وجه رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، اليوم الاثنين، بمتابعة جميع الإجراءات المتعلقة بشأن مناشدة أسرة الكاتب والمؤرخ “علي الوردي” ورغبتهم في تحويل الدار إلى صرح ثقافي.
وقال الناطق باسم محمد شياع السوداني ، اللواء يحيى رسول، في بيان خاص ، أنه “العراق يحظى بمجموعة متميزة ونخب علمية أكاديمية يشار لها بالبنان في مختلف دول العالم من بينها المؤرخ والكاتب علي والوردي”.
وأشار البيان إلى أن السوداني تابع باهتمام كبير مناشدة عائلة الدكتور الوردي واستجابة لها، ووجه الأجهزة المختصة بالعمل على اخلاء دار الدكتور التي يسكنها احد المواطنين في منطقة الكاظمية ببغداد ويرفض اخلائها، اذ شرعت قوة من اللواء الثامن بالشرطة الاتحادية واستخبارات اللواء ذاته والشرطة المحلية والمنفذ العدلي بإخلاء الدار، وابلاغ أسرة الكاتب الوردي بإستلام هذه الدار”.
ووجه السوداني، وفق البيان، “بمتابعة جميع الإجراءات المتعلقة بشأن مناشدة أسرة الكاتب والمؤرخ على الوردي رحمة الله تعالى عليه ورغبتهم في تحويل الدار إلى صرح ثقافي”.
على الوردي
علي الوردي عالم اجتماع عراقي، مؤرخ وأستاذ جامعي اتّسمت أفكاره بالموضوعية، حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة تكساس بأمريكا، وله الكثير من الأبحاث والمؤلفات في قسم علم الاجتماع بجامعة بغداد.
سار علي الوردي على منهج ابن خلدون، فكانت أفكاره بعيدة عن المناهج المادية والقومية.
حياته الدراسية والعلمية
تخرج في كلية جامعة بيروت الأمريكية في عام 1943.
حصل على الماجستير عام 1948م، من جامعة تكساس الأمريكية.
حصل على الدكتوراه عام 1950م، من جامعة تكساس الأمريكية.
قال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: (أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع).
المواقع والمناصب التي شغلها
عام 1943 عين في وزارة المعارف مدرسا في الاعدادية المركزية في بغداد. عين مدرسا لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغدادعام 1950، أحيل على التقاعد بناء على طلبه ومنحته جامعة بغداد لقب (أستاذ متمرس) عام 1970.
كتب وألف العديد من البحوث المهمة والكتب والمقالات ولم يلتفت إلى مستقبله الشخصي، وإنما كانت حياته معاناة وتعب واجتهاد واختلف مع الحكام في بعض الأمور، وفي هذه المعاناة وحدها رأى المستقبل يصنع بين يديه.
كتب عنه: سلامة موسى، عبد الرزاق محيي الدين، ومئات الصحف والموسوعات والكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه، ومنذ أواخر السبعينات انشغل بكتابة مذكراته لإخراجها في كتاب.
تأثره بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع
كان الوردي متأثرا بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع. فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له، لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي ولم يتبع الأيدولوجيات (الأفكار) القومية فقد آثار هذا حنق متبعي الأيدولوجيات فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية لأنه عنون كتابه«شخصية الفرد العراقي» وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. وكذلك انتقده الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.
تحليلاته في بنية المجتمع العراقي الحديث
تعتبر دراسة علي الوردي للشخصية العراقية هي الأهم من نوعها ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان الشرق الأوسط.
حلل علي الوردي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بلد يسمح ببناء حضارة بسبب النهرين ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا.
وصف علي الوردي العراق بالبوتقة لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم بالاستقرار والتحضر. فتنشئ لديهم قيمتان: قيمة حضرية وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة. ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.
حلل أغلب مناطق العراق ما عدا المناطق الكردية في العراق بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب قوله في كتاب «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي». بالإضافة إلى تأثر الدكتور الوردي بابن خلدون فلا ننسى تأثره أيضا بالجاحظ في نظرته الموضوعية ومنهجه العقلاني وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.
كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات. خمس كتب منها قبل ثورة 14 تموز 1958 وكانت ذات أسلوب ادبي -نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القارئ العراقي ولذلك واجهت افكاره واراءه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة وبخاصة كتابه «وعاظ السلاطين» الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الافلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وأن الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما اكد بانه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه.
ومما يروى عن الاستاذ حسين علي محفوظ حيث سأل في أواخر أيامه عن صديقه ورفيق دربه عالم الاجتماع علي الوردي بوصفه لم يكن قريبا للعلامة الراحل فقط بل كان رفيق درب في التعليم والثقافة والتأليف والمدينة أيضا، هل كان الوردي علمانيا غير متدينا؟ وماذا يتذكر عنه؟، فأجاب محفوظ قائلا: (عند الوردي خصلة اتمنى ان يمتلكها الجميع وهو انه لا ينزعج من النقد ولا يكره احدا بل كان يفرح عندما ينتقده أحد.. فهو كان مؤمنا بالله قطعا.. لكنه يتجاوز الولاء للهويات الضيقة.. كان يثير الناس لينتقدوه. وكان له عالمه الخاص به.. أنا لا اعتقد أنه لم يكن يصلي.. ربما يكون متهاونا بالفرائض.. ولكن أتذكر عندما كان يمشي على الجسر يقرأ من القرآن الآية:(والليل إذا سجى) دائما كدلالة على علاقته بالله).
اما الكتب التي ألفها وصدرت بعد ثورة 14 تموز 1958م فقد اتسمت بطابع علمي ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي وفي مقدمتها كتابة دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ومنطق ابن خلدون ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الذي صدر في ثمانية اجزاء.
كانت معظم طروحات الوردي التي ملأت كتبه والتي يلقيها في محاضراته تزعج السلطة الحاكمة، الأمر الذي دعا بها إلى التضييق عليه تدريجيا، ابتداءً من سحب لقب أستاذ متمرس، ووصولا إلى سحب معظم كتبه من المكتبات وحظرها بداعي ما اسموه «السلامة الفكرية»، ومرورا بمحاولات تهميشه وافقاره ماديا وهو ما آل اليه حاله. حيث مات منسيا في شهر تموز عام 1995، بسبب المرض رغم العلاج الذي تلقاه في المستشفيات الأردنية. وقد اقيم له تشييع محتشم غاب عنه المسؤولون وجازف من حضر من المشيعين.
لقد استفاد الوردي من طروحات ابن خلدون كثيرا واعتبره منظراً حقيقياً ودارساً متمعناً للمجتمع العربي في تلك الفترة، وكان ابن خلدون موضوع اطروحته للدكتوراه. وكان الوردي أول من دعا إلى «علم اجتماع عربي» يدرس المجتمع العربي في ضوء خصوصياته الجغرا- ثقافية، انطلاقا من طروحات ابن خلدون. وركز الوردي على عامل البداوة وقيمها وأثرها في تكوين الشخصية العربية.
لقد تنبأ الوردي بانفجار الوضع مثلما تنبه إلى جذور العصبيات التي تتحكم بشخصية الفرد العراقي التي هي واقع مجتمعي تمتد جذوره إلى القيم والأعراف الاجتماعية والعصبيات الطائفية والعشائرية والحزبية التي ما زالت بقاياها كامنة في نفوسنا. وكذلك إلى الاستبداد السلطوي، الزمني والتزامني، الذي شجع وما يزال يشجع على إعادة إنتاج الرواسب الاجتماعية والثقافية التقليدية القديمة وترسيخها من جديد، كما يحدث اليوم.
كما حمل بشدة في معظم طروحاته على أسلوب الخطابة والحماسة الكلاسيكي الذي مجد الذات وأعلى شانها دون النظر إلى سلبياتها وهوانها وهو ما درجت عليه النخب وانتشرت حتى لدى المثقفين.
لم يثر كاتب أو مفكر عراقي مثلما أثاره علي الوردي من أفكار نقدية جريئة. وكان من البديهي أن يتعرض للنقد والتجريح والهجوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (حيث صدرت حول أفكاره خمسة عشرة كتابا ومئات المقالات)، حتى انطبق عليه المثل العراقي المعروف «مثل السمك مأكول مذموم»
رؤيته الاجتماعية للفرد العراقي
كان علي الوردي أول عالم اجتماع عراقي درس شخصية الفرد العراقي وطبيعة المجتمع العراقي بجرأة وصراحة وحلل الظواهر الاجتماعية الخفية والسلوكيات الفردية والجمعية ووجه الاهتمام إلى دراستها وتحليلها ونقدها. وهو بهذا دفعنا إلى إعادة النظر في خطابنا الفكري والاجتماعي والسياسي وإلى ضرورة ان ننزل من ابراجنا العاجية وان نعي واقعنا بكل ايجابياته وسلبياته.
فقبل أكثر من نصف قرن قال على الوردي بان على العراقيين ان يغيروا انفسهم ويصلحوا عقولهم قبل البدء بإصلاح المجتمع، لان التجارب القاسية التي مر بها الشعب العراقي علمته دروسا بليغة، فاذا لم يتعظ بها فسوف يصاب بتجارب اقسى منها.! وعلى العراقيين ان يتعودوا على ممارسة الديمقراطية حتى تتيح لهم حرية الرأي والتفاهم والحوار دون أن تفرض فئة أو قبيلة أو طائفة رأيها بالقوة على الاخرين. كما قال: «بان الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية، وعلى العراقيين ان يعتبروا من تجاربهم الماضية، ولو فلتت هذه الفرصة من ايدينا لضاعت منا امدا طويلا.» لقد صدق علي الوردي، فالعراق اليوم يقف في مفترق طرق، وليس امامه سوى ممارسة الديمقراطية (الحقيقية) حتى في ابسط اشكالها وآلياتها، فهي الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة العصيبة.
وفاته
توفي علي حسين الوردي في 13 تموز 1995 بعد صراع مع مرض السرطان، ولم يتمكن الأطباء من معالجته لافتقار المستشفيات العراقية آنذاك إلى الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، حيث سافر إلى الأردن ليتلقى العلاج في مدينة الحسين الطبية وبعدها عاد إلى العراق ليقضي نحبه فيه.
و قد كتب احدهم في وقتها مقالة اتهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بقتل الوردي بسبب الحصار الظالم التي فرضته على العراق مما شح معه من الغذاء والدواء.
علي الوردي.. قنطرة المرور إلى التنوير
تعرض الوردي إلى التضييق من جانب السلطات الحاكمة في بغداد، فبدأ التضييق بسحب لقب “أستاذ متمرس” وصولًا إلى سحب معظم كتبه من المكتبات بداعي “السلامة الفكرية”، ومرورًا بمحاولات تهميشه وإفقاره ماديًا وهو ما انتهى إليه، فقد مات منسيا في تموز/يوليو 1995 بسبب المرض رغم العلاج الذي تلقاه في المستشفيات الأردنية، وقد أُقيم له تشييع محتشم غاب عنه المسؤولون وجازف من حضر من المشيعين. (1)
ويجدر بنا هنا ونحن نذكر التضييق المُمَارَس على الوردي من جانب السلطات العراقية، أن نذكر رسالة الوردي إلى رئيس جامعة بغداد آنذاك، وهو الدكتور طه تايه النعيمي بشأن سحب لقب “أستاذ متمرس”:
(سيدي رئيس الجامعة: إني قد أُحِلت على التقاعد من الجامعة بناء على طلبي في عام 1970، وقد منحتني الجامعة في حينه لقب “أستاذ متمرس” كما وصلني من رئيس الجامعة كتاب سَجّل فيه تقديره وتقدير الجامعة لي بعبارات لا زلت أعتز بها. ولكني في السنوات الأخيرة علمت أن بعض المسؤولين في الجامعة وغيرها لا يرضون عن منحي هذا اللقب، أو هم ينكرون وجوده… سيدي رئيس الجامعة: إني لا يهمني أن أكون أستاذا متمرسًا أو متقاعدًا، فَهُما سيّان في نظر من هو مثلي يعيش أيامه الأخيرة. ولكن الذي يهمني هو أن أعرف الحقيقة في هذا الصدد… فالرجاء منك تبيان الحقيقة لي لكي أُعلن ذلك للقراء فلا يبقون مخدوعين بي. والله الساتر على كل حال. علي الوردي 14 / 9 / 1989) (2)
الفرضيات الثلاث:
حاول الوردي تفسير المجتمع العراقي على ضوء فرضيات ثلاث: صراع البداوة والحضارة، التناشز الاجتماعي، ازدواج الشخصية. سنتناول الآن هذه الفرضيات بإيجاز.
1ـ صراع البداوة والحضارة: يتضح هذا الصراع بأجلي مظاهره في العراق كما ذكر الوردي، فالعراق هو “بلد هابيل وقابيل” بحسب المؤرخ المعروف آرنولد توينبي، وهذا هو الذي جعل المجتمع العراقي عُرضَة لمد البداوة وجزرها على توالي العصور، يأتيه المد البدوي تارة وينحسر عنه تارة أخرى حسب تفاوت الظروف. وأطول فترة سيطر فيها المد البدوي على العراق، كما احتمل الوردي، هي الفترة الأخيرة التي بدأت بسقوط الدولة العباسية أو قبلها بقليل، لتستمر لستة قرون.
2ـ التناشز الاجتماعي: جاءت الحضارة الحديثة إلينا بأفكار ومبادئ وقيم تناقض عاداتنا الاجتماعية القديمة، مثلًا: جاءت بمبادئ المساواة والعدالة والديمقراطية والحرية والوطنية، وهذه لا تنسجم في حقيقة أمرها مع قيم العصبية والقرابة والجيرة والنخوة والدخالة وحق الزاد والملح. جاءتنا هذه الأفكار الحديثة من طُرقٍ متعددة، المدارس والأحزاب والحفلات والمظاهرات والصحف والكتب والإذاعات والتمثيليات، فحفظناها بسرعة لأنها تلائم ما نشعر به من طموح أو نتحسس به من آلام، ولكننا حين فعلنا ذلك لم نستطع أن نُغير عاداتنا الاجتماعية التي نشأنا عليها بمثل هذه السرعة التي غيّرنا بها أفكارنا.
3ـ ازدواج الشخصية: تعني أن يسلك الإنسان سلوكًا متناقضًا دون أن يشعر بهذا التناقض في سلوكه أو يعترف به، وهو ينشأ عن وقوع الإنسان تحت نظامين متناقضين من القيم أو المفاهيم. وينتشر الازدواج في البيئات الدينية المتزمتة التي تُكثِرُ من الوعظ، إذ يتأثر الشخص بالوعظ ظاهرا، لكنه يسير في حياته حسب القيم المحلية المناقضة للتعاليم الدينية كل المناقضة. (3)
توجد حادثة طريفة عن ازدواج الشخصية، يجدر بنا أن نُثبتها في هذه الدراسة:
يقول الأستاذ سلام الشَمّاع: (أجرت الصحفية الأمريكية كريستين هيلمز حوارًا مطوّلًا مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وكان أن سألته عن ازدواجية الشخصية العراقية، فنفى بشدة أن يكون الإنسان العراقي مزدوج الشخصية، فردت عليه بأن بروفيسورًا عراقيا هو الدكتور علي الوردي يرى غير ذلك. وبعد نشر المقابلة في الصحف سُئِل الوردي عن رأيه بوجهة نظر الرئيس فنفى أن يكون هناك أي تناقض بين الرأيين، فالرئيس حسب رأي الوردي ينظر إلى الأمر من وجهة نظر القائد السياسي، بينما هو فينظر إليه من وجهة نظر علمية محضة(4) وانتهى المأزق الذي وقع به الوردي!
الشيعة والسُنة:
هذه القضية “شائكة” إلى أقصى حد برأي الوردي، فالمنطق الحديث يستسخف الجدل الشيعي السُني ويضحك على ذقون أصحابه بحسب الوردي، ويضع الوردي يده على الجرح هنا بطريقة جِدُ ساخرة (إن رجال الدين من الشيعة وأهل السُنة يتنازعون على أساس قبلي كما يتنازع البدو في الصحراء. فكل فريق ينظر إلى مساوئ خصمه، وكل حزب بما لديهم فرحون) (5)
وبشأن القضية المركزية في هذا النزاع الأزلي “الخلافة من بعد النبي” يرى الوردي أن “الحيرة” من نصيب الباحث المحايد هنا (والباحث المحايد يقف موقف الحيرة تجاه هذا الجدل الذي لا ينتهي عند حد. فليس من اليسير على الباحث أن يتصور النبي يستخلف عليًا بصراحة ووضوح ثم يعصي المسلمون أمره، وليس من اليسير عليه كذلك أن يتصور النبي يترك أمته من بعده فوضى من غير خطة واضحة يسيرون عليها في انتخاب خليفتهم) (6) فما الحل؟ لا حل برأي الوردي إلا (إنها في الواقع مشكلة عويصة. ولستُ أرى حَلاًّ لهذه المشكلة إلاّ بالالتجاء إلى رأي العقاد الذي يقف موقفًا وسطًا بين ذينك الفريقين المتنازعين) (7) ورأي الأستاذ عباس محمود العقاد كما ذكره الوردي هو: يعتقد الأستاذ العقاد أن النبي كان يُحب عليًا ويُحبّبه إلى الناس لكي يُمهّد له سبيل الخلافة من بعده. والنبي -في رأي العقاد- لم يرد أن يفرض رغبته هذه على الناس، إنما أراد أن يختاره الناس طواعيةً وحُبًا(8)
وللوردي رأي مهم في قضية “عبد الله بن سبأ”، هذا الرجل الذي نُسِبَت إليه الكثير من الأعمال الخارقة، ومن المعروف أن الموقف بين الباحثين مُختَلِفُ هنا، فالبعض أثبَتَ وجوده ك”شخصٍ تاريخي” (9) ونفى البعض وجوده من الأساس(10) وهناك من احتمل عدم وجوده، لكن الآراء السبأية المغالية موجودة (11).
أما رأي الوردي: لم يكن ابن سبأ إلا عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عمارًا رأس الثورة ضد عثمان، ولم تشأ أن تُصَرّح باسمه أول الأمر، فرمزت إلى ابن سبأ أو ابن السوداء (12)
ونتيجة لموقف الوردي “الوسطي” بين السُنة والشيعة، يرى أن الخلاف بين الإمام علي والخليفة عمر هو “خلاف مصطنع” ويقف وراءه بنو أمية، وبرأيه (الواقع أن عليًا وعمر وأبا بكر كانوا من حزب واحد هو حزب الثورة المحمدية. ولهذا وجدناهم يناوئون قريشًا ويُفضلون عليها سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي. أما ما حدث بينهم من خصومة طفيفة في يوم من الأيام فلا يستوجب أن يكون شعارًا لنزاع اجتماعي عام يقتتل الناس فيه ويتلاعنون) (13)