عاد تنظيم داعش إلى الواجهة في العراق من خلال برنامج كاميرا خفية يثير الكثير من الانتقادات، وتتلخص فكرته بإيهام فنان أو رياضي مشهور بأنه وقع رهينة التنظيم المتطرف، قبل أن يتم إنقاذه.
وعلى الرغم من أنه يهدف الى الترفيه في شهر رمضان، يعيد البرنامج الى الأذهان ذكريات مواضيع حساسة تركت تأثيرا بالغا في نفوس العراقيين، مثل التفجيرات وعمليات الخطف والقتل.
في كل حلقة، يتكرّر السيناريو نفسه، إذ تتمّ دعوة أحد المشاهير بحجة عمل خيري لزيارة عائلة عادت الى دارها بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. وتبدأ الحلقة بوصول الضيف المشهور الى منزل العائلة الضحية، ثم يظهر فجأة في المشهد جهاديون مفترضون يهددون الضيف ويعصبون عينيه، فيعتقد أنه حقاً على وشك الموت على أيدي عناصر من التنظيم المتطرف.
وتنتهي الحلقة بمشهد مسلحين مفترضين من الحشد الشعبي الذي أشرف على إنتاج العمل، الذين يحررون الضيف.
وتزدهر برامج المقالب على الشاشات العربية في رمضان، إلا أنها المرة الأولى التي ينتح فيها برنامج من هذا النوع يتناول “الإرهاب” في العراق.
وفي كل حلقة، تتالى المشاهد الدراماتيكية. مرّة، يزنّر الضيف بحزام ناسف، ويوهم بأن من حوله أعدموا أيضاً، قبل أن تصل قوة من الجيش والحشد الشعبي لتحريره.
ويرتدي ممثلون ملثمون أزياء الجهاديين، أو أزياء قوات الحشد الشعبي، بحسب أدوارهم.
في إحدى الحلقات، وجدت الفنانة الكوميدية نسمة نفسها معصوبة العينين ومقيدة، وسط هتافات وإطلاق نار كثيف، ما أدى الى فقدانها الوعي.
ورغم الموقف المرعب، واجهت في البداية المسلحين بشجاعة، وقالت لهم “أنتم مرتزقة”، ثم نطقت بالشهادة واستعدت للموت.
وفي حلقة أخرى، وجد لاعب كرة القدم علاء مهاوي نفسه راكعا، معصوب العينين، متوسلا عناصر التنظيم المفترضين إنقاذ حياته.
وبكى مراراً وهو يصرخ “أنا أخوكم، أنا عراقي وأنا أمثّل الوطن”.
لكن بعد كشف الكاميرا والمقلب، يصعب على الضيف التعبير عن غضبه وامتعاضه، بينما يقف وسط الممثلين وطاقم إخراج البرنامج المنتج من الحشد الشعبي.
أين المتعة؟
بعد ثلاث سنوات على هزيمة تنظيم داعش في العراق، لا يزال العديد من العراقيين يجدن صعوبة في الضحك على المآسي التي تسبب بها.
ويعلّق أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على الأمر قائلاً “لا أرى المتعة التي يمكن أن يشعر بها المشاهد في رؤية أشخاص وهم يتعرضون للتعذيب بهذه الطريقة”، وعلى وقع أصوات تشيد خلال الحلقة بتنظيم الدولة الإسلامية.
وتقول نور غازي في تعليق على تويتر، “من الممكن إظهار شجاعة الحشد والقوات العراقية دون اللعب على حبل الرعب”.
وما يزيد من الرعب، هو أن الخدعة تدور على أساس أن منزل عائلة المهجرين المزيفين يقع في منطقة حزام بغداد حيث لا تزال هناك خلايا نائمة لتنظيم الدولة الاسلإمية تشكّل خطراً حقيقياً على السكان.
ويرى حامد الدعمي عبر تويتر، أن البرنامج “يوفّر دعاية مجانية تضخّم عن غير قصد داعش وأخواته من التنظيمات الإرهابية في العراق”.
ويرى بلال الموصلي أن البرامج المماثلة “جريمة بحق الإنسان” ولها “آثار نفسية سلبية خصوصا على العائلات التي تضرّرت” من التنظيم الجهادي.
في نهاية البرنامج، يحاول مقدم البرنامج تفسير مقلبه بالقول إن كثيرين من الناس عاشوا هذا الرعب الذي يختبره الفنان.
ويعلّق أحمد عبد راضي “العام القادم، قد ننفذ الكاميرا الخفية بقصور صدام ونقتل الضيوف على حافة النهر حتى نشعر بمعاناة شهداء سبايكر”، في إشارة الى الإعدامات الجماعية التي نفذت في عام 2014 في تكريت.
ويضيف “هناك العشرات بل مئات الوسائل والطرق للوقوف مع الحشد والقوات الأمنية والإشادة ببطولاتهم وتضحياتهم أفضل”.
ومع تزايد الطلبات المقدمة الى هيئة الإعلام والاتصالات لوقف بثّ البرنامج، يدافع معدّه ضرغام أبو رغيف عن نفسه قائلا “المشاهد قاسية ومؤلمة، لكن لم لا ننظر بعين أخرى، وهي أن هذا التنظيم لو كان قد انتصر لكان حال الفنان أسوأ من ذلك، وحال العراقيين كذلك. كنا سنذبح كنا سنهجّر كنا سنحرق”.