نياندرتال أو الإنسان البدائي هو أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى. تعود آثار نياندرتال البيئية التي وجدت في أوروبا لحوالي 350,000 سنة مضت. انقرض إنسان نياندرتال في أوروبا قبل حوالي 24,000 سنة مضت.

عاش إنسان نياندرتال في أوروبا وآسيا الغربية (المساحة الممتدة من إسبانيا وحتى أوزبكستان في فترة تزامنت مع العصر الجليدي الذي جاب معظم أرجاء أوروبا وآسيا قبل مائتين وثلاثين ألف سنة. وكشفت أحدث الدراسات عن وجود هذا الإنسان في فلسطين وليبيا بالقرب من بلدة بلغراي تؤكد معاصرة هذا الإنسان للإنسان المعاصر ويعتقد العلماء بأن أجسامهم القصيرة والممتلئة والقوية هي من أهم أسباب بقائهم في العصر الجليدي. وبمراجعة الأدوات المكتشفة معهم عرفوا بأنهم صيادون ماهرون ويتغذون على الطرائد. ويسجل العلماء بأنهم كانوا يصطادون في جماعات وفرق مما أدى إلى مواجهة مصاعب الصيد والحيوانات المفترسة الأخرى. يسجل لهذا الإنسان مقدرته على الكلام ولكن يلاحظ عليه افتقاره لتركيب الكلمات المعقدة أو تكوين مفاهيم أكثر تعقيدا كالفن وغيره فقد ظلوا بدائيين جداً. کان معدل حجم مخ النیاندرتال البالغ أكبر من معدل حجم المخ للإنسان الحالي بنسبة 10% تقریبا. لا يعرف إلى الآن سبب انقراض هذا النوع من البشر، ولكن بعض الدراسات رجحت أن عيونه الكبيرة كانت أحد الأسباب لانقراضه.

يعود تاريخ أقدم مستحاثات النياندرتال في أوروبا إلى ما بين 450000 و 430000 عامًا، توسع النياندرتال بعد ذلك في جنوب غرب ووسط آسيا. يعرف النياندرتال من خلال العديد من المستحاثات وكذلك مجموعات الأدوات الحجرية. تدعى كل التجمعات التي تقل أعمارها عن 160000 سنة حضارة موستيرية، والتي تتميز بأدوات مصنوعة من رقائق الحجر.

كان النياندرتال ذوي بنية ضخمة مقارنة بالإنسان الحديث، وامتلكوا أرجل أقصر وأجساد أكبر. وكان ذلك على الأرجح تكيفًا للحفاظ على الحرارة في المناخات الباردة بحسب قاعدتي بيرجمان وآلن. امتلك ذكور وإناث النياندرتال قحف جمجمة بلغ متوسط حجمه 1600 سم مكعب للذكور (98 إنش مكعب) و 1300 سم مكعب للإناث (79 انش مكعب). وهي ضمن نطاق قيم الإنسان الحديث. بلغ متوسط طول الذكور نحو 164 إلى 168 سم (65 إلى 66 إنش) وطول الإناث 152 إلى 156 سم (60 إلى 61 إنش).


في تقرير جديد تم نشره مؤخرا على منصات التواصل ألإجتماعي يفيد بالقول ان عماء اَثار من معهد تاريخ الحضارة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في مقاطعة بريانسك عثروا على سكين من حجر الصوان تعود لإنسان النياندرتال عمرها 75000- 80000 عام.

ويشير أندريه بولياكوف مدير المعهد، إلى أن السكين الذي عثر عليه العلماء خلال عمليات الحفر الجارية على ضفاف نهر “دِسنا” في مقاطعة بريانسك مصنوع من مادة غير متوفرة في المنطقة، ما يساعد على معرفة مدى حركة وهجرة إنسان النياندرتال وكيف كانت مجتمعاتهم تتواصل فيما بينها في مناطق مختلفة من أوروبا الحالية.

ويقول: “اكتشفنا سكينا واحدا مصنوعا من مادة مختلفة، فهي ليست من السيليكون المحلي. وسوف ندرس ونحاول تحديد من أين جلب، وهذا دليل مهم فعلا وسيساعد على معرفة مدى قدرة إنسان النياندرتال على الحركة، وما هي المسافات التي كانوا يقطعونها لأجل تواصل تجمعاتهم المختلفة التي كانت مثلا تعيش في روسيا وألمانيا”.

الاسم والتصنيف

سمي النياندرتال نسبة لأحد المواقع الأولى التي اكتُشفت فيها أحافيرهم في منتصف القرن التاسع عشر في وادي نياندر شرق مدينة دوسلدورف في ولاية الراين بمملكة بروسيا (تدعى الآن شمال الراين – وستفاليا في ألمانيا الحالية). سمي الوادي بهذا الاسم نسبة ليواخيم نياندر.

كانت مستحاثة النياندرتال الأولى تعرف باسم (جمجمة نياندرتال) في مؤلفات علم التشكل، وكان تمثيل الجسد الذي أعيد تشكيله على أساس الجمجمة يسمى أحيانًا رجل النياندرتال. اقُترح اسم إنسان النياندرتال الذي وسع شمولية اسم رجل النياندرتال من السمة الفردية للمستحاثة إلى المجموعة بأكملها لأول مرة من قبل عالم الجيولوجيا الإيرلندي وليام كينج في ورقة تلاها أمام الجمعية البريطانية في عام 1863.

تباينت آراء العلماء منذ اكتشاف مستحاثات النياندرتال حول ما إذا كان ينبغي اعتبار النياندرتال نوعًا منفصلاً (إنسان النياندرتال) أو نوعا فرعيًا (إنسان النياندرتال العاقل) متعلقا بالإنسان العاقل. وصف سفانت بابو في عام 2014 هذه الخلافات التصنيفية بأنها غير قابلة للتسوية من حيث المبدأ «لأنه لا يوجد تعريف للأنواع يصف الحالة تمامًا.» [5] يعتمد السؤال على تعريف الإنسان العاقل باعتباره نوع زمني، والذي كان أيضًا في تغير دائم طوال القرن العشرين. طرح الأشخاص الذين فضلوا تصنيف النياندرتال كنوع فرعي اسم (فرع الإنسان العاقل) على سكان أوروبا الاوائل الذين عاشوا في أوروبا خلال نفس الوقت الذي عاش فيه النياندرتال، بينما يستخدم الأشخاص الذين يفضلون تصنيف النياندرتال كنوع منفصل اسم الإنسان العاقل للدلالة على الإنسان الحديث.

كانت النظرة السائدة عن إنسان النياندرتال خلال بداية القرن العشرين متأثرة بآراء آرثر كيث ومارسيلين بول والتي تميل إلى المبالغة في تقدير الاختلافات التشريحية بين إنسان النياندرتال والإنسان الأوروبي الحديث الأول. أكدت عمليات إعادة التشكيل لهيكل النياندرتال ابتداءً من ثلاثينيات القرن العشرين على التشابه وليس الاختلافات عن البشر المعاصرين. كان من الشائع بشكل كبير خلال أربعينيات وحتى سبعينيات القرن العشرين استخدام اسم التصنيف الفرعي لإنسان النياندرتال العاقل أكثر من الإنسان العاقل. تمت صياغة فرضية (تعدد المصادر) للإنسان الحديث في الثمانينيات بناءً على هذه الأسس، حيث اقترحت وجود سلسلة من المواقع الأحفورية في كل من أوروبا وآسيا. واقتُرح حدوث تهجين بين النياندرتال والإنسان الأوروبي الحديث الأول بناء على أسس الهياكل العظمية منذ أوائل القرن العشرين، ووجدت هذه الفكرة دعمًا متزايدًا في أواخر القرن العشرين حتى عُثر على دليل تهجين النياندرتال في جينات الإنسان الحديث في عام 2010.

ظهر الإنسان المنتصب منذ حوالي 1.8 مليون سنة وبقي موجودًا لوقت طويل في أنواع فرعية مختلفة في جميع أنحاء أوراسيا.
يقدر وقت التباعد بين النياندرتال والإنسان العاقل بين 80000 و 400000 عام. اقترح هذا الوقت انديكوت في عام 2010 وريوكس في عام 2014.

نتج الاختلاف بين الإنسان العاقل العريق القديم وأسلاف النياندرتال والدينيسوفان عن ظاهرة عنق الزجاجة السكانية الأخيرة التي جرت منذ 744000 عامًا، إلى جانب أحداث اختلاط متكررة، وانفصال الدينيسوفان عن إنسان النياندرتال بعد 300 جيل حسب العالم روجرز وآخرون في عام 2017.

اعتًقد أن إنسان هايدلبيرغ الذي يرجع تاريخه إلى ما بين 600000 إلى 300000 عام كان سلفًا مشتركًا للنياندرتال والإنسان الحديث. ومع ذلك يبدو أن الأدلة الوراثية المأخوذة من حفريات كهوف سيما دي لوس هويسوس والتي نشرت في عام 2016 تشير إلى أن إنسان هايدلبيرغ يجب أن يُدرج في سلالة النياندرتال تحت اسم (ما قبل النياندرتال) أو (النياندرتال الأولي)، ويعود وقت التباين بين النياندرتال والسلالات الحديثة إلى ما قبل ظهور إنسان هايدلبيرغ (نحو 600000 إلى 800000 سنة) وهو العمر التقريبي لإنسان السلف.

إن سبب التباينات التصنيفية بين إنسان هايدلبيرغ والنياندرتال هي الفجوة الأحفورية في أوروبا بين 300000 و 243000 عام مضت. يعود النياندرتال بحسب ما هو متفق عليه إلى ما بعد هذه الفجوة. يزداد غنى السجل الأحفوري بشكل كبير منذ 130000 سنة وحتى الآن. تشكل العينات الأحدث من ذلك التاريخ النسبة الأكبر من الهياكل العظمية المعروفة للنياندرتال وهي العينات الأولى التي تمت دراستها تشريحيًا بشكل كامل. يمكن استخدام مصطلح (النياندرتال التقليدي) في الدراسات الشكلية للدلالة على مجموعة النياندرتال الذين تقل أعمارهم عن 71000 سنة.

كان أبناء “النياندرتال” Neanderthal مهددين بالانقراض فعلاً عندما هاجر أسلافنا البشر الحديثون الأوائل إلى أوروبا منذ نحو 45 ألف عام مضت. بعد مرور خمسة آلاف عام ونيف، لم يتبقَّ أي إنسان من النياندرتال على وجه المعمورة. صحيح أننا لن نعرف أبداً ما إذا كنا نتحمل مسؤولية مباشرة عن انقراض أقرب أقربائنا القدامى، ولكن ربما من الأسلم أن نفترض أننا بريئون من المصير الذي آلوا إليه.

منذ اكتشاف رفات لهم في “وادي نياندر” قرب دوسلدورف بألمانيا في 1856، التصقت بالنياندرتال صورة نمطية سيئة إلى حد ما. أقرب أقربائنا الذين جرت العادة على وصفهم بأنهم قردة إنما أكثر تطوراً منها بعض الشيء، يُعتقد الآن أن قواسم مشتركة كانت تجمعهم بنا أكثر بأشواط مما كان يُعتقد سابقاً. أظهرت اكتشافات عدة أن أقاربنا هؤلاء كانوا صيادين متمرسين ومتطورين جداً استطاعوا أن يصنعوا أدوات وجواهر. في الواقع، يبدو جينوم الإنسان الحديث ونظيره لدى إنسان نياندرتال متطابقين بنسبة 99.7 في المئة، في حقيقة لا ينبغي أن تبعث على مفاجأة كبيرة نظراً إلى أننا نتشارك في سلف مشترك عاش في أفريقيا قبل نصف مليون سنة فقط. من الناحية التطورية، تعتبر هذه الفترة الزمنية أشبه برفة عين.

بعد الانفصال عن سلفنا المشترك، بقيت السلالة التي أفضت إلى الإنسان العاقل (“هومو سابينس” Homo sapiens) موجودة في أفريقيا حتى وقت قريب نسبياً، بينما شكل أسلاف النياندرتال جزءاً من موجة مبكرة من الهجرة إلى أوراسيا. وعندما التمّ شمل النوعين في نهاية المطاف في أوروبا، قبل 45 ألف عام مضت، لا يملك المرء إلا أن يتساءل عما إذا كان النياندرتال قد استهانوا بجيرانهم الجدد، تلك القرود الضعيفة التي كانت أكثر طولاً ونحافة وتهذر فيما بينها بلغة غير مفهومة.

كان النياندرتال يفوقوننا قوة بأشواط. كان جهازهم العضلي على درجة عالية جداً من التطور إلى حد أن بقايا هيكلهم العظمي تبدو أحياناً متقوسة تحت ثقل الوزن. بدا وجههم منسحباً أكثر إلى الأمام نتيجة أنفهم البارز، ويعتقد أنه تكيف تطوري مصمم بغرض تدفئة الهواء الذي يستنشقونه بغية تمكينهم بشكل أفضل من العيش في المناخات الباردة. كذلك تشبه أجسادهم الممتلئة وأذرعهم وأرجلهم القصيرة بنية البشر المعاصرين الذين يسكنون الأصقاع المرتفعة من المنطقة القطبية الشمالية، إذ يحتمل أن كليهما استطاع أن يتأقلم على العيش في تلك الأماكن من خلال المساحة السطحية المحدودة للجسم والحفاظ على حرارته في البيئات الباردة.

كونهم سكنوا مناطق واقعة على خطوط العرض الشمالية، لحقبة زمنية أطول بخمس مرات مقارنة بالأوروبيين الشماليين المعاصرين، طور النياندرتال على الأرجح سمات تكيفية أخرى أيضاً تمثلت في العينين الزرقاوين أو الخضراوين والبشرة الفاتحة اللون والشعر الأشقر. ليس مستبعداً أيضاً أنهم أمضوا وقتاً أطول كثيراً في الصيد مقارنة بجمع الطعام؛ إذ يكشف تحليل كيماوي لعظامهم عن مستويات عالية جداً من نظائر الكربون والنيتروجين، التي تشكل سمة واضحة لدى الحيوانات في أعلى طائفة أكلة اللحوم، وعادة ما توجد هياكل عظمية لحيوانات متكدسة قرب مواقع للنياندرتال.

يُعتقد أن النياندرتال كانوا مفترسين متمرسين اعتمدوا المباغتة طريقة لاصطياد فرائسهم، إذ كانوا قادرين على التعاون والتفكير بشكل استراتيجي لقتل ماموث صوفي مثلاً، في حين تظهر عملية إعادة تركيب قناتهم الصوتية أنهم كانوا يملكون 25 في المئة في أقل تقدير من القدرة الصوتية التي يتمتع بها الإنسان المعاصر، أي إنها كانت أكثر من كافية لصياغة لغة بدائية فاعلة.

تميز النياندرتال بحافة حاجبين سميكة وكان منخارا الأنف لديهم كبيرين، لكن الانخفاض المميز في عظم مؤخرة الجمجمة يعتبر الخاصية الجلية التي تحدد هويتهم، وطوال مئات الآلاف من السنين، امتد شعب النياندرتال من شمال ويلز عبر أوراسيا إلى سيبيريا، وحتى إلى حدود الصين الحديثة.

إذن، أين ساءت الأمور بالنسبة إلى النياندرتال؟ نظراً إلى أن مواقع الكهوف التي كانوا يؤثرون اتخاذها أماكن للعيش ملائمة تماماً لحفظ العظام، يوفر كل اكتشاف أثري جديد أدلة إضافية يضمها الخبراء إلى سجل الحفريات الذي يحتوي حتى الآن على بقايا تعود إلى أكثر من ألف فرد من النياندرتال، ما يمنحنا لمحة محيرة عما قد يكون تسبب في أفول النياندرتال.

من المستبعد أن انقراض النياندرتال كان حدثاً منفرداً، بل عملية معقدة تنطوي على عوامل متعددة تحدث تدريجياً عبر آلاف السنين. شهدت أجزاء متنوعة من أوروبا اندثار هذا النوع في أزمان مغايرة ولأسباب محلية تباينت باختلاف الأمكنة.

  سكين
سكين

ولكن مع ذلك، يعد تغير المناخ العامل الأكثر أهمية على الأرجح في أفول النياندرتال. انخفاض مفاجئ في درجة الحرارة طرأ على الكوكب منذ نحو 50 ألف عام أدى ربما إلى اضطراب النظام الإيكولوجي وأجهد مجموعات الثدييات المتوسطة إلى الكبيرة التي اصطادها النياندرتال. ومنذ ذلك الوقت، تزامنت موجات البرد الهائلة التي استمرت نحو ألف سنة مع الانقراض التدريجي لأقربائنا القدامى.

يبدو أن المجموعات السكانية من النياندرتال تقلصت في أعدادها وتراجعت في وجودها إلى مناطق نائية من الصعب الوصول إليها سعياً منها إلى البقاء على قيد الحياة. كنوع حي، يُعتقد أن النياندرتال كانوا يفرطون في الاعتماد على نظام غذائي لاحم محدود، وأن عجزهم المفترض على تطويع أساليب صيدهم قد قاد إلى فنائهم.

ولكن لماذا لم يكن النياندرتال قادرين على التكيف مع التحديات البيئية الجديدة، خلافاً لأسلافنا من البشر الحديثين الأوائل الذين اكتشفوا طرائق للبقاء على قيد الحياة؟ على الرغم من أن أقرباءنا القدامى قد تمكنوا من استخدام الأحجار والاستفادة منها، لا تحمل الأدوات الحجرية المكتشفة في مواقع عمرها مئات آلاف السنين سوى علامات قليلة من التقدم التقني، ما يعزز نظرية مفادها أنهم ربما لم يكونوا مبتكرين أفذاذاً.

مر أسلافنا من الإنسان العاقل في أفريقيا بالفترة عينها من الركود والفتور منذ نحو 100 ألف عام مضت تقريباً عندما شهدوا “ثورة معرفية” أو “قفزة فكرية كبيرة إلى الأمام”. ربما يرجع ذلك في جذوره إلى تقدم مفاجئ شهدته قدراتهم اللغوية والمفاهيمية.

قدم ستيفن شينان، عالم في الآثار في “كلية لندن الجامعية”University College London ، اقتراحاً مفاده أن وتيرة الابتكارات الثقافية قد تسارعت بدرجة كبيرة عندما أخذ أسلافنا الحديثون الأوائل يعيشون ضمن مجموعات أكبر تطلبت مهارات اجتماعية ومعرفية متقدمة، ويدعم هذا الرأي بحث من إعداد روبن دنبار، عالم الأنثروبولوجيا في “جامعة أكسفورد” University of Oxford.

أثبت بحث دنبار أن أنواعاً مختلفة من الرئيسيات تحوي العدد الأمثل من الأعضاء قبل أن تبدأ التراتبية والعلاقات في التداعي، وتنقسم حينها المجموعات إلى فرق متنافسة. اشتهر دنبار بتبيانه أن البشر المعاصرين في وسعهم أن يحافظوا على علاقات مستقرة مع 150 شخصاً، ولهذا السبب نجد أنه الحجم الأمثل بالنسبة إلى الشركات ذات الكفاءة، والقرى الريفية، والوحدات العسكرية الفاعلة، وشبكات التواصل الاجتماعي الشخصية.

بالنسبة إلى أسلافنا من البشر الحديثين الأوائل، كانت المجتمعات التي تضم 150 فرداً لتمنحنا قوة هائلة، ولكن وفق دنبار، اُستمدت قوتنا الحقيقية من الطريقة التي تطورت بها لغتنا كي نتتبع ونتشاطر المعلومات المفيدة عن أصدقائنا وخصومنا. ترى “نظرية اللغو”gossip theory  أن تطور اللغة البشرية تكيف تطوري لسرد القصص. ساعد اللغو على تماسك مجموعات أكبر من البشر، ولكنها ولدت أيضاً الخيال والإبداع الفني، والأهم من ذلك القدرة على مناقشة أمور لا تحصل أمام أعيننا مباشرة.

يوفال نوح هراري يستخدم في كتابه “العاقل” Sapiens الأكثر مبيعاً “نظرية اللغو” التي وضعها روبن دنبار كي يشير إلى أن السمة الإنسانية المتميزة المتمثلة في سرد القصص والتفكير المجرد قد سمحت لنا حقاً بوراثة الأرض.

الانسان القديم
الانسان القديم

بالنسبة إلى أسلافنا من البشر الحديثين الأوائل، كانت المجتمعات التي تضم 150 فرداً لتمنحنا قوة هائلة، ولكن وفق دنبار، اُستمدت قوتنا الحقيقية من الطريقة التي تطورت بها لغتنا كي نتتبع ونتشاطر المعلومات المفيدة عن أصدقائنا وخصومنا. ترى “نظرية اللغو”gossip theory أن تطور اللغة البشرية تكيف تطوري لسرد القصص. ساعد اللغو على تماسك مجموعات أكبر من البشر، ولكنها ولدت أيضاً الخيال والإبداع الفني، والأهم من ذلك القدرة على مناقشة أمور لا تحصل أمام أعيننا مباشرة.

يوفال نوح هراري يستخدم في كتابه “العاقل” Sapiens الأكثر مبيعاً “نظرية اللغو” التي وضعها روبن دنبار كي يشير إلى أن السمة الإنسانية المتميزة المتمثلة في سرد القصص والتفكير المجرد قد سمحت لنا حقاً بوراثة الأرض.

يرى هراري أن الخيال والخرافة يشكلان الأساس الجوهري للأفكار التي يمكن أن تخترق عتبة دنبار البالغة 150 شخصاً، وتحويل المجتمعات البشرية المنفصلة إلى ثقافة معقدة تشترك في الابتكار فيما بين القبائل، وشبكات التجارة البالغة الأهمية، والأديان، وفي النهاية الدول القومية التي يسكنها ملايين أو حتى بلايين الناس:

يكتب هراري أنه “مع ذلك، أي من تلك الأمور غير موجودة خارج القصص التي يخترعها الناس ويتناقلونها بين بعضهم بعضاً. لا آلهة في الكون، ولا أمم، ولا مال، ولا حقوق إنسان، ولا قوانين ولا عدالة خارج التصور المشترك للبشر.”

كذلك يشير دليل مؤكد إلى أن البشر المعاصرين الأوائل قد طوروا فعلاً شبكات تجارية بعيدة المدى، كانت تحميهم من المجاعة عندما يتهدد بقاءهم نقص مفاجئ في الغذاء لا يمكن التنبؤ به.

على النقيض من ذلك، قبل وصول البشر الحديثين الأوائل، يبدو أن أوروبا كانت مأهولة بمجتمعات صغيرة جداً ومشتتة ومعزولة من النياندرتال، ما يفسر حالات التأخير التي شابت تقدمهم التقني.

كذلك أسفرت التطورات الحديثة التي شهدها تحليل الحمض النووي من نوع الـ”دي أن أي” (الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأوكسجين) لبقايا النياندرتال عن نتائج بالغة الدلالة. تعود عظام عثر عليها في كهف كرواتي في ثمانينيات القرن العشرين إلى أنثى من النياندرتال عاشت قبل 52 ألف عام، لكنها كانت متشابهة جينياً بشكل مذهل مع أنثى نياندرتال أخرى سكنت سيبيريا قبل 122 ألف عام. حقيقة أن امرأتين من النياندرتال فصل بينهما نحو من 4000 ميل و70 ألف سنة قد جمعت بينهما صلة وثيقة أيضاً تدعم النظرية القائلة بأن الانخفاض في التنوع الجيني لدى النياندرتال قد أسهم في انقراضهم.

في المقابل، وجدت دراسة حديثة نهضت بها جامعة الدنمارك أن جينومات البشر المعاصرين الأوائل كانت أكثر تنوعاً من الناحية الجينية، ما يدعم النظرية القائلة بأن البشر القدامى عاشوا في مجتمعات شبكية كبيرة جداً ساعدتهم على تبادل الشركاء في العلاقة الجنسية، والجينات، والأفكار على نحو منتظم.

وبفضل تنوعهم الكبير، تمتع البشر المعاصرون الأوائل بقدرة أكبر على مقاومة الأمراض المعدية، وكانوا أكثر نجاحاً بشكل عام كنوع حي. على ما يبدو، كان سِفاح القربى محرماً في ثقافة هؤلاء، في حين تكشف جينومات النياندرتال عن معدلات عالية جداً من التزاوج بين الأقارب الذي اقتضاه ميلهم إلى العيش في مجتمعات منعزلة.

يعتقد معظم علماء آثار الأنثروبولوجيا أن النياندرتال كانوا قادرين على استخدام لغة متطورة إلى حد ما، لكن انعزالهم الثقافي يشير إلى أنهم كلما كانوا يلتقون بمجموعات أخرى من النياندرتال، كانت حواجز اللغة تحول دون انتشار شبكاتهم المجتمعية.

ولكن ليس ميلنا إلى التواصل وحده ما منح أسلافنا امتيازاً. حدثت تغيرات كمية في أدمغة أسلافنا خلال “الثورة الإدراكية” في أفريقيا، ما جعلهم أكثر أهبة للبقاء على قيد الحياة في بيئات عدائية.

أدمغة النياندرتال التي تطورت على نحو مستقل في أوروبا، حملت فصوصاً جدارية ومخيخاً أقل تطوراً، ومناطق ضالعة في استخدام الأدوات، والإبداع، وحل المشكلات، وتصور مفاهيم عالية المستوى، ولذا فمن المحتمل أن أسلافنا تمكنوا من النجاة من تحديات تغير المناخ لأنهم كانوا مبتكرين واسعي الحيلة.

ربما لا تبدو الحياكة تقنية ثورية، لكن المهارات المرتبطة بها من قبيل الغزل مكنتنا من صنع الشباك والفخاخ والمصائد التي سمحت للشبان وكبار السن في المجتمعات البشرية الحديثة المبكرة بمطاردة الثدييات الصغيرة وجلب مجموعة واسعة جداً من الأطعمة الغنية بالبروتين.

الصين تشهد تسجيل 3 إصابات بـ”الموت الأسود”

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد