اربع مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 العراق «المنتصر» يواجه شبح التقسيم مجددا د. سعيد الشهابي

 

 

القدس العربي
من حق العراقيين ان يحرروا اراضيهم من الارهاب، كما هو حق الفلسطينيين تحرير ارضهم من الاحتلال، وحق الشعوب العربية في التخلص من الاستبداد، وحق الامة في استرجاع كرامتها ووحدتها وانهاء الهيمنة الاجنبية على بلدانها. ولقد كان امرا طبيعيا ان يحتفي العراقيون باسترجاع مدنهم من المنظمات الارهابية التي تبنت العنف المفرط اسلوبا لعملها. وقد انهالت التهاني على حكومة ذلك البلد بعد عمليات تحرير الموصل.

وتستعيد الذاكرة ما حدث في مثل هذه الأيام تقريبا قبل 27 عاما، عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت واسقطت حكومتها، فكان ذلك سببا للتدخل الاجنبي الذي مهدت له دول مجلس التعاون الخليجي. حكومة الكويت هي الاخرى استلمت برقيات التهاني بعد اخراج القوات العراقية من بلدها، بعد حرب كانت الاشد في التاريخ الحديث للمنطقة. كل ذلك يبدو منطقيا ومقبولا. ولكن التبعات المتوقعة لتلك التطورات، سواء في الكويت ام العراق، كانت غائبة عن الرأي العام، وان استشرفها بعض الساسة على نطاق ضيق. فالخليج بعد حرب الكويت لم يعد كما كان قبلها. أمريكا اصبحت اليوم صاحبة القرار برغم ما تبديه الرياض من صدارة قيادية وقرارات تبدو مستقلة عن أمريكا. وبرغم التقليل من حقيقة كلمة اطلقها الرئيس المصري الاسبق، انور السادات قبل قرابة الأربعين عاما، الا انها اصبحت اليوم اكثر صدقية. يومها قال السادات ان أمريكا تمتلك 99 بالمائة من اوراق اللعبة.

وكان بامكان امة العرب والمسلمين تغيير ذلك لو توفر لها حكام ذوو سيادة وقرار مستقلين. ولكن ذلك لم يحدث. ومنذ ثلاثين عاما بدأ الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة يتوسع بشكل تصاعدي. فقد رأت أمريكا في ما كانت تسميه «الاسلام السياسي» تهديدا حقيقيا لهيمنتها من جهة والوجود الاسرائيلي من جهة اخرى. فكانت جادة في التصدي لتلك الظاهرة التي كانت إيران تمثلها آنذاك، وكانت الحركات الاسلامية الاخرى تمثل امتداداتها الشعبية في اغلب البلدان العربية.

بدأ التواجد العسكري الأمريكي بشكل عملي خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية خصوصا عندما قامت المدمرات الأمريكية بمصاحبة السفن الكويتية إلى خارج الخليج لحمايتها من الصواريخ الإيرانية. ثم جاءت حرب الكويت لتؤكد ذلك الحضور وتدخل المنطقة حقبة جديدة تكثف فيها الحضور الأمريكي. ومن المؤكد ان الكويت اليوم ليست هي كويت الامس. فقد اصبحت مدينة للتحالف الانكلو ـ أمريكي بسبب دوره في ضرب القوات العراقية واخراجها من الكويت. ذلك الدور كان مقدمة لتدخل اوسع ادى لاسقاط النظام العراقي في العام 2003، وجعل أمريكا صاحبة القرار الاستراتيجي في المنطقة. هذا القرار لا ينحصر بالبعد الامني او العسكري، بل يشمل السياسات العامة للحكومات خصوصا الموقف ازاء الكيان الاسرائيلي لجهة الاعتراف به اوالتطبيع معه. هذا الكيان لم يعد يشعر بالعزلة، بل اصبح لاعبا اساسيا في الوضع العربي. ولا يمكن فصل القرار الكويتي الاسبوع الماضي بطرد اغلب الدبلوماسيين الإيرانيين من الكويت بمن فيهم السفير خلال 45 يوما، وغلق القنصلية الإيرانية، عن سياسة الاملاءات الأمريكية. فالكويت تتمتع بعلاقات مستقرة مع كل من إيران والعراق، وتسعى لاستخدام تلك العلاقة للحفاظ على التوازن مع علاقاتها بالسعودية. اما ما يقال عن خلية «العبدلي» فقد استغلت للاساءة للعلاقات بين الكويت وإيران.

وكانت المحكمة قد برأت اغلب المتهمين بالضلوع فيها، ولكن في الاسابيع الاخيرة عادت المحكمة لتصدر، بشكل مفاجئ احكاما مشددة بحقهم، الامر الذي تم تفسيره انه استجابة كويتية للضغوط التي تمارسها قوى الثورة المضادة التي تتصدرها السعودية و «إسرائيل».

هذا في الوقت الذي يوسع الاحتلال فيه سيطرته على الاراضي الفلسطينية سواء ببناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، ام بالسيطرة على المسجد الاقصى بنصب بوابات الكترونية لفحص المصلين وفرض سيطرة اسرائيلية على المسجد، الامر الذي رفضه المقدسيون جملة وتفصيلا.

النفوذ الأمريكي تتغير اهدافه ودوائر نفوذه مع تغير ادارات البيت الابيض، ولكن تبقى حماية «اسرائيل» على رأس اولوياته، وكذلك اجبار الانظمة العربية على التطبيع معها. واشنطن تعلم ان وحدة المنطقة من اهم معوقات تلك السياسة، ولذلك تسعى بشكل متواصل لمنع تحقق تلك الوحدة باساليب شتى من بينها الحضور العسكري والسياسي الأمريكي المكثف، وترويج المشروع الطائفي لتفتيت شعوبها، وثالثة بافتعال ازمات بين دولها، ورابعة بتعميق القمع السلطوي ومحاصرة نشطاء التغيير وحقوق الانسان، وخامسة بالسعي لتفتيت الدول العربية الكبرى إلى كيانات صغيرة، لتنشغل بالفتن الداخلية وتضعف ارادتها.

هذه الاساليب تختفي تارة وتظهر اخرى، فهي جاهزة للاستخدام عندما تبرز الحاجة لها. يضاف إلى ذلك ان من سياسات قوى الثورة المضادة حرمان الامة من الشعور بالانجاز والنصر. فما ان يتحقق انتصار شعبي عبر حراك سياسي او ثورة شعبية او صناديق اقتراح (برغم قلتها) حتى يتم تحريك المياه الراكدة واثارة القضايا النائمة لحرمان الشعوب من الشعور بالانجاز. أمريكا تعرف ان الشعوب وحدها هي القادرة على حماية فلسطين، ولديها من الايمان بالقضية والامكانات البشرية ما يؤهلها لتحقيق النصر بدون الاعتماد على الاجانب. ولذلك تسعى لمنع تحقق ذلك النصر. تعرف ان الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 انما تم بارادة شعبية، وكذلك الصمود امام العدوان الاسرائيلي على لبنان في 2006 وهزيمة قوات الاحتلال الاسرائيلية. وكذلك هزيمة الاسرائيليين امام صمود حماس في غزة عدة مرات، كل ذلك دفع الأمريكيين لانتهاج سياسة تعكير الاجواء ومنع حالة البهجة والشعور بالقوة الذاتية والقدرة على الصمود والتصدي للعدوان والاحتلال والاستبداد.

العراقيون ابتهجوا بما تحقق لهم في الموصل، فخرجوا إلى الشوارع واقاموا الاحتفالات. لكن الأمريكيين لهم سياسات مختلفة. فالعراق بالنسبة لهم يمثل صيدا ثمينا، وعندما تدخلوا لاسقاط نظام صدام حسين كانوا يتطلعون لتوسيع نفوذهم في هذا البلد الكبير، مستغلين الفراغ السياسي والامني الذي حدث بعد حرب 2003. ويشعر العراقيون ان دخول داعش قبل ثلاثة اعوام لم يكن عفويا، بل كان انتقاما من العراق الذي أصر على استقلال اراضيه والاحتفاظ بسيادته.

وربما الجانب الاكثر تعقيدا وخطرا السعي الحثيث لتقسيم العراق، وبرغم ان مخاطر التقسيم تضاءلت الا انه ورقة ما تزال أمريكا تهدد العراق بها. ويتوقع قيام الاكراد في 25 أيلول/سبتمبر المقبل باستفتاء حول استقلال اقليمهم عن العراق، الامر الذي سيؤدي إلى مزيد من التوتر الداخلي. فحتى لو انتهى الخطر الداعشي فان شبح التقسيم يحول دون استقرار البلاد. والنزعة نحو استقلال كردستان تثير مخاوف الدول الاخرى ذات الأقلية الكردية مثل تركيا وسوريا وإيران. فبعد الازمة التي نجمت عن الخطر الداعشي تراجعت احتمالات انفصال الاقليم السني، ولكن الطموح الكردي في الاستقلال يشوش الاجواء ويوفر للأمريكيين سيفا مصلتا على رؤوس العراقيين. مطلوب من الساسة العراقيين جمع امرهم مجددا ضمن الاطار الوطني واقامة منظومة سياسية ضمن المبدأ الدولي على اساس «لكل مواطن صوت» ومحاربة الفساد والغاء نظام المحاصصة وتقوية مؤسسات الدولة المركزية وفتح قنوات الحوار بين كافة مكونات الدولة. لقد اصبح العراق بالونة اختبار لمدى قدرة الغرب على تفكيك الدول العربية والاسلامية الكبرى من الجزائر إلى مصر وسوريا وتركيا والعراق وإيران وباكستان. فان تكررت تجربة التقسيم التي حدثت في السودان فلن تكون اية دولة بمأمن من ذلك الخطر. انه التحدي الاكبر ولكن بالامكان تجاوزه كما حدث مع التحدي الطائفي. ولكي تحصن الامة من داخلها، مطلوب التخلي عن عقلية التوسع او التدخل او التحدي او الاعتداء. والتجارب الحديثة مع سوريا والعراق واليمن وقطر تستدعي اعادة صياغة العقل العربي لتحصينه ضد الاطماع غير المشروعة والنزعات العدوانية غير المحكومة بدين او ثقافة او اخلاق.

2 العراق : تحرير الموصل انتصار وطني  

كاظم الموسوي

 

 الوطن العمانية
 

” ثلاث سنوات من الإرهاب والقمع والحرمان والظلم عاشه سكان الموصل أساسا، ومن ثم المدن الأخرى التي خضعت لإرهاب التنظيم في أزمانه عليها، وهنا لا يمكن القول أنها انتهت دون خسائر بشرية ومادية كبيرة، أقدم عليها بعنفه وإجرامه وممارساته الدموية، حيث دمر العديد من الجوامع والكنائس الأثرية والكنوز الحضارية، وكذلك المدارس والمتاحف والمعالم الثقافية التاريخية للمدينة وما سبقها من المدن،”

ـــــــــــــــــ

أخيرا تحررت مدينة الموصل، بجانبيها الشرقي والغربي من نهر دجلة الذي يشدهما بجسور التنوع والتعدد والتعايش الحضاري والتاريخي والإنساني. أعلن رسميا يوم 10تموز/ يوليو بيان التحرير لكل المدينة، بعد تحرير الجامع النوري الكبير، الذي كان إعلانه انتصارا بينا وواضحا على أكبر خطر منظم وموجه للتدمير والتخريب والإرهاب، ليس في المدينة وحسب بل في المنطقة عموما، وخطره كامن في تركيبه واسمه وتشكيله وأهليته وحواضنه وما أعد له أو جهز به. فمن عصابات متفرقة ومشتتة ومتطرفة إلى ما أطلق عليه إعلاميا بتنظيم، وهذه المفردة، تنظيم، تحمل دلالات ومعان كبيرة وكثيرة. من أين جاءت؟، من هم فرسانها؟، وكيف تجمعت؟ ولماذا حصلت؟ والكثير من الأسئلة المتوالية أو متوالدة منها.

هنا لابد من العودة إلى أيام حزيران/ يونيو من عام 2014 للتذكير بها، ومن متابعة شريط الأحداث في وقتها وما سبقها، يتبين التحضير والتجهيز ومن ثم التخطيط والتأسيس، وادعاء الأسباب أو الدوافع، التي هي في الواقع أمر ممكن وليس أمرا صعبا، لاسيما وإن كثيرا من الأدلة ظهرت، والوثائق كشفت، والنوايا توضحت. ورغم أن آلات الإعلام المكلفة عملت بكل طواقمها لإخفاء الكثير من الوقائع، وتضليل الكثير من الحقائق، وتشويه كثير من الأسس أو الأسباب أو العوامل. وفي ضوئها تمكن التنظيم من الدخول والاحتلال والبقاء هذه الفترة غير القصيرة، غير القليلة، غير المحسوبة.

سبقت وصوله استعدادات له وتحضيرات، مهدتها ما كانت تسمى ساحات التظاهر وخيم التجمعات وأماكنها المخطط لها والمبرمجة لبث سموم التحريض وأدوات الفتنة وإثارة البلبلة وإشاعة التفرقة وإظهار الحقد ونشر الكراهية، فأصبحت لأعمالها هذه مصدر لتوفير البيئات الحاضنة لما سمي داعش واعتماده مشروعا آخر فأصاب العقول والقلوب بالتشويش والتكفير والعنف والتخوين والمزايدات في التخادم لخطط اوسع واكبر من الحجم والهتافات التي رفعت والشعارات التي تم تبنيها طيلة الإعداد لحضور داعش إلى الموصل، بعد ان كانت الأنبار أولا، وصارت الثانية وسبقتهما الفلوجة مرتعا ومنبتا. ينبغي ألا ينسى هذا كله، كما لا ينسى السؤال عن المشاركة مع داعش بأسماء منظمات معروفة وتنظيمات لها عناوينها وادعاءاتها ومجموعات لها اسماءً وبيانات. فشلت بالتقاسم مع أصحاب التنظيم فهربت منه ولكنها ظلت ترعاه في مدن أخرى، داخل وخارج العراق، تولول على خيبتها وتبكي على ما حسبته مشروعها وتبنته أذرعها.

بعد كل ما حدث، وهو مسجل ومرصود، ترتبت الأمور لتسهيل المهمات، فتم إشغال الفرق العسكرية بإجراءات لا تمت بصلة بواجباتها الفعلية في مدينة الموصل بالذات ومحيطها، كما نقلت قياداتها بملابس مدنية وبطائرات هليكوبتر الى اربيل في الوقت نفسه، وقطعت وسائل الاتصال والانترنت والكهرباء ليلتي التاسع والعاشر من حزيران/ يونيو 2014 وافرغت المدينة من كل القيادات العسكرية والمدنية، بما فيها المحافظ، الذي هو القائد المسؤول عن كل الوحدات العسكرية، التي كانت، كما أذيع حينها، أكثر من ثلاث فرق عسكرية، وفرقة شرطة اتحادية ومحلية. وأصبحت الأجواء كلها مفتوحة أمام عصابات تعلن احتلالها وإدارتها، حتى ارتقاء أبو بكر البغدادي منصة الخطابة في الجامع النوري وإعلان”خلافته” أواخر ذلك الشهر ليستمر طيلة تلك الفترة، ويتعهد له أعوانه بالإدارة والتوحش وصولا إلى التمكين، حسب خطط متفق عليها وحسابات مجمع عليها، أيضا.

إلا أن الأيام التي تلت لم تكن صعبة وقاسية وحسب، وإنما كانت اختبارا فعليا للمواقف والالتزامات والأرصدة، الوطنية والإنسانية، القانونية والأخلاقية. كانت محكا ومعبرا تتكشف خلاله الإرادات والخيارات، وتتسجل فيه الثوابت والأمانات.

حملت فترة تحكم داعش بمصير المدينة وأهلها الكثير من القضايا، من بينها الولاء والبيعة والنصرة والانتماء داخل المحافظة وما جاورها، ومن بينها تجهيز المؤسسات المدنية ووسائل الإعلام بتنوعها وتوزعها والخدمات له، ومن بينها أيضا التخادم والتعاون معه سرا والادعاء بغيره علنا في محافظات أخرى، بما فيها العاصمة بغداد. وهذا خطره مستمر لأنه كامن أولا ولولاه ما كان هو قادر على توفير كل ما أدام بالفترة وسيرها وأطال في التحكم ويسره، وكذلك في التوازي معه أو التبادل في الأدوار والاستغلال له في الابتزاز والتخادم والتهاون.

ثلاث سنوات من الإرهاب والقمع والحرمان والظلم عاشه سكان الموصل أساسا، ومن ثم المدن الأخرى التي خضعت لإرهاب التنظيم في أزمانه عليها، وهنا لا يمكن القول أنها انتهت دون خسائر بشرية ومادية كبيرة، أقدم عليها بعنفه وإجرامه وممارساته الدموية، حيث دمر العديد من الجوامع والكنائس الأثرية والكنوز الحضارية، وكذلك المدارس والمتاحف والمعالم الثقافية التاريخية للمدينة وما سبقها من المدن، وهذه وغيرها خسائر مادية جسيمة امتاز بتدميرها وتخريبها وأصبحت عنوانه الفاشي بامتياز.

أما بشريا فقد نزح أكثر من نصف سكان المدينة، بما يقارب المليون والنصف مليون من بيوتهم وديارهم وأعمالهم، وعاش أغلبيتهم تحت ظروف قاسية في مخيمات مؤقتة، خالية من الخدمات الأولية والرعاية الإنسانية، وفي مناخ متقلب ومعقد. وللأسف لا توجد إحصاءات دقيقة ومسؤولة عن الشهداء والضحايا طيلة تلك الفترة المظلمة. فهناك أرقام كثيرة تتداولها جهات ووسائل إعلام لها غاياتها فيها أكثر من الحرص على التوثيق والتسجيل الأمين والنزيه لها. من بينها ما ذكره البنتاجون في 2017/3/29 حين أعلن رئيس القيادة المركزية في الجيش الأميركي، في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتيل، أن عدد خسائر القوات العراقية الحكومية في معركة الموصل بلغ 774عسكريا حتى الآن. وأوضح أن “القوات العراقية خسرت، منذ حوالي37 يوما (من انطلاق معارك استعادة الجانب الغربي من الموصل) 284 مقاتلا ونحو1600 جريح. وأضاف أن عملية السيطرة على الجانب الشرقي من المدينة العراقية أودت بحياة 490 مقاتلا عراقيا، فيما تم جرح حوالي 3000 آخرين. هذا فضلا عن أرقام شهداء الحشد الشعبي وأبناء المحافظة المقاتلين. واعترف البنتاجون بوقوع مجازر للتحالف الدولي بحق المدنيين أيضا، اختلفت الأرقام فيها، بينه وبين منظمات مراقبة لتلك الجرائم. مع ما حصل من دمار واسع شمل أيضا ضحايا كثيرة، ليكون الأمر في النهاية خسائر بشرية ومادية جسيمة تكبدها العراقيون لتحرير الموصل.

وجاء يوم التحرير والانتصار، وانتهت “دولة الخرافة” في عاصمتها التي زعمتها، ولكن الانتصار الحقيقي سيكون بعد الانتهاء من كل بقايا الإرهاب والعنف والكراهية والفتن والتعصب والغلو، وبعد ارتفاع منسوب الوطنية والتكاتف لعمران الإنسان والبناء وإعادة الأمل بالعمل والعزم والإصرار على عراق موحد، حر، مستقل، ديمقراطي تقدمي.

 

3   أسطورة «داعش».. والهيمنة الإيرانية  أ.د. محمد عبد المحسن   القبس الكويتية
 

 

 

عبر ربع قرن من الزمان، وهناك استراتيجية أميركية غربية، غايتها معادلة تآمرية، ألا وهي أن الإرهاب هو الإسلام وأن الإسلام هو الإرهاب، وقد تمكن الأميركيون وبمساندة متفاوتة من الغرب من إنجاح مخططهم، ونشر استراتيجيتهم تلك عبر العديد من الترتيبات والمحاور وبصورة مبرمجة.

فقد تم إعداد حملة إعلامية عالمية واسعة روجت من خلالها هذه المعادلة، حتى يرسخ في عقلية الشعوب أن الإرهاب هو قرين الإسلام، وقد ألف ودعم وشجع الأميركيون العديد من الأطراف المتمثّلة بأمراء الحرب في أفغانستان ممن أهلوهم ودربوهم حتى يكونوا محركاً لنواة مجاميع توصم بالتطرف باسم الإسلام، وهو منهم براء، ثم سارع الأميركان بوضع لافتة محددة للإرهاب وقياداته «باسم طالبان»، حتى يخلقوا عدواً تُحشد الدول لمحاربته، وكي يتمكن الأميركيون من ابتزاز الدول والشعوب لرصد الملايين بل المليارات للإسهام في محاربة هذا الإرهاب الممثل بالإسلام، وهو ظلم وعدوان على الإسلام والمسلمين، وهكذا وجد الأميركيون في هذه الاستراتيجية (الإسلام هو الإرهاب) وبتلك اللافتة نموذج ومصدر الإرهاب هي «طالبان» ضالتهم، لوضع الإسلام والمسلمين في دائرة الإرهاب، وتبرير قتلهم واستباحة دولهم وتدمير بنيتهم الأساسية ولنهب ثرواتهم.

ولما اكتشف العالم بطلان وزيف ذلك، وأن طالبان هي صناعة أميركية، وأن الإرهاب ليست له علاقة بالإسلام، سارع الأميركيون لتغير اللافتة كي يستمر الإسلام السني هو الإرهاب، فظهرت لافتة «القاعدة» كي يستمر قتل المسلمين واستباحة دولهم وهيمنة الأميركان وتبرير التمكين لأطراف أخرى، وتحديداً إيران، من مد نفوذها في الدول العربية السنية، وبدأ العد التنازلي في العراق منذ ٢٠٠٤، وتم الترتيب من خلال لافتة «القاعدة» لمحاربة الإسلام السني ومحاصرته في العراق، وبعد أن فقدت يافطة «القاعدة» بمقتل قياداتها المزعومة، غير الأميركيون اللافتة لـ«داعش»، وقد بدأت إجراءات صناعة داعش الأميركية ١٠٠٪‏ منذ عام ٢٠٠٦، وما أن وصل عام ٢٠١١، وهو ساعة إعلان «داعش»، حتى تم إعلان اللافتة الجديدة، والتي فجأة صارت مهيمنة على العراق وسوريا ومنتشرة باليمن وليبيا، وتمارس عمليات في دول أخرى، مثل مصر، وفِي بعض الدول الأوروبية، فصار الإسلام هو صنوان الإرهاب بسيناريوهات مرسومة وخطوات ملعوبة رتبها الأميركيون وبمساندة غربية، ووجدت بعض الأنظمة العربية الدكتاتورية المستبدة ضالتها بشعار الإرهاب الداعشي مبرراً لتقتيل شعوبها وتصفيتها، ووأد كل صوت شريف أو حر أو معارض تحت مبرر محاربة الإرهاب، واقتنصت إيران الفرصة كي تمد نفوذها على المزيد من الدول السنية بمساندة أميركية مرعبة، فسيطر الإيرانيون وحلفاؤهم على العراق وعلى سوريا، وتوغلوا في اليمن ومقاليد الأمور في لبنان، وتدخلوا في شؤون العديد من دول الخليج، وعلى الأخص البحرين والكويت والسعودية.

وهكذا سارت استراتيجية الأميركان ومعادلتهم التآمرية الطائفية، وتمكنوا من أن يروجوا استراتيجتهم بين الأمم والشعوب بربطهم الإرهاب بالإسلام، بل واعتبار الإسلام مصدراً للإرهاب زوراً وبهتاناً، وبلافتات متعددة قاسمها المشترك أنها صناعة أميركية، وها نحن نحصد آثار الدمار والحصار الذي يلحق الإسلام والمسلمين تحت شعار إرهاب الإسلام والإسلام براء من تآمرهم وادعائهم، وهو ما مكن لإيران أن تهيمن على ثلث العالم العربي بتواجدها  العسكري والديمغرافي في هذه الدول، إلى جوار أنظمة موالية كما في العراق أو سوريا، أو حلفاء كما في اليمن ولبنان وليبيا وغيرها، وليدرك كل مسلم غيور حقيقة المؤامرة المحاكة، وليكن في يقينه أن فأل هؤلاء سيخيب وستشرق شمس الحق التي تبدد غيوم وسحب التآمر.

4  

العراق بين الديموقراطية الامريكية والتشيع الايراني

 

 ادهم ابراهيم

 

 

   الراي اليوم بريطانيا
  

فرضت امريكا الحرب علينا بدوافع شتى ابرزها تطبيق الديموقراطية بنمطها الامريكي . ثم تدخلت ايران في العراق بدافع اخر وهو تصدير الثورة الاسلامية  . ولوتحققت الديموقراطية في العراق باي شكل كان لكان ذلك مكسبا حضاريا . ولكن ان تسيطر احزاب رجعية اسلاموية مشبوهة على نظام الحكم في العراق باسم الديمقراطية فانه امر غير مقبول . حيث ان تزوير الانتخبات لايعتبر مظهرا ديموقراطيا فكل الحكومات الشمولية تزور الانتخابات وتدعي النهج الديموقراطي كما ان الديموقراطية في بلد يعاني اكثر من نصف سكانه من الامية يعد تشويها ظالما لها ومصادرة كاملة للحرية وللمبادئ الانسانية الحقة .

وبذلك فان التجربة الديموقراطية التي ارادها الامريكان لم تنجح عندنا في العراق بل وفشلت فشلا ذريعا واصبحت مثار تندر لدول العالم على حسب تعليق الرئىيس الروسي بوتين لبوش في وقتها  . وحتى الشعب العراقي قد عانى الامرين من هذه التجربة المرة التي لم تجلب له سوى الفرقة والفساد والحروب الاهلية التي لايبدو لها اخر رغم انتصاراتنا على داعش واخواتها

واما مشروع تصدير الثورة الذي نادت به ايران في العراق وحاول المالكي تنفيذه ومن بعده الميليشيات الموالية له . فانه لم يؤد الى النتيجة المخطط لها اللهم الا نشر الفوضى والانفلات الامني على نطاق واسع في كل ارجاء العراق ، لابل ان الحكومات التي تراسها حزب الدعوة لم تنصف الشعب العراقي فالشيعة في الجنوب ذاقوا الامرين من الفقر المدقع والامية وحرمانهم من ابسط الخدمات الانسانية من ماء وكهرباء ورعاية صحية ومواصلات وسكن . وتم تهجير السنة من بيوتهم وسكنوا المخيمات وسلط

 عليهم داعش وعناصر انتهازية سنية فاسدة ومشبوهة . وهدمت بيوتهم . ويتم ابناءهم . كما ان الكورد قد عانوا ايضا من الحكم المركزي المتخلف والجاهل والذي عمل حثيثا على توسيع الفرقة بين الكورد انفسهم ناهيك عن الفرقة بينهم وبين العرب والتركمان  ايضا  . وقدتاكد لهم بان التحالف الشيعي الكوردي كان مجرد كذبة كبيرة لغرض وصول الاحزاب المتحالفة معهم الى الحكم ثم تخلوا عنهم في اقرب فرصة . وبذلك فان الاحزاب الاسلامية لم تحقق حلم الشعب في حكم مبني على العدالة والانصاف . ولو كان الحكم كذلك لصار مضرب الامثال وقدوة للقاصي والداني .ونموذجا للشيعة والسنة والكورد وسائر طوائف الشعب العراقي .

وفوق كل هذا وذاك فان رئيس الوزراء يعين بالتوافق بين امريكا وايران ولا علاقة للانتخابات رغم تزويرها

 وبذلك تعطلت الديموقراطية .  وادى مشروع تصدير الثورة الاسلامية الى حروب اهلية ذهب ضحيتها الالاف من الشهداء والمغدورين ومثلهم من المهاجربن خارج العراق هربا من اتون هذه الحروب المجنونة التي تغذيها دول الجوار كافة

 وهكذا ضاع العراق بين شعار الديموقراطية الزائف والتشيع في حكم الامام العادل . ولم يجن الشعب سوى الحروب الداخلية التي لانهاية لها والفقر والامية والفساد المستشري في كل مرافق الدولة ومزيد من الشهداء  . كل ذلك يتم بحجج شتى اشبه بالحجج التي كان النظام السابق يتحجج بها . .  وما اشبه اليوم بالبارحة .  لا بل ان البارحة كنا نطمح في حكم ات يعيد الكرامة والحياة الانسانية اللائقة للشعب العراقي . اما اليوم فحتى الامل في الخروج من هذا النفق المظلم قد اصبح بعيد المنال بعد ان اقدمت الاحزاب والشخصيات الحاكمة على اعادة انتاج نفسها عن طريق تجديد التحالفات الطائفية التي تسمى ظلما وعدوانا بالوطنية والوطنية براء منها سواء كانت شيعة او سنية او كوردية

من ذلك يتضح فشل المشروع الامريكي الايراني في العراق وفشلت معه كل التدخلات السعودية والقطرية والتركية وغيرها من المشاريع الاقليمية الطارئة على المجتمع العراقي . وقد كان لموقف آية الله السيد السيستاني من المشروع الايراني دورا كبيرا في تحجيمه ، اضافة الى طيف واسع من العرب الشيعة

وعليه فقد توجب على العراقيين جميعا ان يعملوا منذ الان على تغيير واقعهم المؤلم وهم يعلمون جيدا ان هذا ليس قدرهم . بل ان قدرهم في حياة حرة كريمة

ان علينا وضع هذا الهدف نصب اعيننا والعمل على تحقيقه ولو طال الزمن . . حيث

ان العراق بحاجة الى نظام حكم يعتمد على نخبة وطنية مثقفة مخلصة تدير الملفات السياسية والامنية والاقتصادية بعيدة عن التحزب الفئوي او الديني المذهبي وتكون العلاقة بينه وبين امريكا وايران ودول الجوار الاخرى مبنية عل المصالح المشتركة وحسن الجوار وليس على الاحتلال او الهيمنة السياسية والعسكرية وفرض الارادات من اية جهة كانت