اسطنبول، تركيا (CNN)– يبدو وزير الصحة السابق لتنظيم “داعش” كفاح بشير حسين هادئاً وواثقاً بنفسه، وقد يكون معتداً بدرجة كبيرة بالنسبة لشخص مقبوض عليه، ويلتوي طرف فمه كبداية لابتسامة ليجيب قائلاً: “لا تعليق”، نحو سؤال آخر وجهته إليه CNN حول السنوات التي اختفى بها تنظيم القاعدة في العراق ليخرج مجدداً كتنظيم “داعش.”

يقول حسين إنه كان مسؤولاً رفيع المستوى بتنظيم “داعش”، لم يكن مقاتلاً ميدانياً، بل شخصاً شكّل الهيكل العظمي للتنظيم الإرهابي، ذكي يختبئ في الظلمة، ساعد في إنعاش “داعش” وتحويله خلال السنوات الأخيرة.

قابلت CNN حصرياً حسين، بعد إلقاء القبض عليه، الشهر الماضي، من قبل السلطات الأمنية التركية، ويدعي الوزير السابق في “داعش” إنه غادر التنظيم قبل ستة أشهر، وهو اليوم محتجز لدى السلطات التركية بانتظار محاكمته بناءً على تهم لم تعلن بعد.

وقد عمل حسين، 39 عاماً، طبيباً متدرباً لمعالجة الروماتيزم، وخدم لدى تنظيم “داعش” وتشكيلاته السابقة لحوالي عقدٍ ونصف، وبمعظم الوقت كان مخفياً عن أعين الاستخبارات والجيش الأمريكي والحكومة العراقية.

وقد طالبت المصادر العراقية من معارف حسين وأصدقائه بمرحلة الطفولة وزملائه بالعمل الإبقاء على هوياتهم سراً قبل التحدث إلى CNN حول الرجل الذي لا تزال مصادره من الإرهابيين تجسد تهديداً لحياتهم، وقصته تروي تسلسلاً زمنياً لصعود الأجندة الجهادية التي عمّت المنطقة وسوطها.

الغزو الأمريكي في العراق

تربى حسين في تلعفر، وهي قرية بتمجمع تركماني في العراق، تقع على أحد الطرق الأساسيى التي تربط بين الموصل والحدود العراقية السورية، أشخاص عرفوه بمرحلة التعليم الثانوي وصفوه بـ “الطموح” و”الذكي” و”المحب للمنافسة،” مثل أي مراهق بآمال كبيرة، وأراد حسين التوجه إلى المدينة الكبيرة عند تخرجه.

تدرّب حسين في مجال الطب بالموصل عندما بدأ الغزو الأمريكي في العراق عام 2003، وقد أثرت فيه للغاية رؤية جيش أجنبي يحتل بلاده، حوّلت عائلته طائفتها في السبعينيات من الطائفة الشيعية إلى السنية، وفقاً لما ذكره أحد جيرانهم في تلعفر، والتزموا بالمذهب السلفي، وازداد غضبهم عندما شهدوا توالي الأزمة في أفغانستان وسقوط صدام حسين، وكلما ازدادت رحلة اصطياد الجيش الأمريكي لأتباع صدام حسين واستهدافهم للتمرد بمراحله المبكّرة، ازداد غضب حسين.

يقول الجار: “العائلة بأسرها كان لها رد فعل عنيف،” مضيفاً بأنه “وعند قدومهم إلى تلعفر كان كفاح جزءاً من أول مجموعة حاربت الأمريكيين، منزلهم كان من أول المنازل التي استخدمت للتخطيط للعمليات ضد الأمريكيين.”

ويقول حسين إنه انضم إلى مجموعة “التوحيد والجهاد” عام 2004، المحموعة التي قادها أبو مصعب الزرقاوي، والتي سبقت بأيدولوجيتها تنظيم القاعدة في العراق، وتبنّى حسين الأيدولوجية التي مثّلها الزرقاوي.

وقال حسين لـ CNN: “لقد شهدنا العديد من الأمور التي حصلت أمام أعيننا، عمليات الاغتصاب والقتل والفساد وسرقة الأمريكيين للأموال.”

يقول حسين إنه ساعد المجموعة الجهادية المتشدّدة من خلال إدارة خدماتها الطبية، وكان دوراً سيحمل أهمية أفضل على مر عقد قادم من الزمن في العراق وسوريا، في وقت تحولت فيه حركة “التوحيد والجهاد” تدريجياً إلى ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية.”

وفي أكثر اللحظات حدة بقتال العشائر السنية لتنظيم القاعدة في الفترة ما بين 2007-2008، قال حسين إنها كانت المرة الأولى التي واجه بها السلطات، حيث احتجز بالموصل ووفقاً لأحد المتخصصين بتظيم “داعش” اتهم بارتباطه بتنظيم القاعدة، لكن أفرج عنه بعد حكم قصير بالسجن ولم يلتقى معاملة سيئة.

كان حسين غامضاً بإجابته، إذ قال: “في ذلك الوقت، كانت لدي مشاكل أمنية، لكنهم لم يعلموا أي شيء عنّي، كما أني قد غيرت عنواني،” وعندما سئل فيما لو احتجز من قبل السلطات الأمريكية أجاب قائلاً: “هذا ممكن.”

وقد دفع تصاعد بوجود القوات الأمريكية لارتفاع نشاط المقاتلين إلى نزول “داعش” إلى العالم السفلي، وواصل حسين عمله كطبيب في مستشفى “ابن سينا” بالموصل، ووصفه أحد الأطباء الذين عملوا معه بأنه كان شخصية “غريبة” و”منعزلاً.”

وعندما ضرب تنظيم “داعش” عام 2014، خرج حسين من الظلال، ويقول: “لم نكن خلايا نائمة، لكننا لن نشارك في المعارك لأسباب أمنية.”

الاتجار بالأعضاء وسحب الدم

مع تولي تنظيم “داعش” السيطرة على الموصل، يستذكر طبيب بالمستشفى قول حسين إن “هروب أي طبيب سيعني إعدامه.”

وقال هشام الهاشمي، وهو من أبرز الخبراء في تنظيم “داعش” بالعراق، بحوار مع CNN إنه من المرجح بأن حسين وبمركزه قد شهد على أكثر نشاطات “داعش” رعباً.

فلرفع المخزون ببنك الدم، كانت تسحب دماء من يعدمهم التنظيم، وفي بعض الحالات تؤخذ الكلى، ويقول الهاشمي إنه على علم بهذا من قبل أشخاص تحدث إليهم ممن عاشوا في ظل احتجاز “داعش” لهم.

ويقول الهاشمي إن هذا كان “لاستخدامهم الشخصي، فقد احتاجوا الدم، وإن سحبوا الدماء من السجناء على مر أسابيع قبل إعدامه فإن ذلك كان ليضعفهم، ويقلل من احتمالية عصيانهم، أما الكلى، فقد كانت للبيع.”

وذكرت مصادر CNN إنها سمعت بهذه الممارسات، لكن لم تملك أدلة قطعية لوقوعها فعلاً، وقد ذكر مسؤول سابق في محافظة نينوى، حيث سيطر “داعش” على مساحات واسعة، إن بعض الجثث التي حصّلت من المشارح بدا أخذ الكلى منها.

ولم تدرك CNN هذه الادعاءات خلال مقابلتها لحسين، ولم يسمح للشبكة التواصل مجدداً معه للحصول على تعليق بشأن تلك الادعاءات.

صورة لكفاح حسين قبل اعتقاله

روابط مع تنظيم “داعش”

بعد شهرين من إحطام “داعش” السيطرة على المدينة، تركت الزوجة الأولى حسين، لتهرب إلى ما قد يبدو من أمن بغداد، وفقاُ لأحد المعارف بالموصل، وبدأ بالتواصل مع زوجته بشكل متواصل، وأرسل إليها خطابات بتهديدها بالاختطاف/ وفقاً لأحد المعارف الذين أوصلوا الرسائل بين حسين وزوجته.

ارتبط حسين بزوجة ثانية، وكانت ابنة أحد المسؤولين بتنظيم “داعش”، وكانت طبيبة بسلطة واسعة، بارزة بين كوارد “داعش”، ويعتقد بأن الطبيبة كانت من بين المجموعة الرئيسية التي أحيلت إليها مهمة معالجة قائد التنظيم أبو بكر البغدادي، بعد إصابته عام 2015.

ورغم تأكيد حسين لزواجه ولإنجابه أطفالاً، إلا أنه رفض التعليق حول أي أسئلة مفصّلة تتعلق بعائلته، مجيباً فقط: “إنهم موجودون.”

ويقول الهاشمي إن حسين لم يملك رابطاً مباشراً مع البغدادي، إلا أن زوجته الثانية كانت تملك ذلك، مضيفاً: “لكن الأشخاص مثله، أطلق عليهم لقب الصندوق الأسود لداعش، لأنهم يملكون روابط للرابط الرئيسي وللقائد الأعلى، قد لا يملكون رابطاً مباشراً لكنه يملك معلومات مهمة، وهم متدربون على القتل مقابل عدم الاعتراف بكل ما يعرفونه.”

وأضاف الهاشمي قوله: “هؤلاء الأفراد أساسيون لثلاثة أسباب: هم ليسوا مدرجين على أي قائمة لمراقبة الإرهابيين، يملكون كاريزما والقدرة على اجتذاب الناس، ولديهم إخلاص كامل لمبادئ الخلافة.”

ويقول طبيب من دير الزور إنه التقى بحسين في أواخر ربيع عام 2016، إن حسين ترأس لجنة اختيرت من قبل البغدادي، كانت مسؤولة عن بناء مستشفى في قرية صغيرة في منطقة كسرة السورية بين الرقة، التي تمركز فيها التنظيم، ودير الزور، مضيفاً: “أعتقد بأنهم اختاروا الكسرة لأنهم أرادوا الحصول على القدرة الاستيعابية لتلقي الأعضاء البارزين بتنظيم “داعش” لعلاجهم/ وسمعتُ بانهم حسّنوا الأدزان وزوّدوا المرافق بأفضل التجهيزات.”

وجهة نظر لا توحي بالندم

خلال مقابلتنا، بدا من الواضح أن حسين كان حذراً بما كشف عنه، ولم يرغب أن تنسل المعلومات من لسانه، لكنه وفي الوقت ذاته بدا وأنه يود الظهور بشكل متعاون، كان غريباً باعتذاره عن الإجابة عن بعض الأسئلة، فبعد سلسلة من الإجابة بـ “لا تعليق” على عدد من الأسئلة، أضاف قوله: “كما تعلمون يجب أن أخضع للمحاكمة.”

وقد تولى حسين منصب وزارة الصحة بتنظيم “داعش” بعد مقتل الوزير السابق في تفجير بالموصل، وفقاً لقوله، وعند فقدان “داعش” السيطرة على الموصل، غيّر حسين مركز عملياته إلى سوريا كغيره من منظمي العمليات التشغيلية بـ “داعش”، وبدأ التنقل بين الرقة ودير الزور، مضيفاً: “لم نخدم العناصر وحدهم، بل قدمنا خدمات للمدنيين أيضاً، وأولئك الفقراء في تلك المناطق،” مدافعاً عن منصبه.

لكنه لا يتأسف على إيمانه بمعتقدات الزرقاوي، أو النسخة العنيفة التي يملكها “داعش” عن الشريعة الإسلامية، لكنه دفع لمغادرة تنظيم “داعش” بعد انحراف التنظيم عن “الدرب الصحيح،” مضيفاً: “إنها الطريقة الصحيحة لطلب الناس الالتزام بالشريعة، وبالطبع أؤمن بها، حصلت العديد من الأمور التي غيّرت مسار الخليفة عن الدرب الصحيح،” وقال: “لكنّي فكرتُ دائماً بالمساعدة الطبية التي يمكنني توفيرها، بالأخص في الشؤون الإدارية، لذا تأخرت قليلاً بمغادرتي لهم.”

وقال سوري تعرّف على حسين بصورة إنه عرفه باسم الدكتور عمر في مدينة الميادين بدير الزور في يونيو/حزيران 2017، ووفقاً لحسين فإنه ذكر مغادرته للميادين عند ارتفاع حدة القتال، ودخل تركيا من خلال مدينة تل أبيض التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية، ورفض حسين الإفصاح عن الطريقة التي هرّب بها إلى تركيا عند الإلحاح عليه بالسؤال من قبل CNN.

وقال حسين إنه وبعد شهر من بقائه بسوريا، حصّل هوية كلاجئ سوري، لكنه أوقف غي نقطة تفتيش بطريقه إلى إسطنبول، وإلى جانبه كان هنالك عراقي آخر تعرّفت إليه السلطات التركية بأنه كان تحت سلطته، وفي اليوم ذاته، تعرّفت السلطات التركية على أكثر من ستة أعضاء من تنظيم “داعش” من بينهم هولندي وبريطاني كانا على لائحة الإنذار الأحمر، والتي يطلب على أساسها إصدار مذكرة اعتقال دولية.

وتقوم السلطات الأمنية بالبحث روتينياً عن مئات المشتبه بانضمامهم لتنظيم “داعش”، بدءاً من المقاتلين مبتدئي المستوى ووصولاً إلى منظّمي العمليات اللوجستية، وحتى رجال مثل حسين ممن شكلوا العقل الإرهابي المدبّر للتنظيم.

ويقول حسين إنه لم يتوقع أن يخسر التنظيم “خلافته”، مضيفاً: “لقد هزمنا (داعش) عسكرياً، لكن هذا يعني بأنه لا وجود لأعلام (داعش) أو مبانٍ يمكنهم المطالبة بها لأنفسهم.. لكن (داعش) في كل أرجاء العراق وسوريا.”