توفيت أول سيدة تتولى رئاسة الخارجية الأميركية . مادلين أولبرايت، عن عمر ناهز 85 عاما . بعد صراع مع مرض السرطان، حسبما أعلنت أسرتها يوم الأربعاء.
اختار الرئيس الأسبق بيل كلينتون أولبرايت لتتولى حقيبة الدبلوماسية الأميركية في عام 1996، وعملت بهذه الصفة خلال السنوات الأربع الأخيرة من إدارة كلينتون.
في ذلك الوقت، كانت المرأة الأعلى منصبا في تاريخ حكومة الولايات المتحدة.
ونشرت أسرتها تغريدة على تويتر جاء فيها” لقد فقدنا أما محبة وجدة وأختا وخالة وصديقة”، مشيرة إلى أن سبب الوفاة هو السرطان.
وكانت أولبرايت، المهاجرة القادمة من تشيكوسلوفاكيا، قد أصبحت عام 1997 أول امرأة أمريكية تشغل منصب وزيرة الخارجية.
فما أبرز المحطات في مسيرتها ؟
مادلا ثم مادلينكا، فـ “مادي الأمريكية تماما”
ولدت ماريا جانا كوربيلوفا في عاصمة تشيكوسلوفاكيا براغ عام 1937.
وفي وزارة الخارجية أشاد المتحدث نيد برايس بأولبرايت “الرائدة باعتبارها أول امرأة تتولى وزارة الخارجية، والتي فتحت الباب فعليا أمام عناصر كبيرة من قوتنا العاملة”.
مأساة عائلية تظهر للعيان
لم تدرك أولبرايت حتى تسعينيات القرن الماضي مدى صعوبة وخطورة وضع عائلتها في أوروبا. فقد اكتشفت صحيفة واشنطن بوست أن أكثر من عشرة من أقاربها، بينهم ثلاثة من أجدادها، قتلوا خلال الهولوكوست.
لم تكن أولبرايت التي نشأت باعتبارها مسيحية من طائفة الروم الكاثوليك على علم بمصير هؤلاء الأقارب حتى ذلك الحين.
قبل أن تنتقل أولبرايت إلى الولايات المتحدة في سن الحادية عشرة عاشت في عدة بلدان وكانت تتحدث أربع لغات.
وقالت في مذكراتها إنها كانت تواجه صعوبة في التوافق مع المراهقين الأمريكيين الآخرين بسبب صرامة وتزمت الآباء الأوروبيين الذين كانوا في مواجهة ثقافة غريبة، وكذلك بسبب طموحها وجديتها في دراستها.
بعد المدرسة الثانوية حصلت أولبرايت على منحة دراسية لدراسة العلوم السياسية في جامعة ويليسلي النسائية الخاصة في ماساتشوستس، وهي ذات الجامعة التي درست فيها هيلاري كلينتون لاحقاً.
خلال فترة الدراسة الجامعية أصبحت أولبرايت مهتمة بالحزب الديمقراطي. والتقت خلال تلك الفترة بزوجها المستقبلي جوزيف ميديل باترسون أولبرايت، وهو ابن أسرة أمريكية شهيرة في مجال النشر.
عمل جوزيف صحفياً في صحيفة دنفر بوست المحلية بينما عملت مادلين متدربة في إخراج الصحيفة وفي غضون أسابيع عقدا قرانهما.
بعد تخرج أولبرايت من الجامعة تزوجا. ورزقا في البداية بتوأم، أليس وآن في عام 1960، وتبعتهما الابنة الثالثة كاثرين في عام 1967.
اذ وواصل جوزيف مسيرته المهنية، بينما تعلمت زوجته مادلين اللغة الروسية وأكملت دراستها في العلاقات الدولية في أوقات فراغها، أولاً في جامعة جورج تاون ثم في جامعة كولومبيا في نيويورك.
في أواخر الستينيات عندما عادت العائلة إلى واشنطن العاصمة انخرطت أولبرايت بشكل مباشر في السياسة.
عملت أولبرايت عن كثب مع سناتور ولاية ماين إد موسكي، حيث ساعدته أولاً في جمع التبرعات لخوض الانتخابات الرئاسية ثم عملت كمساعد تشريعي له.
حصلت أولبرايت في نهاية المطاف على درجة الدكتوراه في عام 1975.
وبعد بضع سنوات، عرض عليها زبيغنيو بريجنسكي، أستاذها الجامعي السابق في كولومبيا أول وظيفة لها في الحكومة.
وكان الرئيس جيمي كارتر قد عين بريجنسكي مستشاراً للأمن القومي وأراد الأخير أن يساعد طالبته السابقة عبر تعيينها في وظيفة الاتصال بمجلس الشيوخ.
عندما خسر الديمقراطيون أمام المرشح الجمهوري رونالد ريغان، انتقلت أولبرايت إلى العمل في المجال الخيري. بحلول ذلك الوقت انتهت حياتها الزوجية فجأة بعد 23 عاماً.
انخرطت أولبرايت في العمل، وأصبحت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون. ب
صفتها أستاذة جامعية جعلت طلابها يلعبون أدواراً حيوية في قضايا السياسة الخارجية.
لقد حرصت مادي على وضع النساء في الوظائف والأعمال التي يهيمن عليها الذكور، وعلمتهن أهمية التحدث بصوت عال ومقاطعة الآخرين لإسماع أصواتهن.
أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون مادلين اولبرايت تجلس في مكتبها عام 1982 كما ونشرت بعض أبحاث أولبرايت الأكاديمية تناولت دور الإعلام المعارض في بولندا
وكتبت في مذكراتها: “ربما كانت فصولي الدراسية صاخبة قليلاً، لكن النساء تعلمن والرجال اعتادوا على ذلك”.
أثناء التدريس أبقت أولبرايت إصبعها على نبض السياسة في الحزب الديمقراطي.
وأصبح منزلها مركزاً اجتماعياً ومكاناً للاجتماعات السياسية، حيث عملت مستشارة للسياسة الخارجية في الحملات الرئاسية لكل من المرشحين للانتخابات الرئاسية والتر مونديل ومايكل دوكاكيس.
“أربعة عشر بذلة وتنورة”
عندما انتخب الديمقراطي بيل كلينتون في عام 1992 رئيسا للولايات المتحدة طلب أولاً من أولبرايت المساعدة في انتقال إدارته قبل أن يعرض عليها دوراً على مستوى مجلس الوزراء كسفيرة لدى الأمم المتحدة.
صادق مجلس الشيوخ على تعيينها في ذلك المنصب بالإجماع.
وجاء تعيينها في وقت كانت المنظمة الدولية تمر في مرحلة مفصلية.
كان العالم يتعافى من تداعيات سقوط الأنظمة الشيوعية، بينما كانت الصراعات الدموية التي اندلعت في دول عدة، تمثل اختباراً لقدرة الهيئة الدولية التي كانت لا تزال تقف على قدميها.
أولبرايت خلال اجتماع فريق الأمن القومي لإدارة الرئيس بيل كلينتون عام 1993
في ذلك الوقت كانت أولبرايت المرأة الوحيدة من بين 15 مسؤولاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد وصفت اجتماعهم الأول بأنه جمع 14 بذلة وتنورة في غرفة.
خلال عملها سفيرة في الأمم المتحدة عايشت أولبرايت ما وصفته بـ “أكبر لحظة أسف” في حياتها المهنية عندما فشل المجتمع الدولي في وقف الإبادة الجماعية في رواندا.
على المسرح العالمي دافعت أولبرايت بقوة عن مصالح الولايات المتحدة ومبادئ الديمقراطية.
وربما بفضل معرفتها الواسعة بالشيوعية والفاشية كانت من أشد المؤيدين لحقوق الإنسان وألد المعارضين للاستبداد على المسرح الدولي، حتى لو كان ذلك يعني التدخل العسكري.
أولبرايت ترحب بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في منزلها في جورج تاون عام 2000
صنع التاريخ
بعد فوز كلينتون بولاية ثانية، رشحها لمنصب وزيرة للخارجية. وقالت اولبرايت لصحيفة الغارديان في عام 2018: “عندما برز اسمي كوزيرة للخارجية بدا ذلك وكأنه أمر غير مألوف. قال الناس إن العرب لن يتعاملوا مع امرأة”.
لكن بعد تصويت آخر بالإجماع في مجلس الشيوخ أصبحت أولبرايت أول امرأة تتولى هذا المنصب.
أثناء توليها الخارجية دعت أولبرايت إلى زيادة نفوذ حلف شمالي الأطلسي- الناتو وساعدت في التوسط في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
كما شاركت بشكل كبير في المفاوضات التي فشلت في النهاية مع كوريا الشمالية بهدف الحد من طموحاتها النووية.
في عام 2000 كانت أعلى مسؤولة أمريكية تزور كوريا الشمالية وتلتقي بزعيمها كيم جونغ إيل.
التقت أولبرايت في بيونغ يانغ بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل عام 2000
كان أسلوب أولبرايت الدبلوماسي الجاد، وأحياناً القتالي يثير الدهشة أحياناً.
في عام 1996 أسقطت طائرات مقاتلة كوبية طائرتين لجماعة كوبية معارضة مقرها في الولايات المتحدة.
وأظهرت التسجيلات الصوتية كلام أحد الطيارين الكوبيين وهو يتباهى قائلا: “لقد أفقدناه خصيتيه” في إشارة إلى إسقاط إحدى الطائرات.
وقالت أولبرايت لوسائل الإعلام إن “إزالة الخصيتين، بصراحة ليست شجاعة بل جبن”.
ونجحت في الضغط على الأمم المتحدة لتدين بشدة التصرف الكوبي حيث أثبتت البيانات الأمريكية أنه حدث في المجال الجوي الدولي.
وأشار كلينتون لاحقاً أن اقتباس أولبرايت لكلمة الخصية بالإسبانية ربما كان “الأكثر فاعلية” في استراتيجية إدارته على صعيد السياسة الخارجية.
“رسائل الدبابيس”
كان لأولبرايت أسلوب دبلوماسي فريد خاص بها وهو استخدام ملحقات الزينة في عملها الدبلوماسي.
وقالت إنها استلهمت الفكرة في البداية من تشبيهها من قبل وسائل الإعلام العراقية بـ “الأفعى التي لا مثيل لها”، بسبب موقفها من صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى.
وقالت أولبرايت لإحدى المحطات الإذاعية الأمريكية في عام 2009: “كان لدي دبوس قديم رائع على شكل ثعبان وعندما كنا نتعامل مع العراق كنت أرتدي ذلك الدبوس”.
وصفت اولبرايت دبابيس الزينة التي كانت ترتديها بأنها كانت أداة لكسر الجليد في المفاوضات
رأت أولبرايت أن هذا تكتيك وأسلوب فعال لإيصال الرسالة التي تبتغيها للطرف الآخر.
الدبابيس التي كانت على شكل سلاحف أو زهور أو بالونات كان لها تفسيرات خاصة بها.
في إحدى المناسبات ارتدت أولبرايت دبوساً على شكل حشرة عملاقة عندما اتضح أن الروس متورطون في فضيحة “تنصت”.
واستذكرت لقاء فاتراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتدت خلاله دبوساً على شكل قرد في إشارة ضمنية إلى مقولة “لا ترى ولا تتحدث ولا تسمع الشر” الممثلة بثلاثة قرود أحدهم لا يتحدث والآخر لا يرى والثالث لا يسمع.
كان الهدف إيصال رسالة إلى بوتين مضمونها أن العالم يرى ويسمع ويتحدث عما يجري في جمهورية الشيشان.
بعد ترك منصبها في مطلع الألفية، أسست أولبرايت شركة استشارية وعملت لفترة وجيزة مديرة لمجلس إدارة بورصة نيويورك.
وواصلت أولبرايت رئاسة مؤسسات والتحدث في المناسبات العامة وظهرت بنفسها في برامج تلفزيونية أمريكية.
أولبرايت ظهرت في إحدى حلقات مسلسل فتيات غليمور عام 2005
عاصفة جدل
واصلت أولبرايت نشاطها على الصعيد السياسي. فقد أقامت بالفعل علاقة وثيقة مع هيلاري كلينتون عندما كان زوجها رئيسا لدورتين وأيدتها في حملتيها الرئاسيتين عامي 2008 و2016.
في إحدى المناسبات أثارت عاصفة من الجدل عندما قالت إن إحدى المقولات المحببة لديها هي: “هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللواتي لا يدعمن النساء الأخريات”.
واصلت أولبرايت الكتابة حتى سنواتها الأخيرة. في عام 2018 وعندما كانت في الواحدة والثمانين من العمر نشرت كتابها “الفاشية: تحذير” شجبت فيه ما رأت أنه صعود للنزعات السلطوية في جميع أنحاء العالم.
أثناء الترويج لكتابها حول العالم وصفت الرئيس دونالد ترامب مراراً وتكراراً بأنه الرئيس “الأقل ديمقراطية” الذي عرفته الولايات المتحدة على الإطلاق.
حتى وفاتها كانت أولبرايت لا تزال في نفس المنزل الريفي الذي عاشت فيه لعقود في جورج تاون وهو ذات المنزل الذي انتقلت إليه عندما أصبحت مطلقة في الأربعينيات من عمرها لتدخل منه إلى تاريخ الولايات المتحدة.
عاشت أولبرايت مع بناتها الثلاث وأحفادها.
وأضاف “أعلم أن العديد من الأشخاص في هذا المبنى يشعرون بالحزن اليوم”.
موقف المجرمة مادلين اولبرايت من هل ستؤثر اجراءات الرئيس ترامب على ملف المهاجرين ؟
قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت إنها مستعدة لـ”تسجيل نفسها كمسلمة”، وسط تقارير تفيد بأن الرئيس دونالد ترامب يعتزم اتخاذ إجراءات تنفيذية تؤثر على المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة.
وغردت ، مستخدمة وسم “تضامني” مع المسلمين” تقول: “لقد نشأت كاثوليكية، وتبين في وقت لاحق أن عائلتي كانت يهودية، وأنا على استعداد لتسجيل نفسي كمسلمة”.
ونالت تغريدة أولبرايت إعجابا كبيرا بين أوساط المغردين العرب والمسلمين في الشرق الأوسط، وأحدثت تعاطفا كبيرا وصل إلى إعلان الناشطة النسوية الأميركية غلوريا ستاينم استعدادها أيضا للتسجيل على أنها مسلمة.
وقالت خلال كلمة لها في مسيرة نسائية في واشنطن، موجهة حديثها لترامب: “إذا أجبرت المسلمين على التسجيل، نحن جميعا سنسجل كمسلمين”.
وكان ترامب دعا، خلال حملته الانتخابية، إلى فرض حظر مؤقت على المسلمين القادمين إلى الولايات المتحدة، وقال إنه سيطلب من المسلمين في الولايات المتحدة بالتسجيل في قاعدة بيانات.
وجاءت تغريدات أولبرايت في وقت كان يتوقع أن يوقع ترامب أوامر تنفيذية بفرض حظر مؤقت على معظم اللاجئين، ووقف التأشيرات لسبع دول.
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس”، في وقتا سابق ، أن مشروع القرار يظهر خطط ترامب بتعليق لمدة 30 يوما لإصدار التأشيرات للمواطنين من سبع دول، غالبية سكانها من المسلمين، ووقف قبول اللاجئين السوريين إلى البلاد.
تأتي تلك التحركات وسط سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي اتخذتها إدارة ترامب في الأيام القليلة الأولى من رئاسته، بما في ذلك أوامر الأربعاء ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك وإنفاذ قوانين الهجرة.
. رحيل أول وزيرة خارجية أمريكية مادلين أولبرايت
من أبرز جهودها سعيها لإنهاء العنف في بلاد البلقان، وكانت جاده في حث الرئيسي «كليتون» على التدخل في كوسوفو عام 1999، وهذا لمنع إباده جماعية للمسلمين على يد الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، وفي النهاية أوقف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة العدوان الصربي، وأعلنت «كوسوفو» استقلالها عام 2008.
وآخر مواقفها كان في مقال سابق تم نشره في جريده «نيورك تايمز» الامريكية انتقدت فيه «أولبرايت» الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وحذرت من أنه سيرتكب خطأ كارثي، وكتبت: «بدلًا من تمهيد طريق روسيا نحو العظمة، فإن غزو أوكرانيا سيضمن العار للسيد بوتين من خلال ترك بلاده معزولة دبلوماسياً، ومعطلة اقتصادياً، وضعيفة استراتيجياً في مواجهة تحالف غربي أقوى وأكثر اتحاداً».
حصلت «اولبرايت» على وسام الحرية الرئاسي من الرئيس باراك اوباما، وقال عنها إن صلابتها ساعدت في إحلال السلام في البلقان ومهدت الطريق لإحراز تقدم في أكثر مناطق العالم اضطرابًا.