تُعتبر الانقسامات الكرديّة إحدى الأسباب الأساسية التي منعت قيام دولة خاصة بالأكراد، والذين غالبًا ما يتم وصفهم بالمجموعة [العرقيّة] الأكبر في العالم التي لا وطن لها. ويُشكّل فشل الاستفتاء على الاستقلال الذي نظّمه أكراد العراق في أيلول / سبتمبر الماضي، والذي يشهد على تعاون مجموعة [كرديّة] مع بغداد ضد الأخرى، المثال الأحدث والمدان على الطريقة التي يغلب فيها الجري وراء السلطة على الخير الكردي العام. وبالتالي، إن وصول وفد من أكراد العراق التابعين إلى الأخصام من الأحزاب السياسية إلى معقل أكراد سوريا، أي عفرين، للتعبير عن تضامنهم مع أقاربهم في وجه الحصار التركي، قد ولّد ارتياحًا كبيرًا.

قالت الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي آسيا عبد الله “إن الزيارة التي قام بها وفد من برلمان كردستان عبارة عن رسالة مهمّة إلى أهل عفرين وشعب كردستان بأكمله. اليوم، إنها لمقاومة شرسة تظهرها عفرين ضد الاحتلال التركي والمتمردين التابعين له. إنّ الاعتداء على عفرين إعتداءٌ على شعب كردستان، كما سيشكّل انتصار عفرين انتصارًا لكردستان بأكملها”.

وكانت مؤسسة “كردستان 24″، وهي إحدى الوسائل الإعلامية القليلة التي استطاعت الوصول إلى عفرين، قد نقلت عنها قولها. ويُعتقد أنها تتلقى التمويل من قبل رئيس الأمن والاستخبارات في إقليم كردستان مسرور برزاني، صاحب البنية الجسدية القوية. وبهدف الوصول إلى عفرين، يتعيّن على الصحافيين العاملين في مؤسسة “كردستان 24” المرور عبر الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون، وهي رحلة لا يرغب الصحفيون الغربيون، وعلى الأخص الأميركيون منهم، بالمخاطرة للقيام بها.

عقد برلمان كردستان العراق في الـ 30 من شهر كانون الثاني \ يناير جلسة خاصة حول عفرين، ندد فيها بالهجوم التركي الذي دخل يومه الـ 24 والذي يُشنّ ضد وحدات حماية الشعب، أي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي. كما طالب البرلمان بوقف العدوان التركي حالًا وتعهّد برفع مستوى المساعدات الإنسانية إلى إخوانهم المحاصرين وذلك عبر معبر فيش خابور الحدودي. قال [البرلمان]، “إننا نشيد بمقاومة الرجال والنساء في عفرين و روج آفا [الكردستان السوري] كما نتمنّى لهم التوفيق”. وكانت الدعوى لعقد الجلسة قد جاءت بناءً على طلب من حركة التغيير المعارضة والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي إليه برزاني، والذي يقوده والده، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود البرزاني. إلاّ أنه قد يترتّب على [الأكراد] دفع ثمن باهظ مقابل ذلك الشعور العابر للحدود.

فحتى وقت قريب، كانت تركيا تنظر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني المسيطر في كردستان العراق على أنه حليفها الأول في وجه حزب العمال الكردستاني المسلح والذي حارب في البداية من أجل تحقيق الاستقلال الكردي وبعدها من أجل تحقيق حكم ذاتي كردي داخل تركيا منذ العام 1984. تنبثق وحدات حماية الشعب عن حزب العمال الكردستاني، وهي موالية لزعيمه المسجون عبد الله أوجلان. وتعتبر تركيا أي دعم لوحدات حماية الشعب تأييد لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي يُرجّح أن تنظر [تركيا] إلى المبادرات الكردية العراقية في ما يخص عفرين من هذه المنطلق.

صحيح أن تركيا كانت قد عارضت بشراسة الاستفتاء على استقلال كردستان، غير أنها لم تغلق حدودها مع حكومة الإقليم، أي المنفذ الوحيد الذي يملكه أكراد العراق إلى الغرب. كما أنها لم توقف نقل نفط الكردي العراقي عبر أنبوب النفط إلى الساحل التركي على البحر المتوسط لتصديره. واليوم، باتت تركيا أكثر أهمية بالنسبة لاستمرارية أكراد العراق الاقتصادية بعد أن خسروا حقول النفط في كركوك. فلماذا إذًا يوجّهون لها هذه الصفعة؟

تقف أسباب عدة وراء هذا التحوّل الجلي. لقد باتت القومية الكردية تُستخدم وبشكل فعّال لالهاء الشعب الذي يزداد سخطًا، في ظلّ الويلات الاقتصادية التي تزداد حدّتها والتي تحيط بحكومة إقليم كردستان منذ الاستفتاء. كما أن التضامن الذي يشعر به الأكراد العاديون مع الأكراد السوريين تضامن حقيقي. فبالنسبة لكثيرين، أظهر كل من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب بسالة كبيرة في وجه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وضد تركيا حاليًا. كما أن رصانة قادة حزب العمال الكردستاني الذين يجدون في الجبال ملاذًا لهم تتناقض مع الفساد المستشري بين نظرائهم من أكراد العراق والبحبوحة التي يتمتعون بها.

قال أحد كتّاب المونيتور والخبير في شؤون التطرف الديني في كردستان العراق محمد صالح، “إن قدرة وحدات حماية الشعب على محاربة تركيا والجماعات [العربية السورية المتمردة] في عفرين ومقاومتها باتت ذات أهمية كبيرة بالنسبة للأكراد العاديين، في ظل عجز البشمركة عن القتال ببسالة خلال العام الفائت في كركوك ومناطق أخرى في إقليم كردستان العراق”، وذلك في إشارة من صالح إلى انسحاب قوات البشمركة الكردية العراقية من المنطقة المتنازع عليها والغنية بالنفط مقابل تقدّم القوات العراقية والمليشيات الموالية لإيران.

يُفترض إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في هذا العام. قال بلال وهاب، وهو زميل “سوريف” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهي مؤسسة بحثيّة محافظة في العاصمة واشنطن، “إن الأحزاب السياسية الكردية العراقية تودّ استغلال التعاطف مع عفرين”.

إلاّ أن الأحداث تنطوي على ديناميكيات غير ملحوظة. لقد تجنّب القادة الأتراك منذ اجراء الاستفتاء أي تواصل رسمي مع أكراد العراق، ومنهم رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان برزاني، الذي كان يُعتبر الشخصية السياسية الكردية العراقية التي يقصدها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وعلى الأخص عندما يتعلّق الأمر بإبرام اتفاقيات في قطاع الطاقة. يحافظ اردوغان على مسافة من أكراد العراق في محاولة منه لارضاء حلفائه القوميين من اليمين المتطرف والذين يُعتبر تأييدهم أساسيًا في الانتخابات الرئاسية التركية للعام 2019.

لقد تردّت العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والولايات المتحدة بسبب دعم واشنطن لبغداد خلال الاستفتاء وبعده. ويرى القادة من أكراد العراق أنه آن الأوان لاعادة ضبطها.

توفر روج آفا منفذًا لأكراد العراق، ليس أقله بسبب اعتماد الولايات المتحدة الكبير على معبر فيش خابور الحدودي، الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني، في نقل الأسلحة والمعدات الأخرى إلى أكثر من 2000 عنصر من قوات العمليات الخاصة وقوات سوريا الديمقراطية الحليفة بقيادة وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا.

وقال سينغ ساغنيك، وهو منسق برنامج الدراسات الكردية في مركز موشيه دايان في تل أبيب، للمونيتور إن أكراد العراق “يركزون بشكل أساسي على إعادة بناء العلاقات مع العراق”، وذلك لأن حصة حكومة إقليم كردستان السنوية من الميزانية العراقية — والتي لا تصل إليها دوريًا — هي التي ساهمت في تعزيز اقتصادها. إلاّ أنه ومنذ تولّى نيجيرفان برزاني قيادة حكومة إقليم كردستان بحكم الأمر الواقع بعد أن تنحّى عمه مسعود برزاني عن الرئاسة، سعى إلى إعادة “الوضع بالنسبة لحكومة إقليم كردستان إلى ما كان عليه قبل العام 2014، عندما كانت تربطها علاقاتها جيدة بكلّ من العراق وإيران وتركيا الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني وأكراد سوريا”.

وأشار ساغنيك بذلك إلى الفترة التي سبقت اجتياح داعش أجزاء كبيرة من العراق، حين ملأ أكراد العراق الفراغ وسيطروا على الأراضي التي زعمت كل من الحكومة المركزية وحكومة الاقليم أنها ملك لها، ومنها كركوك. تدخل زيارة نيجيرفان برزاني إلى طهران في إطار عملية إعادة التوازن والتي قد تساعد أيضًا في الضغط على أنقرة وواشنطن لإيلاء أكراد العراق اهتمامًا مرّة أخرى.

تكمن إحدى أكبر التنازلات التي قدّمتها حكومة إقليم كردستان إلى طهران في أنها طلبت من الميليشيات الكردية الإيرانية الانسحاب من مواقع جبلية متناثرة على طول الحدود بين إيران والعراق، والتي كانت تطلق منها هجمات متقطعة ضد قوات النظام الإيراني.

وفي حديث مع المونيتور، أشار سياسي كردي إيراني بارز رفض الكشف عن اسمه إلى أن مسؤولين في حكومة إقليم كردستان قد اتصلوا بمجموعات كردية إيرانية مختلفة متواجدة في كردستان العراق، وطلبوا منها التراجع عن الحدود الإيرانية. كما توقّع أن يتم اجبارها جميعها على الاذعان في نهاية المطاف. تكمن المهمّة الأساسية لهذه المواقع في جمع “الضرائب” من المهربين الذين يُدخلون الخمور وغيرها من السلع المهربة إلى إيران. سيتمكّن حزب العمال الكردستاني، والذي يتمتع بوجود أكبر على الحدود، من حصد العائدات جميعها لنفسه.

حذّر رانج علاء الدين، وهو زميلٌ زائر في مركز بروكنجز في الدوحة، في رسالة إلكترونية مع المونيتور من أن “هناك مخاطرة تركية بأن تتوحّد الجماعات الكردية المنقسمة، وكلما طالت العملية الحالية في عفرين، كلما بعُدت المسافة بين أنقرة والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني [أي خصمه الرئيسي]، والذين قد تعاونا سابقًا مع تركيا لمحاربة حزب العمال الكردستاني”. وتابع قائلًا “إنه من شأن ذلك أن يقوّي موقف إيران إلى جانب حكومة إقليم كردستان وأن يُضعف [موقف] أنقرة. غير أنه يمكن للأمور برمّتها أن تتبدّل بسرعة في حال تمدّدت عملية عفرين والنزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى كردستان العراق”.

وفي حديث مع المونيتور، حذّرت مصادر مطلعة رفضت الكشف عن اسمها من أنه هناك خطر حقيقي يتمثّل في أن تصعّد تركيا القتال ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق. وتابعت المصادر أن احتمال شن عملية تركية لطرد حزب العمال الكردستاني من سنجار كان محور حديث بين تركيا وبغداد. وتشكل هذه المنطقة [سنجار] نقطة عبور يستخدمها مقاتلو حزب العمال الكردستاني في طريقهم من قواعدهم الواقعة على الحدود العراقية – الإيرانية إلى سوريا. وبالمقابل، تستجيب تركيا للمطلب العراقي بسحب قواتها من بعشيقة المجاورة للموصل. ويُقال إن حزب العمال الكردستاني يقوم بالاستعداد لمثل هذا الهجوم، وذلك من خلال حفر الأنفاق وتحصين دفاعاته هناك.

وأشارت المصادر نفسها إلى رغبة الولايات المتحدة أيضًا بخروج حزب العمال الكردستاني من سنجار، وإلى احتمال توفيرها معلومات استخباراتية خدمة لعملية تركيّة شرط أن تكون بغداد جزء منها. إذ تجد واشنطن في ذلك وسيلة للتخفيف من حدة التوتر مع تركيا بسبب استمرارها في التحالف مع وحدات حماية الشعب. كما تكهّنت المصادر أنه قد ترى الولايات المتحدة في إعاقة وصول حزب العمال الكردستاني إلى روج آفا اضعافًا للسيطرة على وحدات حماية الشعب. فحتى وقت قريب، أرادت حكومة إقليم كردستان وعائلة برزاني أيضَا طرد حزب العمال الكردستاني، إذ يثير توسّع نفوذه في سنجار، والتي يعتبرونها منطقة سيطرتهم، غضبهم.

وأشار وهابي إلى تبدّل حسابات أكراد العراق بعد دخول القوات العراقية سنجار في أعقاب الاستفتاء. قال، ” إنه لم يعد من المسلّمات أن يدعم الحزب الديموقراطي الكردستاني أي عملية تركية ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد