أعلن جهاز الأمن الوطني في العراق، اليوم الأربعاء، يفيد بالقول بإن الاخير قد ألقى القبض على 54 منتمياً إلى “جماعات دينية متطرّفة” في البلاد، الأمر الذي يؤشّر إلى نشاط متزايد لتلك الجماعات، وسط تعهّدات أمنية بملاحقة المنتمين إليها حتى القضاء على فكرها.
“جماعة القربان” بالعراق
بغداد- أطلقت القوات الأمنية العراقية نهاية الأسبوع الماضي عملية واسعة لملاحقة أنصار “جماعة القربان” جنوبي مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، وفق وسائل إعلام محلية، وذلك للحيلولة دون تحولها لجماعات مسلحة تضر بالاستقرار الأمني في البلاد.
وتعتقد “جماعة القربان” أو “العلاهية” بألوهية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأنه لا بد من الانتحار وفق القرعة قربانا له، وتكرر ظهور هذه الحركة بين الحين والآخر، فيما تلاحقهم القوات الأمنية وتعتقل العديد منهم لكونهم يتبعون ديانة مخالفة للدين والدستور والقانون.
ويؤكد مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا أن أجهزة الاستخبارات تراقب تحركات وسلوك هذه العقائد المنحرفة بشكل مستمر، حيث تمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض على عدد منهم وإحالتهم إلى المحاكم بعد التحقيقات واعترافات المتهمين، مشيرا إلى أن الوزارة تتعامل معهم وفق القانون.
حملة ذي قار
تأتي العملية الأمنية الواسعة وسط تخوف أمني وقلق مجتمعي بعد انتشار أفكار الجماعة في محافظات الوسط والجنوب في الآونة الأخيرة، حيث أكد المحنا للجزيرة نت وقوع حالات انتحار في ذي قار، إذ أقدم شابان لم تتجاوز أعمارهما 18 عاما على الانتحار بدعوى القربان، بتحريض من أحد قادة هذه الحركة، وقد تم إلقاء القبض عليهما لاحقا.
في منتصف يونيو/حزيران الماضي، أعلنت مديرية الاستخبارات في محافظة الديوانية، في بيان، أن مفارز مديرية الاستخبارات ألقت القبض على مسؤول “حركة العلاهية” في ذي قار لحظة وجوده في الديوانية متوجها إلى كربلاء، وبعد التحقيق معه اعترف صراحة بقيامه بقتل شخصين قربانا لما يعتقده.
كما أكدت وزارة الداخلية في وقت سابق أن الحملة ضد الجماعة أسفرت عن اعتقال 10 أشخاص، مبينة أن أوامر الاعتقال جاءت نتيجة اعترافات أدلى بها رئيس الجماعة، حيث يخضع المعتقلون حاليا لتحقيق مشدد، وقد تطال أوامر الاعتقال أشخاصا آخرين خلال الأيام المقبلة.
امتداد فاسد
يبين الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن “جماعة القربان” أحد بطون جماعة المغالين، وأنهم ليسوا حركة وليدة اليوم، وإنما هم امتداد تاريخي إلى الكيسانية والأفطحية والإسماعيلية والحرورية، ويمثلون امتدادا عقائديا فاسدا، مشيرا إلى أن هذه الجماعة نشطت في تسعينيات القرن الماضي، وتصدى لهم في حينها المرجع الديني محمد صادق الصدر، وعادت مرة أخرى للظهور لكن تم كبح جماحها.
وعن مخاطر هذه الجماعة أمنيا، يوضح أبو رغيف للجزيرة نت أن الجماعة عادت للظهور عدة مرات في الأعوام 2005 و2011، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية أيضا ولكن بشكل طفيف، مؤكدا أن الجماعة خاملة في الوقت الحاضر، حيث أخفقوا في حمل السلاح، وألقي القبض على أبرز قادتهم الروحيين.
ونوه الخبير إلى أن أعدادهم تتراوح ما بين 1500 إلى 2000 شخص، وينشطون في المحافظات الجنوبية مثل ذي قار وواسط وفي أطراف البصرة، كما ينتشرون في أطراف مدينة مشهد الإيرانية.
وعن طبيعة تلك الحركات وأسباب ظهورها يقول الباحث في مجال الأنثروبولوجيا وعضو مجلس إدارة مركز رواق بغداد للسياسات العامة الدكتور علاء حميد، إن مفهوم القربان حاضر في التراث الديني، وله حضور في المرويات الاجتماعية، وإن قضية انحراف هذه الجماعة لم تكن ذات أهمية إلا بعد أن أخذت تمارس طقوسها.
ويوضح حميد لصحيفة العراق أن مسألة انحراف الجماعة تكمن فيما تقوم به وليس نابعا من موقف ديني، ولغاية الآن لم يظهر عليها أي توجه سياسي ولم تعبر عن مطالب، لكن تعامل الدولة معها نابع من أثر طقس التضحية بالنفس الذي تقوم به، والتفات المجتمع لمن يضحون بأنفسهم وموقف ذويهم مما يقومون به، وأشار إلى أن موقف المؤسسات الدينية جاء عبر خطاب رجال دين أكدوا أن هذه الجماعة منحرفة عقائديا.
رفض الدولة والمجتمع
يرى الباحث في الشأن الإسلامي الشيخ محمد الشويلي أن أي جماعة تدعي “المهدوية” تتلاشى وتضمحل بعد فترة من الزمن، وتبقى جماعة منبوذة داخل المجتمع ولا تؤثر تأثيرا معتدا به، بسبب ما تلاقيه من رفض قاطع من الدولة والمجتمع.
وحول أسباب ظهور تلك الحركات في مناطق جنوب العراق تحديدا، يؤكد الشويلي أن المجتمع فيه غير خارج عن مفهوم أن جميع الأديان السماوية تدعو للإيمان بيوم موعود للبشرية يسود فيه العدل والمساواة، وأن الأمر لا يقتصر على المسلمين أو غيرهم من أتباع الأديان السماوية، بل بجميع البشر حتى ممن لا يؤمن بدين أصلا.
وبصفته أستاذا في الحوزة العلمية الشيعية، يبين الشويلي أن حركة القربان تختلف عن سابقتها بأنها تعتمد مبدأ التضحية المباشرة للوصول إلى الغاية، وأن الموقف الديني لا يمكن إلا أن يقف ضدها، ويعتبر الانتماء لها محرم شرعا وقانونا، ويجب على المرجعيات الدينية اتخاذ موقف حازم منها، لأنها تحولت إلى مرض نفسي مبني على الوهم والخداع.
ومن الجدير بالذكر أن الدستور العراقي يجرّم ظهور مثل تلك الحركات، وتصل عقوبة تأسيسها أو الانتماء لها إلى المؤبد أو الإعدام وفقا لأحكام المادة رقم 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
كما تنص المادة السابعة من الدستور على حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرّض أو يمهّد أو يمجد أو يروج أو يبرر له.