ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول
|
خيرالله خيرالله
|
العرب بريطانيا |
لا يمكن للأكراد القبول بالعيش في ظل نظام يشكل ‘الحشد الشعبي’ عموده الفقري. هذا ما يفترض أن يستوعبه الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي كان مفيدا لو اتخذ موقفا من عمليات التطهير العرقي والمذهبي التي قامت بها ميليشيات ‘الحشد الشعبي’ ومن تشريعه.
لا مشكلة في أن تبدي جامعة الدول العربية وجهة نظرها في شأن الاستفتاء الكردي. وجّه الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط رسالة إلى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني يدعوه فيها إلى إعادة النظر في القرار القاضي بإجراء استفتاء شعبي يوم الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر المقبل يقرّر الأكراد العراقيون في ضوء نتيجته هل يستقلون عن العراق أم لا؟
تؤدي جامعة الدول العربية واجبها. لا يمكن للجامعة البقاء في موقف المتفرّج في مرحلة مصيرية من نوع تلك التي يمرّ فيها العراق. تبدو رسالة أبوالغيط إلى مسعود البارزاني طبيعية. كان يمكن أن تكون طبيعية أكثر لو اتخذت الجامعة موقفا من الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الموصل وما يقوم به “الحشد الشعبي” بحجة الحرب على “داعش”.
لا يمكن لوم الأمين العام للجامعة على الرسالة. يمكن فقط التذكير بأنّ الأكراد يسعون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالنسبة إليهم كشعب موجود على خارطة المنطقة. كلّ كلام من نوع أن الاستفتاء “سيحمل رسالة سلبية لأبناء الشعب العراقي من غير الأكراد ويفتح الباب أمام رياح الشرذمة والتفتيت ويزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، بل قد يساهم في تعقيد المشهد الكردي ذاته بصورة لا يرغب فيها أحد”، ليس له ما يبرّره. إنّه كلام قديم لا يمكن أن يتلاءم مع وضع جديد لم يعد فيه من مجال لأي تباك على وحدة العراق التي صارت جزءا من الماضي البعيد.
هل الاستفتاء الكردي سيؤدي إلى شرذمة العراق؟ هل للاستفتاء علاقة بتفتيت العراق؟
الأكيد أن الاستقلال الكردي ليس حلا سحريا. ليس ما يضمن أن يتمكن الأكراد من إقامة دولة ناجحة، خصوصا أنّهم سيتعرّضون لحملات عراقية وتركية وإيرانية إضافة إلى انقساماتهم الداخلية. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ لجوء الأكراد إلى الاستفتاء هو نتيجة وليس سببا. إنّه نتيجة التشرذم والتفتيت اللذين يعاني منهما العراق، بل يعاني مما هو أسوأ من ذلك. إنّه يعاني قبل أيّ شيء من الطبقة التي تحكمه ومن وقوعه تحت الهيمنة الإيرانية ومن لجوء إيران إلى إثارة الغرائز المذهبية بغية إحكام سيطرتها على كلّ مفاصل السلطة فيه.
لم يعد من مكان للأكراد في العراق الموحّد. ليس رئيس الجمهورية الكردي فؤاد معصوم سوى صورة في إطار أنيق في أحسن الأحوال. منذ خروج هوشيار زيباري من الحكومة، بعدما كان وزيرا للخارجية ثمّ وزيرا للمال، لم يعد الأكراد في أيّ موقع مهمّ في بغداد.
تظهر الأحداث التي توالت منذ العام 2003، تاريخ قيام النظام الجديد في العراق، أن الحكم العراقي قام بكلّ ما يمكن القيام به من أجل جعل الأكراد يكفرون بالوحدة العراقية ويهربون منها. لذلك لا معنى يذكر لكلام من نوع القول للبارزاني إنّ “حقوق الأكراد لا يمكن تلبيتها بصورة كاملة إلّا في إطار الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية”. لحظة يصعب أن تتكرر
استطاع الأكراد في مرحلة ما بعد سقوط صدّام حسين على يد الجيش الأميركي إقامة منطقة حكم ذاتي ورفع علمهم. استفادوا قدر المستطاع، وإن ضمن حدود معيّنة، من موارد الدولة العراقية. لعب جلال الطالباني قبل تعرّضه لجلطة دورا كبيرا في إيجاد نوع من التوازن داخل السلطة، أقلّه نظريا. كان ذلك عائدا إلى علاقته الطيّبة بإيران وامتلاكه هامشا من المناورة. لكنّ أشياء كثيرة انتهت مع خروج الطالباني من الرئاسة، بما في ذلك ضمور الوجود السياسي الكردي في بغداد وتصاعد الهجمة الإيرانية على البلد من منطلق مذهبي يقوم على خلق واقع جديد يستند أوّل ما يستند إلى “الحشد الشعبي”.
لا يمكن للأكراد القبول بالعيش في ظلّ نظام يشكل “الحشد الشعبي” عموده الفقري. هذا ما يفترض أن يستوعبه الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي كان مفيدا لو اتخذ موقفا من عمليات التطهير العرقي والمذهبي التي قامت بها ميليشيات “الحشد الشعبي” ومن تشريعه.
كان هناك تضخيم للدور الذي لعبه “الحشد الشعبي” في تحرير الموصل من “داعش”. كان هناك نوع من التجاهل للدور الذي لعبه المقاتلون الأكراد. لم يكن الهدف تحرير الموصل بمقدار ما أنّه كان تدمير الموصل بصفة كونها مدينة عراقية كبيرة لا هيمنة للأحزاب المذهبية التابعة لإيران عليها.
كان الأجدر بالأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي يمتلك من دون أدنى شكّ خبرة سياسية طويلة، التوجّه إلى الحكومة العراقية برئاسة الدكتور حيدر العبادي أوّلا. كان الأجدر سؤال الحكومة ورئيسها عن الخطوات التي أقدمت عليها من أجل توفير الحماية لكل المواطنين العراقيين من دون تفريق في الدين والمذهب والقومية.
بعد كلّ المآسي العراقية والقطيعة بين بغداد والمنطقة الكردية والمماحكات اليومية بين الجانبين، لا يمكن لوم الأكراد على أي خطوة يمكن أن يقدموا عليها، بما في ذلك اللجوء إلى استفتاء شعبي لإعلان دولتهم المستقلّة. الملفت في الأمر أنّهم يقدمون على ذلك في ظروف دولية وإقليمية مواتية يوفّرها الدعم الأميركي القوي للمشروع الكردي.
قبل العملية العسكرية الأميركية التي انتهت بإسقاط النظام العراقي السابق، رضي الأكراد بمشروع دستور يعتبر البلد “فيدراليا”. آن أوان الانتقال إلى مرحلة جديدة بعد فشل المشروع الفيدرالي. لماذا فشل هذا المشروع؟ هذا ما كان على أحمد أبوالغيط أن يسأل نفسه عنه قبل الطلب من مسعود البارزاني إعادة النظر في الاستفتاء على الاستقلال.
في حال حصول الاستفتاء في موعده، تبدو النتيجة معروفة سلفا. ستكون هناك أكثرية ساحقة مع إقامة الدولة الكردية المستقلة، علما أنّ ذلك سيثير مخاوف كبيرة في أنقرة وطهران. إضافة إلى ذلك، ستظل هناك أسئلة كثيرة مطروحة في شأن العلاقة بين الدولة الكردية المستقلة في العراق من جهة وأكراد كل من تركيا وإيران وسوريا من جهة أخرى. كذلك سيكون هناك سؤال يتعلّق بمستقبل كركوك. كيف حلّ مشكلة هذه المدينة التي يعتبرها الأكراد جزءا لا يتجزّأ من كردستان.
تبقى نقطة أخيرة. هل يتعلّم الأكراد، في حال حصولهم على الاستقلال من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك القتال الداخلي بين جماعة البارزاني وجماعة الطالباني؟ هل يتفادون تجربة جنوب السودان الذي استقلّ في العام 2011 والذي لم يستطع أن يكون دولة قابلة للحياة في أيّ وقت.
هناك منطقة يعاد تشكيلها انطلاقا من انهيار العراق الذي لم يستطع لملمة أوضاعه بعد العام 2003. ليس أمام الأكراد سوى تجربة حظّهم. فالظروف القائمة حاليا قد لا تتكرّر يوما. الأكيد أن ليس رسالة من الأمين العام لجامعة الدول العربية ستجعل مسعود البارزاني يغيّر رأيه. ففي ظلّ الأحداث الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط، لم يعد من معنى لوحدة الدول. الأمر الوحيد الذي له معنى هو ما يناسب هذا الشعب أو ذاك. لم يعد أمام الشعب الكردي من خيارات أخرى… وليس أمام الأمين العام لجامعة الدول العربية سوى تسجيل موقف، علما أنّ مثل هذا الموقف كان ينبغي أن يصدر في اللحظة التي بدأت فيها مأساة الموصل، وربّما قبل ذلك بكثير، عندما سلمت حكومة نوري المالكي المدينة إلى “داعش” كي يكون هناك تبرير لعملية تدميرها لاحقا. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | العراق.. تعديل الميزان بين السعودية وإيران
|
أحمد الحوسني
|
الاتحاد الاماراتية |
هناك إرهاصات في متغير العلاقات العراقية ـ السعودية بمؤشرات قوية، تفضي إلى درجة يمكن القول فيها بأنها تسير في الاتجاه الصحيح في التقارب بين بلدين عربيين، بعد غياب عربي طويل في العراق، يمكن حسابه سياسياً بـ”الخطأ” الذي طال تصحيحه. ما أثار ذلك الزيارة الأخيرة للسيد مقتدى الصدر زعيم “التيار الصدري” إلى الرياض في 30.7.2017 . في هذا السياق، سبق أن زار السعودية كل من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير الداخلية قاسم الأعرجي. وفي شأن زيارة الصدر أصدر مكتبه بياناً أجمل فيه: “أن الآراء توافقت بين الصدر والأمير محمد سلمان ولي العهد السعودي حول عدد من القضايا، التي تهم العراق ووحدته وأمنه وتعزيز التعاون في عدة مجالات، وفرص الاستثمار في العراق والإسهام في تنمية مناطق الجنوب ووسط العراق والمساعدات الإنسانية، وفي ذلك أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقديم 10 ملايين دولار إضافية لمساعدة النازحين عن طريق الحكومة العراقية. كما أشار البيان إلى أنه تم بحث سرعة افتتاح المنافذ الحدودية لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين وتبني خطاب ديني وإعلامي معتدل، كما ناقشا العلاقات الثنائية مع دول الجوار. وبعد عودته من الرياض أمر بإزالة الصور والشعارات المعادية للسعودية.
عبدالرحمن الراشد في مقال له بـ “الشرق الأوسط” ذكر “أن هذه الزيارة الشجاعة٬تدل على تحديه لسياسيين مثل نوري المالكي. موقف “الصدر” وعدد من القياديين العراقيين ليس ضد العلاقات الجيدة مع طهران، بل ضد هيمنتها، وضد تحويل المياه النهرية على الحدود والحفريات في المناطق البترولية المجاورة.
في التحليل السياسي لواقعة ما، لا يمكن التسليم بظاهرها بل أخذها بحذر، ومنها ينبثق السّؤال: هل هذه الزيارة شبيهة بزيارته السابقة في 2006 للسعودية٬ودوّل عربية أخرى٬ضمن حملته الدعائية في الاستفتاء المقبل في العراق لكسب بعض السياسيين السنّة والشيعة الذين يريدون التقرب من الدول العربية؟ لأن حينذاك رجع بعدها إلى رفع شعارات معادية للسعودية. وإذا كانت المعادلة الجديدة تتطلب مثل هذه التفاعلات، فمن الممكن تلي زيارة الصدر زيارة لعمّار الحكيم وغيره..ربما لدخول العراق في معادلة “السياسة الوطنية” بتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
لاستكمال تحليلنا لإرهاصات التقارب السعودي- العراقي، يستدعي ذلك حضور إيران المتغير الأول فيه. والسؤال يذهب لحيثيات قدرة مقتدى الصّدر مرجعه الديني “الحائري” وهو إيراني الذي يعمل لدى المرشد علي خامنئي. و”الصدر” عادة ما يذهب لإيران ويمكث هناك في بيته لفترة بحجة الاعتكاف؟ أمر يحتاج إلى نظر؟
إذا كانت العراق مقبلة على تحول لإعادة تشكيلها بنمط وطني، فإن هذا يتطلب تفكيك الكانتونات الدينية والطائفية وكذلك تفكيك الميليشيات التي تعمل خارج نص الحكومة، وفك الارتباط بالحرس الثوري الإيراني. إذا كان هذا التوجه من ممهدات العودة الأميركية للعراق لمرحلة “ما بعد الموصل”، فإيران لن تستطيع إيقاف هذا النهر؛ فهي براغماتية في امتصاص الصدمات وحصل ذلك أيام الرئيسين بوش وأوباما.
وسوف تشجع مريديها من أمثال حيدر العبادي والصدر وعمّار الحكيم في الانصياع لهذه المعادلة مع إبقاء روابطها، مهما كان الأمر سوف يتغير ميزان العراق، ما سيسمح لجميع المكونات بأخذ دورها في تشكيل عراق جديد.
في العراق هناك أقطاب من شيعة العراق لا يسرّهم نفوذ إيران الكاسح في بلدهم، ولا يمانعون في نفوذ آخر، يوازن النفوذ الإيراني، وهذا الأمر ينطبق على عمَّار الحكيم الذي استقال من المجلس الشيعي؛ ليؤسس “تيار الحكمة الوطني” ليفصل الشباب عن جيل مؤسس المجلس من ذوي الهوى الإيراني الذين أسسوه مع عمَّار في طهران، بينما حيدر العبادي قد يؤسس حزباً جديداً باسم”الحرية وإعادة البناء” ينشق به عن “حزب الدعوة” الذي يقيم زعامته الفعلية نوري المالكي. وكذلك “الصدر” سيعمل على تأسيس حزب جديد غير طائفي ليتوافق مع المرحلة المقبلة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | التفكير بوضوح في «داعش» | * رونالد تيرسكي | ريال كلير ورلد» |
يواجه تنظيم داعش المزعوم الخسائر في كل أنحاء العراق وفي سورية أيضاً، وإن بوتيرة أبطأ. لذلك يبدو الوقت اليوم مناسباً للتفكير في مدى دقة فهمنا لداعش.
إليك الأسئلة الرئيسة بشأن قوات “داعش” العسكرية وحكومات الاحتلال التابعة له مع اقتراب هذا التنظيم من نهايته:
الأعداد: ما مجموع مقاتلي “داعش” المتبقين في ساحات القتال؟ أما زالت المجموعات المحلية على اتصال إحداها بالأخرى، أم أن “داعش” صار مفككاً على نحو مميت؟
المجندون الجدد: تراجع عدد المقاتلين الأجانب الذين يدخلون سورية كل شهر في عام 2016 إلى بضع مئات كحد أقصى، وما عدنا نرى تدفق الآلاف منهم كما في السنوات السابقة. تشير التقديرات غير الدقيقة إلى أن عدد المقاتلين المتبقين في الميدان يبلغ نحو 10 آلاف مقاتل موزعين بين العراق وسورية.
القائد: أما زال الخليفة المزعوم أبوبكر البغدادي على قيد الحياة؟ ترجّح روسيا والمرصد السوري لحقوق الإنسان موته، لكن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أعلن قبل أيام أنه يظن أن البغدادي ما زال حياً، فهل لهذه المسألة أهمية حقاً في الوقت الراهن؟ من المستبعد أن يشكل هلاك البغدادي عاملاً يؤدي إلى انهيار عمليات هذا التنظيم.
الذخيرة: ماذا عن أصول بسيطة مثل الذخيرة. هل بدأت ذخيرة “داعش” تنفد؟ هل من إمدادات؟ ومن أين يحصل هذا التنظيم على إمداداته في الوقت الراهن؟
سلسلة القيادة: أما زال هذا التنظيم يحتفظ بسلسلة قيادة على مستوى إستراتيجي؟ هذا مستبعد. وهل يعيد “داعش” بدهاء “توجيه” إستراتيجيته من حرب مناطقية إلى حرب عصابات، كما يعتقد بعض المحللين؟ لا يبدو هذا الطرح مقنعاً، بما أن “داعش” بدأ يترنح، صارت الاعتداءات الإرهابية ترتكز على ما بإمكان مقاتليه فعله حتى الآن: تنفيذ مجازر لا طائل منها.
أما مستقبل “داعش”، فهو مستقبل تنظيم يسعى إلى الهرب، يتوجه ما تبقى من قادته ومقاتليه إلى المناطق الصحراوية ليختبئوا ويعيدوا تنظيم بعض القوات الميليشياوية الجديدة، التي يعطونها أسماء مختلفة على الأرجح، أو ربما ينضمون إلى قوات أخرى، مثل فروع تنظيم القاعدة. فقد سبق أن قاموا بذلك بنجاح.
ولكن من المستحيل إخفاء أي محاولة لنهوض “داعش” مجدداً لأن عنصر المفاجأة قد زال.
لن تفاجأ الحكومات مجدداً، ولن تسمح بتشكّل مناطق خارجة عن سيطرتها، لأن ذلك لا يخدم مصلحة أحد، وقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين مراراً أن هدف روسيا الأول في سورية الحؤول دون تكوّن “ليبيا” جديدة قرب حدودها، كما ستنشط حكومتا العراق وسورية المختلطتان.
بدأت خلافة “داعش”، التي لم تدم طويلاً، في الانهيار. ولا شك أن هذا سينهي الجهاد المناطقي في دول الشرق الأوسط الأبرز في المستقبل المنظور.
ولكن ماذا عن المناطق الأخرى؟ سيستمر الإرهاب الميليشياوي والمُدني في دول كثيرة مثل الفلبين، ونيجيريا، وسيناء في مصر، وأفغانستان، وغيرها.
علاوة على ذلك، ستتواصل الاعتداءات المنفصلة في أوروبا والولايات المتحدة، إلا أنها لن تتمتع بأي أهمية إستراتيجية أو حتى تكتيكية، ستبقى هذه مجرد مجازر لا وسائل سياسية، وقد مررنا بتجارب كثيرة تُظهر أن الرأي العام يخاف لحظة، غير أن الحياة تستمر في اليوم التالي.
عند التفكير بوضوح في مستقبل “داعش”، يذكر المحلل العسكري أنتوني كوردسمان: “تفصلنا أشهر فقط عن المرحلة التي لا يعود فيها تنظيم داعش محور الاهتمام في مسألة أمن العراق واستقراره”.
وماذا عن عقيدة القتل؟ ماذا عن استئصال فكرة الجهاد العنيف لإنشاء قوة إسلامية دولية؟ على غرار أي حركة دينية أو سياسية، يشكّل الجهاد والخلافة فكرتين، وتنهار الأفكار السيئة عاجلاً أو آجلاً، مثل الشيوعية، أو تضمحل تماما، كما الرايخ الثالث، كذلك، تفقد زخمها أحياناً وتُستنفد تدريجياً، إذ تُعتبر العبودية خير مثال لذلك أو فكرة الإسكندر الكبير عن الإمبراطورية العالمية.
إذن، ما أجندة “داعش” المتطرفة إلا النسخة الأحدث من حلم انتحاري قديم.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | الصدر والحكيم والفرصة العراقية
|
الياس حرفوش
|
الحياة السعودية |
من الصعب تجنب الشعور بجرعة من التفاؤل مع متابعة التصريحات الاخيرة لعدد من القيادات الشيعية في العراق التي يدعون فيها الى تغليب مصلحة بلدهم على المصالح والارتباطات الخارجية، وبالأخص تلك التي تربط قيادات عراقية بإيران.
مرد التفاؤل ان هذه المواقف صالحة للتوسع ولانتقال العدوى، وخصوصاً الى بلد مثل لبنان، يعاني ما يعانيه من هيمنة سلاح «حزب الله» ذي الهوية المذهبية، على القرار الامني، وبالتالي على القرار السياسي، فالمواقف البعيدة من المصلحة الطائفية هي التي يمكن أن تعيد تأسيس العراق على قواعد وطنية حقيقية، وأن تعيد تصويب البوصلة بالاتجاه الصحيح، اي باتجاه الانتماء العربي للعراق، الذي نجحت السنوات الطويلة التي أعقبت الغزو الاميركي وما تبعه من ابتعاد عربي، في ترك ساحته فارغة ليملأها النفوذ الايراني، وتعزيز المشاحنات الطائفية والمذهبية، على ما نشهد اليوم.
في هذا الاطار يمكن وضع حدثين مهمين هذا الاسبوع: زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الى السعودية، واستقباله من الامير محمد بن سلمان، نائب الملك سلمان وولي عهده، وما أعقبها من تصريحات اكد فيها الزعيم الصدري ضرورة تغليب لغة الاعتدال والتخلص من الخطاب الطائفي. وجاء في البيان الذي صدر عن مكتبه بعد عودته أن البحث تناول المواضيع التي تهم امن العراق ووحدته واستقراره، والعملية السياسية وتعزيز التعاون بين البلدين، ما يشمل زيادة فرص الاستثمار السعودي في العراق والبحث في افتتاح قنصلية سعودية في النجف، الى جانب تأكيد السعودية رغبتها في تعيين سفير جديد في بغداد.
أما الحدث الثاني والمهم، فهو التطورات التي حدثت داخل «المجلس الإسلامي الأعلى»، والتي انتهت بانسحاب عمار الحكيم من قيادته وتأسيسه تجمعاً حزبياً جديداً أطلق عليه «تيار الحكمة الوطني»، مع كل الدلالات التي يحملها هذا الاسم من تضمينه عبارات «الحكمة» و «الوطنية». ووصف مصدر قريب من الحكيم ما اقدم عليه بأنه «لحظة عراقية»، وقال ان الحكيم يسعى منذ فترة بعيدة الى التخلص من تركة «المجلس الاسلامي الأعلى» الذي قام بقرار ايراني.
ومن هنا الأهمية الخاصة لقرار عمار الحكيم، فـ «المجلس الاسلامي» تم تشكيله أساساً في ايران من السيد محمد باقر الحكيم (عمّ عمار) في ثمانينات القرن الماضي، خلال الحرب العراقية– الايرانية، فيما كان معظم القيادات الشيعية العراقية ملاحقاً من جانب نظام صدام حسين، والبعثيون يؤسسون بجلافتهم الحزبية والعقائدية، الانشقاقات الوطنية لأسباب مذهبية، التي دمرت العراق كما تدمر سورية اليوم.
في حالتي الصدر والحكيم، لم تكن مستغربة ردة فعل ايران، التي فرضت نفسها وصية على الشيعة العرب، ومتحدثة باسمهم، وساعية الى تعزيز مخاوفهم المصطنعة من المحيط الطبيعي الذي يعيشون فيه. فمن الطبيعي ان تزعج دعوة الصدر لضمّ «الحشد الشعبي» الى الجيش العراقي القادةَ الايرانيين، وخصوصاً قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي يعتبر «الحشد» القوة الوحيدة القادرة على حماية المصالح الايرانية في العراق.
اما الحكيم، فقد نقل عنه عضو القيادة في «المجلس الاسلامي» باقر الزبيدي، أنه ارسل رسالة الى المرشد الايراني علي خامنئي بشأن انسحابه من المجلس، فرد عليه خامنئي: خروجك من المجلس الاعلى ليس فيه مصلحة وليس صحيحاً. وطلب الحكيم بعد ذلك لقاء مع خامنئي، لكن لم تأته موافقة.
وعند الحديث عن قيادتي عمار الحكيم ومقتدى الصدر، لا يصح تجاهل الدور المهم الذي يلعبه المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، الذي أسس لاستقلالية في الموقف العراقي، والشيعي خصوصاً، حيال ايران وحيال نظام «ولاية الفقيه»، كما شكلت مرجعيته حماية لهذا الموقف يراهن عليها ويستفيد منها رئيس الحكومة حيدر العبادي.
لم يكن أمراً بسيطاً او عادياً ان يقف مقتدى الصدر امام التجمع الحاشد في بغداد اول من امس، ويدعو الى دمج الميليشيات في الجيش العراقي، والى «اخضاع الحشد الشعبي لسيطرة الدولة حصراً لا غير وبشروط صارمة»، فـ «الحشد الشعبي» في النهاية هو رمز نفوذ ايران وسطوتها على الجهاز الامني في العراق.
هل يمكن ان نحلم بيوم يقف فيه قادة «حزب الله» في بيروت ويدعون الى ضم مسلحيهم وقوتهم العسكرية الى الجيش اللبناني، اقتداء بما دعا اليه مقتدى الصدر في العراق؟ |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 | السياب شيوعياً سابقاً
|
سمير عطا الله | الشرق الاوسط السعودية |
بعد ربع قرن على سقوط الشيوعية، ونصف قرن على وفاة بدر شاكر السياب، قررت «دار الجمل» المعروفة في ألمانيا، نشر مجموعة مقالات للشاعر صدرت العام 1959 في صحيفة «الحرية» البغدادية، تحت عنوان «كنت شيوعياً». ما المناسبة؟ ربما يقال إن المراحل التاريخية لا تخضع للمناسبات. وبدر شاكر السياب شاعر كبير. وبالنسبة إليَّ هو شاعر رائع وحزين مثل موال بغدادي. إذن، ما المانع؟ أيضاً، بالنسبة إليَّ، المانع هو سمعة بدر ومكانته. فما يسميه الناشر «اعترافات» وكأن الشاعر ارتكب جريمة عقابها الاعتراف، هي في الحقيقة مجموعة مقالات سطحية، تعبر عن مرحلة مراهقة فكرية سطحية، وتتحدث عن مرحلة شخصية لا أهمية لها لأحد: لا لسيرة بدر، ولا لتاريخ الحزب الشيوعي، ولا لتاريخ العراق. الناتج الوحيد أنها تصور شاعر العراق مراهقاً سياسياً يخوض معركة، فاتها الزمن، لكي يبرر انضمامه وخروجه من الحزب الشيوعي. «اعترافات» كُتبت بلغة غير لغة بدر، وتعابير غير تعابيره، وسقطات لا تليق به. مثلاً، يتجنب بدر الأسماء العَلَم عندما يكون الحديث عن شيوعيين مجهولين. ثم فجأة، يسمي عبد الوهاب البياتي لكي يهاجمه بمفردات درجت طويلاً تلك المرحلة بين الآيديولوجيين العرب. ونعرف أن البياتي كان شديد الحدة هو أيضاً، وكان يكره الجميع، وخصوصاً الشعراء، لكن عندما يحمل فأسه عليهم، كان يفضل المجالس الشفهية على التدوين الذي لا يمكن إمحاؤه. يتبرأ بدر من حزب يتهمه بالصهيونية والعداء للقومية العربية. وهي التهم الأكثر سهولة وشيوعاً عند الآيديولوجيين وتلامذتهم. لكن تحويل النقد إلى حملة طويلة من ثلاثين حلقة، ترغم السياب على البحث عن تفاصيل لا معنى ولا أهمية لها، ومن ثم، الغرق فيها. ومن صفحة إلى أخرى، يقل الإعجاب ويزداد التعجب: هل يا ترى كاتب هذه السطور وصاحب هذه الكلمات هو «المالك الحزين» المرفرف فوق دجلة والفرات، وحامل أحزان وألوان جيكور؟ كل من مارس الكتابة، شعراً أو نثراً، له نتاج، يفضل نسيانه. لأن كل شاعر أو كاتب، مثل كل إنسان، له مراحل ضعف. وعندما يصبح الشاعر في حجم السياب، ماذا تفيد في عطائه مجموعة مقالات انتهى عصرها وزمنها ولهجتها ولغتها وتعابيرها؟ بصراحة، أنا حزين من أجل بدر. كانت صورته عندي أنه وُلد هو يغرف الشعر من الفرات، ويلوِّن أحزانه (الكثيرة) بمطر العراق. ولا تعني لي «اعترافاته» الحزبية شيئاً. فقد كانت حياته وشعره أعمق بكثير من خلافاته مع «الرفاق» السابقين، وخصوصاً أرقى من لغتها
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | صدام والكويت.. القصة التي لم تحدث!
|
عبد الله المزهر | مكة السعودية |
في الثاني من أغسطس عام 1990 لم يعمل المنبه، ولم يستيقظ صدام حسين من نومه صباح ذلك اليوم ولم يدخل الكويت. استمرت المناوشات الإعلامية بين البلدين عشر سنوات ترتفع وتيرتها تارة وتنخفض أخرى دون أن يتغير شيء على الأرض. بعد عشر سنوات يبرز اسم قصي بن صدام على الساحة كخليفة محتمل لوالده.
ويتم إعداده لهذه المهمة ويتولى الكثير من المناصب الهامة ويقل تدريجيا ظهور صدام في العشر السنوات التالية. ومع دخول العقد الثالث منذ العطل الذي أصاب المنبه وفي عام 2011 وبينما يستعد قصي لتولي زمام الأمور تبدأ موجة الربيع العربي في الظهور في بغداد. مظاهرات حاشدة في الموصل والبصرة وتكريت مسقط رأس الرئيس. لا أحد في العراق يتحدث عن مذهب أو ملة. لكنهم يواجهون جميعا آلة القتل التي أنزلها صدام للشوارع لقتل المتظاهرين وسحقهم.
تحت هذا الضغط الذي يتعرض له حزب البعث في بغداد يتم اللقاء الأول بين فرعي الحزب منذ عقود، فيلتقي صدام حسين بشار الأسد في بغداد، ويوقعان اتفاقية دفاع مشترك، والإيرانيون يبدون استياءهم من هذا التحرك الذي يضر بمصالحهم في دمشق.
ينهار هذا التحالف سريعا وتغزو إيران الكويت، وصدام يعدم الشخص الذي اشترى منه المنبه لتسببه في هذا الخطأ التاريخي الشنيع.
أوباما يحذر الغزاة الإيرانيين في الكويت، ويشدد على أنه لا مستقبل لصدام في العراق الذي يوشك نظامه على الانهيار، لكن الروس يتدخلون ويسيطرون على القرار في بغداد، وأمريكا تستمر في تحذيراتها.
قناة الجزيرة تستضيف صدام حسين الذي يعلن أن إرادة الشعب هي التي أبقته زعيما، وأنه سيفتك بكل معارضيه في العراق حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وفي لقاء متلفز على قناة العالم يقول قائد الحرس الثوري إنه لن يخرج من الكويت قبل تحرير القدس. ستمر سنوات وآلة القتل البعثية تفتك بالمتظاهرين في بغداد، والحرس الثوري يفتك بالمقاومين في الكويت، وتعقد العديد من المؤتمرات التي تدعو الجميع إلى الهدوء، وكل القرارات التي تدين الغزو يتم إحباطها في الأمم المتحدة وبعض الدول العربية تصوت ضدها.
يعتاد الناس على الأمر وتصبح الكويت ماضيا ويصنف المقاومون الكويتيون على قوائم الإرهاب العالمية ويمنعون من دخول أغلب دول العالم.
ثم أما بعد:
لو تغير الزمن في المعادلة فسيتغير كل شيء، لأنه أهم معطيات كل معادلات الحياة، وأي تغيير فيه يؤدي حتما إلى تغيير النتائج!
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | ما الذي جمع “مقتدى” و”بن سلمان”؟ و هل سيقع “الصدر” في “ورطة” الدبلوماسيات المحترفة ؟ ومالذي عليه ان يتنبه له ان اراد النجا؟ | عبدالوهاب الشرفي
|
الراي اليوم بريطانيا |
مثلت زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية ولقائه بولي العهد السعودي حالة إندهاش لدى الكثير وثارت حولها أسئلة عدة وفي عدة إتجاهات ، فماذا تمثل بالنسبة للصدر كرجل دين عراقي شيعي ، وماذا تمثل بالنسبة للحكومة العراقية ، وماذا تمثل بالنسبة لإيران ، وماذا تمثل بالنسبة للسعودية . قبل أشهر كان الاميرمحمد بن سلمان يتحدث لقناة تلفزيونية عن التحاور مع إيران قائلا أن من يؤمن وينتظر المهدي ليخلص العالم كيف تتفاهم معه ، و بالطبع هذا المنطق ليس منطقا سياسيا إبتدأ لكنه عكس صورة عن أن الموقف السعودي تجاه إيران موقف معمم على مختلف المكونات الشيعية ، و مكوّن الصدر في العراق ليس إلا أحد المكونات الشيعية و التي تؤمن الإمام المهدي كمنتظر لتخليص العالم بل وكان لديه ” جيش المهدي ” . توسع الإرهاب ” داعش ” في العراق و إسقاطه لمحافظات بكاملها ذهبت بالحكومة العراقية لسياسة إشراك المواطنين في الدفاع عن بلدهم ضد هذا الخطر إلى جانب أجهزة الدولة الأمنية و العسكرية الرسمية ، ولم يمضي هذا القرار بسهولة فقد أصبح موضع سجالات سياسية كبيرة وخطيرة بين المكونات العراقية المختلفة . وكان دخول ” الحشد الشعبي ” ( الوعاء العسكري لمشاركة مجتمعية في المعركة ضد الإرهاب ) مسألة غير مرغوبة أمريكيا و سعوديا كذلك . كانت السعودية قد خاضت سجالا كبير في مواجهة ( الحشد الشعبي ) كونها تراه مكونا يمثل الحضور الإيراني الأبرز في معادلة القوة العسكرية العراقية ، فهذا الحشد مكون من فصائل في غالبيتها شيعية ونظرة السعودية له منذ البداية هي تلك التي عبر عنها محمد بن سلمان في حديثه المتلفز السابق ذكره ، وشنت السعودية على الحشد حربا إعلامية و دبلوماسية واسعة و بلغ بها الحال الى الإقدام على إدارة إصطفاف عراقي ضد الحشد الشعبي من شخصيات عراقية ترفض هذا الحشد وهو أمر تسبب في أزمة حادة بين السعودية و العراق الذي رأى مسئولوه هذا العمل تدخلاً سافرا في الشأن الداخلي العراقي و خروج للسفير السعودي عن دوره الدبلوماسي المفترض وفق الأعراف التي تحكم الأداء الدبلوماسي . أدارت الحكومة العراقية مسألة ” الحشد الشعبي ” إدارة مؤسسية أثر تأثر مؤيدوها ومعارضوها وفقا لقواعد العمل السياسي القانوني و تمت تغطيته أولا بقرار حكومي ثم تطور الأمر و فرض الذهاب للبرلمان ليتم تغطيته بقانون منه ، و بذلك أصبح ” الحشد الشعبي ” مكون رسمي قانوني بالنسبة للداخل العراقي ، ولكنه بالنسبة لسعودية لازال هو ذاته صورة من صور النفوذ الإيراني في العراق ، لكن مواجهته أصبحت أكثر صعوبة بعد الإدارة العراقية المؤسسية لسجالاته . أصبح ” الحشد الشعبي ” قوة رسمية ولها قانون صادر من البرلمان ، و أصبح العراق أمام معركة ضد الإرهاب أنفتحت أعين العالم كله عليها فرضت حساب المواقف الصادرة من الجميع و السعودية أحدهم بشكل أكثر حساسية ، و قدمت الحكومة العراقية التطمينات اللازمة لمواجهة التخوفات التي كانت تثأر عمدا لضرب ” الحشد الشعبي ” و محاولة إيقاف مشاركته في المعركة ضد الإرهاب ، وأصبحت الحرب التي كانت تشنها السعودية ضد ” الحشد ” الشعبي غير مجدية بل وسترتد عليها سلبا كدولة تتبنى مواقف يترتب عليها إعاقة و تشوية الخطوات العراقية ” الرسمية ” لمحاربة الإرهاب و سيكون دورها في العراق مفضوحا كمساند للإرهاب بالعمل على إرباك جهود محاربته . تراكم طويل من الخلافات و السجالات التيارية و السياسية و بذات بعد العلاقة مع إيران و الموقف من الحضور الامريكي في العراق جعلت الصدر وتياره أعلى الأصوات المختلفة و المعارضة ” للحشد الشعبي ” بصورته القائمة حتى بعد” ترسيمها ” من البرلمان ، بل أن هذا التراكم دفع بالصدر و تياره لتبني مواقف أبعد من معارضة ” الحشد الشعبي ” وإنما جنحت بإتجاه مواقف غير متوقعة بإتجاه الملفات الخارجية كمطالبته بتنحي الرئيس الأسد كموقف من مواقف المواجهه مع السياسة العراقية الرسمية التي توجهت للتدخل عسكريا في العراق ضمن المعركة مع الإرهاب . فجأة ودون مقدمات توقفت تلك الحرب المسعورة ضد ” الحشد الشعبي ” ومشاركته في المعركة والتي كانت في ذروه سخونتها وليصل الجبير وزير خارجية السعودية إلى العراق مدشنا صفحة جديدة من العلاقة مع العراق وليدشن بذلك مرحلة مختلفة من تنفيذ السياسات السعودية المتعلقة بالملف العراقي . كان العالم بأسره قد أتفق على دعم الحكومة العراقية لتحرير الموصل ومحاربة الإرهاب في العراق و كان التحول في الموقف السعودي أمرا مفروضا على السعودية كي لا تبدوا شاذة في مواجهة هذا الإتفاق وهو سلوك أبدته قبلها الإدارة الأمريكية ذاتها تجاه معركة الموصل التي تعادلت فيها أوزان القوى المتنافسة و أنفتحت عليها أعين العالم بكله ولا مجال للمواربة العلنية تجاهها ولا موقف متاح لأحد إلا إعلان التأييد للأساليب التي تقرها الحكومة العراقية لهذه المعركة . فشلت كل محاولات الولايات المتحدة و كل محاولات السعودية ووجدا نفسيهما مضطرتين للسير مع التيار الجاد في محاربة الإرهاب ولو ظاهريا ، لكن المواقف بالطبع لم تتغير في جوهرها ولازالت النظرة ” للحشد الشعبي ” كحالة نفوذ إيرانية في العراق ولازالت النظرة للنتيجة العسكرية التي تتحقق في العرق بدحر الإرهاب من الموصل وبمشاركة الحشد في ذلك نتيجة لصالح إيران وتعزز من حضورها في العراق وهي بالطبع نتيجة سلبية بالنسبة للولايات المتحدة و المملكة السعودية . الموقف السعودي في جوهره هو ذاته من الملف العراقي وما أختلف هو أسلوب العمل فيه ، وما دام أسلوب العمل بتلك الحرب الشرسة التي كانت تشنها ضد ” الحشد الشعبي ” ومشاركته في المعركة أصبح غير ممكنة للملابسات الواردة سابقا كان لابد من التحول لأسلوب آخر للنيل من ” الحشد الشعبي ” أو بعبارة أخرى تحمل وجهة النظر السعودية ” لمواجهة النفوذ الايراني في العراق ” ، و تمثل هذا الأسلوب في الإستفادة من العوامل المحلية المتاحة داخل العراق و التي لا يظهر إستخدامها كموقف مضاد للاساليب المقرة رسميا لمحاربة الإرهاب في العراق . قفزت السعودية على وجهة نظرها تجاه العلاقات مع المكونات الشيعية التي ” تنتظر المهدي ليخلص العالم ” و تقدمت بإتجاه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التي ترى انها بإمكانها أن تدعم وتستثمر معركته مع ” الحشد الشعبي ” على خلفيات أخرى متعلقة بالتوازنات التيارية و السياسية داخل العراق لصالح الهدف السعودي في الملف العراقي و المتمثل بمواجهة ” النفوذ الإيراني ” الذي بات عنوانه العريض ” الحشد الشعبي ” ودوره في فرض النتائج العسكرية على الأرض . تظل مطالبات الصدر بحل ” الحشد الشعبي ” و دمج أفراده كأشخاص في الجيش العراقي موقفا يحمل قدرا كبيرا من الإيجابية ويحتاج فقط الى عدد من المواصفات التي تراعي الظروف المحيطة بالملف العراقي لعملية دمج أفراد ” الحشد الشعبي ” في الجيش العراقي ليتم ضمان حماية العراق وعدم تكرر تجربة سقوط المدن ” المريب ” في ايدي ” داعش ، لكن أن يصبح الموقف الصدري من ” الحشد الشعبي ” هو الوسيلة الجديدة للصراع الاقليمي في العراق هو الأمر السلبي الذي قد يتورط فيه الصدر وهو لايقدر الموقف و الملابسات المحيطة بالملف العراقي بشكل جيد . الالتقاء في الموقف من ” الحشد الشعبي ” و مايرتبط بذلك من مواقف تجاه الملفين العراقي و السوري – ولو نسبيا – هي التي جمعت الصدر ببن سلمان ، لكن دوافع موقف كل طرف مختلفة تماما ومالم يستوعب الصدر هذا الأمر و يمضي في البناء على التماثل ” الضاهري ” بينه وبين الموقف السعودي فسيجد نفسه في يوم ما وقد تورط ولم يعد امامه الا أن يستمر في ذات الموقف لكن بالدوافع السعودية وليس بدوافعه هو ، على الصدر ان يستوعب أن الموقف السعودي هو الموقف الامريكي و هو ما يجعل الصدر عند التقائه مع الموقف السعودي يتعامل مع ” دبلوماسيات محترفة ” تعرف كيف تتغلغل و كيف تحتال على المواقف وصولا لفرض تغيير الدوافع وعلى الصدر ان يقدر هذا الامر جيدا قبل ان يقع ولا محل للندم عند تحقق ” النتائج السياسية “ نعم يحتاج الصدر و العراق للتركيز على التوصل لآلية دمج لأفراد الحشد تراعي التوازنات العراقية و عوامل الملف العراقي و العوامل المحيطة به و وضع الأرهاب كوسيلة تستخدم لفرض نتائج سياسية من قبل اطراف معروفة و تستحضر ضوابط عدم تكرار تجربة سقوط المدن و المحافظات في يد داعش بتلك الصورة المريبة لكنه لايحتاج للإستقواء بالموقف السعودي فالموقف السعودي لم يتغير لا في اليمن ولا في البحرين و لا في لبنان ولا في شرق المملكة و إن تغير تكتيكيا في العراق لما سبق التعرض له ، وسيضل الصدر و تياره هو ذلك ” الذي ينتظر المهدي ليخلص العالم ، و لا يمكن التحاور معه ” . |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | الإنفتاح السعودي على العراق الجديد
|
فايز الفايز
|
الراي الاردنية |
كانت «فتوى السيستاني» المرجع الديني الشيعي في العراق بعدم محاربة الجيش الأميركي، هي كلمة السرّ التي إكتشفتها الإدارة الأميركية السابقة لتغيير المنهجية السياسية في الشرق الأوسط، وبداية الإنكباب على المشروع الإيراني والشيعي عموما، فواشنطن أدركت أن الإخوان الشيعة لا يقاتلون الأميركان ولا ينفذون عمليات منفردة إلا بفتاوى المرجعيات، فسيطرت على الزعامات وأمِنت جانب الطائفة، ولهذا تُركت إيران تتغلغل في العراق على ما يبدو، مستغلة سياسة عدم التدخل بشؤون الغير التي انتهجتها المملكة العربية السعودية الزعيمة الكبرى في الخليج العربي ولكن بعد مرور السنين تبين الخطأ الفادح الذي إرتكبته الدول العربية بترك العراق مستباحا للنظام الإيراني، ولهذا كان من المهم جدا أن تنتبه السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز للعراق وتنفتح عليه كجار عربي، مستدركةً ما فاتنا جميعا من فرص ثمينة لإحتواء العراق العربي وإبعاده عن السيطرة الإيرانية.
اليوم تشهد السعودية مرحلة سياسية جديدة يقودها ولي العهد الأميرمحمد بن سلمان الذي قفز عن كل ترهات الماضي ليتعامل ببراغماتية سياسية تسرّع في بناء طوق سياسي وأمني مع جيرانه، ولهذا شهدت جدةّ زيارة نادرة لرجل الدين الشيعي العربي مقتدى الصدر الذي يترأس كتلة كبيرة من العرب الشيعة في العراق، وهو الذي خرج عن عصا الطاعة الإيرانية منذ سنوات، وناهض حكومة نوري المالكي التي أسست لمجتمع الطائفية وساعدت بنهوض تنظيم داعش واستيلائه على أسلحة الجيش الثقيلة 2014، واستهداف المحافظات السنية، ولهذا شكلت زيارة الصدر، وقبله العبادي ومن سبقهم أهمية عالية لمحاولة ترتيب المجتمع السياسي العربي في العراق.
في عام 2007 إستضاف الأردن مؤتمر وزراء داخلية جوار العراق، كانت السعودية وإيران من أبرز الحضور، وحضرتُ شخصيا جانبا من لقاء الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز مع وزير الداخلية الإيراني، في مقر إقامة الأمير، حيث تعمد التأخر عن الوزير الإيراني لما يقارب الساعة والنصف، وبعد الإجتماع الذي تحوّل الى مغلق، سألت الأمير نايف عن مستقبل العلاقة مع العراق في ظل تصاعد خطر الإرهاب والتشظي هناك، فأجاب أسئلتي بثقة، ولكن الأبرز أنه لا يثق بالإيرانيين لأنهم لن يتخلّوا عن التدخل في شؤون العراق الجديد، وقال إن «على الجميع» أن يلتزموا بمقررات مؤتمر مكة، والجميع هنا تضم إيران الخارجة عن الطاعة.
منذ ذلك الحين مرت عشر سنوات لم يتحسن أي وضع في العراق، وفي ظل فساد الطبقة السياسية السابقة ومنهم مسؤولون سنّة، كان الجميع في العراق راضيا عن سوء الوضع الأمني والسياسي المنفلت، ما خلق حالة من الإحباط والشعور بالتهميش والإقصاء بين أفراد الشعب خارج المنطقة الخضراء، حتى المناطق الشيعية في الجنوب وشرق بغداد لا تزال تعاني من غياب أي أثر للدولة، وهي تفتقر لمقومات الحياة الطبيعية، فالإنقطاع والنقص الحاد في الكهرباء والماء والأغذية والصحة والتعليم والأمن وأكثر من ذلك، جعلت الشعب العراقي يحنّ الى زمن الدولة في عهد صدام حسين.
الآن باتت الفرصة مواتية لإعادة بناء هياكل سياسية وطنية في العراق قبل الإعصار الكبير، الإستفتاء الكردي، الذي سيزيد من حالة التدهور والتشظي في العراق، ومن الممكن أن يستجلب حربا جديدة، فبغداد وأنقره تعارضان إنفصال كردستان فضلا عن طهران التي لا تريد أن يخرج كيان جديد خارج سيطرتها، ولهذا يجب على السعودية أن تعود للعب دورها الحقيقي في القرار العربي، كقائدة للعالم الإسلامي وركن العالم السنّي المنفتح على الجميع، وإعادة القيادات الدينية والسياسية العربية في العراق الى الحضن العربي.
الأردن كان صاحب السبق في محاولة حماية المجتمع السياسي العراقي عام 2004 قبيل القصف الأمريكي الأول للفلوجة الذي أزّم القضية، فقد كان الملك عبدالله الثاني مستشرفا لمستقبل العراق بعد إنهيار الدولة، وانخرط الأردن في جمع الشخصيات البارزة من مختلف التيارات والأقطاب السياسية وكنا شهودا على إجتماعات ضمت قادة سابقين وممثلين للتيارات الدينية من الجانبين ووجوها جديدة برزت على الساحة هناك، ولكن للأسف لم يستفد أحد منهم من الفرصة الثمينة، رغم الأرضية والتسهيلات التي قدمت فيما بعد 2005 و2006، بسبب الولاء للخطة الإيرانية، ثم جاء المؤتمر الإسلامي بمكة وهو الفرصة الكبرى التي لم يحترمها أحد، حيث إغتيل إثنان من الشخصيات الدينية العراقية السنية التي شاركت في «بيان حقن الدماء»، الشيخ علي خضر عباس، والشيخ عبدالجليل الفهداوي، فيما أصيب الشيخ ابراهيم النعمة في محاولة إغتيال فاشلة.
اليوم يشكل الإنفتاح السعودي على العراق فرصة لا تعوض لاستدراك ما أضاعه الجميع، وقطع الطريق على الهيمنة الإيرانية على الساحة العربية، وضمان أمن المنطقة وعدم تجدد نشوء التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية، وهذا يتقاطع بالضرورة مع المصلحة الأردنية التي تشترك مع السعودية بغالبية الأهداف والجهود، وعلى رأسها محاربة الإرهاب وإعادة العراق لحضنه العربي، وإنهاء الصراعات الدموية بلا نتيجة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
9 | واشنطن وأنقرة ومعادلة «الأكــراد مقــابـل النصــرة»
|
عريب الرنتاوي
|
صحيفة الدستور الاردنية |
حذر بيرت ماكغورك، الموفد الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا والعراق، من تحوّل محافظة إدلب إلى إمارة إسلامية، وملاذا آمنا لجبهة النصرة، ملمحاً إلى دورٍ لتركيا في ذلك، ومحذراً الفصائل المسلحة من العواقب الوخيمة لتحالفها مع الفرع السوري للقاعدة، والتي ستظل هدفاً لواشنطن، مهما تغيرت أسماؤها، وأن بلاده لن تكون في وضع يسمح لها بمنع موسكو وحلفائها من تنفيذ ضربات للمسلحين في هذه المنطقة، إن تكرس خضوعها لجبهة النصرة.
“الهجرة الجهادية” لإدلب ليست حديثة، عمرها يزيد عن عامين، إليها توجه ألوف المسلحين وعشرات ألوف المدنيين من عوائلهم، والاتفاقات التي تمت تحت شعار المصالحات، غالباً ما كانت تجري بوساطة إيرانية – قطرية، وبتسهيل وانخراط نشط من أنقرة … وإدلب منذ بضعة أعوام، تحولت إلى ملاذ آمن للنصرة، ومنها كان “أبو محمد الجولاني” ينوي الإعلان عن قيام إمارته الإسلامية، قبل أن يتراجع عن مشروعه تحت تأثير عوامل كثيرة، من بينها محاولات أنقرة والدوحة تأهيل وإعادة تأهيل النصرة، توطئة لإدماجها في المعارضات المسلحة وإشراكها في مسار التسويات الكلية أو الجزئية الخاصة بسوريا، بوصفها القوة الضاربة الأكبر للمعارضات المسلحة.
هل كانت واشنطن غائبة عن كل هذا؟ … هل كانت كالزوج المخدوع، آخر من يعلم؟ … إن لم تكن الدولة الأعظم على علم بما يجري في إدلب وما يفعله حلفاؤها في المنطقة، فتلك مصيبة، وإن كانت تدري واختارت الصمت والتواطؤ، فالمصيبة أعظم … وفي ظني، بل وأجزم بأن واشنطن كانت على معرفة بكل شاردة وواردة في هذا المضمار، وأنها كانت جزءاً من لعبة توظيف النصرة واستخدامها، إن لم تكن “المايسترو” لهذه اللعبة، وهذا ما تنبهت له موسكو وحذرت منه مبكراً.
النصرة لم تتغير، وكذا حلفاء واشنطن، من تغير هو السياسة الأمريكية في سوريا والمنطقة عموماً، وتحديداً مع تولي إدارة ترامب مقاليد الحكم في واشنطن … لم تعد لواشنطن أجندة في سوريا خارج إطار محاربة الإرهاب وتصفية داعش … لقد حسمت أمرها، وهي تكاد تعلن عن “تلزيم” الملف السوري لروسيا، سيما بعد النجاحات الميدانية التي حققتها دمشق وحلفاؤها على غير محور وجبهة.
التحذيرات الأمريكية من هيمنة النصرة على إدلب، وتواطؤ بعض الحلفاء في تسهيل مهمة التنظيم المصنف إرهابياً، يأتي في سياق جملة من التطورات الميدانية والسياسية أهمها: (1) تسليم أحرار الشام مواقعها من دون قتال لجبهة النصرة، الأمر الذي أشعل قلق واشنطن ودفعها لتوجيه أصابع الاتهام لحليفها الأطلسي … (2) قيام أنقرة بحشد قوات كبيرة مقابل عفرين، وتلويحها بالاستعداد لتوسيع تدخلها العسكري في سوريا، لقطع الطريق على فرص قيام كيان كردي مستقل … (3) اندلاع الأزمة الخليجية وما ترتب عليها من إضعاف للمعارضة المسلحة، وافتضاح ملف دعم الإرهاب من قبل أطراف الأزمة في ظل حملة الاتهامات المتبادلة بينها، وبداية تشقق الائتلاف السوري المعارض الذي أخذت رياح الأزمة الخليجية تعصف في صفوفه.
واشنطن تضع أنقرة في خانة صعبة، خانة الاتهام بدعم الإرهاب وتسهيل تمركزه في إدلب، وهذا ما أغضب تركيا ودفعها للرد بقوة على اتهامات ماكغورك، والهدف على ما أعتقد، هو الضغط على أنقرة أولاً للتخلي عن خططها العسكرية، وثانياً للضغط عليها من أجل المشاركة في المعركة على النصرة مع حلفائها من الفصائل المسلحة، لقطع الطريق على موسكو ودمشق وطهران، لملء فراغ “ما بعد النصرة” في هذه المحافظة.
لكن تركيا لن تستجيب للضغوط الأمريكية ولن تفتح النار على النصرة، ما لم تحصل على ثمن مناسب نظير هذه المهمة المكلفة، والثمن المطلوب هو “رأس الكيان الكردي” في شمال سوريا، الأمر الذي يصعب على واشنطن تقديمه لتركيا، أقله في المدى المنظور، ما يُبقي “إدلب” ملفاً عالقاً على جدول أعمال العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة، أقله إلى أن تصمت المدافع على جبهة الرقة ووادي الفرات الأسفل والبادية الشرقية وربما دير الزور والحسكة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
10 | عن مقتدى الصدر بمناسبة استقباله في الرياض
|
ياسر الزعاترة | صحيفة الدستور الاردنية |
حظي الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر باستقبال لافت في الرياض، الأمر الذي كلفه موجة هجاء من قبل الأدوات الإعلامية لإيران في المنطقة.
ليست لدينا معلومات دقيقة حول مفردات الحوار الذي دار بين الطرفين، فما نشر كان مقتضبا، وما ذكره المتحدث باسم التيار الصدري كان كلاما عاما، عن أجواء اللقاء، مع حديث عن أن الطرفين قد اعترفا بوجود أخطاء من الطرفين فيما يتصل بالعلاقة بين البلدين.
في الزفة الأخيرة المتصلة بمعركة الموصل، غاب الصدر عن الساحة لبعض الوقت، ربما لأن حجم الحشد الإعلامي والسياسي (أكثره مذهبي) لم يكن يسمح له بالتحدث، هو الذي لا يرى أن أزمة العراق هي في المعركة مع “الدواعش” كما يسميهم، وحيث يرى أن هناك “دواعش” شيعة أيضا.
حين يكون نوري المالكي هو العدو الألد لمقتدى الصدر، فهذا يعني أن للأخير بعض الفضائل التي لا ينبغي إنكارها بدعوى أن “الخل أخو الخردل”، وأن الجبهة الشيعية على قلب رجل واحد.
النظرية الأخيرة بالغة السطحية مع كل الاحترام لمن يرددونها، فليست هناك جبهة موحدة تماما في أي طائفة أو عرق، والسياسة هي أن ترى التباينات في كل جبهة، حتى تتمكن من بناء تقدير موقف صحيح.
لا أحد ينسى أبدا ما قارفته المليشيات المحسوبة على مقتدى الصدر من جرائم بحق العرب السنّة، لكن موجة القتل في العراق بدأت ولم تنته فصولا إلى الآن، ومن الصعب فرز الساحة السياسية الجديدة، ومعها أسئلة المستقبل، بناء على هذا المعطى لوحده.
ينتمي مقتدى الصدر إلى الفعاليات السياسية الشيعية التي كانت موجودة داخل العراق قبل الاحتلال الأمريكي، وهي تختلف بعض الشيء عن تلك القادمة من الخارج، والتي تعاملت مع العراق بروحية الغنيمة، وعاثت في الأرض فسادا، ليس على صعيد القتل وحسب، بل على صعيد السرقة أيضا، وهذه كلها تحظى للمفارقة بحماية “الولي الفقيه”.
لذلك لا تبدو جريمة المالكي منحصرة في طائفيته التي أفضت إلى هذه الموجة من العنف في العراق، وذلك بعدما شرع في الهدوء إثر مشاركة العرب السنّة في انتخابات 2010، بل تتجاوزها إلى رعاية أكبر عملية نهب في التاريخ البشري، تشير تقارير كثيرة إلى أنها تجاوزت الـ300 مليار دولار.
خلال العام الماضي، قاد الصدر حراكا شعبيا يستجيب لهواجس غالبية الشعب العراقي، وفي المقدمة منه الجمهور الشيعي الذي حُسبت عليه الحكومات منذ الاحتلال، لكنه لم يلمس أي تغير في حياته، حتى بدأ بعضهم يترحم على أيام صدام حسين، رغم صعوبة ذلك في ظل الحشد المذهبي الرهيب. وحين يصل الحال بقطاع من جمهوره حد الهتاف “إيران بره بره”، فمن الطبيعي أن لا تنسى له إيران ذلك، رغم اعتذاره عمليا.
لذلك كله، لم يكن من الخطأ التواصل مع مقتدى الصدر، وهو كان موفقا حيت لم يدخل على خط الأزمة الخليجية، ولا شك أن أي تواصل عربي مع تياره هو جزء من المواجهة مع إيران التي لا تعنيها مصالح الإنسان العراقي، بقدر ما يعنيها التمدد والنفوذ. أليست هي من دعمت طائفية المالكي التي أدت إلى كل هذا الدمار في العراق؟
خلاصة الأمر هي أنه من دون تحرير العراق من الاحتلال السياسي الإيراني (والعسكري عبر مليشيات الحشد)، فإن البلد لن يستقر، ونهاية تنظيم الدولة كدولة، لا يعني نهاية فعله بوجود حاضنة شعبية توفرها المظالم، كما أن المواطن العراقي لن يعرف طعم الراحة في ظل شعارات مكافحة فساد ونبذ طائفية؛ يطلقها أسوأ الفاسدين وأبشع الطائفيين. أما مقتدى الصدر، فسيبقى رقما مهما لا يمكن تجاوزه في الساحة، بصرف النظر عن ضيق الإيرانيين به، أو تفاهمهم لاحقا معه. وهنا تنهض مهمة القوى المحسوبة على العرب السنّة التي سجّل أكثرها رعونة سياسية استثنائية، والتي عليها أن تكون أكثر تواصلا وتفاهما مع الصدر، وكل الرافضين للهيمنة الإيرانية على العراق. |