قام الرئيس دونالد ترامب -بشكل مفاجئ وبدون تفكير أو تخطيط وهذا أساسا هو أسلوب عمله- بالموافقة على سياسة فصل الأطفال المهاجرين عن والديهم عند وصولهم (العديد منهم فروا من العنف في أميركا الوسطى) إلى الحدود الجنوبية مع المكسيك. وبعد التراجع عن هذا القرار؛ خلق ترامب مشاكل أكثر لنفسه.
هناك نقاش كبير يدور حول ما إن كانت الولايات المتحدة تعاني فعليًا من “أزمة” الهجرة؛ لكن ترامب يعاني من أزمة خاصة: فبالنسبة للجميع -باستثناء أتباعه المخلصين- فقد ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك.
إن قصص الأطفال الذين انفصلوا عن أمهاتهم، والتسجيلات التي تظهر بكاء ونحيب الأطفال الصغار، والصور التي أطلقتها الحكومة عن أولاد محتجزين في أقفاص سلكية (لم يُسمح للمراقبين بعدُ برؤية الأطفال الصغار أو الفتيات الأكبر سناً في الأَسْر)؛ كل هذا يوضح الكثير للشعب.
لقد أصيب الجمهوريون المتشائمون بالذعر، وأخبروا ترامب وفريقه بأن من شأن سياسته المتمثلة في فصل الأطفال عن ذويهم أن تدمّر فرصهم في الفوز بانتخابات منتصف المدة في نوفمبر/تشرين الثاني (القادم).
وفي الواقع؛ كان من شأن سياسة فصل العائلات أن توقع بين ترامب وأتباعه الإنجيليين. لقد كانوا مستعدين للتغاضي عن الأدلة حول فضائح ترامب الجنسية أثناء زواجه من السيدة الأولى ميلانيا (بما في ذلك دفع أموال كثيرة لممثلة إباحيةوآخرين من أجل عدم كشف أي معلومات)، في مقابل التأثير السياسي وتعيينات المحافظين الاجتماعيين في المحكمة العليا والقضاء الاتحادي. وعلى غير عادتها؛ عارضت السيدة الأولى السابقة لورا بوش سياسة فصل الأطفال عن أمهاتهم.
”
قصص الأطفال الذين انفصلوا عن أمهاتهم، والتسجيلات التي تظهر بكاء ونحيب الأطفال الصغار، والصور التي أطلقتها الحكومة عن أولاد محتجزين في أقفاص سلكية (لم يُسمح للمراقبين بعدُ برؤية الأطفال الصغار أو الفتيات الأكبر سناً في الأَسْر)؛ كل هذا يوضح الكثير للشعب
”
إن إحدى المشاكل التي يواجهها ترامب تكمن في هوسه باستعراض قوته. وفي حين ينبغي للشخص القوي الاعتراف بخطئه وتغيير مساره؛ فإن “الرئيس المتكبر” للولايات المتحدة يقاوم الاعتراف بأي خطأ. لذلك، ألقى ترامب وحلفاؤه تعاليم من المراوغات والحجج؛ فقد كانوا ببساطة ينفذون القانون ولم يتبنوا سياسة جديدة.
كانت هذه مشكلة من فعل ترامب. ففي 7 مايو/أيار (الماضي)؛ أعلن المدعي العام جيف سيشيز -على الحدود في تكساس- سياسة جديدة عن “عدم التسامح” بشأن عبور الحدود بشكل غير قانوني: وقال “إن أي شخص يُشتبه في عبوره الحدود بطريقة غير قانونية سيُحتجز ويعرض للمحاكمة” (لا مزيد من “الأسر والإفراج” أو الوثوق بالمهاجرين غير الشرعيين للعودة للمحاكمة).
لن يتم احتجاز الأطفال الصغار معهم؛ بل سيتم الاحتفاظ بهم بشكل منفصل، وهي الخطوة التي اعتبرها جيف سيشنز رادعا للمهاجرين المحتملين الآخرين.
وعندما بدأت موجة الاعتراضات في التصاعد؛ ألقى ترامب وسيشنز باللوم على الديمقراطيين بسبب قوانينهم، وحين ما فشلت هذه الحجة (الزائفة) في اكتساب قوة زعم ترامب أنه لا يمكن حل المشكلة إلا بالتشريع، رغم أن الديمقراطيين والسناتور الجمهوري ليندسي غراهام أكدوا أنه بإمكان الرئيس حلها “بإجراء مكالمة هاتفية”.
وأخيرًا؛ دفع خطر الانعكاسات السياسية –التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة- ترامب للتراجع، وإصدار أمر تنفيذي باحتجاز الأطفال وذويهم في مكان واحد. وخوفا من اعتقاد إدارته أنه تساهل بشأن الهجرة، حاول ترامب تغطية تراجعه بإلقاء خطاب قاسٍ؛ مشيرا فيه إلى أن المهاجرين غير الشرعيين “سيجتاحون” الولايات المتحدة، وأن معظمهم مجرمون.
لكن الآن نواجه مشكلة جديدة: لم تضع الإدارة أي خطط لتوحيد العائلات والأطفال الذين انفصلوا فعلا، والذين تم إرسالهم إلى الملاجئ ودور التبني في جميع أنحاء أميركا، وغالبا بعد منتصف الليل. إن الآباء والأطفال هم تحت رعاية مختلف الوكالات الفدرالية.
وتزعم الحكومة أنه تم جمع حوالي 500 طفل بآبائهم، لكن هذا يترك ما لا يقل عن 2000 طفل بعيدا عن والديه (وفقا للتقديرات الحكومية). ومع ترحيل بعض الآباء والأمهات بينما بقي أطفالهم رهن الاحتجاز؛ من المحتمل ألا يتم توحيد العديد من هذه العائلات.
واجه الكونغرس الأميركي فترة طويلة من الجمود بسبب سياسة الهجرة. لقد كان التوصل إلى حل وسط بعيد المنال، وباءت الجهود المحدودة بالفشل.
وفي يناير/كانون الثاني (الماضي)؛ تم التوصل إلى حل وسط في مجلس الشيوخ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذي كان من شأنه أن يموّل جدار ترامب الحدودي -غير الضروري- في مقابل السماح للحالمين (الذين تم جلبهم إلى أميركا بشكل غير قانوني من قبل آبائهم) بأن يصبحوا مواطنين أميركيين (كان الرئيس باراك أوباماقد وعد بذلك بموجب أمر تنفيذي، لكن ترامب قد عكس سياسته عندما أصبح رئيسًا).
”
تكمن أحد أهم أسباب هذه الفوضى والمأساة في اعتقاد ترامب أن موقفه المناهض للهجرة -والذي بدأ به حملته الرئاسية في يونيو/حزيران 2015- هو الذي جعله يحقق النصر. وهو يراهن على أن قضية مكافحة الهجرة ستكون مفيدة للجمهوريين في نوفمبر/تشرين الثاني، ولطموحاته السياسية الخاصة؛ وقد يكون محقا في ذلك
”
لكن ترامب -الذي فضل التسوية في البداية- تراجع عن ذلك تحت ضغط من مستشاره لشؤون الهجرة ستيفن ميلر (الذي كان مساعد سيشنز في مجلس الشيوخ)، ورئيس هيئة الأركان الجنرال جون كيلي.
ولكن إلى أي مدى تواجه الولايات المتحدة “أزمة حدود”؟ لقد كان معدل الهجرة غير القانونية منخفضا بشكل عام في السنوات الأخيرة، وقد بدأ بالارتفاع منذ عام 2014 لعدة أسباب؛ إذ يسعى الكثيرون إلى مستقبل اقتصادي أكثر تفاؤلاً، كما يفر الكثيرون من عنف العصابات، وقد فرت بعض النساء من العنف المنزلي.
معظم هؤلاء الأشخاص كانوا يلتمسون اللجوء، وقد حاولت إدارة ترامب منعهم. لقد أصبحت إمكانيات اللجوء -بشكل متعمد جزئيا- ضئيلة للغاية، حيث أجبر العديد من المهاجرين المحتمَلين على دخول الولايات المتحدة بطرق غير قانونية.
قد يندم ترامب على إصدار أمر تنفيذي يعكس سياسته الخاصة، وربما يجب ألا تكون هناك إجراءات قانونية للمهاجرين غير الشرعيين (على حد تعبيره)، ويجب إعادتهم دون أن تتاح لهم الفرصة لإثبات حقهم في طلب اللجوء (من المحتمل أن يبقى هذا الاقتراح مجرد كلام، نظرا إلى عدم دستوريته الصارخة).
وقد أوقفت دوريات حرس الحدود الأميركية الآن احتجاز المهاجرين، لأنه لم تعد هناك مساحة كافية لإيوائهم. وبغض النظر عن تفضيلاتها؛ فإن إدارة ترامب عادت إلى سياسة “الأَسْر والإفراج”.
تكمن أحد أهم أسباب هذه الفوضى والمأساة في اعتقاد ترامب أن موقفه المناهض للهجرة -والذي بدأ به حملته الرئاسية في يونيو/حزيران 2015- هو الذي جعله يحقق النصر. وهو يراهن على أن قضية مكافحة الهجرة ستكون مفيدة للجمهوريين في نوفمبر/تشرين الثاني، ولطموحاته السياسية الخاصة؛ وقد يكون محقا في ذلك.