كنية أبو مُحمّد الجَوْلَانِي أحمَد حُسين الشرع ولد عام 1982 ، هو القائد الأعلىٰ لهيئة تحرير الشام المُسلَّحة التي أسقطت نظام بشار الأسد خلال الحرب الأهليّة السوريّة، لُقّب بالجَولَانِي نسبة إلىٰ أصول أُسرته في بلدة فيق المطلّة علىٰ بحيرة طبريا من أعالي هضبة الجَولان التي احتل معظمها الكيان الصهيوني خلال حرب 1967م وضمها فيما بعد.

وُلِد الشرع في الرياض بالسعودية لعائلة سورية من مرتفعات الجولان. انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق قبل غزو العراق عام 2003 بقليل وقاتل لمدة ثلاث سنوات في التمرد العراقي. ألقت القوات الأميركية القبض عليه وسجنته من عام 2006 إلى عام 2011، وتزامن إطلاق سراحه مع الثورة السورية، فأسس جبهة النصرة (الفرعَ السوريّ لتنظيم القاعِدَة) في عام 2012 بدعم من القاعدة للمشاركة في الحرب الأهلية السورية ضد حكومة بشار الأسد البعثية. وبصفته أميرًا لجبهة النصرة، بنى الشرع معقلًا في محافظة إدلب الشمالية الغربية وعارض محاولات أبو بكر البغدادي لدمج النصرة في تنظيم الدولة الإسلامية. أدى هذا الخلاف إلى صراع مفتوح بين النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.

صنَّفَت وزارة الخارجية الأمريكية أحمد الشرع «إرهابيًّا عالميًّا» في مايو/ أيار 2013م، وبعد أربع سنوات أعلنت مكافأةً قدرُها عشرةُ مليونِ دُولَار لكلِّ من يُدلي بمعلومات تؤدِّي إلىٰ القبض عليه.

أصدرَ الجولاني بيانًا صوتيًا في 28 سبتمبر/ أيلول 2014م صرّح فيه بأنّه «سيُحارب الولايات المتحدة وحلفائها وحثَّ مقاتليه علىٰ عدم قُبول مساعدة الغرب في معركتهم ضد داعش».، ولكنه تراجع عن تهديد أمريكا ففي مقابلةٍ أجراها الصحفيّ الأمريكيّ مارتن سميث مع الشرع في مطلع فبراير/ شباط 2021م قال الشرع أنّ «هيئة تحرير الشام لا تشكّل أيَّ تهديدٍ للولايات المتحدة الأمريكيّة وعلىٰ الإدارة الأمريكيّة رفعها من قائمتها للإرهاب» وأضافَ «كنّا ننتقد بعض السياساتِ الغربيَّة في المنطقة، أمّا أن نشنّ هجماتٍ ضدّ الدول الغربيّة، فلا نُريد ذلك». وفي خطاب انتصاره بعد سُقوطِ دمشق اعتبرَ أنّ «الانتصار نقطة تحول للمنطقة» وأدانَ الشرع إيران كـ«مصدرٍ للطائفيّة والفساد».

في عام 2016، قطع الشرع علاقات جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، ودمجها مع منظمات أخرى لتشكيل هيئة تحرير الشام في العام التالي. منذ الانفصال عن القاعدة، سعى إلى اكتساب الشرعية الدولية من خلال التركيز على الحكم في سوريا بدلاً من الأهداف الجهادية العالمية. أنشأت هيئة تحرير الشام إدارة في المنطقة التي تسيطر عليها، وجمع الضرائب، وتوفير الخدمات العامة، وإصدار بطاقات هوية للسكان، على الرغم من أنها واجهت انتقادات بسبب التكتيكات الاستبدادية وقمع المعارضة. في السنوات الأخيرة، قدم وجهة نظر أكثر اعتدالاً عن نفسه، مما يشير إلى أنه ليس لديه رغبة في شن حرب ضد الدول الغربية، وتعهد بحماية الأقليات.

والده حُسين الشرع أكاديميّ ومؤلف قوميّ عربيّ، كان متأثرًا بأفكار الفرع العراقيّ لحزب البعث العربي الاشتراكي وجمال عبد الناصر. ولد في بلدة فيق في زوية حوران جنوب الجولان عام 1944م لأسرةٍ كانت من كبار الملاك وذوي الوجاهة في المنطقة، وشاركت في ثورة الزوية (1920- 1927م) على الاحتلال الفرنسي لسوريا. درس حتّى الثانويّة في ثانويّة فيق، وفي عام 1963م شارك في مظاهرات بلدته المناهضة لانفصال سوريا عن مصر وانقلاب 1963م في سوريا الذي نفَّذه حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، اعتُقل مع عددٍ من أقرانه الطّلاب لمدة أربعة أيّام وأُفرجَ عنهم بعد وساطات عشائريّة. رفض الانضمام للبعث وسافر إلى الأردن بغرض السفر إلى القاهرة، واعتُقل في الأردن مدة شهرٍ ونصف وسافر بعدها إلى العراق، وهناك أكمل الثانويّة في المدرسة الإعداديّة ودرس الاقتصاد وتخرج في الجامعة عام 1969م، وأيام إقامته في العراق حدثت نكسة 1967م واحتلال الجَولان وتدمير بلدته ونزوح أهلها.

سافر حُسين الشرع إلى السعودية عام 1979م بعد تعاقده مع وِزارة البترول السعودية بوظيفة باحثٍ اقتصاديّ، ألَّف فيها عدّة كتبٍ تخصُّصيّة، كما كتب مقالاتٍ سياسيّةً واقتصاديةً في جريدتيّ الرّياض والجزيرة السعودية حتّى استقال من عمله عام 1988م.

النشأة

وُلِدَ أحمد عندما كان والده موظفاً في وزارة البترول في الرياض. انتقل مع عائلته في 1989م إلى دمشق، وسكنوا في حي المزة غربي المدينة ، عمل جزئيا في طفولته في بقالة يملكها والده. تردد على جامع الشافعي الكائن في حيه، وفي عمر السابعة عشرة، أصبح متدينا.

كان يختلف مع كثير من أفكار والده إلا أنه كان يتفق معه بشأن فلسطين ، التي أثرت به إلى جانب حكاية نزوح جده وأسرته من هضبة الجولان، ذكر الشرع أن الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 كان لها تأثير على توجهاته التي اختارها في حياته.

درس الإعلام في جامعة دمشق وكان خلال تلك الفترة يسافر يوم الجمعة من دمشق إلى حلب ليحضر خطب محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) هناك. لم يكمل دراسته؛ حيث غادر إلى العراق عام 2003م تزامنًا مع الغزو الأمريكيّ، وانضمّ إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.

انتقلَ الشرع إلىٰ العراق لمحاربةِ القواتِ الأمريكيَّة بعدَ الغزو عام 2003م؛ وسُرعان ما ارتقىٰ في صفوف تنظيمِ قاعدة الجهاد في بلاد الرافدَين حيثُ أصبَح مقربًا من زعيم التَّنظيم آنذاك أبو مصعب الزرقاوي. وبعدَ مقتلِ الزرقاوي في غارة جويَّة أمريكيَّة عام 2006م؛ غادرَ الشرع العراق وظل لفترةٍ قصيرةٍ في لبنان، حيث قدَّم الدعم اللوجستيّ لجماعةِ جند الشام المُسلّحة. ثمَّ عادَ إلىٰ العراق لمواصلة القتال لكنَّه اعتُقل هذه المرَّة من قِبَل الجيش الأمريكيّ واُحتُجز في مُعسكر بوكا الَّذي كان سجنًا لعشراتِ الآلاف من «المتشدّدين المُشتبهِ بهم». في تلكَ الفترة؛ درَّس الشرع اللُّغة العربيَّة الفصحى للسُّجناء الآخرين فزادت شعبيّته.

والد الجولاني حسين الشرع سنة 1992م
والد الجولاني حسين الشرع سنة 1992م

بعد إطلاقِ سراحه من سجنِ بوكا في عام 2008م؛ استأنفَ الشرع عمله العسكريّ حيثُ عَملَ هذه المرة إلىٰ جانب أبو بكر البغداديّ رئيس تنظيم داعش الارهابي آنذاك. برزَ بشكلٍ سريعٍ في المعارك فعُيّنَ رئيسًا لعملياتِ دولةِ العراق الإسلاميَّة في محافظة نينوى.

الثورة عام 2011

بعد فترةٍ وجيزةٍ من اندلاع الثورة ضدّ حكومة الرئيس السُّوريّ بشار الأسد في عام 2011؛ لعب الشرع دورًا مُهمًّا في التَّخطيطِ لتأسيسِ فرعٍ لدولة العراق الإسلاميَّةِ في سوريا حيثُ أشرفَ علىٰ تشكيلِ ما عُرف باسمِ جبهة النصرة. كانت هذه المجموعة بمثابة الفرع السوريّ لدولة العراق الإسلاميَّة بقيادةِ أبو بكر البغدادي الَّذي سهّلت علىٰ الشرع مأموريّته بعدما مدّهُ بالمُقاتِلينَ والأسلحةِ والمال.

تختلفُ المصادرُ في الشرع وما إذا كان هو صاحبُ فكرة تشكيل جبهة النصرة أم أنّ قائدًا آخر في دولة العراق الإسلاميّة هو صاحب فكرة التشكيل؛ لكنّ المؤكدّ أنّ الشرع قد عُيّنَ أميرًا للنصرة وذلك في يناير/ كانون الثاني 2012. في نفس الفترة؛ أعلنت وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة أن جبهة النصرة هي «منظمةٌ إرهابيَّةٌ» مُشيرةً إلىٰ أنَّها كانت مجرد اسمٍ مستعارٍ جديدٍ لتنظيم القاعدة في العراق (المعروف أيضًا باسم دولة العراق الإسلاميَّة). تحت قيادة الشرع؛ تطوَّرت النصرة شيئًا فشيئًا لتُصبح واحدةً مِن أقوىٰ «الجماعاتِ الجهاديَّة» في سوريا.

اكتسبَ الشرع مكانةً بارزةً في أبريل/ نيسان 2013م عندما رفض محاولة البغداديّ تصفية جبهة النصرة كمجموعةٍ فرعيَّة وإدماجها مباشرةً في دولة العراق الإسلاميَّة لتشكيلِ ما عُرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه الخطوة كانت ستضعُ كل القادة والقرارات تحتَ سيطرة أبو بكر البغداديّ ونفس الأمر بالنسبة للأراضي وما إلىٰ ذلك. ومن أجل تجنب فقدان الحكم الذاتيّ والهويّة الفرديّة لجبهة النصرة؛ تعهّدَ الشرع بالولاءِ لزعيم القاعدة أيمن الظواهريّ الذي أيّد طلب الشرع بالحفاظِ علىٰ جماعته ككيانٍ مُستقل. علىٰ الرغم من ذلك فإن النصرة كانت قد أقسمت بالفعل علىٰ الولاء لتنظيم القاعدة عبر دولة العراق الإسلاميَّة، لكنَّها بعد هذه الخطوة تجاوزت الأخيرة

الجولاني والبغدادي
الجولاني والبغدادي

وأصبحت تابعةً للأولىٰ مُباشرةً. هذا التغيير في سلسلة الولاء جعل النصرة فرع القاعدة الرسميّ في سوريا. علىٰ الرُّغم من تقديمهِ يمين الولاء لأيمن الظواهريّ؛ إلَّا أنَّ أبو بكر البغداديّ رفض هذا القرار وأعلنَ أن مضيّهِ في توحيد المنظمتين تحتَ مظلّة واحدة مما تسبّبَ في اندلاع اشتباكات بين جبهة النصرة وداعش للسَّيطرةِ علىٰ الأراضي السوريَّة.

صورة أحمد الشرع في سنة 2006م، بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية في العراق
صورة أحمد الشرع في سنة 2006م، بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية في العراق

لقد احتكّت النصرة بفصائل أُخرىٰ من المعارضةِ السوريَّة حيثُ هاجمتهم أحيانًا واستولت علىٰ أراضيهم في أحيانٍ أُخرىٰ، كما دخلت الجبهة في بعضِ المعارك ضدَّ الجيش السوريّ الحُرّ؛ وعلىٰ الرغمِ من ذلك فهي تعملُ إلىٰ جانبِ فصائله أحيانًا في بعض المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، خاصةً أنَّ معظم مقاتليها من السوريين الذين حاربَ الكثير منهم القوات الأمريكيَّة في العراق. علىٰ النقيض من ذلك؛ هناك تنظيم داعش غير المقبول في سوريا والذي يتألّف إلىٰ حدٍّ كبيرٍ من مقاتلين أجانب. تعرّض هذا التنظيم – بغض النظر عن تصنيفهِ كمنظمةٍ إرهابيَّةٍ عالميَّةٍ – لانتقاداتٍ عدّة في الداخل السوريّ بسبب وحشيّته ومحاولته فرض نسخةٍ صارمة من الشَّريعةِ الإسلاميَّة في المناطق الخاضعة لسيطرته.

تحليلات : كيف تحول الجولاني من جهادي إلى سياسي معارض ؟

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد