احتجنا إلى أكثر من أربعة عقود كانت زاخرة بالأحداث الخطيرة والمعقدة كي تثبت الأدلة وليس الأقوال ما كشفنا عنه منذ استبدال ألشاه بخميني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبمساعدة فرنسية،
وهو أن النظام الإيراني الجديد الذي يقوده الملالي صنيعة الغرب كسابقه ،ولم يستبدل بنظام الشاه إلا لأجل تنفيذ ستراتيجية غربية صهيونية هي الأخطر منذ قرون، وتتمثل في تقسيم الأقطار العربية، كلها دون استثناء،
وإشعال فتن وأزمات تؤدي إلى محو الهوية الوطنية وانهيار القيم الأخلاقية العليا فيتحول الإنسان العربي إلى مخلوق همه الوحيد أن يبقى حيا حتى تحت سطوة قيم لا يقبلها. ولكي نختم رواية هذه القصة الكارثية والتي كتبنا عنها كثيرا كتبا وبحوثا ومقالات ومحاضرات طوال أكثر من أربعة عقود فإن من الضروري طرح ملاحظات جوهرية تساعد على رؤية الصورة بكاملها بعد أن كانت تشاهد جزئيا أو بصورة غامضة ومشوشة، وما يحتم ذلك الملابسات الخطيرة التي احاطت بعملية طوفان الاقصى:
ملاحظة واحد: لا يمكن فهم أي أزمة كبرى يكون الغرب والصهيونية طرفا فيها إلا بتذكر حقيقة من المستحيل فهم ما يجري بدون أخذها بنظر الاعتبار، وهي أن الغرب والصهيونية يخططان لنصف قرن أو قرن كامل، وتتغير الحكومات ولكن كل حكومة جديدة تكمل ما بدأته سابقتها من خطط لأن المؤسسة السياسية في الغرب المسيطرة على النظم هي التي تتحكم بصعود وسقوط الحكومات تحت غطاء الديمقراطية، وبما أن الخطط الغربية والصهيونية معقدة وخطيرة جدا وتبدو ظاهريا مستحيلة التطبيق والتحقيق فإن المطلوب من قبل حكومات الغرب أن تقسّط عملية التنفيذ بجعلها تمر بمراحل متتابعة، كل مرحلة جديدة تكمل ما تم إنجازه في المراحل السابقة، وهذه هي الفائدة الأعظم لوجود مؤسسة سياسية راسخة في بلدان الغرب. ومن البديهيات الثابتة في ممارسات الغرب والصهيونية أن الأسرار الخطيرة لا تعلن قبل مرور نصف قرن على الأقل وهذه من أبرز التقاليد البريطانية والأمريكية والصهيونية كذلك.
وما يميز الصهيونية عن الغرب هو أنها أقدم منه في رسم الخطط بعيدة المدى والممتدة لقرون والفيات لتحقيقها ، وهذا هو حال الفرس أيضا، فاليهود والفرس تميزوا عبر التاريخ بوجود خطط لهم معلنة إلى حد كبير ولكنها تبدو مثل القصص الاسطورية والخيالية وبالتالي لا تؤخذ على محمل الجد ولايستعد الضحايا لمواجهة تنفيذها، وذلك جزء من الإيحاءات والتكتيكات المستخدمة لتجميد ردة فعل الضحايا، فاليهود ومثلا خططوا منذ أكثر من 2000 عام لغزو فلسطين وكل أرض وطأتها أقدامهم عبر التاريخ ،وكذلك الفرس بعد الفتح الإسلامي أخذوا عن اليهود هذه السمة فأصبحت لهذه القوى الثلاث الغرب واليهود والفرس خطط أما سرية أو شبه سرية أو معلنة ولكنها محاطة بالتشكيك بصدقها وصحتها كبروتوكولات حكماء صهيون، ويشكك بصحة تلك الخطط أصحابها لإبعاد خطر الضحايا وردود أفعالهم المتوقعة.
ولو نظرنا إلى التاريخ الحديث خصوصا منذ نهاية القرن التاسع عشر حينما اكتشف وجود النفط في المشرق العربي وكانت بريطانيا تستعمر وطننا العربي هي وفرنسا، واقترن ذلك ببروز حاجة ماسة لتطور الثورة الصناعية الأولى وانتقالها من الاعتماد على الفحم إلى طاقة أخرى فكان اكتشاف النفط هو الحل السحري لجعل الرأسمالية تحقق قفزات هائلة عن طريق هذه الطاقة البديلة الأفضل والأرخص من الفحم.
ومما يجب أن لا يغفل، ولو للحظة واحدة، هو أن المؤتمر الصهيوني الأول عقد في عام 1897 بعد اكتشاف النفط وليس قبل ذلك، ولهذا فإن تأسيس الصهيونية من قبل بريطانيا ،وليس من قبل اليهود، كان عبارة عن خطة زرع كيان في وسط الوطن العربي يمثل الغرب ويخدمه ويوفر الظروف المطلوبة للسيطرة على الوطن العربي لأجل احتكار النفط بصورة مضمونة، ولو نظرنا الآن وبعد مرور أكثر من 120 عاما على صدور وعد بلفور لرأينا الترابط العضوي في مسلسل الإعداد خطوة خطوة لإنشاء الكيان الصهيوني وترسيخه وجعله أقوى من كل الدول العربية، حيث نرى أن تعاقب خطوات المخطط يقوم على فكرة توسع التنفيذ وزيادة الإمساك بمناطق نفوذ أكبر من السابق
في كل خطوة جديدة، مع الحرص الشديد على ان لايسمح للضحايا بالانتباه لحقيقة ما يجري، خصوصا الربط بين اكتشاف النفط وتأسيس الصهيونية العالمية وصدور وعد بلفور ثم اتفاقية سايكس بيكو، فالمطلوب هو الجهل أو التجهيل بوجود أي رابط بين ما حدث قبل أكثر من قرن وبما يجري الآن وهذا شرط من شروط نجاح أي مخطط غربي صهيوني،وتلك من اهم سمات التخطيط الغربي.
ومن المدهش والملفت للنظر إن الأغلبية الساحقة من المفكرين والخبراء والساسة العرب، بما فيهم أكثرهم اقتدارا ونجاحا، لم يربطوا بين ضم الأحواز في عشرينيات القرن الماضي إلى بلاد فارس،وهكذا كان اسم ايران الحالية ، وتسميتها بعد ذلك في الثلاثينات باسم إيران، وبين القرار المنتظر التنفيذ بعد ذلك وهو إنشاء إسرائيل في فلسطين،
فالخطة الغربية الصهيونية لم تقم فقط على إنشاء كيان غريب في فلسطين يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه بل كان يجب خلق كيان آخر قوي يكمل المهمة بجعله حليفا للكيان المخطط قيامه في فلسطين، فليس من المنطقي أن يقام كيان غريب في فلسطين من مهاجرين وغرباء ولا يتوقع حصول مقاومة شرسة من الشعب الفلسطيني والشعب العربي عموما .كما أنه لم يكن من الحكمة من وجهة نظر الغرب والصهيونية الاعتماد على فكرة إن الأنظمة العربية لانها صنيعة لبريطانيا وللغرب عموما فأنها لن تكون عقبة أمام قيام إسرائيل، التغيير في الأنظمة كان متوقعا طبقا لجدلية الصراع ، وهذا يثبت أن التفكير الغربي البعيد المدى كان صحيحا، فما أن احتلت فلسطين حتى ظهرت مقاومات شعبية شرسة في فلسطين وفي الأقطار العربية الأخرى.
وهكذا أصبح من المنطقي جدا أن يوفر الغرب ضمانة إضافية تساعد على ديمومة إسرائيل وحماية مصالح الغرب والضمانة هي أن تنقل بلاد فارس الضعيفة والمفتقرة إلى مقومات القوة الإقليمية العظمى،نظرا لافتقارها للمياه والأرض الزراعية والثروات الطبيعية كالنفط والغاز، فكان يجب منحها القوة المطلوبة التي تفتقر اليها لتتحول الى قوة اقليمية فاعلة ،وبما أن بلاد فارس تميزت تاريخيا بعلاقة قوية باليهود منذ عهد كورش الذي دمر بابل لإنقاذ اليهود، ومرورا بمختلف مراحل التاريخ التي اتخذت به فيها بلاد فارس مواقف دعم الخطط الأوروبية والخطط الآسيوية ضد العرب مثل غزوات التتار، فكانت بلاد فارس هي الحليف والداعم الثابت لغزوات الغرب واسيا .
هل كان من الضروري ستراتيجيا أن يوضع العرب بين المطرقة الصهيونية والسندان الفارسي كي تكتمل شروط تدميرهم تمهيدا لمحوهم هوية وقيما وتاريخا ووجودا؟ نعم ولهذا فإن إضافة الأحواز من قبل بريطانيا إلى بلاد فارس كان جزء من ذلك المخطط البعيد المدى للغرب والصهيونية لضمان وجود قوة إضافية أخرى تكمل دور إسرائيل وتقدم لها الحماية فتؤمن للغرب السيطرة التامة على النفط والغاز وبقية ثروات الوطن العربي وموقعه ،إضافة لما هو أهم وهو منع هذين الكيانين ( اسرائيل وايران) تحقيق الوحدة العربية بين مشرق ومغرب الوطن العربي والتي إذا تحققت ستنبثق قوة جبارة غير قابلة للاحتواء من قبل الغرب والصهيونية وبلاد فارس نهائيا، وتقلب التوازنات الستتراتجية.
استنادا إلى ما تقدم يجب النظر إلى ما يجري الآن لتأكيد اشارتنا الجوهرية وهي أن إنشاء إيران بعد ضم الأحواز إليها كان جزء من المخطط الغربي الصهيوني لأحكام القبضة على الوطن العربي، وبالتالي فإن الدور الإيراني، ماضيا وحاضرا ، لا يمكن أن يخرج عن هذا الإطار حتى وان كان ممكنا اللعب ضمنه، لسبب بسيط هو أن الغرب ليس جمعية خيرية تقدم الخدمات للنظام في بلاد فارس
ثم في إيران ثم تتركه يعمل على هواه بل هي شركة كبرى كل ما تقدمه تنتظر قطف ثماره المادية ،وهكذا فإننا حينما أطلقنا مصطلح إسرائيل الشرقية على إيران ومصطلح إسرائيل الغربية على إسرائيل التي تحتل فلسطين كنا ندرك الترابط العضوي المتين والثابت بين هذين الكيانين في إطار المخطط الغربي الصهيوني تجاه الوطن العربي، وواقع حالنا يؤكد بالقطع ما سبق. أن استفاضتنا في شرح ملاحظتنا الأولى هدفه استبعاد اي فصل بين وجود ما يسمى إيران أو إسرائيل الشرقية وإسرائيل الغربية واثبات وجود روابط عضوية بينهما ومصالح سترايجية مشتركة أهمها غزو الاقطار العربية ومحو الهوية العربية وهو ما اكده غزو العراق والدور الايراني الحاسم في تنفيذ المخطط الامريكي فيه وفي سورية واليمن ولبنان وغيره،وهذه الروابط موجوة منذ التأسيس لكلاهما ومازالت مستمرة وقوية حتى الان، اضافة الى صلتهما معا بالغرب الاستعماري صلة تبعية في الاطار العام ،فهذه القوى الثلاث تشكل محورا مترابط ستراتيجيا ومصلحيا وتاريخيا ونفسيا، وما يجمعهم هو قاسم مشترك يتمحور حول معاداة الأمة العربية ماضيا وحاضرا.
ومن يتجاهل هذه الملاحظة لن يستطيع فهم تعقيدات ما يجري منذ أكثر من أربعة عقود بين نظام الملالي والولايات المتحدة وإسرائيل الغربية ، فقط فكروا بالاتي : لو ان بلاد فارس لم تضم اليها الاحواز، وموارد نفطها وغازها ومياهها توفر اكثر من 85% لايران الحالية ، هل كانت اسرائيل الشرقية تستطيع تحقيق كل غزواتها وعدواناتها على الاقطار العربية في عهدي الشاه وخميني؟ هل كانت تستطيع تنفيذ مشاريع عملاقة مثل التصنيع وبناء جيش قوي في عهد الشاه ثم في عهد الملالي؟ ان تمويل سياسة امبريالية ، والسياسية الايرانية في عهدي الشاه وخميني امبريالية بكل ما تعنيه هذه الكلمة ،يحتاج لموارد ضخمة لم تكن بلاد فارس تملكها لكنها امتلكتها بعد ضم الاحواز اليها من قبل بريطانيا، ان الانتباه الدائم لهذه الملاحظة التاريخية فقط هو الذي يمكن الباحث من معرفة النتائج الصحيحة والوصول إليها. يتبع.
موقف حماس بخصوص مقتل الرهائن في نفق برفح