1 | العراق .. سقطت “الخرافة” ودهماؤها إلى استنساخ وتوظيف
|
خميس التوبي
|
الوطن العمانية |
مع استعادة الجيش العراقي جامع النوري الذي أعلن من على منبره أبو بكر البغدادي قيام دولة “الخرافة”، يتهيأ العراق لإعلان سقوط “خرافة” دهماء الإرهاب المسماة “داعش” التي أنتجها الأميركي بالتعاون مع أتباعه وعملائه، والتي ظلوا ينفخون في إرهابها لدرجة التوحش من تدريب وسلاح وكل عتاد يحتاجه، وفوقه دعم استخباراتي ومعلوماتي وتوجيه عبر الإحداثيات، وواكب كل ذلك ماكينات إعلامية سخرت لذلك، لكي تكتمل صورة الوحش المراد تضخيمه في مخيلة وذهن المستهدفين من عوام الناس والمغيبين والمعزولين عن واقع الأحداث، ومخططات التآمر، وذلك لأهداف مدروسة بعناية لفرض حالة الاستسلام التلقائي أمام طوفان إرهاب وحش “الخرافة”، والاقتناع بأنه مسلَّمة من مسلمات الواقع تستدعي الانضمام إليه، وقدر من الأقدار يجب الإيمان به، وإما لزرع الرعب في القلوب والأنفس فلا تجد منقذًا لها منه سوى “رامبو” الأميركي وأتباعه فقط، وهو ما يتطلب إقامة القواعد العسكرية وجلب الأساطيل والطائرات الحربية مختلفة الأنواع ومتعددة المهام، وهذا ما حصل بالفعل وفق ما أراد العقل المخطط الصهيو ـ أميركي لإحكام الهيمنة على المنطقة بأسرها، فقد استطاع هذا العقل توظيف دهماء “داعش” الإرهابي خير توظيف في خدمة مشاريعه، وتمكن عبرها من خداع عوام الناس وبسطائهم بأنه هو القادر على إنقاذهم من إرهاب دهماء “داعش”، فأعلن استراتيجية أسماها “استراتيجية مواجهة داعش” ثم أتبعها بتحالف يتكون من أكثر من ستين دولة، وبذلك حقق نصف الأهدف أو أكثرها. وتحت مظلة هذه الاستراتيجية وتحالفها الستيني أخذت دهماء “داعش” الإرهابي تتوسع وتتمدد في العراق وسوريا وحولهما وخارجهما، وبشماعة مواجهة “داعش” أخذ جلب الجنود والضباط من دول الاستعمار والاستكبار يتوالى تحت شعار خديعة التدريب وتقديم الاستشارات، وأخذ السلاح بشتى أنواعه يتدفق تحت كذبة دعم “المعارضة” لمحاربة “داعش” على النحو الماثل من الكذب وفائض النفاق في سوريا، حيث سخرت “استراتيجية مواجهة داعش” وتحالفها الستيني لاستهداف القوة الأوحد في الميدان التي تحارب الإرهاب وهي الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وعرقلة تقدمه في ضرب بؤر الإرهاب بمختلف مسمياته “النصرة وداعش وجيش الإسلام وأحرار الشام وجيش الفتح” وغيرها من مسميات الإرهاب التي ما أنزل الله بها من سلطان. النصر الذي يستعد العراقيون لإعلانه بعد تمكنهم من نزع شوكة التآمر والتدمير والتخريب والهيمنة المتمثلة في دهماء “داعش” الإرهابي، هو نصر ثانٍ يحققونه ويتبعون به نصرهم الأول حين خرجت قوافل الغزاة في جنح الليل مهرولة من أرض العراق بعدما أذاقهم المقاومون العراقيون الشرفاء معنى الأرض والعرض والكرامة والوطنية والانتماء، في تأكيد آخر للثابت التاريخي أن الأميركي ينجح في ضربته الأولى لكنه يحصد بعدها الخيبة والفشل والخسارة. فهو نعم نجح في تدمير العراق عن بكرة أبيه، ونجح في ضرب النسيج الاجتماعي ببذر بذور الطائفية، وتقسيم الشعب العراقي إلى طوائف ومذاهب متناحرة، ونجح في تجريف العراق من العلماء والتخلص منهم، ورمي بلاد الرافدين في مراتع الجهل والفتن والفقر، لكنه مع ذلك لم يجنِ سوى انهيار كامل في القيم والمبادئ والأخلاق، وفي المنظومة العسكرية، فتهاوت صورة الجندي الأميركي، وسقطت معه صورة السلاح الأميركي، وأصيب الاقتصاد الأميركي بشلل شبه تام، فتراكمت الديون الضخمة، في حين يذهب أغلب التحليلات إلى أن الولايات المتحدة عاجزة عن شن حرب عسكرية شاملة كما في أفغانستان والعراق حتى العام 2023م. ومثلما سقط رهان الغازي الأميركي على النجاح في تحويل أرض العراق إلى مزرعة للفتن الطائفية والمذهبية، ها هو يسقط رهانه على بقاء تنظيم “داعش” وإبقائه في الموصل لإطالة أمد الحرب لاستنزاف القوات العراقية والقوات الرديفة، بما يمكنه من إعادة تموضع احتلاله للعراق سياسيًّا وعسكريًّا واجتماعيًّا؛ ولذلك المحاولات الدائبة التي ظل يبذلها “رامبو” الأميركي لتأخير معركة الموصل هي لأجل هذا الهدف، ثم أيضًا محاولاته المتكررة عند انطلاق معركة تحرير الموصل لتهريب فلول “داعش” نحو مدينة الرقة السورية، وكذلك عند بدئه معركة تحرير الرقة حاول تهريب فلول الإرهاب الداعشي باتجاه تدمر ودير الزور السوريتين، ما يعني أن كل المراهنين على دهماء “داعش” الإرهابي يتملكهم القهر والغيظ والحقد وهم يرون سقوط دولة “الخرافة” التي عملوا على تضخيمها ودعمها لدرجة التوحش، لهذا فإن الوضع مرشح للتصعيد لأن المراهنين على “داعش” الإرهابي لن يعدموا وسيلة للبحث عن بديل لـ”خرافته” إما بإعادة نفخ روح التوحش فيه مجددًا، وإما بإعادة استنساخ دهمائه بمسمى آخر، مع السعي الحثيث لإيجاد “الخدع والأكاذيب” على نحو “محاربة داعش” وفبركة هجمات بالسلاح الكيماوي وهذا ما يتم تحضير المشهد له. إلا أن الذي أسقط كل الرهانات والخرافات، وفضح جميع الخدع والفبركات، قادر على إسقاط ما يليها، بل هو الأكفأ. حتمًا سيحاول الأميركي الترويج لدوره ولاستراتيجيته وتحالفه الستيني لحظة إعلان طهارة الموصل من رجس الإرهاب الداعشي، والادعاء بأنه لولاه لما حصل، لسرقة النصر والإنجاز من الشعب العراقي وقواته، وهذا ما يجب أن لا ينطلي على أي أحد، وأن يسارع العراقيون إلى تفنيده إن حاول الأميركي ذلك. |
|||
2 | «داعش» الباقي في خلايا العراق؟
|
محمد علي فرحات
|
الحياة السعودية |
هل تأكد «داعش» من موت خليفته أبو بكر البغدادي ليقدم على تفجير الجامع والمنارة الحدباء، أم أنه حين ينتحر بدل الانهزام يسلّم الى العراقيين هداياه، جثث مقاتلين وحطام مدن؟ سؤال غير جوهري لا يحتاج بالتالي الى جواب، تماماً مثل أسئلة سياسية وأمنية كثيرة يملأ بها العراقيون المقيمون فراغ أيامهم المفتوحة على القتل والدمار، ربما تفادياً للمأزق الصعب: «داعش» باق في العراق متنقلاً من مدينة الى بادية ومن شاطئ للفرات إلى آخر، وهو لا يغيب عن دجلة وعن مناطق الوسط والجنوب حيث تحصد مفخخاته أرواحاً وعمارات، من باب التأكيد أن اللعنة مستمرة على رغم الإنجازات الأمنية للحكومة ومساعدات الجيش الأميركي.
سياسيو العراق مدعوون الى نقد ذاتي معلن، مع واقعية تبعدهم عن إدمان الندم وجلد الذات اللذين يستحضران الماضي ويهملان الحاضر والمستقبل. وأول النقد مطلوب من المعارضة التي تبتعد عن مسؤوليات مطلوبة من كل مواطن في بلد منكوب، وتنصرف إلى تصيّد أخطاء الحكومات وإضعافها حتى بالشحن العدائي العشائري والمناطقي والطائفي. صحيح ان أخطاء الحكومات كثيرة لكن غالبيتها لا ترجع إلى وجود الفساد وقلة الكفاءة وحدهما بقدر ما ترجع إلى فراغ خلّفه الاحتلال الأميركي العنيف، فضلاً عن الضعف التكويني للدولة العراقية بإداراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منذ نشوئها في ظل الاحتلال البريطاني الذي ورث الإدارة العثمانية.
فساد الحكم العراقي لا يطاق، وهو يتعدى الإضرار بالاقتصاد الى التسبب بمزيد من الإنهاك السياسي والاجتماعي، لكن قدراً ولو ضئيلاً من الوعي بالمصلحة الوطنية كان يجب أن يمنع ردّ الفعل الكارثي، كما حدث في التسهيل الموضوعي لاستيلاء «داعش» على ثلثي العراق، فقط للتخلص من سلطة نوري المالكي الطائفية العنيدة.
وفي المقابل لا بد من نقد ذاتي يعلنه الحاكمون، خصوصاً قيادات حزب «الدعوة»، النسخة الشيعية من «الإخوان المسلمين»، فهؤلاء سمحوا، بل شجعوا أحياناً، طائفية شيعية سمحت لنفسها بالتقليل من شأن شركائها الأساسيين في الوطن، ولم توفر حتى الشيعة الوطنيين والعلمانيين والعروبيين، فاضطهدتهم أيضاً، وأدى ذلك الى إطلاق أفكار وطقوس من الزوايا المنسية للقرون الوسطى، وجرت تنميتها على قاعدة العداء للآخر المختلف، وبرزت في هذه الأجواء دعوات غريبة في خلايا المجتمع العراقي الشيعي لا تخلو من نزعات تكفير كتلك التي يأخذها الناس على «القاعدة» و «داعش». فكأن حكم حزب «الدعوة» يتشبه بحكم «الإخوان» في مصر برئاسة محمد مرسي في إطلاقهما نزعات معادية للسنة في حالة العراق وللمسيحيين ودعاة الدولة المدنية في حالة مصر. وكان ذلك يترافق مع تأكيد «الدعوة» و «الإخوان» التنصل من هذه النزعات.
ينهزم «داعش» في الموصل، لكنه يمتد في المحيط محاولاً فرض نموذجه العدواني على الأطراف المتنازعة، ولا ننسى أن العراق في المخيال المحلي والعربي والإسلامي يترافق ذكره مع وقائع تاريخية دموية وملتبسة. ولأن قادته اليوم، حاكمين ومعارضين، يرفع معظمهم شعار الإسلام السياسي، فإن عبوره إلى سلام الحاضر ونهضة المستقبل يبدو أمراً غير واقعي.
مع ذلك نرى بعض السياسيين العراقيين يمارس جمعاً غرائبياً بين طهران وواشنطن، فيما يتميّز قادة كردستان بتقديم نموذج تنموي ثم يضعونه على حافة هاوية الاستقلال التي تستدعي أعداء ولا ترضي أصدقاء. |
|||
3 | البغدادي مرَّ من هنا
|
غسان شربل
|
الشرق الاوسط السعودية |
ثلاثة رجال تذكرهم العالم هذا الأسبوع. إنهم من قارات مختلفة ومهن مختلفة واهتمامات متباعدة. في المشهد الأول وفي مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، تجمع قادة من العالم حول نعش المستشار الألماني الراحل هلموت كول. تكريم استثنائي لزعيم استثنائي. وكأن الأوروبيين أرادوا لأبناء القارة أن يتمعنوا طويلاً في مسيرة الرجل. المستشار الذي التقط اللحظة التاريخية ووظفها في خدمة بلاده وقارته والعالم. اغتنم كول لحظة انهيار جدار برلين وبعده الاتحاد السوفياتي ليعيد توحيد ألمانيا من دون رصاصة أو قطرة دم. وكان هذا يكفي لدخول التاريخ. لكنه فعل ما هو أكثر من ذلك. وضع المحرك الألماني في خدمة التكامل الأوروبي واستحق أن يقال عنه إنه كان «ألمانياً عظيماً وأوروبياً عظيماً». لهذا تحلقوا حول جثمانه. قادة من فرنسا وبريطانيا وأميركا وأنحاء أخرى من العالم. نجح المستشار المديد القامة في إقناع الأوروبيين أن ألمانيا الموحدة لن تعود إلى سياسات الشراهة والعدوان. نجح أيضاً في مهمة أصعب. أقنع الألمان بالتنازل عن آخر الجنرالات الكبار في تاريخهم، وهو المارك، وهكذا فتح الباب لقيام العملة الأوروبية الموحدة. هكذا تستطيع ألمانيا أن تقول إن كول مرَّ من هنا وأخذها إلى الوحدة والازدهار وشراكات المستقبل. المشهد الثاني. رجل آخر تذكره العالم. إنه ستيف جوبز الرئيس التنفيذي الراحل لشركة «آبل». فقبل عشرة أعوام أطل الرجل ليهدي العالم «هاتفاً جوالاً ثورياً» و«جهاز اتصال خارق بالإنترنت». في ذلك اليوم استقبل العالم زائراً جديداً هو الـ«آيفون» الذي تبيّن بعد عقد واحد أنه أحدث ثورة شاملة في حياة مئات الملايين في العالم. ترك ستيف جوبز بصماته على أيامنا. جهاز صغير يقيم في جيبك ويغير علاقتك بالعالم. في الاتصال والتلقي والرسائل والصور والأعمال والترفيه. وهذا التبادل الرهيب للمعلومات والمشاهد. كأنك تحمل في جيبك قوة ضاربة توصلك إلى المعارف وتربطك بالآخر والعصر وذاكرة المستقبل. غيَّر جوبز حياة الصحافيين أيضاً. جعل كل حامل جهاز صحافياً يلتقط ويرسل ويعلق. ولم يكن أمامنا نحن المقيمين في القلاع القديمة للصحافة المكتوبة غير أن نحاول تغيير أرواحنا وأساليبنا وأزيائنا إذا أردنا البقاء على قيد الحياة، ولتفادي النظر إلينا كما يُنظر إلى الخيول الهرمة. جوبز مرَّ من هنا. تذكر العالم قوله: «سأعيش كل يوم كما لو كان آخر يوم في حياتي». رفع المشعل وأضاء الطريق. كان محارباً عنيداً بأسلحة العلم والتنافس والتقدم. ذهب مرفوع الرأس إلى محكمة التاريخ. المشهد الثالث. نحن في الشرق الأوسط الرهيب مواعيدنا مختلفة. أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي «سقوط دويلة داعش» بعد ثلاثة أعوام من إعلانها. والانتصار مهم وضروري ويشكل خدمة للعراق والعالم العربي والعالم. ويجب أن يسجل للجيش العراقي أنه قدّم تضحيات كبرى لإسقاط الدويلة الإرهابية التي أرسلت سرطاناتها في كل اتجاه. لقد أزاح الجيش العراقي من الذاكرة فضيحة العاشر من يونيو (حزيران) 2014 يوم انهارت قطعات كاملة منه في الموصل وحولها أمام هجمات «داعش» الذي استولى في ذلك اليوم على ترسانة كاملة من السلاح الأميركي تركتها الوحدات التي تبددت. تذكر العالم رجلاً اسمه أبو بكر البغدادي. كانت إطلالة الرجل من الموصل مكلفة لبلاده والمنطقة والعالم. يمكن القول إن الأعوام الثلاثة أنجبت نهراً من الأرامل والأيتام وبحراً من اللاجئين. كم تبدو المسافة بعيدة بين الطريق التي سلكها ستيف جوبز السوري الأصل وقادته إلى «آبل» وإنجازاتها والطريق التي سلكها البغدادي وقادته إلى «داعش» وارتكاباته. كان جوبز يبحث عن تحسين الحياة وشروط العيش والتقدم، وكان البغدادي يستخدم إنجازات جوبز ليرتّب بثَّ صور الذبح والتفجير والتدمير أو لإدارة العلاقات مع «الذئاب المنفردة» المكلفة اغتيال استقرار هذه العاصمة أو تلك. كانت عائدات «آبل» تستخدم في التطوير وتعميق الأبحاث وزيادة القدرات الإبداعية. وكانت عائدات «داعش» تستخدم في مزيد من الغزوات والويلات. والغريب أن المحارب الأعمى تحوّل، وربما من دون أن يدري، حليفاً لمن ادعى أنهم أعداؤه. لم ينقذ البغدادي العراق بل زاده تفككاً. استهدف الأكراد فدفعوا دماً للدفاع عن إقليمهم و«المناطق المتنازع عليها» وتضاعفت رغبتهم في الابتعاد أكثر عن قرارات بغداد وسياساتها وحروبها. سعر «داعش» نار الفتنة السنية – الشيعية وادعى الدفاع عن السنة، ثم تبيّن أن النكبة الكبرى لحقت بهم على يديه، وأنه لم يفتك بالآخرين بل فتك بهم. إطلالة «داعش» دفعت المرجع الشيعي آية الله السيستاني إلى إصدار فتوى تجيز حمل السلاح. لم تتأخر طهران في اغتنام الفرصة. حولت المقاتلين الشيعة أفواجاً في «الحشد الشعبي» ونجحت في إعطائهم غطاء شرعياً على طريق جعلهم جيشاً رديفاً على غرار «الحرس الثوري» لديها. أعطت إطلالة «داعش» الجنرال قاسم سليماني فرصة التجوال «محرراً» في الأنبار، مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك للتوازن بين المكونات العراقية. كما تسبب «داعش» في عودة جنود أميركيين إلى الأرض والمقاتلات الأميركية وغير الأميركية إلى الأجواء. إطلالة «داعش» السورية لم تكن أقل وطأة. اغتالت الانتفاضة السورية وألهت العالم عن قسوة «البراميل». استباحة المقاتلين الجوالين لأرض سوريا بررت أيضاً تدخل إيران عبر ميليشيات متعددة الجنسيات. ممارسات «داعش» كانت الفرصة الذهبية للقيصر الذي كان يتحيّن الفرصة. تحت ستار التصدي لـ«داعش» تدخلت روسيا عسكرياً وعاقبت المعارضة السورية قبل أن تعاقب تنظيم البغدادي. ما أبعد المسافة بين الوداع الأوروبي لكول وخرائطنا الممزقة أو المرتجفة. ما أبعد المسافة بين أحلام «آبل» وارتكابات «داعش». إنه الشرق الأوسط الرهيب. والد جوبز فرّ منه باكراً. أما البغدادي فمرّ من هنا. |
|||
4 | هل الدولة الكردية تلوح بالافق؟
|
عمر الرّداد
|
الراي اليوم بريطانيا |
حرمت اتفاقية لوزان بين الدولة العثمانية(الرجل المريض) والقوى الدولية الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى عام 1923, الاكراد من وطن قومي ,شانهم شان الكثير من شعوب المنطقة , وتوزعوا وفقا للاتفاقية فيما اصبح يعرف لاحقا , بسوريا وتركيا وايران والعراق ,التي لم تعد تحت السيادة العثمانية ,الجمهورية التركية لاحقا,فتوزعت المناطق العربية بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني ,والذي بدا بمغادرة المنطقة عسكريا ,بعد الحرب العالمية الثانية. ووفقا لتقديرات واحصاءات جهات عديدة , يبلغ تعداد الاكراد في مناطقهم بالعراق وسوريا وايران وتركيا ,ما يزيد على اربعين مليون نسمة , اكثر من ثلثيهم في تركيا وايران,بالاضافة لاقل من نصف هذا الرقم في اوروبا ومناطق اخرى,وبعيدا عن التوظيف السياسي للارقام من قبل الاطراف المعنية ,باعتبارها جزءا من شرعية اقامة او عدم اقامة الدولة الكردية , فان حلم الكرد لم يغب بان تكون لهم دولتهم, وتعّزز مع انهيار الاتحاد السوفيتي في اوائل التسعينات وحركات الانفصال في منظومة الدول الشرقية في يوغسلافيا ,واسيا الوسطى , والجمهويات الملاصقة لاوروبا الغربية, كبولندا وتشيكوسلوفاكيا, وكانت الصورة الاوضح في التقسيم والانفصال على اسس دينية وعرقية , تمت في يوغسلافيا,وقد مارس الاكراد نضالا سياسيا وعسكريا, لازال حتى اليوم قائما في الدول الاربع( تركيا ,ايران ,العراق وسوريا), فيما تحاول الانظمة السياسية تاريخيا في هذه الدول الحيلولة دون تحقق الحلم الكردي ,من خلال استراتيجية التضييق على الاكراد في كل دولة ,ودعم اكراد الدول الاخرى,كورقة ضغط ولكن دون الوصول الى تاييد اية توجهات انفصالية ,حيث مازالت تركيا وايران تتعاملان مع التنظيمات الكردية على اراضيهما وفي سوريا , باعتبارها تنظيمات ارهابية. ومع احتلال العراق من قبل امريكا عام 2003 , واعتماد المحاصصة الطائفية في العراق الجديد,ومنح الاكراد حصة في الحكم الى جانب المكونين الشيعي والسني,تعززت امال الاكراد العراقيين (اكثر من خمسة ملايين نسمة), بان الاقليم الذي تشكل ببرلمان وحكومة وقيادة سياسية وجيش(البشمركة) وعلم معترف به , واعتراف دولي وتمثيل دبلوماسي في اربيل عاصمة الاقليم, وعلاقات سياسية وتجارية دولية واقليمية ,كلها عززت الشعور القومي الكردي بان الدولة المامولة قاب قوسين او ادنى. صحيح ان هناك الكثير من التحديات والمعيقات التي تواجه الحلم الكردي ,حيث ان مقاومة انشاء دولة كردية,يشكل قاسما مشتركا, تلتقي عنده كل من: ايران ,العراق ,سوريا وتركيا,رغم ما بينها من خلافات كثيرة وعميقة ,بالاضافة للخلافات العميقة والتنافس الحاد بين القيادات السياسية والقومية الكردية,والاوضاع الاقتصادية لغالبية مناطق الاكراد التي توصف بانها مناطق فقيرة ,باستثناء كردستان العراق ,وعدم الوقوف على الرغبة الحقيقة للاكراد في كل دولة بالانفصال والانضمام للدولة الكردية المامولة,وفيما اذا كان يثق الاكراد بدعم حقيقي من المجتمع الدولي, وخاصة امريكا والدول الاوروبية. ولكن بالمقابل فان هناك عوامل تؤيد امكانية قيام هذه الدولة , وتحديدا في العراق وربما تمتد لاحقا الى مناطق الاكراد في اجزاء من شمال سوريا, فيما يستبعد تحقيق اجزاء من حلم الدولة القومية بالنسبة لاكراد تركيا وايران, في المدى المنظور, وابرز العوامل: نجاح تجربة الاقليم الكردستاني شبه المستقل في العراق,مقارنة مع ما تشهده اقاليم العراق الاخرى ,رغم الخلافات مع الحكومة المركزية في بغداد ,والادوار التي ادتها الاحزاب والتشكيلات العسكرية الكردية في العراق وسوريا ضد داعش(البشمركة بالعراق وقوات سوريا الديمقراطية), اذ ظهرت الحليف الابرزوالاكثر موثوقية لامريكا,بالاضافة لكون الحديث عن تقسيم سوريا,وبصرف النظرعن الصيغة التي سيتم بها ,كاحد ابرز سيناريوهات الحل لسوريا الجديدة,اصبح مقبولا ومتداولا في اوساط دولية بعد العراق, كما يشكل ضعف القرار العربي , بعد الربيع العربي,الذي كشف فيما كشف ,ان هناك دولا تسكنها غالبية من العرب,وان هناك قوميات اخرى ,وما نشأ في الاقليم من نزاعات مذهبية وقومية وانتعاش الهويات والانتماءات الفرعية الضيقة , مسوغا ,يجعل فكرة قيام دولة كردية اقل معارضة من السابق. وعلى اهمية معوقات ومقومات قيام دولة كردية ,في الاطارين المحلي والاقليمي, ربما تبدا نواتها في كردستان العراق, الا ان التغييرات في المنطقة والاقليم متسارعة ,وتجمع تقديرات استراتيجية على ان خرائط الدول في المنطقة لن تبقى كما هي اليوم , كما ان قرار حرمان الاكراد من دولتهم كان بتوافق دولي بعد هزيمة الدولة العثمانية وتقسيم المنطقة ,الامر الذي يعني انه وبصرف النظر عن اوضاع الاقليم, الذي اثبتت التطورات انه يتاثر اكثر مما يؤثر فيما يجري فيه, فان الدولة الكردية المامولة لن ترى النور الا بقرار دولي , وهو العامل الحاسم في اقامة هذه الدولة ,فهل حانت اللحظة التاريخية ليكّفر الغرب عن خطيئته(في السياسة ليس هناك خطايا ,هناك مصالح), ويمنح الاكراد نواة دولة, في اطار توافق دولي لمنح شعوب اخرى في المنطقة دولا, وهل تخدم التحالفات والصراعات الجديدة في الاقليم, وخاصة في الخليج العربي , بعد ازمة قطر مع جيرانها ,والتحالفات التي نشأت بعد الازمة ,الحلم الكردي,خاصة وان مركز القرار العربي اليوم في الرياض والقاهرة ؟ |
|||
5 |
سقوط داعش ماذا بعد؟
|
د. فهد الفانك
|
الراي الاردنية |
في وقت واحـد تقريباً توشك دولة داعش بفرعيها العراقي والسوري على الانهيار ، وتصبح ذكراها مجرد حاشية عابرة على هامش إحدى صفحات التاريخ ، ولتثبت مرة أخرى أن تاريخ الجنس البشري يعرف النكسات ولكن الاتجاه التقدمي يفرض نفسه على المدى الطويل حسب منطق التاريخ.
في الرقة -عاصمة الدولة المزعومة- تحاصر قوات سوريا الديمقراطية المدينة من جميع الجهات وتمنع الخروج منها تأكيداً لما ذكره الرئيس الاميركي من عدم السماح للإرهابيين بالخروج أحياء والعودة إلى بلدانهم الاصلية ، أو إلى أوروبا وأميركا لممارسة الإرهاب.
وفي الموصل تقول الحكومة العراقية أن إعلان الاستيلاء الكامل على المدينة سيتم خلال أيام.
وفي الأراضي الواسعة التي كانت تخضع لنفوذ داعش في غرب العراق وشرق سوريا ، تقول التقارير أن داعش تفقد يومياً نسبة متصاعدة من الأراضي التي كانت تشكل جزءاً من مساحة دولتهم.
في الحالتين نستطيع أن نلمس اليد الأميركية ، إذ يبدو أن أميركا أخذت قرار القضاء على داعش ، وأكدت الإرادة بتنفيذ هذا القرار بسرعة ، وبالرغم من مقاومة بعض الحلفاء وخاصة تركيا.
مقاتلو سوريا الديمقراطية ليسوا أكثر من جنود (مرتزقة) لدى أميركا ، فهي التي تجندهم ، وتدربهم ، وتسلحهم وتمولهم ، وتحميهم من تركيا ، وترسم خططهم ، وتقدم لهم الغطاء الجوي.
وفي جبهة الموصل هناك أكثر من ألف جندي وضابط أميركي من القوات الخاصة ، يشاركون بطريقة أو باخرى في المجهود العسكري بشكل مباشر.
يبقى عدم المبالغة في النتائج الإيجابية لهزيمة دولة الإرهاب ، فالموصل التي سوف يستردها الجيش العراقي والحشد الشعبي ليست مدينة الموصل المعروفة ، وثاني أعظم مدن العراق ، بل حطام مدينة: مساكن مهدمة وبنية تحتية معدومة.
كذلك فإن الرقة التي ستعود مدينة سوريا محررة ستكون في الواقع أطلال مدينة مدمرة.
ومع ذلك كله فإن المشكلة الأهم هي الإجابة على السؤال: ماذا بعد ، إذ لا يبدو أن لدى أميركا خطة جاهزة للتحرك بعد أن تتم هزيمة داعش.
هل سيكون النظام السوري هو الهدف القادم كما يشير اتهامه بأنه يستعد للقيام بضربة كيماوية!! أم سيكون الهدف هو الوجود الروسي وأنصاره ، كما يدل إسقاط الطائرة السورية وهي تحت غطاء روسي.
تحرير الرقة والموصل ليس نهاية بل بداية مرحلة جديدة لا تقل خطورة.
|
|||
6 | احتدام الصراع على تركة “داعش؟”!
|
ماجد توبة | الغد الاردنية |
مع تضييق الخناق على تنظيم “داعش” في الموصل والرقة، واقتراب نجم هذه العصابة الارهابية من الأفول في “عاصمة خلافته”، الرقة، يحتدم صراع آخر، لا يقلُّ ضراوةً بين الأطراف الدولية والاقليمية المتصارعة على الأرض السورية، لتقاسم تركة “داعش” بأراضيه الشاسعة في سورية، ميدانها الرئيسي البادية الشرقية والحدود العراقية السورية.
التوتر يحتدم والتصعيد حدّ سياسة “حافة الهاوية” يلفُّ الأجواء الملتهبة أصلا بين الولايات المتحدة وحلفائها على الأرض من جهة، وروسيا وحلفائها من جانب آخر، وهدف كل طرف هو السيطرة على الاراضي التي يتم تحريرها من “داعش” والسيطرة على الحدود العراقية السورية، وسط محاولة سورية رسمية وبدعم إيراني إلى ضمان ممر بري عبر تلك الحدود وسعي أميركي مستميت إلى منع مثل هذا الممر. ورغم تعدد التهديدات الأميركية وتواليها، وإرفاقها بتعزيزات عسكرية في الجو وعلى الأرض (معبر وقاعدة التنف)، يبدو القرار عند الطرف الآخر قد اتخذ استراتيجيا لإعادة سيطرة الجيش السوري على أكبر مساحة ممكنة من البادية والحدود، مع تحمل مغامرة الاصطدام المباشر مع القوات الأميركية، والذي يفتح من جانبه على احتمالات الاشتباك الأميركي الروسي المباشر، رغم حرص هذين الطرفين على عدم حدوث ذلك. الراهن، أن الولايات المتحدة التي عملت، مع حلفاء لها، من بعيد على تدريب وتسليح تنظيمات سورية مسلحة، لمواجهة “داعش” من جهة والجيش السوري وحلفائه من جانب آخر، باتت اليوم أقرب إلى التورط المباشر في الأزمة مع تقدم الجيش السوري واندفاعه بقوة لإعادة السيطرة على الجغرافيا السورية، خصوصا في ظل ما تراه الولايات المتحدة من تعزيز لحليفة دمشق، إيران، لحضورها وقوتها في المشهد السوري، وحالة “السلام البارد” بين تركيا وأميركا في ظل دعم الأخيرة لأكراد سورية كرأس حربة في مواجهة فلول “داعش”. عملية عض الأصابع بين الطرفين المتنازعين وسياسات القضم المتبادل على الأرض مرشحة لتصعيدات أخرى، فيما تتراجع على الأرض قوة وحضور التنظيمات المعارضة المحسوبة على الولايات المتحدة في الجنوب والبادية السورية، أمام تزايد قوة الجيش السوري وحلفائه من جهة وأمام تصدر جبهة النصرة لقائمة الأقوياء في تلك المنطقة من جهة أخرى. وفيما تبدو الحكومة السورية وحلفاؤها واضحي الرؤية في استراتيجيتهم باستعادة السيطرة على الأراضي التي يخرج منها “داعش” والتنظيمات الأخرى وتأمين طريق استراتيجي يربط العراق بسورية، حيث استعاد هذا المحور زمام المبادرة وجند مقومات القوة لتحقيق ذلك، تبدو السياسة الأميركية بلا استراتيجية متكاملة أمام مثل هذا التحدي، وإن حاولت مؤخرا وضع خطوط عامة وحمراء لمثل هذه الاستراتيجية، تؤكد على رفضها إقامة مثل هذا الممر المنشود سوريا وإيرانيا، لكنها بالمحصلة خطوط عامة قابلة للكسر في ظل أي تسويات وتفاهمات مع روسيا، التي توفر المظلة الأهم، وغير الممكن تجاوزها، لاستراتيجية الحكومة السورية وحليفها الإيراني. الثابت حاليا، أن وقوف “داعش” على حافة النهاية والأفول وترك انسحابه لفراغات جغرافية واسعة في الأرض السورية المنكوبة بالحرب الأهلية وصراع الاجندات، يشير إلى فتح صراعات وتصعيدات أخطر في ربع الساعة الأخير للاستحواذ على تركة هذا التنظيم، والتأسيس ليس فقط لمعادلة جديدة للمشهد السوري بل لمعادلات جديدة تطال مستقبل المنطقة والإقليم كله.
|