حتى نهاية العام الماضي، كانت إيران، التي يعاني اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية القاسية، ما تزال قادرة على استعراض عضلاتها شبه العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. استخدمت الجمهورية الإسلامية حملة دونالد ترامب «ممارسة أقصى الضغوط» لتعزيز المحور الشيعي في البلدان العربية المجاورة. وباستخدام فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والميليشيات الوكيلة لها، دفعت طهران بقوات ضد حدود بلدين يعتبران الحليفين الأبرز لواشنطن في المنطقة: إسرائيل (من لبنان وسوريا) والمملكة العربية السعودية (من اليمن والعراق). ومنذ أن أطاحت العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة للعراق عام 2003 بديكتاتورية صدام حسين السنية ومكنّ الأغلبية الشيعة، غيرت زوبعة من النزاعات الطائفية التركيبة السكانية الإقليمية لصالح القوى العربية المدعومة من الشيعة وإيران. ولكن هناك الآن إشارات فُسرت من قبل بعض خصوم إيران أنها تتراجع. وربما يكون ذلك صحيحاً. ولكن الأرجح أن طهران تقلص أشرعتها لتفادي عاصفة سياسية عنيفة. ففي عام 2019، أدت العقوبات وحظر تصدير النفط، التي أجبرت الولايات المتحدة حلفائها على الالتزام بها، إلى شل الاقتصاد الإيراني. لكن نظام الملالي اعتقد أنه قادر على التغلب على هذه العقوبات. لقد تغلب المتشددون على البراغماتيين في الانتخابات الأخيرة، حتى بالرغم من المجازفة بفقدان الشرعية والتفريط بكبش فداء للسخط الشعبي. لعبة القط والفأر لكن هذا العام هو قصة مختلفة. لقد سئمت الولايات المتحدة من ممارسة لعبة القط والفأر عبر المنطقة مع إيران وميليشياتها. ففي شهر يناير الماضي، اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس قاسم سليماني. ثم جاءت جائحة كورونا التي كانت إيران مركزها الإقليمي، ثم انهيار أسواق النفط. كل هذا يفاقم بعض مشاكل إيران الحادة بشكل كبير. في الخريف الماضي واجهت طهران انتفاضات مدنية في العراق ولبنان. في العراق، انتفض عدد كبير من الشيعة ضد الدولة التي اتخذت طابعا طائفيا وقبليا على يد القوات شبه العسكرية المدعومة من طهران. ففي لبنان، يفرض حزب الله الذي أنشأته إيران عام 1982، سيطرته على الدولة الآن من خلال تحالفه مع الحركات المسيحية والشيعية الأخرى. في أكتوبر الماضي، تمرد اللبنانيون من جميع الطوائف، على الطبقة السياسية التي نهبت الدولة وقادتها إلى الإفلاس. لقد تمكنت طهران على مدى العام الماضي، بشكل أو بآخر، من السيطرة على هذا الأمر، فقد سقطت الحكومة في بيروت وبغداد لكن الجنرال سليماني تدخل لتشكيل حكومتين بديلتين. وبعد اغتياله، ووسط أزمة فيروس كورونا، تكافح طهران لإيجاد بديل له يمكنه تحقيق إنجازاته. لقد تغلب سليماني بسهولة على خصوم إيران في ساحة المعركة من خلال صيغة المليشيات المدججة بالصواريخ. لكن لدى خصوم إيران احتياطيات من العملات الأجنبية لمواجهة الركود العميق، في حين أن حلفاء طهران العراق وسوريا ولبنان واليمن ليس لديها مثل هذه الاحتياطات، وكذا، إيران.
حروب بالوكالة Volume 0% وفي لبنان، دخلت حكومة رشحها حزب الله وحلفاؤه مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ. مع أنه قليلا ما يقبل حزب الله (ولو بشكل غير مباشر)، بالتعامل مع الصندوق. ولكن هناك سُخط في الأوساط الشيعية على حزب الله، لمشاركته في حماية الفساد، كما يقول وزير سابق. وفي سوريا، يبدو أن التقارير المستوحاة من إسرائيل بأن إيران تستعد للانسحاب، مشكوك فيها. فقد دفعت طهران العام الماضي بقوات برية لاستعادة جزء من محافظة إدلب في الشمال الغربي، التي تعتبر آخر معقل للمتمردين ضد نظام بشار الأسد ،لكن مصادر عربية تقول إن إيران تقلل من وجودها العسكري في سوريا. الأمر الأكثر إثارة للفضول هو العراق، حيث تولى مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الجديد البراغماتي الذي تفضله الولايات المتحدة، رئاسة الحكومة للتو بعد فترة طويلة ظل فيها العراق بدون حكومة. ومن الواضح أن طهران تغلبت على معارضة بعض الميليشيات الشيعية لتولي الكاظمي هذا المنصب. ومع ذلك، فإن العالم العربي على موعد مع الكثير من العواصف والاضطرابات. إذ أن حوالي 60 في المائة من سكانه الذين هم تحت سن 30 عاما، يعيشون في حالة طوارئ صحية ولكنهم يشعرون أن حكوماتهم تسرق مستقبلهم قبل وقت طويل من وقوع الجائحة. ففي العام الماضي، شهدت الجزائر والسودان والعراق ولبنان حالات تمرد أفضت الى سقوط حكوماتها. لم يكن هؤلاء المتمردون المدنيون على الحكم في هذه البلدان، معنيين بالحروب بالوكالة بين السنة والشيعة. وكان دافعهم -وما يزال-البحث عن سُبل العيش الكريم.
للمزيد: https://alqabas.com/article/5773886