في مقالنا لهذا اليوم سنتطرق الى موضوع خطبة الجمعة وفوائدها و اهدافها إذ و اشتكى أمامى أحد الأئمة من أن كثيرين يأتون إلى صلاة الجمعة متأخرين، وأغلب هؤلاء يهرولون نحو بيوت الله في وقت إقامة الصلاة، ولا يعنيهم حضور الخطبة، وقال إن الناس لم تعد مشغولة بإقامة شعائر الدين على الوجه السليم والكامل، وإن الدنيا أخذتهم وغوتهم فراحوا يمرحون ويلعبون ويفرطون فى دينهم.

وسألته فى رفق: لماذا تُلقى باللوم كاملًا على الناس، ولا تفكر ولو للحظة فى أن العيب قد ينصرف إلى الخطباء أنفسهم؟، فأجاب: نحن نؤدى واجبنا، نقرأ ونُحضِّر خطبتنا، ونقف على المنابر، ونتحدث فى الدين، الذى من الضرورى أن يحرص كل إنسان على أن تكون لديه معرفة به، وفى الإسلام، كما تعلم، فإن تعلم الدين فرض عين على كل مسلم.

قلت له: لا تعتبر نفسك، وإن أتقنت عملك، كل الخطباء، فلدينا مئات الآلاف من الجوامع والزوايا، يعتلى أغلب منابرها من لا يُحسنون فهم الواقع والمتوقع، ومن لم يتم إعدادهم على النحو السليم، لا من ناحية علوم الدين، ولا فنون الخطابة.

وهنا سألنى: كثيرون فى بلادنا لا يتقنون عملهم، فلمَ تتحدث عن خطباء الجمعة على أنهم وحدهم المقصرون؟ أجبته: أولًا: يعد من المغالطات المنطقية أن يبرر سلوك معوج لفرد بسلوك مماثل لفرد آخر، كأن تقول لابنك: لماذا لا تستذكر دروسك؟ فيجيبك: زميلى الذى يجلس بجوارى فى الفصل لا يذاكر. ثانيًا: نحن نتحدث هنا عن شىء محدد وهو خطبة الجمعة، وبالتالى لابد أن ينصرف الحديث عن الفاعلين وهم الخطباء. ثالثًا: هذا موضوع خطير قياسًا إلى موضوعات أخرى، فقديمًا قرأت بحثًا عن دور خطبة الجمعة فى النهوض بالمجتمع، هذا إن كانت الخُطب قد أُعدت بكيفية معينة، وحديثًا استُخدمت المنابر فى تجنيد متطرفين، بعضهم حمل السلاح فيما بعد، ووُظفت فى الدفاع عن حكم مستبد وتبرير كل ما يفعله الحاكم، واستُعملت أحيانًا فى الدفاع عن أفكار وقيم تشد إلى الوراء.

وهنا عاد إلى السؤال: ماذا تريدون منا بالضبط؟ وصارحته بأننى أحلم باليوم الذى يقف فيه الخطيب على المنبر ليقول لكل واحد فينا: إن ترك نور الغرفة مضاء وأنت خارجها، أو فتح الصنبور على آخره وأنت تتوضأ أو تقوم بأى عمل من أعمال النظافة، وإلقاء القمامة فى الشارع، وتعطيل سيارتك للمرور بأى طريقة… إلخ، يرتب عليك أوزارًا وآثامًا لا تقل عند آثام تركك للعبادات.

إن العقوبات الأخروية التى يتحدث بها خطباء المساجد مأخوذة من كتب قديمة كانت تتحدث عن ظروف مجتمعات قديمة، ولمجتمعنا المعاصر ظروفه، التى تنتج سلوكيات، بعضها حسن وبعضها ردىء، وبعضها مستقيم وبعضها معوج، وعلى الدين أن يُقَوِّم المعوج ويكافح الردىء. وهنا من الضرورى أن يشتبك خطباء المساجد مع قضية الأخلاق العامة، ولا يحدثونا طيلة الوقت عن نواقض الوضوء أو يستدعوا أحداثًا تاريخية سمعناها منهم ألف مرة، وبعضها مشبع بالأساطير، أو يفرطوا فى تأويلات لآيات أو أحاديث واضحة وضوح الشمس، ثم يقولوا للناس: هذا هو الصواب، وهذه هى الحقيقة، وهذا ما قصده الله ورسوله. وعليهم أن يعرفوا مقاصد الدين وغاياته الكبرى.

إن البحث عن الجديد، والمشتبك مع الواقع، والجاذب، وامتلاك فنون الخطابة، وإلمام الخطيب بألون من العلوم الإنسانية وليس فقط العلوم الدينية، كفيل بأن يعيد الناس ليجلسوا تحت المنابر سامعين بإنصات شديد لخطبة الجمعة قبل صلاتها. ويجب أن يركز كل خطيب على المشكلات التى تتعلق بمجتمعه، فخطيب مساجد المدينة أمامه مشكلات تختلف عن خطيب مساجد الريف، وبين الاثنين مشتركات لا يجب إهمالها.

وهنا أقترح بدلًا من اختيار موضوع الخطبة أن يتم اختيار الخطباء، مع ترك الحرية لهم فى تحديد موضوع الخطبة، ويكون هؤلاء علماء أو خطباء مستنيرين، وهم متواجدون، ويمكن التعاون فى هذا مع الأزهر الشريف وغيره من المؤسسات الدينية الوسطية فى إيجادهم وتوظيفهم. كما يجب الاهتمام بمعاهد تخريج الدعاة من المواطنين، مع استقطاب أفضل أساتذة فى العلوم الفقهية والشرعية شريطة أن يفحص إنتاجهم العلمى جيدًا قبل استقدامهم وتوظيفهم، بواسطة لجنة، بما يؤكد استنارتهم واعتدالهم.

هناك دراسات بينت أن خطبة الجمعة تلعب دورًا مهمًا فى تشكيل المعارف والاتجاهات الدينية. لكن تحقيق هذا مشروط بضرورة أن تكون هذه الخطبة تتمتع بمصداقية، وأن يكون من يلقيها كذلك. وخطبة الجمعة الموحدة تفتقد للمصداقية، ويُنظر إلى من يلقيها باعتباره موظفًا لدى الدولة، يأتمر بأمرها، وينفذ ما يُطلب منه. وهذا جعل كثيرًا من الناس يبحثون عن الذى يعظ فيهم وهو فى نظرهم مستقل، ويعتقدون ابتداء أن هذه الاستقلالية تعنى أن خطابه أو خطبته ذات مصداقية وقيمة.

إننا فى حقيقة الأمر نريد «خطابًا دينيًا جديدًا» وليس فقط «تجديد الخطاب الدينى»، الذى قد لا يعدو أن يكون مجرد طلاء جديد لبيت قديم تكاد جدرانه أن تنقض، وهو موضوع علا الصخب حوله ثم مات، كأشياء كثيرة فى حياتنا نتحمس لها ثم تفتر همتنا وننساها كأنها لم تكن.

إن الحاجة إلى خطاب دينى جديد لا تقتصر على الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامى، إنما تمتد بالطبع إلى المؤسسات الدينية الإسلامية التقليدية، وعلى رأسها الأزهر والأوقاف والإفتاء، بل إنها لا يجب أن تتعدى المسلمين فى بلادنا، لتشمل المسيحيين أيضًا، إذ إنهم أيضًا فى حاجة ماسة إلى خطاب دينى جديد، وهذا ما يؤكده تحليل مضمون ما يتداولونه، ويقر به مفكرون وكتاب وباحثون مصريون يدينون بالمسيحية، وعليهم أن يجهروا به.

ومِن نِعم الله العظيمة في هذا اليوم، أن شرع لعباده فيه خطبة الجمعة، فيها يتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي، ويعود التائه، ويتوب المسيء، وينالُ العبدُ بأدائها وحضورها الأجرَ العظيم، والثوابَ الجزيل..

أولاً: التعريف بخطبة الجمعة:

الخطبة بالضم مشتقة من المخاطبة، وقيل: من الخَطب، وهو الأمر العظيم؛ لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا عنده.

إذ و جاء في القاموس المحيط: “…وخَطَبَ الخاطب على المِنْبَر خَطابة بالفتح، وخُطبة بالضم، وذلك الكلام خُطبة أيضا، أو هي الكلام المنثور المُسَجَّع ونحوه، ورجل خَطِيبٌ حسن الخُطبة بالضم”. القاموس المحيط، مادة «خطب» 1/65.

والخطبة في الشرع اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين، والوعظ والتذكير لهم”. (بدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني 1/ 262).

أما الجمعة؛ فهي بضم الميم وإسكانها وفتحها: الجُمُعَة، والجُمْعَة، والجُمَعَة، والمشهور الضم، وبه قُرئ في السبع في قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾.

 

قيل: سميت بذلك لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه السلام.

وقيل: لاجتماع الناس فيها في المكان الجامع لصلاتهم.

وقيل: لما جُمع فيه من الخير. وقيل غير ذلك.

 

والخطابة فن قديم عرفه الإنسان منذ شعَرَ بحاجته إلى تبليغ أفكاره لغيره، والدفاع عنها أمامه، لإقناعه بحسن نظره وصواب رأيه، وحث مخاطبه على اقتناعه بمذهبه واتباع سبيله، أو تسفيه مقالة خصمه ودحض حجته.

 

ومنذ ذلك الحين والخطابة سلاح في يد الخطباء من مختلف الأمم والشعوب، وفي شتى البلاد والأوطان، يدافعون به عن مواقفهم وآرائهم بكل اللغات واللهجات، وفي كل المناسبات… إلى أن جاء الإسلام فرفع من مكانة الخطابة، وأعلى من شأنها، بإعطائها الصبغة الدينية، واعتبارها شعيرة أساسية من شعائره الدينية في الجُمَع والأعياد ومناسك الحج، التي تتكرر بتكرّرها، وتدوم بدوامها، حرصاً من الإسلام على بقائها منبراً دائماً للدعوة الإسلامية، ومدرسة للتعليم، ومركزاً مستمراً للإعداد والتكوين، وقلعة للدفاع عن الحق، ولسانا صادقا لنشره والتبشير به، ومحطة للإعلام النظيف الشريف الملتزم الهادف.

 

ثانياً: أهمية خطبة الجمعة؛

لا شك أن خطبة الجمعة لها مكانة سامية، وأهمية بالغة.. فهي تتميز بمزايا، وتختص بخصائص لا تتوفر في أي نوع من أنواع الخطب الأخرى، سواء من حيث مكانها، وزمانها، أو حكمها، وحال المخاطبين بها…

 

1- أهمية خطبة الجمعة من حيث المكان الذي تقام فيه؛ وهو المسجد بيت الله، وأحب البقاع إلى الله، تعمره السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة الأطهار، ففي الحديث الثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».

 

2- أهميتها من حيث الزمان؛ وهو يوم الجمعة، أفضل أيام الأسبوع وأعظمها، فقد وروى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».

 

ويوم الجمعة نعمة اختص الله تعالى بها هذه الأمة: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد».

 

3- وجوب حضورها، والسعي إليها، والإنصات لها؛ فقد أمر الله تعالى بذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله: “وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا أَنَّهَا تُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَوْلا وُجُوبُهَا مَا حَرَّمَتْهُ؛ لأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لا يُحَرِّمُ الْمُبَاحَ”. (أحكام القرآن).

فحضورُها واجب، والإنصات إليها واجب.. وهذا يُحَتّم على الخطيب أن يكون في مستوى هذه المسؤولية التي أهِّلَ لها، والتي هُيّئَ له الناسُ فيها.

 

وقد وردت أحاديث كثيرة في منع الكلام والإمامُ يخطب، وفي الأمر بالإنصات والاستماع للخطبة. من ذلك ما أخرجه مالك في الموَطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصِتْ، والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت».

 

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «…ومن لغا فلا جمعة له، أو قال: فلا شيء له».

 

ونظراً لما تحمله الخطبة من أهمية فقد ورد النهي في السنة المطهرة عن إشغال الناس والتشويش عليهم بتخطي رقابهم ونحو ذلك مما يَصْرفهم عن الاستماع والاستفادة والاتعاظ. فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجلس، فقد آذيت». رواه أبو داود والنسائي وأحمد.

 

4- التزين لها، وحضورُها على أحسن حال؛ فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الاغتسال قبل حضورها، والتبكير إليها، وأخبر بما يترتب على ذلك من عظيم الأجر والثواب…

 

ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غُسْل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

 

هذه النصوصُ وغيرُها تضمن للخطيب جمهوراً متفرّغاً مستمعاً منصتاً، يعطيه أذنه ووعيه، فعليه أن يتقيَ الله تعالى، فيحفظَ أمانة الكلمة، وأمانة النصيحة، وليكن جاداً في موضوعاته، سامياً في اهتماماته، وعليه أن يكون أكثر الناس إحساساً بأهمية الموضوع والحاجة إليه.

 

وإن من الخطأ الواضح أن يظن بعض الخطباء، أن الخطابة مجرد كلمات تقال في دقائق معدودة، ثم ينتهي الأمر، أو أنهم يتصدقون على الناس بتلاوة آية قرآنية، أو حديث نبوي، دون إعداد جيد، ولا اهتمام بالموضوع، ثم ينتظرون من الناس أن يسمعوا ويطيعوا، وعليهم أن ينصرفوا من الخطبة وقد تغيرت حياتهم وأحوالهم.

 

بل على الخطيب أن يعلمَ أن الخطبة أمانة، والكلمة أمانة، وصعودَ المنبر أمانة، ووقتَ المصلين أمانة، فعليه أن يَستشعر عِظم هذه الأمانة والمسؤولية قبل أن يصعد المنبر، وعند صعوده، وبعد نزوله.

وبعد أن يدرك الخطيب تمام الإدراك أهمية الخطبة ومكانتها، عليه أن يستحضر أيضا أهدافها، وغاياتها، فذلك مما يدفعه إلى حسن الاهتمام بها..

ثالثاً: أهداف خطبة الجمعة؛

فلخطبة الجمعة أهداف سامية، وغايات نبيلة، ومقاصد جليلة، منها:

– تقوية الإيمان، وحماية العقيدة؛ فالإيمان أساس العمل، والعقيدة الصحيحة هي التي تقود العبد إلى سعادة الدنيا والآخرة، هي التي تجعل من الإنسان إنساناً صالحاً، قائماً بحق خالقه، ومؤدياً لحقوق العباد. وما افتتاح الخطبة بالثناء على الله وإعلان الشهادتين، إلا تأكيدٌ على مكانة الإيمان والتوحيد في إصلاح العمل ونجاحه.

 

– التذكير والنبيه؛ لذلك سميت الخطبة ذكرا، ﴿ فاسعوا إلى ذكر الله ﴾. بها يتذكر العبد ما نسيه، ويتنبه من غفلته، ويصحو من غفوته… والعبد مهما قويَ إيمانه، واشتدت عزيمته، فهو بشر تعتريه الغفلة، ويصيبه الفتور، فيحتاج إلى من يذكره وينبهه، ليُقلِعَ عن ذنبه، ويتوبَ من إساءته، ليُغفرَ له ما اقترفه من إساءة بين الجمعتين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدّرَ له، ثم أنصَتَ حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضلُ ثلاثة أيام».

 

– التعليم؛ ففي الخطبة قرآن وسنة، وشرح وتفسير، وأمثال وقصص، وحِكم ومواعظ، وأحكام وآداب، فهي مدرسة تفتح أبوابها في كل أسبوع، وفي العام الواحد يستمع المصلي لثنتين وخمسين خطبة، فهي تمثل دورة مكثفة مستمرة، وهذا التكرار والاستمرار في كل الظروف، وفي جميع الفصول والمواسم، له دور كبير في إرساء المفاهيم الإسلامية، وتقليل الشر والفساد، ورفع مستوى الخير والصلاح، والحث على الفضائل، والتحذير من الرذائل…

 

– تهذيب الأخلاق، وتقويم السلوك؛ فمجال الأخلاق مجال خِصْب للتربية والتزكية، فاهتمام الخطيب بها أولى، وحاجة الناس إليها أشد، فبالتحلي بالأخلاق الفاضلة، والتخلي عن الأخلاق المذمومة تتحقق للناس سعادتهم في دنياهم وفي أخراهم.

 

فأين خطيب الجمعة من تربية الناس على محاسن الأخلاق وجميل الخصال، التي تَقِيهم ويلاتِ الفرْقة والقطيعة والخصومات؟.. الناس في حاجة إلى من يحدثهم عن مكانة الصلح والإصلاح بين الناس، وعن قيمة العفو والصفح والتسامح والتغاضي، وعن أهمية التعاون والتضامن والإخلاص والاستقامة، وغير ذلك من أخلاق الإسلام وآدابه… كما أنهم في حاجة إلى من يحذرهم من مغبة الهجر والقطيعة والعقوق، وآفة الغش والكذب والزور والظلم والمجاهرة بالمعاصي وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من الآفات المدمرة والأفعال المهلكة.

– تقوية أواصر الأخوة، ونشر المحبة بين الناس، وبث روح التضامن والتعاون والتكافل بينهم؛

فعلى الخطيب أن يكون حريصاً على تآلف القلوب، ووحدة الأمة، واجتماع الكلمة، وعليه أن يتجافى عن كل ما من شأنه أن يفرق وحدة المسلمين، حتى ولو كان ما يقوله حقا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ، وكان يصلي بالناس إماما ويتلو عليهم كلام الله تعالى: «أفتّان أنت يا معاذ؟». وتدبر كلمة “فتان” المشتقة من الفتنة، والتي جاءت بصيغة المبالغة..

 

فالأخوّة بين المؤمنين ليستْ خيارَ مصلحة، أو مطلبا اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو سياسيا، أو جغرافيا، بل هي واجب شرعي، وفريضة إسلامية، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم». وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى».. وكل إخلال بهذه الحقيقة إنما هو إخلال وتقصير في فريضة، فكيف يأتي هذا التقصير من قبل الخطيب، وهو يعلم أن هذا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة؟..

 

ـ حماية الوحدة الدينية والوطنية للأمة؛ فديننا يدعونا إلى الوحدة والألفة، وينهانا عن التنازع والفرقة، فيقول ربنا سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾. فعلى الخطيب أن يجمعَ الناس على الدين الذي ارتضاه الله لهم، وهداهم إليه، في عقيدته وأحكامه وسلوكه، ويغرسَ في نفوسهم حب بلادهم والاعتزاز بوطنيتهم وثقافتهم، ويوظفَ في ذلك المناسبات الدينية والوطنية.. ويجنبَ الناس ويحذرَهم من كل ما يشوش عليهم في دينهم، ويزعزع وحدتهم، ويمسّ بكرامتهم.

وفي الختام نقول: إن لمنبر الجمعة مكانة سامية وأهمية عظيمة في حياة كل مسلم، لذلك فالأعناق تشرئبُّ، والأنظار تتعلق، والأسماع تصغي لما يقوله الخطيب في كل جمعة، رجاءَ أن تحصِّل في تلك الفريضة زادًا إِيمانيًا يجدِّد في نفوس أصحابها العزيمة على الرُّشد، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إِثم، وما يحقق لها الفوز بالجنَّة والنجاة من النار بإِذن الله العزيز الغفار.

فمن نصَّب نفسه مرشدًا للناس إِلى الهدى، وخطيبا فيهم، وداعيًا لهم إِلى الخير، عليه أن يكون قدوة حسنة في تصرفاته، حريصا على الخير، نزيهًا عن الشر، مبتعدا عن مواطن التهم، صادقا أمينا مخلصا متواضعا.. وليعلم أن السامعين ينفرون ممن يُخالِف فعله قوله، ويَكرَهون من يَتعالى ويترفع عليهم.. وبالمقابل فإنهم يحبون الصادقين المتواضعين الذين يحترمون الناس ويرحمونهم ويرفقون بهم.. ورحم الله القائل:

وقفتُ لتذكير ولو كنتُ مُنصِفا * لذكّرْتُ نفسِي فهي أحـوجُ للذكرى

إذا لم يكن مني لنفسيَ واعـظ * فيا ليت شعري كيف أفعلُ في الأخرى؟

دعاء ليلة القدر | كلمات أوصى بها رسول الله للرزق والأبناء والمتوفي

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد