والأسبوع الماضي، طلبت الحكومة العراقية من الأمم المتحدة أن تنهي بحلول نهاية 2025 مهمتها السياسية التي تؤدّيها في البلاد منذ أكثر من 20 عاما، معتبرة انها لم تعد ضرورية، بحسب رسالة اطلعت عليها وكالة فرانس برس.

وكرر عباس كاظم عبيد الفتلاوي نائب مندوب العراق لدى الأمم المتحدة  الطلب أمام المجلس الخميس، قائلا “المهمة حققت أهدافها”.

وأيّد المبعوث الروسي فاسيلي نيبينزيا وجهة النظر هذه، قائلا إن “العراقيين مستعدون لتحمل مسؤولية المستقبل السياسي لبلادهم”.

وأضاف “المشاكل المتبقية يجب ألا تصبح ذريعة لبقاء بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى أجل غير مسمى”.

وأشار نائب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة غينغ شوانغ إلى أنه في إطار التجديد السنوي للبعثة التي ينتهي تفويضها في نهاية مايو/أيار، يتعين على المجلس “اقتراح خطة (…) من أجل ضمان الانسحاب التدريجي والانتقال السلس نحو الانسحاب النهائي”.

ونظرا الى أن بعثات الأمم المتحدة لا يمكنها العمل إلا بموافقة الدولة المضيفة، فقد أعربت بريطانيا وفرنسا أيضا عن دعمهما للتحول في الشراكة بين العراق والأمم المتحدة.

وكان موقف الولايات المتحدة أكثر غموضا، إذ قالت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد إن بعثة الأمم المتحدة (يونامي) لا يزال أمامها “عمل مهم يتعيّن عليها تأديته”، ولم تتطرّق إلى طلب بغداد.

وشددت على الدور الرئيسي للبعثة في كثير من القضايا السياسية المهمّة، مثل دعم تنظيم الانتخابات وتعزيز حقوق الإنسان، على الرغم من أنّ العراق طلب بوضوح أن تركّز البعثة بشكل أكثر مباشرة على القضايا الاقتصادية.

وفي تقييم طلبه المجلس، قال الدبلوماسي الألماني فولكر بيرثيس في مارس، إنّ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق التي كان لديها أكثر من 700 موظف حتى أواخر عام 2023، “تبدو في شكلها الحالي كبيرة جدا”.

ودعا بيرثيس البعثة إلى “البدء في نقل مهمّاتها إلى المؤسّسات الوطنيّة وفريق الأمم المتحدة في البلاد بطريقة مسؤولة ومنظّمة وتدريجيّة ضمن إطار زمني متّفق عليه”.

ومن دون التعليق على طلب بغداد، رسمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين هينيس بلاسخارت صورة للعراق “تبدو مختلفة عن البلد الذي تمّ نشر يونامي فيه للمرة الأولى قبل نحو 20 عاما”.

وأضافت “اليوم، إذا جاز التعبير، نشهد عراقا في تطوُّر”، لكنها تحدّثت في الوقت نفسه عن تحدّيات متعدّدة لم تُحَلّ بعد، مثل الفساد ومسألة الفصائل المسلّحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة.

وتابعت “أعتقد أن الوقت حان للحكم على البلاد بناء على التقدّم المحرز، وطيّ صفحة الصور المظلمة لماضي العراق”.

والبعثة التي أنشأها مجلس الأمن عام 2003 بناءً على طلب الحكومة العراقية وتمّ تعزيزها عام 2007 ويجري تجديدها سنويا، يتمثّل تفويضها في تقديم الدعم إلى حكومة العراق من أجل تعزيز الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات والإصلاح الأمني.

من هي جانين بلاسخارت التي أثارت مواقفها غضب العراقيين؟

بلاسخارت

قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جانين هينيس بلاسخارت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إن المرجع الديني الأعلى لشعية العراق آية الله علي السيستاني يساند تنفيذ إصلاحات جدية خلال فترة زمنية معقولة.

وأضافت أن السيستاني عبر أيضا عن قلقه من افتقار النخبة السياسية للجدية الكافية بشأن تنفيذ الإصلاحات.

وقالت المسؤولة الأممية عقب لقائها السيستاني “لا يمكن أن يعود المحتجون السلميون إلى بيوتهم دون نتائج ملموسة”.

وكانت بعثة الأمم المتحدة إلى العراق قد نشرت قبل يوم مقترحا لحل الأزمة التي يمر بها العراق منذ اسابيع. ويشهد العراق مظاهرات واعتصامات في مختلف المدن قتل فيها المئات وأصيب الآلاف.

وتقود البعثة الأممية مساعي حثيثة لإيجاد مخرج للأزمة التي تعصف بالعراق دون أن تلوح في الأفق امكانية الخروج من هذه الأزمة.

لكن مواقف وتصريحات الممثلة الاممية اثارت غضب العديد من العراقيين الذين رأوا فيها انحيازا لموقف الحكومة العراقية.

 موقف ملتبس
بلاسخارت
بلاسخارت

بيانات البعثة وتغريدات رئيستها لم تكن واضحة في الوقوف إلى جانب المتظاهرين وإدانة عمليات القتل التي سقط فيها أكثر من 300 متظاهر سلمي في مختلف أنحاء العراق وهو ما أثار غضب المتظاهرين والنشطاء الذين اتهموها بالانحياز للحكومة العراقية.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في العراق زارت المبعوثة الدولية ساحة التحرير والتقت بممثلين عن المتظاهرين كما التقت بعدد من المسؤولين الحكوميين وأصدرت عدة بيانات إدانة وشجب لاعمال العنف.

وقد اضطرت بلاسخارت الى الدفاع عن موقفها والرد على هذه التهمة نافية انحيازها لأي طرف وقالت: “الأمم المتحدة شريكة كل عراقي يحاول التغيير. بوحدتهم يستطيع العراقيون أن يحولوا بلدهم إلى مكان أفضل ونحن موجودون هنا لتوفير الدعم اللازم”.

وكانت بلاسخارت قد نشرت تغريدة على صفحتها في تويتر قالت فيها: “إن عرقلة عمل منشآت البنية التحية الأساسية يثير قلقنا البالغ. الجميع يتحمل مسؤولية حماية المنشآت العامة. إن إغلاق الطرق المؤدية إلى المنشآت النفطية والموانئ أو التهديد بإغلاقها يكبد البلاد خسائر بالمليارات”.

ورأى العديد من النشطاء أن هذا الموقف يتماشى مع موقف الحكومة العراقية إلى حد ما.

وزارت بلاسخارت ساحة التحرير في 30 الشهر الماضي وعلى إثرها أصدرت بياناً جاء فيه: “إن الحكومة ليس بوسعها أن تعالج بشكل كلي تركة الماضي والتحديات الراهنة خلال عامٍ واحدٍ فقط من عمرها”.

وقبل ذلك بيوم واحد كانت الأنباء قد ذكرت وقوع نحو 30 قتيلا ومئات الجرحى نتيجة إطلاق النار على المتظاهرين في مدينة كربلاء وهو ما يمثل أكبر عدد من الضحايا في حادث واحد منذ اندلاع المظاهرات الأخيرة.

وأصدرت بلاسخارت بيانا جاء فيه: “وأكثر ما يثير القلق في التطورات الأخيرة في أنحاء كثيرة من العراق لا سيما في كربلاء الليلة الماضية إذ تشير تقارير شهود إلى استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين مما تسبب في أعداد كبيرة من الاصابات”.

البيان يخلو من إدانة عمليات إطلاق النار على المتظاهرين كما يتفادى تحميل القوات الحكومية أو أي طرف آخر المسؤولية عن الحادث الدامي مما زاد من غضب المتظاهرين من موقف المسؤولة الأممية.

أول وزيرة دفاع

وأسند أنطونيو غوتيريش الأمين العام للامم المتحدة إلى السياسية والدبلوماسية الهولندية بلاسخارت، مواليد أبريل/نيسان 1973، منصب رئاسة البعثة الاممية في العراق في آواخر شهر أغسطس /آب 2018 خلفا للسلوفاكي يان كوبيس.

وقد نشرت الأمم المتحدة موجزاً عن مسيرتها المهنية جاء فيها أن جانين لديها خبرة سياسية ودبلوماسية تمتد لأكثر من 20 عاماً، حيث شغلت مناصب وزارية وبرلمانية مهمة في بلادها هولندا.

فقد كانت بلاسخارت أول وزيرة للدفاع في هولندا وتولت هذا المنصب خلال الفترة ما بين 2012 إلى 2017 وهي الفترة التي شهدت ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية.

وبحكم منصبها كانت مسؤولة عن قيادة عمل أركان القوات المسلحة وقيادة قوات الدعم وهيئة التموين العسكري والقوات الملكية الهولندية الأربع: الجوية، البحرية، البرية والشرطة العسكرية والحدودية.

وتولت الاشراف على مشاركة بلادها في الحرب على الجماعات المتطرفة في كل مالي في القارة الأفريقية وأفغانستان والعراق وكانت المسؤولة عن التنسيق مع الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي -الناتو والأمم المتحدة.

وكانت بلاسخارت نائبة في البرلمان الهولندي خلال 2010-2012 ونائبة في البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2010.

وعملت في بعثة المفوضية الأوروبية في كل امستردام والعاصمة اللاتفية ريغا.