أربع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاربعاء

 

 

  1 يوم الأرض: تذكير بجرائم الاحتلال وفساد الحكام هيفاء زنكنة

 

 

القدس العربي
   

من مدينة جنين المقاومة، استوقفني هذا الخبر، يوم 30 آذار/مارس: «أحيت «منظمة تطوع» الفلسطينية، ذكرى يوم الأرض، بزراعة أشجار على أرض مقبرة شهداء الجيش العراقي، وتنظيفها في قرية مثلث الشهداء جنوب جنين…وشارك في إحياء ذكرى يوم الأرض، طلبة مدارس من مديريات قباطية وجنين وطوباس ونابلس وسلفيت وطولكرم والقدس وقلقيلية». زراعة الأشجار من قبل التلاميذ هو رمز لشعب « يزرع روح الانتماء للوطن ويعشق الحرية والحياة»، واختيار مقبرة الشهداء « تأكيد على الوفاء للشهداء العظام من الجيش العراقي».

استحضرت وأنا اقرأ الخبر، معنى أن يكون العراقي فلسطينيا، منذ لحظة الاحتلال الأولى لأرض فلسطين، وكيف ساهم الجنود العراقيون بالقتال دفاعا عنها، وان يمتد هذا الإحساس لأجيال تلت، حيث انضم شباب جيل السبعينيات إلى الثورة الفلسطينية، فدائيين ومثقفين، دفاعا عن القضية. أيامها كانت مفردة «القضية» تعني فلسطين لا غير. حتى حل الغزو الانكلو ـ أمريكي – الصهيوني، فأصبحت القضية واحدة من عدة قضايا، وساد تفتيتها، بالعراق على الأقل، إلى حد التشويه والطمس.

اليوم، بعد 14 عاما من احتلال العراق الذي كان منسوجا بالقضية الفلسطينية، تستمر محاولات تغيير الهوية، وصلبها القضية الفلسطينية، كما هو تصنيع «هويات» تؤسس لدويلات مبنية على اللا انتماء. منذ أيام استعدادا للمشاركة بـ «يوم الأرض»، أدخلت « ذكرى يوم الأرض في العراق»، بحثا في غوغل، فجاءني الجواب: لا توجد نتائج مطابقة للبحث.

لم أفاجأ. إذ تم تغييب فلسطين عن العراق كجزء أساسي في الهوية العراقية، منذ استباحته في عام الغزو، وما عاد لقضية العرب والمسلمين الأولى غير بعض الذكر الخجول، في مناسبات تحاول السفارة الفلسطينية، ببغداد، أحياءها. حيث يلقي السفير الفلسطيني خطبة حذرة وكأنه يسير على أرض مرصوفة بالبيض، فوضع الفلسطينيين بالعراق لا يتحمل ذكر ما لا يذكر. ولا يختلف الوضع كثيرا في بقية البلدان العربية من سوريا إلى السودان واليمن، باستثناء قلة من بينها تونس. فالقصف والتدمير والتهجير والانفصال هو ما ترميه الأيام على كاهل الشعوب فتشغلها عن الجرح النازف ونداء الأرض في فلسطين.

ويبقى احتفال الشعب الفلسطيني بذكرى «يوم الأرض» المصادف الثلاثين من آذار/مارس، هو القلب الذي يضخ بقية الجسد بالحياة. يبقى فعل إصرار طبيعي على الصمود والمقاومة وحق العودة، إزاء عدو بنى وجوده على القتل ومصادرة الأراضي، ومع استفحال بناء المستوطنات وهدم البيوت والقوانين العنصرية، وفي زمن حوصر فيه، ما كان في السابق، يوما للذكرى والمقاومة، في أرجاء البلاد العربية، بأنواع احتلال أخرى، مباشرة وغير مباشرة، وأنظمة مستبدة ما عادت تستحي من عريها وعارها الأخلاقي والقانوني. انه يوم تخشى أنظمة الفساد التذكير به وتعمل، كما المستعمر، على محوه.

فالأنظمة المسايرة لنظام الاحتلال العنصري، تعلم جيدا إن يوم الأرض ليس مجرد يوم احتفالية للتذكر السنوي والبكاء على الأطلال، أنه يوم، قد يعيشه الفلسطيني كباقي الأيام، في مقاومته، إلا انه استثنائي، عربيا وعالميا. أنه تذكير بجريمة العصر التي وقف العالم متفرجا عليها بل ويساهم، منذ عقود، في دعم مرتكبيها. انه، أيضا، ولعل هذا هو الأهم، يوم لتعليم الأجيال الجديدة عما لا يعرفونه عن المحتل الصهيوني، ومعنى الظلم والنضال من اجل تحقيق العدالة، وزرع بذرة مقاومة الاحتلال.

وهذا ما أدركه التونسيون حين تم تضمين احتفاليات يوم الأرض العديدة وحملة التضامن مع أسرى الحرية، قراءة رسالة سلام و مساندة موجهة من التلاميذ التونسيين إلى أشقائهم الفلسطينيين في كافّة المدارس الابتدائية التونسية. إنها الأجيال الجديدة تتعلم ألف باء الحرية والكرامة. الأجيال التي يراهن المحتل على محو هويتها ونسيان قضيتها، ويصفها بأنها أجيال النسيان، نراها، جيلا بعد جيل، ترى أبعد مما تراه حتى «النخب» العربية، فتبتكر أساليب وآليات نضال جديدة، وعازمة على استعادة الأرض التي قاتل من اجلها آبائهم وأجدادهم، ليتناغم صوتها جوابا على تساؤل محمود درويش «خديجة! أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟ ذهبن ليقطفن بعض الحجارة».

من بين آليات النضال الفعالة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دوليا ً»بي دي أس»، التي يؤشر رد فعل الكيان الصهيوني واعتبارها خطرا أمنيا مدى نجاحها دوليا. كما يمزق نجاحها ادعاءات الساسة ونخب « التطبيع» بلا جدوى المبادرات الشعبية إزاء عدو يتم تضخيمه لابتزاز الشعوب وإخضاعها. فيعملون، استغفالا للشعوب، على ترتيب اللقاءات مع القتلة، وتبادل «الخبرات» متظاهرين بأنها لقاءات تمت عن طريق الصدفة! بحجة «غياب أي بدائل واقعية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين»…، كما جاء في بيان أصدره مكتب محمد البرادعي (السياسي المصري الحائز على جائزة نوبل للسلام!)، أخيرا، ردا على نشر صور لقائه مع ايهود باراك، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، في منتدى ريتشموند «للسلام». «كيف تنظر في يد من صافحوك فلا تبصر الدم في كل كف؟» كان رد حملة المقاطعة، في مصر، لدحض تبريرات البرادعي حول لقائه بمجرم الحرب باراك، مذكرين إياه (في حال إصابته بمرض الخرف الانتقائي) بتاريخ باراك العنصري الاستيطاني. وهو رد يصلح لكل الحكام والساسة الزاحفين زحفا للتطبيع بينما تعيش الشعوب، في فلسطين ومختلف أنحاء العالم، أسبوع مقاومة الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي مرددين ترتيله درويش عن الأرض والمقاومة»،

وأستلُ من تينة الصدر غصناً / وأقذفهُ كالحجرْ/ وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين».

  2 ترامب من الموصل إلى الشعيرات: تقليم أظافر إيران

 

علي الأمين

 

 العرب
  الرئيس الأميركي حدد أولوية محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ولا سيما في العراق وسوريا، والغارة الأميركية لا تخرج عن هذين الهدفين بل هي ضربة عسكرية بغاية سياسية تتصل بجوهر أهداف ترامب.

 

الضربات الأميركية على مطار الشعيرات السوري شمال حمص بتسعة وخمسين صاروخا فجر الجمعة الماضي أثارت تساؤلات وأطلقت قراءات متعددة لأبعاد الضربة الأميركية الأولى للجيش السوري بشكل رسمي.

 

وكانت بارجة أميركية أطلقت هذه الصواريخ توماهوك من المتوسط لاستهداف المطار الذي انطلقت منه الطائرات التي كانت أغارت على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية وأدّت إلى مقتل نحو مئة مدني نتيجة استعمال غاز السارين وهو من ضمن ما يعرف بالأسلحة الكيمياوية المحرّمة دوليا.

 

وبحسب البيانات الأميركية الرسمية وعلى رأسها ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإنّ القوات الأميركية لديها إثباتات على أنّ طائرات عسكرية تابعة لنظام بشار الأسد هي من قام بهذه العملية الإجرامية في ردّ مباشر على الاتهامات الروسية والإيرانية والنظام السوري لمعارضين بالتسبّب في هذه المجزرة.

 

لا شكّ أنّ الإدارة الأميركية التي قامت بتوجيه الضربة الأخيرة في مطار الشعيرات، لم تكن بداية لتدخل عسكري واسع بقدر ما هي رسالة ذات أبعاد سياسية لن تحمل في طياتها تطورا عسكريا استثنائيا تجاه الجيش السوري ونظام الأسد.

 

لقد حدد الرئيس الأميركي أولوية محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ولا سيما في العراق وسوريا، والغارة الأميركية لا تخرج عن هذين الهدفين بل كما أشرنا إلى أنّها ضربة عسكرية بغاية سياسية تتصل بجوهر أهداف ترامب:

 

أولا، وفّرت الضربة الأميركية بسبب استخدام السلاح الكيمياوي تخفيفا للضغط الداخلي الأميركي على الرئيس من الكونغرس وأشاحت النظر عن اتهامات لمساعديه بمحاباة روسيا والاتصال بجهات روسية خاضعة لعقوبات أميركية، وأظهرت هذه الضربة تعاطفا شعبيا أميركيا مع خطوة ترامب ضد السلاح الكيمياوي.

 

ثانياً، أظهرت هذه الضربة حجما واسعا من التأييد لدى الحكومات العربية وتركيا، والأهم هو التأييد الشعبي السوري لأيّ خطوة أميركية تنهي الأسد، ويتجاوز الأمر المستوى السوري إلى المزاج العربي العام الذي بات يريد إنهاء ملف الأسد والأزمة السورية.

 

ويمكن ملاحظة أنّه ترافق مع التدخل الأميركي الأخير موقفان بارزان من الزعيم الشيعي في العراق مقتدى الصدر الذي دعا بشار الأسد إلى التنحي، وهذا أوّل موقف من نوعه يصدر عن قيادي شيعي عراقي، والثاني عن النائب السابق للرئيس العراقي عزة إبراهيم الدوري، الذي وإن لم يتطرق إلى الضربة الأميركية إلاّ أنّه أثنى على موقف الرئيس الأميركي لجهة الحدّ من النفوذ الإيراني وميليشياتها في العراق.

 

وهما رسالتان سياسيتان تكشفان عن أنّ موقف الإدارة الأميركية المتشدد من إيران ومن الأسد سوف يكشف عن المزيد من المواقف لقيادات مؤيدة لهذه السياسة لم تكن لتتجرّأ على إصدار مثل هذه المواقف قبل الضربة الأميركية.

 

ثالثا، تدرك الإدارة الأميركية، وهي على أعتاب إنهاء تنظيم داعش في الموصل اليوم وفي الرقة في المستقبل القريب، أنّ ذلك يتطلب قطع خطوات إيجابية تجاه ما يمكن أن نسمّيه السنة العرب، ذلك أنّ أحد مصادر نشوء داعش الرئيسية والمصدر الاجتماعي والشعبي لطاقته كان يتمثل في تصاعد النفوذ الإيراني وبروز التنظيمات الشيعية وتهميش السنة في العراق وسوريا، وانحياز واشنطن خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما إلى هذا الخيار لمصالح أميركية بالدرجة الأولى لا شيعية ولا إيرانية، وهي اليوم في عهد الإدارة الجديدة ربطت استراتيجيا بين معركة إضعاف داعش وإضعاف النفوذ الإيراني، ذلك أنّ الحقيقة الصارخة التي أثبتتها السنوات الماضية هي أنّ كلّ تطرف سني يقابله تطرف شيعي والعكس صحيح أيضا.

 

رابعا، وهي النقطة المحورية المتمثلة بالعلاقة مع روسيا، إذ لا يمكن الفصل بين الضربة الأميركية لمطار الشعيرات وتأثير ذلك على العلاقة مع روسيا، لكن ما لا يمكن المرور عليه مرورا سريعا هو أنّ واشنطن التي أرادت أن تقول لروسيا إنّها لم تستطع تنفيذ عملية إدارة الأزمة السورية وفشلت في إنهاء الملف الكيمياوي الذي كان ضمن اتفاق أميركي – روسي عام 2013، وأنّها لم تنجح كذلك في التقدم على خط تنفيذ التسوية السياسية، تقول واشنطن بعد صواريخ التوماهوك إنني هنا، لذا كانت الرسالة الأهم على هذا الصعيد أنّها أكدت أنّ الأسد مجرم حرب، وذهب مجلس الشيوخ الأميركي إلى المطالبة بمحاكمته، وأنهت واشنطن كل احتمالات التعامل مع الأسد كشريك في الحل أو في محاربة الإرهاب.

 

ترامب قال إنّه يريد استعادة قوة أميركا في مواجهة تردد سلفه أوباما وضعفه. فقد عمد إلى زيادة ميزانية الدفاع وأعاد تنشيط علاقاته مع الحلفاء المعادين لإيران في المنطقة، لكنه لم يطرح أي أولوية لمواجهة موسكو، بل إنه وفي ظلّ عدم وجود سياسة أميركية تقوم على استنساخ التدخل في العراق في الميدان السوري، يذهب إلى فتح الطريق أمام دور روسي يقوم على استثمار القوة الأميركية في سبيل تحجيم دور إيران، ذلك أنّ روسيا التي لا تضع في استراتيجيتها أولوية بقاء الأسد في السلطة، قادرة على ضبط إيقاع دورها في سوريا، بما يتناسب مع مصالح استراتيجية لها تقوم على الانتقال إلى مرحلة البحث عن خيارات بديلة تحمي مصالحها، مستفيدة من الضغط الأميركي على إيران، ومن الحاجة الإيرانية لغطاء تمثله روسيا في مواجهة واشنطن. خطوة ترامب في المنطقة تطرح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المحافظة على النفوذ الروسي في سوريا مستقبلا على حساب النفوذ الإيراني. خصوصاً أنّ نفوذ إيران في سوريا بات مرتبطا بشخص الأسد من جهة وبالغطاء الروسي من جهة ثانية.

 

خطة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة من قبل الإدارة الأميركية، محكومة في السياسة الأميركية بمزيد من شيطنة أدوات إيران، من دون أن يعني ذلك عدم استثمار واشنطن في المقابل للتناقضات السياسية في المنطقة باعتبارها وسيلة ناجحة للتحكم والسيطرة وللنفوذ الأميركي فيها.

 

حصار إيران سيستمر في عهد ترامب وسيشكل ذلك وسيلة لتحجيم نفوذ إيران واستنزافها، خاصة وأن العراق الذي يتهالك اقتصاديا وسياسيا بات عاجزا عن وضع أوراق قوته في يد إيران، لا سيما أنّ واشنطن فتحت بابا للتسوية السياسية والحلول بين مكوناته فيما إيران لم تستثمر إلا في الانقسام العراقي وفي استنزاف طاقاته الاقتصادية والنفطية إلى حدّ بعيد.

 

تقليم الأظافر الإيرانية في المنطقة العربية هو ما يمكن أن نطلقه على السياسة الأميركية في المنطقة وتحديدا في سوريا والعراق ولبنان واليمن عبر سلّة من العقوبات المالية الجديدة تطال حزب الله يجري الترويج لها، وهي تشير إلى هذه الاستراتيجية التي تقوم على خنق مصادر تمويل أذرع إيران في المنطقة وتشجيعها على المزيد من الغرق في تناقضات سياسية واجتماعية مع محيطها.

3   معركة الفلوجة الأولى.. تاريخ مشرّف ومستقبل غامض 1-2 د. محمد عياش الكبيسي   العرب القطرية  
        

في مثل هذه الأيام من سنة 2004 وقعت المنازلة الكبرى والمفتوحة بين الجيش الأميركي وأهالي الفلوجة، في معركة غير متكافئة بكل المقاييس، لكنّ نتائجها فاجأت الجميع، حيث أعلن الجيش الأميركي خضوعه لشروط الأهالي وانسحابه منها بطريقة مهينة.

اليوم ربما غاص هذا الحدث الكبير في زحمة الأحداث والطوفان المتلاطم في أغلب المنطقة العربية من الهلال الخصيب إلى اليمن السعيد، بل إن هناك من لا يريد أن يتذكر ذلك التاريخ المشرّف، لأن أولويات الصراع اختلفت، فصارت الأمة تواجه الخطر الأكبر والأشد على يد (الجمهورية الإسلامية) وإخطبوطها الطائفي وأذرعها الخفيّة أكثر بكثير مما تواجهه على يد الأميركان، وحسبك أن ترى كثيراً منّا من صار يأمل في سياسة ترمب لعلها تمثل مخرجاً للمأزق الذي صنعته إيران لهذه المنطقة.

هنا لا بد من دراسة الحدث دراسة موضوعية بإيجابيّاته وسلبيّاته وحيثياته المختلفة.

بداية لم يكن أهل الفلوجة يخططون لخوض مثل هذه المعركة، وإنما كان أقصى ما عندهم أن يعتمدوا سياسة الكر والفر على الطرق الخارجية وفي المعسكرات المعزولة عن المدن، وهذا شأن كل المقاومة التي انطلقت شرارتها في المحافظات السنّية، بل هو النهج الصحيح للعمل المقاوم، حيثما كان هناك احتلال عسكري، إلا أن العنجهية الأميركية تعمّدت استفزاز الأهالي وإذلالهم بكل الطرق، ومن ذلك أن قامت إحدى المجندات بوضع حذائها على رأس أحد الباعة في سوق المدينة، ثم اعتقال امرأة فلوجية في يوم عرسها من غير سبب، وأخيراً كان الاعتداء على تلاميذ مدرسة تظاهروا بعد أن احتل المارينز مدرستهم الكائنة في حي سكني مكتظ بالسكان.

لقد أخذ الغضب بالأهالي كل مأخذ خاصة بالشباب المتحمس والذي لا يفهم معنى هذا الاستفزاز المتكرر، فكانت الفرصة لهؤلاء بقتل ثلاثة أفراد من البلاك ووتر سيئة الصيت، وتعليق جثثهم على جسر الفلوجة القديم.

بدأ الأميركان بحشد قواهم للانتقام من الفلوجة كلها، وكانوا على غير دراية كافية بطبيعة الفلوجة وأهلها ومحيطها العشائري الممتد في كل الاتجاهات.

استعد الأهالي كلهم وبدون استثناء للمواجهة، كما استعدت العشائر في الخارج لقطع إمدادات الجيش الأميركي، وما إن بدأت المعركة حتى انهارت معنويات الجنود، وأدركوا أنهم وقعوا فيما يشبه الكمين المحكم، وتوالت خسائرهم حتى قال بوش الصغير حينها: (إني لم أتوقع كل هذه الخسائر في أرواح جنودنا، إني أصلي للرب من أجل تقليل الخسائر فقط).

اضطرت القيادة الأميركية للتفاوض بغية تخليص جيشها من هذا المأزق، وهنا كانت الفرصة التي لم يكن الأهالي ولا كل فصائلهم المسلحة بالمستوى الذي يؤهلهم لاغتنامها والبناء عليها، حيث لم يكن هناك إطار سياسي متفق عليه، ولا رؤية مستقبلية واضحة.

لقد كان الوفد التفاوضي مشكلاً من وجهاء وعلماء وقلة من الساسة الجدد، ولا أظن أنه كان من بينهم من هو مؤهل لمثل هذه المفاوضات، كما أن الاتفاق -وأقولها لله وللتاريخ- كان برضا الجميع، فقد التزم الجميع بوقف النار بعد أن نفّذ جيش الاحتلال التزاماته بالخروج السريع من المدينة وتشكيل إدارة محلية، لقد اكتست المدينة حلّة النصر، لكنها ربما لم تحس

  4  الصدر والتغيير!

 

 طارق مصاروة

 

   الراي الاردنية
    

لمقتدى الصدر كل الاحترام، فهذا الكبير من آل البيت، يمثل من زمن حالة خاصة في «البيت الشيعي». ومنذ أول أمس ونحن نلاحظ تجنب وسائل الإعلام العربية والأجنبية قنبلته التي ألقاها:

 

– على الأسد ان يتنحى حفاظاً على شعبه.

 

– على الذين استباحوا سوريا ومنهم الإيرانيون وحلفاؤهم من لبنان، وأفغانستان.. وحتى العراق أن يخرجوا من دائرة الصراع لأنهم يدمرون كيان سوريا الدولة.

 

ومقتدى الصدر، بهذا الحجم من الشجاعة والشفافية، يجعل من المصالحة القادمة العراقية، المخرج الكريم والوحيد للعراق الدولة: ليست إيرانية، وليست معادية لإيران. ليست أميركية وليست معادية لأميركا، وإنما هي الكيان الذي صنعه فيصل بن الحسين بقوميته المعتدلة، وانتمائه القرشي حيث هو سُنيّ، وحيث التشيع انحياز لآل البيت.

 

حين جاء زعماء ثورة العشرين لزيارة الحسين بن علي، طلبوا إليه فيصلا ملكاً للعراق.

 

وتردد باعث حرية وكرامة امته: وتتخلون عنه كما تخليتم عن جده؟! فأقسموا بشرفهم (والشرف كان وقتها له معناه) ان يقفوا الى جانبه.

 

فصاح الحسين: يا عيال .. نادوا فيصل!! وذهب القائد العظيم الى بيت مستأجر في ظاهر بغداد، وتعلّم من تجربته في دمشق، واستطاع خلال سنوات الصبر واللعب مع الانكليز ان يبني الدولة العربية الأولى المستقلة: لا حماية ولا وصاية!!.

 

مقتدى الصدر غيّر كل المعادلات المحلية العراقية، والاقليمية، فايران لم تعد منذ الساعة حاكمة لأربع عواصم عربية، ولا تملك أن تحارب العرب بالعرب، والولي الفقيه ليس دليلها الفكري والثقافي .. ولا حاكمها!! وغيّر كل معدلات «البيت الشيعي» الذي أعاد التشيع الى صورته الأولى التشيع لآل البيت، وليس لآل خامينئي، وفيالقه التي ليس لها من القدس سوى التجارة، والمساومة والتقّية.

 

علينا ان نقرأ مقتدى الصدر قراءة جادة. فهو كان دائماً الاقرب الى العروبة وشرعة آل البيت.