”
قالت الصحفية الفرنسية أنّا- صوفي لي موفّ Anne Sophie Le Mauve من بغداد والتي تعمل مراسلة للعديد من وسائل الإعلام الدولية، يقدّم شهادات وحقائق حول العديد من المندسّين الذين نجحت المخابرات العراقية في زرعهم في صفوف تنظيم ” (داعش).
من هم هؤلاء “المندسّين” أو “المتسللين”؟ تقول الصحفية الفرنسية: “هم أعضاء في جهاز المخابرات العراقية أو بعثيين مخضرمين، أو حتى مواطنين عاديين، إنهم جواسيس محليين جنّدتهم الدولة العراقية للإندساس في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وقد نجحوا خلال ثلاث سنوات في الإنبثاب في مدينة الموصل وفي ضواحيها”.
التقرير أشار إلى أن المخاطر التي تحف في الأصل بهذا النوع من العمل الإستخباراتي لم تمنع البعض من هؤلاء “المندسّين” من “التسلّل إلى صفوف قيادية متقدّمة في التنظيم الإرهابي، ما سهّل عملهم”.
التقرير اشتمل أيضا على العديد من الشهادات الشخصية حيث ترك المجال لهؤلاء الأشخاص للحديث عن تجربتهم وعن معايناتهم. ومن هؤلاء “عبد الله محمود” (التقرير لا يشير إن كان إسما حقيقيا أو إسما وهميا)، أصيل الموصل والبالغ من العمر 38 عاما، والذي يتمتّع بلياقة بدنية كبيرة، وطوله يتجاوز مترا وثمانين سنتمتر، فضلا عن عضلاته المفتولة، ولحيته الكثة، إنها الصورة المتداولة بالضبط عن جهاديي داعش”.
كيف انخرط عبد الله محمود في هذا العمل؟ “يعمل هذا الأخير ضمن جهاز المخابرات العراقية منذ أيام النظام البعثي في عهد صدّام حسيْن، وبعد أسبوع واحد من مقتل قائده على يد داعش في شهر يونيو 2014، تلقى عبد الله مكالمة هاتفية من بغداد تطلب منه الإنضمام إلى صفوف داعش والحفاظ على هاتفه مفتوحا مهما كان الثمن”.
هنا تبدأ المرحلة الصعبة، يشير التقرير: “من أجل كسب ثقة التنظيم الإرهابي، تلقى محمود أمرا بإبلاغ القادة الميدانيين المحليين لتنظيم الدولة الإسلامية معلومات وبيانات سرية حول عناصر القاعدة، الذين تحوّلوا إلى منافسين لتنظيم الدولة، والذين تريد داعش القضاء عليهم”. ونتيجة لذلك “ألحق هذا الجاسوس المتسلل بمكتب لجمع المعلومات يشرف عليه مقاتل تونسي”، وفقا لما نقله التقرير. ويحصل هذا المكتب على معلوماته من المواطنين ومن المقاتلين الميدانيين.
الإنتقام لمقتل شقيقه
شهادة أخرى، وقصة أخرى، تدلّ على أن المخابرات العراقية قد استثمرت بشكل جيّد غضب وامتعاض سكان الموصل من التصرّفات الرعناء لعناصر التنظيم الإرهابي. وهذا هو حال رحيم عبد الله سعد، البالغ من العمر 36 عاما، والذي انقلبت حياته رأسا على عقب بعد “إعدام التنظيم لأخيه الذي كان يعمل شرطيا في الموصل”.
يقول رحيم عبد الله سعد، نقلا عن نفس التقرير: “في الوقت الذي أجبرني تنظيم داعش على حضور عملية إعدام شقيقي في ساحة عامة وفي مكان مزدحم، اقترب مني شخص وقال: نحن نقاوم هؤلاء الوحوش. خذ هذا الهاتف، وافتحه غدا على الساعة السادسة صباحا، وسنتكلّم مع بعضنا البعض”. وبالفعل كان على الطرف الآخر من الخط ضابط بجهاز المخابرات العراقية، والذي دعاه إلى الإنضمام إلى صفوف داعش لمحاربتها من الداخل”. وبدافع الإنتقام لمقتل أخيه، قبل سعد بهذه المهمّة الخطيرة.
مساهمة كبرى في محاربة داعش
على الرغم من صعوبة التثبّت والتحقق من صحّة المعلومات الواردة في هذا التقرير، تشير كاتبة المقال إلى أن “معلومات حساسة واستراتيجية كانت في متناول الجاسوسيْن عبد الله محمود ورحيم عبد الله سعد، ما ساعد على إلحاق خسائر فادحة بتنظيم داعش”. وتضرب الكاتبة مثالا على ذلك “مساهمة عبد الله محمود في الإيقاع بعزّة الدّوري، الرجل الثاني في نظام البعث سابقا، والعقل المدبّر لتنظيم داعش”، الذي قتلته القوات العراقية النظامية في محافظة صلاح الدين في أبريل 2015″. أو كذلك الدور الهام الذي قام به رحيم عبد الله سعد في الإيقاع بقافلة تتشكّل من العشرات من السيارات رباعية الدفع لقادة ومقاتلين من داعش الذين تعرضوا إلى هجوم جوي مدمّر بفضل المعلومات التي تلقاها الدفاع الجوي العراقي من الجاسوس”.
أخيرا، يخلص التقرير الذي يسلّط الضوء على حرب تدور رحاها بعيدا عن أنظار وسائل الإعلام ، واستنادا إلى المخابرات العراقية إلى ان “أجهزة المخابرات قد خسرت أزيد من 60 جاسوسا في الموصل فقط خلال السنوات الثلاث التي سيطر فيها تنظيم داعش على الموصل”.
ووفقا لنفس المصدر دائما: “ساهمت المعلومات التي حصلت عليها المخابرات العراقية من مندسين داخل صفوف داعش بنسبة 20% في تحرير الموصل، وبإحباط المئات من هجمات المتشددين”.