1 | عودة الجيش العراقي!
|
خالد عمر بن ققه
|
الاتحاد الاماراتية |
ما يُحققه الجيش العراقي من انتصارات في الموصل ـ طال انتظارها ـ بغض النظر عن القوى الداعمة ـ يَشِي بتغيُّر في موازين القوى في المنطقة، أهمها: توحيد العراق من جديد، وبداية انهيار جبهة الإرهاب في المنطقة كُلها، صحيح أن البعض يتخوّف من تمدد إيران في المنطقة وتحكّمها في مصير العراق، وتحقيقها لمشروعها الجغرافي من طهران إلى بيروت، وهي مخاوف مشروعة ومؤسسة وحقيقية، لكن يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن العراقيين في تجارب حروبهم السابقة أثبتوا ـ بما فيها حرب الثماني سنوات مع إيران ـ عروبتهم ووطنيتهم، والأمة العربية اليوم في هذه اللحظة الصعبة من تاريخها، في حاجة إلى عودة العراق موحّداً وقويّاً، بعد أن تأكّد لها أن سقوطه واحتلاله في كل مراحل التاريخ أدَّيا إلى احتلال باقي الوطن العربي، بل وانهيار الأمة الإسلامية، وفي المرة الأخيرة انهارت معه البشريّة جميعها.
وعلى عكس كثير من المراقبين، أرى أن الذي يمكن أن يُوقف التوغل الإيراني الزاحف في المنطقة، هو العراق وليس غيره، ذلك لأن إيران توظف مآسي التاريخ في الحاضر، فتحقق بذلك أمرين، الأول: فصل العراق عن محيطه العربي، والثاني: إحداث صراع مذهبي داخله، هو بلا شك لصالحها في الوقت الرّاهن، لكن هناك نخبة عراقية واعية، وطنية وقومية، تسمو فوق جميع الأطروحات التقسيمية وتكبّد إيران خسائر على المستوى الفكري والسياسي في أكثر من موقع، ومنها: قادة شيعة راهنت عليهم إيران فأثبتوا ولاءهم لوطنهم وأمتهم، ويشكلون حائط صد أمامها، وترى فيهم العقبة الكأداء، التي تحول دون تحقيقها لأهدافها الاستراتيجية طويلة الأمد. لذلك ولغيره، على العرب جميعهم أن ينظروا إلى مستقبل الصراع في المنطقة من زاوية استعادة الدور الجديد للعراق من خلال جيشه، على أن يكون هذا الأخير خالصاً من تدخل، أو تبعات تلك القوى الشعبية ـ «الحشد الشعبي» مثلاً ـ التي قامت على أساس مذهبي، والتي أُنِيط بها عمل فرضته الظروف، ويجب أن ينتهي بتغير المعطيات على الأرض، كما على العرب أن يمدوا جسوراً مع القوى الفاعلة هناك لأجل تكريس الدور العربي للعراق.
لقد استفحلت إيران في المنطقة بعد احتلال العراق، وحلّ جيشه، ولن تتراجع عن مشروعها إلا بصحوة عسكريَّة عراقية أراها باتت وشيكة بعد انتصار الجيش العراقي في الموصل، ولذلك هي تسعى اليوم لتقديم نفسها للعراقيين وللعالم شريكاً في القضاء على «داعش»، مع أنها في حقيقة الأمر كانت مستفيدة من وجودها لأنها من خلالها حققت ثلاثة أهداف، الأول: توسيع الهوة بين أطياف المجتمع العراقي وتقسيمه على أساس مذهبي، والثاني: إغراق العراق في مزيد من الدماء، والثالث: التأكيد على أن مواجهة الإرهاب تقتضي الوجود العسكري والأمني الإيراني في العراق.
عودة الجيش العراقي، بعد انتصاره في الموصل، تساعد على تصالحه مع نفسه نتيجة هزيمته في حرب 2003، وانسحابه أمام «داعش» في الموصل، وعلينا دعمه لتحقيق تلك المصالحة، وإذا كانت إيران ترى أن استقرار العراق في المستقبل على المدى البعيد بالصيغة التي تريدها يمثل هدفاً استراتيجياً لها، فإن عدم استقراره وإشغاله في حروب داخلية على غرار ما تواجهه اليوم معظم الجيوش العربية هدفاً مرحلياً وحالياً لها، فإن مصلحة العرب هي استقرار العراق، وقد حل زمانه، ومن غير المعقول أن نكرر نفس الأخطاء ونتركه للغير.. عودة الجيش العراقي تعني بداية تثوير المنطقة ضد الدخلاء، حتى لو كانت الأوضاع الراهنة لصالحهم. |
|||
2 | عرس عراقي إيراني في «رودس»
|
محمد عارف
|
الاتحاد الاماراتية |
«أنا كاتب مختص بالعلوم والتكنولوجيا، وهذه أول مرة في حياتي أكتب كلمة تهنئة بالعرس، وما كنت أتصور صعوبة ذلك كأنني أنا العريس». بهذه الكلمات افتتحتُ كلمة العائلة في عرس «مصطفي الجيبجي»، حفيد أخي الراحل مدحت وعروسه الإيرانية ليلى رشيدي المولودة في الدمام بالسعودية. جرت مراسيم العرس في فندق «الشيراتون» بمدينة «رودس» اليونانية على ضفاف البحر المتوسط، حيث تداخلت الأقوام والحضارات عبر القرون كتداخل أهل العروس الإيرانيين الذين يعيشون في الدمام منذ أكثر من نصف قرن ويتقنون العربية كأهلها، وعائلة العريس العراقيين المقيمين في كندا.
واستهلت مراسيم العرس بآيات من الذكر الحكيم، تلاها صديق لعائلة العروس يرتدي الزَّي المحلي، وافتتحت كلمتي بقول العالم والفيلسوف عمر الخيام: «كونوا سعداء بهذه اللحظة، فهذه اللحظة هي حياتكم». وسعادة العرس مضاعفة لنا نحن الذين عارضنا الحرب العراقية الإيرانية واعتبرناها أكبر خطأ في تاريخ العراق والوطن العربي؛ فأنت لا تحارب بلداً تملك معه أطول حدودك، وتربطك به أروع مشتركات حضاراتك العربية الإسلامية، وتختلط فيه أصول أكبر علمائك، وفلاسفتك، وأدبائك. قلت ذلك للشاعر حميد سعيد عندما حمل لي والمثقفين العراقيّين المقيمين في الخارج في ثمانينيات القرن الماضي دعوة لحضور «مهرجان المربد». وكانت بواكير الانقسام الطائفي قد لاحت في الأفق، وزعزعت الحرب المشؤومة دور الطائفة الشيعية كقوة يباري بها العراق القوى الإقليمية والدولية.
ونرى جسامة خسارة إيران والعراق في السيرة العلمية والمهنية لكل من أفراد العائلتين. فالعروس ليلى حاصلة على شهادة الماجستير في القانون من جامعة نيويورك، وتعمل محامية في كندا، وأبوها «شادمان رشيدي» حاصل هو أيضاً على شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن»، ويملك ويدير مصنعاً في الدمام. والعريس مصطفى حاصل على الماجستير في الهندسة الميكانيكية، وكذلك أمه شيرين البياتي مهندسة في الميكانيك، وأبوه سعد مهندس إنشاءات، وجده لأبيه الدبلوماسي الراحل «ثامر الجيبجي»، الشخصية الفريدة في تاريخ العراق الحديث، فهو سفير في وزارة الخارجية مختص بالمراسيم، وسجين سياسي سابق.
واعتذرت عن الإطالة في كلمتي، فاحتفالات العرس ليست للكلام، بل للمصافحة والاحتضان والقبل والرقص والأغاني. وأغاني حفلة العرس ورقصاته مهرجان ساحر جمع بين الطرب الإيراني والخليجي والعراقي والعالمي في حدائق فندق «الشيراتون» في «رودس»، حيث شواهد الآثار الإسلامية قائمة في جوامع ومكتبات، وحتى شوارع وأزقة عربية الاسم. وانفجر التصفيق والهتافات حين افتتح العروسان الحفل بتابلو رقصة ثنائية على أنغام أغنية «قمر جديد» الأرجنتينية، وأعقبتها أغانٍ خليجية وإيرانية وعراقية وغربية، أنطلق معها رقص المدعوين مع أغنية «مبروك» للمطربة الخليجية بلقيس: «اديم الصلاة على الحبيب فصلاته نوراً وطيب». وتتالت تسجيلات أجمل الأغاني، وبينها ناظم الغزالي «يا أم العيون السود ما جوزن أنا، خدك القيمر أتريق منه». والنصر في حفل العرس للأغاني المستميتة في حب العراق، ولم أتمالك نفسي فاندفعت أرقص مع أغنية «حسين الجسمي» المشهورة «كلنا العراق»، ومطلعها «حبيبه أم كذيله رائعه وجميله، ألف ليله وليله حب وغرام. هي حلوه هيه، كأنها مزهريه». |