القت القوات الأمنية، الاحد، القبض على الملقبة (فطومه بنت الديوانية) بتهمة المحتوى الهابط وفق أوامر قبض قضائية بحقها الامر الذي اصبح محل جدلا واسعا في العراق
وذكر مصدر أمني لصحيفة العراق ، انه “بعد إجراء لجنة في وزارة الداخلية، القت القوات الأمنية تلقي القبض على الملقبة (فطومه بنت الديوانية) بتهمة المحتوى الهابط وفق أوامر قبض قضائية بحقها”.
إشكاليات ومحاذير مستقبلية
في فبراير 2023، بدأت وزارة الداخلية العراقية حملتها ضد ما أطلقت عليه اسم “المحتوى الهابط” وأصدرت أوامر إلقاء قبض بحق عدد من مشاهير مواقع التواصل، الأمر الذي أثار حفيظة المختصين بالقانون وحقوق الإنسان لعدم وجود مواد قانونية تحكم القضايا، ولإمكانية استغلال المنصة من أجل تصفية حسابات شخصية.
نتائج الحملة في الشهر الأول من انطلاقها كانت تلقي آلاف الشكاوى عبر منصة “بلغ” التي خصصتها وزارة الداخلية للتبليغ عن “المحتوى الهابط”، وخلال المدة ذاتها أصدر القضاء العراقي أحكاما بالسجن بين عامين وستة أشهر، نقضت من قبل محكمة التمييز وخففت العقوبة إلى ثلاثة أو أربعة أشهر.
شملت المجموعة الأولى بحسب تصريح صحافي للقاضي المتخصص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن “14 متهماً بالمحتوى الهابط، ستة منهم صدرت في حقهم أحكام بالسجن، فيما لا تزال ثماني دعاوى قيد التحقيق”.
لاحقا أطلق سراح عدد منهم بعضهم نتيجة ضغط شعبي لأن محتواهما لم يعتبره الجمهور هابطاً، منهم عبود سكيبة الذي يقدم فقرات ساخرة باللغة الإنجليزية، وممثل شاب يقوم بتأدية دور امرأة (مديحة) في مقاطع كوميدية.
وبعد تعبير جماعات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني عن قلقها من الحملة، ظهر رئيس خلية الإعلام الأمني في وزارة الداخلية سعد معن على شاشات التلفاز والصحف مطمئناً أن “المسألة ليست لها علاقة أبداً بحرية التعبير وأن هؤلاء النفر لا يمثلون العراق ولا المرأة العراقية ولا المجتمع العراقي”، وفق تعبيره.
ودعا أصحاب “المحتوى الهابط” إلى “إبداء حسن النية ومسح كل محتواهما السيّىء”.
المفارقة في القضية أن معن نفسه أحيل إلى الإمرة مع عدد من منتسبي وزارتي الداخلية والدفاع بعد تورطهم في شبكة متخصصة بابتزاز مالي وجنسي للضباط والمنتسبين ومساومتهم، ولم يُعلَن حتى الآن عن العقوبات المتخذة بشأنهم.
فريق “ارفع صوتك” حاول التواصل مع المتحدثين الرسميين وإعلام وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى للحصول على أبرز النتائج التي حققتها حملة “بلغ”، إلا أن الجهتين لم تستجيبا للطلبات.
أما آخر إحصائية، فنقلها القاضي عامر حسن في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية قبل شهر حين قال إن المحكمة تعاملت مع نحو 30 ملفاً خاصاً بـ”المحتوى الهابط”.
آلية “خطرة” للتبليغ
في بحث بعنوان “علاج المشكلة بالأزمة: المحتوى الهابط في وسائل التواصل الاجتماعي في العراق بين المجتمع والقانون”، كتب صاحبه حيدر عبد المرشد: “في مجتمع يشهد تناقضات شديدة مثل المجتمع العراقي، فإن آلية التبليغ بحد ذاتها تنطوي على خطورة كبيرة تمكن مجموعة ثقافية أو جماعة دينية منظمة بصورة جيدة، من قيادة حملة تبليغات لوصف محتوى ما بأنه هابط وفقاً لمنظومتها الثقافية الفرعية”.
وهذا “سيصطدم بالحريات التي كفلها الدستور من جانب، وبواجب الدولة بحفظ النظام عبر أسس صحيحة غير خاضعة للشعبويات، ولا تنساق خلف آراء مجموعة على حساب مجموعة أخرى، مع ضرورة حفظ المنظومة الأخلاقية العامة المتعاهد عليها والتي انبثق عنها الدستور في الوقت نفسه”، بحسب عبد المرشد.
من جانب آخر يتناول البحث ارتفاع مستوى عدد المشاهدات لمن وصف محتواهما بالهابط، ما يعني أن هناك “قبولاً اجتماعياً لهم بغض النظر عن أن هذا المحتوى وداعميه واعون أو غير واعين”.
والمشكلة كما يقول الباحث “لن تتعلق بشخص أنتج محتوى هابط إنما بخلل اجتماعي أوسع لا بد من تداركه على المستوى العام، ما يعني أن المطلوب هو علاج المشكلة وليس آثارها كما هو حاصل في الحملة موضع الجدل”.
وانتقد البحث عدم امتلاك العراق قانوناً للجرائم المعلوماتية، مبيناً أن مسودة القانون “تتعرض للشد والجذب والجدال منذ سنوات وقدمت نسخ مختلفة منها. وفي كل مرة تعدل من قبل البرلمان تظهر حملة مناهضة للقانون”.
السبب في تلك الحملات المناهضة كون المسودة تتضمن “نصوصاً ملغومة يمكن أن تقيد الحريات العامة وحرية إبداء الرأي في القضايا السياسية ونقد الحكومة والسياسيات العامة، وتعوق آليات الرقابة على الأداء الحكومي” بحسب البحث.
تسجيل خروقات
رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي يقول لـ”ارفع صوتك” إن هناك جانبين لحملة وزارة الداخلية ضد “المحتوى الهابط”، أولهما “إيجابي” كونه وضع رقابة على ما يقدم في مواقع التواصل، وثانيهما “يتعلق بإمكانية التأثير على حرية التعبير المكفولة ضمن الدستور العراقي”.
ويرى أن اللجنة من الناحية الإدارية “لا بأس بها”، مشيراً في الوقت نفسه إلى “وقوعها في إخفاقات معينة لعدم تشريع قانون يتناسب مع التطور الحاصل في المجتمع. فالوزارة اعتمدت على قانون قديم أقر قبل أكثر من خمسين عاماً، كما أن بعض فقرات القانون تعود إلى مجلس قيادة الثورة المنحل”.
وتعتمد وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى في حملة مكافحة “المحتوى الهابط” على القانون (رقم 111 لسنة 1969) مع الاعتماد على المادة (403) منه، التي تنص على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة”.