خمس مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الخميس

1 المالكي يخطط لنظام رئاسي أو حكومة أغلبية عددية

 

هارون محمد

 

العرب
نوري المالكي مصر على العودة إلى الحكم، إما رئيسا للجمهورية بصلاحيات جديدة، وإما رئيسا للحكومة بسلطات واسعة، المهم أن يحكم وعلى العراق الخراب.

في آخر لقاء تلفزيوني لزعيم حزب الدعوة نوري المالكي، ظهر وهو في حالة توتر، بحيث أنه “خاط وخربط” كما يقول المثل الشعبي العراقي، حتى بدت تعليقاته أقرب إلى تهديدات سافرة للأطراف السياسية الأخرى، بما فيها المتحالفة معه، بأن عليها أن تعرف حجمها وتعترف بأنه هو زعيم الأغلبية وعليها ألا تناكفه أو تغرد خارج سربه، وإلا فإنها خاسرة لا محالة، قالها بتحد مفتعل دون أن ينسى عقدته مع الاعتصامات السلمية التي شهدتها المحافظات السنية طوال عام 2013 وزادت على أوصافه السابقة لها، “فقاعة ونتنة ومعسكر يزيد”، بأنها انتفاضة سنية لتقويض حكم الشيعة.

 

وواضح أن المالكي المهووس بالتفرد والدكتاتورية، لم يعد قادرا على العيش إلا وسط أجواء السلطة والمال وقيادة القوات المسلحة، لذلك فهو يروج حاليا لصيغتين تقود إحداهما العملية السياسية في المرحلة المقبلة، نظام رئاسي أو حكومة أغلبية، وأيهما يطبق، فإن المستفيد الأول سيكون هو نفسه، هكذا يخطط ليصبح رئيسا للجمهورية وقائدا عاما للقوات المسلحة، كما ألمح في حديث لصحيفة لبنانية مقربة لحزب الله مؤخرا، عندما قال “أريد أن أكون شريكا قويا في رسم نظام سياسي متين وجديد” وقصده واضح.

 

وفي حال عدم نجاحه في تحقيق هذا النظام (المتين الجديد) الذي يعني به الرئاسي وعدم تمكنه من جمع ثلثي أعضاء مجلس النواب المقبل لتعديل الدستور وإقرار هذه الصيغة، فإن المالكي سيعمل على فرض خياره الثاني، رئاسة حكومة تستند إلى ائتلاف انتخابي أو كتلة تفوز بأعلى المقاعد النيابية، وهو قادر على تحقيق ذلك في انتخابات ربيع العام 2018، حيث ما زال أكثر من نصف العراق في وضع أمني قلق، وأجزاء من المحافظات السنية إما محتلة من داعش وإما خالية من السكان بين مهجر ونازح، وفي ظل حكومة مضطربة يرأسها قيادي في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون، تؤكد المؤشرات الحالية أنه سيظل ضمن ائتلاف المالكي.

 

إن النشاط المحموم الذي يخوضه المالكي في الفترة الراهنة لإجراء الانتخابات في مارس أو أبريل المقبلين، يهدف إلى استباق عودة النازحين وجميعهم من السنة العرب إلى مدنهم ومناطقهم، والتقارير الحكومية تقدرهم بأربعة ملايين نسمة، الأمر الذي يتيح لحزب الدعوة الذي يقود الحكومة الحالية وأجهزتها ومفوضية الانتخابات المشهود لها بالتزوير في الدورات السابقة، تحريك المشهد الانتخابي وتحديد نتائجه، وفق رغبات المالكي وخدمة أجندته، في منع ممثلين حقيقيين للسنة العرب في الوصول إلى البرلمان، مع دعواته إلى تفعيل قوانين الاجتثاث وتطبيق صارم للمادة (4 إرهاب) خصوصا إذا علمنا أن 205 آلاف من سكان الموصل بجانبيها الأيسر والأيمن، مدرجون في حاسبات الأجهزة الأمنية كمتهمين بالإرهاب، إضافة إلى 48 ألفا كمشتبه بهم، في حين أن أكثر من ربع مليون نازح في محافظة صلاح الدين ممنوعون من العودة إلى مدنهم لعدم استكمال عمليات التدقيق الأمني بشأنهم، في الوقت الذي ما زال 350 ألف نازح من محافظة ديالى لم يبت في طلبات عودتهم، أما نازحو شمال محافظة بابل مـن جرف الصخر وامتدادا إلى الحصوة واللطيفية ومشروع المسيب وعددهم أكثر من 200 ألف نازح، فقرار عودتهم بات في طهران.

 

وعندما يسعى المالكي إلى تضخيم المخاطر من تأجيل الانتخابات المقبلة والتحذير من فراغ دستوري، فإنه يدرك أن إجراء الانتخابات قي ظل ظروف أمنية هادئة نسبيا، وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، ونزول قوائم انتخابية محلية ومناطقية، وتهاوي شبكة “سنة المالكي” في المحافظات السنية العربية، سيفقده الأمل في تشكيل أغلبية نيابية عددية، خصوصا وأن التيار الصدري قد ينجح في زيادة عدد نوابه في المحافظات الشيعية كما تشير المعلومات الأولية، الأمر الذي يعده المالكي هزيمة للمشروع الإسلامي الذي يقوده حزب الدعوة، كما قال صراحة للصحيفة اللبنانية.

 

المالكي يقاتل لإجراء الانتخابات بعد ثمانية شهور من الآن، حتى يتخلص من هاجس “بيع الموصل” في أعقاب الكشف عن جزء من تقرير اللجنة النيابية في التحقيق بأحداث المدينة برئاسة النائب الصدري حاكم الزاملي، وخصوصا شهادات معاون رئيس أركان الجيش الفريق عبود قنبر، وقائد القوات البرية الفريق علي غيان، وقائد عمليات نينوى الفريق مهدي الغراوي، الذين اجمعوا أمام لجنة التحقيق النيابية، بأنهم أعدوا خطة بعد صدور أوامر المالكي بالانسحاب من المدينة، كانت تتضمن إعادة تنظيم القوات وتعبئتها بطريقة جديدة بحيث تتولى قطع إمدادات داعش من غربي الموصل والزحف من جنوبها وشمالها وشرقها، وكان مسلحو التنظيم لم يصلوا إلى هذه الجهات الثلاث، وإنما تركزت قلة منهم في أيمن المدينة فقط، وحدد القادة 72 ساعة لاستعادة المدينة بالكامل، خصوصا أن الدواعش كانوا يعانون من نقص في الأفراد ويلحون على قادتهم في سوريا لإرسال المزيد من المقاتلين لتشغيل المعدات وتسلم الأسلحة المركونة في المستودعات.

 

وجاء في شهادات الثلاثة أيضا، أنهم قدموا الخطة إلى مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق الأعرجي، في 11 يونيو 2014 لعرضها على المالكي والحصول على موافقته عليها، ولكنهم فوجئوا بأن الأخير أشر على الخطة بكلمة واحدة “تحفظ” وطلب من مدير مكتبه إبلاغ قنبر وغيدان والغراوي بالذهاب إلى بيوتهم.

 

وكما قلنا في مقال سابق، فإن المالكي يريدها انتخابات على مقاسه يكون فيها الدور الأساس للحشد الشعبي، الذي قال للصحيفة اللبنانية إنه يرفض دمجه في الجيش أو الشرطة لأن ذلك في رأيه يعني نهاية الحشد الذي ادعى أنه أسسه منذ عام 2012 وقبل صدور فتوى السيستاني بإنشائه. المالكي مصر على العودة إلى الحكم، إما رئيسا للجمهورية بصلاحيات جديدة، وإما رئيسا للحكومة بسلطات واسعة، المهم أن يحكم وعلى العراق الخراب.

2 خطيب «الدعوة».. رَمَتْنِي بدائها وانسلَّت!

 

 

رشيد الخيّون

 

 

 الاتحاد الاماراتية
 

تبث قناة «حزب الدعوة الإسلامية» (آفاق) أحاديثَ خطيبها وخطيب الحزب، في أيام الجُمع، الشيخ عامر الكفيشي. يطل منها بعمامته البيضاء وجبته، مدافعاً عن الإسلام ضد المدنيين، الذين حسب خطبته، يريدون بالإسلام سوءاً، وتلك نغمة قديمة جديدة، فالإسلام محتكر للإسلاميين، يفتتحون خطبهم بالصلاة والتسليم، والمستهل آية قرآنية، يعطون لأنفسهم الحق باحتكارها، كعناوين لأحزابهم، إشارة إلى «زندقة» خصومهم، فلا تكفيهم خزائن الدولة ولا الميليشيات، يريدون الدين لهم لا لغيرهم، ومن يعترض يصرخون بوجهه: «الدين يا محمد»!

 

اعتمر الكفيشي العمامة خارج العراق، بعد أن تخرج من الجامعة التكنولوجية ببغداد (1979)، قسم الكهرباء، وتركها إلى الدراسة الدينية، وتلك ظاهرة ما عادت غريبة ولا عجيبة، أن يتحول المهندسون إلى معممين، فمِن الذين يطرحون أنفسهم مراجع دين وتقليد اليوم كانوا قُبيل (2003) مهندسين. لم تعد الهندسة نافعة ومجدية للوجاهة مثل العِمامة، حتى مَن تنقل بين عدة أحزاب، من يسارها ويمينها، رأيناه يسير وراء شاب معمم، من سن أولاده، ولما سئل عن ذلك قال: «أحتاج لظل عِمامة»! هكذا هو الحال.

 

فاجأنا المهندس الكهربائي سابقاً والفقيه لاحقاً بخطبة عصماء ضد المتظاهرين، وهو عضو شورى حزب الدعوة الإسلامية، و«دولة القانون»، ومن هنا نفهم صولته ضد المدنيين الشباب، فبعد اجتياح ساحة التحرير (2011) بغزوة العشائر، والميلشيات المساندة ضد المتظاهرين في الآونة الأخيرة، أخذ يطل خطيب «الدعوة» بعمامته البيضاء مهدداً من يدعي بأن الإسلاميين يفسدون!

 

استهل حديثه بالآية: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ» (البقرة:11-12)، وهذا أول استغلال للدين هراوة ضد الخصوم، من دون التبصر بدلالة النص وعلى مَن يقع، فالشيخ قال: نحن المصلحون! أما المتظاهرون فلم يدعوا أنهم المصلحون، طالبوا بكشف الفاسدين، فعلى من ينطبق النص؟!

 

يقول الكفيشي في خطبته (12/4/2017)، المبثوثة من قناة حزبه (الدعوة)، بعد المقدمة الخاصة بالخطبة الدينية والآية: «تحدثتُ في الأحاديث السَّابقة حول طبيعة مشروع التيار المدني، الذي يهدف إلى إفساد عقول الناس، وتضليل أفكارهم وإشاعة الفوضى في البلاد، من خلال ما يطرحونه في الإعلام، وما يرفعونه من شعارات مزيفة، في تظاهراتهم التي أصبحت واضحة ومكشوفة المعالم والأهداف لجميع العراقيين، والتيار المدني يعمل بأجندة ومخططات أميركية غربية صهيونية»!

 

لم يأتِ كُفيشي «الدعوة» بجديد، على ما كان النظام السابق يطلقه على الخصوم، ولم يبدِ كفيشي وحزبه، في هذه التهمة، إلا تلاميذ لمَن صدعوا رؤوس العراقيين في معارضته. كم كان الكفيشي متجاوزاً على الحق عندما يضع نفسه مناضلاً ضد الأميركيين، وهو يعلم أن رئاسات وزارات حزبه الثلاث ما كانت تكون لولا رضا الأميركيين، وموائد الفسنجون (أكلة معروفة) لم يقدمها التيار المدني للحاكم الأميركي بول بريمر، بل الذي قدمها رؤساء حزبه! مع علمه وعلمنا أن أول رئيس لمجلس الحكم كان دعوياً!

 

قدّم خطيب «الدعوة» نفسه منافحاً عن الدين، واتخذ من شعار «باسم الدين باكونا الحرامية» مادة لاتهام الشباب المعترض على السياسات في إدارة البلاد، وعلى عظمة الفساد، وعلى نهب عقارات الدولة، وتغول «الدعوة» وبقية الإسلاميين في السلطة والثروة.

 

يعلم الكفيشي أن الشعار المذكور عبر عن حقيقة، ألا وهي إغراء الناخبين باسم الدين، ما لم يقدر عليه التيار المدني. يوضح الشيخ بسذاجة أن الدين يحرم السرقات ويقطع أيدي السارقين، وكأنه يخاطب بشراً لا عهد لهم بالإسلام، ونجده يعترف بحفنة، حسب وصفه، تسللوا تحت اسم الدين، وهم إسلاميون مزيفون، ويردفها بعبارة عجيبة: «تسللوا إلى مواقع السلطة من خلال العلمانية، من خلال التيار المدني».

 

نعم، حسب رؤية الكفيشي وحزبه، فإن الفساد في وزارة التجارة كان مدنياً لا إسلامياً! وعقاراً على شاكلة عقار جامعة البكر الضخم صار جامعة للمدنيين! وأن أحزاب التيار المدني لها فضائيات بضخامة «بلادي» و«آفاق»، وبقية الإسلاميين وجيشوهم المسلحة! وأن أصهار التيار المدني حلوا محل حسين كامل (قُتل 1996)! ومقرات «الإصلاح» وقصور الدعاة كلها من ممتلكات العراة المتظاهرين وهم يستقبلون رصاص ميليشيات الإسلاميين!

 

أقول: من حق الكفيشي التجاوز على الحق، لأن المتظاهرين هم من سلموا الموصل، وفتحوا بوابات السجون للإرهابيين، وسلموا أكثر من ألف شاب لمقتلة سبايكر! ورفعوا لافتة الطائفية «مختار العصر»! وظهروا بالصورة والصوت يسلمون الرشا للنخابين! وهم الذين أفسدوا القضاء!

 

للجواهري (ت 1997) في أحوال المتظاهرين: «همُ القومُ أحياءٌ تقولُ كأنَّهم/ على باب شيخِ المسلمين موات» (الرجعيون 1929)، وقد أمسيتم شيوخاً للمسلمين، لكم الدين والدُّنيا. وللأولين: «تعيير الإنسان صاحبه بعيبه: رَمَتْنِي بدائها وانسلَّت» (ابن عبد ربَّه، العقد الفريد).

3   هل يكون الجيش العراقي هو المنقذ والحل؟

 

 سعد ناجي جواد

 

  الراي اليوم بريطانيا
 

استوقفتني قبل ايّام صورة معبرة وزعها العراقيون على شبكات التواصل الاجتماعي فرحين لأحد قادة الجيش العراقي وهو برتبة فريق ركن ، يأخذ غفوة سريعة في مدرعته بعد معركة قاسية واستعدادا لمعركة اخرى من اجل تحرير الموصل الحبيبة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. ولا يملك من ينظر الى الصورة المعبرة الا ان يقارنها مع صور البزات العسكرية بنفس الرتب والتي تركها أصحابها على الارض اثناء هروبهم من الموصل قبل ما يقارب ثلاثة سنوات امام عصابات داعش الإرهابية وتسليمهم مدينة الموصل الحبيبة دون اي قتال.  وبالتاكيد فان ما افرح العراقيين ليس الصورة فقط وانما الأداء العالي والشجاع الذي تميز به قتال القوات العراقية في معركة تحرير الموصل. هذا القتال الذي يعيد الى الاذهان الدور الذي لعبه الجيش العراقي البطل في الذود عن حياض الوطن واراضيه. نعم هناك اخبار اخرى عن انتهاكات لحقوق الانسان وضحايا كبيرة من المدنيين وتصرفات غير مقبولة من بعض منتسبي هذا الجيش، كما ان خروقات اكبر واخطر تسجل بأسف واستنكار شديدين قامت بها مجاميع ومليشيات غير نظامية فرضت نفسها في ظل غياب جيش عراقي حقيقي. ولكن اغلب الناس في مناطق القتال أشادوا يتعامل الجيش معهم.

لم يكن القرار الذي اتخذه سيّء الصيت بول بريمر بحل القوات المسلحة العراقية، والذي ادعى هو بانه جاء بناءا على رغبة وإلحاح السياسيين الذين جاءوا مع الاحتلال، اعتباطيا او ارتجاليا، بل كان قرارا مدروسا ومخططا له مسبقا وضمن سلسلة من الإجراءات التي كان الغرض منها تمزيق العراق. ولهذا فان هذا القرار جاء ضمن سلسلة من القرارات التي وجد المحتلين الأميركان والبريطانيين انها ستكون كفيلة بتدمير وتمزيق العراق وإنهائه كدولة. ومن هذه القرارات تدمير القضاء بفصل ثلاثة آلاف قاضي و مدع عام وفصل نفس العدد من الأساتذة الجامعيين. ناهيك عن عمليات الاغتيال والاختطاف التي طالت هذه الشرائح . كل ذلك من اجل افراغ العراق من كل الكفاءات التي يعول عليها لإعادة بناءه. اليوم لم يبق للعراقيين أمل سوى بجيشهم. وهم محقون بذلك لعدة أسباب، أولها ان الجيوش، وخاصة في العالم الثالث، كانت دائما تمثل البودقة او الوعاء الذي تنصهر فيه كل الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية والطبقية . فالكل يتربى على نظام وانضباط عسكري

واحد ، ناهيك عن شحنهم بحب الوطن والدفاع عنه، و اذا ما نجحت هذه المؤسسة في بناء نموذج عابر للطائفية والعرقية فإنها ستكون الاقدر على الرد على الحالة الطائفية والعرقية التي استشرت منذ عام ٢٠٠٣. اما السبب الثاني فان الجيش المدرب تدريبا جيدا يكون كفيلا بحماية تربة الوطن امام المليشيات المجرمة والمنفلتة داخلية كانت ام خارجية. وثالث هذه الاسباب هو ان الجيش العراقي هو القوة الوحيدة الباقية والقادرة على التأثير بل وحتى التغيير امام الكم الكبير من الوجوه الفاسدة والأحزاب الطائفية المهيمنة. ولهذا نجد اليوم ان القوات المسلحة العراقية، وبالأخص الجيش، تتعرض الى حملة تصل الى حد التامر عليه من الخارج والداخل. ولعل الأكثر دلالة على هذا التامر ما كتبته احدى الصحف الإسرائيلية والتي تقول فيه ان اداء الجيش العراقي الجديد في الموصل يجب ان يقلق اسرائيل لانه يمثل تنامي قوة جديدة قد تخل بالتوازن في المنطقة. طبعا هذا التخوف الاسرائيلي لابد ان ينبهنا الى ما قد يحصل اذا ما خرج الجيش العراقي منتصرا في معركة الموصل ومعارك تصفية بقايا داعش الارهابية في المناطق الاخرى. ولكي نكون اكثر صراحة فان التامر على الجيش العراقي الناشئ والذي بدا مرة اخرى بعد أربعة عشر عاما من حل تنظيماته الاساسية سيكون اكبر وأشرس . فدول إقليمية لا تريد ان ترى جيشا عراقيا قويا لان ذلك سيعني بداية لنهاية نفوذها في العراق. كما ان قوى سياسية عراقية حاكمة لاتريد ان ترى جيشا منظما و مقتدرا لان هذا سيعني بداية النهاية لدور المليشيات التي يعتمدون عليها لبسط نفوذهم واستمرار فسادهم  ولتحدي السلطة المركزية وابقاء العراقيين تحت رحمتهم.

ان الوقت لايزال مبكرا للتفائل التام ولكن هناك ما يدعو الى التفائل. هناك من العراقيين والمراقبين من يعتقد ان جيشا وطنيا موحدا وممثلا للشعب العراقي ونقي من الفساد ومن الأفراد  الذين حصلوا على رتب عالية دون اي استحقاق، هو الوحيد القادر على اعادة الأمور الى نصابها في العراق. وهم يستندون في رأيهم هذا على حقائق منها ان العملية السياسية الفاسدة في العراق قد تجذرت في العراق رغم فشلها وفسادها، وان الفاسدين اصبح لديهم من الأموال والمليشيات ما يمكنهم من الاستمرار ولا يوجد من يزيحهم الا قوة مسلحة وطنية. وان الانتخابات وما تسمى بالعملية الديمقراطية العرجاء سوف لن ينتج عنها سوى تدوير للنماذج الفاسدة والسيئة. كما ان الاعتماد على الوجوه السياسية الحالية لمحاربة الفساد والفاسدين غير ممكن لأنهم في غالبيتهم العظمى متورطين في هذا الفساد، وان الفساد لايمكن ان يحارب بصدق وبجدية الا من قوة من خارج هذه العملية السياسية. في المقابل هناك من يعتقد ان جيشا بني على أسس طائفية ومحاصصة لا يرتجى منه ان يقوم بمثل هذا الدور الوطني الكبير، ولكن على اصحاب هذا الرأي ان يتذكروا ان اغلب جيوش العالم الثالث بنيت على أساس الولاء للحاكم وللسلطة الحاكمة ولكن كان يظهر من داخل هذه الجيوش من يثور على السلطة والحاكم المتمادي في طغيانه وفساده.

ليس من الضروري بل وليس من المطلوب ان يكون تحرك الجيش على شكل انقلاب عسكري ولكن على من وضعوا حياتهم على راحة ايديهم ان لا يسكتوا على الفساد المستشري والفلتان الامني وتغول المليشيات على المواطنين والدولة. ان على قادة الجيش تقع مسؤوليات كبيرة أولها ان يحرصوا على بناء جيش مهني وطني عابر للانقسامات العرقية والطائفية، وثانيها ان يكونوا حريصين من الان فصاعدا على ان تكون زمام الأمور بيدهم كمراقبين على الحكومة والإدارة وان لا يتركوا هذا الامر للفاسدين نوابا كانوا ام وزراء او موظفين كبار. كما ان عليهم تقع مسؤولية تشذيب مؤسستهم من  الفاسدين الذين تم فرضهم على المؤسسة العسكرية من قبل احزاب مشاركة في العملية السياسية لكي تعتاش من خلال الفساد على مخصصات الجيشالكبيرة، وثالثا ان يكون صوت المؤسسة عاليا ومسموعا في الحث على محاربة الفساد واستهتار المليشيات المنفلتة بارواح ومقدرات المواطنين. هذا الدور وحده هو الذي يمكن ان يحرك عملية إصلاح حقيقية في العراق، فهل سيملك بعض من قادة الجيش القدرة والعزم على فعل ذلك قبل ان تسبقهم عناصر الفساد ومن يدعمها في تهميشهم مرة اخرى؟

4  أزمة العراق بعد الانتصار !!

 

 

محمد كعوش

 

   الدستور الاردنية
 

ستكتمل الصورة الفوضوية السوريالية، ويتم ابعاد عدسات المصورين عن المشهد، تمهيدا لظهور باعة المرايا والأوهام من وكلاء اقليميين يمثلون مصالح القوى الأجنبية في الشرق الأوسط، استعدادا لتقسيم الغنائم و» الانتصارات» بعد فشل مشروع تقسيم الأوطان أوتفكيك الدول العربية المدماة، وأعني مشروع الشرق الأوسط الجديد.

 

المشهد يتبلور أكثر بعد القضاء على التنظيمات الارهابية المتطرفة الظلامية المدعومة اقليميا ودوليا، وبالتالي اخراجها من المكان والزمان والمنطقة، ومن المرحلة التي لم تنتج سوى القتل الجماعي والفوضى والتدمير والأرهاب ، وكل الشرورالتي حملها الينا مروجوها من المنتسبين لسلالة الانتحار وعشاق الموت.

 

أقول هذا وانا على يقين بأن الرئيس الأميركي ترامب، بجولته الأخيرة في المنطقة واوروبا قد القى حجرا ضخما في بركة لم تكن راكدة اساسا، ولكنه خلق تموجات جديدة عارمة صادمة، أدت وستؤدي، الى اعادة خلط الأوراق وتغيير كل قواعد اللعبة.

 

الحقيقة أن الرئيس الأميركي قلب الطاولة لأنه يجهل اللغة الدبلوماسية، ولا يمتلك الحنكة السياسية، فأحدث هذه الفوضى في منطقتنا التي تتناسل فيها الحروب والأزمات، وتتغير فيها التحالفات بسرعة فائقة، وفي مرحلة ينقلب فيها الحليف على الحليف، وتتغير المواقف والمصالح بحيث يرتد بعضهم على ذاته عندما تشتد الأزمات، أوعندما يعجز عن مواجهة مأزق خطير، كذلك أحدث فوضى في علاقات بلاده بدول الأتحاد الأوروبي، وخصوصا المانيا.

 

كلنا نعرف أن في النهاية، وفي وقت ما، سيتم القضاء على كل التنظيمات المتطرفة ( الدواعش ) بكل تسمياتها وعناوينها، ولكن كيف سننجح في اعادة تركيب ما تفكك في روح الأمة، واعادة ترميم نسيج المجتمعات بعد كل هذا الخراب في مكوناتها؟ هذه هي المسألة، وقد نحتاج لمعجزة لتحقيق هذا الأنجاز، خصوصا في العراق الذي سيعلن عن تحرير اراضيه من تنظيم داعش في وقت قريب!!

 

أقول العراق، للفصل بين مضمون الصراع في سوريا وبين الصراع في العراق، ففي سوريا فشل الظلاميون، رغم الدعم العسكري والأعلامي، في تحويل الأزمة من صراع سياسي الى صراع مذهبي ، ولكن العراق، رغم انتصاره القريب على داعش، لن تنتهي ازمته بالأنتصار، لأن بلاد الرفدين حاضنة لكل الأعراض وألأمراض الطائفية والعرقية والقبلية التي مزقت نسيجه الأجتماعي، لذلك أعتقد أن عودة الأستقرار الى العراق بعيدة، وقد يحتاج الأمر الى معارك لا تنتهي في الزمن القريب.

 

العراق بانتظار في معركة سياسية كبرى متعددة الجبهات ، خصوصا بعد فشل التوصل الى حل سياسي عادل ومقبول من كل اطياف وطوائف ومكونات الشعب العراقي، كما أن تربته خصبه لأنتاج «داعش « جديد أو أكثر. كما أن الدولة العراقية اصبحت رهينة لدى المليشيات الطائفية والحزبية، التي تتصدر نشرات الأخبار اليوم ، بهدف اخفاء دور الجيش العراقي، وكذلك دور الحكومة في معركة الموصل، رغم ظهور الرئيس العبادي بلباس « المارشالية «.

 

كذلك لا نستطيع تجاهل وجود قوة أخرى على الآرض العراقية أخذت حصتها كاملة في الشمال وأخذت حصة في الدولة المركزية، وتسعى الى استغلال الأزمة والصراع الدائر للتوسع على حساب الدولة العراقية ، وأعني « اقليم كردستان» المحمي أميركيا، والذي يملك جيشا قويا « البشمركة «، ومؤسسات تشريعية وتنفيذية متكاملة، لذلك يلوح بالأنفصال أو ما يسميه البرزاني « الأستقلال « قصد ابتزاز الحكومة في بغداد.

 

لذلك نتساءل كيف ستنهض الدولة العراقية وتتوصل الى حالة من الأستقرار في ظل هيمنة الميليشيات غير المنضبطة، وانتشار الفساد، وتهديدات البشمركة بالتوسع، وضغوط البرزاني بالأنفصال، اضافة الى نفوذ دول اقليمية ودولية ( ايران وتركيا وأميركا ) تتدخل في الشأن العراقي، الحقيقة انني اشفق على العراق والعراقيين واتساءل: من يعيد العراق الى العراق؟!

 5     النشامى” في العراق

 

 

   تيسير محمود الغد الاردنية
 

 

بعيدا عن مفهوم “الربح والخسارة” في مباريات كرة القدم، فإن زيارة “النشامى” الى البصرة لخوض المباراة الودية أمام “أسود الرافدين” اليوم، تحمل مفاهيم وأبعادا كثيرة، فهي باختصار تعبير صادق ووقفة قوية مع الأشقاء، الذين يسعون للحصول على حقهم في لعب المنتخبات وفرق الأندية في المدن العراقية، كحال بقية شعوب العالم التي تستفيد من قاعدتي الأرض والجمهور.

يحل “النشامى” بين أهلهم وعشيرتهم، لا ينظرون الى المباراة من حيث النتيجة والمردود الفني، بقدر ما ينظرون الى المساهمة في تحقيق الهدف الأسمى، بحيث تكون المباراة بمثابة “المفتاح” الذي يفتح الأبواب أمام المنتخبات والأندية العراقية لتخوض في وقت لاحق مبارياتها الرسمية والودية على أرضها وأمام جمهورها.

شكرا سمو الأمير علي بن الحسين رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد الأردني لكرة القدم، لأنك كنت الداعم دوما لحق الأشقاء العراقيين والفلسطينيين والمسهم في رفع الظلم عنهم، مواقفك لا تنسى أبدا.. شكرا سمو الأمير علي بن الحسين لأنك كنت وما زلت صاحب المواقف الرجولية والجريئة والنخوة العربية.. شكرا لأنك أفسحت لنا المجال أن نعيش هذه اللحظات التاريخية على أرض العراق.. التاريخ والمجد والشموخ.

هي أمسية كروية وسهرة رمضانية تاريخية ستبقى خالدة طويلا في الذاكرة، هي فرصة ذهبية أمام الأشقاء العراقيين لكي يبرهنوا للعالم بأسره وللاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” على وجه الخصوص، بأن العراق قادر على التنظيم وتوفير كل عناصر النجاح الفنية والإدارية والأمنية، لهذا الحدث الرياضي الكبير، الذي يحظى بتغطية إعلامية متميزة واستثنائية، وبأن الروح ستعود للملاعب العراقية التي كانت ذات يوم مفعمة بالحياة وينبض منها قلب الكرة العربية.

نتمناها قمة كروية ممتعة تتجلى فيها الروح الرياضية العالية، ويقدم فيها المنتخبان الشقيقان أفضل ما لديهما، وتكون بالفعل “فاتحة خير” على الكرة العراقية، التي صبرت كثيرا وانتظرت مطولا قرار رفع الحظر عن ملاعبها.

في مباراة اليوم، يغيب عنوان “الفائز والخاسر” لأننا جميعا سنكون فائزين اذا ما تحقق الهدف من هذه المباراة، ونجح الاتحاد العراقي في إقناع “الفيفا” بأهليته وقدرته على تنظيم المباريات الرسمية والودية.