أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف، اليوم السبت، أن العراق منح مواطني باكستان ولبنان وأفغانستان واليمن سمات دخول مجانية لزيارة الأربعينية.
وأشار، إلى أن” جميع المتقدمين من الدول أعلاه سيكونون عبر الشركات السياحية المسجلة عند هيئة السياحة العراقية”، مبينا، أنه” سيتم اعتماد لاصق سمة السفر الدينية”.
ولفت، إلى أن” الزائرين من لبنان سيمنحون سمة السفر مجانا وعبر سفارتنا في بيروت”.
وتعد هذه المناسبة من أكبر المناسبات الدينية في العالم، وتعني مرور أربعين يوما بعد العاشر من محرم، تاريخ واقعة الطف التي استمرت ثلاثة أيام في العام 61 للهجرة (680 ميلادية)، وقتل فيها الإمام الحسين (ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة) وحفيد النبي محمد، على يد جيش الخليفة الأموي آنذاك يزيد بن معاوية.
ويقوم الزوار، من نساء ورجال وأطفال متشحين بالسواد، بقطع كيلومترات طويلة للوصول إلى داخل الحضرة الحسينية، قبل أن ينقسموا في منطقة تسمى “بين الحرمين”، فيختارون إما الدخول إلى مقام الإمام الحسين، أو الى مقام أخيه العباس، الملقب لدى الشيعة بـ”أبو الفضل” أو “قمر بني هاشم”.
– “مشّاية” ومواكب خدمات –
في الشوارع المؤدية الى المقام المقدس، تمتد المواكب الحسينية التي تقدم الطعام والشراب والخدمات مجانا للزوار. ويدخل الزوار إلى حرم المقام وقد عصبوا جباههم بمناديل حمراء او خضراء او صفراء او سوداء كتبت عليها شعارات “لبيك يا حسين” و”يا لثارات الحسين” و”هيهات منا الذلة”.
داخل المقام المزخرف الذي كتب على قبته الخارجية “يا أبا عبد الله الحسين”، يدخل الزائرون سعيا للوصول إلى “القفص”، حيث دفن الإمام وأصحابه إلى جانبه، لكن قلة ينجحون في ذلك بسبب الأعداد الكبيرة.
وتختفي الطرق المعبدة المحيطة بالحضرة الحسينية في كربلاء في ظل تدفق الزوار الآتين من كل المحافظات العراقية، بعضهم بباصات، وآخرون يطلق عليهم اسم “المشّاية”، إذ يقطعون مسافات طويلة على الأقدام تصل أحيانا إلى 450 كيلومترا.
كيف يمكن أن نكون أوفياء للحسين؟
هذا السؤال الذي لابد الا يغادر اذهاننا ما دامت الدماء تسري في عروقنا، لاسيما ونحن نعيش أيام احياء ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام وتوجه الجموع المليونية صوب قبلة الاحرار عند ضريح السبط الشهيد.
من ضحى بدمه من أجل الإنسانية وقدم اهل بيته صلوات الله عليهم يستحق من البشرية ان تُثمن هذه التضحيات الجسيمة التي قُدمت على رمضاء كربلاء، وفي ذلك المضمون هنالك جملة من الأشياء تمثل الوفاء للنهضة الحسينية الخالدة والسير على خطى الفكر المحمدي الأصيل.
فلا تخرج زيارة الأربعين من كونها مصداق حقيقي وعملي على الوفاء للدماء التي سالت على ارض التضحية والفداء كربلاء المقدسة، فالاستمرار بالمسير نحو مدينة سيد الشهداء على مدى السنوات الماضية، يعني تواصل الاقرار بما قدمه الامام عليه السلام من خدمة جليلة للإنسانية برمتها.
ثورة الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء جاءت بكل معانيها لتغيير الحياة البشرية وإزالة الشوائب منها وتنقيتها بما يتناسب وقيمة الانسان الذي خلقه الله وصوره في أحسن تصوير، فهي لا تخرج عن نطاق يتماشى مع المفاهيم الإنسانية الهادفة الى تبجيل الفرد وإعطاءه كل ما يستحق.
والاكتفاء بالمسير خلال زيارة الأربعين لا يمثل الوفاء بكل معانيه، فالمشي على مدى أسبوعين او اقل يأتي جزء يسير من متطلبات الوفاء المطلق لنهج سيد الشهداء عليه السلام.
ومن شروط الوفاء التي يمكن ذكرها في هذا المقال و هو الشروع بمواجهة الظلم والاضطهاد الذي يلحق بالبشرية من قبل حكام هذا الزمان، والعمل على مناهضة الأفكار الظلامية التي تخرج عن طراز الفكر الإسلامي الذي وضع العديد من المحددات المنظمة لسير الحياة الاجتماعية بتفصيلاتها كافة.
نعيش في هذه الأيام قبول غير مسبوق بالظلم الذي تغلل في الحياة العامة ومفاصلها، وهنا يكون التساؤل حاضرا، هل وفاء الامام الحسين عليه السلام، يكمن في السكوت عن الانحرافات الأخلاقية التي تحدث في المجتمع وتخرج عن القيم السامية التي رسمها اهل البيت عليهم السلام وتم استنباطها من السنة النبوية الشريفة؟
“ألا من ناصر ينصرنا؟”
هذا النداء لا ينتهي الصلاحية والمفعول، فنصرة الحسين باقية وملازمة للوجود الإنساني، والنصرة تتحقق بكل عصر وتحت أي ظرف، فالنصرة بوقتنا الحالي تتعدد بتعدد وجه الحياة العصرية ومسمياتها، فالوفاء للحسين يمكن ان يكون بالجهود المبذولة لحفظ وحدة الصف وكيان المجتمع الإسلامي الذي يحاول البعض تمزيقه الى فرق متناحرة يبغض بعضها البعض.
الجموع المليونية يزداد وفاءها للقضية الحسينية عبر التسلح بالعلم ومحاربة الجهل والفساد، الحسين عليه السلام، لا يريد للامة ان تكون غير واعية لما يدور في محيطها من مؤامرات ومخططات هدفها اضعاف البناء المجتمعي الإسلامي وتحويله الى كيان ضعيف لا يقوى على مواجهة التحديات الفكرية الموجهة ضد الافراد والمؤسسات المجتمعية.
وفي معرض ذكر الوفاء للأمام الحسين عليه السلام، لا بد من الوقوف عند ما تحلى به بن بنت رسول الله عليهم أفضل الصلاة واتم التسليم من خلق وحلم كريمين، ومزايا وسجايا ومناقب جعلته حبيباً وقريباً مقرباً إلى قلوب كل المحبين في العالم أجمع، كيف لا، وهو يعود بأصله العريق والعظيم إلى الدوحة الهاشمية الشريفة.
كل هذه الخصال والفضائل التي منحها الامام للبشرية ونمت كالأشجار في المجتمعات البشرية بحاجة الى من يقابلها بالتشرب والتطبيق الفعلي وليس ترديدها كشعارات خالية فضفاضة وبهذا يكون الوفاء قد تحقق بكل مفاهيمه واصوله.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة جده الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة). لذلك على الشباب الاستفادة من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في مختلف بقاع الارض عن طريق إقامة الشعائر الحسينية وإحياء المنبر الحسيني والمناسبات الدينية لأنها تسهم في بناء شخصية أولادنا وهويتهم الصالحة.
والذين ابتعدوا عن هذه الأجواء هم عرضة للانحراف او تشوش هوياتهم او ينسلخ منها، لان منظومة القيم التي تحملها هذه المناسبة كبيرة وتأثيرها الايجابي عميق في النفس البشرية.
فالعالم اليوم أصبح صاخبا جدا في أفكاره والمعلومات والقضايا المنحرفة ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي توسعت وهناك زخ للمعلومات وهذا يجعل الانسان مشتتا ومحتارا خصوصا مع التضليل الكبير الذي تمارسه هذه الوسائل. لذلك يحتاج الإنسان الى معيار في داخله ومنهجه حتى لا يقع في مزالق هذا البحر المتلاطم من المعلومات.