أثار تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “المادة 99” من ميثاق الأمم المتحدة للمرة الأولى منذ توليه المنصب عام 2017 للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة المأزوم إنسانياً،
خلقت نوعا من ردود الفعل الواسعة و تأتي هذه الخطوة ، وتساؤلات بشأن ما يُمكن أن تفضي إليه هذه الخطوة، ومدى نجاحها، خاصة بعد أن أثارت غضب السلطات الإسرائيلية.
ومن المتوقع أن يجتمع مجلس الأمن الدولي، الجمعة، لمناقشة الحرب في غزة، بعد أن حث غوتيريش رسمياً وفي خطوة نادرة، المجلس المؤلف من 15 عضوًا على “استخدام كل نفوذه” لمنع “كارثة إنسانية” في القطاع.
وتنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقّع منتصف 1945 في سان فرانسيسكو، على أن “للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”.
ويعتقد خبراء قانون دولي ومراقبون، في حديثهم لمنصات التواصل ألإ<تماعي عن ، أن تفعيل هذه المادة “تعد جرس إنذار” على ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة المُحاصر منذ 7 أكتوبر الماضي،
في حين اعتبروا أنه من الصعوبة بمكان على مجلس الأمن تبني قرار حاسم بوقف “فوري” لإطلاق النار، في ظل الدعم الأميركي للعملية العسكرية الإسرائيلي حتى تحقيق أهدافها المعلنة بتدمير القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس.
ورغم تزايد عدد الضحايا منذ 7 أكتوبر وحتى الآن إلى قرابة 16500 قتيل بحسب الإحصاءات الفلسطينية، احتاج مجلس الأمن عدّة أسابيع ليخرج عن صمته بعد رفض 4 مشاريع قرارات، ويتبنى في منتصف نوفمبر الماضي، قراراً دعا فيه إلى “هدن وممرات للمساعدات الإنسانية” في القطاع.
تداعيات الخطوة
بدوره، يقول أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الأمين العام للأمم المتحدة استخدم الصلاحيات التي يكفلها له ميثاق المنظمة الأممية، وخاصة المادة 99 التي تنص على تنبيه مجلس الأمن لـ”أي مسألة”، وبالتالي لم تُحدد حالة أو موقفًا معينًا لتفعيلها، ما يعني أن صلاحية الأمين العام في صدد تنبيه مجلس الأمن “واسعة”.
ويرى سلامة أن الباعث والغرض من هذه المادة هو “التحذير الوقائي” من جانب أمين عام الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، وقبل أن تتفاقم الأوضاع التي تهدد السلم والأمن الدوليين، في الحالة الراهنة لحرب غزة، لكنه يعتقد رغم ذلك أنه كان يتعين على غوتيريش أن يقوم بتنبيه مجلس الأمن بخطورة الموقف في قطاع غزة، بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل لم يحدث على هذا النحو في النزاعات المسلحة المماثلة وخلال فترة قصيرة.
وبشأن التداعيات المنتظرة من خطوة غوتيرش، أوضح أستاذ القانون الدولي، أن الخطاب الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة، من شأنه أن يدفع مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة للنظر مرة ثانية في أمر التوصل لوقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة.
لكن الأمر لن يبدو سهلًا كحال المناقشات داخل المجلس منذ اندلاع الصراع وفق سلامة، الذي أضاف أن “القاصي والداني يدرك أن الإدارة الأميركية ومنذ 7 أكتوبر سواءً في أروقة مجلس الأمن أو خارجه ترفض مجرد طرح فكرة التوصل لوقف إطلاق نار مستدام إلا بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة”.
ولفت إلى أن المادة 99 هي سلطة عُليا للأمين العام، كما أنها تتشابه مع المادة 35 من ذات الميثاق التي ترخص للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو غير الأعضاء أن تقوم أيضا بتنبيه مجلس الأمن لأي نزاع أو موقف أو احتكاك من شأن استمراره تهديد السلم والأمن الدوليين.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن تفعيل غوتيرش للمادة 99 زادت من الانتقادات الإسرائيلية الموجهة ضده، كما يتوقع أن ترتفع نبرة الهجوم ضده خلال الفترة المقبلة، كما تتبدد فرصه للتجديد في منصبه.
وفي منتصف العام 2021، عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أمينا عاما لولاية جديدة مدتها 5 سنوات إضافية.
ومع أنه، لا يوجد من الناحية الفنية، حد أقصى لفترات الأمين العام الذي هو المسؤول الأعلى في الأمم المتحدة، لم يبق أيُّ أمين عام في هذا المنصب لأكثر من ولايتين.
“المادة 99” من ميثاق الأمم المتحدة تشعل غضب إسرائيل
اعتبر وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، الأربعاء، أن ولاية أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “تهديد للسلم العالمي” بعد إرساله خطابا لمجلس الأمن حول غزة لتفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة.
وفي تعبير عن الانزعاج والغضب بسبب ما تحدث به غوتيريش، كتب وزير الخارجية كوهين عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا): “ولاية غوتيريش تشكل خطرا على السلام العالمي”.
وأشار إلى أن “طلبه تفعيل المادة 99 والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة يشكل دعما لمنظمة حماس الإرهابية وتصديقا على قتل المسنين واختطاف الأطفال واغتصاب النساء”.
وقال: “من يدعم السلام العالمي عليه أن يدعم تحرير غزة من حماس”، على حد تعبير كوهين.
وفي وقت سابق، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة خطابا لمجلس الأمن بشأن غزة، متطرقا للمرة الأولى منذ توليه الأمانة العامة، إلى المادة 99 من ميثاق المنظمة الدولية.
وقال في رسالته إن الحرب في غزة “قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين”.
المادة 99
وقد اعتمد على المادة 99 من الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، التي نادرا ما تستخدم، وتخوله “لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين”.
وقال غوتيريش، عبر منصة “إكس”: “في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار”.
وأضاف “قد يصبح الوضع أسوأ مع انتشار أوبئة وزيادة الضغط لتحركات جماعية نحو البلدان المجاورة”.
وأشار إلى أنه في حين أن المساعدات الإنسانية التي تمر عبر معبر رفح “غير كافية، نحن ببساطة غير قادرين على الوصول إلى من يحتاج إلى المساعدات داخل غزة”.
وقال: “قوّضت قدرات الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني بنقص التموين ونقص الوقود وانقطاع الاتصالات وتزايد انعدام الأمن”.
وحذّر غوتيريش: “نحن نواجه خطرا كبيرا يتمثل في انهيار النظام الإنساني. الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة قد تكون لها تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة”.
وأضاف: “يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية استخدام نفوذه لمنع تصعيد جديد ووضع حد لهذه الأزمة”، داعيا أعضاء مجلس الأمن إلى “ممارسة الضغط لتجنب حدوث كارثة إنسانية”.
وعلق ستيفان دوغاريك المتحدث باسم غوتيريش أن “الأمين العام يشير إلى إحدى السلطات النادرة التي يمنحه إياها الميثاق”، متحدثا عن “خطوة ذات دلالة كبيرة” لأنه لم يتم اللجوء إلى المادة 99 “منذ عقود”.
وأضاف “نريد أن نرى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إنساني لإطلاق النار”.
ومنتصف نوفمبر، وبعد رفض 4 مشاريع قرارات، خرج مجلس الأمن عن صمته في نهاية المطاف وتبنى قرارا دعا فيه إلى “هدن وممرات للمساعدات الإنسانية” في قطاع غزة.
وأفادت مصادر دبلوماسية أن أعضاء مجلس الأمن يعملون على مشروع قرار جديد يركز على المساعدات الإنسانية.
وبعد مرور شهرين على اندلاع الحرب في قطاع غزة، حذرت الأمم المتحدة، في وقت سابق، من “سيناريو أكثر رعبا” في القطاع، قد تعجز العمليات الإنسانية عن التعامل معه.