صدام حسين لـ«المجلة»:إيران خطتها ضم العراق وإنشاء «إمبراطورية فارسية»
أميركا لها دور في استمرار الحرب لكن ليس طبيعياً استمرار قطع العلاقات معها
* صدام ألمح في معرض إجابته على أحد الأسئلة إلى سعة انتشار مجلة «المجلة»وامتدادها إلى قراء من غير العرب
* وزير الدفاع ليس مصاباً… بل يعاني من مرض «الديسك»
* لا تغيير في العلاقات مع سورية لكننا لا نمانع في تحسينها
* مصر تعاوننا وتظهر تعاطفاً معنا.. لكن معاهدة كامب ديفيد تمنعها من المشاركة في الحرب
* نبارك أي علاقة بين الأردن وفلسطين
بغداد: قبل أن ألتقي الرئيس صدام حسين نبهني مسؤولون عراقيون أن له رأياً في المقابلات الصحافية الجيدة. فهو لا يميل إلى الأسئلة التقليدية التي تفتح له المجال، سلباً، ليختار هو ما يتحدث عنه، بل يفضل الحوار الحي الساخن إلى حد ما. ولذلك نصحوني أن لا أتحرج في طرح أي سؤال. وقد قبلت النصيحة، وكان أمراً مشجعاً أن أعرف من أحد مساعديه أنه يقرأ «المجلة»وأنهم يرفعونها إليه كاملة بخلاف ما يفعلون بالمجلات العربية العربية الأخرى التي يلخصون له ما يرد فيها من أخبار العراق والحرب. وقد ألمح في معرض إجابته على أحد الأسئلة إلى سعة انتشار «المجلة»وامتدادها إلى قراء من غير العرب وهذا ما جعله- كما أشار- يتحفظ قليلاً في الحديث عن بعض القضايا، وحين يتحدث صدام حسين إلى الصحافة لا ينسى أنه يخاطب العراقيين. ولذلك تمتزج أحياناً إجابته على الأسئلة بتوجيهات إلى المسؤولين العراقيين الذين يحضرون المقابلات الصحافية. وفي الحديث الذي أجرته «المجلة»كان مستوى تمثيل هؤلاء المسؤولين عالياً بصورة خاصة. فقد حضر المقابلة السيد عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. وحضوره مثل هذه المناسبات مناسبة في ذاته. كما حضر المقابلة رئيس المكتب الصحافي لرئاسة الجمهورية السيد هاني الوهيب، وهو صحافي عراقي معروف. وكانت له مساهمة في الحديث حين نقل سؤالاً وجهته إليه عن رأي الرئيس صدام بأداء الإعلام العراقي أثناء المعركة، إلى الرئيس نفسه أثناء المقابلة.
وعلى مدى ما يزيد عن الساعتين جرت المقابلة. وكانت جولة عامة وشاملة في مواضيع الحرب العراقية- الإيرانية والتطورات الناشئة عنها على صعيد الداخل العراقي والمنطقة العربية والعالم، وفيما يلي نص المقابلة مع الرئيس العراقي:
* الأسئلة التي أعددتها تندرج تحت ثلاثة عناوين، أولها الحرب العراقية ـ الإيرانية. والثاني الوضع الداخلي في العراق في ضوء تطورات هذه الحرب، والثالث هو مواقف العراق من قضايا المنطقة العربية وعبر هذه القضايا من الدول العظمى، وإذا سمحت نبدأ بالحرب. هل ترون لها نهاية قريبة؟
– القول بنهاية قريبة أو بعيدة للحرب ليس عملاً تكهنياً مجرداً، وإلا كان ضرباً من الخيال أو نوعاً من السحر بل هو تحليل يستند إلى معطيات الحياة. الحرب في حقيقتها صراع إرادتين بصورة مباشرة قائم على أساس صراع جيشين، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى هي خليط من صراع إرادات في ضوء المداخلات التي تجري على طرفي الصراع المباشر وفي ضوء المصالح والمبادئ التي يعبر عنها كل طرف من طرفي الصراع المباشر. نسأل ماذا يعني انتصار إيران في الحرب ؟ ما هي الأهداف التي تنتصر إيران في الحرب إذا حققتها؟ ونترك استنتاجاتنا إلى الأخير ونأخذ ما يتحدث به المسؤولون الإيرانيون. إنهم يقولون إنهم لن يقفوا عند الحدود وأنهم يخططون للوصول إلى بغداد والنجف وكربلاء وميسان والبصرة ومندلي، بعض هذه المدن بعيد جداً وبعضها على الحدود في عمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتر. ويقول المسؤولون الإيرانيون أيضاً إنهم يريدون إسقاط الحكم، إذن فهم يريدون دخول العراق والتوسع على حسابه. وهم في الوقت نفسه يريدون إلحاق العراق ببلاد فارس سواء عن طريق السياسة أو عن طريق الضم الكامل، ولكن هل تقف أطماعهم عن حدود العراق من يستطيع أن يلحق العراق سيسعى لأن يلحق من هم أضعف من العراق. كان الإيرانيون ولا يزالون يقولون إن أطماعهم تتجاوز العراق إلى ما هو أبعد، وإلى منطقة الجزيرة والخليج على الأقل، ويدعون أنهم مكلفون نقل «الرسالة الإسلامية»إلى أبعد أطراف الوطن العربي والعالم الإسلامي وفق الأسلوب الذي يتبعونه ونحن نعرف- وأنتم تعرفون- أن هذا ليس إلا غطاء وأن ما يريدنه حقاً هو تكوين إمبراطورية فارسية تضم الخليج والجزيرة فتستحوذ إيران بذلك على الثروة البترولية العربية ويقوى نفوذها في العالم، هكذا كان الفرس عبر التاريخ، والتوسع لا يتوقف على النيات بل على الإمكانات. فعندما تتوفر هذه لهم يعمدون إلى التوسع. إذن فهم سيحاولون من جديد رغم إفشالهم في البصرة ومندلي وميسان حتى يصلوا إلى قناعة بأن التوسع على حساب العراق وبالتالي كسر السد ليغمر الطوفان كل المنطقة غير ممكن، فعند ذلك سيكون السلام. نحن في العراق قدمنا موقفاً واضحاً ومبادئ والتزامات واضحة، والطرف الإيراني هو الذي لا يزال يصر على استمرار الحرب، وتدفعه إلى ذلك إرادتان:
الأولى داخلية قائمة على أساس الرغبة في التوسع وقدرته على تحقيق هذا التوسع مرتبطة بالممكن وغير الممكن، وإرادة خارجية هي المداخلات التي تجري على النظام الإيراني. وموقف الأمة العربية واضح. فهي لا تريد أن تعتدي على بلاد فارس ولم يظهر في العرب من يفكر بأن بلاد فارس جزء من الأمة العربية، لا أرضها ولا شعبها ولا مصالحها.
وإنما هم أمة ونحن أمة. هم شعب ونحن شعب. هم دولة ونحن دول. فليست لنا أطماع في بلاد فارس لا كعرب ولا كبعثيين. إن عقيدتنا لا تتجاوز الحدود باتجاه بلاد فارس فلا نقول إن على الفارسي أن يكون بعثياً ولا نحمل مسؤولية مبدئية في نظريتنا لتحرير شعوب إيران من وجهة نظر خاصة. إذن فالمداخلات الدولية أساساً قائمة على مقدار التأثير في ذلك النظام بجعله يتوهم بأن أطماعه ممكنة التحقق وجعله يتوهم أن إطالة أمد الحرب هي لصالحه. ولذلك لا أستطيع أن أقول إن الحرب ستطول سنة أخرى أو ستة أشهر أخرى أو أكثر. ولكن أقول بوضوح كامل إن ما ذهب من زمن الحرب هو الكثير وما بقي هو الأقل. وأقول هذا انطلاقاً من تصور بأن النظام الإيراني بات يقترب من الشعور بالعجز في تحقيق الأهداف التي أعلنها والتوسع على حساب العرب والعراق. لقد بدأ هذا بأخذ شكل الحالة الواقعية لا شكل القناعة. وذلك واضح في التبدل في تعامل النظام الإيراني مع دول الخليج، أنه يتعامل معها خلافاً لما درج عليه قبل الحروب وفي بدايتها. فهناك إذن تحول في السلوك وإن لم يواكبه تحول في النيات. ولكن السياسة ليست نيات كلها، فحالة الممكن تلعب فيها دوراً حاسماً.
* من خلال إجابتك، وضح أنكم تعلقون أهمية خاصة ورئيسية على التبدل في الموقف في إيران لإنهاء الحرب. ماذا سيفعل العراق إذا أصر حكام إيران على الاستمرار في الحرب حتى يحققوا غايتهم منها، وهي كما ذكرتم إسقاط الحكم وإحضاع البلاد لهم؟ وهل بيد العراق فعلاً إنهاؤها أو فرض هدنة طويلة كما أشرتم قبل المعارك الأخيرة حين قلتم إن المعركة المقبلة ستكون الحاسمة لأنها ستدمر القوات الإيرانية إلى حد يجعلها غير قادرة على شن هجوم أخر بعدها؟
– قلنا إنه إذا حاول الإيرانيون اجتياز حدودنا الدولية مرة أخرى بقوة عسكرية بحجم ما حشدوه في البصرة ونالهم من الفشل ما لاقوه في البصرة، فستقتصر الحرب بعدها على معارك صغيرة وسنعتبر أن الحرب قد انتهت فعلياً من حيث استخدام الحشد الكبير وإن بقى عنوان الحرب قائماً بصورة رسمية. ومن الناحية العملية لم يستخدم الإيرانيون نفس الحجوم من الحشود التي استخدمت في البصرة ولم يصروا في هجماتهم المتكررة كما فعلوا في البصرة. ولذلك ما زال هناك احتمال أن يكرروا محاولاتهم.
* إذن فالمعركة الحاسمة التي تحدثت عنها لم تقع بعد؟
– سوف لن يستطيعوا أن يحشدوا بمقدار ما حشدوه في البصرة. فبعد البصرة جاءت مرحلة هبوط ظهرت في معارك مندلي تلتها مرحلة هبوط أخرى في ميسان. فهم إذن في المرحلة الثالثة من الهبوط وستكون المرحلة الرابعة أدنى مستوى. بعد البصرة باتوا يستخدمون حشوداً أقل ويتكبدون الخسائر. وربما قاموا بعمل عسكري جديد على مستوى ما فعلوه في قاطعي مندلي وميسان ولكن لن تكون هناك بصرة جديدة. وقد لمسنا ذلك في المعارك الأخيرة ورأينا أن العزيمة بدأت تهبط.
* قلتم في كلمتكم أمام مجلس الوزراء، قبل أيام، إن المباداة لن تترك بيد الإيرانيين، كما ذكرتم في جولة لكم في إحدى المناطق العراقية أن وضع إيران الاستراتيجي أفضل لأنها تقاتل بعمق سكاني وجغرافي أكثف بينما لا يتوفر ذلك بالنسبة نفسها للعراق. هل نفهم من ذلك أنكم بصدد إعادة النظر في قراركم الانسحاب إلى ما وراء حدودكم الدولية؟
– لا. القرار لا يزال قائماً. ولكن دخول إيران إلى أراضينا أعطانا الغطاء الفكري والنفسي والعسكري، داخليا ودولياً، بحيث إذا وجدنا يوماً أن ثمة هدفاً لامعاً، من الوجهة العسكرية، خلف حدودنا وكانت الحرب لا تزال مستمرة، فلن يكون هناك ما يمنع من التعرض إليه. هذا هو جوابي.
قوات دولية بين الطرفين
* هناك ادعاءات إيرانية بأن القوات العراقية لا تزال تحتل أراضي إيرانية ـ غير زين القوس وسيف سعد ـ رغم قرار الانسحاب، ما هو تعليقكم؟
– لقد ذهبت أنت إلى قاطع العمليات في مندلي، فأين وجدت القوات العراقية؟ (قلت داخل الحدود العراقية). هذا هو شأن القواطع الأخرى. ما يحدث هو أن الإيرانيين لا يستطيعون دخول بعض الأرض الحرام بسبب طبيعتها سواء هنا أو هناك. وقد يفسرون عدم تمكنهم من دخول هذه الأراضي بأنه عائد إلى كون القوات العراقية تحتلها. ولكن هذه الأراضي هي أرض حرام السيطرة فيها للمتفوق بالسلاح يستطيع أن يمنع الطرف الآخر من دخولها ويوقع فيه الأذى إذا حاول- وهذه مسألة طبيعية طالما استمرت الحرب. أما الادعاء بأن العراقيين يحتلون أراضي إيرانية فيسقطه دخول الإيرانيين إلى أراضينا وإعلانهم بغطرسة أنهم دخلوا إلى عمق عشرة كيلومترات بينما نحن من يقول إنهم دخلوا إلى مسافة خمسة كيلومترات فقط. وإذا لاحظتم فإن الإيرانيين طوروا في أسلوبهم الإعلامي ففي معارك شرق البصرة قالوا إنهم يريدون البصرة ثم لما فشلوا قالوا إنهم لم يكونوا يريدونها. ثم قبل المعارك الأخيرة على مندلي أطلقوا تصريحات بأن العراقيين لا يزالون على قسم من الأراضي الإيرانية وأنهم سيعملون على طردهم من داخل تلك الأراضي. كان نتيجة استنكار العالم للتحشد الإيراني على حدود العراق والإعلانات الإيرانية الصاخبة بأنهم يريدون دخول أرض العراق. في بياناتهم عن الهجوم على شرق ميسان قالوا إنهم يريدون طرد العراقيين من قسم من الأراضي الإيرانية وعندما رأوا أنفسهم داخل أراضينا وصار دخولهم حقيقة واقعة قالوا إنهم دخلوا الأراضي العراقية. كان ذلك بعد مرور يومين على إعلاننا عن حدوث الخرق. وصاروا يجادلون: لا، ليس كما يقول صدام حسين. لقد دخلنا إلى مسافة عشرة كيلومترات لا خمسة كيلو مترات. كلام صدام حسين ليس دقيقاً. إذن هذه هي نياتهم انكشفت. ولا بد من التذكير بأننا نحن من طالب بتمركز قوات دولية تفصل بين الطرفين وهم من رفض الفكرة.
* ألا يزال الطلب قائماً؟
– نعم ما زال قائماً. لو كانت لدينا رغبة في الاحتفاظ بأراض إيرانية لما دعونا القوات الدولية إلى الحضور.
* هل لا تزالون تأملون خيراً في الوساطات التي لم تتوقف نهائياً بعد لإيجاد حل سلمي للنزاع؟ وهل حققت أي من الوساطات أي تقدم تحرصون على الحفاظ عليه لإفساح الفرصة لتطويره؟
– إن موقفنا الرسمي كان ولا يزال الترحيب بالوساطات بل وتشجيعها. وكان هذا موقفنا إزاء كل جهات التوسط. أما بالنسبة إالى تحقيق تقدم فالتقدم يكون على خطوط الموقف العراقي الذي يقول بوقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة على أسس ومبادئ ثابتة هي: لا تدخل في الشؤون الداخلية.ولا أطماع في أراضي أي من الطرفين من الطرف الآخر، وأن يحترم كل منا سيادة الطرف الآخر، وأن لا ترتب القوة حقوقاً غير مشروعة لأي من الطرفين. في التقييم النهائي لم تحرز أي لجنة أي تقدم في هذا المجال، أما التقدم الوحيد الذي أحرزته اللجان فهو أن إيران لم ترفض كل اللجان ولا فكرة الوساطة. وهذه حالة موجودة منذ البداية. أما من الناحية العملية فإن أي تقدم لم يحدث طيلة السنتين الماضيتين.
* هل نفهم أنكم ضمنا لم تعودوا تأملون خيرا من الوساطات؟
ــ نحن لا نأمل خيرا و لا نأمل شراً، أي أننا لا نعلق أملا كبيراً على لجان الوساطة ولا نأمل شرا منها أو سوءا فنحن ليس لنا ما نخشى عليه أو نخشى انتزاعه طالما تعاملنا بالمنطق. نحن نريد سيادتنا واللجان التي جاءت من كل جهة من الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي وغيرها تقف عند موضوع سيادتنا وتقول: نعم. عدم التدخل في الشؤون الداخلية، نعم. أن لا ترتب القوة حقوقا غير مشروعة، نعم. وهذا منطق لم نجد صعوبة مع أي لجنة أو جهة في تفهمه. إذن فنحن لا نتوقع من أي لجنة أن تؤذي العراق وفي الوقت نفسه لا نقيم سياستنا عل أساس الأمل الكبير في أن هذه اللجان هي التي ستأتي بالحل. نرحب باللجان ولكن أساس سياستنا قائم على صمود شعبنا أولا. إن التعلق بهذه الأمور في التجربة العربية جعلنا نحاذر من الوقوع في الأخطاء نفسها. فحتى عندما قال لنا أصدقاء وأشقاء ومحايدون إنهم و اثقون من أنه إذا انسحبنا إلى الحدود الدولية فإن إيران لن تجتاز الحدود انسحبنا، وقلنا لهم إننا واثقون من أن إيران ستجتاز الحدود وأعددنا أنفسنا لذلك.
العقل الإيراني الحاكم
* من خلال تعاملكم مع إيران في الجبهة وعبر الوساطات، ما هي الصورة التي تكونت لديكم عن عقل الحكم الإيراني الحالي؟ وهل ما زلتم تعتقدون بأن في الإمكان التوصل إلى سلام مشرف معه؟
– العقل الإيراني الحاكم الآن عقل متخلف من حيث النظرة إلى الحياة وإلى السياسة الدولية وإلى العلاقة مع الجيران وحقوقهموهو مشبوه في التصرف وفي السياسة المعبرة عن التصرف وهو حاقد في رؤيته للإرث التاريخي في العلاقة بينه وبين الأمة العربية. وهو عدواني وتوسعي عندما تتوفر له الإمكانات اللازمة لتنفيذ التوسع الآن أو في المستقبل. ومع ذلك نقول نعم… من الممكن تحقيق سلام مع هذا النظام، عندما يعجز عن تحقيق أهدافه فهذا النظام ليس دينياً في حقيقته وإنما يتخذ من الدين غطاء لسلوكه والموضوع ليس مبدئيا في حقيقته وإنما المبدئية عنده حالة متحركة في ضوء الممكن القائم على أساس التكتيك السياسي. كذا رأيناه في حواره مع الأميركان في موضوع الرهائن. وكذا رأينا في تعليمات «المرشد الأكبر»الخميني لمجلس الدفاع الأعلى في شراء المعدات والأسلحة من إسرائيل، وجاء هذا في اعترافات بني صدر نفسه. إذن. من الممكن إقامة سلام معه عندما يقتنع بأنه ينطح الصخرة وعندما يفشل في تحقيق نياته التوسعية على حساب الأمة العربية والعراق وللشعوب دور في هذا المجال. أنا لا أقول إنه لو كان عبور الإيرانيين إلى داخل العراق سهلاً وكذلك إلحاق العراق ببلاد فارس فستتشهد إيران مظاهرات شعبية ومعارضة قوية في الداخل. لا ليس عندي مثل هذا الوهم. فعندما قال حكام إيران إنهم قادرون على احتلال بغداد صفق لهم مليون إيراني وأكثر، أعرف ذلك. ولكن عندما يرى الإيرانيون أن الثمن الذي يدفعونه من جراء السياسة العدوانية باهظ فسوف ينفضون من حول الخميني. وقد بدا ذلك واضحاً وضوحاً لا يقبل الشك في المعارك الأخيرة عندما لم يتمكن الخميني من أن يحشد بمثل ما حشد في البصرة. لماذا؟ لأن الإيرانيين صاروا يدركون، على نطاق متزايد بأن على حكام إيران أن يقلعوا عن سياستهم العدوانية التوسعية باهظة الثمن.
* تقصد أن السلام قائم على أساس توازن القوة وليس على حسن النية؟
– لا، إن حسن النية غير متوفر في إيران وعلى العرب أن لا يتوهموا إمكان توفر حسن النية في هذا النظام أو أي نظام يقوم على أساس الأطماع الشاه اغتصب من أرض العرب. وأبوه قبله اغتصب ومن سبقهما اغتصب. وهؤلاء يريدون أن يغتصبوا، هذه حقائق تاريخية لا آراء شخصية نحن لا نستقرئ النيات بلا دليل بل نستنتجها من الملموس.
المعارضة الإيرانية
* لاحظت أن وسائل الإعلام العراقية تعلق أهمية كبرى على المعارضة الإيرانية وتعتبرها شريكاً موضوعياً للقوات العراقية في تحطيم نظام إيران الحالي. ويثير هذا تكهنات عن وجود علاقات وتنسيق بين العراق وتلك المعارضة. هل تؤيدون قيام علاقات مع المعارضة الإيرانية تساعد على تغيير نظام الحكم في إيران؟
– عدم التدخل في الشؤون الداخلية هو مبدأ من مبادئنا في التفاوض وهو في أساس سياستنا مع إيران قبل الحرب. فليس من مسؤوليتنا تصحيح الأوضاع في إيران ولكن من البديهي عندما تقوم الحرب أن تجد المعارضة الإيرانية في صمودنا أمام الأطماع التوسعية الإيرانية وفي فشل النظام الإيراني في تحقيق نياته ما يعينها على إضعاف النظام وأن نجد في نشاطها ما يعيننا نحن على إضعافه، ولكن بلا تلاق ولا تنسيق. كل من موقعه وكل وفق قناعاته وكل واستقلاليته.
* رغم أن المواثيق الدولية تنص على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية ترون أن حدود أمن الاتحاد السوفياتي تصل إلى داخل أفغانستان وبولندا، وحدود أمن إسرائيل تصل إلى لبنان وحتى بغداد حيث يقوم المفاعل النووي العراقي، وحدود أمن الولايات المتحدة تصل إلى السلفادور وقبلها إلى تشيلي، ألا ترون أن من حقكم أنتم أن ترسموا حدوداً لأمن العراق داخل إيران؟
– عندما تكون الحرب قائمة ترتبط الحالة بالإرادات والإمكانات، أما عندما تضع الحرب أوزارها فينبغي أن تصفو النيات عند ما هو مشروع وما هو مشروع وصحيح هو أن تحترم كل من الدولتين، العراق وإيران، حدود الدولة الأخرى وسيادتها ولا تتدخل في شؤونها الداخلية. هذه الحالة هي ما يكوّن الأمن الحقيقي للعلاقة بين البلدين وهذه هي نظرتنا فيما يتعلق بالجيران.
* لقد أخذت الحرب العراقية- الإيرانية طابعاً دينياً في إحدى مراحلها ولا تزال. دولة ترفع شعار الدين في مواجهة دولة تمارس العلمنة. كيف تنظرون إلى موقع الدين في هذه الحرب؟ بكلام آخر هل ترون أن هذه الحرب هي في وجه من وجوهها حرب بين إسلامين أو نظرتين إلى الإسلام؟
– في جانب منها هي حرب بين الجوهر والدجل، ولكنها ليست حربا بين إسلامين كما أشرت في كلامك. العراقيون مسلمون في أغلبيتهم وفيهم ديانات أخرى، ولا يمكن لمنطق أن يقول إن الإيرانيين أكثر تدينا من العراقيين لا في التاريخ ولا في الواقع. إن رجال إيران المسؤولين اتخذوا من المسألة الدينية غطاء واتخذوا من الوسيلة الطائفية حالة لتفريق أبناء الأمة وتقسيمهم لإضعافهم، وبالتالي لتسهيل مهمة الاحتواء والتوسيع لأن التوسع ينهار عندما يواجه جدارا حديديا قويا، إذن فالتقتيت أسلوب يسهل عملية التوسع والمسألة الدينية والطائفية حالة استخدمتها إيران للتوسع كما تحاول إسرائيل أن تستخدم الحالة الطائفية في لبنان كوسيلة لإضعاف اللبنانيين تمهيدا للتوسع على حسابهم وكما تحاول الصهيونية ودوائر أخرى أن تغذي حالة طائفية داخل مصر، فمصر بلد كبير وأكثر البلدان العربية تحضرا وتقدما من الناحية العلمية والتقنية و هذا ما يوحدها وكذلك كون السكان كلهم من العرب وليس فيم أقلبات قومية كما الحال في العراق ولبنان أو الجزائر مثلا ومع انتفاء التمايز القومي تم اللجوء إلى التمايز الطائفي المسلم والمسيحي وهذا هو الدور نفسه الذي يقوم به حكام طهران وفي قناعتنا أن وراء هذا الدور دوائر وبعض المسؤولين في إيران ولا نقول كلهم مرتبط بهذه الدوائر المشبوهة ارتباطا مباشرا إذن فالصراع هو بين حالة وحالة إنه ليس قائما على أساس ديني ولكن أحد أطرافه اتخذ من مسألة الدين غطاء أما نحن فالعلمنة عندنا ليست حالة تخلٍ عن الدين ولكن حالة عدم استخدام الدين في السياسية مع بقاء رعاية الدولة للدين والأديان وللطوائف كلها والمسألة الروحية في الدين قائمة هذا هو مفهوم العلمنة في دولتنا وليس حالة تخل عن الدين كما كما هو متصور في مفاهيم العلمنة السابقة وعلى هذا الأساس نقول إننا لسنا حيادين بين الإلحاد والإيمان و إنما نحن مع الإيمان.
* ثمة قناعة لدى المراقبين بأن هناك شبه استحالة لتحقيق حل إقليمي للحرب العراقيةــ الإيرانية، فالوساطات التي بذلت حتى الآن لم تعط ثمارا…
– ما هو المقصود بالحل الإقليمي؟
* إنه الحل الذي يتم بين الأطراف المتنازعة مباشرة…
ــ و هل حصلت حرب في التاريخ لم يتحقق في نهايتها حل؟
* أقصد أن أميز بين حل إقليمي وحل تدخل فيه وساطات أو نفوذ دولي…
– الوساطات في كل الأحوال هي تعبير بشكل أو بآخر عن إرادة الطرفين عند التلاقي بنقطة مرسومة بإرادتيهما سواء بالتفاعل على أساس المنطق أو بالممكن على أساس الواقع. فليس هناك إذن حالة لا تسمح بحل إقليمي. ولكن أحياناً يكون ثمة طرفان لا يرغبان في اللقاء المباشر في المرة الأولى فيختاران اثنين أو ثلاثة يكلفانهم الانتقال بين الفريقين للتعرف على مواقف كل منهما وبعد ذلك يصار إلى تحريك ونقطة التلاقي تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وطوراً إلى الوسط. ونقطة الوسط لا تساوي حالة ما يستثنى بالمكانين بالضرورة وإنما هي الحالة التي يقبل بها الطرفان على طول الخط.
دور أميركا وروسيا
* الجهود المبذولة حتى الآن هي جهود أطراف من العالم الثالث: عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي وغيرهما. ما قصدت بالحل الدولي هو الحل الذي تتدخل به القوتان العظميان مباشرة. فقد ذكرتم، أخيراً أن القوتين العظميين لا تريدان إنهاء الحرب رغم الخطر المحتمل الذي يهدد مصالحهما. والسؤال هو: هل تتطلعون إلى حل دولي يأتي في إطار وفاق الدولتين العظميين وهل تسعون إلى ذلك؟
– لا تأخذ ما تسمعه منقولاً عني من بعض الصحافيين الغربيين كما هو. فهم أحياناً يأخذون كلامي مجزوءاً ومرات ينسبون من عندياتهم في النصوص. ما أقوله هو أنه لو أرادت أميركا وروسيا إنهاء الحرب لفعلتا أكثر مما فعلتا حتى الآن ولذلك نحن في العراق نتساءل عما إذا كانت القوتان العظميان تعنيان فعلاً ما تقولانه لنا من أنهما تريدان إيقاف الحرب هذا هو محور حديثي كان وما يزال. ولذلك مرة آخذ الاتحاد السوفياتي مثالاً فأقول أنه دولة تقع على حدود إيران وهي قريبة من المنطقة فلابد أن لها استراتيجيتها فما هي هذه الاستراتيجية؟ من حقنا أن نتساءل عنها لكي نرى ما إذا كانت هذه الاستراتيجية مع وقف الحرب أو مع استمرارها. وآخذ أميركا، أن مصالحها الحيوية موجودة في منطقة الخليج وكذلك مصالح حلفائها والصراع يجري على فوهة آبار النفط. إنها تقول إنها تريد إيقاف الحرب وإنها ليست مع استمرارها ومع ذلك تستمر الحرب ويقوم حلفاء أميركا- إسرائيل أو غيرها- بتزويد إيران بقطع الغيار والأسلحة وغيرها ومن حقنا هنا أيضاً أن نتساءل: ما هي نقاط التلاقي بين استراتيجية أميركا وموضوع استمرار الحرب وإيقافها؟ هذا هة تساؤلنا، وعندما نتساءل فمن البديهي أن نشك. على من ينطبق تساؤلنا بتفاصيل أكثر، وبشك أكبر من الدولتين العظميين؟ والحقيقة ما زال شكنا أكبر في أن للولايات المتحدة دوراً في الحرب وفي استمرارها وتأتي الصهيونية العالمية قبل الولايات المتحدة، ولكن عندما نتحدث عن الدولتين العظميين نقول إن علامة الاستفهام تقع على أميركا دون إعفاء الاتحاد السوفياتي من التساؤلات التي أشرنا إليها.
* نتساءل عن علاقات العراق مع الدولتين العظميين بهذه المناسبة. لقد صدر عن العراق كلام إيجابي في مقترحات ريغان لحل أزمة الشرق الأوسط…
– أين الكلام الايجابي؟
* قرأت لوزير الخارجية سعدون حمادي كلاماً في مقابلة صحافية…
– وزير الخارجية كان كلامه واضحاً في الرسالة التي بعث بها إلى وزير الخارجية الأميركي. وفي الرسالة موقف العراق الواضح. ولذلك لا يؤخذ موقف العراق من أي تصريح إلا من قرارات مؤتمر فاس هذا هو موقف العراق وقرارت فاس هي غير المشروع الأميركي تماماً هي حالة والمشروع الأميركي حالة أخرى.
العلاقات مع أميركا
* لطالما وقف العراق قراره بإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة على موقف أميركي متطور من أزمة الشرق الأوسط هل تقصد أنكم لا تزالون تنتظرون هذا الموقف؟
– لا يزال الموقف الأميركي كما نراه منحازاً إلى إسرائيل. إننا لا نعتقد أن الطبيعي هو أن تستمر العلاقات مقطوعة بيننا وبين الأميركان الوجه الطبيعي هو أن تكون هناك علاقة قائمة بيننا. الوجه غير الطبيعي هو انقطاعها ولكن لانقطاعها أسباباً. وإعادتها مرتبطة بتقدير أساسي قائم على قاعدة أنه في الوقت الذي نرى فيه أن من المصلحة القومية ومن المصلحة العراقية إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة فسوف نفعل. وهناك عاملان أساسيان يدخلان في تقدير المصلحة القومية والمصلحة الوطنية العراقية: تصرف أميركا تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي، وتصرف أميركا تجاه الحرب مع إيران.
* لقد كشفتم النقاب في الأونه الأخيرة عن أن الاتحاد السوفياتي بدأ ينفذ عقود تسلح عقدها العراق معه قبل الحرب ورافق ذلك أنباء عن أنكم قمتم بالمقابل بمبادرة نحو الشيوعيين العراقيين بإطلاقكم عدداً من سجنائهم وإعادتهم إلى وظائفهم. هل نقول إن العلاقات العراقية – السوفياتية دخلت طوراً جديداً؟
– بغض النظر عن التفاصيل التي توردها. أقول إن هناك عقوداً مدفوعة الثمن عقدت قبل الحرب مع الاتحاد السوفياتي، والطبيعي أن ينفذ الاتحاد السوفياتي هذه العقود، لأنها اتفاقات بين دولتين. نحن من طرفنا لم نقصر بالتزاماتنا بل دفعنا المبالغ للاتحاد السوفياتي. فإذا ما تأخر هو عن تنفيذ التزاماته كان ذلك خللاً في الالتزامات. أي إنه غير طبيعي وغير صحيح. أما الطبيعي فأن يوفي كل طرف بالتزاماته. هذا جانب. أما الجانب الآخر فليكن واضحاً أن تعاملنا مع الشيوعيين سواء عندما يكونون في السجن أو خارجه ليس قائماً على أساس تلمس رغبة الاتحاد السوفياتي أو عدم رغبته بل هو قائم على أساس تقدير المصلحة الوطنية كما هي فالشيوعيون يدخلون السجن عندما يخالفون القوانين التي تنص على معاقبتهم عندما يفعلون ذلك إما أن تقدر من الناحية السياسية أنه رغم انطباق القانون على سلوك بعض الشيوعيين العراقيين في زمن معين فان المصلحة الوطنية العراقية واستقراء الحالة يقتضيان بأن نطلق سراحهم فهذا تقدير وطني صرف لا علاقة له بتلمس أو عدم تلمس رغبة الاتحاد السوفياتي لأن هذا شأنا من شؤوننا الوطنية التي لا نقبل النقاش فيها.
* جاء وقت كنتم فيه تعلقون آمالاً على دور أوروبي يخرجنا من منطقة «الحيتان الكبيرة» على حد تعبيركم. هل لا تزالون ترون ذلك بعد التغييرات في الحكم التي شهدتها أوروبا؟ وما هي طبيعة هذا الدور؟
– ما يخرجنا من تأثير الحيتان الكبيرة ليس هو الدور الأوروبي فحسب، وإنما بالدرجة الأساسية الإرادة العربية. إلا أنه من الطبيعي أن نقول إنه حيثما تظهر قوى تتفهم الاتجاهات المشروعة في الإرادة العربية يقل تأثير الحيتان الكبيرة على الأمة العربية. نحن نستقرئ أن بأمكان أوروبا أن تتطور إلى ما من شأنه أن ينضج فهم الإرادة العربية وقراراتها المشروعة في الاستقلالية وعلى هذا الأساس ننظر إلى الإرادة الأوروبية فيما لو تطورت باتجاه الاستقلالية خارج تأثيرات الولايات المتحدة وسياستها أو بما يضعف تأثيرات الولايات المتحدة وسياستها، إذن فما يقوي استقلالية الأمة العربية هي مجموعة عوامل منها النظرة إلى مستقبل أوروبا والتمني أن تتطور بطريق استقلالي صديق للعرب ولكن في مقدمة هذه العوامل تأتي إرادة العرب.
الوضع الداخلي
* نعود إلى الحرب لو سمحت، ونود لو نلقي أضواء على الوضع الداخلي. لقد لفت في كلامكم أمام مجلس الوزراء أخيراً إشارتكم إلى «الرتل الخامس». وقد فهمنا أن من تقصدون بهذه التسمية يلقون الإشاعات ويؤولون قرارات الحكومة للإيهام بضعفها. هل هذا «الرتل»بالحجم الذي يستحق أن تشيروا إليه؟
– النقطة الأساسية هي أن نقول الحقيقة مثلما نراها للشعب تنبيها له، فقوتنا الأساسية هي في أن يكون الشعب منتبهاً للمخاطر. ولذلك فعندما نكتشف أسلوباً من أساليب الرتل الخامس نقوله للشعب فهذا أفضل ليست هناك دولة في العالم ليس فيها رتل خامس بما في ذلك سويسرا لو دخلت الحرب مع واحدة من الدول الأوروبية وقول الحقيقة يحصن جدار الشعب دائماً بتحصين وعيه كان هذا في ذهننا عندما قلنا هذا الكلام والحقيقة أن الرتل الخامس كان موجوداً قبل الحرب وهو موجود أثناءها، ولكن السؤال: ما هو تأثير الرتل الخامس؟ هل هو منعدم التأثير إطلاقاً؟ إذا قلت لك هذا الكلام أكون غير عملي لأن أي رتل خامس مهما كان حجمه ووسائله لا بد أن يؤثر، ولكن هل استطاع أن يثني إرادة العراقيين وأن يهز وعيهم؟ الجواب لا والدليل هو أن العراقيين استمروا للسنة الثالثة في الدفاع عن وطنهم والرتل الخامس لم يستطع أن يحولهم.
* بين ما يشيعه الرتل الخامس كلام عن وزير عراقي سابق هو رياض إبراهيم كشفتم عن أنه عوقب. هذا الوزير هو أحد مجموعة خرجت من الحكم في أعقاب المؤتمر القطري التاسع لحزبكم الحاكم. وقد أثار خروج هذه المجموعة من مؤسسة الحكم إشاعات وتكهنات كثيرة بعضها تحدث عن تنفيذ عقوبة الإعدام بأفرادها. هل يمكننا أن نتعرف إلى كيفية تشكل مؤسسة الحكم في العراق وطرائق التغيير فيها وإلى مغازي التغييرات الأخيرة وإلى مصير من طالتهم التغييرات وأبعدتهم عن الأضواء تماماً؟
– قبل الإجابة على سؤالك لنقارن الموقف مع ما يجري في البلدان الرأسمالية والشيوعية في حالات مماثلة. إن فوز حزب في أميركا يؤدي إلى تبديل المسؤولين من رئيس البلاد ونزولاً. الجدد يأخذون مكان القدماء على الصفحة السياسية ومهامها ويأخذون الحالة الإعلامية من الموقع الرسمي. الخارجون من الحكم ينشغلون بكتابة المذكرات ويتعاقدون مع دور النشر والسينما وبعد فترة لا نعود نسمع بهم وفي الدول الشيوعية تجري انتخابات في المؤتمرات الحزبية فتفوز جماعة وترسب جماعة فيتقدم الفائزون إلى الواجهة في المهام والإعلام ويتراجع الراسبون إلى المواقع الجديدة المحددة لهم. بعد هذا ما هو الغريب فيما يحدث عندنا في العراق؟ الواقع أن المقصود هو الكلام عن العراق. فهل ينبغي علينا كلما غاب شخص أن نجيء به إلى التلفزيون؟ هذا الشخص رسب. كان في القيادة وكانت له مهام والآن لم يعد عضو قيادة لقد أصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة لا لأنه قاد الجيوش يوم 17 و30 يوليو (تموز) بل لأنه عضو قيادة في الحزب، فإذن من يخرج من قيادة الحزب يصبح طبيعياً خروجه من مجلس قيادة الثورة وابتعاده عن الأضواء، ومن يدخل قيادة الحزب يصبح طبيعياً ظهوره في إطار النشاطات الجماهيرية والحزبية التي يقوم بها من موقعه الجديد أما مؤسستنا الدستورية الأساسية صاحبة القرار في البلاد فهي كما يأتي المجلس الوطني وينتخب بالاقتراع السري المباشر من الشعب وله قانون وصلاحيات دستورية تشريعية معروفة ومجلس قيادة الثورة وقد ترتب بضوء الثورة فدخل إليه أعضاء من قيادة الثورة وأعضاء من خارجها قاد البلاد وقاد الثورة في تعبيراتها الدستورية والسياسية العامة حتى يومنا هذا. الآن أصبح كل أعضائه من أعضاء قيادة الحزب عدا واحد هو الأستاذ طه محي الدين معروف نائب رئيس الجمهورية عندنا لا يصبح لمن كان مرة عضواً في مجلس قيادة الثورة امتياز إعلامي وسياسي يلاحقه حتى بعد خروجه من القيادة. والذين خرجوا من القيادة القطرية توزعوا على المكاتب المركزية للحزب وهم يظهرون على التلفزيون في إطار النشاطات التي تقوم بها المكاتب ولا يكونون فيها مركزيين لأنهم أعضاء في المكاتب وليسوا رؤساء وأقول ليس عندنا أحد لا معتقل ولا معاقب ولا مسجون ولا محكوم ليس إلا الوزير الذي أعلنا عنه فهو قاتل جماعي. الآن هل هناك أسماء يشغل بالك مصير أصحابها بعد ما روجه الإعلام الغربي؟ سمها لي وأنا أجيبك.
الوزراء الخمسة
* فقط الوزراء الخمسة الذين خرجوا من الحكومة ومن مجلس قيادة الثورة بعد الانتخابات الحزبية الأخيرة…
– سأعدهم لك: تايه عبد الكريم وهو وزير النفط السابق. إنه الآن عضو في المكتب الثقافي للحزب الذي أرأسه بنفسي. طاهر توفيق عضو في مكتب الفلاحين المركزي. برهان عبد الرحمن عضو في المكتب العمالي المركزي. وأمس ظهر على شاشة التلفزيون في إطار تغطيته نشاطا قام به المكتب لم يكن هو الشخص المركزي في التغطية بل كان مسؤول العمال ونقيب العمال وهما الآن أكبر منه في المسؤولية. عبد الفتاح ياسين في مكتب العلاقات الخارجية في القيادة القومية وقد نشر له مقال قبل يومين في صحيفة «الثورة»سعدون غيدان كان مريضاً وسافر إلى الولايات المتحدة للعلاج، كان في الولايات المتحدة عندما كانت الصحف الأميركية تقول إنه معتقل. لقد أنهى علاجه وعاد. وقبل أربعة أيام كنت أكلمه على الهاتف وأسأله عن صحته. الآن تتحدث إذاعة «إسرائيل»وإذاعة «سورية»وإذاعة «طهران»عن غياب وزير الدفاع. فمرة يقولون إنه مصاب وأخرى إنه لجأ إلى مصر. وزير الدفاع يعاني من «ديسك»في ظهره واستدعينا له فرقاً طبية من أميركا وإنكلترا وفرنسا والاتحاد السوفياني وألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وكوبا- (يضحك) هذه القوى الدولية كلها جاءت لعلاجه- إنه مريض وموجود في المستشفى. وهو الآن يتماثل إلى الشفاء. وإن شاء الله يخرج بصحة جيدة خلال عشرة أيام. (أحد الحضور يشير إلى أن الإذاعة السورية تتحدث عن غياب وزير المالية الحالي، فيعقب الرئيس قائلا: يبدو أن معلوماتهم أصبحت مغلوطة بعدما جزينا العملاء الذين تعرفهم، صارت معلوماتهم تتناقص. حتى إنهم لا يعرفون شيئاً عن وزير في الدولة).
* كيف يقيم الرئيس صدام حسين أداء الإعلام العراقي؟
– أجبت عن صعوبات الإعلام العراقي. أما عن الرضا فهو حاصل، لكن الصعوبات موجودة لقد ورثنا اقتصاديين في الدولة العراقية وورثنا مسرحيين وورثنا مبدعين في النحت والرسم والموسيقى، وورثنا الجيش فطورنا وأضفنا. أما على مستوى التلفزيون والإذاعة والصحف فلم يرث شيئاً ذا قيمة، كل الذين يكتبون هم من إنتاج الثورة وخبراتهم تتراوح بين عشر سنوات وأربع عشرة سنة، والخبرة ليست حالة بحد ذاتها كما هي بأشخاصها. وإنما هي حالة قائمة على الموروث المتراكم بالاتجاه الصحيح ولذلك فصحافتنا بلا عمق وهذه واحدة من المعضلات التي واجهتنا ولا تزال. إنني راض عن الإعلام ولكن أفهم صعوباته ورضاي لا يعني أنني أراه جيداً ومثالياً، ولكن النيات موجودة والهمة عالية والعمل يبذل إلى حد الإعياء، حتى المقاتل في الجبهة يأخذ إجازة بين الحين والآخر. أما الإعلاميون فلا يأخذون إجازات منذ ثلاث سنوات وهم يعملون ليل نهار. الصعوبة الأخرى أمام الإعلاميين هي عدم توفر مصادر أخبار تساعدهم على فهم تفاصيل حيوية مطلوبة في السياسة. وما يصلهم هو فقط ما ينبغي نشره رسمياً وعلناً. إنني ألتقي الصحافيين باستمرار وأطلع على مشاكلهم وأشجعهم على النقد. ولكن هناك من يخشى سلوك هذا الضرب خشية التسبب في أذى غير محسوب. كما أن هناك من له وجهة نظر مختلفة في مسألة النقد. فهو يرى ضرورة عدم تجزئة الرأي العام بين الاهتمام بالمعركة والانصراف إلى الهموم الحياتية اليومية وهذه وجهة نظر منطقية. هناك حاجة للموازنة بين هذه وتلك ولكن هذه مهمة تقوم بها ريشة فنان.
* قلتم إن التعبير عن المنهج الإقتصادي العراقي لم يعد على المستوى ذاته الذي كان عليه عند بداية الحرب. ونسأل هل الاقتصاد العراقي الآن قادر على تحمل تبعات الاستمرار في «القتال حتى النصر»كما كان قراركم الأخير؟ وهل للمساعدات المالية العربية للعراق تأثيرها على القرار العراقي؟
– لن أجيبك على السؤال عن المساعدات العربية للعراق. هذا أعفني من الإجابة عليه. أما في ما يتعلق بإمكانية الاقتصاد العراقي في أن يستمر في ظروف الحرب فأنا واثق بأنه قادر على الاستمرار ليس أمامنا حل آخر، الذي يلبس ثلاث بدلات ليلبس بدلة واحدة، ومن يأكل فاكهة مستوردة ليأكل من فاكهة العراق. هذا ما عندنا. هذه تدابير اقتصادية نقوم بها على ضوء إمكانياتنا. وبالنسبة إلينا ليس هناك شيء مستحيل. حتى لو بأظافرنا نقاتل، وليس هناك مستحيل. فنحن ندافع عن شرفنا ووطننا وبلدنا، بل وأقول عن الأمة كلها، لأنه إذا صرع العراق فالطوفان سيغرق كل ما هو في مستوى ارتفاع العراق أو أدنى، وأعتقد إذ ذاك أن الطوفان سيكون واسعاً.
* إذا لم يمكن الحديث عن المساعدات المالية العربية هل يمكن أن نسأل الرئيس صدام حسين عن الموقف العربي من حرب العراق مع إيران؟
– دعني أغير لك السؤال واقبله مني. ما أود أن تسألني إياه حتى لا يكون محرجاً لي أو لغيري من العرب هو: لو كان الذي يشتبك مع إيران بقتال على أساس المبادئ نفسها أي قطر عربي آخر. فكيف كان العراق يتصرف؟ أنا أقول لك كنا ذهبنا وجيشنا وقيادتنا وشعبنا. وكنا قاتلنا في الميدان واشتركنا في المصير وبالإمكانات المالية والاقتصادية والبشرية والعسكرية بما يعزز إمكانية تلك الدولة على الصمود والاستقرار. السؤال هل أجرى أي من العرب حالة بهذه الكيفية وبهذا الحجم؟ الجواب لا، قد يقال إن كلامك يا صدام حسين هو للدعاية فقط وأقول عندنا شواهد. صارت حالة عند العرب دخلنا وإياهم بفلوسنا ورجالنا وجيشنا وسلاحنا بل وغامرنا حتى بحدودنا عندما قاتلنا.
* أجبتم على عدة أسئلة بجواب واحد
– أردت بهذه الطريقة أن أجيب بالإطار الإجمالي لأن مجلتكم لن تُقرأ من جانب العرب وحدهم وأنا لا أحب أن أتحدث عن نقاط الضعف في حالتنا العربية.
* لقد تبين للمسؤولين العراقيين أن السودان جاد في عرضه المشاركة الفعلية في الحرب إلى جانب العراق. وربما كان هذا موقف اليمن الشمالي الذي زار مبعوث رئيسه العراق قبل أسبوع وأدلى بتصريحات مهمة. هل يفكر العراق بالاستعاضة عن موقف عربي موحد بمبادرات عربية متفرقة؟
– العرب قالوا الكلام الذي سمعتموه في مؤتمر فاس وقالوه على أعلى مستوى للتعبير عن القرار. ويفترض أن يطبقوا هذا القرار. لقد أبلغنا وسمعنا أن هذا القطر الشقيق أو ذاك يريد أن يساعد. فقلنا إننا نرحب. أما من الناحية الفعلية فلم يحدث شيء حتى الآن.
العلاقات مع سورية
* بعد لقائكم الرئيس حافظ الأسد على هامش مؤتمر قمة فاس وما ذكرتم عن جهود تبذل من أجل جمع رئيسي العراق وسورية لحل النزاع بينهما. نسأل كيف حال العلاقات العراقية-السورية؟
– ليس فيها تغير عن الحال التي كانت عليها قبل مؤتمر فاس. لا نعلق على تحسنها أملاً، أي لا نعلق بأمل تحسنها ولا نمانع فيما إذا توفرت فرصة لتحسينها على الأسس المبدئية التي أوضحناها لحافظ الأسد في مؤتمر فاس.
* هل وفر اللقاء على هامش مؤتمر فاس فرصة لتحسين العلاقات ثم ضاعت؟
– لا. لم يوفر هذا. كانت لجنة شكلت والتقينا على هامش قمة فاس على دعوة غداء. وعلى مائدة الطعام جرى حديث. وأوضح كل منا وجهة نظره. وبعد ذلك اتفق على أن يتابع الملك فهد بن عبد العزيز الموضوع. وهذا ما حصل.
* لقد أدت مبادرة العراق في قمة بغداد والتي دعت إلى تأمين الحد الأدنى للإجماع العربي إلى انبثاق موقف عربي موحد من كامب ديفيد، ثم حاول الإعلان القومي في 8 فبراير (شباط) 1980 تكملة الطريق داعياً إلى تجاوز الحساسيات الإقليمية بين الدول العربية من أجل تعايش سلمي بين الأنظمة، على ضوء الموقف العربي الراهن، هل يفكر العراق بطرح مبادرة جديدة الآن؟
– يكون العراق قوياً في طرح المبادرات ومسموعاً من جانب أشقائه ومفهوماً في نياته وطريقته عندما تخص القضية التي يطرح مبادرته فيها إخوانا آخرين أكثر مما تخصه هو بصورة مباشرة وعندما يظهر من المبادرة أنه يريد أن يشارك إخوانه في تضحية يقدمها. أما الآن فإذا طرحنا أي مبادرة على أعلى مستوى ونحن لسنا في وضع نريد أن نشارك في تضحية نقدمها فهم أن المطلوب من الأشقاء العرب أن يقدموا تضحية للعراق. ورغم أن هذا ليس غير مشروع بل هو مشروع إلا أننا لا نميل إليه. نحن نميل إلى أن نمثل أدواراً نقدم بها خدمة لأشقائنا وأن تكون التضحية في أساس الخدمة، لا الاستفادة.
* كيف ينظر العراق عملياً إلى البند السابع من مشروع السلام العربي الذي أقر في مؤتمر فاس؟ هل يتضمن الاعتراف بإسرائيل؟ هل يحقق سلاماً معها أم هدنة أم ينهي حالة الحرب؟
– نحن قلنا رأينا في المشروع وكنا جزءا منه ولم نعترض عليه في قمة فاس. بكل بنوده المترابطة ولذلك لا أحب أن يؤخذ المشروع بصيغة مجزأة ولا أحب أن يؤخذ معزولاً عن التفكير العربي الذي حضر في قمة فاس. نحن موافقون على المشروع.
* هذا المشروع يأخذ من الكيان الصهيوني أراضي يحتلها ويفترض أنه يقدم شيئاً في مقابل ذلك
– الكيان الصهيوني هو بحد ذاته حالة اغتصابية ومع ذلك يريد أشياء جديدة من العرب يقدمونها ليس عندي جديد إلى موقفنا الذي أعلناه في قمة فاس.
العلاقات مع مصر
* سبق أن رحبتم بجيش مصر في بغداد وسط أنباء عن علاقات تسليح جيدة تقيمونها مع مصر. أين أصبحت علاقاتكم مع مصر؟ وأين تقف حدود تعاملكم معها طالما بقيت متمسكة باتفاقيتي كامب ديفيد؟ وهل تعتقدون أن إطار كامب ديفيد يتسع لدور مصري عسكري لمعاونة دولة عربية معادية له وللكيان الصهيوني؟
– إنني أعتقد أن اتفاقية كامب ديفيد لا تسمح لمصر أن تعاون عسكريا بأي شكل في أي صراع عسكري تقدر إسرائيل أنه ينبغي أن لا يعلن. هذا تقديري. ولو كانت مصر تريد أن تعاون العراق فماذا تنتظر؟ لقد دخلت الحرب عامها الثالث وهي لم تبق حجة لأي عربي سواء كان في المهجر أو بالقرب من العراق. قبل الآن كانت الحروب العربية تدوم أسبوعاً أو أسبوعين فيقول البعض إنه لم تتح له الفرصة ولم يمهله الوقت. الآن الوقت يتسع حتى لمن يركب بعيراً فلو كان في عمق أميركا اللاتينية لكان وصل إلى هنا وشارك في الحرب وتلم عشرات السيوف. حين نتحدث عن مشاركة مصر أو غير مصر في الحرب، نتمنى لكل عر بي أن يعبر عن مبدئية العربي في هذه الحرب، ومبدئية العربي هي في أن يقف مع العربي عندما يضام. ونتمنى لكل عربي أن ينال من شرف المساهمة في هذه الحرب. أما كيف يتصرف العرب فهذه مسألة تخصهم كل حسب ظروفه وإمكاناته ومبادئه.
* أين أصبحت العلاقات مع مصر؟
– عندما نحتاج تجهيزات وأعتدة لأغراض التسليح نرسل من يشتري الأسلحة. والمسؤولون المصريون يظهرون باستمرار رغبة في استمرار التعاون ويظهرون تعاطفهم مع موقفنا في مجابهة العدوان الإيراني. ونحن نقدر لهم هذا. أما هل يشتركون أم لا يشتركون فهذه مسألة تعود إليهم هم. ولكن هناك كلام نقوله لكل العرب: إننا لم نبق لعربي حجة لكي يقول إننا لم نعطه فرصة لكي يقاتل معنا. أعطيناهم كل الفرص. من لم يكن قد فكر أعطيناه عدة أشهر ليفكر. ومن لم يكن قد أعد جيشه أعطيناه فرصة خلال السنوات الثلاث ليعده ومن ليس عنده جيش قادر كان بإمكانه أن يكمل نقصه ويدربه ويعيد تدريبه ويشارك. ومن ليس عنده جيش كان بإمكانه أن يشارك بوسائل أخرى من الناحية الواقعية. الذين يقاتلون العدوان الآن ويحملون السلاح في مواجهته هم العراقيون فقط، وعدد المتطوعين الشباب من العرب من هذا المكان أو ذاك بمبادرتهم الذاتية الفردية وعدد آخر من المتطوعين الأردنيين برعاية الدولة وعددهم 1171. هذه أول حرب تعطي العرب من أقصى الوطن إلى أقصاه فرصتهم كاملة بل فوق الفرصة أضعافاً لمن يريد أن يقاتل.
تقسيم العالم العربي
* في تقديمكم للإعلان القومي للعام 1980 حذرتم من أخطار تقسيم العالم العربي. وقد ورد تحذير مماثل في التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري التاسع. هل هناك معلومات دقيقة للنشر حول هذه المؤامرة؟ وبالتحديد هل في معلوماتكم أن أطرافا عربية تشارك- بهذه النسبة أو تلك- في تمرير هذه المؤامرة؟ وهل العراق مستهدف بهذه الخطة وكيف؟
– لقد تزايدت المؤامرات على العرب في اعتقادنا مع تزايد أهمية الدور الإنساني العالمي لمشاركة العرب مشاركة فعالة في رسم السياسة الدولية ومع شعور الصهيونية بأن ما كانت تحققه على حساب العرب قبل سنوات أصبح يحتاج إلى مجهودات غير اعتيادية للمحافظة عليه أو تحقيق ما يماثله. وتستهدف المؤامرات تجزئة العرب سواء عن طريق تجزئة مواقفهم بخلق الاصطراع بين قطر وآخر أو بين أقطار أخرى أو بتجزئة الأقطار في داخلها بتفتيت الإرادات فيها ومن بين العرب هنالك من يشارك في هذه المؤامرة وهو من يقف مع هذه القوى كحالة ميدانية في تنفيذ هذا الدور أو كحالة استراتيجية بعيدة لتنفيذه ونحن نعتبر الوقوف إلى جانب إيران ضد العراق وضد دول الخليج مشاركة بتنفيذ هذا الدور. إن من أخطر الحالات التي تسهل مهمة تجزئة العرب والاصطراع فيما بينهم الأنانية السياسية القائمة على الحب غير المشروع للذات والشعور بالتناقص إلى حد الغلظة، والاصطراع بين الرايات والحالات. وأعتقد أن من واجب العرب أن يشجعوا من ظهر منهم كريماً في العطاء ما دام أنه لا يجد في الكرم في العطاء المالي وسيلة لتصغير دور من ليس لهم إمكانيات مالية ومن واجبهم أن يشجعوا من يقاتل دفاعاً عن الأمة العربية طالما أنه لا يرى نفسه أكبر منهم في العلاقة مع الأخرين منهم. إن الجيد يشع إلى الخارج والبعض يتصور أن اعترافه بالجيد عملية ترويج دعائي له على حسابه هو ولكن العكس هو الصحيح إن التأثير السلبي علي إذا أنا أنكرت الجيد في دولة عربية ما بينما الشعب العراقي يرى هذا الجيد، سيكون أكثر منه مما لو اعترفت به. وأعتقد أنه لا يليق بالحاكم العربي أن يقبل أي حالة من حالات المداخلات الأجنبية تحت أي غطاء لأنها ستكون غير مشروعة إذا كانت تمنعه من أداء واجبه الأخوي تجاه أخ يدعوه الواجب للوقوف إلى جانبه. وفي كل الأحوال لا يجوز أن يستفيد أجنبي من اختلاف أنظمتنا ووجهات نظرنا في معالجة الحياة بما يطور هذا الخلاف إلى حالة اصطراع يمرر بها استراتيجيته على حساب الأمة العربية.
وأعتقد هذه الأمور يمكن تفهمها بسهولة من بعض الأشقاء العرب في أجواء بعيدة عن الخطب والإعلانات. وأتحدث هنا انطلاقاً من تجربتي مع أشقائنا وخصوصاً بعد العام 1974. فلقد وجدت أن هذه الطريقة في التفكير تجد من يتفهمها وأن الوصول إلى نتائجها أمر صعب ولكنه غير مستحيل وما لم نلاحظ هذه النقاط كمسؤولين بالدرجة الأساس فسنستخدم نقاط قوتنا، أي ثقلنا، ضدنا تماماً، كما في المصارعة، وستتحول الإمكانات المالية إلى إمكانات للتخريب وعدم الاستقرار وستؤدي هذه الإمكانات إلى تعميق الحالة القطرية بصورة تتناقض مع صورة شخصية القطر الآخر مما يصل بنا إلى حد التناحر والاحتراب.
* سيادة الرئيس. تبقى نقطة في الموضوع: هناك مؤامرة على أساس مذهبي وطائفي…
– عرقي ومذهبي وديني وكل الوسائل التي تعطي للعرب خصوصية محلية تختلف عن غيره من العرب. إذا كانت هناك أقليات قومية استخدمت، وإذا كان هناك تمايز ديني استخدم هو أيضاً. وإذا كان هناك تمايز طائفي داخل الدين الواحد كان هو ما يستخدم في المؤامرة.
لبنان
انطلاقاً من الحديث عن مؤامرة التقسيم ثمة سؤال عن لبنان. هل يرى العراق دوراً له في حل أزمة لبنان؟ وهل يرى أن هذه الأزمة في طريقها فعلاً إلى الحل؟
– نعم للعراق دور في حل أزمة لبنان بالمعنى الأخوي الذي لا ينطوي على مصالح ذاتية إقليمية ولكن ليس للعراق دور فني في حل أزمة لبنان إذا كان هذا الدور هو دور دول عظمى أو دور لدول المنطقة المجاورة على أساس الاعتراف بالسلبية في الوضع الداخلي. أما من منطلق الأخوة. فنحن نعتقد أنه ليس لدى اللبنانيين حساسية تجاهنا لأنهم يعرفون أن لا أطماع لنا في لبنان، وفي الوقت نفسه يمكن أن يرحب اللبنانيون بأي فكرة عراقية دون تشنج ومواقف مسبقة لأننا لم نسئ إلى لبنان ولم يكن لنا دور في الإساءة التي وقعت عليه. على أساس هذه الروحية الأخوية أقول إن لنا دورا، أما على أساس الحالة الفنية نيابة على هذا الطرف الدولي أو ذاك فليس لنا دور.
* أين يقف العراق من فكرة الاتحاد الفيدرالي بين الأردن والفلسطينيين؟
– أي علاقة يقتنع بها الأردنيون والفلسطينييون نباركها. ومن الطبيعي أن نبارك أي خطوة وحدوية بين قطرين عربيين.
* سؤال أخير: عودت الجنود العراقيين على مفاجأتهم في مواقعهم الأمامية على الجبهات أثناء المعارك. وهم يخشون على حياتك من تعرضها للخطر. أليس لديك حرص على حياتك؟
– ليس هناك من لا يحرص على حياته. وبالنسبة إلى حياتي ليست ملكاَ شخصياَ. عندما أعتقد أن المسؤولية تقتضي أن أقوم بتصرف من شأنه أن يجعل العراقيين في وضع أفضل فيفترض أن لا أتأخر. وعندما أعتقد أن هناك ما يغني عن هذا التصرف وأنه يحمل أي حد أدنى من المخاطرة فإنني أستعيض عنه. هذه هي الموازنة. وتظل الأعمار بيد الله.