1 | النائب العراقي الذي يطالب بتسليم العراق للأمريكيين! | محمد كريشان | القدس العربي |
«يجب تسليم العراق إلى أمريكا التي تعتبر القوة الوحيدة القادرة على قطع أذرع الدول الإقليمية فيه، مثل تركيا وقطر وإيران وباقي دول الخليج الممتدة داخل العراق والتي لا تريد لنا إلا الدمار والتقسيم واستنزاف خيرات بلادنا».
أخيرا…. وجد أحدهم الدواء الشافي لمعضلة العراق، الدواء الذي لم يعثر عليه طوال هذه السنوات أحد من جهابذة السياسة والاستراتيجية في العالم كله. نعم.. هذا ما قاله بالضبط قبل يومين شعلان الكريم النائب في البرلمان العراقي عن «حزب القوى الوطنية» (هكذا!!). وحيث إن هذا المقترح الذي قاله لبرنامج «بالعـــــراقي» لتلفزيون «الحرة – العراق» مقترح وجيه للغاية ولا تنقصه بطبيعة الحال لا الوطنية ولا الوجاهة ولا الفطنة، فقد بات لزاما الوقوف عند مواقف النبوغ عند هذا النائب من مدينة سامراء الذي اختاره الشعب العراقي في برلمانه عن محافظة صلاح الدين. ليس سهلا الغوص في شخصية بمثل هذا العمق والشمولية وبعد النظر والرؤية الثاقبة خاصة عندما يباغتك في ذات المقابلة بالقول إن أزمة العراق «لن تعرف النهاية إلا باتفاق الساسة العراقيين على إنشاء دولة مدنية تعترف بحق كل مواطن عراقي ويسودها العدل والمساواة بين كل الأطياف والأعراق»… فيصيبنا مرة أخرى بالدوار وذلك بعد أن اقتنعا للتو أن تسليم العراق إلى أمريكا هو الترياق، الذي سينهي، دون غيره، آلام العراقيين ويردع كل المتدخلين في شؤونهم، علما أن أمريكا ليست طبعا من بينهم، ولا هي،لا سمح الله، من بين من يريد تقسيمه أو استنزاف خيراته!!. هذا النائب يطلق عليه محبوه على صفحات التواصل الاجتماعي ألقابا من نوع «النائب القائد» أو «القائد الشيخ» بل وأحيانا «صاحب السمو شعلان بن عبد الجبار آل الكريم» وذلك في إشارة إلى أنه شيخ عشيرة البوعيسى، كما يقدم هو نفسه في موقعه على «تويتر»، مع أن لإيقاع هذا الاسم الفخم رائحة خليجية كان يفترض بسموه أن ينأى بنفسه عنها خاصة أن هذا التشبه هو مع قوم لا يريدون لشعبه «إلا الدمار والتقسيم واستنزاف الخيرات». يبدو أن ما قاله هذا النائب الخمسيني الحاصل على شهادة الإعدادية، وفق ما جاء في بياناته الشخصية عند ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة عام 2014 التي نشرتها مفوضية الانتخابات، ما هو إلا ترجمة أمينة لشعاره الذي اختاره لحملته الانتخابية ضمن «ائتلاف الوطنية» آنذاك وهو «قل الحق ولو كان مرا»… وهل هناك حق أكثر من الاعتراف بعظمة أمريكا وقدرتها على حل كل معضلات العالم في طرفة عين ؟! وهل من مرارة تعادل مرارة الاعتراف بضرورة تسليم البلد إليها !؟. ولكن كيف لنا أن نهضم مثل هذه الدعوة التي أطلقها النائب على قناة أمريكية حتى تصل بسرعة إلى واشنطن ويتلقفها شخص مثل دونالد ترامب المتلهف أصلا لذلك ولا يحتاج لمن يحرضه، حين يؤكد في خضم الانتخابات الأخيرة على «موقفنا في الاستمرار بمشروعنا الوطني وانقاذ العراق والعراقيين من الوضع الراهن ومحاولة الوصول الى برلمان. حيث ان من أهم مميزات القائمة الوطنية هو اصرارنا وثباتنا على تحقيق المشروع الوطني الذي يهدف الى بناء دولة المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون وتوفير الخدمات» (!!). وعندما تريد العودة للبحث أكثر عن هذا النائب المغرم جدا بالمقابلات التلفزيونية، التي بالمناسبة لم يستثن منها في مرات عدة حتى الخليجية التي تريد الدمار لبلاد الرافدين، ستجد، وأنت تنتقل بين المواقع المنسوبة له أو لمحبيه، كما يطلقون على أنفسهم، الكثير الكثير من صوره، فالرجل الذي لا يتخلى عن غترته وعقاله يبدو مغرما جدا بنفسه إلى حد الاستنجاد بالشعر القديم لمدح نفسه، كتلك الأبيات لأبي مدين التلمساني التي تقول: تحيا بكم كل أرض تنزلون بها كأنكم لبقاع الأرض أمطار
وتشتهي العين فيكم منظراً حسنا كأنكم في عيون الناس أزهار ونوركم يهتدي الساري لرؤيته كأنكم في ظلام الليل أقمار ولأن شعر الفصحى قد لا يفي الرجل حقه، فقد استنجد بالشعر الشعبي الذي يقول بعضه: المرجلة يا خوي.. هي طولة البال، هي العزم، هي الصبر في الظلايم فيها الكرم، عزة دلة وفنجال فيها الكرامة عن ردى الطبع شايم كلمة المرجلة هذه تحديدا تذكرنا بما قاله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال موكب إعدامه، ذلك أن مطالبة هذا النائب، شيخ عشيرة عربية من النشامى الغيورين، بتسليم بلاده للأمريكيين، حتى على افتراض صحة كل ما قاله عن تآمر دول الجوار عليه، وعلى افتراض تساوي كل المتآمرين في ذلك من إيران إلى تركيا إلى دول الخليج العربية، أمر لا علاقة له الحقيق |
|||
2 | نظام إدارة المعركة قتل المدنيين في الموصل |
د. ظافر محمد العجمي
|
الوطن البحرينية |
قتلت الحشد الشعبي تناقضاته، فهو لا يعرف ما يريد، هل يرفع صوته مدافعاً عن نفسه كلما ارتكبت بندقيته الإثم، أم يرفع بندقيته لإسكات أنين المدنيين الأبرياء؟! فبعد أن تم انتشال ما يصل إلى 200 جثة من تحت أنقاض مبنى منهار بعد ضربة من قبل التحالف، اعترف الجيش الأمريكي بمقتل المدنيين العراقيين غرب مدينة الموصل. وأعلن عن تحقيق لمعرفة تفاصيل الواقعة. لكن العراقيين قالوا إن قوات التحالف نفذت غارة جوية بناء على طلب من القوات العراقية. ثم عادت خلية الإعلام الحربي العراقية لتقول إن «مقتل المدنيين كان على أيدي «داعش» الذين استخدموهم دروعاً بشرية في بنايات مفخخة ثم فجروهم». لكن الحقيقة أن من قتل الأبرياء هو نظام إدارة المعركة «BMS،«Battle Management System، حيث تملك نظم إدارة المعركة القدرة على إدارة الأحداث والتحكم فيها وتمكين القائد من اكتساب الوعي الظرفي الكامل بعرض البيانات الضرورية التي يطلبها. وقد صممت نظم إدارة المعارك معتمدة على شبكات الاتصالات والأجهزة الملاحية والتحديد الجغرافي للإحداثيات، ونجحت في إزالة بعض ضباب الحرب «Fog Of War» الذي أكده الاستراتيجي الفذ كلاوسفتز Clausewitz حيث تحدد بدقة مواقع القوى الصديقة المؤكدة والمعلومات الفرضية عن نقاط تواجد القوى المعادية. وتقدم تلك المعطيات إلى القادة لإدارة السيطرة على الأحداث في مرحلة الإعداد للعمليات قبل القتال. فهل فشل نظام التعقب الأوتوماتي للقوات الصديقة Blue Force Tracking» BFT» أم أن ضابط انتخاب الأهداف العراقي على الأرض قد أخرج المدنيين من الحماية ووضعهم في خانة الأهداف المشروعة جنباً إلى جنب شذاذ الآفاق من «داعش»؟ كما أن أهم عوامل نجاح نظام إدارة المعركة «BMS» هو القدرة على تحويل البيانات الاستخباراتية إلى ميزة معلوماتية يستفاد منها في التنفيذ، فهل تم تلقيم النظام بيانات خاطئة؟! كما يذهب المختصون إلى أن طرفي المعادلة وهما قائد مركز توجيه المقاتلات من قوات التحالف، وضابط جمع البيانات العراقي وجلهم من «الحشد» على الأرض إن لم يكن الطرفان قادرين على الربط الشبكي والتشغيل الآلي بحيث تكون دورة الرصد والتوجيه والتقرير والعمل (OODA) Observe, Orient, Decide, and Act مضغوطة من حيث الوقت فسينتهي أن يصبحوا «غير متزامنين»، فهل رحل الإرهابيون منذ زمن وتركوا المدنيين؟
* بالعجمي الفصيح: رحم الله شهداء الموصل، لكن النزوع السريع لذريعة استخدام «داعش» للمدنيين كدروع بشرية بهذا العدد أمر من الصعوبة قبوله بيسر لقلة مقاتلي التنظيم الإرهابي. فما جرى هو تصرف بدون مرجعية للقيم الإنسانية، وما هو أشد منه أن يترك الأمر دون تحقيق. |
|||
3 | ما بين تحرير الموصل ومعركة الرقة | عماد عريان
|
البيان الاماراتية |
حالة من الالتباس الشديد يمكن أن تنتاب أي إنسان عندما يقترب من المشهد الأمني والإنساني الراهن في بلاد الرافدين، فمع دخول معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي مراحلها النهائية، فلا بد وأن تختلط المشاعر وترتبك الأحاسيس إزاء الأنباء المتواترة عن سير المعارك، ارتياحاً لسقوط مواقع التنظيم الإرهابي، وغضباً لسقوط المئات من المدنيين الأبرياء بين قتيل وجريح ومفقود تحت الأنقاض.
ليست الحرب الأولى التي يسقط فيها مدنيون أبرياء بهذا العدد الكبير، وأغلب الظن أيضاً أن دماءهم سوف تذهب هدراً مهما كثر الحديث عن تحقيقات لكشف الأخطاء أو محاولات للتبرير، فسواء كانت قاذفات «التحالف» المكلفة بالقصف الجوي أو«مفخخات» داعش التي ترددت اتهامات تحملها مسؤولية ما حدث بالبصرة قبل أيام، ففي الغالب النتيجة واحدة، والملفات ستبقى مفتوحة دون أن يتحمل أحد مسؤولية ما حدث بشكل مباشر.
وبكل تأكيد لا يمكن ولا يجوز القبول بفكرة «الخطأ» لتمرير جرائم استهداف المدنيين، فكثير من الأخطاء في مواقع عدة من العالم كانت تصب في خانة «الأخطاء المقصودة» التي يراد تحقيق أهداف معينة من ورائها، وفي الوقت ذاته لا يجوز القبول بذريعة «الحسابات الخاطئة»، فمن المفترض أن عملية كبيرة بحجم معركة «قادمون يا نينوى» خضعت لحسابات ميدانية واستراتيجية عميقة.
ولم يكن ذلك المشهد الوحيد الذي تتحول فيه مناطق ومدن في بلاد الرافدين إلى ميادين رماية لكل أنواع الأسلحة من جانب قوى وجماعات محلية وإقليمية ودولية، فكان أبرزها في الأشهر الأخيرة ما جرى في معارك حلب وفي مناطق أخرى بشمال سوريا مثل تدمر وعين العرب.
حدث أن تم قصف قوافل إغاثة دولية ومشافٍ ودور مدنية عديدة في وضح النهار، ولم تحرك أي قوى أو مؤسسات دولية ساكناً باستثناء أصوات شاردة هنا أو هناك تطالب بتحقيقات دولية مكثفة، وأخرى تطالب بتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين (غير محددي الهوية) بتهم الإبادة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
هذه التطورات الدامية تدعو للأسف بكل تأكيد، ولا يخفف منها كثيراً هزيمة «داعش» وكانت أمراً محتوماً، وهو أمر يبعث بالقطع الارتياح في النفوس للخلاص من هذا الكابوس المخيف، ولكن المشاهد الأخيرة لمعارك الموصل تثير الكثير من المخاوف والقلق مما هو آتٍ.
خاصة وأن «داعش» ليس التنظيم الإرهابي الوحيد، فهناك عديد من الجماعات والتنظيمات التي تلزم النهج الإرهابي المسلح وخطرها قائم في ربوع المنطقة ومن بينها من يرتبط بداعش فكراً وتطرفاً، والآخرون ولدوا من عباءة «القاعدة» وبينهما جماعات انفصالية ترمي لأهداف خاصة وجماعات معارضة مسلحة تشوهت بفعل كثير من التدخلات الخارجية التي خلطت كل الأوراق.
كثير من هذا الخلط نتوقعه في المرحلة المقبلة في الأراضي السورية مع احتشاد قوى محلية وإقليمية ودولية لخوض واحدة من أشرس المعارك من المتوقع أن تشهد هي الأخرى الكثير من التجاوزات في حق المدنيين الأبرياء، بحثاً عن تكريس واقع سياسي وأمني وديموغرافي جديد يلبي مخططات القوى المتورطة في هذه الحملات على غرار ما يحدث في الموصل، ولا شك في أن تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان التي أكد فيها قبل أيام أن معركة تحرير مدينة الرقة السورية من أيدي تنظيم داعش الإرهابي ستبدأ خلال أيام قد ألهبت خيال السياسيين والاستراتيجيين، ليس على الصعيد الإقليمي فقط ولكن على الصعيد الدولي أيضاً في محاولة لفك طلاسم الموقف المعقد في هذه المنطقة.
وحسب رؤية الوزير الفرنسي فإن بلاده ترى دائماً أن الرقة هدف ذو أولوية، وأن معركتها ستكون صعبة للغاية، وهي بالفعل ستكون كذلك ليس لأنها معركة الخلاص من داعش ومقر قياداته فحسب، ولكن لهذه الحشود العسكرية الضخمة من جانب قوى دولية عديدة، وكذلك للحسابات المعقدة للعبة المصالح من جانب أطراف الصراع المحلية ودول الجوار المعنية وخاصة تركيا.
ولعل الوثيقة السرية التي كشف النقاب عنها مؤخرا في واشنطن، تؤكد ذلك، حيث ترصد أربع عشائر قوية قد تكون لها الكلمة الفصل في حسم المعركة، في ظل الصراع بين قوات درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على المدينة.
وحسب الوثيقة، فإن أهم العشائر في المنطقة هي البياطرة والعجيل والبريج والنعيم، وهذه العشائر متفقة على طرد داعش من الرقة ومتفقة أيضاً على رفضها لأي دور للأكراد أو الميليشيات الشيعية في المعركة، وتصنف الوثيقة توجهات عشائر الرقة على النحو التالي: عشيرة البياطرة تحتضن الجيش السوري الحر وتعارض بشدة النظام السوري، ثم عشيرة العجيل التي ينحدر منها أمير داعش في الرقة، أبولقمان وتتميز بعدائها الشديد للأكراد، وكذلك عشيرة البريج ويتهمها التقرير بأنها توفر حاضنة لداعش، أما عشيرة النعيم فيقول التقرير إن ولاءاتها تتأرجح بين داعش والنظام السوري والأكراد.
وتلفت الوثيقة الصادرة عن معهد واشنطن الانتباه إلى أن هذه العشائر العربية رغم اختلاف توجهاتها، يمكنها أن تكون خياراً جيداً لواشنطن للاستيلاء على الأرض والسيطرة على الرقة بعد طرد داعش منها، وواقع الأمر أن هذه مجرد جزئية لصورة شديدة التعقيد يصعب معها ومع وجود أطراف أخرى صياغة قراءة واحدة لمعركة الرقة «المنتظرة». |
|||
4 | الموصل: الموت على أيدي «المحرِّرين»! | أحمد بن راشد بن سعيّد | العرب القطرية |
كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في أذهاننا المقارنة بالمصيرالمروّع الذي آلت إليه شقيقتها مدينة حلب السوريّة. المذابح الأخيرة التي رأينا صورها في حيّ موصل الجديدة غرب المدينة ليست الأولى، ولكنها ما ظهر أمام الكاميرات فقط. أكثر من 500 من المدنيين قُتلوا وهم في بيوتهم إثر قصف أميركي في 17 آذار (مارس)، وثمّة ألفا مواطن آخرون تحت الأنقاض لم تُنتشل جثثهم بعد. وبينما تستمرالمذبحة، تستمرالدعاية المألوفة لتسويقها: مسلّحو «داعش» يختبئون في المناطق السكنيّة، ويتترّسون بالمدنيّين. تُدار الدعاية من أعلى قمّة الهرم في العراق، حيث صرّح رئيس النظام، فؤاد معصوم، أنّ «ما يحصل في الموصل كارثة إنسانيّة» وأنّ وقوع قتلى من المدنيّين ليس إلا «ضريبة محاربة التنظيم الإرهابي الذي يتّخذ المدنيين دروعاً بشريّة»، لكنّ ذلك غير مقصود، بحسب تعبيره، وتفرضه «طبيعة القتال». تتوارى اللغة الطبيعية، وتبدو اللغة المتوحشة الرديف: قتلناهم وسنقتلهم، ولن نعدم مبرّرات في الحالين. رئيس وزراء النظام، حيدر العبادي، أعلن فتح «تحقيق» في المجزرة زاعماً أنّ «صيحات استهداف المدنيّين هدفها إنقاذ الدواعش في اللحظات الأخيرة». لجنة التحقيق في المذبحة تكتيك دعائي لتدارك الضرر، والتشكيك في نزاهة منتقديها تكتيك آخر من نوع «قابل الصياح بالصياح تسلم». سلمان الجميلي، وزير تخطيط النظام، ومن عائلة سنيّة، فعل ما هو أبشع، فقد سأله مراسل قناة «رووداو» العراقية عن جثث أهل السنّة في الموصل التي ما تزال تحت الركام، فأجاب: «ليس هذا وقت السؤال الآن»، وابتعد عن المراسل كأنّما يريد الهرب من عاره. فظاعات الموصل تنذر بما هوأسوأ. في سعي إلى نصر حاسم، «وسّعت» الإدارة الأميركية الجديدة قواعد الاشتباك سامحةً بضرب مناطق مدنيّة، ما سيجعل الآلاف من الأبرياء يدفعون الثمن. ما الفرق إذن بين التوحش الروسي في حلب والتوحش الأميركي في الموصل؟ كيف اختلف الخطاب الغربي تجاه العدوان الأجنبي على مدينتين من أكبر مدن المشرق وأقدمها؟ عشيّة سقوط حلب، أعلنت صحيفة «النيويورك تايمز» أنّ سفّاحي موسكو وطهران ودمشق هم «مدمّرو حلب» منتقدةً بشدّة القصف العشوائي المكثّف للأحياء السكنيّة. سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة، سامناثا باور، ذهبت أبعد من ذلك مقارنةً سقوط حلب بالإبادة الرواندية، وبمجزرة سربرنتسا. صحيح. تعرّضت حلب لحصار وحشي على مدى سنوات تخلّله قصف مستمر بالبراميل المتفجّرة والقنابل الكيميائية للبيوت والمدارس والمساجد والمستشفيات، مصحوب بقطع تام للمساعدات الإنسانية عن شرقي المدينة، لكن ماذا عن الموصل؟ تبدو المذبحتان متشابهتين. الميليشيات الشيعية العابرة للحدود التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في حلب ترتكب، هي نفسها تقريباً، جرائم في محيط الموصل: «بدر»، «النجباء»، حزب الله»، هي فقط أبرز الأسماء. الإعدامات الجماعية المدفوعة بأحقاد طائفية في شرق حلب تجري على قدم وساق في أوساط الهاربين من جحيم الموصل. قصف الروس لحلب لا يختلف عن قصف الأميركيين للموصل الذي طاول أيضاً المواقع المدنيّة والبُنى التحتيّة. في مثال واحد، ضربت طائرات أميركية مركز نينوى الإعلامي ما أسفر عن مقتل 50 مدنيّاً. طائرات الأباتشي الأميركية قصفت بالتعاون مع قوّات نظام العبادي بنايات سكنيّة في حي الدواسة، الأمرالذي أدّى إلى مقتل 130 مدنيّاً. قوات «التحالف» استخدمت أيضاً سلاحاً كيميائياً (الفوسفور الأبيض الذي يحرق اللحم الآدمي حتى العظم). موقع «أيروورز» قال إن الهجمات الأميركية على الموصل زادت بنسبة 33% خلال شهر كانون الثاني (يناير)، وإنّ أعداد الضحايا المدنيين بلغت مستوى قياسياً «بما في ذلك عائلات بأكملها». في الأسبوع الأول من شهر آذار (مارس) قتل «التحالف» 370 مدنياً بينهم كثير من الأطفال. سقوط الموصل لن يختلف كثيراً عن سقوط حلب، لكن من دون إدانات ولا مقارنات. ربما ينزاح قريباً كابوس «داعش» عن صدور الموصليين، لكن من بقي منهم حيّاً لن يحتفلوا بتحرير على أنقاض بيوتهم وأشلاء أحبّائهم، وسيتذكّرون دائماً وجوه القتلة وأسماءهم.;
|