قالت وزارة قدامى المقاتلين الأميركية، إن 13 بالمئة من مقاتلي الحرب في العراق يعانون من أمراض نفسية تعقب الصدمة، وأن الجنود عاشوا قصصا فظيعة حينما واجهوا الموت بمقاومة العراقيين في الأنبار ونينوى.
وإن الجنود يعانون من الضغط النفسي الذي يعقب الصدمة، وتتراوح أعراضه من الأرق إلى الاكتئاب، مرورا بنوبات القلق والهلوسة والعنف وإيذاء النفس.
ويروي قصصا فظيعة عن الموت الذي وجده الأميركيون أمامهم في مقاومة العراقيين خلال فترة الغزو الأميركي عام 2003 في الأنبار ونينوى، حيث كانت الدبابات العملاقة تتفجر والمروحيات القتالية تتحطم بالأجواء، بالرغم من أن “العراق كان قد جرى حل جيشه ومطارة رئيسه ثم إعدامه”.
وبحسب التقرير كان جاستن كارلايل، في وسط القافلة عندما انفجرت القنبلة في الثاني من نيسان 2006، وبعد خمسة عشر عاما، ما زال يصارع الضغط النفسي الناتج عن الصدمة، على غرار ملايين آخرين من المقاتلين القدامى في الحرب العراقية.
وكانت المقاومة التي شنها العراقيون قد أخفت عددا كبيرا من قذائف مدفعية 155ملم في حفرة بأحد شوارع الرمادي بوسط العراق، وقد دمر الانفجار الآلية الأخيرة من خمس آليات مدرعة، وأدى إلى مقتل ممرض وثلاثة من مشاة البحرية الأميركية، منهم الصديق الحميم لجاستن كارلايل. وفقا لـ”فرانس برس”.
وقال الجندي السابق في المارينز المنحدر من أوهايو بشمال الولايات المتحدة “تم تكليفنا مهمة جديدة بعد 18ساعة”. وأضاف “لميُتح لنا الوقت لتناول الطعام ، لم نتمكن من التوقف والانصراف إلى التفكير، لأنه كان يتعين علينا النهوض والعودة الى المعركة”.
وأوضح “لا ندرك أن شيئا لم يكن على ما يرام (…) إلا عندما نعود إلى بيوتنا”. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش اجتاح العراق في 20 آذار 2003، قبل 15عاما بالضبط. لكن قدامى المقاتلين في هذه الحرب يعتبرون أنهم ما زالوا يشعرون يوميا بعواقبها.
وخلال عمليات الانتشار في الرمادي والفلوجة، رأى جاستن كارلايل بأم العين 25 من جنود وحدته الـ800 يُقتلون، و350 منهم يصابون. ومنذ عودته، أقدم نحو عشرة آخرون على الانتحار أو ماتوا بجرعات زائدة من الأدوية.
على غرار كثير من رفاقه، انتظر جاستن كارلايل، بضع سنوات حتى يطلب المساعدة. فهو لم يستشر طبيبا إلا في 2012، بعد أربع سنوات على تقاعده من الجيش، وقد وصفوا له خمسة أدوية مختلفة. وهو يخشى أن تركز وزارة قدامى المقاتلين كثيرا على الحبوب لمعالجة هؤلاء فيما ينبغي أن تكون الأدوية “الوسيلة الأخيرة”، كما قال.
وأعلنت باولا شنور، مديرة المركز الوطني للإضطراب الذي يلي الصدمة في وزارة قدامى المحاربين، أن مضادات الاكتئاب غالبا ما توصف، لكن العلاج الأفضل يستند إلى مختلف أنواع العلاجات النفسية التي تثبت فعاليتها.
وتسمي خصوصا العلاج الإدراكي الذي يشجع المرضى على مواجهة صدماتهم والخروج منها شيئا فشيئا. وتعتبر شنور، التي تدرس مظاهر الاضطراب الذي يلي الصدمة منذ 1984، أن تقدما كبيرا قد حصل منذ عشر سنوات لمعالجة هذه العوارض. ويسهل المركز الوطني الذي تتولى إدارته حصول المحاربين القدامى على العلاج بفضل “تسجيلات علاجية” على الإنترنت.
لكن مارك راسل، من جامعة “أنتيوك” يعتبر أن رد الوزارة غير كاف لأن تشخيص عدد كبير من حالات الاضطراب النفسي الناجم عن الحرب، لم يكتمل بعد.
وقال راسل إنه “إذا ما نظرنا إلى مدى الاضطرابات انهيار عصبي وقلق ومشاكل صحية غير واضحة، فإنهم لا يفعلون شيئا لجميع هؤلاء الناس”. وأضاف أن خمسين بالمئة هي النسبة الحقيقية لقدامى المقاتلين من ضحايا الضغط النفسي الذي يلي الصدمة.
وأضاف “إنها قنبلة موقوتة”، ولا تفرق الوزارة بين قدامى مقاتلي حرب العراق في إحصاءاتها، لكن جامعة “براون بروفيدنس” في رود ايلاند تقول إن 2,7 مليون جندي قد انتشروا في العراق وأفغانستان بين 2001 و 2014، وهؤلاء الجنود المتمرسون، خلافا لحرب فيتنام، قاموا بعدد من المهمات أو “الرحلات” إلى العراق أو أفغانستان، اللذين تحولا أرضا تسبب الاضطرابات الناجمة عن الضغط الناجم عن الصدمة.
وبالنظر الى الحروب الأميركية السابقة، يتبين أن التكلفة النفسية للحرب العراقية لا يمكن إلا أن ترتفع. وخلال حرب فيتنام، قتل 58 ألف أميركي لكن عدد الذين انتحروا منذ ذلك الحين أكبر بكثير.
ويقول لاري شوك، الجندي السابق في حرب فيتنام حيث كان رامي رشاش على مروحية في 1967، إن المسؤولين الأميركيين لم يستخلصوا بعد دروس تلك الحرب.
وأكد شوك أن “القتل هو الأمر المحرم الأكثر رسوخا في النفس البشرية”، موضحا أن “القتال يغير الشخصية”. وخلص إلى القول “عندما يعود الجندي من المعركة لا يمكننا أن نتوقع عودته إلى حياة طبيعية وسعيدة. دماغه ليس قادرا على ذلك”.
أ.أ