استراتيجيته مواجهة إيران التي صنفها على قدم المساواة مع التنظيمات الإرهابية. لم يمنع ذلك من مواصلة الحرب على «داعش» في إطار الخطة التي أطلقتها الإدارة السابقة. لكن واشنطن بدأت هذه المرة تعبر عن رغبتها في إعادة صوغ سياستها حيال العراق، والنظر في توسيع وجودها العسكري في هذا البلد. وهو ما يتماشى مع استراتيجيتها الجديدة حيال الشرق الأوسط برمته، مشرقاً وخليجاً. وهي تتجه بلا شك توجه قيادات عراقية إلى إعادة صوغ علاقات بلادها بالمحيط العربي، الخليجي خصوصاً.

 

أبعد من هذه التطورات، وصول نظام المحاصصة إلى طريق مسدود. ما يعني أن سقوطه نهائياً لا بد من أن يتبعه سقوط القوى والأحزاب الدينية التي تولت إدارة البلاد منذ انهيار نظام «البعث» في 2003. تبادلت هذه القوى توزيع المكاسب والمغانم على الأنصار والمؤيدين بدلاً من ترسيخ المؤسسات وبناء الإدارات. لم تستطع حتى توفير أبسط الخدمات للمواطنين الذين لجأوا إلى الشارع، منذ منتصف 2015 ولا يزالون إلى اليوم، منادين بإسقاط هذه الأحزاب ومن يقف وراءها، خصوصاً إيران الراعي الأساس لنخب الحكم الشيعية. خطأ العبادي هنا أنه لم يعرف كيف يوظف هذا الغضب لتمكين حكمه وتغيير المشهد. علماً أن الأحزاب والكتل المتحكمة بمجلس النواب عرفت هي الأخرى كيف تدافع عن مصالحها وحماية مصيرها. ولكن كان لا بد لهذه القوى من أن تبدل جلدها على الأقل في خضم هذا الغضب، لعلها تنجو من يوم الحساب في الانتخابات المقبلة. والحقيقة أن السيــد مقتدى الصدر كان أول المبادرين إلــى الخروج من عباءة «التحالف الوطني» الشيعــي، والتمــرد على اليد الإيرانية. للرجل وجمهوره العريض ثاراتٌ على المالكي منذ أيام «صولة الفرسان» التي ضربت «جيش المهدي» جنوب البلاد ووسطها في 2008. كما أنه ضاق ذرعاً بتدخل طهران و «حرسها الثوري»، وله حسابات ايديولوجية مختلفة في ما خص المرجعية وولاية الفقيه. لذا انضم إلى الشارع مستفيداً أيضاً من موقف النجف من تدخل إيران وتغولها وسعيها إلى نسخ نموذجها للحكم في بلاد الرافدين.

 

لم تكن الظروف كذلك قبل سنتين. يومها عندما تقدم مناصرو الصدر إلى المنطقة الخضراء لم يرق ذلك لواشنطن ولطهران بالطبع. بدا أن ثمة حرصاً مشتركاً على تهدئة اللعبة السياسية في بلد تهدده «دولة الخلافة». لكن المرجعية أبدت تعاطفاً مع مطالب الشارع، بعدما كانت نادت بـ «جهاد الكفاية» لقتال «داعش»، ورفضت قبل ذلك إعادة تكليف المالكي لولاية ثالثة. حتى أن السيد علي السيستاني لم يتأخر في انتقاد موقف طهران الاستعلائي وتدخلها في الصغيرة والكبيرة. وكان له موقف واضح. قال يومها إن «العراقيين يعتزون بوطنيتهم وهويتهم واستقلالهم وسيادتهم». ورحب بأي «مساعدة تقدم إلينا اليوم من الأصدقاء في حربنا ضد الإرهاب ونشكرهم عليها (…) والمساعدة من الأصدقاء والشكر لهم لا يعنيان في حال من الأحوال أننا يمكن أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا، ولا يمكن أن نكون جزءاً من أي تصورات خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك». بدا واضحاً بعد قيام «دولة الخلافة» أن هناك أكثر من معول يضرب في الحضور الإيراني، من المرجعية في النجف إلى تبدل السياسة الأميركية والتظاهرات الشعبية التي تنادي برفع يد طهران عن بغداد، وأخيراً عودة الحرارة إلى العلاقات بين بغداد والرياض.

 

ليس الصدر وحده من رغب ويرغب في نزع العباءة الدينية عن تحرك أنصاره، وأعاد النظر بموقفه من أهل الخليج التي توجها بزيارة السعودية أخيراً. معظم القوى الدينية بدل أسماءه. السيد عمار الحكيم خرج من «المجلس الأعلى» ليطلق «تيار الحكمة الوطني». وحتى رئيس البرلمان سليم الجبوري أدار الظهر للحزب الإسلامي (الأخوان) ليرفع راية «التجمع المدني للإصلاح»، مستفيداً من دعم المالكي. كلهم باتوا يرفعون راية «الدولة المدنية» التي نادى بها المرجع السيستاني. ولكن يمكن القول حتى الآن أن هذا التبديل لم يثمر. أي أنه لم يترجم سياسات وبرامج تؤكد هذه التوجهات الجديدة. بل إن إقرار البرلمان أخيراً قانوناً جديداً للانتخابات العامة كشف نزعة الكتل الكبيرة نحو العودة إلى التحكم بالعملية السياسية من دون القوى والأحزاب الأصغر. إنها ببساطة محاولة لإعادة تأهيل نظام المحاصصة.

 

لا أحد يتوقع بالطبع أن ترفع إيران يدهــا عن العراق بهذه السهولة. أو أن بغداد ستقفل الباب بوجهها. هناك وقائع الجغرافيا والتاريخ. ولا حتى المملكة العربية السعودية التي بدأت تستقبل قيادات من جارها الشمالي تدفع باتجاه مثل هذه الخيارات. ولا حتى القيادات الشيعية الرسمية والحزبية التي زارت الرياض تستعجل هذا المنحى، فجل ما تطمح إليه في هذه المرحلة هو تنويع خياراتها. أما السعودية التي تخوض حرباً في اليمن وتواجه مع دول أخرى أزمة مع قطر يعنيها أن تقيم علاقات طيبة مع العراق. لقد ابتعد العرب طويلاً عن هذه البلاد لأسباب عدة، ليس أولها السياسة التي نهجها المالكي طوال عقد، وليس آخرها أن الولايات المتحدة آثرت منذ الغزو على التفاهم مع الجمهورية الإسلامية على إدارة شؤون بلاد الرافدين وتقرير مصيرها حتى انتهى الأمر بإطلاق يدها في بغداد. لذلك بعيداً من الشعارات النمطية، يستقيم أن يقال إن العراق يجب أن يعود إلى العراقيين أولاً، قبل المناداة بشعار عودته إلى الحضن العربي، أو بشعار خروجه من القبضة الإيرانية. شرط هذين الشعارين الأخيرين استعادة العراقيين أولاً الحكم وأدواته بعيداً من جميع المتدخلين في شؤونه.

 

إحياء العلاقات بين الرياض وبغداد ليس وحده ما يقلق إيران. يثيرها أن يدعو بعضهم إلى حل «الحشد الشعبي»، في حين تعمل جاهدة على تثبيته جزءاً من منظومة الحكم، على غرار «الحرس الثوري». وهي تعده لمعركة الانتخابات من أجل ترجيح كفة قياداته الموالية ودعم فريق المالكي. وكان الصدر ناشد العبادي علناً دمج العناصر المنضبطة من «الحشد» في القوات المسلحة وسحب السلاح من فصائله وحصره بيد الدولة. لكن رئيس الحكومة رفض الدعوة. ليس لأنه متمسك بهذه الميليشيات. فما يقوله فيها في سره ولقاءاته الضيقة يختلف تماماً عما يعلن ويضمر. لكنه لا يريد فتح معركة مستقبل «الحشد» عشية استحقاقين كبيرين هما معركة تلعفر والانتخابات البرلمانية. علماً أن قادة رئيسيين في هذه الميليشيات يستعدون لتوظيف ما يتحقق في ميدان الحرب على «داعش» في ميدان السياسة مستقبلاً. ويناهضون تذويب تشكيلاتهم في المؤسسة العسكرية. هذا ليس من أهداف طهران التي ترغب في إقامة جيوش رديفة تنافس المؤسسات النظامية وتهددها، من أجل ضمان حضورها القوي والطاغي. لذلك يخشى العراقيون، مع تصاعد موجة انفتاح بغداد على جيرانها العرب وطرح مستقبل «الحشد»، أن يعمد وكلاء إيران بمساعدة «حرسها» إلى التمرد أو التهديد بقلب الطاولة على الجميع. معارك كثيرة مفتوحة في العراق اليوم. لكن جديدها أن حضور إيران ومستقبل «حشدها الشعبي» باتا على المحك، مثلما باتت خيارات بغداد على المحك أيضاً، إذ لم يعد في إمكانها جمع الماء والنار بيد واحدة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 العراق: لا سيادة لحكوماتنا

 

بروفيسور كمال مجيد

 

 

 الراي اليوم بريطانيا
  

ان المفهوم الليبرالي  للدولة هو: ((مجموعة من الناس منظمة سياسياً تحت حكومة واحدة ذات سيادة. )) ان السيادة هي السلطة النهائية القصوى التي لا يمكن تجاوزها وبدونها تفقد الدولة معناها. ان الدولة التي لها السيادة الكاملة لها الصلاحيات التالية: –

 فرض الدستور والقوانين، انتاج العملة ووضع قيمة مفرداتها، فرض الضرائب وجمعها، تنظيم التجارة الداخلية والخارجية، السيطرة على علاقة الدولة الخارجية، اعلان الحرب وشنها و لها الحق القضائي في فصل الخلافات بين الناس ومع الدول الاخرى.

الا ان السيادة ، مثل اي شئ آخر ، قابلة للولادة وللتطور والتغير وفي الحقيقة لم تكن للسيادة وجود قبل صلح ويستفاليا سنة 1648. اذ لثلاثين سنة كانت البلدان الاوروبية في حرب مستمرة بحجة انها نشبت نتيجة الخلافات الدينية بين البروتستانت والكاثوليك ولكن الحقيقة انها كانت واستمرت بين الدول الرأسمالية التجارية، وخاصة بين هولندة البروتستانتية واسبانيا الكاثوليكية في زحفهما للسيطرة على المستعمرات في انحاء العالم عامة وامريكا بصورة خاصة.

كانت اسبانيا الاولى لخلق مستعمرة لها في كارولاينا في امريكا الشمالية سنة 1583. تبعتها بريطانيا في 1526 ثم هولندة سنة 1624. فتعقدت الخلافات وانتقلت الى اوروبا ، بل الى الاراضي الالمانية وذلك حتى قبل تأسيس دولة موحدة فيها.

في صلح ويستفاليا تم منع الدول في التدخل في شؤون الدول الاخرى بما في ذلك شؤون مستعمرات كل دولة. لم تكن هناك سيادة مشتركة بين الدول. لقد شملت فكرة السيادة الدول الاوروبية القوية، دون الضعيفة منها في اوروبا الشرقية، ودون مشاركة الولايات المتحدة الامريكية لأنها كانت حينذاك مستعمرة بريطانية – هولندية – اسبانية ودون مشاركة الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على معظم البلدان الواقعة شمال بحر المتوسط وكل شرق الاوسط وشمال افريقيا.

يقول جان أرت شولته: ليست السيادة ظاهرة ازلية بل لم يكن لها وجود قبل صلح ويستفاليا وليس هناك سبب لبقائها الى الابد، راجع

Globalization of world Plitics, Oxford University Press,2001, pp 19 to 26

ويضيف: ((مع انتشار العولمة(اقرأ ” الاستعمار”) اخذت السيادة الوطنية تتقهقر وتنكمش على حساب ازدياد قوة الحكومة وهيمنتها على الشعب.. فالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية اخذت تخترق حدود الدول بل بسرعة متفوقة نتيجة اختراع الاتصالات اللاسلكية الالكترونية عبر الاقمار الصناعية التي استخدمتها الشركات العابرة للاوطان للسيطرة على اقتصاد العالم لكسب الارباح المطلوبة.))

اما بخصوص المستعمرات والبلدان التابعة التي تأسست قبل وبعد الحرب العالمية الاولى، ككافة البلدان في الشرق الاوسط وافريقيا وأسيا وامريكا اللاتينية، فانها تكونت من قبل الدول الاستعمارية التي قسمت العالم فيما بينها وان السيادة التي نالتها هذه البلدان كانت صورية وغير كاملة وكان القصد منها منع الدول الاستعمارية المتنافسة من الاستحواذ على ما كان ملكاً لغيرها. فسوريا، مثلاً، كانت من حصة فرنسا بينما العراق لبريطانيا. لم يتغير اي شئ بعد ان نالت هذه البلدان استقلالها الشكلي ، بعد الحرب العالمية الثانية، ودخلت كأعضاء في هيئة الامم المتحدة. فالقرارات هناك تؤخذ بموافقة الدول الخمس الكبرى التي لها العضوية الدائمة وحق النقض في مجلس الامن.

لقد تدهورت حالة بلداننا الضعيفة، والمقسمة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بفضل خروشوف وحتى غورباجوف . لقد سيطرت قوى السوق الاستعمارية على كل شئ. يستنتج هارت و مساعده نيغري في كتابهما  (( الامبراطورية))، راجع:

Michael Hardt and Antonio Negri, Empire, Harvarde University press and London 2001

(( ان الامبراطورية القديمة قد تدهورت لتفسح المجال لانتعاش امبراطرية السوق (يقصدان  سوق المال) التي ترفض السيادة الوطنية وترفض الحدود الدولية … ان السوق تهاجم الحدود الثابتة بعنف منقطع النظير، انها تطغي على كل تقسيم أخر مستخدمة تعدديتها غير المحدودة… في يومنا هذا تسير السوق العالمية (يقصدان الامبريالية العالمية) نحو تحقيق الطغيان التام وهي في هذه العملية تهدم حدود الدول القطرية … ولهذا يجد روبرت ريج، وزير العمل للولايات المتحدة، نفسه في مركز ممتاز ويحتفل بانهيار الحدود الوطنية ويلح : ” لما كانت كافة عوامل الانتاج- النقود، التكنولوجيا، المعامل، والآلات تخترق الحدود دون جهد يذكر، فان فكرة الاقتصاد الوطني قد فقدت معناها أصلاً” .))

لقد صدق البروفسور عبدالله راقدي ، استاذ العلاقات الدولية في جامعة باتنة، حين كتب في 7/8/2017 في رأي اليوم :-

(( فقد استمر الغرب المنتصر في صراع الحرب الباردة في توسيع نظامه إلى أن أسبغه بالعالمية عبر تسويق العولمة ثم الحوكمة العالمية، عبر آليات اختراق حدود الدول وإثارة مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة العالمية والولاية القضائية العالمية. وعلى نحو متصل، سعى مهندسو هذا النظام الموسع إلى إضعاف وتسفيه سيادة الدولة وتعويضها بقواعد عالمية مشتركة يتعين على الحكومات الوطنية الالتزام بها. ))

مع طغيان امبراطورية السوق الرأسمالي فقدت الدول الصغيرة والتابعة سيادتها التي لم تنلها كاملةً منذ البداية اصلاً. ولهذا احتل جوج بوش الابن العراق، مستخدماً بين 1000 و2000 طن من اليورانيوم المخصب، وذلك حسب الغارديان اللندنية في 25/4/2003، الصفحة 14، حتى دون اخذ موافقة مجلس الامن. وكذا الحال مع دخول القوات الامريكية بصورة غير شرعية الى سوريا بالرغم من عضويتها في هيئة الامم المتحدة . هكذا يشعر الرئيس ترامب بان له الحق، دون حياء، ان يقول للدول المجتمعة في الرياض مقدماً انه يرفض زيارتهم بدون استلام النقود. ولهذا تمكن في ايام قليلة ان يجمع من السعودية وحدها 460 مليار دولار كقيمة السلاح والاتفاقيات التجارية الاخرى.ولهذا لم ينطق حيدر العبادي بكلمة حين اعلن ماتيس، وزير الدفاع الامريكي ، بأن الجيش الامريكي سوف لا يترك العراق، قال هذا وهو ضيف في بغداد.

يدرك الكثيرون مصائب الشعوب الضعيفة التي لا سيادة حقيقية لها ويدركون ما تنالها من الاستعمار الراسمالي الغربي ولهذا يتجهون نحو كتلة بريكس الفتية، من روسيا والصين وبرازيل والهند وافريقيا الجنوبية، في امل انها ستقف ضد جبروت الغرب، كما فعلت روسيا والصين وايران في دفاعهم، بنجاح متواضع، عن سوريا المهدمة. ولهذ ايضاً يكتب عبد الباري عطوان في 10/8/2017 ليقول كلمته:

 

    (( لا نُخفي في هذه الصحيفة، تعاطُفنا مع كوريا الشمالية ورئيسها “المِقدام” كيم جونغ أون، لأنه ربّما يكون الوحيد الذي يُجاهر بتحدّيه للولايات المتحدة الأمريكية، وتمسّك بحق بلاده في تطوير أسلحة نوويّة، وصواريخ باليستيّة، تُؤهلها للدّفاع عن نفسها في مُواجهة أي عُدوان أمريكي مُحتمل.)) ذلك لأن (( الولايات المتحدة “تبتزنا” وتَنهب أموالنا، وتُشعل مناطقنا بالحُروب والغَزوات، وتَبحث عن أي عدوٍّ للعرب والمُسلمين لتدعمه، ونحن لا نتحدّث هُنا عن إسرائيل فقط. )) هذه اشارات واضحة لجنين جديد لحركة التحرر من الاستعمار والتي تبعث الامل في نفوسنا.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   استفتاء كردستان.. بين التنفيذ والتأجيل و«الضمانات»!  محمد خروب

 

  الراي الاردنية
  

أحدث طلب رئيس الدبلوماسية الاميركية ريكس تيلرسون من رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني «تأجيل» الاستفتاء المقرر اجراؤه في الخامس والعشرين من ايلول الوشيك، ما يمكن وصفه بـ»الهزّة السياسية» لدى كرد العراق فضلاً عمّا استجد لدى دول الجوار»الكردي». وإذ تلجأ واشنطن كعادتها الى البقاء في المنطقة «الرمادية» وعدم الذهاب بعيداً في الإفصاح عن مواقفها «النهائية» من ملفات وقضايا عديدة، بهدف ضمان خط التراجع في اي لحظة مواتية لمصالحها، او للمضي قُدماً في الاصرار على موقف ما من قضية معينة، بعد ان تتضح الأمور وتتبدى «خسارات» او ارباح طرف ما، فإنها في موقفها الاخير من مسألة الاستفتاء الكردي «عزت» السبب باتجاه زعم «خشيتها من صرف الانظار والجهود عن المعركة الدائرة ضد تنظيم داعش»، وهو أمر يكاد يصل حدود السخرية، ليس فقط في ان الحرب الاميركية المزعومة على داعش لا تأخذ في الحسبان ضرب التنظيم الارهابي ودحره، بقدر ما تستهدف تدمير البنى التحتية والمرافق العامة وكل اسباب الحياة في المدن والبلدات المتبقية في يد داعش وبخاصة في مدينة الرقة السورية، التي تم تدميرها بنسبة مائة بالمائة على ما يُسرِّب نشطاء داخل المدينة نفسها، (وقبلها الموصل) وانما أيضاً في انها (واشنطن) ما تزال تستخدم «ورقة» محاربة الارهاب كي تعيد رسم خريطة بقائها العسكري في مناطق حلفائها وبخاصة لدى كرد سوريا، الذين يمضون في تحالفهم مع واشنطن ظناً منهم ان الاخيرة قادرة او راغبة في «الوفاء» بوعودها لهم وخصوصاً اقامة منطقة حكم ذاتي لهم في «روج آفا» السورية، او شيئاً من هذا الوهم الذي ما يزال يعشعش في عقل زعيمهم صالح مسلم المنتشي بتحالفه الاميركي وما يوفره له من معدات وعتاد سيتم «استردادها» عند انتهاء «التكليف».

 

ما علينا..

 

الطلب الاميركي تأجيل الاستفتاء اشعل الاضواء الحمراء في اربيل، ما اضطر برزاني الى إعادة النظر في مجمل جدول أعماله الذي رتّبه بإصراره على عدم التراجع عن 25 ايلول، معتبِراً ان المعارضة التي تبديها دول الجوار وخصوصاً تركيا وايران لن تكون لها أهمية عملية إذا ما حاز على دعم اوروبي وخصوصاً اميركي، ولهذا كان نجله (مسرور) حاسماً في تصريحاته لوسائل الاعلام الاميركية عند زيارته الاخيرة لواشنطن ولقاءاته مع طيف واسع من المُشرّعين ووسائل الاعلام والاكاديميين الاميركيين وقوله: ان لا تراجع عن الاستفتاء. وعندما سُئِل عمّا إذا كان الوقت مناسباً لاستفتاء كهذا؟ تساءل: متى إذاً سيكون مناسباً؟

 

ليس سهلاً على اربيل تجاهل ما انطوت عليه الدعوة الاميركية، وبخاصة ان عدم تأييد واشنطن للاستفتاء، ومواصلة الحديث عن 25 ايلول موعداً لإجرائه (على ما أكد هوشيار زيباري) سيكون مثابة انتحار سياسي لان لا تأييد معلناً حتى الان من قبل اي دولة مؤثرة في الاقليم او العالم لخطوة كهذه، وإذا ما صحت الانباء التي تسربت عن اجتماع تم عقده بين رئاسة الاقليم وحركة التغيير (كوران) المُعارِضة بشدة لإجراء الاستفتاء والتي لم تُغيّر موقفها من هذه المسألة، حيث قامت الاخيرة بطرح مقترح على برزاني بأن يتم تقديم مشروع قرار على برلمان كردستان بعد إعادة او تفعيل عمله (وهو معطّل الان)، على ان يحسم البرلمان في اول جلسة له مسألة الإبقاء على موعد الاستفتاء او تأجيله، فإنه (إذا ما قُبِلَ) سيُشكل حبل نجاة للجميع ويُظهِر ان التراجع عنه كان قراراً «ديمقراطياً» اتخذه نواب كردستان، الأمر الذي سيسمح بهامش من المناورة لرئيس الاقليم وكل مؤيد لإجراء الاستفتاء بما في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقوده الرئيس السابق جلال طالباني، والذي «طَرَدَ» من عضويته أحد نوابه في مجلس النواب العراقي، لانه أعلن معارضته خيار الاستفتاء. ويجري العمل لسحب عضويته من البرلمان مهدداً في الوقت ذاته، كل من يُعارِض الاستفتاء من محازبيه بأن يلقى «المصير».. ذاته.

 

اميركا لن تمنح اي ضمانات ملموسة او مُعلنة لكرد العراق مقابل تأجيل الاستفتاء، وستبقى في المنطقة الرمادية كعادتها، لكن ما اعلنته بغداد وطهران وانقرة والقاهرة (دع عنك دمشق) كفيل بأن يستوقف صنّاع القرار في اربيل بعد ان لم يعد بالامكان المضي قُدماً في تنفيذ خطوة كهذه، دون ان يبرز اي «اختراق» في موقف احدى هذه الدول التي تحيط كردستان كالسوار والتي بمقدورها خنق الدولة الوليدة اقتصادياً وشلّها جيوسياسياً وفرض حصار بري وجوي محكم عليها تجعل من خيار الاستقلال (رغم ان الاستفتاء غير ملزم) لعنة، او تكون أكلافه فادحة لا يقدر كرد العراق على دفعها.. وبخاصة ان انقرة التي حالفها الرئيس برزاني طويلاً وانسجم مع سياساتها الاقليمية حدود التماهي في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، هدّدت اخيراً وبوضوح وعلى لسان صهر الرئيس اردوغان وزير الطاقة براءت البيرق بضرب قطاع الطاقة الكردي عندما قال: ان قرار السلطات في الاقليم (يقصد الاستفتاء) سيضر بالتعاون الثنائي في مجال الطاقة، معتبراً ان القرار سيترتب عليه «ثمن» سيدفعه شمال العراق بالكامل. واصفاً التراجع عن الاستفتاء بـ»الخطوة السليمة».. أما مصر فقالت: انها «ترفض اي تحركات احادية دون التنسيق مع الحكومة المركزية».. وبغداد كما هو معروف تتمسك بالحوار كوسيلة للوصول الى حلول ومخارج للمشاكل بين الطرفين تحت سقف «الدستور» وبما يضمن الحفاظ على «وحدة البلاد».

 

من يمنح الضمانات إذاً؟

 

.. يبدو ان لا أحد. ورغم ذلك.. فالإستفتاء «لن»يجري، في ما نحسب.