أصبح عبدالرحمن منيف الاسم الأكثر بحثاً اليوم الإثنين، إذ تصدر الروائي السعودي محرك “غوغل” خلال الساعات الأخيرة بعد قيام الموقع بتغيير واجهته إلى صورة الكاتب.
حياته في سطور
ولد في عمان عام 1933م وعاش فترةً من طفولته في ظل إمارة شرق الأردن ثمّ في السعودية. أتم مراحل دراسته الأولى في الأردن وحصل منها على الشهادة الثانوية سنة 52م، ثم انتقل إلى العراق والتحق بكلية الحقوق في بغداد حتى عام 55م إذ جرى إبعاده بقرار سياسي مع مجموعة من الطلاب العرب. لينتقل إلى مصر لإكمال دراسته هناك. وقد ارتحل منذ عام 58م إلى يوغوسلافيا لإكمال دراسته العليا في جامعة بلغراد فحصل منها عام 61م على الدكتوراه في الاقتصاد ‹مجال اقتصاديات النفط، الأسعار والأسواق.› مارس العمل السياسي الحزبي زمناً ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية ‹الحزبية› رسميا بعد مؤتمر حمص 62م، وعمل بعدها في الشركة السورية للنفط ‹شركة توزيع المحروقات، مكتب توزيع النفط الخام، دمشق› حتى غادر إلى بيروت عام 73م حيث عمل في مجلة «البلاغ» اللبنانية وكان قد نشر أعماله الروائية الأشجار، وقد تزوج خلال تلك الفترة من سيدة سورية تدعى سعاد قوادري وأنجب منها ثلاثة أبناء وابنة واحدة. لاحقا في عام 75م عاد ليقيم في بغداد، وتولى تحرير مجلة «النفط والتنمية» العراقية حتى عام 81م حيث غادر إلى فرنسا متفرغاً للكتابة. وقد عاد إلى دمشق خلال عام 86م، حيث صارت مقر إقامته الدائمة، إلى حين توفي، وبها دُفن، بناء على وصيته.
مولده
غادر والده إبراهيم بن علي المنيف مع إحدى قوافل التجارة ببلدته قصيبا بعيون الجواء شمال مدينة بريدة حوالي عام 1300ھ 1883م وظل يتنقل بعد ذلك بين مناطق العراق وعموم بلاد الشام، وكان يزاول التجارة بالمواشي والموارد الغذائية، وتزوج عدة زوجات من مكة وخارجها. وأخيراً تزوج من نورة الجمعان حوالي عام 1350ھ 1931م وكان والدها سليمان بن محمد الجمعان أحد أبناء قرية الروض بعيون الجواء بمنطقة القصيم ويعد أحد أفراد العقيلات من أهالي المنطقة المقيمين بالعراق.
ولد عبد الرحمن الموافق 29 مايو 1933م وتوفي والده عام 1355ھ 1936م وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، فنشأ يتيم الأب ترعاه أمه التي كان لها دور في شحذ همته وحبه للعلم، وجدته لأمه (من أصل عراقي)، وقد كانت تلك المرحلة «عقد الأربعينيات» من أكثر المراحل أهمية في تاريخ مدينة عمّان التي وُلد فيها وتنقَّل بين حواريها وجبالها، وسوقها، وواديها (السيل)، ومسجدها الحسيني.
تحصيله العلمي
أتم مُنيف مراحل دراسته الأولى في عمان ثم من هناك بعث إلى المدرسة الإبتدائية إلى أن حصل على الشهادة الثانوية سنة 52م، تركت هذه الأعوام الأولى من عمره آثاراً عظيمة في تكوينه على الصعيد الشخصي وهو ما اعترف به في كتابه سيرة مدينة، وهو يتناول فترة الأربعينيات في عمان وحاول أن يجمع فيه تاريخ هذه المدينة العربية العريقة والتطورات التي عايشتها من بلدة بسيطة إلى أن صارت عاصمة كبيرة.
انتقل عبد الرحمن إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق في ذلك العام حتى جرى إبعاده عام 55م لينتقل إلى مصر ويكمل دراسته في القاهرة. ارتحل منذ عام 58م إلى يوغوسلافيا لإكمال دراسته العليا في جامعة بلغراد الحكومية فحصل منها عام 61م على شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد ‹مجال اقتصاديات النفط، الأسعار والأسواق.›
أذ وقد تأتي خطوة “غوغل” تزامنت مع ذكرى ميلاد منيف الـ 90، وبهذه المناسبة احتفى الموقع بالكاتب الروائي الذي أرخ لعصر النفط في أشهر رواياته “مدن الملح” التي تعد من أشهر الروايات العربية وتتألف من خمسة أجزاء.
وظهر رسم منيف على مؤشر البحث تحديداً في السعودية والإمارات والأردن والعراق وليبيا والجزائر والمغرب، تعبيراً عن تقدير “غوغل” لمسيرة الراحل.
وكتب الموقع رسالة قصيرة مع الصورة قال فيها “عيد ميلاد سعيد عبدالرحمن منيف، شكراً لك على إسهاماتك في الأدب العربي وتحليلك للقضايا الاجتماعية والسياسية”
نشاطه السياسي
خاض في العراق غمار النشاط السياسي خلال مرحلة مهمة من تاريخ العراق، ولكنه ما لبث أن اُبعِد بعد توقيع حلف بغداد عام 55م من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب.
مارس العمل السياسي الحزبي خلال فترة انضمامه لحزب البعث العربي الاشتراكي وأصبح عضواً في القيادة القومية زمناً ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية (الحزبية) بعد مؤتمر حمص عام 62م. وقد ظل مُنيف مناوئاً للأنظمة العربية ‹بشقيها الملكي والجمهوري› بعد هزيمة 67م التي كان لها آثراً بالغاً في نفسه ليبدأ ممارسة السياسة ولكن هذه المرّة عبر العمل الأدبي. عاد مرة أخرى إلى العراق عام 75م ثمّ غادر مرة أخرى إلى فرنسا عام 81م ‹متفرغا للكتابة› خلال بدايات الحرب العراقية الإيرانية،
وقد صرّح في وقت لاحق أنه لم يكن مقتنعاً بقضية هذه الحرب، لأنها كانت حرباً مجانية، وليس لها ما يبررها، وبالتالي ليس لأحد أن يتفق معها. بقي إلى آخر أيامه معارضا للإمبريالية العالمية وظل رافضا للغزو الأميركي للعراق سنة 2003 ولكل ما ترتب عليه، رغم معارضته الشديدة لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
كرّس نضجه الفكري والثقافي العام لممارسة الكتابة الروائية التي بدأها بعد أن بلغ الأربعين من عمره، ما جعله يصنع لنفسه خصوصية أدبية مبكرة ‹خلال تلك المرحلة المتأخرة نسبياً من حياته،› وعالما روائيا سرديا معقدا، وضع فيه خلاصة رؤيته للحياة، وقد ركز اهتماماته على حرية الإنسان، وما يجب أن تكون عليه هذه الحرية. والمتتبع لأعمال مُنيف يجد أنه قد أضاء فضاءًا فسيحاً في جوانب هامة من الرواية ‹السياسية› العربية وتناول فيها أشكال وأنماط جديدة لم تعهدها من قبل. طوّر في رواياته مقومات التعبير النفسي ‹الباطني› العميق، فالتقط الانفعالات الإنسانية ‹لحظة وصولها إلى سطح الوعي› في صورتها الأولى، كذلك استيعابه الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة المعاصرة، سيما وأنه كان على اتصال مستمر مع ما تنتجه من دراسات ومصطلحات علمية حديثة، مفيداً منها ما ينسجم مع الثقافة العربية، إلى جانب إعطائه مسافة كافية لخصوصية هذه الثقافة ونتاجها في الأدب والنقد.
أدرج في المكتبة العربية ما يزيد على ثلاثين كتاباً ‹بما في ذلك أعماله الروائية ومؤلفاته الفكرية والنقدية في فنون الرواية، والفنون التشكيلية، والسيرة الذاتية، وسائر الآداب الإنسانية.› وأُدرجت أعماله ضمن برامج التعليم في جامعات أوربية وأميركية، ووافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ‹يونسكو› على ترجمة أعماله إلى ما يقارب عشرين لغة حية في العالم.
يذهب كثير من النقاد والباحثون في الآداب العربية إلى أن اختزال مسار السرد الروائي خلال القرن العشرين لا بد أن يمر عبر نجيب محفوظ ‹عميد الرواية العربية› ثم مُنيف مباشرة، فمن ناحية محفوظ استطاعت رواياته منذ عبث الأقدار الصادرة عام 39م أن تحفر عميقاً في بنية المجتمع المصري والعربي بكل تحولاته خلال النصف الأول من القرن المنصرم. ومن ناحية ثانية، احتفت روايات مُنيف منذ باكورة أعماله «الأشجار» عام 73م بالتقاط كل ما يمكن أن يسهم في رصد التحولات الحضارية العربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين، حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية ‹الخليجية،› ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترولي ‹متخصص وقد سبق له أن عمل في العديد من الشركات مما جعله مدركا لاقتصادياته،› لكن الجانب الأهم كان معايشته وإحساسه العميق بحجم التغيرات وما أحدثته الثروة الطبيعية من تحولات في بنية المجتمع السعودي بصفة خاصة، والعربي بصفة عام
حياة حافلة بالسياسة والاقتصاد والأدب
وجاء الاحتفاء بعد الحياة الحافلة التي عاشها عبدالرحمن منيف منذ ولادته عام 1933 لأب سعودي وأم عراقية، حيث ولد في بلدة تقع على طريق عيون الجواء وسط السعودية، وتربى في بيئة عائلية تحرص على التعليم والثقافة، وحصل على الشهادة الثانوية في الأردن ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952.
شارك عبدالرحمن منيف في النشاط السياسي في بغداد وانضم إلى حزب البعث، لكنه تعرض للطرد من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب بعد توقيع حلف بغداد عام 1955.
وفي عام 1958 انتقل إلى بلغراد لإكمال دراسته في اقتصادات النفط وحصل على درجة الدكتوراه في التخصص ذاته، ثم انتقل إلى دمشق عام 1926 ليعمل في وزارة النفط في سوريا ثم منظمة “أوبك”، وخلال فترة وجوده في العراق ترجم حبه لهذا المجال بالكتابة عنه فعمل محرراً في دورية “النفط والتنمية” الشهرية.
ولم يكن منيف يحب مجال النفط فقط بل الكتابة أيضاً، وكان يعتقد أن “مهمة الأدب هي زيادة الوعي” لذا حرص أن يكون له أثر يسهم في هذه المهمة.
وبالفعل أسهم في هذا المجال وكانت بدايته الحقيقية في الكتابة خلال سبعينيات القرن الماضي بعد أن ترك وظيفته في الحكومة العراقية وانتقل إلى دمشق، وخلال تلك المرحلة كتب قصصاً قصيرة عدة قبل نشر كتابه الأول.
روايات مثيرة للجدل
نشر منيف روايته الأولى “الأشجار واغتيال مرزوق” عام 1973، وأقنع هذا العمل الناس بالتفكير في مجتمع أكثر حرية وعدالة، وخلال فترة إنتاجه الأدبي قدم الراحل للعالم نحو 15 رواية، بما في ذلك خماسية “مدن الملح” (1984-1989) التي تعد أشهر أعماله، وفيها يصف كيف تغير العالم العربي خلال عصر النفط وتعرضت لكثير من الجدل لوصفه البدوي بعد عصر النفط ومنعت من النشر في السعودية إلا أنه سمح بها أخيراً.
ولم تكن رواية “مدن الملح” الأكثر جدلاً، وأيضاً رواية “شرق المتوسط” التي أحدثت ضجة في العالم العربي، إذ كانت أول رواية عربية تصف بجرأة موضوع التعذيب في السجون، خصوصاً التعذيب التي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية التي تقع شرق المتوسط، في إشارة واضحة إلى النظامين السوري والعراقي وقتذاك.
وترجمت بعض روايات منيف إضافة إلى كتب واقعية لأكثر من 10 لغات، وحصل على جائزتين مميزتين عن كتاباته، منها جائزة العويس الثقافية عام 1989، وجائزة ملتقى القاهرة للإبداع العربي في كتابة الروايات عام 1998.
وكان منيف صحافياً وناقداً ثقافياً ملهماً، ويمكن اعتباره واحداً من أهم المؤلفين السعوديين المعاصرين في القرن الـ 20، وقد توفي في دمشق عام 2004 عن 71 سنة.