حاورت “سبوتنيك” الفريق الركن ياسين المغيني قائد الفرقة الخامسة التي احتلت الخفجي عام 1991، وقائد أول سرية دبابات عراقية تصل إلى الأراضي السورية يوم 10 أكتوبر /تشرين أول 1973، وسألته: من أين تحرك وإلى أين وصل في سوريا، والمعارك التي شارك فيها حتى عاد إلى العراق..
ما حدث في 5 يونيو/ حزيران 1967.. كيف كان وقعه على الجيش العراقي بحكم أنه كانت هناك خلافات في الرؤى السياسية مع مصر وسوريا؟
كما هو معلوم في عام 1967م تمكنت القوات الاسرائيلية من احتلال الكثير من الأراضي العربية والبعض منها تم ضمه كأراض إسرائيلية، فعلى الجبهة المصرية وصلوا إلى قناة السويس ودمروا ما يقارب 80% من القوات المسلحة المصرية، أما على الجبهة الأردنية فقد تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلال جميع مناطق الضفة الغربية لنهر الأردن وسيطرت على مدينة القدس، كما تمكنت القطاعات الإسرائيلية من احتلال مرتفعات الجولان السورية وعارضة جبل الشيخ وبعض المناطق من جنوب لبنان، ونتيجة للحرب فقد أصيب العرب بهزيمة معنوية كبيرة لأن سوريا ومصر والأردن خسرت خيرة قطاعاتها العسكرية إضافة لفقدها أراض كثيرة تعتبر حيوية لدفاعاتها تجاه إسرائيل الكيان المغتصب لأرض فلسطين العربية.
بعد فترة من الوقت استدرك العرب أخطائهم التي أدت إلى نكبة يونيو 1967 وأعادوا بناء قواتهم المسلحة وبشكل خاص في سوريا ومصر بهمة قياداتها السياسية متمثلة بالرئيس جمال عبد الناصر، حيث هيأ الأمور إلى مستوى حرب الاستنزاف إلى عام 1970، واستثمر ذلك الرئيس السادات بعد رحيل عبد الناصر والذي بدوره أيضا عمل على تطوير القوات المسلحة، وفي الجانب السوري عمل الرئيس حافظ الأسد بكل جهد لبناء الجيش واستعاد عدد من المناطق في الجولان السورية المحتلة وحررت القنيطرة فيما بعد، وهنا بدأ العمل المشترك السري والدقيق ما بين القوات المسلحة في كل من مصر وسوريا، لاستعادة الأرض والكرامة العربية وتدمير القدرات العسكرية الإسرائيلية ولهذا اندلعت حرب أكتوبر/تشرين أول.
في هذا الوقت كان النظام العراقي قومي عربي ويريد المساهمة بأي مشروع عربي لتحرير فلسطين، رغم أنه كانت هناك اختلافات في الرؤى السياسية بينه وبين أنظمة الحكم في كل من القاهرة ودمشق، كانت جميع تمارين الجيش العراقي في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي تسير باتجاه تحرير فلسطين.
كيف علمتم بقيام الحرب.. أم كانت لديكم معلومات سابقة؟
بعد ظهر يوم 6 أكتوبر/تشرين أول 1973، كنا نجلس بعد عناء التدريب وسمعنا الراديو يذيع خبر قيام القوات المصرية والسورية في توقيت واحد بعملية اقتحام للدفاعات الإسرائيلية في الجولان “خط ألوان” وفي قناة السويس خط بارليف، ومن البيانات المتتالية عملنا أن المصريين تمكنوا من اقتحام خط بارليف، واندفعوا في عمق الدفاعات الإسرائيلية، كما اندفعت المدرعات السورية بشكل سريع وتمكنت خلال يومي 6،7 من الوصول إلى جسر بنات يعقوب بعد أن تخطت الدفاعات الإسرائيلية الحصينة وأصيب الإسرائيليون بذهول من هول المفاجئة وتعرضت إسرائيل بالفعل إلى كارثة الزوال، وتحولت القطاعات الإسرائيلية لأول مرة إلى الدفاع، وكانت مصر قد طلبت من العراق في إبريل/ نيسان 1973 إرسال سرب الطيران “هوكرهنتر” لحاجتهم إليه في واجبات المستقبل نظرا للخصائص الجيد للطائرة المذكورة والطيارين المتميزين والذين كان قد عرفهم جيدا الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عندما كان قائد سرب القاصفات المصري في قاعدة الحبانية العراقية والتي بقي بها لمدة 6 أشهر بين عامي 67-68، وبالفعل أرسل العراق السرب إلى مصر في نفس الشهر.
وكان أول الأسراب الجوية التي قصفت أهدافا إسرائيلية في سيناء وخاصة الرادارات ومعدات الدفاع الجوي.
متى قررت القيادة العراقية المشاركة في الحرب؟
كان قد تم في وقت سابق الاتفاق بين بين القيادتين العراقية والسورية على التعاون من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي، وبناء عليه تم بمجرد اندلاع الحرب تحرك قسم من الجيش العراقي وعدد من أسراب القوات الجوية لتعزيز الجبهة السورية، وتحركت تلك القوات من العراق ووصلت يوم 8 أكتوبر /تشرين أول أسراب الطائرات العراقية إلى المطارات السورية المدنية والعسكرية حول دمشق واشتركت فور وصولها في المعارك وضرب أهداف إسرائيلية في الجولان.
وفي نفس اليوم صدرت الأوامر للفرقة الثالثة والفرقة السادسة مدرعة، وقطاعات برية أخرى بالتحرك تجاه الجبهة السورية، وكانت تلك القطاعات على مسافات متباينة، فقد كان اللواء 12 مدرع والذي كانت وحدتي إحدى كتائبه، كان عليه أن يقطع 1200 كم من تكريت ليصل إلى سوريا، كنت أنا آمر سرية الدبابات الثالثة والتي كان عليها التحرك تليها السرية الثانية ثم الأولى، ودعنا أهلنا في تكريت وسامراء وبلد والدجيل والطارمية والتاجي بالزغاريد والهتاف، توقف الرتل العسكري قبل الخروج من بوابة بغداد بعدة كيلومترات وحضر توديعنا الرئيس وقتها أحمد حسن البكر ونائبه في ذلك الوقت صدام حسين، وقبل أن نصل إلى التنف السورية يوم 9 أكتوبر بدأت الغارات الاسرائيلية على الأرتال لكنها لم تؤثر علينا لبراعة الدفاعات الجوية السورية والعراقية والتي وفرت لنا غطاء من الرمادي إلى العمق السوري.
كنت أول سرية دبابات عراقية تصل إلى ركن الدين في ضواحي دمشق السورية يوم 10 أكتوبر /تشرين الأول، واستقبلنا ضابط سوري وحدد لنا وجهتنا ووصلنا إلى الصنمين قبل أول ضوء يوم 10 أكتوبر، وبعد أول ضياء بدأت الغارات الاسرائيلية تستهدف مواضعنا ولكنها لم تتمكن منا نظرا لبراعة القوات الجوية، بنهاية يوم 10 أكتوبر كان مجمل القوات العراقية التي وصلت إلى الجبهة السورية “القطاع الأوسط”، اللواء 12 المدرع وكتيبة دبابات المعتصم وكتيبة دبابات قتيبة والفوج الآلي الثالث.
كيف كان شعوركم وأنتم تسمعون عن النجاحات على الجبهة المصرية وبالقطع السورية؟
الشعور القومي لدينا كعراقيين أقوى من أي شعور آخر في داخله، لكن وبكل أسف هذا الشعور كلفه الكثير وكان أحد أسباب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتدمير هذا البلد، أغرب ما شاهدت أن هناك بعض الضباط وضباط الصف كانوا هاربين من الجيش العراقي، وعندما علموا بمشاركتنا في الحرب أتوا إلى وحداتهم المتحركة إلى سوريا وسلموا أنفسهم.
كيف كان الموقف بعد ذلك على جبهات القتال؟
كانت الأمور تسير بشكل مذهل إلى أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إسرائيل بأسلحة حديثة ومتطورة وخاصة صواريخ مقاومة الدبابات، وهنا تمكنت القطاعات الإسرائيلية من إيقاف واحتواء الانتشار الواسع للقطاعات المدرعة السورية والتي وصلت إلى جسر بنات يعقوب في عمق الجولان المحتل، ثم شنت القطاعات الإسرائيلية بعد ذلك هجوما مقابلا تمكنت من خلاله ليلة 11، 12 أكتوبر/ تشرين أول من الوصول إلى جنوب سعسع وتهديد دمشق وكان حجم تلك القطاعات الإسرائيلية أكثر من 7 ألوية مدرعة وآلية، ولم تكن القطاعات العراقية التي وصلت حتى يوم 12 أكتوبر إلى سوريا كبيرة، وصدرت الأوامر إلى اللواء 12 مدرع “عراقي” بالتصدي للقطاعات الإسرائيلية وإرباك خططهم وإيقاف تقدمهم باتجاه دمشق، حتى يكتمل وصول بقية القوات العراقية وكنا نهاجم ليلا بالتنسيق مع القوات السورية لتقليل تأثير الطيران الاسرائيلي، وتم تطوير العمليات ومهاجمة القوات الإسرائيلية.
يوم 13 أكتوبر تشرين الساعة 9 صباحا توقفت القطاعات الإسرائيلية من التوجه إلى شمال سعسع ثم دمشق وانسحبت إلى الخلف لغرض مقاتلة قواتنا التي التي ضربتهم من الجناح والخلف، وتراجعت القطاعات الإسرائيلية إلى الخلف للتفرغ لمقاتلة القوات العراقية التي احتلت مواضع كثيرة في الجولان في عمق القطعات الإسرائيلية، وتكامل وصول القطعات العراقية إلى الجبهة السورية بعد يوم 16 أكتوبر.
متى عادت القوات العراقية إلى بغداد؟
في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1973 وبعد وقف إطلاق النار، انسحبت قطاعاتنا من سوريا باتجاه العراق للعودة إلى معسكراتنا السابقة في تكريت وصلاح الدين وجرى استقبال رسمي للقوات وكذا استقبال شعبي، ولغرض تخليد شهداء حرب تشرين/أكتوبر 1973، أقيمت مقبرة خاصة للشهداء في منطقة نجها جنوب دمشق، بها أكثر من 150 شهيدا يرقدون بجوار أشقائهم من شهداء الجيش السوري.