في يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من شهر آذار من كل عام، لا بد من تسليط الضوء على نساءٍ كافحن في سبيل الحرية والفرادة والتميز، نساءٍ صنعن تاريخاً وحفظن مكانتهنّ في المجتمع وناضلن من أجلِ فكرٍ أو نهجٍ أو مهنةٍ.
وفي هذا اليوم تكرم سيدة عراقية حياتها امتزجت بالألم وشهرتها تجاوزت مدينتها “العمارة” في محافظة ميسان، وكفاحها المهني والسياسي امتزجا معاً في حياة المرأة الجنوبية، وأعطاها مكانتها الحقيقية. هي المصورة الفوتوغرافية الأولى في جنوب العراق سميرة مزعل.
سميرة مزعل عشقت الكاميرا ومارست التصوير منذ نعومة أظافرها، هذه الهواية/المهنة التي ورثتها عن أجدادها وأهلها. فوالدها الذي كان أقدم مصوري العمارة، فقد بصره بخطأ طبي، فأضحت هي عينه التي يبصر بها. حصلت على شهادة ممارسة المهنة عام 1962 من وزارة الإرشاد آنذاك ولم تتجاوز 16 عاماً، وواجهت العادات والتقاليد التي كانت تغل يد المرأة وتقتل إبداعها.
سجنها ومسيرتها النضالية
تعرضت سميرة للاعتقال بسبب نشاطها السياسي عام 1963، وصودرت كاميرتها وأودعت السجن في بغداد بعد أن صدر عليها حكم الحبس لخمس سنوات. الصلابة التي كانت تتميز بها أصبحت مضربا للأمثال رغم حداثة سنها وهي بنت 17 سنة، جمعها سجن النساء بشخصيات نسوية كبيرة، ونتيجة تعرضها لوعكة صحية نقلت للمستشفى في بغداد.
وصل خبر اعتقالها ووضعها الصحي الحرج للكاتب والفيلسوف البريطاني برتراند راسل داعية السلام، فنظم على إثرها حملة واسعة لإطلاق سراحها شاركه فيها رؤساء وقادة دول أمثال خروشوف وأنديرا غاندي، مما ولد ضغطاً على العراق الذي كان يرأسه حينها عبد السلام عارف، وأطلق سراحها.
لم يدم أمرها خارج السجن طويلا، فعاودت السلطات اعتقالها مرة أخرى، لتقضي طورا من حياتها متنقلة بين سجون بغداد والعمارة والبصرة، ولم يطلق سراحها إلا بعد مقابلة والدها الضرير للرئيس عبد الرحمن عارف والتماسه بالإفراج عنها.
ثم افتتحت استوديو خاصاً بالتصوير ومارست مهنتها بكل احترافية، رغم المراقبة الأمنية التي كانت لصيقة بها والتفتيش المستمر المصحوب بتكسير أدوات التصوير خاصتها، فغيرت مكان عملها حتى استقرت في استوديو ضمنته بيتها.
شاركت إبان حرب الخليج الأولى في تنظيم مظاهرة بمدينة العمارة، عكست غضب الشارع الميساني على سوء الأوضاع والتعرض لحرب خاسرة بعد اجتياح دولة الكويت، وقد تعرض منزلها لقصف صاروخي من قبل قوات التحالف، أخطأ هدفه ووقع في الباحة الخلفية للمنزل.
فكرها وتوجهها
نذرت سميرة مزعل عمرها لعملها، لكنه لم يشغلها عن إكمال مسيرة حياتها وإبداعها. فكانت زوجة وأماً كما كانت أختاً، ولا زالت مواقفها عالقة في أذهان أبناء مدينتها، وقد عرف عنها إيواء المحتاجين فنادراً ما يكون بيتها فارغا من مسكين جائع أو مشرد وجد عندها المأوى.
تميزت بفكرها المتحرر، وكان اهتمامها بالتوصوير يصب بين وضع المرأة الميسانية ومعاناتها، وبين بؤس المشردين والمعدمين، وبين حياة سكان الأهوار، ومناظر المدينة التي تخترقها الأنهار. شاركت في المعارض الفنية المحلية والدولية، التي حصدت خلالها جوائز وشهادات تقديرية.
المرأة العراقية بعد غزو العراق 2003 هامش كبير من الحريات وقلق يحيط بكثيرات
شكلت الأحداث التي طرأت على المجتمع العراقي بعد سقوط غزو العراق في عام 2003 كثيراً من المتغيرات، لا سيما في ما يخص المرأة العراقية التي أخذت دوراً كبيراً في مجالات عدة، بخاصة الدور السياسي الذي أسهمت فيه فضلاً عن استلامها مناصب متقدمة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، لكن هذا الدور لا يخفي حجم المعاناة التي عاشتها المرأة العراقية برفقة الرجل.
فبعد عام 2003 قُدمت كثير من التضحيات لا سيما الحروب على التنظيمات الإرهابية التي راح ضحيتها آلاف العراقيين، فضلاً عن إسهاماتها على رغم من المعاناة في كثير من قطاعات العمل، وتحمل بعض النساء العراقيات تكلفة معيشة عائلات بأكملها وسط الغلاء المعيشي الذي يشهده العراق يوماً بعد يوم، وأشارت مواطنات عراقيات في حديثهن لمنصات التواصل ألإجتماعي إلى أن تبعات الحروب التي تحملت المرأة العراقية ثقلها المميت لا يمكن تجاوزها بسهولة، وأكدن أن هناك حاجة كبيرة لدعم النساء وتمكينهن لتجاوز المحن وتأدية المسؤوليات إلى حين استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق.
وتذهب الناشطة المهتمة بحقوق المرأة العراقية التي تستعد لتشكيل جمعية تطالب بحقوقها ورفع المظلومية عنها، علياء أحمد، إلى القول إن “المرأة العراقية أخذت مساحة شاسعة في مجالات عدة، لا سيما المجال السياسي، فأصبح لها تمثيل في مجلس النواب، فضلاً عن تسلمها مناصب عليا في الوزارات والحكومات المتعاقبة في النظام الحالي، هذا الدور لم يكن موجوداً بالشكل الذي هو عليه الآن، إلا في قطاعات محددة كالتعليم والصحة”. وتضيف، أن “المرأة العراقية أبدعت وتحملت كثيراً من الصعاب والمشاكل التي تواجهها بكل صبر وإصرار على تجاوزها وحصلت بفضل الانفتاح والتغيير السياسي الذي حصل بعد عام 2003 والتطور التكنولوجي على هامش أكبر من الحرية الذي كان غير موجود خلال العقود الماضية، حيث يمكن أن يصل صوتها عبر المنظمات التي تعنى بها”، مضيفة “نطمح إلى رفع المظلومية عن جميع العراقيات”.
مسيرة مشرقة ومميزة
في سياق متصل، تقول الأكاديمية العراقية فينوس سليمان عاكف، إن “حضور المرأة في تاريخ العراق منذ بدايته حيث بداية الحضارة الإنسانية كان مميزاً وقوياً، فبين إنهيدوانا من بلاد سومر في الألف الثالث قبل الميلاد ونازك الملائكة في القرنين الـ20 والـ21، امتدت سيرة المرأة العراقية مشرقة مميزة مؤثرة إيجابياً في كل نواحي الحياة، في السياسة والصحافة والعلوم والأدب والشعر والهندسة والعمارة وغيرها من مجالات المعرفة، على رغم من كل التحديات والصعوبات على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية”. وتضيف عاكف، أن المرأة أسهمت في المجال الصحافي بنشاط وظهرت أول مجلة نسائية “ليلى” في عام 1923، فالعراقية كانت طبيبة وشاعرة وصحافية ومعلمة في الثلاثينيات من القرن الـ20، وفي نهاية الخمسينيات كان قانون الأحوال الشخصية في جمهورية العراق، تحديداً عام 1959، قد اعتبر القانون الأكثر تقدماً في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحقوق التي منحها للمرأة، فكانت زكية إسماعيل حقي أول قاضية في العراق، وكانت نزيهة الدليمي أول وزيرة في العراق والعالم العربي، وبرزت زها حديد لتكمل مسيرة الإبداع والتميز في مجال العمارة وعلى مستوى العالم، واستمر تميز المرأة العراقية وهي على طول هذا التاريخ الطويل على قدر الحرية والثقة وأهل لها وما زالت تثبت جدارتها على جميع الأصعدة على رغم من كل الصعاب التي واجهتها خلال الـ40 سنة الماضية من حروب ونزاعات وعدم استقرار.
تبعات الحروب
لكن تبعات الحروب التي تحملت المرأة العراقية ثقلها المميت لا يمكن تجاوزها بسهولة، بحسب الأكاديمية عاكف التي أشارت إلى الحاجة الكبيرة “لدعم النساء وتمكينهن لتجاوز المحن والقيام بالمسؤوليات إلى حين استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، واليوم ومع الانفتاح الثقافي في العالم من خلال تطور تكنولوجيا التواصل، أصبح هناك تحد كبير لمدى إمكانية الحفاظ على هويتنا وتقاليدنا أمام سطحية فهم الحريات الشخصية، ولكن هذا التحدي يواجه المرأة والرجل والعائلة بكاملها في كل أنحاء العالم، قد يفقد البعض جذوره ولكن من كانت له جذور تمتد عميقاً إلى حضارات تمثل بداية الإنسانية والتاريخ كما في العراق، لن تهزه الرياح على قوتها، القلق مشروع ولكن الثقة كبيرة والهمم عالية والتاريخ يشهد”.
مشاركتها الرجل همومه
إلى ذلك، اعتبرت المواطنة العراقية ميسون الربيعي، أنه “قبل عام 2003 وأثناء الحكم الشمولي شاركت المرأة العراقية الرجل همومه في تأدية الخدمة الإلزامية أثناء حرب الثماني سنوات، ثم دخلت معه دوامة آلام الحصار الاقتصادي، هذان الحدثان التاريخيان أبعدا الأضواء عن التفكير في حقوق المرأة على مستوى توفير فرص العمل والاستقلال الاقتصادي وفي المساهمة في تحسين دخل الأسرة العراقية”.
وعبرت الربيعي عن اعتقادها بأنه “تم إغفال حقوق النصف الثاني من المجتمع عن قصد أو من دون قصد إما بحجة أحكام الطوارئ لحماية النظام أو التهديدات الخارجية أو عسكرة مجتمع الذكور أو الحملة الإيمانية المستحدثة أو مزاجية الديكتاتور في تشريع القوانين الاستثنائية”.
وأما بالنسبة لهامش الحرية لدى المرأة العراقية بعد عام 2003، فذكرت المتحدثة ذاتها أن “التحول كان صادماً لكافة شرائح المجتمع العراقي ولجميع الفئات العمرية من دون استثناء، لقد أسهمت الحرب الطائفية في ترسيخ فكرة الهجرة لدى الجنسين، بحيث أصبح مشروع الزواج فكرة مؤجلة حتى إشعار آخر”.
وزادت أن “انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على الأفكار الديمقراطية الغربية، أسهم في إعادة تعريف روابط الأسرة العراقية، ويظهر من سجل الحوادث والكتابات الصحافية والإحصاءات الميدانية أن التسلسل الهرمي في توجيه الأسرة المتمثل بالوالد أو العم أو الخال أو الأخ الأكبر سناً قد ذهب إلى غير رجعة، حيث ازدادت عزلة الفرد ذكراً كان أم أنثى في توجهاته وتفكيره داخل الأسرة العراقية”.
وأشارت الربيعي إلى أنه “بالنسبة للمرأة العراقية فإنها باتت على اطلاع واسع على حياة الإنسان في مجتمعات الغرب الديمقراطي، فأخذت تمتهن وظائف جديدة في ضيافة الفنادق والإعلام الميداني والتمريض المتخصص وغير المتخصص وإدارة المطاعم وغيرها، وفي سبيل الحصول على استقلالها الاقتصادي، سعت المرأة العراقية للتقديم على الوظائف الحكومية لضمان المستقبل، ولكن ظروف الفساد الإداري والمحسوبية دفعتها تجاه مشاريع الاستثمار القطاع الخاص في السياحة والفندقة والرعاية الصحية والخدمات المصرفية وغيرها”. وتابعت، أن “انتشار القيم الديمقراطية في المجتمع العراقي لم يغير هامش حرية المرأة العراقية، لأن ترسخ قيم البداوة والأعراف العشائرية والتعصب الديني يغلق الباب أمام محاولات تغيير النظرة إلى المرأة غير المتزوجة أو المطلقة أو الأرملة، لقد بقي الارتباط العضوي بين المرأة وأسرتها قوياً، لأن القوانين المدنية لا توفر أي حماية للمرأة في كافة مراحل حياتها”.
إلى ذلك، وصفت المغتربة العراقية نسرين الهنداوي، الحرية بأنها “أحد المبادئ الأساسية والسامية للمجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء، لكن في اعتقادي أن اختلاف الموروث الثقافي والانتماء العقائدي للشعوب ينعكس على آليه تطبيق هذا المبدأ، إذ إن المرأة هنا (تحديداً في كندا) تتمتع بجانب كبير من الحرية، وفي تطبيق المعيار الأنسب لها وفقاً لأسلوب الحياة الذي تتبناه، والسبب في ذلك يعود للاختلافات الثقافية المؤسسة للمجتمع”.
في يومها العالمي..المرأة العراقية استثناء!
بعد عام من تلك المسيرة،اعلن الحزب الاشتراكي الامريكي ذلك اليوم عيدا وطنيا للمراة.
وفي 1910 اقترحت سيدة تدع (كلارا) في مؤتمر دولي للنساء العاملات في كوبنهاغن، بأن يصبح يوم 8 مارس /اذار يوما عالميا للمرأة.. واحتفل بهذا اليوم لأول مرة في عام 1911 في كل من النمسا والدنمارك والمانيا وسوسيرا.
وفي عام 1977 دعت الجمعية العامة للامم المتحدة الدول الاعضاء الى اعلان الثامن من اذار مارس عطلة رسمية للامم المتحدة من اجل حقوق المراة والسلام العالمي،وتعبيرا عن الحب والاحترام العام لما تحققه المرأة من انجازات في مجالات الحياة المختلفة.
ونظرا لان عدد النساء اللواتي يستخدمن (الرقمنة) اقل بملايين من عدد الرجال، فان شعار 8 اذار لهذا العام 2023 سيكون (الرقمنة للجميع: الابتكار والتكنلوجيا من اجل المساواة بين الجنسين) بهدف التواصل مع الاخرين وتعبئة الموارد واحداث تغيير اجتماعي يكون اسرع وافضل واجمل بمشاركة المرأة.
المرأة العراقية..استثناء!
تؤكد الأحداث ان المرأة العراقية هي الوحيدة بين نساء العالم التي تعرضت الى معاناة قاسية على مدى(43) سنة..بدءا من الحرب العراقية الأيرانية وكارثة غزة الكويت والحصار وصولا الى الحرب الطائفية فالحرب الداعشية…حروب حمقاء سرقت الفرحة من عيونها وافقدتها الزوج والاب والابن والاخ والأحبة..وحفر الزمن تجاعيده بوجهها على عجل..وما تزال تنظر بريبة وخوف من المجهول، فضلا عن تراكامات الهمّ المتزايد يوميا باعداد الارامل والعوانس والشابات بعمر الزهور.
كانت المراة العراقية تتمنى ان تتحقق لها ظروف افضل لتتمكن من الاحتفال بهذا العيد بصورة تليق بهذا اليوم الكبير فبقيت معظم امنياتها مؤجلات. نعم لقد تحقق للمرأة مكسب كبير بدخولها المعترك السياسي،وصار لعدد مميز منهن صوت مسموع ومؤثر في الحياة السياسية التشريعية والتنفيذية،ومع ذلك فالمرأة العراقية ما تزال تعاني من الاضطهاد والخوف وتوقع الشرّ،والتعرض الى التشريد في الخيام خوفا على ازواجهن وابنائهن وبناتهن من القتل والسبي والبيع.والأقبح ان جرائم القتل بدافع الشرف ما تزال شائعة..وما يزال القانون العراقي يتعامل مع الرجل القاتل بتعاطف!
وتبقى ثمة مفارقة..ان بعض النساء العراقيات لا يعرفن شيئا عن هذه المناسبة،والكثير منهن يبدو لهن الثامن من آذار تاريخا مجهولا في حياتهن وهن يواصلن رحلة العمل اليومي المضاف الى تعب السنين الطويلة التي حفرت تضاريسها على وجوههن بقسوة.
ان الاحتفال بعيد المراة هو اعتراف من العالم بدورها وحضورها في الحياة والمجتمع.فالحياة بدون المرأة..بيت مظلم..بستان بلا ورود..بلا عصافير.. باختصار..الحياة بدونها وحشة..فمن منّا يطيق الوحشة؟!