1 | الاستفتاء على مصير كردستان هل يعزز البيت الكردي؟ |
احمد صبري
|
الوطن العمانية |
”.. البعض عد الاستفتاء بأنه لا يخرج من دائرة سياسية ضيقة يستخدمها أحد الأطراف في كردستان ضد خصومه من الأحزاب الأخرى، لا سيما المعارضة منها سواء كانت في كردستان أو خارجها، والبعض الآخر ذهب إلى أنه فقط دعاية انتخابية سينتهي مفعولها بعد انتهاء الانتخابات، وإجراء الصفقات السياسية بين الفرقاء في كردستان”
منذ الإعلان عن موعد الاستفتاء على مصير كردستان العراق الذي حدد في الخامس والعشرين من أيلول ـ سبتمبر المقبل والجدل يتصاعد بين الفرقاء الأكراد من جهة وبين بغداد ودول الجوار من جهة أخرى حول مصير هذه الخطوة التي يعتقد الكثير من المعارضين لها بأنها محفوفة بالمخاطر وقد تدخل العراق في أتون صراعات قد تشظي العراق إلى دويلات وتفكيك البيت العراقي بانعزال الإقليم عن العراق. وفي خطوة لطمأنة المجتمع الدولي من الاستفتاء على مصير إقليم كردستان جال رئيس الإقليم مسعود البرزاني على عدة دول عالمية لتوضيح أسباب الدعوة للاستفتاء باعتبارها تندرج في إطار الدستور وباعتبارها حقا للشعب الكردي ليقرر من خلالها مصيره بشكل ديمقراطي. وعزز هذا الموقف تأكيد أكثر من مسؤول كردي أن استقلال كردستان يمر عبر بغداد ويتم بالطرق السلمية. ويأتي إجراء الاستفتاء في وقت يمر به إقليم كردستان العراق بأزمات وصراعات، سواء كانت داخلية أو خارجية، أبرزها تعطيل برلمان كردستان وعدم الوصول إلى حلول توافقية للأطراف من أجل تفعيل البرلمان بالدرجة الأولى بين حركة التغيير التي تتولى رئاسة البرلمان، والديمقراطي الكردستاني الذي يتولى رئاستي الإقليم والوزراء. وما يعمق أزمة كردستان هو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها الإقليم منذ أكثر من ثلاث سنوات بعد أن قطعت بغداد حصته من الموازنة بعد رفض الثاني دفع مستحقات النفط إلى بغداد، مما انعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي والاستثماري في كردستان وأدت إلى تعطيل الكثير من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية في مجالات شتى في مقدمها الإعمار والإسكان، وتسببت بهجرة آلاف الشباب بسبب غياب فرص العمل. وما يقلق المروجين لخيار الاستفتاء إجراؤه وسط هذه المخاوف والأزمات التي تعيشها كردستان مع غياب التوافق السياسي حول عملية الاستفتاء، فضلا عن رفض بغداد لهذا الخيار الذي عده قادة التحالف الوطني الحاكم بأنه يهدد وحدة العراق بكيان وصفوه بالمصطنع. ويقابل رفض بغداد لخيار الاستقلال موقف مماثل لدول الجوار العراقي (إيران وتركيا وسوريا) الأمر الذي يضع الدولة الوليدة في خانق لا يمكن أن تتنفس من خلاله لا سيما عدم وجود منفذ بحري يربطها بالعالم الخارجي. فالبعض عد الاستفتاء بأنه لا يخرج من دائرة سياسية ضيقة يستخدمها أحد الأطراف في كردستان ضد خصومه من الأحزاب الأخرى لا سيما المعارضة منها، سواء كانت في كردستان أو خارجها، والبعض الآخر ذهب إلى أنه فقط دعاية انتخابية سينتهي مفعولها بعد انتهاء الانتخابات وإجراء الصفقات السياسية بين الفرقاء في كردستان. والسؤال: هل سيغير الاستفتاء من خريطة الأزمة السياسية في إقليم كردستان؟ الجواب بتقديرنا يكمن في موقف طرفين أساسيين في البيت الكردي وهما حركة التغيير والجماعة الإسلامية اللتان رفضتا إجراء الاستفتاء وفق الآلية المعلنة. فبدلا من أن يؤدي طرح الاستفتاء إلى توحيد الأطراف السياسية ويساهم في نبذ الخلافات وحل المشاكل بين القوى الكردية، فإنه لم يحقق الأهداف المرجوة، الأمر الذي يعني استمرار الخلافات والانقسامات داخل البيت الكردي إلى أجل غير مسمى. وبالتالي فإن الدخول في خوض تجربة حساسة ومصيرية والمتمثلة في الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان من عدمه في ظل الانقسامات الداخلية والتي تعدت الفضاء السياسي لتصل إلى عمق المجتمع وطبقاته، لا يبشر بخير ولا ينتظر منه نتائج إيجابية. واستنادا إلى ما تقدم فإن توقيت إجراء الاستفتاء في ظل الانقسام الكردي حوله والأزمة الاقتصادية في الإقليم وتداعيات الحرب على “داعش” وانشغال بغداد في سعيها لإعادة الأمن وإعمار المدن المستعادة جميعها معرقلات لا تصب في مصلحة الاستفتاء وغاياته. |
|||
2 | حول الآمال في عراق جديد…
|
عثمان الماجد
|
الايام البحرينية |
يملك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كل الحق بأن يعلن مبتهجا انتهاء العمليات العسكرية بالانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولكنه لا يملك الحق نفسه في التستر على انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت بالتوازي مع العمليات العسكرية، سواء تلك التي ارتكبها أفراد في الجيش الرسمي ممن تتملكهم نوازع طائفية مذهبية تمارس تحت غطاء الزي العسكري الرسمي، أو تلك التي أتاها مجندو «الحشد الشعبي» وأشاعت صورها آلاما ودموعا من خلال فيديوات صادمة للمشاعر الإنسانية، علما بأن «الحشد الشعبي» كما هو معروف، قد بات يصنف ضمن ما يعرف بالقوى الرديفة للقوات المسلحة العراقية، وتتعهد المؤسسة الرسمية بدفع موازنتها السنوية من خلال بند النفقات الحكومية يضاف إليها استقطاع 4 في المئة من رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين.
لقد كان ملفتا ومستغربا في خطاب النصر لرئيس الوزراء تشديده على أن هذا الانتصار قد تحقق على يد الجيش العراقي. فهل يا ترى كان متصورا أن يتم هذا الانتصار بغير الجيش العراقي مثلا؟! في تصوري أن هذا القول يفضح شيئا من المسكوت عنه في خطاب العبادي الرسمي فالجيش العراقي لم يكن وحده في معركة تحرير الموصل وإن نسب إليه النصر، وفي هذا دلالة على أن هناك هواجس لدى البعض، عراقيين وغير عراقيين، من أن قوى أخرى شاركت وأبعدت عنهم الجهات الرسمية التغطية الإعلامية لكي يمارسوا ساديتهم المذهبية بعيدا عن عدسات التصوير الرسمية، وأن المقصود بالقوى الأخرى «الحشد الشعبي». ولعل في ذلك إثارة للظنون، لدى قطاع واسع من أبناء الشعب العراقي، بأن هذا انتصار لمكون اجتماعي على مكون آخر. خصوصا وأن هناك حديثا يدور في الإعلام عن تغيير ديمغرافي ممارس في المناطق التي حررت من سيطرة «داعش».
في ضوء ما تقدم، لا أود أن أكون متشائما أو أن أجعل من نفسي محبطا لتطلعات قومية لدى قارئي الكريم، وهي تطلعات قسم واسع من أبناء الأمة، فإذا كان ما يرصد في العراق، مثلا، في أعقاب هزيمة «الدواعش» في كيانهم الافتراضي الذي أسموه «الدولة الإسلامية» وذهاب مشروعهم، الذي كانت كلفته على الأمة عالية جدا، إلى مزبلة التاريخ، به شيء من الإفراط في أمل يداعب شعور بعض من أبناء العرب في تخلي أحزاب العراق السياسية الطائفية، بعد هذا الانتصار، عن انحيازاتها المذهبية التي تحكم مجمل مناويلها السياسية فيما يتعلق بمستقبل العراق ووحدة شعبه، فإني لست من هؤلاء المفرطين في التفاؤل، ولا يعتريني حتى بعض منه وذلك لاعتبارات عديدة.
أول هذه الاعتبارات تجربة الأحزاب السياسية المذهبية في السلطة بالعراق وتقليد هذه الأحزاب المهين لتاريخ الدولة العراقية للتجربة الإيرانية في نسختها الخمينية تقليدًا أعمى حتى وإن لم يصل هذا التقليد إلى الآن، على الأقل، لدرجة الاستنساخ. كما أن سماح هذه الأحزاب بإتاحة فرص التدخل الإيراني في الشأن العراقي من كافة الأبواب العسكرية والسياسية والثقافية اعتبار آخر، بالإضافة إلى تراجع دور القوى الليبرالية والقومية وانحسار امتدادها الشعبي وضمور تأثيرها في الشأن العراقي، اللهم إلا من شيء من الحراك الموسمي نسمع به كل أربع سنوات عندما تحين الانتخابات النيابية. بهذه الاعتبارات، إذا ما أخذناها في الحسبان، يضعف لدي الشعور بالأمل في تحسن ما للأوضاع في العراق حتى مع «الانتصار» الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهتفت له الأحزاب السياسية الحاكمة.
من وجهة نظري فإنه إلى جانب القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» «داعش»، يحتاج العراق الى عمل يشارك فيه كل أبناء العراق للقضاء على مختلف أشكال الإرهاب ومصادر هذا الإرهاب الذي أصبح ظاهرة متجذرة في الدولة العراقية، فإرهاب «داعش» هو أحد صور هذا الإرهاب وأوضحها ليس إلا، وهو إرهاب يمكن وصفه بالإرهاب العابر، إذ أنه ينتهي بالقضاء على عناصره التي قدمت أو استقدمت إلى داخل العراق.
اليوم أضحى العراق موبوءاً بالأحزاب الطائفية التي تمارس الإرهاب على وجوه مختلفة بعضها مسلح ظاهر يجاهر بعدائه للمكونات المخالفة له، وخصوصا المكون السني، كما تمارسه الأحزاب المكونة لما يسمى بـ«الحشد الشعبي»، وبعضها الآخر مستتر ثقافي يحفر في المجتمع ويفتك بمختلف المقومات البانية للهوية العراقية الأصيلة الواحدة بتعدد مكوناتها العرقية والعقدية والدينية وتآلفها فيما بينها، وهذا ما تمارسه كل الأحزاب الطائفية ذات الصلة الوثيقة بفكرة «الولي الفقيه»، وهي الأحزاب ذاتها الساعية إلى نبذ كافة المكونات العرقية والإثنية التي يتشكل منها المجتمع العراقي.
الانتصار الحقيقي للعراق هو اليوم الذي تتحقق فيه مقولة «العراق لكل العراقيين»، ببناء منوال مدني يقتلع كل النزعات الطائفية التشتيتية من جذورها ويلقي بها في مزبلة التاريخ. فلطالما أن هذا البلد رهين للمشروع الطائفي الإيراني، وطالما ظلت معه الأحزاب السياسية المذهبية حبيسة هذا المشروع معتقدة بأن في إسقاط نظام صدام في عام 2003 إسقاطا للدولة السنية -وهي السردية الجديدة التي رامت قوى الجذب إلى المنوال الطائفي ترويجها للقضاء على واقع التعايش والتكامل الإثني والعقدي الذي كان يميز العراق- وأن الانتصار على «داعش» من ثم هو انتصار على السنة، فإن حال هذا البلد سيظل مقلقا لشعبه وللعرب أجمعين، لتخبو معه كل الآمال في عراق موحد، عراق قوي تملكه جميع مكوناته الاجتماعية والعرقية والإثنية، عراق ينعش الأمل في بناء دولة المواطنة عنوانا لحقبة تاريخية جديدة تعقب حقبة بناء الدولة الوطنية. فهل يكتب لنا رؤية هذا العراق؟! |
|||
3 | العراق يسيطر على الموصل ولكن مَن يسيطر على العراق؟
|
سليم نصار
|
الحياة السعودية |
عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرير الموصل من تنظيم «داعش»، اتجهت الأنظار نحو سورية على أمل أن تحظى بالنتيجة المرضية ذاتها. ولكن تحرير العراق من تسلط «داعش» لا يعني عملياً أن العبادي أصبح في وضع سياسي مريح يسمح له بالسيطرة الكاملة على مقاليد الحكم. والسبب أن قائد «فيلق القدس» الجنرال الايراني قاسم سليماني تدخل بقوة لتشكيل جبهة عريضة تضم مرجعيات شيعية وسياسيين موالين لطهران بهدف منع تقديم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الى المحاكمة.
ويعتقد سليماني أن المالكي لم يكن حراً في قراراته، وأن كل ما أقدم عليه من أعمال مخالفة للقوانين كانت تتم بموافقة المرشد الأعلى للثورة الايرانية علي خامنئي. وقد أُعطي ذلك النفوذ الاستثنائي بغرض منع المؤسسات العراقية الرسمية من فك ارتباطها بطهران.
وبما أن ايران اعتمدت سياسة إضعاف العراق، ومنعه من التحوّل دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً، لذلك تدخلت مع عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ومقتدى الصدر، رئيس التيار الصدري، من أجل القبول بحيدر العبادي وكيلاً غير كامل الصلاحيات.
والثابت أن أحزاب الطائفة السنيّة في العراق قد تنبهت إلى خطورة هذه التبعية وأثرها السلبي على الوحدة الوطنية. وهذا ما دفعها الى عقد مؤتمر في فندق بابل تحت شعار: «نحو دولة المواطنة… لا دولة المكونات!».
واعتمد رئيس البرلمان سليم الجبوري هذا الشعار مدخلاً لتحقيق التسوية السياسية في دولة اتهمت السنّة في الموصل بالانحياز الى أبو بكر البغدادي. تماماً مثلما اتهم بول بريمر كل أفراد الجيش العراقي بالانحياز الى حزب البعث. واستناداً الى هذه النظرية، قرر طردهم من صفوف القوات المسلحة، الأمر الذي شجعهم على الالتحاق بقوات «القاعدة» ثم «داعش» بعد مساهمتهم في خطة التآمر لخلق دولة سنيّة.
الجديد في هذا السياق ما نتج عن لقاء هامبورغ بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول مستقبل سورية، ذلك أنهما اتفقا على عملية تقاسم النفوذ، ومن ثم تقاسم الأدوار عبر المنطقة الجنوبية الغربية التي تتميز بـ «انخفاض التصعيد».
وعلى الفور، رحب المبعوث الدولي الى سورية ستيفان دي ميستورا بهذه الخطوة السياسية، مؤكداً دعمه كل هدنة تدعو إلى وقف إطلاق النار وتمنع تقسيم البلاد. وقد أتبع تصريحه بضرورة تشكيل نظام مراقبة دولية، لأن خبراته السابقة في هذا المجال لا تطمئن إلى سلامة المرحلة الانتقالية.
ويبدو أن تلميح المبعوث الدولي كان يشير إلى التجاوز الذي قامت به تركيا على طول ثمانين كيلومتراً من الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين سورية. وفوق هذه المساحة ثبتت القيادة العسكرية التركية كاميرات مراقبة معززة بدعم وحدات أمنية من أجل حماية القرى المتاخمة من هجمات المتسللين. وادّعت أن هذه الإجراءات الاحترازية تمت من أجل مواجهة تسعة أحزاب كردية كانت أصدرت بياناً موحداً طالبت فيه بإنشاء إدارة ذاتية في ظل نظام دستوري.
والثابت أن الأكراد وسواهم من العناصر المؤثرة التي يتألف منها النسيج الاجتماعي السوري، كل هؤلاء يطالبون بحل النظام المركزي السابق والاستعاضة عنه بنظام فيديرالي. والسبب أن الفيديرالية تستطيع استيعاب التعددية بحيث لا تبقى القرارات المصيرية -كالحرب والسلم- رهن مزاج رئيس الجمهورية. وبما أن سورية تتألف من طوائف وعرقيات مختلفة، كالسنّة والعلويين والأكراد والأرثوذكس والتركمان والسريان وسواهم، فإن الانصهار الوطني يبقى الضمانة الوحيدة لنجاح أي حل سياسي.
ومن هذا الواقع ينطلق السؤال المهم المتعلق بمصير بشار الأسد، وما إذا كانت المعارضة التي حاربت من أجل إسقاطه مستعدة للتعايش معه؟
هذا الأسبوع أعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن حصيلة النزاع داخل سورية لمدة ست سنوات تقريباً، فقال: «قتِل أكثر من 330 ألف شخص بينهم نحو مئة ألف مدني، وذلك خلال الفترة الممتدة من 15 آذار (مارس) 2011 حتى 15 تموز (يوليو) هذا الشهر».
وفي تفسير دوافع هذا النزاع، قال مدير المرصد: «بدأت الحرب الأهلية باحتجاجات سلمية ضد الرئيس بشار الأسد. ولكنها سرعان ما تحولت حرباً دامية تسببت -الى جانب العدد الكبير من القتلى- بدمار هائل في البنى التحتية، وبنزوح وتشريد أكثر من ست ملايين نسمة».
ويُستدَل من توقيت إعلان هذه المعلومات أن المرصد حريص على إظهار بعض الحقائق التي دفع الشعب السوري ثمنها بسبب فشل بشار الأسد في احتواء تداعياتها.
وبالإضافة الى حصيلة الموت والدمار وكل ما ذكره المرصد عن دور روسيا وايران في دعم الجيش النظامي، أدى الأمر الى ارتهان هذا البلد العربي الى قوى خارجية تتحكم بمصائر شعبه في الداخل والخارج.
وفي تقدير بعض المحللين فإن محاولة تعويم نظام بشار الأسد من قِبَل روسيا وايران سوف تؤسس لحرب ثانية قد تحول دون عودة ملايين النازحين، إضافة الى تفكيك ما بقي من عناصر الوحدة الوطنية.
وفي تصور الرئيس الروسي بوتين، فإن الأسد يمثل له ضمانة استمرار التحالف الى حين اكتشاف شخصية سياسية محايدة تحل محله. لذلك وعد رجب طيب اردوغان بضرورة تمرير فترة انتقالية قبل أن يُصار الى وضع دستور جديد خالٍ من تأثيرات حزب البعث.
ولما عبّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن تجاوبه مع طلب بوتين حول عدم الاعتراض على بقاء الأسد في الحكم، زاره الدكتور رياض حجاب ليحذره من مخاطر المجازفة بهذا الرهان. وقال له المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية إن بقاء الأسد في منصبه يعزز الفوضى، ويرسخ دور المنظمات الإرهابية، ويؤجج عوامل الكراهية والاحتقان لدى الشعب الذي يتوق الى صنع مصيره ومستقبله.
ومع أن طهران أنكرت أنها تبني قاعدة عسكرية برية في وسط سورية، إلا أن الأقمار الصناعية الاميركية إلتقطت لها عدة صور، إضافة الى صور طائرات حربية ايرانية رابضة في مطار سوري.
وذكرت الصحف الاميركية أن طهران درّبت أكثر من خمسة آلاف متطوع من أفغانستان وباكستان، سوف يتواجدون في القاعدة بصورة دائمة، وإنما تحت إشراف قيادة «الحرس الثوري». والى جانب ذلك، وافقت دمشق على إقامة مصفاة مستقلة لايران في ميناء طرطوس.
إضافة الى هذه النشاطات الحربية في سورية، فإن العراق يبقى الجار الأكثر أهمية بالنسبة لاستراتيجية طهران على مختلف الأصعدة: الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولقد أقيم عند ديالى معبر جديد تمر عبره كل يوم أكثر من مئتي شاحنة ايرانية محمّلة باللحوم والخضار ومواد البناء. ويتردد في هذا السياق أن شركات البناء والتعمير باشرت أعمال الترميم عند حدود البلدين. ومن أجل ترسيخ هذه العلاقة وتمتين أواصرها، اختارت طهران أحد أهم جنرالاتها سفيراً في بغداد هو ابراج مسجدي. ويُقال إن قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» ضمن «الحرس الثوري» هو الذي اقترحه لهذا المنصب بعدما اختبره عدة سنوات مستشاراً أول.
ورأى الديبلوماسيون في هذا الاختيار مؤشراً على تزايد نفوذ «الحرس الثوري» في العراق. كما هو في الوقت ذاته مؤشر على أهمية العراق بالنسبة الى نظام الملالي في طهران.
وعندما قدم السفير الايراني الجديد أوراق اعتماده الى وزير خارجية العراق ابراهيم الجعفري، حرص على تذكيره بأن ايران كانت دائماً الى جانب العراق وفي كل الظروف. وهو يعني بهذه الكلمات: «الظروف التي حكم خلالها صدام حسين، وكان ابراهيم الجعفري آنذاك لاجئاً سياسياً في طهران (حزب الدعوة).» وختم السفير مسجدي كلمته بالقول: إن ايران والعراق بلدان شقيقان، ويتعيّن العمل على رفع مستوى العلاقات بينهما على مختلف المستويات.
وقالت وكالات الأنباء أن السفير الايراني كان يلمح الى الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، والى احتمال إقامة وحدة بين البلدين لأن غالبية النواب ستكون مجندة لهذا التوجه.
|
|||
4 | ثقافة جديدة لما بعد “داعش” | محمد برهومة
|
الغد الاردنية |
إنّ إعلان الحكومة العراقية الانتصار على “داعش” في الموصل وتهيؤ العراقيين لتحرير مناطقهم من “داعش” لا يُسقِط الجدلَ الذي أثاره حكم “داعش” في السنوات الماضية، سواء في العراق أو في سورية، لجهة أن هذا الحكم عكس تصوراً إسلاميّاً معيّناً تسرّب عبر العالم، ومن خلال مشهدية دموية، تشير في مضمونها الواسع إلى أن ذاك التصوّر غير مؤهل، على المستويين؛ العقدي والقيمي، لإنتاج منظور قيمي تتكئ ركائزه على احترام ذاتية الإنسان وصون كرامته وحقوقه. أقام التنظيم الإرهابي (المستند في حكمه إلى مقولات إسلامية وتقليد تراثي، لم يتعرض للنقد الجذري المطلوب أوالرفض الكامل) حكمه على زعم نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وجعل في صُلب ذلك التقييد الصارم على النساء وعلى لباسهن وحركتهن وتصرفاتهن وحرمة معالجتهن من قبل أطباء رجال وسوى ذلك، وكذلك التضييق على هيئة الرجال وشكلهم ومحاسبتهم على أدق التفاصيل، مثل لبس الجينز وقص الشعر واستخدام الكريمات والتدخين وسوى ذلك من أمور تُحيلنا إلى موضوع هذه المقالة التي تهجس بالحثّ على ضرورة أن تؤسس هذه التجربة المُرّة في العالم العربي لثقافة جديدة تُعيد تعريف الفضيلة، عبر الحسم الكامل بأنه لا فضيلة في ظل قمع حرية الإنسان وامتهان كرامته والنيل من حقوقه وذاتيته، ومن ذلك حرية جسده. التحدي أمام إنتاج ثقافة دينية جديدة في مرحلة ما بعد القضاء العسكري على “داعش” تكمن في أن تكون حرية الإنسان وكرامته والاعتراف بحقوقه وذاتيته في صلب أي إصلاح ديني. والمؤسف أن ما نراه حتى اللحظة هو وعي ديني مأزوم ومرتبك ومشوش ومتردد أمام خيارات الحداثة والعصر، ويحاول التعويض عن عدم اتساقه الذاتي أمامهما بالاتجاه إلى وعي ضدي أو تشدد ديني يُعنى بالشكل، وينهض على تشييء الإيمان، الأمر الذي يجعل الإيمان غير متصالح مع المعرفة، والتدين خالياً من الثقافة، وهي أصولية تنداح في خطّ العولمة وموجتها، وتستعين بتقنياتها وأدواتها في التوسع والانتشار والترويج لذاتها، وتكثير مناصريها الطامحين لمواجهة حداثة ليست من صنعهم وعالمٍ غريبٍ عليهم، لكنه يبقى يستهويهم ويجذبهم، وهذا مصدر الأزمة في وعيهم؛ أيْ مصدر تشددهم، حيث التشدد الديني والأخلاقي يعلن عن هويته ويستعير اتساقه المزعوم أو الموهوم بالسعيّ اللحوح للخروج على قوة إغراء الحداثة والعولمة واجتذاب الدين لساحتهما، ومنعه أكثر فأكثر من تفسير العديد من الظواهر التي كانت حكراً عليه وخاضعة لتفسيراته وتأويلاته ورواياته. والحقيقة أنه ليس جديداً الجدل بشأن ما إذا كان الإنسان يملك جسده وأنّ له الحق في التصرف به، بشرط التزام قاعدة “لا ضرر ولا ضِرار”، أم أن هذه الملكية من حق الأديان والمجتمع والخالق ومن يدّعون النطق باسمه من البشر. الذين ينظرون إلى أن من حقوق الإنسان ولايته على نفسه، ومن ذلك جسده بالطبع، يرون أن هذه الولاية لا تتعارض مع الأخلاقية والفضائل، في حال التزام القاعدة المذكورة. هذا يقود إلى مبحث طويل في الأخلاق والفلسفة والدين والتشريعات، وذلك بالتعرض لسؤال جوهري عمّا إذا كانت الفضيلة لا تتحقق إلا بنكران الذات. هنا يجدر التذكير بأنه منذ آلاف السنين ذهب أرسطو إلى أن ثمة تشابهاً بين الفضيلة والسعادة يكمن في أنهما يُطلبان لذاتهما، مؤكداً أنّ اللذة شرط ضروري للسعادة، وهما مدخلا الإنسان إلى الفضيلة. |