قال طارق عباس في مقال له بعنوان“من قتل الزعيم؟”، وجاء فيه: “بحلول شهر سبتمبر سنة 1978، يبدو «هوارى بومدين»- الرئيس الثانى للجزائر بعد الاستقلال- وكأنه أهم زعماء تلك الفترة، فهو أمين عام منظمة دول عدم الانحياز، وأول رئيس يخطب بالعربية فى هيئة الأمم المتحدة، والمعنىّ بالدفاع عن القضايا العادلة لإفريقيا والعرب، خاصة قضية فلسطين، وهو صاحب قرار تأميم الغاز، والكثير من المشاريع التنموية فى مجال التعليم والتصنيع والزراعة والإسكان وغيرها من المشاريع التى جعلته معبود الجماهير فى الجزائر. كان – إذا صح التعبير – يعيش ربيع حكمه وعمره فى آن واحد، لأهمية إنجازاته وصغر سنه التى لم تتجاوز 46 عامًا. كانت النجاحات التى حققها تُشعرك أنه قد بلغ حدها الأقصى،

لكن الأيام دُوَل، تأخذ مثلما تعطى، وتُبكى كما تُضحِك، فهوارى الذى كان حتى الأمس القريب متربعًا على عرش الأصحاء مسلحًا بالعافية تتسلل إليه دوامة المرض شيئًا فشيئا، وقد بدأت بوجود دم فى الجهاز البولى للرئيس، لذلك أُجرِيَت له التحاليل والفحوصات اللازمة بأحد المستشفيات الكبيرة بالعاصمة الجزائرية، وجاء التشخيص الطبى هو: «سرطان المثانة»، كان من الطبيعى أن ينزعج الرئيس لما سمع ويدعو مجلس الثورة الجزائرى لاجتماع عاجل حضره كل من: «محمد بن أحمد عبدالغنى وزير الداخلية، وعبدالعزيز بوتفليقة وزير الشؤون الخارجية، وأحمد جاريا وزير النقل، والطيب العربى وزير الزراعة، وأحمد شريف وزير المياه، والصالح اليحياوى زعيم جبهة التحرير الوطنى، والشاذلى بن جديد قائد منطقة وهران»، حيث أخبرهم بسوء حالته الصحية، وعند غيابه عن الدولة مؤقتًا يتولى مكانه وزير الداخلية إلى حين عودته.”.

وتابع عباس: “فى تلك الأثناء وتحديدًا فى 7 سبتمبر 1978، أوفد الرئيس السورى حافظ الأسد مندوبه عبدالحليم خدام إلى هوارى بومدين، من أجل دعوة الأخير لحضور مؤتمر جبهة الصمود والتصدى، المقرر عقده فى دمشق بعد منتصف الشهر.. وجبهة الصمود والتصدى هذه تشكلت من الدول الرافضة زيارة أنور السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة السلام معها، وهذه الدول هى: «سوريا وليبيا وفلسطين والعراق والجزائر».. وعلى الفور، وافق بومدين على الدعوة، لكن نظرًا لسوء الحالة الصحية للرئيس، حاولت زوجته أنيسة منعه من السفر حرصًا عليه، إلا أنه أصر على موقفه وسافر لدمشق فعلًا لحضور المؤتمر، وفى طريقه إلى هناك زار العراق ويعتقد البعض أن صدام تآمر على بومدين أثناء تلك الزيارة وسَمَّه بمادة وُضِعَت له فى وجبة تناولها وهو فى الطائرة المتجهة بعد ذلك إلى دمشق، حضر الرئيس الجزائرى المؤتمر وكان الإعياء باديًا عليه منذ اللحظة التى نزل فيها أرض المطار، وبمجرد أن انتهى المؤتمر قرر – بسبب الإعياء الشديد – السفر ثانية فى نفس اليوم إلى بلده الجزائر.. عند وصوله، تلقفه الأطباء، فقد كانت حالته الصحية تسوء وتسوء، وأجروا له التحاليل والفحوصات اللازمة لتشخيص المرض الذى أصابه، وعندما سئل بومدين عما جرى له، قال: (تناولت وجبة الغذاء فى الطائرة، وبعدها أحسست بفقدان السيطرة على جسدى كله، وتملكنى الإعياء واشتد علىّ الصداع والمغص).”.

واختتم قائلا: “كان بومدين يرتعد من شدة الحمّى بعد أن وصلت درجة حرارته 40 أُعطِى بومدين الأدوية التى تصورها الأطباء سوف تحسّن من حالته، لكن لم تتحسن، ولم يطرأ عليها أى تحسّن، الأمر الذى جعل زوجة الرئيس تستشعر الخطر وتطلب علاجه فى الخارج، فى البداية اقترحت على بومدين السفر إلى الولايات المتحدة فرفض قائلا: (أخشى أن تقوم المخابرات الأمريكية بتصفيتى من أجل التخلص منى، فأنا لست صديقهم وهم ليسوا أصدقائى ولا يحسنون الظن بى)، فعاودت واقترحت عليه السفر للعلاج فى فرنسا، فرفض أيضا خوفًا من أن تتسرب أخبار حالته الصحية إلى وسائل الإعلام، ثم استطرد قائلًا: (الاتحاد السوفيتى هو الأفضل بالنسبة لى، لأنهم أصدقاؤنا وأصدقاء كل العرب، وسأكون هناك فى مأمن على نفسى وعلى حياتى).”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد