في مثل هذه الأيام قبل 5 سنوات، نشرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) 198 صورة تظهر التعذيب الوحشي الذي مارسته القوات الأميركية ضد المعتقلين في العراق وأفغانستان، وكان سجن أبو غريب أبرز المعتقلات في العراق.

وجاء نشر هذه الصور ليلة السادس من فبراير/شباط 2016 بعد مرافعات قضائية استمرت 12 عاما، منذ تفجر فضيحة سجن أبو غريب في العراق عام 2004، في حين امتنع البنتاغون عن نشر مئات الصور الأخرى.

سجناء أبو غريب تعرضوا للصعق الكهربائي والإيهام بالغرق والإذلال الجنسي (أسوشيتد برس)

تعذيب وامتهان
ويروي المعتقل السابق علي القيسي -وهو أحد ضحايا التعذيب في سجن أبو غريب- كيف قامت القوات الأميركية باعتقاله في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2003، بسبب تنظيمه جولة للصحفيين اطلعوا خلالها على طبيعة الأوضاع في العراق، واستخدام الأسلحة الممنوعة في قصف مطار بغداد وغيره.

ويبين للجزيرة نت أن ذلك أثار حفيظة القوات الأميركية، التي كانت تضغط على الصحفيين وتخيفهم من خطورة الأوضاع في العراق، ولا تسمح لهم بتلقي الأخبار إلا من خلال ضابط أميركي.

وعن أوضاعه في المعتقل يفيد القيسي بأنه تعرض لأبشع أنواع التعذيب، من الصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق، والحرمان من النوم، والإذلال الجنسي، في رحلة عذاب دامت نحو عام.

ويلفت القيسي إلى أنه وفور خروجه من السجن بادر بتأسيس جمعية ضحايا سجون الاحتلال في العراق، لرصد وتوثيق الانتهاكات التي تحدث في السجون الأميركية والعراقية وسجون المليشيات، على حد قوله.

ويذكّر بأنه رغم كل معاناة السجون الأميركية، فإنها أهون من سجون الحكومة والمليشيات، التي كانت معظم اعتقالاتها تتم على أساس طائفي، وتمارس بها أبشع أنواع التعذيب.

من جانبه، يقول المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج للجزيرة نت إن ما عرضته الصور من مشاهد تعذيب مروعة تمثلت بشتى صنوف الإيذاء الجسدي والنفسي، من الصعق بالكهرباء، إلى مهاجمة السجناء وهم مقيدون بواسطة الكلاب، وكذلك تكديس السجناء فوق بعضهم البعض وهم عراة، وإجبارهم على أوضاع جنسية مخلة، وغير ذلك من أساليب؛ تؤكد كلها تجرد سلطات الاحتلال من الالتزامات التي توجبها القوانين الدولية.

دعاوى قضائية
وقد لا يعلم كثيرون أن الاعتقال بالعراق ليس بيد الجيش الأميركي وحده، فهو يعتقل الشخص ويقدمه لسجن أبو غريب والسجون الرئيسية الأخرى، فيصبح المعتقل بيد الشركات الأمنية المرتزقة، حسب القيسي.

وينوه إلى تورط شركات مثل “تيتان جروب” المختصة في جلب المترجمين، وشركة “كايسي” التي تضم مجموعة من المرتزقة والضباط المطرودين أو المتقاعدين أو العنصريين، أو عناصر “الاستازي” بالاتحاد السوفياتي المنهار.

ويتابع القيسي “كانت مهمة هؤلاء انتزاع معلومات من المعتقل وتقديمها للجهات التي تطلب المعلومات؛ لهذا أقمنا دعاوى على الشركة، لكن القانون الأميركي يحميها، وحاولت أن تلتف علينا عن طريق ضغوط مارستها حكومات -بينها عربية- على الضحايا، والآن الشركة غيرت اسمها إلى “إل3″ (L3)، ومقرها في الإمارات”.

أحكام مخففة
وخالفت القوات الأميركية كل قواعد السلوك في معاملة السجناء، من الناحية الحقوقية والقانونية ومبادئ حقوق الإنسان، ومارست التعذيب بطرق شنيعة وخطيرة، كما يقول مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون.

ويؤكد سعدون للجزيرة نت أن جرائم سجن أبو غريب التي ارتكبت من قبل القوات الأميركية بحق عراقيين، بصرف النظر عن كونهم مسلحين أو مدنيين مظلومين؛ فإنها كانت مؤشرا خطيرا وواضحا على أن الجرائم التي ارتكبتها القوات لم تحاسب عليها، وإن كانت هناك محاسبات فهي ضعيفة لا ترتقي إلى حجم الجرائم المرتكبة.

ويرجح سعدون وجود تواطؤ من قبل السلطات الأميركية المتواجدة في العراق وواشنطن، لإيجاد عقوبات مخففة بحق الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات، في محاولة منهم للقول إن أميركا تحاسب وتعاقب من يرتكب انتهاكات حقوق الإنسان.

حرج: الإدارات الأميركية المتعاقبة اكتفت بمحاكمة عدد قليل من المتورطين بتعذيب السجناء (الجزيرة نت)

المواقع السوداء
ومثلت سجون التعذيب الأميركية السرية، أو ما يطلق عليها “المواقع السوداء”، استمرارا للجرائم التي ارتكبت في أبو غريب وأماكن أخرى، كما يقول ناجي حرج.

وفي حديثه للجزيرة نت، تأسف مدير مركز جنيف الدولي للعدالة على موافقة دول عديدة في أوروبا وآسيا على استخدام الإدارات الأميركية هذه المواقع لممارسة أبشع صنوف التعذيب في التاريخ.

وينوه إلى أنه ورغم إعلان إدارة بوش عام 2006 عزمها على إغلاق “المواقع السرية”، فإن هنالك مخاوف جدية من أن بعض هذه المواقع ما تزال قائمة، وما يزال التعذيب يمارس فيها.

ويوضح حرج أن الإدارات الأميركية المتعاقبة اكتفت بمحاكمات لعدد قليل جدا من صغار الرتب العسكرية، وبأحكام لم تتجاوز السجن سنوات، أو التسريح من الخدمة، كأنها تكافئهم على أفعالهم المنكرة، وبالتالي فإن ضحايا التعذيب في أبو غريب ما زالوا ينتظرون تحقيق العدالة.

شواهد مخفية
إصرار البنتاغون على رفض نشر صور جرائم التعذيب البشعة التي ارتكبها جنوده في العراق يهدف إلى إخفاء حقيقة وحشية الأميركان في التعامل مع المعتقلين، كما يرى مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان مهند العيساوي.

واعتبر العيساوي -في حديثه للجزيرة نت- أن ذلك يناقض ادعاءات الإدارات الأميركية باحترامها حقوق الإنسان، وأنها راعية هذه الحقوق والحريات والداعية لاحترامها في العالم.

ويبدي استغرابه من تبجح واشنطن بإصدار العقوبات ضد شخصيات غير أميركية بحجة انتهاكها حقوق الإنسان في بلدانها، لكنها تتستر على مجرمي التعذيب من عناصر الجيش الأميركي.

وينوه العيساوي -المتخصص في القانون الدولي- إلى أن البنتاغون اضطر لنشر هذه الصور بعد أن قضت المحكمة بإجبار الحكومة على رفع الحصانة عن الصور السرية، مؤكدا أن الصور التي ما زالت في جعبة البنتاغون أبشع بكثير مما تم نشره، وهذه العينة من الصور المختارة تؤكد استمرار تستر البنتاغون على هذه الجرائم وحماية مرتكبيها.

الموقف العراقي
وحول أبرز ما توصلت إليه متابعات الموقف الرسمي العراقي في هذا الملف، كشف رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي أرشد الصالحي عن عدم وجود أي تطور في موضوع ضحايا التعذيب في السجون الأميركية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أبدى الصالحي أسفه لعدم توفر أي معلومات بهذا الخصوص لدى لجنة حقوق الإنسان البرلمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد