يُعتبر محمد الطوس عميد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعدما دخل عامه الـ38 منذ اعتقاله مُصاباً عام 1985 مع خلية “جبل الخليل” المسلحة، التي شكلها مع رفاقه الفدائيين.

كان الطوس ثالث أقدم أسيرٍ في سجون الاحتلال، قبل تحرير المناضلين كريم وماهر يونس، ليصبح الثاني بعد نائل البرغوثي؛ فهو من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو -وعددهم 23- ورفضت إسرائيل الإفراج عنه في كل صفقات تبادل الأسرى.

بقيت عائلة الطوس تعتقد أن نجلها شهيد طوال 6 أشهر كاملة، حتى إنها أقامت عزاء له، قبل أن يتبيّن لاحقاً أنه في الأسر وأن قوات الاحتلال تعمّدت إخفاءه.

فمن هو محمد الطوس؟


هو فدائي في حركة فتح، وُلد عام 1956 في الجبعة بالضفة الغربية؛ وهي قرية يعود تاريخها إلى ما قبل 1800 سنة، وتقع عند خط الجبهة الذي حُدّد عام 1948، عندما استولت الميليشيات على جزءٍ كبير من أراضيها.

تلقى محمد الطوس تعليمه الابتدائي في قريته المحاصرة من قوات الاحتلال، ثم حصل على شهادة الثانوية من مدرسة حلحول. بعد نكسة 1967، هاجرت العائلة إلى الأردن، لكنها ما لبثت أن عادت إلى قريتها بعد شهرين.

انضم إلى حركة فتح عام 1970، حين كان لا يزال في الـ14 من عمره، وهو العام الذي تعرّض فيه للاعتقال أيضاً في أكتوبر/تشرين الأول، لكنه خرج سريعاً. وبعد 5 سنوات، عاودت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله، إلا أنه نجح في أن يهرب من السجن؛ ليصبح مطارداً ويُعتقل 4 مرات بين عامَي 1981 و1985.

في تلك الفترة، كان محمد الطوس ملتزماً بالتدريب العسكري داخل حركة فتح، وبدأ منذ العام 1983 ينفذ مع مجموعته عمليات مختلفة ضدّ الاحتلال بين عامَي 1983 و1985، في مستوطنة غوش عتصيون وبيت لحم ومستوطنة بيت شيمش.

الاعتقال الأخير والتنكيل في الأسر


في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1985 نصبت قوات الاحتلال كميناً للطوس والخلية التي كانت في طريقها إلى الحدود مع الأردن. وبعد مطاردة، أطلقت الطائرات الإسرائيلية الرصاص على سيارة الخلية، فسقط الجميع شهيداً، باستثناء محمد؛ لذلك لُقّب منذ ذلك الوقت بـ”الشهيد الحي”.أصيب برصاصات مختلفة، واعتُقل وهو ينزف، كما أنه تعرض للضرب والتعذيب رغم إصابته. وعلى مدى 10 أيام متواصلة، أُخضع فيها محمد الطوس للتحقيق، لم تتم معالجته حتى إنه نُقل إلى مركزٍ آخر تعرّض فيه لتعذيبٍ أقسى امتدّ لأكثر من 3 أشهر.

طوال تلك الفترة، كانت قوات الاحتلال تخفي خبر اعتقاله وتعمد إلى التنكيل بعائلته التي لا تعرف شيئاً عن ابنها، وقد وصل الأمر إلى هدم منزله. وبعد 6 أشهر، أقام خلالها أهل محمد عزاءً له، عرفت العائلة أن ابنها في الأسر.

وُجّهت إلى محمد الطوس تهمة الانتماء إلى حركة فتح ومقاومة الاحتلال، ضمن “مجموعة فدائية عسكرية فاعلة ومتميزة في العمل المقاوم”. وبعدما رفض الوقوف أمام المحكمة أو الاعتراف بها، صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد لمرات عدة.

خلال سنوات اعتقاله، شارك الطوس في إضرابات عن الطعام للتعبير عن رفضه سياسات مصلحة السجون الإسرائيلية، حتى أصبح من قيادات الحركة الأسيرة، فواجه عمليات تنكيل وانتقام على مستويات عدة.

وفضلاً عن الضرب والتعذيب، والسجن الانفرادي، والتحقيقات الطويلة التي لا تنتهي، هدمت قوات الاحتلال منزل عائلة محمد الطوس 3 مرات.

يستمر الاحتلال في التنكيل بأسرة محمد الطوس حتى اليوم، كلما سنحت الفرصة. تعددت المرات التي وُضع اسمه فيها على قائمة المُفرج عنهم، قبل أن يسحبه. وفي يوليو/تموز 2022، اعتدت قوات الاحتلال على جنازة أخته نايفة.

وفاة زوجته وأحفاد لم يعرفهم

عندما تمّ اعتقال محمد الطوس عام 1985، ترك خلفه زوجته آمنة مع 3 أطفالٍ لا يتذكرون والدهم، إلّا وهو خلف القضبان: شادي، وفداء، وثائر الذي كان لا يزال جنيناً في بطن أمه.وطوال أكثر من ربع قرن، كانت زوجته المعلّمة آمنة الطوس تكاد لا تغيب عن أي وقفةٍ للأسرى الفلسطينيين، وتظهر في الساحات محتضنةً صورته؛ على أمل الإفراج عنه، حتى توفيت عام 2015 بعد غيبوبة دخلتها حين تلقت نبأ تراجع الاحتلال عن الإفراج عنه في صفقة عام 2014، بعدما كانت أعلنت عن موافقتها على الإفراج عنه.

لمحمد الطوس اليوم أحفادٌ، وعمرهم مثل عمر أولاده حين تم اعتقاله، لكن الاحتلال الإسرائيلي يحرمه من رؤيتهم ويمنعهم من زيارته في السجن، بحُجة أنهم أقارب من الدرجة الثانية.

اعتُقل محمد في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1985، حين كان ابنه البكر شادي في عمر العامين، وفداء عام ونصف، في حين كان شقيقهما ثائر جنيناً في بطن أمه؛ اليوم، جميعهم صاروا آباء وأمهات.

في حوارٍ مع صحيفة “فلسطين”، يقول شادي: “لا أتذكر شيئاً عن والدي، وعند اعتقاله لم نكن نعي ما الذي يعنيه الاعتقال وغيابه عنا. لكن والدتي استطاعت أن تحمل على كتفيها دور الأم والأب، وتحمّلت أياماً طويلة من المطاردة ومن ثم الاعتقال، فضلاً عن متابعتها للمؤسسات الحقوقية والفعاليات الخاصة بالأسرى دفاعاً عن والدي لينال الحرية”.

ويشير شادي إلى أن اللقاء الأول مع والده كان صعباً، بالنسبة إلى طفلٍ لا يستطيع التعبير عن مشاعره ولا يعي ما الذي يحدث. في ذلك الوقت، كانت سلطات الاحتلال تسمح بدخول الأطفال للأسير واحتضانه.

ويضيف شادي الطوس: “كأي طفلٍ، كنا نتمنى أن نكبر أمام عيني أبي، درسنا وتعلمنا وتزوجنا وأصبح لدينا أبناء ونحن نتمنى أن يكون بيننا، يعيش معنا لحظات الفرح، ويسندنا في أوقات الحزن، خاصة بعدما أقدم الاحتلال على هدم بيتنا 3 مرات، وعشنا في خيمة خلال فصل الشتاء القارس”.

يأبى محمد الطوس أن يستسلم؛ ففي عام 2021، بذكرى اعتقاله، أصدر كتاب “عين الجبل”، وهو سيرة ذاتية تركز على عمله الفدائي في خلية “جبل الخليل”، ومن ثم سنوات اعتقاله الطويلة. وفي مطلع العام 2023، صدر له كتابٌ آخر بعنوان “حلاوة ومرارة”.

“لستُ نادماً على ما قدّمته من تضحية كبيرة فداءً للوطن، وأنا على ثقة بأنني سأخرج من السجن وأن الفرج قريب”؛ كانت هذه من أواخر رسائل الأسير محمد الطوس من السجن.

قصة الاسير إبراهيم أبو مخ 

إبراهيم أبو مخ
إبراهيم أبو مخ

وسط استمرار صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، والتي نتج عنها إطلاق أكثر من 180 أسير فلسطيني من الأطفال والنساء خلال الأيام الخمسة الأولى للهدنة، تعود إلى الواجهة العديد من الأسماء التي ترفض إسرائيل الإفراج عنها في أي نوع من تبادل الأسرى، والتي حكم عليها بالمؤبد من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.

من بين تلك الأسماء يبرز الأسير إبراهيم أبو مخ بصفته عضواً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثالث أقدم أسيرٍ في العالم حالياً، كما أنه يعدّ واحداً من 26 أسيراً بقوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي رغم توقيع اتفاقية أوسلو التي نصت بنودها على الإفراج عن كافة المعتقلين الفلسطينيين. فمن هو إبراهيم أبو مخ؟ ولماذا ترفض إسرائيل إطلاق سراحه؟

النجار الذي عاش طفولة صعبة

النجار الذي عاش طفولة صعبة
النجار الذي عاش طفولة صعبة

ولد إبراهيم أبو مخ في مدينة باقة الغربية، والتي صارت إحدى المدن التابعة اليوم إلى حيفا، بعدما كانت تابعة لطولكرم قبل عام 1948، وذلك في 26 فبراير/شباط عام 1961.

عاش إبراهيم، رفقة شقيقته التي تكبره بعامٍ واحدٍ، طفولة صعبة، إذ واجه الشقيقان ألم اليتم مبكراً، فقد فارق والدهما الحياة وهما في سن الطفولة، حين كان إبراهيم في الرابعة من عمره وأخته في الخامسة.

الأسير إبراهيم أبو مخ

وبسبب ذلك، قضى إبراهيم فترة طفولته ومراهقته في ملجأ بعكا، بينما أرسلت أخته إلى مركز خاص لرعاية الأيتام في بيت لحم، فلم يلتقِ إبراهيم بأخته إلا بعد 16 عاماً، وذلك قبل عامين من زواجها.

حارب إبراهيم صعوبة وتحدي الحياة لوحده، فعمل في النجارة من أجل استكمال دراسته والالتحاق بالجامعة، قبل أن يستقر في عمل النجارة بامتلاك ورشة نجارة خاصة.

حُكم عليه بالمؤبد بتهمة خطف وقتل جندي إسرائيلي

في دراسته بالجامعة، عُرف عن إبراهيم حب المطالعة وملازمة الكتاب، فانفتح على الشأن العام، وتكوّن لديه توجه يساري قاده إلى الانضمام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فكان أحد أفراد مجموعة شاركت في تنفيذ عدد من العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

فمع مطلع عام 1985، خُطف الجندي الإسرائيلي موشيه تمام، ثم قتل في عملية بمدينة نتانيا بقيت غامضة لا يُعرف منفذها، حتى استطاعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الوصول إلى طرف خيط يقودها إلى الفاعل، وتبين لها أن إبراهيم أبو مخ على رأس المدبرين والمنفذين لتلك العملية.

في 23 مارس/آذار 1986، قامت قوات الاحتلال باعتقال إبراهيم أبو مخ مع ابن عمه رشدي أبو مخ، وتعرض إبراهيم في أثناء التحقيق لأنواع من التعذيب بهدف إجباره على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليه، ثم قضت المحكمة العسكرية في مدينة اللد بالسجن المؤبد المحدد بـ40 سنة.

بسبب السجن، قام أبو مخ بفسخ خطوبته، وقال إنه لا يستطيع أن يظلم فتاة مع ظروف حبسه، ثم توجه إلى الدراسة، فالتحق بالجامعة المفتوحة قسم العلوم السياسية وعلم الاجتماع، كما نشط في خدمة رفاقه الأسرى من خلال عمله لسنوات بالمغسلة ومرافق عمل أخرى، وأبدى استعداده لتعليم الأسرى اللغة الإنجليزية والعبرية اللتين يتقنهما، وتنقل إبراهيم بين كل من سجن الجلمة والرملة وبئر السبع وعسقلان والجلبوع ومجدو.

ثالث أقدم أسير في العالم والذي يرفض الاحتلال إطلاق سراحه

بقي إبراهيم أبو مخ منذ ذلك الوقت في السجن، حتى صار ثالث أقدم أسير في العالم، بعد كلٍ من مواطنيه نائل البرغوثي وماهر عبد الكريم يونس، وذلك بعد مكوثه لأكثر من 37 عاماً في الأسر، فقد رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عن الأسير إبراهيم أبو مخ ومجموعة من رفاقه رغم حدوث مجموعة من صفقات التبادل والإفراجات خلال سنوات مكوثه في الأسر، والتي كان آخرها عام 2014.

حيث تنكر الاحتلال للاتفاق الذي جرى ضمن مسار المفاوضات في حينه، وأبقى على اعتقال 30 أسيراً من بينهم إبراهيم أبو مخ، وهو ما عُرف بالدفعة الرابعة من صفقة وفاء الأحرار التي أنجزت سنة 2011، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد