تُقدر إحصائيات وزارة التخطيط وجود مليون طفل عراقي محرومين من الغذاء والصحة والتعليم، فضلاً عن زج نسبة من هؤلاء في العمل قبل بلوغهم السن المطلوبة، مشيرة إلى أن العنف متولد من ظاهرة عمالة الأطفال.
وقالت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية دنيا الشمري: إننا “نركز على القوانين التي تصب في مصلحة الطفل وكل ما يؤثر إيجابا في تعليمه وما يمنع زجه في العمل بسبب العامل الاقتصادي لبعض الأسر”.
وأضافت الشمري، أن “المادة 52 من الموازنة أقرت منح الطفل ضمن الأسر المشمولة بالرعاية الاجتماعية مبلغ 30 ألف دينار عن ارتياده المدرسة”، عادة إياه “عاملاً مشجعاً للأسر على إلزام أطفالهم بالتعليم”، وفقا للصحيفة الرسمية.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن “الأطفال يمثلون شريحة مجتمعية تقارب 40% منه، إذ تعد شريحة هشة متأثرة بظروف البلاد الصعبة خلال السنوات الأخيرة تمثل بالإرهاب والأوبئة والأزمات الاقتصادية وانعكست سلباً على الأطفال”.
وأضاف الهنداوي، أن “مليون طفل يعانون الحرمان من الغذاء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى زج 5% منهم في العمل، وهذا يفسر أيضاً العنف الذي يتعرض له الأطفال في المجتمع”، عاداً أن “الفقر هو السبب الرئيس في دفع العائلات لأطفالها إلى العمل”.
وأشار إلى أن “الوزارة تعمل على إعداد ستراتيجية خمسية لمكافحة الفقر، سبقتها بإطلاق الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية التي تضمنت محورا خاصا عن الطفولة وحقوق ومتطلبات هذه الشريحة”، لافتاً إلى أن “المنحة المالية للتلاميذ والطلبة من ضمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم الفقراء وتمكينهم من إكمال تعليمهم، بالإضافة لتشجيع الفتيات على إكمال الدراسة من خلال توفير متطلبات العيش الكريم”.
بينما ترى مديرة مكتب هيئة رعاية الطفولة غادة الرفيعي أن “الهيئة هي الجهة الوطنية العليا المعنية بحماية الطفل في العراق، وهي المعنية برسم السياسات والقوانين ومتابعة برامج الأنشطة التنفيذية وستراتيجيات الطفولة المبكرة”.
وأوضحت الرفيعي، أن “الخطة التنفيذية الثانية لسياسة حماية الطفل للأعوام من 2022 وإلى 2025 تضمنت إنشاء الجهاز المركزي للإحصاء بدعم من (اليونسيف) منصة وطنية لبيانات الطفل، وهي متاحة للاطلاع عليها.
وبينت أن “الهيئة تعمل حالياً على تنفيذ الخطة التنفيذية الثانية”، مبينة أن الهيئة “كلفت بإعداد خطة ومتابعة تنفيذ الستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة وأيضا قانون الطفل بالتعاون مع اللجنة البرلمانية المعنية”، بحسب الصحيفة.
وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر على أطفال العراق، داعية إلى العمل لبناء بيئة شاملة لحماية الأطفال في العراق. ويشكل الأطفال الغالبية من أصل حوالي 4.5 ملايين عراقي معرضين لخطر الفقر من جراء تداعيات النزاعات.
التعليم في العراق – ماض مشرق وحاضر مثقل بعدم الاستقرار
تراجع المستوى التعليمي في العراق بشكل كبير جراء الحروب المتتالية والعزلة الدولية في التسعينات، إضافة إلى الهجمات الإرهابية على الجامعات والمؤسسات الثقافية، التي دفعت بالعديد من المثقفين إلى اللجوء إلى شمال العراق.
قُيل إن القاهرة تؤلف، ولبنان تطبع والعراق يقرأ، وهذا يدلّ على أن نسبة العراقيين المتعلمين كانت عالية جداً، إذ كانوا شغوفين بالعلم والمعرفة والقراءة شغفاً كبيراً. وكان شارع المتنبي في العاصمة بغداد، والذي يطلق عليه العراقيون شارع الكتب، شارعاً معروفاً في كل أنحاء العالم العربي. وما أن يُذكر اسمه في القاهرة أو في بيروت أو في أي مكان من الشرق الأوسط، حتى تتوهج العيون بالبهجة وتتألق الذكريات.
لم تكن بغداد مركزاً للتجارة واللهو فقط، بل كانت أيضاً مركزاً للفنون والثقافة والتعليم أيضاً. لذلك دأب المثقفون العراقيون على أن يقصدوا شارع المتنبي، ويرجعون محملين بالكتب المستعملة أو الجديدة منها. إلا أن هذا الشارع، ومنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بات عرضة لهجمات إرهابية عنيفة، راح ضحيتها عشرات العراقيين ما بين قتيل وجريح، ودمرت العشرات من المطابع وعدد كبير من المكتبات عن بكرة أبيها، لاسيما تلك التي تعتبر من أكبر وأغنى المكتبات في العراق.
ولا تقل شهرة مقهى الشهبندر عن شهرة شارع المتنبي، حيث كان الكتاب والفنانون والسينمائيون والمثقفون يلتقون فيه لتبادل الأفكار والمعلومات. هكذا كانت إذاً نخبة المجتمع العراقي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، وهكذا كانت صورة العراق في كل أنحاء العالم.
قيمة كبيرة للتعليم
“كانت للتعليم قيمة كبيرة للغاية”، يتذكر رياض قدو الذي درس الهندسة وأكمل فترة التدريب في لندن. وكان والداه قد عاشا في الولايات المتحدة لتلقي الدراسة الجامعية، إذ كانت الحكومة العراقية تقدم المنح الدراسية للطلبة بسخاء وتوفدهم إلى أوروبا وأميركا، وأنفقت الملايين عليهم في الخارج. وكانت سياسة التعليم في العراق تقوم على إيفاد المتفوقين في إنهاء الدراسة الثانوية، أو ما تسمى في العراق: البكالوريا، للدراسة في بريطانيا وألمانيا وأمريكا.
أما الذين كانوا يحصلون على علامات أقل، فكانوا يوفدون إلى الاتحاد السوفيتي أو دول أوروبا الشرقية أو مصر. وبعد انتهاء هؤلاء الطلبة من دراستهم في الخارج كانوا يعودون إلى بلدهم، حيث تنتظرهم فرص عمل جيدة، كما قدمت لهم الحكومة المنازل الراقية، مع امتيازات أخرى كثيرة. “لهذه الأسباب كان كل شخص في ذلك الوقت لديه الرغبة في الحصول على تعليم جيد”، يقول قدو شارحاً أسباب إقبال أبناء وطنه على التعليم.
وفي الحديث معه عن الأوضاع الحالية في العراق يقول المهندس في عقده الخامس من العمر: “ما زالت الرغبة موجودة لدى الناس في الحصول على درجة عالية من التعليم، ولكن الآن اختلف كل شيء. في ذلك الوقت كان الدينار العراقي الواحد يساوي ثلاثة دولارات أمريكية، أما الآن أصبح الدولار الواحد يساوي 1200 دينار. كما أن البلد شهد انحداراً لم يسبق له مثيل في كافة المستويات، وبكل معنى الكلمة”.
وبدأت التقاليد البالية للأسرة تفرض وجودها في مجال التعليم، إذ سُمح للذكور بالالتحاق بالمدارس، أما الفتيات فكان يجب عليهن البقاء في المنزل، وأجبر الكثير منهن، ممن كنّ في المدرسة، على تركها قبل الحصول على مؤهلات تعليمية تضمن مستقبلهن. كما فرّ آلاف الأكراد من بطش الدكتاتور إلى الخارج. وفي زمن العزلة الدولية على العراق تبتعهم آلاف أخرى أيضاً.
مناطق العراق الأخرى كانت تعيش عزلة أيضاً، وإن كانت مختلفة بعض الشيء، فبسبب الحصار المفروض على العراق عمّ الفقر في البلاد، وتردت أحوال المدارس والجامعات وقل الاهتمام بها. وعندما غزي العراق في نيسان أبريل عام 2003 كانت تجهيزات أغلب الجامعات هي من بقايا تجهيزات سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، إضافة إلى توقف المنح الدراسية إلى الخارج.
وقبل ثلاث سنوات اعتمد وزير التربية في حكومة إقليم كردستان، والذي كان يعيش في السويد، نظام التعليم السويدي في المدارس. وحسب قول مازن رسول أحد العائدين من نورنبرغ الألمانية: “إصلاح المؤسسات التعليمية في كردستان خطوة جديرة بالاهتمام”. ومازن رسول البالغ من العمر أربعين عاماً، يعمل كرئيس إداري في المدرسة الألمانية، التي تأسست قبل عامين في أربيل.
أما مدير المدرسة يورغن إندَر فيؤكد أن أساليب التدريس القديمة ما زالت قائمة رغم اعتماد النظام السويدي، إذ ما زال التلاميذ بعيدين عن أسلوب البحث العلمي المطبق في السويد وفي كل أوروبا. وربما يستغرق الأمر بعض الوقت إلى أن تطبق المناهج التعليمية الأوروبية. وحالياً يخرج التلاميذ في كردستان العراق إلى الشوارع للاحتجاج على الضغوط النفسية جراء الصعوبة التي يلاقونها في تطبيق المنهج التعليمي السويدي الجديد.
مقولات من زمن نظام صدام
ما زال شبح وبعض مقولات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حاضرين في الفضاء العراقي بشكل عام رغم مرور عقدين من الزمان على إطاحة نظامه في أبريل (نيسان) 2003،
وإعدامه بعد ذلك في ديسمبر (كانون الثاني) 2006. وفي آخر سلسلة المطاردات التي ينتهجها العهد الجديد لكل ما يمت بصلة إلى صدام وعهده ومقولاته، ما ورد في توجيه أصدرته الحكومة العراقية إلى الوزارات والمحافظات ومؤسسات الدولة كافة، يطلب منها ويأمرها بتجنب استخدام عبارة لصدام حسين كانت شائعة في عهده وتكتب على جدران المدارس والشوارع، واختارها نجله عدي صدام حسين، شعاراً لصحيفة «البعث الرياضي»، التي كان يملكها.
ورغم أن بعض إدارات المدارس التي تضع مثل هذه العبارات ربما تكون غير مدركة لنسبتها إلى صدام حسين، لكن السلطات تخشى من أنها قد تكون مقصودة وهدفها الترويج لشعارات «حزب البعث العربي ألإشتراكي » .
وحسب وثيقة رسمية موقعة من نائب الأمين العام لمجلس الوزراء فرهاد نعمة الله حسين، موجهة إلى كل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات حملت عنوان «استخدام شعارات النظام السابق».
وطبقاً للوثيقة، فإن جهاز الأمن الوطني العراقي «رصد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كتاباً صادراً عن إحدى المؤسسات الحكومية الرسمية يتضمن مقولة تعود للنظام البائد، وكانت في حينها تتصدر الصفحة الأولى في (جريدة البعث الرياضي)».