خمس مقالات عن العراق بالصحف العربية اليوم الاثنين

1 «داعش» يتقلص عسكريا وليس فكريا

 

عبدالله الأيوبي

 

 

اخبار الخليج البحرينية
 

 

الهزائم العسكرية الكبيرة التي تلاحق تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وخاصة في معاقله الرئيسية في كل من العراق وسوريا تعطي مؤشرات كبيرة على أن هذا التنظيم، أو بعبارة أدق، هذه الظاهرة المصطنعة الخطيرة، في طريقها إلى الأفول من ناحية الوجود العسكري العلني في مناطق شاسعة من الأراضي في البلدين المذكورين، حيث شهدت واحدة من كبريات مدنهما (الموصل العراقية) قبل ثلاث سنوات إعلان قيام «دولة الخلافة»، وهي نفس المدينة التي تلقى فيها التنظيم المذكور أكبر ضربة عسكرية بعد أن استطاعت القوات العراقية تخليص المدينة من سيطرة عناصر هذا التنظيم، بمساعدة قوى إقليمية ودولية.

 

في موازاة خسائر هذا التنظيم الفادحة في العراق، فإن «داعش» في طريقه أيضا إلى خسارة معقل مهم من معاقله في سوريا وهو مدينة الرقة التي يتخذها التنظيم عاصمة له، حيث باتت هذه المدينة قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي معارضي هذا التنظيم وحلفائهم، وهو ما يعني أن ضربتين في الراس موجعة جدا، وخاصة إذا كانت الضربتان من العيار الثقيل.

 

صدر مؤخرا تقرير أعدته مجموعة المحللين التابعة لمنظمة الخبراء الدولية، قدم رصدا دقيقا مرقما بالخسائر التي تكبدها تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث يشير التقرير إلى أن التنظيم «فقد سيطرته على 60% من الأراضي التي كانت تخضع له على مدى 3 سنوات من تاريخ إعلان إنشاء (دولة الخلافة)، فبينما كان يسيطر في 2015 على 90.8 ألف كيلومتر مربع، بينما، في يونيو 2017. لم يبق تحت سيطرته سوى 36.2 ألف كيلومتر مربع حتى شهر يونيو من العام الحالي». ويذهب التقرير إلى أن «الأعمال الفعالة الهادفة إلى وقف قنوات تمويل الإرهابيين أدت إلى انخفاض حجم إيرادات «داعش» بشكل ملحوظ، حيث بلغ حجم إيرادات التنظيم 16 مليون دولار شهريا في 2017. فيما وصل مبلغ الإيرادات في 2015 إلى 81 مليون دولار في شهر واحد.

 

مع أن معدي التقرير رجحوا أن «يتفكك التنظيم قبل انتهاء العام الحالي»، إلا أنهم ذهبوا إلى استنتاج مفاده أن هزيمة «داعش» العسكرية لا تؤثر على آراء أنصار التنظيم، وأن يحفز فقدان السيطرة على الأراضي «داعش» إلى تنشيط شن هجمات إرهابية في الخارج»، وفي هذا الاستنتاج والتوقعات كثير من الصحة، فهذا التنظيم الإرهابي، ورغم سيطرته على مناطق شاسعة من الأراضي في كل من العراق وسوريا، والتبجح بقيام ما اسماها «دولة الخلافة»، فإن هذا التنظيم لم يتوقف عن القيام بالأعمال الإرهابية في العديد من الدول، سواء العربية أو الإسلامية وكذلك الدول الأوروبية.

 

تنظيم «داعش» الذي ظهر إلى العلن وأعلن قيام «دولته» قبل ثلاث سنوات، لم يأت من العدم، فهو ليس سوى نسخة أخرى من نسخ «داعشية» ظهرت على فترات وفي أكثر من بلد وانتشرت ونفذت العديد من الجرائم الإرهابية، وإن كانت تحت تسميات وعناوين مختلفة فهي لا تختلف من حيث السلوك والنهج عن «داعش»، وهذا التنظيم المسمى اختصارا بــ«داعش»، خرج من نفس الرحم الذي خرجت منه تلك التنظيمات الإرهابية الأخرى، ورغم «اختفاء» وتقلص أنشطة بعض من تلك التنظيمات مثل «القاعدة» وغيرها، فإن الأفكار التي اتكأت عليها في أنشطتها المختلفة ما زالت منتشرة في أكثر من ساحة ومحيط اجتماعي وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي، وحتى العديد من البلدان الأوروبية. فالخطاب، أي الغذاء الفكري لهذه التنظيمات لم يختف ولم تخفت نبراته.

 

عسكريا، لا يمكن لتنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية أن يصمد طويلا في وجه هذه الجهود الكبيرة والجبارة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية التي شمرت عن أذرعها وطوعت مختلف قواها العسكرية والأمنية والمالية، للتصدي لهذه الآفة الخطرة التي جاهرت بعدائها للجميع، بما في ذلك تجاه أولئك الذين غضوا الطرف عن جرائمها التي ترتكبها في بلدان مثل العراق وسوريا، فهزيمة «داعش» عسكريا هي مجرد وقت، ووقت ليس بطويل، فالضربات الكثيرة والعنيفة والمؤثرة أنهكت جميع قواه، وأن توقعات انهياره مع نهاية هذا العام، هي توقعات دقيقة وصائبة، لكن الانهيار العسكري شيء والاستمرار في الوجود والتأثير شيء آخر.

 

من هذه النقطة، أي من ساعة الهزيمة العسكرية الكاملة لتنظيم «داعش» تبدأ مرحلة أخرى في الصراع مع الإرهاب بجميع أشكاله وألوانه، فالعالم بحاجة إلى مواصلة جهود التصدي لكل أشكال الإرهاب، بنفس العزيمة والقوى التي تصدى بها عسكريا لما يعرف بــ«داعش»، فطالما استمرت الخطابات المتطرفة، السياسية منها والدينية، فإن العالم لن يتمكن من اجتثاث الإرهاب اجتثاثا كاملا وحقيقيا، فالإرهاب العنفي ليس سوى الجنين الشرعي للإرهاب الفكري، ومثلما استمرت هذه الخطابات في إنجاب نسخ «داعشية» مختلفة الاسماء، فإنها ستستمر في ذلك طالما أن هناك حواضن تأويها ومناخات ملائمة تنتشر عبرها وتتوسع، هنا يكمن السؤال عن طبيعة الخطوة القادمة.

2 وظيفة ‘داعش’ عراقيّا وسوريّا

 

خيرالله خيرالله

 

 العرب بريطانيا
الحاجة لا تزال قائمة إلى داعش في سوريا، فيما أتم داعش في العراق المهمة التي وجد من أجلها، أي تدمير الموصل وتهجير أهلها وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها وتغطية ممارسات الحشد الشعبي.

 

 

مثلما ظهر “داعش”، اختفى “داعش”، أقلّه في العراق وذلك في انتظار يوم قريب لا يعود له وجود في سوريا. ظهر في العراق في مثل هذه الأيّام من العام 2014، عندما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء. سيطر على مدينة الموصل التي تعتبر ثاني أكبر المدن العراقية معتمدا على عدد محدود من المقاتلين، فيما كان آلاف الجنود العراقيين في المدينة.

 

تفكّك الجيش العراقي الجديد، أي جيش ما بعد 2003، وهرب من المعركة من دون سبب منطقي. وسقطت الموصل التي كانت تشكل حاضرة من حواضر العراق.

 

لعب “داعش” كلّ الأدوار المطلوبة منه بهدف تشويه الإسلام، أكان ذلك في سوريا أو في العراق وفي أنحاء مختلفة من العالم. كلّ ذلك من أجل تصوير النظام السوري بأنّه يقاتل الإرهاب.

 

الأهمّ من ذلك، برّر وجود “داعش” التدخل الروسي وقبله الإيراني في سوريا وشوّه إلى حد كبير ثورة الشعب السوري الذي لا بدّ أن ينتصر يوما على كلّ الذين دخلوا في حرب معه بعدما انتفض في العام 2011 على “سوريا الأسد” من أجل استعادة بعض من كرامته.

 

فجأة، بقدرة قادر، استطاع الجيش العراقي بدعم من “الحشد الشعبي” استعادة الموصل. سيأتي يوم تظهر فيه كلّ الحقائق وتروى كل تفاصيل سقوط الموصل واستعادتها، لكن الثابت في المشهد أن المدينة دمّرت وسكانها صاروا في عداد المهجّرين بعدما أدّى “داعش” الدور المطلوب منه. إنّه في الواقع الدور الذي خلق “داعش” من أجله، لا أكثر.

 

ليس بعيدا اليوم الذي سينتهي فيه “داعش” في سوريا بعد تأدية الدور المطلوب والذي وجد أصلا من أجله. سيخرج “داعش” من الرقّة. سيرسم الأكراد الذين قاتلوه بدعم أميركي شارة النصر.

 

يبدو واضحا أنّ “داعش” لم يظهر صدفة، كما لم يختف صدفة. الأكيد أن هناك من سيخلف “داعش” في مناطق أخرى من العالم وفي ظلّ أسماء أخرى مختلفة تصبّ كلّها في سياق تنفيذ مخطّط مدروس بدقة.

 

هذا مخطط مدروس إن لجهة تبرير وجود النظام السوري، علما أن هذا النظام صار في مزبلة التاريخ، أو لجهة الانتهاء من الموصل تنفيذا لعملية تصبّ في تغيير طبيعة العراق والانتهاء من مدنه الكبيرة مثل البصرة وبغداد والموصل أخيرا وليس آخرا في طبيعة الحال.

خراب داعش مقدمة لخراب أكبر

 

هناك وظيفة لـ”داعش” الذي صنعته في الأصل إيران والنظام السوري عندما أخرجا آلاف المتطرفين من سجون سوريّة وعراقية. خلف “داعش” تنظيم “القاعدة” وتفوّق عليه في كل ميدان من ميادين الإرهاب والوحشية وصولا إلى تبني عمليات دهس مواطنين أبرياء في مدن أوروبية في توقيت معيّن مرتبط إلى حدّ كبير بما يــدور في سوريا من أحداث يقف وراءها النظــام والذين يدعمونه.

 

استُخدم “داعش” أفضل استخدام في تغطية جرائم النظام السوري الذي كان في حاجة ماسة إليه عندما ظهر في تدمر ودمّر آثارها وعندما انسحب من تدمر كي يمكن القول إن النظام لا يزال قادرا على القتال وإنّه ليس أسير الميليشيات المذهبية التابعة لإيران ولا سلاح الجو الروسي الذي حال دون سقوط الساحل السوري في خريف العام 2015.

 

تبيّن مع مرور الوقت أنّ هناك وظيفة عراقية وأخرى سوريّة لـ”داعش”. سبقت الوظيفة السورية الوظيفة العراقية، لكن ما لا يمكن الاختلاف في شأنه هو أنّ الحاجة لا تزال قائمة إلى “داعش” في سوريا، فيما أتمّ “داعش” في العراق المهمّة التي وجد من أجلها، أي تدمير الموصل وتهجير أهلها وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها وتغطية ممارسات “الحشد الشعبي” التي هي في مستوى ممارساته والوجه الآخر لها.

 

بعيدا عن كلّ الأحداث الكبيرة التي رافقت ظهور “داعش”، هناك ملاحظات قليلة لا مفرّ من إيرادها عن ظاهرة تحمل هذا الاسم. ترتبط الملاحظة الأولى بظهور “الحشد الشعبي” في العراق.

 

هناك ميليشيات عراقية منبثقة عن أحزاب مذهبية تابعة لإيران استغلت ظهور “داعش” في الموصل لتعلن عن قيام “الحشد الشعبي”. لم يكن من مبرّر لقيام “الحشد” لولا “داعش”.

 

كانت الحاجة إلى ممارسات “داعش” وإرهابه كي يجد “الحشد” مبررا لما قام به. الأهمّ من ذلك كلّه، مرّت عملية إيجاد شرعية لـ”الحشد الشعبي” بسهولة في ضوء ما ارتكبه “داعش” الذي صار مطلوبا الانتقام منه.

 

في الواقع، لم يكن مطلوبا الانتقام من “داعش” بمقدار ما أنّه كان مطلوبا الانتقام من أهل الموصل ومن المدينة نفسها بحجة أن هناك حاضنة لـ”داعش” في الموصل هي بقايا الجيش العراقي الذي حلّه المندوب السامي الأميركي بول بريمر بعد احتلال العراق في العام 2003 وأسس في موازاة ذلك لنظام قائم على المحاصصة الطائفية مع تركيز على تهميش السنّة العرب وإذلالهم، عن سابق تصوّر وتصميم.

 

لولا “داعش” لما كان ممكنا تشكيل “الحشد الشعبي” الذي هو الوجه الآخر لهذا التنظيم الإرهابي السنّي. بفضل “داعش” صار طبيعيا أن يقود معارك الموصل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني.

 

بفضل “داعش” صار كلّ شيء مقبولا في العراق، بما في ذلك أن تحلّ ميليشيات مذهبية مكان الجيش العراقي.

 

أبعد من ذلك كلّه، قضى “داعش” على الحدود بين سوريا والعراق كدولتين مستقلتين. سار على خطى “حزب الله”، الميليشيا اللبنانية التابعة لإيران بصفة كونها لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

 

عزّز “داعش” النظرية القائلة إن الرابط المذهبي يتجاوز سيادة الدول والحدود المعترف بها دوليا.

 

تدخّل “حزب الله” في سوريا من منطلق مذهبي ليس إلّا. ارتبط “داعش” سوريا بـ”داعش” العراق، من منطلق مذهبي أيضا. وُجد من يستغل ذلك لتكريس واقع جديد في الشرق الأوسط. تقف إيران وراء هذا الواقع المتمثّل في أن المذهب هو الرابط برّا وجوّا.

 

استند الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في خطابه الأخير في مناسبة “يوم القدس”، وهو “يوم خطف القدس” من قبل إيران، ليقول إنّه إذا هاجمت إسرائيل لبنان “ستفتح الأجواء” لعشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كلّ أنحاء العالم العربي والإسلامي من العراق وإيران واليمن وأفغانستان وباكستان ليكونوا شركاء في هذه المعركة”.

 

كان يشير إلى احتمال تدفق مقاتلين شيعة من كلّ العالم على لبنان وكأنّ لبنان لا يكفيه ما يعانيه من السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله” ومن دخول الحزب في حرب على الشعب السوري.

 

ماذا بعد معركة الموصل؟ ليس الموضوع موضوع “داعش” الذي انتهى. من سيخلف “داعش” هو الموضوع. أدّى “داعش” المطلوب عراقيا. صار “الحشد الشعبي” مؤسسة شرعية في العراق.

 

السؤال الآن كيف سيُستخدم “داعش” سوريا. المهمّة السورية لـ”داعش” لم تنته بعد. الشيء الوحيد الثابت أنّها كانت مهمّة إيرانية فاشلة بمشاركة النظام السوري.

 

لن ينقذ “داعش” النظام السوري كما كان مخططا لذلك. لكنه ساعد في المقابل في تكريس “الحشد الشعبي” ليكون جزءا لا يتجزّأ من المعادلة السياسية في العراق مع ما يعنيه ذلك من أسئلة في شأن مستقبل حيدر العبادي.

 

ما الذي سيفعله رئيس الوزراء العراقي بعد الموصل؟ هل يستطيع إثبات أن الجيش العراقي لا يزال موجودا.. أم عليه الاستسلام نهائيا لـ”الحشد”، أي لإيران؟

3   تحرير الموصل.. تحرير جيش العراق

 

 د. ياس خضير البياتي   العرب
درس تحرير الموصل هو تحرير الجيش من ثقافة الولاءات الطائفية والقومية إلى ثقافة الولاء للوطن.

أيام قليلة تفصلنا عن تحرير الموصل، وأيام معدودة يكتب لجيش العراق وفتيته الأبطال تاريخ جديد هو امتداد لبطولاته في كل الأزمان والأماكن التي سطرها في تاريخه المجيد، وهو الجيش الذي لا يراد له أن ينتصر، لأن هناك في الخفاء بديلا يخطط له لأخذ مكانته قسرا.

 

ما يهمني القول إن هؤلاء الفتية وقادتهم، سيعيدون كبرياء الجيش وشموخه ببطولاتهم الخيالية وتضحياتهم الشريفة ونبلهم الإنساني ورقيهم في تعاملهم مع الأهل ونكرانهم للذات، وهم يواجهون التخلف ويدافعون عن عراقيتهم بشيم الأهل والحضارة والتاريخ.

 

ما نشاهده اليوم في الموصل من مشاهد بطولية وإنسانية، تعكس حقيقة وتاريخ هذا الجيش وأفعاله ومواقفه ومعاركه الوطنية مع الأجنبي التي ترسّخت في أذهاننا عبر مختلف العصور، وهي بطولات لفتية نجباء من أهل العراق ومدنه كافة هدفهم إنقاذ العراق من جرثومة داعش الإرهابي، ومناصرة إخوتهم من أهل الموصل ليمتزج الدم الجنوبي مع الدم الموصلي ويكوّن “هيموغلوبية” عراقية تساعد في الحفاظ على الشكل الطبيعي لعلاقات أبناء الوطن الواحد. وهو الأمر الذي لا يسرّ من حلّ الجيش العراقي سابقا، ومن يحاول إضعافه اليوم.

 

لم يكن بريمر غبيا، ولا إدارته، في حل الجيش العراقي عام 2003، لأنه يعرف جيدا أن هذا الجيش تأسس على عقيدة رصينة، وولاء وطني راسخ في جذور أرض الأنبياء وثقافة عروبية، فكان القرار الأول من أجل إنهاء الدولة العراقية كاملة لنشر الفوضى وتفتيت النسيج الاجتماعي وتشجيع ظهور الميليشيات الطائفية والقومية لخلق الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.

الجيش واستعادة المكانة

 

كما لم يكن المالكي غبيا في إضعاف الجيش، حينما أدخل تقاليد ممسوخة وقبيحة لنظام العسكرية وتقاليدها المعروفة، حيث ادخل الآلاف من حزبه من المدنيين ليمنحهم رتبا عالية تحت مسميات عديدة، وأبعد الكثير من العسكريين المهنيين تحت يافطة اجتثاث البعث.

 

ولعل أخطر ما فعله هو التشجيع على إنشاء ميليشيات طائفية لتكون بديلا حقيقيا عن الجيش العراقي، بل إنه حاول أن يقلل من قيمة وكبرياء هذا الجيش عندما حاول أن يصنع له مكائد في ميدان المعارك، تجعله في مهب النقد والتساؤلات لإضعاف معنوياته.

 

ولعل نكسة العاشر من يونيو عام 2014، وهي سقوط الموصل، تبقى إحدى المكائد التي كان يراد منها تدمير العراق وتقزيمه وتدمير جيشه، حيث كان السقوط السريع بفعل فاعل لأن هناك من أصدر أمر الانسحاب لقادة عسكريين ومن المالكي نفسه فضاعت الموصل واصطبغت شوارعها ومساجدها وكنائسها بالدم المسفوح والتراث المهدور والمباح بيعا، وبالتقطيع للرموز والتماثيل الكبيرة.

 

ليس من المعقول اليوم أن يساهم البعض تحت مسميات وحجج واهية وقصر نظر وثقافة طائفية وقومية في تهديم مؤسستنا العسكرية ورجالها وقادتها وهم قادة الجيش العراقي السابق، مثلما ساهم المحتل الأميركي والطائفيون من ساسة العراق بتدمير وتشويه سمعة جيش العراق، وهو جيش الدولة العراقية.

 

أقول ليس من المنطق والمعقول تشويه النصر بتصورات أيديولوجية سقيمة ورؤى طائفية ضيقة بحدود الطائفة وتبرير الأفعال بأفعال الجاهلية وتضخيم بعض أحداث الموصل المؤسفة وكأنها هزيمة للجيش وتصوير المنازل القديمة المهدمة اضطرارا، وكأنها معركة طائفية بامتياز.

 

والعكس فمن الجانب الآخر من يتصور أن معركة الموصل بين “الحسين ويزيد”، أو هي منة لطائفة على طائفة أخرى، أو أنها معركة ضد أهل الموصل الدواعش لأننا بهذه الأفعال والأقاويل العبثية نقتل روح النصر في قواتنا ونؤسس لثقافة الحقد والتبرير، ونعطي الفرصة للآخرين أن يشمتوا بالجيش ورجاله، ويقزموا دوره الوطني.

 

لا يهمني ما يقال، لأنني أعرف أن البعض من الجانبين ينظر من ثقب إبرة، وهذا الثقب يجعل من المشهد بحجم هذا الثقب الضيق، فالرؤية الطائفية والقومية عند البعض تجعل من هذا الجيش وكأنه ملك للطوائف والقوميات حصرا وليس للوطن، والرؤية السياسية الضيقة تنظر لها وكأنها حامي السلطة، بحيث ينتهي الولاء للوطن وتموت الوطنية تحت رماد العبثية السياسية والطائفية.

 

إن اختلافنا مع العملية السياسية الفاسدة ومنهجها الإقصائي ونزوعها الطائفي لا يفسد من الوقوف بقوة مع جيش العراق، وهو يدافع بدمه الغالي عن وجودنا ومستقبلنا أمام أشرس عدو متخلف وهمجي دمر مدننا وآثارنا وأعدم الآلاف من أهالينا من كل الطوائف والأديان. وهي رؤية نابعة من أن تقوية جيش العراق هي بمثابة قوة حقيقية للعراق الذي هو وطن الجميع، والحفاظ على وحدته، وتفويت الفرصة لإنشاء جيش طائفي مواز له، وبديل عنه، مثلما هو أمل العراقيين لتغيير خارطة الحياة السياسية، وتثوير الواقع المظلم إلى واقع عراقي مشرق.

 

نعم.. إن درس تحرير الموصل هو تحرير الجيش من ثقافة الولاءات الطائفية والقومية إلى ثقافة الولاء للوطن.

4  التحية للمقاتل العربي  زهير ماجد

 

 

 الوطن العمانية
 

 

هنيئا للأمة، صار لديها مقاتلون أشداء، بل كان لديها مثل هؤلاء وأكثر لكنهم لم يعطوا الفرصة لترجمة حضورهم، فقد كانت الجيوش العربية تعيش في المكاتب، تنفذ أمورا ادارية، برغم شعاراتها البراقة التي كانت تقول بتحرير الأرض وفلسطين. اليوم قدم الميدان جنديا عربيا يمارس جنديته بكل تقنية وإرادة قتال وشجاعة ومهارة .. لم يعد يخاف من حصول نكبات جديدة، رغم ان إسرائيل مازالت موجودة، وأن الوعد بزوالها قائم دون موعد، ولهذا فرصه الجديدة التي تريد أن تؤمن للكيان العبري بقاءه في المنطقة. اليوم نرفع رأسنا بهذا الجندي والمقاتل العربي الذي كنا نعرف قدراته المعطلة .. لقد كان بطلا في الجزائر إبان التحرير، وفي مصر كان، وفي المقاومة الفلسطينية، وفي المقاومة اللبنانية، وفي تحرير العراق من القوات الأميركية …. وفي اليمن .. اليوم مصانع الرجال تقدم الدليل على عظمة أمة ..

إذا قلنا عن تجربة القوات العراقية في الموصل، فنحن امام أعقد الحروب وأكثرها صعوبة .. يوم جاء التصميم تغيرت معادلة الجيش وتبدلت .. المقاتل جاهز، لكن القرار لم يكن جاهزا. الإنسان المضحي مستعد ويقوله بأعلى صوته، إلا أن المسؤول أغلق أذنيه ونام وارتاح.

هاهي الموصل تقدم الدليل على جيش يمارس الحرب ويتعلمها في الحرب كما يقول جيفارا ، ” فما هم إن وجدنا بعدنا من يحمل السلاح ويواصل الكفاح … فنحن لانموت “والكلمات أيضا لجيفارا. أولئك المقاتلون العراقيون قاتلوا أقوى جيوش العالم في العراق وهزموه .. قتلوا الآلاف منه، وانتحر المئات من الأميركيين، وجنت أعصاب الآلاف.

من يقرأ إسرائيل عن الجيش السوري، يعرف أين وصل هذا الجيش .. يقول الإسرائيلي إنه بات يحسب ألف حساب للجيش العربي السوري .. هنالك مهارة قتالية وهنالك تدريب بأشكال مختلفة، هنالك خوض لمعارك حية وباللحم الحي، هنالك انسان جندي ممتليء عافية يتقدم وسط أصعب الظروف، تقوده خبرة الميدان، وقد يكون يتهيأ لحروب قادمة ايضا على جبهات عدو تاريخي لكي لاتنسى فلسطين، ولكي يبقى لها إرثها والحبل السري الممدود لها . يقاتلون اليوم من اجل هدف يصل إلى الهدف الأكبر، تتحرر المساحات الكبرى في الوطن السوري، من اجل ان يكون الغد تحريرا لقلب العالم العربي ، فلسطين.

كلنا نتابع حروبنا السورية والعراقية وننسى أن ثمة مقاتلا عربيا هو من يصنع هذا كله، أحد الأصدقاء أكد لي انه حين سيزور دمشق ويلتقي باول جندي سوري قاتل على الجبهات، سيقوم بتقبيل قدمه وحذائه المعفر بتراب سوريا. ويصح في هذا الزمن الذي يرسمه المقاتلون العرب ماقاله الشاعر العربي سليمان العيسي” الآن ابتديء النزال بأمتي /وتشع دنيا كالضحى عرباء” ، أو كما قاله الشاعر محمود درويش وهو يروي حسا بطوليا عربيا بقوله “في اليوم اكبر عاما في هوى وطني / فعانقوني عناق الريح للنار”.

أعرف أولئك الأبطال المقاتلين العرب فردا فردا دون ان أراهم، فما يفعلونه على الجبهات وفي المعارك يجعلني ارى وجوههم والمس أيادهم التي تطلق النار، وعيونهم التي تلاحق سير المعركة وفلول العدو، ووراء عيونهم بصيرة نحو المستقبل، هو من اجلها يفعل هذا الفعل ليكون جسده جسرا ممدا له.

” فمن قاسيون ومن بغداد اطل ياوطني العربي لأعانق التاريخ والعرب”.

 5  

رسالة الإرهابيين من المسجد الحرام إلى «النوري بالموصل»

 

       أحمد المرشد

 

    الايام البحرينية
 

 

شاء السميع القدير أن ينجي معتمري بيت الله الحرام في الساعات الأخيرة من رمضان المبارك من كارثة محققة، فقد أرادت مشيئة المولى عز وجل انقاذ هؤلاء، بل وأن يكتب لغيرهم صلاة عيد الفطر بأمن وأمان في رحاب المسجد الحرام، وللأسف لم تمنع رحمة رمضان ومغفرته، أحفاد الشيطان من ارتكاب أبشع أنواع الإرهاب وهو إرهاب المصلين والمعتمرين بالمخالفة لتعاليم الإسلام، فأي إسلام يدين هؤلاء الحمقى الذين لا دين لهم سوى القتل والتعذيب وإزهاق الأرواح، مسلمين ومسيحيين، فأصبحنا نعيش حالة من الإرهاب في كل بقاع الأرض تقريبًا، ولم تعد هناك دولة في أي مكان من المعمورة بمنأى منه، وكان أخطرها هو إرهاب المسجد الحرام لولا رحمة الله بالمصلين وأهل المدينة السمحة التي قال عنها رسول الله أنها أكثر مدن الأرض قربًا الى قلبه، فلماذا لم يتأسَ هؤلاء الإرهابيون بقول نبينا الكريم عليه أفصل الصلاة والسلام؟ ولماذا لا يقيمون شرع الله الذي حرم قتل النفس؟ فهل هؤلاء لا يعلمون أن من قتل نفسًا بغير حق كمن قتل الناس جميعا؟ وأين هؤلاء من الإسلام والدين الحنيف بريء منهم ومن أفعالهم وتصرفاتهم؟

لقد أصاب خادم الحرمین الشریفین الملك سلمان بن عبد العزیز الحقيقة، عندما قال إن العالم یعاني من الإرهاب بشتى أصنافه وجمیع ألوانه وأنماطه، باعتباره آفة هذا العصر، بما نتج عنه من فساد للسكینة والسلام اللذین كانا یخیّمان على المجتمعات الآمنة. نعلم جميعا أن جل اهتمام ملوكنا حفظهم الله هو أن يسود الأمن والاستقرار بلادنا والعالم بأسره. لكم كنا نتمنى أن يهل علينا العيد السعيد ونحن تغمرنا مشاعر الفرح والسرور، بعد أن من الله علینا بإتمام صیام شهر رمضان المبارك، وقیام لیالیه، والتزود بما فیه من فرص عظیمة، وبعبادة اختصها الله سبحانه وتعالى بالأجر الجزیل والثواب العظیم، وذلك لقوله صلى لله علیه وسلم، فیما رواه عن ربه (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

ورغم أن المولى شرع لنا الأعياد لنفرح فيها، إلا أن ثلة من البشر وللأسف يحسبهم العالم على الإسلام، أرادوا عكس ذلك لأن العيد فرصة للتواصل والسعادة وبث روح التسامح والألفة والتكافل بين فراد المجتمع الإسلامي، فیجود فیه الغني على الفقیر مما أنعم الله علیه من فضل، ویصفح المظلوم عمن ظلمه، ویصل ذو الرحم رحمه، ولكن هؤلاء يحاولون فرض رؤيتهم علينا لإرهابنا وزعزعة استقرارنا.

وإذا عدنا لحادث مكة الإرهابي، فقد عشنا لحظات مؤلمة حقًا لولا ما كشفت عنه وزارة الداخلية السعودية ليلة وقفة عيد الفطر من أن قوات الأمن أحبطت عملاً إرهابيًا كان يستهدف أمن المسجد الحرام ومرتاديه. ونحمد الله أن الكشف عن العملية أعقب القبض على الجناة لأن التخطيط كان دقيقًا لأيقاع أكبر قدر من الضحايا، حتى أن أحد الإرهابيين الانتحاريين اضطر لتفجير نفسه بعد تشديد الخناق عليه لتسليم نفسه، وللأسف دخل على خط الإرهابيين السيدات بعد أن كن مثالاً للرحمة، ولكن قادة الإرهابيين نجحوا في استمالة المرأة لتساعدهن في العمليات الإرهابية القذرة التي تزهق الإرواح بلا حق.

لقد أراد الإرهابيون تبديل شرع الله، وبدلاً من أن يتفرغ المصلون والمعتمرون لأداء فرائض الله وشعائره، يتفرغون للالتفات يمينًا ويسارًا خشية أن يكون الذي بجانبهم شخصًا انتحاريًا، بعد أن كان مجرد دخولنا للمسجد الحرام يجعلنا نشعر بالراحة والطمأنينة، والخشية من أن البعض لم يعد يحترم المناسبة الدينية. فبأي حق أن يدخل المعتمر بيت الله الحرام بملابس الإحرام ثم يلقى حتفه وهو يطوف بالكعبة المشرفة أو خلال السعي بين الصفا والمروة، لتتحول لحظات الهدوء النفسي والروحانيات الى فوضى وغضب ودماء على أرض الحرم.

ومن المسجد الحرام الى مسجد النوري بمدينة الموصل، أحد أشهر المساجد التاريخية بالعراق الذي لم ينجُ من وحشية الذين يلتحفون زورًا بالإسلام لتحقيق مآربهم الخبيثة، فلم يتورع الإرهابيون أنصار خليفة الشيطان أبو بكر البغدادي من تفجير المسجد الكبيرالذي یعود تاریخ بنائه الى 850 عامًا مضت بمنارته الحدباء الشهیرة، ولم يتورعوا عن الحاق الأذى بالموقع الأثري الهام بالعراق، فهم لا يرون أي قيمة تراثية للمسجد ولا المنطقة التاريخية المقام بها، فكل ما فعلوه في الماضي في العراق وسوريا هو تدمير التراث الديني والثقافي. فقد حولوا كل مقتنيات المدينة الى أنقاض وركام وجثث متناثرة هنا وهناك ورائحة العفن المنبثعة من كثرة جثث القتلى المتراكمة نتيجة أعمال القتل والتفجير والتفخيخ. ويكمل المشهد الحزين في مدينة الموصل المدمرة المباني التي سويت بالأرض والشوارع المغطاة بالأنقاض وجبال من الركام.

وهل يعقل لنفس بشرية أن تحجز الأطفال والنساء لعشرات الأيام كدروع بشرية وتمتنع عن إمدادهم بالمياه والغذاء إمعانًا في إذلالهم بسبب عدم خضوعم لأفكارهم الشيطانية، وفتح التحرير الجزئي للموصل لنا الاطلاع على مدى وحشية هؤلاء الداعشيين الذين أسروا عشرات الأسر لفترات طويلة، ويكفي وصف إحدى الأمهات لحال طفلها قائلة: «طفلي لم یتناول إلا الخبز والماء على مدى الأیام الثمانیة الماضیة». وحتى كتابة هذه السطور، يرى بعض رجال الأمن العراقيين أنه لا یزال أكثر من 100 ألف مدني یعتقد أن نصفهم من الأطفال محاصرون في بیوت عتیقة في المدینة القدیمة في ظل نقص في إمدادات الغذاء والماء والرعایة الطبیة.

ويكفي للمرء حزنًا أن يطلع على عناوين الصحف في يوم واحد ليكتشف أن ثلة من المسلمين يعبثون بديننا العظيم ويرهبون العالم ليس كقوله تعالي «ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».. ولكن ارهابًا وحشيًا وقتلاً وإراقة دماء، فمثلاً نقرأ في صحيفة واحدة وفي ويوم واحد: «الشرطة البريطانية تتسلح على ضوء تزايد الهجمات الإرهابية..انتحاري مانشستر تعلم صنع القنبلة من الإنترننت».. «بروكسل: قلق من التحاق مراهقات بتنظيم داعش في سوريا.. مخاوف من عودة المقاتلين من مناطق الصراعات الي أوروبا».. «تحالف بين جماعتي أبو سياف وداعش أسفر عن تشريد الآلاف من السكان في الفلبين».. باكستان تعزز الإجراءات الأمنية في عيد الفطر بعد ثلاث هجمات خلفت 57 قتيلاً.. هذا بخلاف عناوين القتل والتشريد والإرهاب التي تعج بها الصحف والأخبار عن سوريا والعراق واليمن وليبيا.

كتبت من قبل عن رمضان أنه فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة تصفو فيها النفوس وتكثر فيها دواعي الخير، وفرصة عظيمة تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وأنه شهر التهجد والتراويح، والذكر والتسبيح، وجود وصدقات، وأذكار ودعوات، وضراعة وابتهالات. وبدلاً من أن يستغل الإرهابيون هذا الشهر في أواخر أيامه، لجأوا الى القتل والعنف وهو شهر الروحانيات التي يجد فيه المسلمون فرصة لإصلاح أوضاعهم ومراجعة تاريخهم، وإعادة أمجادهم.

إجمالاً.. نسجد شاكرين للمولى جلت قدرته على انقاذ بيته العتيق، وبالدعاء أن یحفظ للسعودیة عزها وأمجادها وأن یوفقها لخدمة الدين، ولما فیه خیر الإسلام والمسلمین.. وندعو الله العلي القدير أن ينقذ المسلمين في كل مكان وأن يحل عليهم الأمن والآمان والطمأنينة والسكينة، وأن تنتهي أخبارنا السيئة من صحف العالم، وأن نعيد النظرة الإيجابية للعرب والمسلمين التي أساء إليها الإرهابيون من كل حدب وصوب بحجة نشر الإسلام ولكن بطريقتهم الخاصة التي أساءت لنا ولديننا الحنيف.

 

 6     الازمة الخليجية وخسارة “الدولة الاسلامية” الوشيكة في الموصل تغيران خريطة التحالفات في سورية والمنطقة برمتها.. هل نرى تقاربا ايرانيا تركيا عراقيا برعاية روسية؟ وهل تنضم قطر الى التحالف الجديد؟

 

   عبد الباري عطوان

 

   الراي اليوم بريطانيا
 

ازدياد نيران الازمة الخليجية اشتعالا، وتراجع احتمالات الوصول الى اتفاق سياسي ينهي حالة التوتر بين دولة قطر وخصومها الاربعة (السعودية، الامارات، مصر والبحرين)، وتورط تركيا بصورة مباشرة وارسالها قوات الى الدوحة، كلها عوامل قد تنعكس بصورة ايجابية بالنسبة للازمة السورية، وتكرس حالة التهدئة الحالية، خاصة اذا وضعنا في عين الاعتبار الخسائر الكبرى التي منيت بها “الدولة الاسلامية” او “داعش” في الموصل، وبدرجة اقل في اطراف مدينة الرقة عاصمتها الرسمية.

ربما هي المرة الاولى، ومنذ سبع سنوات تقريبا تتراجع فيها الازمة السورية من مكانها الدائم على صدر الصفحات الاولى للصحف ونشرات الاخبار الرئيسية في محطات التلفزة، الى الصفحات الداخلية، ولمصلحة تطورات نظيرتها الخليجية القطرية المتسارعة.

تفسير هذا التراجع لا يحتاج الى الكثير من الاجتهاد والبحث، فالاطراف الرئيسية المتورطة في الازمة السورية حولت اهتمامها باتجاه نظيرتها الخليجية، فالخصمان اللدودان، اي قطر والمملكة العربية السعودية اختلفا على معظم القضايا العربية، واتفقتا على هدف واحد وهو التسريع بإطاحة الرئيس السوري بشار الاسد وحكومته، وفتح ابواب خزائنهما وصناديقهما السيادية الطافحة بالمليارات لتمويل الفصائل السورية المسلحة، وتوظيف امبراطوريتهما الاعلامية للتحريض والتعبئة في هذا الاتجاه.

***

الصدام القطري السعودي لم يقتصر على الحربين الاقتصادية والاعلامية بين البلدين، وانما بات نقطة استقطاب للقوى الاقليمية والعالمية ايضا، وهو استقطاب تجاوز الكثير من المحرمات، وحول الاعداء الى حلفاء، وفرض واقعا سياسيا جديدا.

نشرح اكثر ونقول ان تركيا وايران اللذين خاضا حربا دموية، سواء بشكل مباشر، او غير مباشر، على الارض السورية، باتا يقفان في خندق واحد، اي الخندق القطري، في مواجهة التحالف السعودي الاماراتي المصري البحريني، واذا كانت ايران اكتفت بفتح اجوائها وموانئها للطائرات والسفن القطرية فإن تركيا ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك كثيرا عندما ارسلت قوات ودبابات ليس لحماية حليفها القطري من اي تدخل عسكري من قبل الجيران الخصوم، وانما ايضا من اي اضطرابات داخلية يعمل هؤلاء الخصوم على اشعال فتيلها لزعزعة استقرار النظام القطري على غرار ما حدث عام 1996.

زملاء صحافيون زاروا دمشق قبل اسبوع، قالوا ان اهل الحكم في سورية في ذروة الارتياح من انفجار هذه الازمة بين اكثر دولتين وقفتا خلف “المؤامرة” التي استهدفتهم، واضافوا بأن شهر رمضان الماضي كان اكثر الشهور استقرارا وطبيعية منذ سنوات، واكدوا ان رجالات النظام في الصفين الاول والثاني يسيطر عليهم اعتقاد راسخ بأن ازمة بلادهم في طريقها للانتهاء، ان لم تكن قد انتهت فعلا، بالنظر الى قناعة راسخة بأن التطورات في معظمها تسير في صالحهم، وان فصائل المعارضة السياسية والعسكرية تعيش هذه الايام اسوأ اوضاعها، وتعاني من الاهمال والانقسامات الاضافية الناجمة عن تفاقم الازمة بين داعميها الخليجيين.

ان يؤكد الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي بينهما اجراه الاول، على اهمية التعاون لحل المسألة السورية، فهذا يعكس المتغيرات الرئيسية في المعادلة السورية التي تحدثنا عنها في بداية هذا المقال.

اسقاط النظام في سورية لم يعد على قمة اولويات الرئيس اردوغان، ولا نبالغ اذا قلنا ان هذا الهدف تراجع الى مراتب متدنية على هذا السلم، وتقدمت عليه اولويات اخرى مثل منع قيام دولة، او دول كردية، في سورية والعراق وتركيا نفسها، والتصدي لخطر جدي يريد تغيير النظام القطري الحليف.

 

 

***

تحالفات منطقة الشرق الاوسط من اكثر التحالفات العالمية تقلبا وتغيرا، وتنتقل من النقيض الى النقيض في طرفة عين، الم يكن الرئيس السوري بشار الاسد من اقرب الناس الى قلب الرئيس اردوغان، الم يكن العقيد معمر القذافي من ابرز اصدقاء امير دول قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني؟ الم تكن حركة “الاخوان المسلمين” من اقرب الحركات واكثرها وثوقا بالنسبة الى الاسرة السعودية الحاكمة.

الرئيس اردوغان يريد حلا سلميا في سورية بعد ان ادرك ان الحل العسكري بات مستحيلا، وان تركيا باتت تواجه تهديدا وجوديا متمثل في الدعم الامريكي المتصاعد للاكراد، ولا يمكن ان تواجه هذا التهديد بدون علاقات تحالفية جيدة مع سورية والعراق وايران بعد ان خسرت الحليفين الامريكي والسعودي.

الرئيس بوتين هو البوابة التي يمكن ان يدخل عبرها الرئيس اردوغان للوصول الى اتفاق مع التحالف الايراني العراقي السوري، وربما يضاف اليه القطري قريبا، فالعراق وبعد استعادته لمدينة الموصل، والتخلص من الجزء الاكبر من خطر تنظيم “الدولة الاسلامية”، سيركز على كيفية استعادة دوره الاقليمي او معظمه، وتفعيله في المحور الاقليمي الايراني.

مصالح الرئيسيين اردوغان والاسد باتتا تلتقيان، ودون تنسيق، على اراضيه الازمة القطرية، التي يمكن ان تقرب بينهما بعد تنافر وتقاتل استمر سبع سنوات تقريبا، ولا غرابة في ذلك، الم نقل لكم ان تحالفات الشرق الاوسط وخصوماته هي الاكثر تقلبا في العالم بأسره؟