فاز السياسي المخضرم جورج غالاوي بنحو 40% من الأصوات في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل، فيما كانت الحرب على غزة تهيمن على خطاباته بوصفه مناصرا تاريخيا للقضية الفلسطينية.
واستهدف غالاوي زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر في خطاب النصر وقال “كير ستارمر، هذا من أجل غزة“، وأضاف “ستدفعون ثمنا باهظا للدور الذي لعبتموه في تمكين الكارثة وتشجيعها وتغطيتها، التي تحدث حاليا في غزة المحتلة في قطاع غزة”.
و يتمتع قِلة من الساسة بالقدرة على إثارة الحشود والجدل تماماً مثل جورج غالاوي، وفي مسيرة مهنية امتدت لأربعة عقود، تم الترحيب به باعتباره بطل اليسار المناهض للحرب، وتم انتخابه لعضوية البرلمان سبع مرات عن ثلاثة أحزاب مختلفة، وتُظهر العودة السياسية الأخيرة للرجل البالغ من العمر 69 عامًا، في روتشديل، أنه لم يفقد شهيته للقتال – أو موهبته في إثارة خصومه، بحسب “بي بي سي”.
وكما فعل في الانتخابات الفرعية السابقة، فقد استهدف رسالته في الأساس الناخبين المسلمين، ووعد في هذه الحالة بأن يكون مناصراً قوياً للفلسطينيين في الصراع بين إسرائيل وحماس، لكنه استهدف أيضاً المؤسسة السياسية والإعلامية برمتها.
“ليس هناك الكثير الذي يمكنني فعله لمنع نتنياهو، لكن لدي الحق في محاولة منع ريشي سوناك وكير ستارمر من التعاون معه”. جاءت هذه الاحداث في اجتماع في روتشديل خلال الحملة الانتخابية:
وأضاف: “ولهذا السبب فإنهم غير سعداء للغاية – السياسيون ووسائل الإعلام غير راضين للغاية عن احتمال عودتي إلى البرلمان في نهاية هذا الشهر لأنهم يعرفون أنني سأدخل قاعة مجلس العموم مثل الإعصار وسأدخل إلى البرلمان في نهاية هذا الشهر”. سوف تهز جدران غزة، إنهم يعرفون ذلك، ويخافون منه، ولهذا السبب يجب أن تعطيه لهم.”
وهذا النوع من الخطاب القتالي هو السمة المميزة لجالاوي، فهو بالنسبة لمنتقديه ومعارضيه شخص مغرور خطير ومثير للانقسام، فهو يعتبر نفسه جزءًا من النضال الدولي من أجل الاشتراكية وضد الإمبريالية – وخاصة الإمبريالية الأمريكية – ومعارضًا قويًا للصهيونية. ووصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري ودعا إلى تفكيكها.
وعلى الرغم من الشائعات التي ترددت عن اعتناقه الإسلام، فهو مرتبط بقوة بجذوره الكاثوليكية الأيرلندية وشدد على أهمية تكوين أسرة كبيرة. وقد أنجب ستة أطفال وتزوج من زوجته الرابعة بوتري غاياتري بيرتيوي في عام 2012.
بعد فوزه في برادفورد عن حزب الاحترام عام 2012، تغلب جورج غالاوي على النائب العمالي عمران حسين، ولد جالاوي في مدينة دندي الفقيرة عام 1954، وعمل في خط الإنتاج في إطارات ميشلان، حيث بدأ نشاطه لأول مرة كنقابي.
في عام 1980، شارك في رفع العلم الفلسطيني من مكاتب مجلس دندي، وشارك في توأمة دندي مع مدينة نابلس بالضفة الغربية. وفي عام 1983، أصبح أمينًا عامًا لجمعية الحرب على العوز الخيرية.
تم انتخابه للبرلمان لأول مرة في عام 1987، بصفته نائبًا عن حزب العمال عن غلاسكو هيلهيد، حيث اكتسب بسرعة سمعة باعتباره متشددًا يساريًا.
وفي التسعينيات، تعرض لانتقادات شديدة لأنه التقى بالزعيم العراقي صدام حسين وقال له – في مقطع متكرر كثيرًا – “سيدي، أحيي شجاعتك، وقوتك، وعدم الكلل”. وأدت زياراته المتعددة للمنطقة خلال تلك الفترة إلى لقب “عضو وسط بغداد”.
إن ما يعتبره العديد من المؤيدين أفضل أوقاته – وما قاله في ذلك الوقت كان أفضل يوم في حياته – جاء في عام 2005، عندما قدم أدلة إلى لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ووصف الادعاءات بأنه حصل على اعتمادات لشراء النفط العراقي من قبل صدام حسين بأنها “أم كل الستر” لتغطية “الجرائم” التي ارتكبت كجزء من غزو العراق. واتهم أعضاء مجلس الشيوخ الذين يحققون في برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة بأنهم “متعجرفون” مع العدالة، قائلا إنهم “شوهوا” اسمه.
وكان قد طُرد في ذلك الوقت من حزب العمل بسبب موقفه من حرب العراق عام 2003.
واتهمه حزب العمال بتشويه سمعة الحزب بعد أن قال إن القوات البريطانية في العراق يجب أن ترفض الانصياع للأوامر، قائلاً إن تلك الأوامر ستكون “غير قانونية” لأن الغزو البريطاني الأمريكي للعراق كان “غير قانوني”.
وانضم إلى حزب الاحترام الناشئ المناهض للحرب في عام 2004، وحقق نصراً غير متوقع في بيثنال جرين وبو، في شرق لندن، في حملة متوترة، وفي بعض الأحيان حملة مريرة.
إن الأداة الانتخابية الأخيرة لجالواي، حزب العمال البريطاني، تمثل ارتداداً واعياً للقيم الاشتراكية التقليدية التي اعتنقها حزب العمال في شبابه. إنه يهدف إلى تجنيد 50 مرشحًا لإرسال رسالة إلى السير كير ستارمر – وهو رجل قريب من أعلى قائمة أعدائه – في الانتخابات العامة هذا العام.
كيف أعادت الحرب السياسي غالاوي إلى البرلمان البريطاني؟
أدى فوز عضو حزب العمال السابق السياسي البريطاني جورج غالاوي في الانتخابات الفرعية لبرلمان بلاده، لموجة من الجدل في صحف دولية وعربية، بعد أن عزا فوزه لمناصرته لغزة. نستطلع في عرض الصحف اليوم هذا الموضوع وكيف تناولته صحف بريطانية وأمريكية وعربية.
في صحيفة التلغراف البريطانية عنون الكاتب نيك جوتريدج تحليله بـ “جورج غالاوي يفوز في الانتخابات الفرعية لمدينة روتشديل، إذ احتل مرشح حزب العمال السابق المركز الرابع”.
لكن، لماذا يثير جورج غالاوي، السياسي البالغ من العمر 69 عاماً كل هذا الجدل؟
تقول صحيفة التلغراف إن عودة السياسي غالاوي إلى ويستمنستر بعد ما يقارب عقداً من الزمن تأتي بعد ظهوره في برامج الدردشة التلفزيونية الإيرانية، وبرنامج تلفزيون الواقع البريطاني Big Brother.
إلا أن ذلك ليس السبب الوحيد الذي يجعل من غالاوي محط جدل في الأوساط السياسية والإعلامية، فتوجهاته السياسية فيما يتعلق بالدول الغربية وقضايا الشرق الأوسط تميل إلى جانب دول الشرق الأوسط، فكما تلفت الصحيفة، فإن غالاوي قال في حديثه بعد لحظات من فوزه: “هذا من أجل غزة”
“ثمن باهظ”
موجهاً حديثه لزعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر بعد أن أعلن الأخير موقفاً يعتبر مؤيداً لإسرائيل في حرب غزة، قال غالاوي في خطابه “كير ستارمر، هذا من أجل غزة. إنكم ستدفعون ثمنا باهظا للدور الذي قمتم به في تمكين وتشجيع وتغطية الكارثة الجارية حاليا في فلسطين المحتلة”، بحسب ما نقلت صحيفة التلغراف.
ويعتقد غالاوي أن “حزب العمال يدرك أنه فقد ثقة الملايين من ناخبيه الذين صوتوا له بإخلاص.. جيلاً بعد جيل”.
وبحسب الصحيفة فإن حملة غالاوي للفوز في الانتخابات ركزت “بلا هوادة على الحرب في غزة، حيث كان يسعى علناً للحصول على أصوات المسلمين الكبيرة لروتشديل.. كما زينت منشوراته بالعلم الفلسطيني وأعاد تسميتها بـ (غزة جورج)”.
“وجه مألوف مثير للجدل”
تلفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية في تقريرها إلى أن جورج غالاوي من المؤيدين لغزة والمناهضين لحلف شمال الأطلسي، وطُرد من حزب العمال الذي كان يتزعمه توني بلير في عام 2003 بتهمة “الإضرار بسمعة الحزب”.
لكن غالاوي اعتبر عملية طرده بتهم منها التحريض على شن هجمات على القوات البريطانية بالـ “محكمة الصورية ذات الدوافع السياسية”.
تصف الصحيفة التي تنقل جانباً من سيرة غالاوي السياسية بـ “المتمرد المتسلسل، والمعارض الشديد لتورط بريطانيا في حربي الخليج”. وتضيف الصحيفة أن غالاوي جذب الانتباه بعد رحلة للشرق الأوسط عام 1994 عندما قال للرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي تصفه عدة دول غربية بالديكتاتور “سيدي أحيي شجاعتك وقوتك”. وأصر غالاوي أنه كان يمدح العراقيين وليس حسين، بحسب الصحيفة.
غالاوي كان واحداً من أعلى الأصوات المناهضة للحرب على العراق، وعارض السياسية الخارجية التي دعمها رئيس الوزراء العمالي آنذاك توني بلير.
وترى الصحيفة أن لدى بريطانيا حالياً عضواً جديداً لامعاً في البرلمان، “إنه وجه مألوف ومثير للجدل”.
يعد برنامج غالاوي السياسي بـ “إنهاء الحروب الإمبريالية والهيمنة المالية، بدءاً بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي”، كما أعلن تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تقول الصحيفة.
تؤيد صحيفة بوليتكو أن فوز غالاوي يعود لدعمه غزة في الحرب الأخيرة، إذ تقول “شهد القتال من أجل مدينة مانشستر الكبرى [حيث تقع روتشديل]، تركيزاً مكثفاً على الحرب بين إسرائيل وحماس. وقام السياسي المخضرم المؤيد للفلسطينيين بحملة مكثفة حول هذه القضية في مقعد يشكل المسلمون نحو 18 بالمئة من سكانه”.
“غير ملتزم بمنح صوتي”
تقول صحيفة القدس العربي إن المشهد السياسي في عدة دول غربية يتأثر بتداعيات حرب غزة، إذ رغم أنه من الواضح تأييد حزب الجمهوريين الأمريكي وحزب المحافظين البريطاني على سبيل المثال لإسرائيل، فإن الأحزاب الديمقراطية في البلدين تواجه انقسامات في هذه المسألة.
تقول الصحيفة: “انطلقت ضمن المؤيدين لوقف الحرب حملة في ولاية مشيغان التي يقطنها عدد كبير من الأمريكيين العرب، للتصويت بـ-غير ملتزم بمنح صوتي- وهو ما أدى لتسجيل نحو 100 ألف صوت غير ملتزم، ورغم أن هذا التصويت لم يطح بحظوظ الرئيس جو بايدن في انتخابات ترشيحه للرئاسة فإن الحملة أدت، كما تقول صحيفة الغارديان إلى هز البيت الأبيض”.
تجد الصحيفة التي عنونت مقالها بـ “من غالاوي إلى (غير ملتزم): فلسطين في الديمقراطيات”، أنه كان لافتا أن “الدعوة إلى إنهاء العدوان على الفلسطينيين كانت إحدى أهم النقاط التي طرحها غالاوي في برنامجه الانتخابي”.
وفي مقال الرأي تقول الصحيفة إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “مثال آخر على التغيّرات التي طرأت في الديمقراطيات الغربية، فموقفه الحالي المطالب بوقف فوري لإطلاق النار يعاكس المواقف البئيسة لحكومته في بداية الحرب، والتي عملت على خلق جو إرهاب فظيع ضد أي منتقد لإسرائيل…”.
يضيف الكاتب: “هزّت الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين الساحة السياسية في بريطانيا، وهو ما دفع الحزب الوطني الاسكتلندي إلى طلب التصويت على قرار في البرلمان البريطاني يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، ووقف العقاب الجماعي للفلسطينيين، وأدى ذلك إلى مناورة بائسة لحزب العمال سمح فيها رئيس البرلمان بتعديل يحذف فقرة العقاب الجماعي، وكانت سابقة برلمانية خطيرة ما تزال آثارها تتداعى”، تقول صحيفة القدس العربي.