أضرار الصراخ على الأطفال: حقيقة أم خيال؟

قد يلجأ معظم الآباء إلى الصراخ على الأطفال من وقتٍ إلى آخر، إذ يعتبرونه من أساليب التربية. وهناك اختلاف في وجهة النظر هذه، إلّا أنّه من المؤكّد أنّ استمرار الصراخ على الطفل وتطوّره، أمرٌ له العديد من السلبيّات.

يعرض هذا المقال آثار الصراخ النفسيّة، قصيرة المدى وطويلة المدى، في الأطفال. بالإضافة إلى الآثار السلبيّة الأخرى التي تصيب الطفل ومحيطه. كما يتطرّق إلى وجهات النظر التي لا ترى مشكلة في الصراخ على الأطفال في حالات معيّنة، ويقدّم بعض المقترحات والحلول.

أنوع الصراخ الثلاثة
يُقسِّم خبراء التربية الصراخ على الأطفال إلى ثلاثة أنواع:

1. الصراخ المرافق للحديث الصارم: ينتج هذا الصراخ في أوقات الحديث الجاد أو الصارم مع الأطفال، ويكون برفع نبرة الصوت أكثر من اللازم. لا يؤثّر هذا النوع غالبًا في الأطفال، لأنّه لا يولّد الخوف فيهم.

2. الصراخ الناجم عن الغضب: يميل بعض الآباء إلى الصراخ على أطفالهم تعبيرًا عن غضبهم من تصرّف ما. قد يكون هذا النوع من الصراخ مخيفًا للأطفال، فيؤثِّر فيهم صحيًّا وعاطفيًّا، ولا سيّما إن كان ذلك يحصل دائمًا.

3. الصراخ الجيّد: يستخدم الآباء هذا النوع عندما يكون الطفل على وشك الوقوع في ما يؤذيه، كأن يصرخ الأب على طفله عندما يحاول قطع الشارع من دون انتباه، أو عند محاولته اللعب بأدوات حادّة على سبيل المثال.

 

الآثار النفسيّة قصيرة المدى للصراخ على الأطفال
معظم الآثار الصحّيّة والنفسيّة الناتجة عن الصراخ لا تظهر على الطفل بعد الصراخ عليه مباشرة، إذ هناك بعض الآثار التي يمكن للآباء ملاحظتها خلال فترة قصيرة، مثل انسحاب الطفل من المحيط الذي يعيش فيه، أو شعوره بالقلق، أو إظهاره بعض السلوكيّات العدوانيّة أحيانًا.

في دراسة أجريت على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8-12 عامًا، أظهرت النتائج أنّ الأطفال الذين كانت تلجأ أمّهاتهم إلى العقاب البدنيّ والصراخ، أعربن عن خيبة أملهنّ، إذ أصبح أطفالهنّ أكثر عدوانيّة. وأشارت نتائج الدراسة نفسها إلى تفاقم أعراض القلق عند هؤلاء الأطفال، عندما تعرّضوا إلى الضرب، وأعربت أمّهاتهم عن خيبة أملهنّ وخجلهنّ منهم.

 

الآثار النفسيّة طويلة المدى للصراخ على الأطفال
قد يؤدّي الصراخ على الأطفال إلى آثار وخيمة بعد فترة طويلة من وقوع حوادث الصراخ. أظهرت دراسة نُشرِت في مجلّة أنّ الأطفال الذين نشأوا في منازل يوجد فيها صراخ مستمرّ، كانوا أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والتوتّر، ولأزمات عاطفيّة أخرى، على غرار الآثار التي تظهر في الأطفال الذين يتعرّضون للضرب بشكل متكرّر.

ووفق دراسة أجريت على طلّاب المدارس الإعداديّة، لاكتشاف آثار اعتداء الأمّهات لفظيًّا على أبنائهنّ، بدا أنّه من الممكن أن يتسبّب الصراخ على الأطفال بآثار نفسيّة طويلة الأجل، وقد يظهر على الطفل بعض العلامات الآتية:

1. القلق.
2. النظرة السلبيّة إلى الذات.
3. تدنّي احترام الذات.
4. المشكلات الاجتماعيّة.
5. المشكلات السلوكيّة.
6. العدوانيّة.
7. التنمّر.
8. الاكتئاب.

كما أشارت نتائج الدراسة إلى أنّ الأطفال يميلون إلى معاملة الآخرين بالطريقة نفسها التي يُعاملون بها، فالأطفال يطوّرون عادات وتصرّفات في مراحل الطفولة تتبعهم إلى مراحل البلوغ وما بعدها. الصراخ على الأطفال قد يدفعهم إلى الصراخ على الآخرين، وفي حالات متطوّرة قد يدفعهم إلى التنمّر عليهم، لأنّهم تربّوا على منظور مشوّه لما يجب أن تبدو عليه العلاقات الصحّيّة.

 

لماذا يُعتَبر الصراخ على الأطفال أسلوبًا تربويًّا خاطئًا؟
أظهرت بعض الأبحاث النفسيّة أنّ الأسلوب اللفظيّ القاسي يخلق سلوكيّات عدوانيّة وغير متوافقة لدى الأطفال في مختلف الأعمار. كما أظهرت الدراسات الآثار الضارّة لهذا الأسلوب، عدم فعّاليّته. وتعدّ زيادة العدوانيّة والتمرّد لدى الأطفال من أبرز المخاوف الرئيسة الناتجة عن الأسلوب اللفظيّ القاسي وتعرّضهم للصراخ. وعندما يكون الصراخ مزمنًا، تزيد فرص تمرّد الأطفال على آبائهم، ما يثير المزيد من ردّات الفعل اللفظيّة القاسية من الوالدين، والتي يمكن أن تتطوّر إلى الضرب، وغيره من أشكال العنف البدنيّ.

تشمل الأساليب اللفظيّة القاسية الأخرى ما يلي: 

– التخويف اللفظيّ، وهو الصراخ.

– اللغة المبتذلة التي لا تخلو من الشتم.

– الإذلال، وذلك بوصف الطفل بالغبيّ أو الكسول، أو بغير ذلك من الصفات المهينة.

بالإضافة إلى ما يؤدّي إليه الصراخ على الأطفال من خلق سلوك عدوانيّ وحالة من التمرّد لديهم، ثمّة آثار سلبيّة أخرى وخيمة وحادّة، تتمثّل بالآتي:

1. القلق والاكتئاب وتدنّي احترام الذات 
وجدت الدراسات أنّ الأطفال الذين يتعرّضون إلى الصراخ أكثر عرضة للقلق من غيرهم، بالإضافة إلى معاناتهم المرتفعة والمتزايدة من الاكتئاب. يقول الخبراء النفسيّون إنّ الأطفال يلتقطون القلق من والديهم، وإنّ الطريقة التي يتفاعل فيها الوالدان مع الأخطاء التي يرتكبها الأطفال، تعمل على تهدئتهم أو تحفيز قلقهم. لذلك، فإنّ الصراخ ليس أسلوبًا مهدِّئًا أبدًا.

 

2. تكسير الروابط العائليّة 
يؤدّي الصراخ الدائم على الأطفال إلى زيادة الخلاف بين الآباء وأطفالهم، ويُشعِر الأطفال بأنّ الوالدين ليسا بجانبهم. كما يولّد الصراخ على الأطفال تحديًّا بينهم وآبائهم، قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى انفصال الطفل عاطفيًّا عن والديه.

3. الإضرار بحياة الطفل المدرسيّة والمجتمعيّة 
أوضحت عدّة دراسات كيف أنّ الصراخ على الأطفال يؤثِّر في تحصيلهم الدراسيّ، وخلصت إحدى الدراسات إلى أنّ الأطفال الذين يؤدَّبون في المنزل بالصراخ المستمرّ، إنجازاتهم المدرسيّة عادة ما تكون سيّئة. كما أظهر الأطفال الذين يتعرّضون إلى صراخ مستمرّ في المنزل مشكلات سلوكيّة في التعامل مع أقرانهم، قد تصل إلى حدّ التنمّر. بالإضافة إلى ذلك، استنتجت دراسة أنّ الإساءة اللفظيّة والصراخ المتكرّر على الأطفال، يمكن أن يغيّر الطريقة التي يتطوّر بها دماغ الطفل.

 

4. مهارات الاتّصال الضعيفة 
يواجه الأطفال صعوبة في تعلّم تنظيم عواطفهم الخاصّة، إذا لم يظهِر لهم آباؤهم كيفية ذلك. والآباء الذين يفقدون أعصابهم ويصرخون على أطفالهم في كلّ مرّة يشعرون فيها بالضيق، يعلّمون أطفالهم المبالغة في ردّة الفعل بالمثل، عندما يواجهون مواقف محبطة خاصّة بهم.

 

متى يكون الصراخ على الأطفال مناسبًا؟
في الوقت الذي يتّفق فيه الخبراء والمؤسّسات الاجتماعيّة على أنّ الصراخ على الأطفال ضار، يعتقد خبراء آخرون أنّه لا بأس من الصراخ في الظروف المناسبة. وبرغم أنّ الصراخ على الأطفال لا يحفّزهم على تغيير سلوكهم أو تصحيحه، إلّا أنّ الصوت المرتفع يسمح للوالدين بالتعبير عن إحباطهم أو مشاعرهم. ومع ذلك، إذا اضطرّ الآباء إلى أن يصرخوا على أطفالهم، عليهم دائمًا الامتناع عن الشتائم والإذلال والتهديدات.

من ناحية أخرى، يمكن أن تكون حاجة الطفل إلى تغيير سلوك معيّن مسألة حياة أو موت، كما لو كان الطفل يركض إلى الشارع خلف كرة قدم، إذ تحتاج لحظة خطر كهذه يمكن أن تهدّد حياة الطفل، إلى صراخ أحد الوالدين على الطفل لجذب انتباهه إلى الخطر.