وفقاً لتقرير “الاتجاهات العالمية حول النزوح القسري” لعام 2022 للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل عدد النازحين بسبب الحروب والاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان إلى مستوى قياسي يبلغ 108.4 مليون شخص بحلول نهاية عام 2022، ليمثل ارتفاعًا قدره 19.1 مليون شخص عن العام السابق، وهي أكبر زيادة تم تسجيلها على الإطلاق في التاريخ.
وفي ذات السياق اذ مما لاشكَّ فيه أنَّ الظروفَ السياسيّة والاقتصادية التي شهدها العراقُ خلال العقود الأخيرة لاسيما خلال العقدين الماضيين أدت إلى تحركاتٍ سكانيةٍ داخلية وخارجية واسعة, وأن معظمَ تلك التحركات لم تكن اختيارية, وإنما ارتبطت بمفهوم التهجير القسري(Forced), أو ما يسمى بالنزوح(Exodes), ويعرف النزوح بحسب وثائق الأمم المتحدة: بأنه اضطرار أو إجبار مجموعة من السكان للهرب وترك ديارهم وأماكن إقامتهم المعتادة نتيجة لنزاع مسلح, أو حالات عنف عام, أو انتهاكات لحقوق الإنسان, أو كوارث طبيعية, تضاف لها الدوافع الاقتصادية والاجتماعية القاهرة التي تجبر السكان على التحرك نحو المناطق الأخرى.
شهدت السنواتُ التي تلت عام 2003 في العراق حراكاً سكانياً كبيراً نتيجة العنف المتنامي في ما اصطلح عليه إعلامياً بالمناطق الساخنة, فلقد طرأت على المشهد العراقي التفجيرات الانتحارية وجرائم القتل البشعة والعشوائية ضد المدنيين التي بلغت ذروتها بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين “عليهما السلام” في سامراء 18/2/2006, إذ شكل هذا الحدث انعطافاً كبيراً أخذت بعده ظاهرة الهجرة القسرية أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية, حتى وصف عام 2006 بأنه عام الكارثة الإنسانية في العراق نتيجة لارتفاع عدد القتلى والجرحى والنازحين, بحيث بلغ إجمالي عدد المدنيين الذين قتلوا خلال شهري تموز وآب فقط من العام نفسه (34452) قتيلاً ونحو(136985) جريحاً بحسب ما جاء في تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق, ووفقاً للمصادر الرسمية العراقية الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين تجاوز عدد النازحين داخلياً في العراق خلال الأشهر القليلة التي تلت أحداث سامراء نحو (246337)عائلة, بواقع (1428755) نسمة.
هذا وقد بلغت حصيلة الأفراد النازحين داخلياً في العراق خلال المدة (2003–2020) نحو (7611780) نازحاً, أي ما يشكل نسبة(18.9%) من إجمالي سكان العراق عام 2020, وهي نسبة مرتفعة جداً رافقتها تحولات ديموغرافية كبيرة وخطيرة, سيما ونحن نتحدث عن جميع المحافظات التي ظهرت على شكل مجموعتين متساويتين من حيث قوة الجذب والطرد السكاني, بيد أن معظم تلك التحركات حدثت خلال السنوات الثلاث الأولى (2014 – 2017), وتوصف هذه المرحلة بأنها المرحلة الأسوأ في تأريخ العراق المعاصر بسبب موجة النزوح والهجرة الواسعة غير المسبوقة التي حدثت بعد دخول مسلحي عصابات داعش الإرهابية إلى المحافظات الغربية وجزء من المحافظات الشمالية والوسطى في حزيران عام 2014, وما خلفته من تداعيات وآثار خطيرة على حاضر المجتمع ومستقبله, ولا تقتصر خطورتها على الجانب الإنساني وما يعانيه النازحين, بل أن آثارَها السلبية طالت كافة المستويات والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والثقافية المختلفة.
ووفقاً للإحصاءات الأخيرة الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية, فإن عدد النازحين داخلياً في العراق خلال تلك المرحلة التي تمتد على مدى ثلاث سنوات تقريباً بلغ(3064146) نازحاً, بواقع (548997) عائلة, كما أن غالبية النازحين (87.6%) هم في الأصل من ثلاث محافظات هي, نينوى بنسبة (40.3%), تليها الانبار بنسبة (32%) ثم صلاح الدين بنسبة (15.3%), في حين أسهمت خمس محافظات أخرى هي كركوك وديالى وبغداد وبابل واربيل بما نسبته (12.4%) من إجمالي عدد النازحين.
ومن جانب آخر برزت محافظات الوسط والشمال عدا إقليم كوردستان كمحافظات مستضيفة للنازحين باستقطابها (62.5%) من إجمالي عدد النازحين, في حين استضافت محافظات الإقليم الثلاث ما نسبته (29.5%) من إجمالي عدد النازحين, كما استقبلت محافظات الفرات الأوسط الخمس(النجف وكربلاء وبابل والقادسية والمثنى) نسبة (7.2%) من إجمالي عدد النازحين, اما محافظات جنوب العراق فلن تستقطب سوى نسبة ضئيلة بلغت (0.8%) فقط من إجمالي عدد النازحين, وإذا ما اعتمدنا محافظة بغداد كحد فاصل لحركة النازحين, نلاحظ أن بغداد والمحافظات الواقعة شمالها استوعبت (91.2%) من إجمالي عدد النازحين, بينما جاءت حركة النازحين اتجاه المحافظات الواقعة جنوبها متدنية لم تتجاوز بمجموعها ما نسبته (8.8%) من إجمالي عدد النازحين.
ويجدر التنويه إلى أنه بعد الاعلان رسمياً عن تحرير كافة المحافظات والمدن العراقية أواخر عام 2017, التي سبق وان استولت عليها التنظيمات الإرهابية, بادرت العديد من العوائل النازحة بالعودة لمناطق سكناها, ليبلغ عدد العائدين من النزوح الطارئ والمسجلين لدى وزارت الهجرة والمهجرين نحو(1226973) فرداً, بواقع (217050) عائلة, أي ما يشكل نسبة (39.5%) من إجمالي عدد العوائل النازحة, موزعة على محافظات الأصل للنازحين, وعلى نحو ترتيبي تتصدره محافظة الانبار بنسبة (37.4%), تليها بفارق قليل محافظة نينوى بنسبة (35.7%),ثم محافظة صلاح الدين بنسبة (14.8), اما بقية المحافظات فقد شكلت بمجموعها نسبة تراكمية بلغت(12.1%) من إجمالي عدد الأفراد العائدين من النزوح. والآمال تتصاعد بشأن ازدياد عدد العائدين لاسيما بعد تطهير المدن المحررة من بقايا فلول الإرهاب والمخلفات الحربية والعمل على إعادة الخدمات الأساسية لحياة السكان.
النزوح القسري في العراق بين مد وجزر
بدت الفصول الدراسية في مدرسة الحكمة الابتدائية والثانوية الواقعة في مدينة إربيل في شمال العراق أشبه بالمهاجع في عطلة نهاية هذا الأسبوع، فقد اصطفت المراتب على الجدران وجاورتها مقتنيات شخصية منظمة بشكل محكم.
وقد اتخذ حوالي 700 عراقي نازح مدرسة الحكمة منزلاً مؤقتاً لهم، وقدمت لهم وغيرها من وكالات الإغاثة الدعم الطارئ، وتطوع المجتمع المحلي في إربيل في منطقة كردستان في العراق لتقديم المساعدة.
قبل طلوع فجر يوم الجمعة الفائت، عملت المفوضية جنباً إلى جنب مع عشرات المتطوعين لتأمين 2,500 مرتبة وبطانية و500 صندوق يحتوي كل واحد منها على مستلزمات النظافة مثل الصابون ومعجون وفرش الأسنان لهذه الدفعة الأخيرة من العراقيين النازحين داخلياً الذين فروا في وقت متأخر من يوم الأربعاء من بلدة قرقوش الواقعة على حدود الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، بعد أن بدأ القتال بحسب أقوال النازحين في مكان قريب بين قوات البيشمركة الكردية وحلفاء المقاتلين المناهضين للحكومة.
وتم إرسال 550 مرتبة وبطانية إلى مدرسة الحكمة، وهي من إحدى الأماكن التي كان يحتمي فيها النازحون، إذ أن ما يقارب 4,000 نازح آخر لجأ إلى الكنائس والمدارس الأخرى والمراكز المجتمعية وبعض العائلات. ومن بين الذين ساعدوا في إفراغ الشاحنات أطفال يبلغون من العمر عشر سنوات، حملوا المعونات إلى داخل المدرسة حيث تم توزيعها على العائلات.
ومن بين النازحين بهنام وزوجته ناديا وأطفالهما الخمسة الذين فروا جميعاً من منزلهم في قرقوش الليلة الفاتئة، واشتكت ناديا وهي تمسح جيين ابنتها البالغة من العمر عامين قائلة: “إن الجو حار جداً هنا، والجميع يتفاسم دورات المياه ولا يوجد مكان للاستحمام.”
ولكن أصبح بالإمكان أن يناموا الآن بعد أن تم تزويد الجميع بالمرتبات والبطانيات، كما قامت وكالة إغاثة أخرى بتأمين طعام ساخن يتكون من الدجاج والأرز والخضار صباح يوم الجمعة. وقال بنهام: “نريد العودة إلى منزلنا على الرغم من أن خدمات الكهرباء والمياه منقطعة.”
ولكن غيره كان متردداً بشأن العودة لخوفهم من الوضع الأمني وعدم شعورهم بالاطمئنان تجاه ما يخفيه لهم الزمن، فقد أخبرنا الشرطي بسام أنه لم يستلم راتبه منذ أكثر من شهر وقال: “لم يتوقع أحد منا هذا، وماذا يفترض بي أن أفعل الآن ولدي من الأطفال ولدان وبنت؟”
هذا سؤال يطرحه عدد متزايد من النازحين الذين تجاوز عددهم المليون في جميع أنحاء العراق، بعد أن بدأت حركة نزوحهم القسرية بمغادرة نصف مليون عراقي محافظة الأنبار وسط العراق، ونزوح نصف مليون آخرين منذ أسبوعين من محافظة نينوى والمحافظات الأخرى المجاورة في الشمال حيث اشتعل القتال بين الأطراف المختلفة.
وبحسب أقوال بعض النازحين الآخرين، لم تكن هذه المرة الوحيدة التي ذاقوا فيها طعم الفرار من القتال، فقد قالت إحدى الأمهات إنها من بغداد، ولكنها انتقلت إلى قرقوش بعد انعدام شعورها بالأمان في منزلها في العاصمة العراقية. وقد صرح موظفو الحماية في المفوضية أن عدد العراقيين الذين فروا من منازلهم عدة مرات في ازدياد مستمر.
وقالت جيما وودز العاملة في المفوضية: “يؤسفنا أن نقول أننا نشهد هذه الظاهرة كثيراً هذه الأيام، ونحن نسعى لنعرف مدى نطاقها. من العائلات من فرّت من القتال وسط العراق منذ حوالي عقد مضى واستقرت في أماكن أخرى، وهي الآن تضطر للفرار إلى بر الأمان مجدداً.”
ولكن الأمور في الوقت الحالي باتت تتحسن بالنسبة لآلاف العراقيين الذين غادروا قرقوش الأسبوع الماضي، فقد وصلت ست حافلات صباح الأحد إلى المدرسة لنقلهم إلى منازلهم بعد أن أبلغهم زعماء البلدة بأن القتال انتهى وبات الوضع آمناً في قرقوش ولم يمس منازلهم أي أذى. وقد عاد معظم سكان البلدة إلى ديارهم مع حلول فترة الظهيرة في اليوم ذاته.
ولكن في هذه الأثناء وردت إلى المفوضية تقارير عن نزوح عدد كبير من العراقيين من تكريب، الواقعة بين الموصل وبغداد، إثر القتال بين الجيش العراقي والمعارضة العراقية الذي بدأ منذ أسبوعين وما يزال مستمراً إلى الآن.
زيارة ممثلة الافلام الإباحية ميرا نوري الى النجف يُثير جدلا كبيراَ في العراق