ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | العبادي المنتصر ونظام المتاهة الأميركية | علاء اللامي
|
الاخبار اللبنانية |
أظهر رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ذكاءً تكتيكياً ملحوظاً في عملية «فرض الأمن» في محافظة كركوك والمناطق الأخرى المنتزعة من قبل القوات الكردية «البيشمركة»، على افتراض غير مؤكد يقول إنه هو مطلق هذه العملية أو صاحب فكرتها! ولكن مشكلة العبادي ــ ومشكلة جميع زملائه من أقطاب النظام ــ هي أنه لا يحكم، بل يدير أزمة حكم مزمنة.
وعلى هذا فهو لا يستطيع الخروج على التبعية لواشنطن لأسباب عدة، منها أنه وحيد داخلياً، ومستهدف سياسياً حتى من شركائه وزملائه في التحالف المهيمن على الحكم «التحالف الوطني»، وأخيراً فهو من أقطاب النظام القائم ولم يصل إلى منصبه لولا أنه بمواصفاتهم من حيث الجوهر. وبعد النجاح المحرز في هذه العملية، وقبلها في الموصل وغيرها، توافرت أمام حيدر العبادي فرصة نادرة قد لا تتكرر مستقبلاً للخروج من نظام حكم المحاصصة الطائفية الذي صممه الاحتلال الأميركي على هيئة المتاهة العجيبة التي لا يمكن الخروج منها إلا بكسرها. فهل يجرؤ على فعل ذلك؟ ليس هناك ما يدفع إلى التفاؤل حتى الآن، ولكن لندقق الفكرة وسياقها: كنت قد كررتُ في مناسبات عديدة، طوال السنوات الماضية، أن نظام الحكم القائم اليوم هو نظام حكم طائفي إثني رجعي جوهراً، انتخابي ليبرالي زائف شكلاً، صممه الاحتلال الأميركي ليستمر قائماً ضعيفاً ولصوصياً يتشارك فيه جميع حلفاء الاحتلال من زاعمي تمثيل الطوائف والعرقيات «الإثنيات»، ولا يمكن أيَّ نظام ديموقراطي قائم حسب المعادلة المعروفة (أحزاب موالاة حاكمة مقابل أحزاب معارضة) أن يقوم. نجد مصداق ذلك في موافقة البارزاني الأخيرة على المفاوضات بعد سيطرة القوات العراقية الاتحادية على كركوك تحت سقف الدستور، ولكن مع شرط الأخذ بمبدأي (الشراكة والتوافق). و«التوافق» هو أشبه بالكود السري لحكم المحاصصة الطائفية الذي يشارك فيه جميع زاعمي تمثيل الطوائف والعرقيات التي يسميها الدستور العراقي الذي سُنَّ في عهد الاحتلال «المكونات»، عبر التوافق بينهم على الصغيرة والكبيرة بعيداً عن المبدأ الديموقراطي الذي خلاصته (الحكم للأغلبية المنتخبة وللأقلية المعارضة السلمية). لقد قرر الاحتلال وحلفاؤه المحليون أن هذا النظام التوافقي المحاصصاتي يجب أن يستمر، وبهذا الشكل لا بغيره، لتستمر معه تبعية العراق للولايات المتحدة والغرب، مع وجود حصة معينة من الهيمنة لإيران ذات النظام الطائفي دستورياً بموجب المادة 12 من دستورها. ومعروف أن الرئيس العراقي السابق الراحل جلال الطالباني وحزب «المجلس الأعلى» قبل انشقاقه، كانا من أكثر المتحمسين والمدافعين والمنظِّرين لنظام دولة المكونات، وقد التحق بهم الآخرون، بمن فيهم من يسمون أنفسهم يساريين ومدنيين بدأوا هذه الأيام بشتم النظام بعدما شاركوا في تأسيسه وصياغة دستوره بنحو مباشر وفعال، ونافسوهم في هذا الباب. إنَّ هذا النظام ــ المتاهة، مصمم أميركياً بحيث لا يمكن الخروج منه إلا بكسره، وبكسره قد يقع العراق في أجواء الاحتراب الداخلي بين المتنافسين داخل الطائفة الأكبر، أو الدخول في احتراب داخلي بين المتنافسين من زاعمي تمثيل الطوائف والإثنيات الرئيسية، وصولاً إلى فرض التقسيم كأمر واقع. فهل هناك فرصة أو خيار آخر غير هذا الخيار يضمن كسر المتاهة الأميركية والخروج منها دون كسر العراق عبر حرب أهلية أو تقسيم مفروض؟ إن فرصة الخروج من نظام المتاهة الأميركية سبق أن أتيحت واسعة لنوري المالكي في فترة وزارته الأولى، بعدما استعاد زمام المبادرة، وكبح ظاهرة الاقتتال الطائفي الذي بلغ ذروته في سنوات الجثث والقتل على الهوية بدءاً من سنة 2006. ثم شنَّ المالكي حملته المعروفة بـ«صولة الفرسان» لاحقاً ضد تفاقم الانفلات الأمني والسيطرة الكلية أو الجزئية على مناطق ومدن كبرى كالبصرة من قبل التيار الصدري والتنظيمات المهدوية كجند السماء في الفرات الأوسط والجنوب. وحينها ارتفعت شعبية المالكي إلى أقصى حدٍّ لها بين العراقيين عموماً، وحتى بين جمهور المنطقة الغربية والشمالية مثل نينوى. وسمعنا آنذاك إطراءً وتفضيلاً له حتى من أشد خصومه السياسيين خارج النظام من البعثيين والإسلاميين السنّة على سائر زملائه. لكن المالكي أثار حفيظة التحالف الكردستاني الذي كان يراقبه ويحصي عليه أنفاسه داخل مكتبه الرئاسي وفي منزله الشخصي في المنطقة الخضراء، مثلما أثار حفيظةَ سلطات الاحتلال الأميركية وعداءَها، فعاقبته بقطع السلاح ومنع التعاون معه من قبل حلفائها الساسة الكرد والعرب السنّة. وأخيراً فقد أثار نشاط المالكي آنذاك حفيظة إيران الحريصة على استمرار بقاء الأحزاب الإسلامية الشيعية في حكم العراق، لكن الأخطر هو أن المالكي نفسه بدأ يشعر بالاهتزاز السياسي وأنه يخسر الكثير من كتلته الناخبة التقليدية ذات الولاءات الفرعية الطائفية الشيعية. ولأن عينه وفكره كانا على أصوات الطائفة وليس على صوت الشعب، فقد عاد أدراجه سريعاً إلى خندقه الطائفي، وحاول إحداث توازن سطحي عبر ضرب منافسيه من زاعمي التمثيل العربي السني، ثم حاول التحرش بحلفائه الساسة الكرد بعد أن ساومهم طويلاً وقدم لهم الكثير من الرشى السياسية والاقتصادية. وهنا فقد المالكي الاتزان السياسي وأصبح يتصرف وفق ردود الأفعال العصبية التي أوصلته أخيراً إلى العزلة والتطويق التام من قبل خصومه في مؤتمر أربيل، ولولا تدخل إيران وإيعازها إلى السيد الصدر بحجب أصواته عن المتحالفين الساعين إلى سحب الثقة منه آنذاك لأُسقِط بسهولة!
تحالف نوري المالكي أصبح أكثر قوةً بعد أحداث كركوك
لقد عُرِفَ المالكي بجرأته على الصعيد التكتيكي والشخصي، ولكنه كان متردداً وارتجالياً يفضل الحلول السهلة وغير المبدئية على الصعيد الاستراتيجي وفي القضايا الكبرى، ولهذا انتهت تجربته إلى الفشل الذريع. والسبب هو أنه لم يجرؤ على الخروج من المتاهة الأميركية، بل خضع لقوانينها حتى أسقطته أخيراً «القشة التي قصمت ظهر البعير» والتي جاءت تحديداً من المرجعية السيستانية تحت لافتة «المجرَّب لا يُجرَّب»! لقد ظل حكام العراق بعد الاحتلال الأميركي يحلمون ويطمحون إلى أن يكونوا كحكام العراق بعد الثورة الجمهورية في 14 تموز 1958، وأن يحكموا العراق كما حكمه مؤسس الجمهورية قاسم، ثم الأخوان عارف والبكر وحتى عدوهم الدموي صدام حسين. ولكنهم فشلوا في ذلك، لأنهم أرادوا أن يحكموا العراق باسم الطائفة وبقوة حزب الطائفة المتحالف مع الاحتلال الأجنبي، وليس باسم الشعب العراقي الواحد. أما مع زعامات ما قبل الاحتلال، وبرغم وجود نزوع طائفي شخصي من النوع التقليدي لدى بعضها، فقد كانت الدولة العراقية قائمة أصلاً على أساس المواطنة عموماً، لا على أساس المكونات الطائفية والعرقية. إن ما يتوافر للعبادي اليوم من نقاط قوة يفوق ما توافر للمالكي بكثير، ولكن العبادي أكثر التصاقاً من المالكي بقوى عديدة، ليس من مصلحتها إنهاء لعبة المتاهة. وهو في الوقت نفسه أكثر انكشافاً وهشاشة لخصومه لأسباب عديدة ومتناقضة. إلى ذلك، فالعبادي يتمتع في الوقت نفسه بصفات مواتية لا يتمتع بها سلفه المالكي، منها حجم الإنجازات والنجاحات العسكرية التي تحققت في عهدته الرئاسية. إضافة إلى مرونته وهدوئه في التعامل القيادي، وبعده النسبي عن المناخات الحزبية الطائفية، برغم كونه من العجينة السياسية والاجتماعية الحليفة للاحتلال ذاتها. مع ملاحظة أن الصفتين الأخيرتين (الهدوء والمرونة) قد لا تكونان نافعتين له انتخابياً في جو سياسي واستقطاب طائفي محتدمين، ومع مزاج عراقي حاد تجذبه اللغة النارية والسلوكيات العاصفة، لا الهدوء والرصانة اللتان تستهويان غالباً النخبة التي لا وزن لها انتخابياً! ولكنَّ المشكلة الكبيرة التي يعاني منها العبادي، كما قلنا، هي أنه جزء أصيل وعضوي ومؤسس من النظام التابع القائم، وهو لا يتمتع بأي استقلال أو طموح للاستقلال عن القوى التي تهيمن على العراق وتحرك البيادق على رقعة الحكم. غير أنه إذا تجرأ وبدأ المواجهة، فسيربح نقاط قوة قد لا يحلم بها حاكم عراقي آخر، وقد ينجح فعلاً في كسر المتاهة! فعل يجرؤ؟ إن دروس تجربته «الإصلاحية» الكاريكاتيرية التي انتهت إلى الفشل لا تبشر بالخير! وقد يتساءل البعض بحيادية وبهدف استشراف المستقبل: هل هناك خطوات عملية أو شعارات برنامجية استراتيجية قابلة للتنفيذ يمكن العبادي أو أي شخص في موقعه أن يقوم بها أو يجعلها برنامجاً عملياً له ليتقدم في محاولته للخروج من هذه المتاهة؟ هل هناك إمكانية فعلية لحدوث ذلك؟ ما هي القوى المؤهلة لمساندة تحرك كهذا، وما هي القوى المناهضة له؟ كيف سيكون موقف واشنطن وطهران وأنقرة من هذا الاحتمال؟ ولكن هذه الأسئلة تتعلق بموضوع آخر ذي صلة بآفاق الوضع الراهن، هو ما سنتوقف عنده في مناسبة أخرى. ولكننا سنلقي الآن نظرة على آخر تفاصيل المشهد السياسي العراقي ما بعد استعادة السيطرة على كركوك والمناطق المنتزعة من قبل البيشمركة الكردية غرب الخط الأزرق لسنة 2003 وتجدد الكلام والتحركات حول الانتخابات التشريعية في السنة المقبلة. جاء اقتراح مفوضية الانتخابات العراقية (المنتهية العهدة) إجراء الانتخابات التشريعية بتاريخ 12 حزيران 2018 بصيغة الاقتراح لا أكثر، ولهذا أكثر من دلالة، في وقت تصاعد فيه منسوب التشاؤم لدى التحالف الوطني في إجرائها في هذا الموعد. ثم جاء حسم عملية إمرار المفوضية الجديدة في البرلمان يوم الاثنين 23 تشرين الأول، على أساس المحاصصة الطائفية نفسها وبتشكيلة تمييزية طائفية أكثر استفزازاً حجبت حق التصويت عن ممثلي التركمان والمسيحيين «الكلدان والآشوريين» فيها، لتكون بمثابة خيط أمل جديد للساسة الشيعة المرتعبين من احتمال تأجيل وربما إلغاء الانتخابات المقبلة بما يفتح احتمال تدخل «السيد الأميركي» في اللعبة «العملية السياسية الأميركية» خلال فترة الشغور البرلماني. إن فترة الشغور هذه ستبدأ إذا أجلت الانتخابات التشريعية المقبلة وانتهت عهدة البرلمان الحالي، ومعه تحولت حكومة العبادي إلى حكومة تصريف أعمال بلا صلاحيات، وهنا يخشى الساسة الشيعة وحليفتهم إيران حصول ضغط أميركي باتجاه تشكيل حكومة طوارئ أو ما شابه ذلك بما ينهي هيمنتهم على الحكم! الارتياح في ردهات «التحالف الوطني ــ الشيعي» بعد انتخاب المفوضية يوم أمس قطعه تصريح جديد لتحالف اتحاد القوى ــ العربي السنّي على لسان النائب والقيادي فيه أحمد المساري قال فيه إن الانتخابات لن تجري في الموعد المحدد لاستحالة ذلك، متهماً الطرف الذي يصرّ على إجرائها في الموعد المقترح بأنه يتصرف (من وحي مصالحه الخاصة/ وكالة بغداد اليوم). يمكن القول إن حجة اتحاد القوى قوية جداً، فأي انتخابات يمكن أن تجري في المناطق الغربية والشمالية المدمرة بنسب عالية، وقد تحولت غالبية سكانها إلى نازحين في مخيمات في محافظاتهم أو خارجها؟ من التسريبات شبه المؤكدة التي جرى تداولها قبل أيام، ثمة واحد يفيد بأن المرجع السيستاني رفض الاستجابة لطلب ممثل الأمم المتحدة في العراق بتأجيل الانتخابات. ويبدو أن المرجع في رفضه هذا ــ إن صحت أنباؤه ــ يتناغم مع رغبة الأحزاب الإسلامية الشيعية بإجراء الانتخابات بأي طريقة كانت وعلى أسس المحاصصة الطائفية لضمان فوزها بأصوات كتلتها الناخبة التقليدية في الجنوب والفرات الأوسط وبغداد. كذلك إن رفض المرجع السيستاني تأجيل الانتخابات يؤكد أنه مستمر في القيام بدوره الذي يقوم به منذ سنة 2003 وحتى الآن، وهو دور توفير الحماية والغطاء المرجعي الديني والتعبوي الجماهيري للنظام السياسي القائم، ولإنقاذ هذا النظام من الانهيار. وبرغم ذلك، فلا يمكن ترجيح قيام المرجع السيستاني بهذا الدور في هذه الفترة وبالسهولة المتوقعة، وخصوصاً بعدما ثبت فشل هذا النظام وخطورته بالملموس، وإذا اتسع الخلاف بين الساسة في الطائفة الأكبر أو بين الساسة في المكونات الرئيسية الثلاثة، وعندها قد يلجأ ــ المرجع ــ إلى التزام الصمت أو تكرار بعض الكلام الإنشائي الجميل! وفي السياق، صدرت تصريحات متشنجة من نواب في تحالف المالكي «دولة القانون» الذي يعَدّ أكثر المذعورين من احتمال تأجيل أو إلغاء الانتخابات المحاصصاتية المقبلة. أما ما قالته النائبة حنان الفتلاوي لـ«الأخبار» عدد 23 تشرين الأول 2017 من أن الأمم المتحدة تدفع لإجراء الانتخابات في موعدها، فهو كلام غير دقيق، ولعل قولها إن العبادي من أشد الداعمين للتأجيل ينطوي على شيء من الحقيقة لحاجة هذا الأخير لترتيب أوراقه. إضافة إلى الرفض والممانعة وطلب التأجيل من قبل الساسة السنّة، هناك امتناع شبه أكيد لحزب البارزاني وحلفائه من المشاركة في الانتخابات القادمة، وقد يتطور هذا الامتناع إلى تحالف سياسي مع تحالف اتحاد القوى « السنّي» بقيادة آل النجيفي. مقابل ذلك، إن تحالف المالكي قويَ كثيراً بعد أحداث كركوك، وسيسرِّع الواقع الجديد من تشكل وتوسيع التحالف بين المالكي «دولة القانون» وسليم الجبوري والخنجر (إذا رفض آل النجيفي التنازل لهما عن قيادة الطائفة طوعاً) مع الساسة الكرد في السليمانية وكركوك (الطالبانيين والتغيير)، قد يدفع ذلك إلى تسريع تشكل التحالف المقابل بيت التيار الصدري والنجيفي وعلاوي، وتبقى قضية البارزاني معلقة، ولكن الصعوبات التي تواجه هذا التحالف قوية وكبيرة. سؤال آخر يُطرح هنا هو: هل سينجح الصدر في كسب العبادي وجعله رئيس التحالف الجديد بمواجهة المالكي داخل الطائفة؟ ليس هذا الاحتمال مرجحاً بقوة، برغم أن كون العبادي قريباً من الأميركيين لن يمنع الصدر من التحالف معه، فقد سبق للصدر أن تقارب مع من هو أقرب من العبادي إلى الأميركيين، ونقصد إياد علاوي والبارزاني، ولكن آخر التسريبات تقول إن العلاقات بين العبادي وتحالفه «دولة القانون» تحسنت كثيراً بعد كركوك، وربما اتخذ نوري المالكي قراراً بالتخلي عن الترشيح لمصلحة العبادي، ولكن بشروطه. هذه الشروط ستضمن للمالكي وشبكته السياسية التنظيمية في السلطة هيمنة شاملة ومستمرة على السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية والأمنية والإعلامية. هل سيفكّر العبادي في الانفصال وتأسيس قائمته الخاصة، أم أنه سيلتحق بتحالف الصدر؟ ليست هناك أسباب «انتخابية» تشجعه على ذلك، وهو يدرك أن العواطف والتأييد العفوي له في الشارع قصيرا العمر، خصوصاً بعد إفشال محاولته «الإصلاحية» الساذجة قبل عام تقريباً من قبل خصومه وحلفائه معاً، كذلك فإنه يدرك أنه سيتحول الى عدو للمالكي وتحالفه إذا فعل ذلك. الخلاصة: سواء أُجريت الانتخابات المقبلة في حزيران 2018 تحت شعار «بمن حضر» أي بغياب الساسة العرب السنّة «جناح آل النجيفي وحلفاؤهم» والكرد «جناح البارزاني وحلفاؤه» أو لم تُجرَ، فإن العملية السياسية الأميركية دخلت اليوم طوراً جديداً من موتها السريري بما يهدد بتحولها إلى «زومبي zombie» يهدد بالتهام الجميع من قبل الجميع! |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | كتالونيا وكردستان! |
صالح القلاب |
الجريدة الكويتية |
خلافاً لما يظن البعض ويعتقدون، فإنه لا شبه يصل إلى حدِّ التطابق بين خطوة “الاستفتاء” التي أقدم عليها مسعود البارزاني، واعتبرتها الحكومة العراقية، ومعها إيران وتركيا، خطوة انفصالية وانقسامية، والإعلان عن انشقاق إقليم كتالونيا الإسباني وتحوله إلى دولة مستقلة، وهذا قبل أن يخضع رئيسه كارليس بوتشيمون لضغط الحكومة الإسبانية التي أقالته من منصبه وقررت إجراء انتخابات لاحقة بهذا الإقليم، في فترة قريبة.
إنَّ أول أوجه الاختلاف بين هاتين القضيتين أو المشكلتين أو الأزمتين، هو أنَّ كردستان العراقية تعتبر جزءاً من امتداد قومي كردي في تركيا، وفي إيران وفي سورية، وهو أيضاً أنّ هذا الإقليم بقي “يطرح” نفسه كدولة مستقلة منذ أن أضفت عليه الولايات المتحدة الأميركية حمايتها في بداية تسعينيات القرن الماضي، وأنه شكّل، بكل أجهزته ومؤسساته ودوائره الحكومية وقواته العسكرية (البيشمركة)، وممثلياته الدبلوماسية في الخارج، كياناً مستقلاً تعاملت معه العديد من دول العالم، على أساس أنه لم يعد ملحقاً بالعراق ولا تابعاً للعاصمة العراقية.
وحقيقة، فإن هذا لا ينطبق إطلاقاً على إقليم كتالونيا الإسباني الذي له امتداد جغرافي وسكاني في فرنسا وحدها، الذي رغم نزعته الاستقلالية القديمة لم تتشكل فيه “ميليشيات” مسلحة، وبقيت أنشطته سلمية واقتصرت على التظاهرات والاحتجاجات والبيانات. وهنا، فربما أن إقليم “الباسك” المشترك الإسباني – الفرنسي قد شهد في فترات سابقة بعض المحاولات الميليشياوية التسليحية التي ما لبثت أن اختفت بعد انتكاس الثورة اليسارية، التي يعتبرها البعض ثورة شيوعية، في ثلاثينيات القرن الماضي، وانتصار الجنرال فرانسيسكو فرانكو، بدعم من معظم، إن لم يكن كل، الدول الأوروبية الغربية.
لكن، وبما أننا بصدد هذا الاستعراض التاريخي المقتضب، فإنه لابد من الإشارة إلى أن يويس كومباينس الذي لا يزال يعتبره الكتالونيون بطلهم القومي كان قد أعلن هذا الإقليم، في بدايات ومنتصف ثلاثينيات القرن الماضي، دولة في إطار جمهورية إسبانيا الاتحادية، التي لم تكن قائمة، لكن هذا الثائر الكتالوني ما لبث أن استسلم لقوات النظام الإسباني، ولجأ إلى فرنسا لاحقاً، وألقى الألمانُ النازيون المحتلون القبض عليه في عام 1940، وقاموا بتسليمه إلى الجنرال فرانكو، الذي نفذ به حكم الإعدام في قلعة مونتغويك المطلة على مدينة برشلونة.
والمشكلة بالنسبة للكتالونيين الاستقلاليين أنَّ الاتحاد الأوروبي بدوله كلها ضد انفصالهم عن إسبانيا، وأنه ضد أي حركة انفصالية في أوروبا كلها، وأنه يسعى إلى أوروبا موحدة بهوية أوروبية واحدة، وبجواز سفر واحد، ثم إنّ المعروف أن هذه الـ “كتالونيا” تنعم بكل هذا الرخاء الاقتصادي، اعتماداً على الأوروبيين وعلى الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأوروبية، مما يجعل رئيسها الذي تمت إقالته كارليس بوتشيمون يذعن لإملاءات الحكومة الإسبانية المركزية، ويكتفي بالاعتراض الديمقراطي فقط، ويلجأ لـ”النضال” بالوسائل السلمية! |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | حوار طرشان في الموضوع الكردي
|
علي العبدالله | الحياة السعودية |
في سعيي إلى التعبير عن تعاطفي مع الكرد في محنتهم بعد الإجراءات التي اتخذتها طهران وأنقرة وبغداد ضد إقليم كردستان، نشرت على صفحتي في الـ «فايسبوك» دعوة «لجنة الأنشطة لمبادرة دعم استقلال كردستان- برلين» إلى تظاهرة في برلين يوم الجمعة 27/10/2017 تبدأ بالتجمع أمام السفارة الأميركية ثم تتوجه إلى الخارجية الألمانية احتجاجاً على الصمت الدولي عما يُجرى في الإقليم.
وكانت المفاجأة تعليق عدد من أصدقاء الصفحة من العرب، تعليقات سلبية بدأت بـ «مبروك أصبحت من الداعمين»، وثنى آخر بـ «يا للعار»، وثالث بـ « ليش علي العبدالله كردي؟».
لم أردّ على الأول، وكتبت رداً على الثاني قائلاً: «هذا رأيك وأنت حرّ بما ترى، موقفي من حقوق الكرد مرتبط بإيماني بالعدل والمساواة بين البشر أفراداً وجماعات، وعدم التمييز فيها لاعتبارات عرقية أو دينية أو مذهبية». وقلت للثالث:» أنا عربي وافتخر، لكن كوني عربياً لا يعني بحال أن أكون متعصباً وأنكر على الآخرين حقوقهم، أنا مع العدل والمساواة وما أقبله لنفسي أقبله للآخرين، فالحرية والكرامة قيم إنسانية وهي حق لكل بني الإنسان من دون تمييز أو افتئات».
ردّ الثاني بلغة عامية قائلاً: «ومن قال لك إنني ضد الكرد أنا لست ضد الشعب الكردي ولكن أنا ضد الميليشيات والأحزاب الإرهابية الانفصالية الكردية هذا أولاً… ثانياً. عندما تدعو لمضاهره [تظاهرة] نصرة لاستقلال كردستان فأنت تؤيد الانفصال وتقسيم الدول العربية كالعراق وسورية وعندما تؤيد حق الأكراد بل انفصال فأنت إذاً لا تدرك أنك تؤيد أحزاباً خائنة للدين وللوطن وللشعب فالأحزاب والميليشيات التي تسعى الى الانفصال هي نفسها الميليشيات التي ساعدت وساندت النضام وإيران بحصار حلب وهي نفسها الأحزاب والمليشيات التي كانت تدخل الذخيرة للميليشيات الشيعية داخل نبل والزهراء عندما كان الجيش الحر محاصرها وهي نفسها التي طعنت الثورة السورية والشعب السوري وهي نفسها الميليشيات التي احتلت مناطق عربية كتل أبيض ومنبج والرقة والطبقة ومنعت أهلها من العودة وهجرتهم وجرفت قراهم ومنازلهم… هي نفسها الميليشيات التي تمنع السوريين العرب من دخول مناطق الحسكة والقامشلي وعفرين وغيرها إلا بوجود كفيل كردي… فمن هو العنصري والحاقد برأيك».
قلت: «صديقي يجب التمييز بين الحق الطبيعي وممارسات حزب مرفوضة، الكرد ليسوا مسؤولين عن ممارسات حزب الاتحاد الديموقراطي، مع ملاحظة أن ممارسات هذا الحزب جزء منها على خلفية عدائية وانتقامية، هي وليدة حالة العداء السائدة بين الكرد والعرب والتي تأسست على خلفية إنكار حق الكرد، وهذا لا يعني أنها مقبولة فإنا ضد كل تجاوز على حقوق المواطنين المدنيين من كل الأطراف، وقد كتبت ذلك في مقالات سابقة، وجزء منها ميداني وسياسي تستدعيه ظروف الحرب والمساومات على الحل التي ستلي وقف الحرب. أما الدعوة للتظاهرة فمرتبطة بحقيقتين أولاها تأييدي قيام دولة كردية في مناطق يتفق عليها وفق المعطيات والحقائق الجغرافية والتاريخية الراسخة، وثانيها ضرورة تحريك الرأي العام الدولي حتى لا يتشجع دعاة الحسم العسكري في إيران والحشد الشعبي ويتهورون ويهاجموا إقليم كردستان وندخل في دورة حرب لقرن آخر».
قال رابع: «هل طالبت الأكراد بالخروج بتظاهرات لإنقاذ أهلنا من الموت؟ هل طالبت الأكراد بالسماح لأهلنا بأن يدخلوا مدينتهم الحسكة من دون كفيل؟ أين الأكراد من القضية الإنسانية وحقوق الإنسان… لسنا ضد حقوق الأكراد وغير الأكراد عندما تحدد الحقوق بمنطق الحقوق».
رددت: «لو دققت في النص لوجدت أن الدعوة إلى التظاهرة موجهة من لجنة الأنشطة لمبادرة دعم استقلال كردستان، مجموعة كردية في برلين، وقد وضعتها على صفحتي تضامناً وتأييداً، فأنا مع دولة كردية في حدود متوافق عليها كي ننهي صراعاً امتد واستنزف أرواحاً وإمكانات شعوبنا، أنا كما يقولون مع طلاق بائن ولست مع زواج فاسد».
انضم إعلامي قدير من المعارضة إلى السجال وكتب قائلاً: «بس لو نعرف ما هي حقوق الأكراد، وهل لها نهاية. وهل يحق لتنظيم كردي تركي أن يحتل ربع الأراضي السورية. الحديث عن حقوق من حصل على حقوقه كاملة وبدأ بالعدوان على حقوق غيره… هو مشاركة في العدوان وتأييد له. هناك مدن عربية (مثل منبج) يحتلها البيدة على رغم أن داعش غادرها ولا يوجد أي خطر من أن يعود اليها. حقوق العرب السوريين ليست ملكاً شخصياً فائضاً يوزع على الأصدقاء والأحباب».
قلت عزيزي: «أنا أميز بين حق شعب ظلم ومشاريع أحزاب تريد الحصول على شرعية وشعبية فتطرح مشاريع كبيرة وتقوم بأعمال مرفوضة لأنها تتجاوز على حقوق غيرها. لذا أنا لم أكن مع برنامج حزب أو مجموعة أحزاب كردية. حقوق الشعب الكردي تحدد عند الجلوس على طاولة التفاوض للاتفاق على مخرج، هناك خرائط ووثائق وتاريخ معروف تحدد في ضوئه، لن تحدد جزافاً، المهم أن نقبل مبدأ المعاملة بالمثل، لا أرى منطقاً في موقف يطالب بفلسطين ويرفض حق الكرد، الكرد ككل خلق الله لهم كياناً ووجوداً وتاريخاً وثقافة، وجغرافيا يمكن تحديدها».
ردّ: «إذا سيطر الأكراد على كل الأراضي التي غالبية سكانها أكراد، وكل الأراضي والمدن التي أقلية من سكانها أكراد، ومدن ليس فيها ولم يكن فيها أي كردي أبداً… وبعد السيطرة حصل تحالف كردي مع الدول العظمى كافة يضمن بقاءهم في الأراضي هذه كلها، بما فيها الأراضي المغتصبة (الأراضي التي يسيطر عليها أكراد ولا يوجد ولم يوجد فيها يوماً ولا أقلية كردية) ألا يكون الأكراد قد نالوا حقوقهم؟ إذا نال الأكراد ٣ أضعاف الأراضي التي لهم حق فيها (بأوسع مفهوم لكلمة حق)، فما معنى المطالبة بحقوق الأكراد؟ صدقني معناها الوحيد هو دعوتهم لاغتصاب المزيد من المدن العربية، وتحويلهم إلى معتدين وظالمين ومغتصبين».
رددت: «ما تم حتى الآن ليس نهاية التاريخ، وما حصل من تمدد لقوات حزب الاتحاد الديموقراطي غير مقبول، وسوف تتم مراجعة الموقف عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على حل يرضي المواطنين من دون تمييز أو إجحاف. لا أحد يقول إن ما تم سيبقى كما هو وسيعاد النظر فيه أو يكون سبباً لحروب مديدة».
عندذاك، تذكرت ما أورده الدكتور غسان سلامة في كتابه «المجتمع والدولة في المشرق العربي»، حيث قال: تسأل العراقي هل أنت بعثي؟ فيجيب بالنفي، ولكن عندما تسأله عما يُجرى في البلاد يجيب بإجابات بعثية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | لا سلام في العراق
|
كمال مجيد
|
راي اليوم بريطانيا |
بعد نجاح ثورة 14 تموز خرج العراق من حلف بغداد. فاصيب الاستعمار الانجلو امريكي بصدمة غير متوقعة، لأنه كان مشغولاً حتى تلك الثورة باستخدام حكومة نوري السعيد لافشال الجمهورية العربية المتحدة، التي تكونت توا ً بين مصر وسوريا. فجأة ً ركز المستعمرون على اسقاط الحكومة العراقية الفتية وذلك ((لارجاع الحصان الهارب الى الاسطبل)) كما نشرت مجلة نيوزويك الامريكية ونقله ابراهيم علاوي في جريدة صوت الاحرار البغداية في صيف 1959. وبعد فشل عدد من المحاولات لاسقاط حكومة الثورة، مثل عصيان عشيرة الجاف في كفري وحلبجة وعصيان رشيد لولان في بادينان ، اسرع شاه ايران وعين الجنرال ورهام ليقود محاربي الحزب الديمقراطي الكردي، بزعامة الملا مصطفى البارزاني، في ايلول 1961 ضد عبد الكريم قاسم. وبالرغم من شعار ((السلام في كردستان)) الذي رفعه الحزب الشيوعي الكبير، يعيش العراقيون منذ تلك السنة وحتى الآن في ظروف استثنائية شاذة، تخللتها الحروب المسلحة بين الحزب الكردي وكافة الحكومات التي تلت بدون استثناء. هذا اضافة الى الحروب المدمرة الكبيرة مثل الحرب العراقية – الايرانية ، 1980 – 1988، وحرب الكويت في 1991 وحرب الاحتلال في 2003 والتي تلتها المقاومة الشعبية ضد المحتلين واستمرت حتى 2011 . ثم بدأت الحرب ضد داعش منذ 2014 وحتى الآن. وجنبا ً الى جنب هذه الحروب نشبت حروب شرسة بين جناحي الحزب الكردي نفسه، وذلك بعد انشقاق جلال الطالباني ومكتبه السياسي عن مصطفى البارزاني سنة 1964. استمرت الحرب الاولى حتى سنة 1970 استنجد خلاله المكتب بشاه ايران ثم بحكومة بغداد سنة 1966. وبعد صلح هش اشتعلت الحرب الثانية في 1975 واتسعت الى داخل الاراضي التركية حين تم قتل علي عسكري، قائد الاتحاد الكردستاني، من قبل قوات البارزاني، بقيادة سامي عبد الرحمن . استمرت المعارك حتى 1986 بتأسيس الجبهة الكردستانية بين الطرفين، بأمر من امريكا، لمحاربة بغداد والتحضير لحرب الكويت. ومع تكوين حكومة اربيل اتفق مسعود البارزاني وجلال الطالباني، دون الاستشارة ببرلمانهما الجديد، مع حكومة تورغد اوزال التركية لمحاربة حزب العمال الكردي (بي كا كا ) في 7/10/1992 ( راجع تقرير بام اوتول، مراسلة البي بي سي والغارديان من انقرة في نفس اليوم ) ومازالت حكومة مسعود البارزاني متعاونة مع تركيا لتنفيذ هذه الحرب. وفي 23/10/1993 نشبت حرب جبهوية واسعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (لجلال الطالباني) ضد قوات الحركة الاسلامية في اطراف حلبجة واستمرت حتى نهاية تلك السنة. (راجع تفاصيلها في جريدة نداء الرافدين الدمشقية الاسلامية التابعة لمحمد باقر الحكيم، العدد 66 في 2/11/1993). وبعد انشقاق الحركة الاسلامية الكردية استمرت الحرب ضد ما سمي بـ ((الاكراد الافغان)) حيث تم قتل شوكت حاجي مشير، عضو اللجنة المركزية للحزب. تم اعلان الهدنة بين هؤلاء مع المحتلين الامريكان بعد سقوط بغداد في 9/4/2003. نشبت الحرب الثالثة بين حزبي مسعود وجلال حول مدخولات ابراهيم خليل في 1/5/1994 التي كانت مسعود ينالها دون جلال. واستمرت الحرب حتى 22 ايلول/ سبتمبر 1998 في اتفاقية واشنطن بين الطرفين مع اشراف الحكومة التركية لتانسو جيلرعلى المصالحة والتي استخدمتهما لمحاربة اكراد تركيا من جديد. بلا شك بلغ مجموع القتلى اكثر من مليونين عراقي وجرح عدة ملايين أخرين. هناك الكثيرون من الجهلاء الذين يتهمون الشعب العراقي، بعربه واكراده، بالعنف. والحقيقة قدم هذا الشعب المظلوم، بالرغم منه وكسرا ً لشوكته، الملايين من الضحايا دون ان يذوق طعم السلام والحياة الآمنه في ظل حكومة منتخبة من قبله. من الضروري الاشارة الى أن في العراق، عدا الاكراد والعرب، هناك التركمان والكلدو آشوريون والارمن والشبك وهناك ايضا ً الاقليات الدينية كاليزيديين والصابئة، وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة ولكنهم نالو الامرين وقدموا الشهداء اكثر من نسبتهم السكانية، مما اجبر الكثيرين منهم على ترك العراق بالجملة ولسان حالهم يقول: اخي ان عـاد بعـد اليوم جنـدي لأوطانه والقى جسمه المنهوك في احضان خلانه فأيـن النصـر احرزه ليهديـه لأعـوانه !؟ من المؤسف هناك الكثيرون لم يستمعوا الى الرئيس ترامب وهو يصف العراق ويقول ((علينا ان نسيطر على نفط العراق . )) ويسخر من الذين يشيرون الى سيادة العراق بالقول: ((ليس هناك شئ اسمه العراق والحكام يفرهدون كل شئ.)) اسمع تصريحاته على الرابط التالي: جمهورية اقوى دولة في العالم لايعترف بسيادة العراق ولا بحكامه ويلح على احتلال العراق للسيطرة على نفطه دون ان يدرك شئ اسمه مجلس الامن. بعد الاستفتاء البارزاني في 25/9/2017 لشق الشعب العراقي المسكين، تمكن الجيش العراقي من السيطرة على كركوك في 15/10/2017 . مباشرة ً رفع مؤيدو مسعود شعار السلام بحجة ان المنطقة تعبت من الحروب وانها بحاجة الى السلام. وذهب العبادي الى حد الالتماس من ايران وامريكا لتنقلا خلافاتهما بعيدا ًعن العراق. ولكن بعد ايام تبين ان السلام لا وجود له في جدول اعمال امريكا، اذ ظهرت تصريحات وتهديدات مخيفة لاشعال حرب جديدة ، قد تتسع لتشمل ايران وحتى تركيا. ففي 25/10/2017 نشرت واشنطن بوست مقالا ً ، نقلتها سكاي بريس وقناة رووداو الموالية لمسعود ، بقلم كبيرة محللي الأبحاث الإعلامية بمركز أبحاث سياسات الشرق الأدنى بواشنطن راشيل أفراهام، تقول: (( أن كركوك سقطت في سيطرة الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي وقوات القدس التابعة لحرس الثورة الإيراني)) وأطلقت الكاتبة على هذه القوى مصطلح ((المحور الإيراني)) ثم اشارت إلى (( أن أبا مهدي المهندس، المطلوب من قبل أميركا بتهمة “الإرهاب” ، قد شارك في الهجوم على كوردستان العراق )) مضيفة أن ((هذا الهجوم يمثل إعلان حرب على الإقليم.)) ثم اكدت على أن ((هجوم “المحور الإيراني” نُفذ بدبابات وأسلحة ثقيلة زودتها امريكا الى القوات العراقية.)) خصيصا ً لمحاربة داعش لا غيرها. واردفت ((إلى أن السبيل الوحيد لوقف التهديد الإيراني هي دعم استقلال كوردستان العراق في هذه المرحلة الحاسمة.)) وأضافت : (( إن الكورد هم الوحيدون القادرون على ايقاف إيران عند حدها.)) اي انها طالبت الحكومة الامريكية بتاييد انفصال الاكراد ثم استخدامهم كمرتزقة من جديد ولكن للهجوم على ايران هذه المرة. وفي 26/10/2017 صدرت واشنطن بوست وفيها تحليل طويل تحت عنوان: (( امريكا سائرة نحو الاصطدام مع ايران في الشرق الاوسط)) يقوم فيه نيكولاس هيراس ،الموظف في مركز الامن الامريكي الجديد، بشرح الستراتيجية الجديدة لأمريكا بعد القضاء على داعش. ويختتم هيراس بالتصريح: (( كل التنظير الستراتيجي والبسطال على الارض، دون الغزو العسكري الجبهوي، لا يكفي لصد قابلية ايران في سير الاحداث في بغداد وكل العراق .)) واضاف: (( ودون زحف الجيش الامريكي الى دمشق لايمكن قطع ايران عن سوريا ولبنان. )) فالستراتيجية الامريكية الجديدة لا تجلب السلام لأنها مخططة لاحتلال الجيش الامريكي للعراق ومنه لكل المنطقة. وفي 26/10/2017 صدر بيان مشترك عاجل من قبل رئيس الكنغرس الامريكي بول رايان، مع رئيس لجنة الاستخبارات ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة القوات المسلحة الامريكية تهدد الحكومة العراقية وتطالبها بالدخول في المفاوضات مع ((حكومة اقليم كردستان)) وقبول (( تعليق نتائج الاستفتاء، مقابل وقف اطلاق النار والدخول في حوار على اساس الدستور.)) مؤكدا ً على أن (( الحشد الشعبي ليس لديه مكان في عراق سلمي وموحد ومستقر، مبينا أنه من الأهمية أن تستجيب الحكومة العراقية لقلق وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بشأن دور وأنشطة الحشد الشعبي، حيث تشعر واشنطن بقلق بالغ إزاء تورط إيران في العمليات الأخيرة. )) وفعلاً جرى اتصال تلفوني بين حيدر العبادي ومسعود البارزاني في نفس اليوم وتم وقف اطلاق النار بين الطرفين مباشرة في 27/10/2017 على اساس تجميد نتائج الاستفتاء برهة ً دون الغائها. اذن تطورت الاحداث لحماية مسعود مع الابقاء على نتائج الاستفتاء بغية الاستمرار في اشعال حروب جديدة. فاذا كانت الستراتيجية الامريكية الجديدة هي التي تقرر مصير العراق والمنطقة بالاعتماد على حزب مسعود وجيشه علينا ان نقرأ السلام على سلامة شعوبنا. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
البارزاني لم يَستقلْ وإنّما أُجبر على الاستقالة أمام بَرلمانٍ دِيمقراطيٍّ حُر.. لماذا لم تتدخّل أمريكا لحمايَته؟ وأين اختفى حُلفاؤه الإسرائيليون؟ وما هي الخَطيئة الكُبرى التي ارتكبها ولم يَعترف بِها.. وتَجنّبتها الصّحف؟
|
عبد الباري عطوان
|
راي اليوم بريطانيا |
السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كُردستان العِراق لم يَستقلْ طَوعًا، وإنّما جَرى إجباره على الاستقالة من قِبل برلمانٍ مُنتخب في اقتراعٍ نَزيه، وبَعد أن أدرك استحالة استمراره بعد الخطايا والأخطاء الكَبيرة التي ارتكبها في حق شَعبه، نتيجةَ قراراتهِ ومَواقِفه العنيدة التي قدّمت الشّخصي على العام، واجتهاداته السياسيّة غير المَدروسة. جَبهة الرّفض ضِد السيد البارزاني كانت تَنمو وتَزداد قوّةً، داخل حِزبه، والأحزاب الكُرديّة الأُخرى، وجاء إصرارهُ على إجراء الاستفتاء، ورَفض كُل النّصائح والتوسّلات من أقرب أصدقائه بالتأجيل، الضّربة القاضية التي وَضعت نُقطة النهاية لحُكمه، وربّما لحياتِه السياسيّة أيضًا. السيد البارزاني لم يُدرك أمرًا أساسيًّا غابَ عن ذِهنه، وكُل حِساباته وهو أن العراق تغيّر، ولم يَعُد ذلك البَلد الضّعيف الذي لم يُحرّك ساكنًا لكُل تجاوزاته الدستوريّة، وانهارت قوّاته أمام البِشمرغة في كركوك وسنجار، مِثلما انهارت قَبلها أمام “الدولة الإسلاميّة” (داعش) في مناطقٍ عديدةٍ في شمال العراق ووسطه، عراق اليوم باتَ أكثر قوّةً، وتُوجد فيه قوى عسكريّة لا يُمكن التّقليل من شَأنها، ويَنتمي إلى مِحورٍ إقليميٍّ جديد يَفرض نَفسه على المِنطقة بأسرها، حَسَم الأمور لصالِحه في سورية، وها هو يَحسمها لصالِحه أيضًا في شمال العراق. *** بعد الاستفتاء كان من الصّعب قِيامَ أيِّ تنسيقٍ أو تعاونٍ بين السيد البارزاني وحُكومة بغداد الاتحاديّة، ولا نُبالغ إذا قُلنا أنّه قدّم “الهديّة” التي لم تَكن تَحلُم بها هذهِ الحُكومة، وكل دُول الجِوار الأُخرى، مثل إيران وتركيا، ونحن نتحدّث هُنا عن “الاستفتاء” الذي جاءَ في الوقت الخطأ وللأسباب الخطأ، وأدّى إلى النّتائج الخَطأ “بارازانيًّا”، وليس عراقيًّا أو تركيًّا او إيرانيًّا. لعلّ السيد البارزاني استوعبَ الدّروس المُستخلصةَ من هذهِ الكارثة، التي دمّرت أربعين عامًا من إرثه السّياسي، وإرث أُسرته، اتفقنا معه أو اختلفنا، وأبرز هذهِ الدّروس هو اعتماده على الولايات المتحدة الأمريكيّة والغَرب، ورِهانه على تدخّلها لإنقاذه، ونَسي أن أمريكا لا تُريد العَرب والأكراد إلا عُملاء، وأوراق تَرمي بِها إلى سلّة القاذورات عندما تَنتهي حاجتها مِنهم. أمريكا التي قَدّم لها الرئيس البارزاني خدماتٍ جليلةٍ، ومن بَينها التآمر على حُكومة بغداد، وتغيير النّظام فيها بعد احتلال العراق، وقتل مليون من أبنائه، إلى جانب مِئات الآلاف من شُهداء الحِصار، أمريكا كانت أول من تخلّى عنه، ورحّبت باستقالته، وباتت تَبحث عن البَديل. اعتقد السيد البارزاني مُخطئًا أن حظّه مع أمريكا وإسرائيل سَيكون أفضل من حظ والده، مِثلما اعتقد أن تَسهيله للعُدوان على بغداد والمُشاركة فيه، وتوفير الغِطاء له، سيُشكّل حصانةً أبديّةً له، وحمايةً أمريكيّةً مفتوحة النّهايات لأُسرته ونِظامه، وها هي “تُغيّره” بطريقةٍ مُهينةٍ جدًّا، لم تَخطر بباله مُطلقًا. لا نتّفق معه في قَوله أن قوّات البِشمرغة التّابعة للسليمانيّة وخُصومه الطالبانيين قد ارتكبت “خيانة” عندما لم تُقاتل القوّات العراقيّة في كركوك، ونُؤكّد أن هؤلاء كانوا أكثر وطنيّةً وعقلانيّةً وحكمةً من قوّاته التي قاتلتها، فالقوّات التي أرادهم ان يُقاتلونها هي قوّات عراقيّة، تُمثّل حُكومةً اتحاديّةً، وَضع هو نَفسه دُستورها وقَوانينها، وأقسم على القرآن أن يَحترمها، ونَقَضَ العَهد وخانَ الأمانة. السيد البارزاني تساءل عن عَدمِ دَعم الولايات المتحدة لقوّاته، وعدم تصدّيها بالتّالي للقوّات العراقيّة الزّاحفة إلى كركوك، ومن حقّه أن يَسأل هذا السّؤال، وأن يَطرحه بشكلٍ غاضب، ولكن أليس من حقّنا أن نَسأله عن عدم تَوجيهه السّؤال نَفسه إلى حَليفه الإسرائيلي الذي اختفى من المَشهد تمامًا، وتَخلّى عنه في اللّحظات الحَرِجة، بعدما كانت أعلامه تُرفرِف في سَماء أربيل يوم الاستفتاء، ويَرقص رِجال مُوسادها على أنغام مهرجانات الاحتفال في الميادين العامّة؟ لا نُريد أن يَستمر السيد البارزاني في مُسلسل الأخطاء، واللّجوء إلى التّصعيد، فمَا قاله عن استمرارهِ في البَقاء كأحد أعضاء ميليشيا البِشمرغة، والعَودة إلى الجِبال “فأل” مُرعب، ويُؤكّد أن الرّجل لا يُريد قراءة المَشهد الكُردستاني قراءةً جيّدةً وصحيحة، ويَستخلص الدّروس جيّدًا، ويُسلّم بأنّ الزّمن تَغيّر، والمُعادلة السياسيّة في العراق وجِواره تغيّرت أيضًا، وما كان يَصْلُح قبل أربعين عامًا، لم يَعُد صالحًا اليوم. *** خِتامًا نقول بأنّ هذا ليسَ وقت الشّماتة، ونَربأ بالأشقاء العِراقيين، وخُصوم البارزاني خاصّةً، أن لا يتشفوّا بالرّجل في لحظةِ ضَعفه هذه، لأنّنا نَعتبر الأكراد، وأينما كانوا أُخوةً وأحبّة، والأقرب لنا كعَرب، فما يَجمعنا أضعاف ما يُفرّقنا، تَجمعنا العقيدة، والإرث الحَضاري، وروابط الجِوار، والتّاريخ المُشترك، وإذا جَرى تَفريقنا، وبَثْ الشّقاق بيننا، فهَو المُستعمر وفِتنَتُه الطائفيّة والعِرقيّة والسياسيّة، وهذا لا يَعني مُطلقًا أنّنا لا نَعترف ونُسلّم بأنّهم، أي الأشقاء الأكراد، تعرّضوا لمَظالم هي من بين الأضخم في المِنطقة، ودَفعوا أثمانًا غالية من أرواحهم ودِمائهم عندما تَصدّوا لها بشجاعةٍ ورجولة، كما أن الحُكومة الاتحاديّة الفاسدة ارتكبت الكَثير من الأخطاء بحقّهم، ويَجب أن تُصلحها وتُصلح نَفسها أيضًا. نتمنّى على الأشقاء الأكراد الذين، والله، نُحبّهم، أن يُدركوا جيّدًا أن إسرائيل لن تُحارب عنهم، ولا تَكن لهم أي من الوِد، وتَستخدمهم كأداةٍ ضِد إخوانهم العَرب والأتراك والإيرانيين، والشيء نَفسه يَنطبق على أمريكا، ونَقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء لنَفتح صفحةً جديدةً، لنُقاتل جميعًا أصحاب الفِتنة هؤلاء، ونَتعايش على أُسس الكَرامة والمُساواة والمَحبّة المُتبادلة، ونَبني صُروحًا ديمقراطيّةً، تَقودنا جميعًا إلى حَقن الدّماء، والرّخاء والتقدّم، والأوطان القويّة، فكُلّنا نَحتاج تقرير المَصير، والكرامة، والعزّة، والسيادة الوطنيّة، وتَحرير بُلداننا مِن المُستعمر الأجنبي، الذي ما زالَ جاثمًا على صُدورنا بشكلٍ مُباشر أو غيرِ مُباشر.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | حصاد” الدكتور خيرالدين حسيب | وليد الزبيدي
|
الوطن العمانية |
بعد أربعين عاما من الجهد والعمل والعطاء الثر المتواصل، أعلن المفكر الدكتور خيرالدين حسيب استقالته من رئاسة مركز دراسات الوحدة العربية، الذي يٌعد أهم وأفضل مؤسسة عربية عملت طيلة العقود الأربعة الماضية على قضايا الأمة وبذل رئيس المركز الجهود المتواصلة لتحقيق أهداف المركز. ما يؤسف له حقا، أن سبب الاستقالة جاءت على خلفية الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها المركز، وعلمت من صديق مشترك مع الدكتور حسيب، أن اخر محاولة كانت ببيع منزل العائلة ببغداد في محاولة لدرء خطر العوز عن المركز، لكن حتى هذه المحاولة لم تسعف خير الدين حسيب من الاستمرار في منح المركز دفقا وحيوية جديدة، في حين نشاهد – وللأسف الشديد – الأموال العربية تذهب لاقتتال العرب فيما بينهم، ومئات الملايين يتم صرفها لتغذية الصراعات في الوطن العربي، ومثل هذه المبالغ تصرف بسخاء لمؤسسات إعلامية وصحف غربية لمدح هذا الزعيم وشتم زعيم آخر، ولا نتحدث عن المليارات التي يتم هدرها في صفقات فساد معلومة ومجهولة، وفي حال حاول البعض احصاء المبالغ والأموال العربية المهدورة يوميا لواجه سيواحه بصعوبات جمة لأنها مبالغ طائلة ومتشعبة ومتناثرة في الكثير من الأقبية والزوايا. لا يستطيع احد نكران الدور الريادي الكبير الذي أداه مركز دراسات الوحدة العربية في عقد الندوات والمؤتمرات الخاصة بالقضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، كما اصدر المركز الكثير من الكتب ونشر البحوث التي تعالج جوانب حيوية في قضية العرب الاولى، واطلق مشاريع في التنوير وفي تحريك الساكن في العقلية العربية ، وقاد حملات للتذكير عن المسكوت عنه في قضايا الأمة. ومنذ ربع قرن ومركز دراسات الوحدة العربية وبجهود كبيرة ومتواصلة لم يتوقف عن رصد الأخطار المحيقة في العراق، بدءا بالحصار الذي نهش العراق وشعبه منذ العام 1990، وبعد ذلك قرارات مجلس الأمن التي تم تصميمها لتهيئة الظروف المناسبة والملائمة للغزو الأميركي للعراق في العام 2003، كما أن الدكتور خيرالدين ومؤسسات المركز الأخرى لم تتوقف عن النشاط لفضح الاحتلال، والعمل في الوقت نفسه مع القوى الوطنية العراقية والشخصيات والكفاءات لحشد الجهود باتجاه التخلص من الاحتلال وايجاد البدائل العلمية والعملية لانقاذ العراق من التدهور الخطير الذي عصف به وما زال. ليس ثمة تفسير لحصار مؤسسة عريقة قدمت الكثير للأمة واجيالها وحافظت على رسالتها ونهجها طيلة أربعة عقود، إلا لأنها ورئيسها حرصوا كل الحرص على مساعدة الأمة في النهوض وتجاوز محنتها، ولأن مشروع الدكتور حسيب ومركز دراسات الوحدة العربية تنويري ويجتهد في احداث صحوة حقيقية بين أبناء هذه الامة، فإن حصار المركز ومحاربة الفكر الذي يطرحه والشخصية العروبية القومية التي تقوده اصبح من مهام ومسؤوليات بل وواجبات الذين يقودون الأمة نحو المزيد من التدهور والتفتت والخراب. ربما لم يسمع الكثيرون من الذين لديهم القدرة على انقاذ هذه المؤسسة العربية الكبيرة والعريقة بالظروف التي يمر بها مركز دراسات الوحدة العربية، وقد يصل هذا المقال للبعض، عسى ولعل.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | تقسيم إقليم كردستان على الطاولة | عدنان حسين
|
الشرق الاوسط السعودية |
في بيان أصدرته الأسبوع الماضي عقب اجتماع في أربيل، حدّد 32 حزباً في كردستان العراق موقفها حيال الأزمة الناشبة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وهو موقف شدّد على «ضرورة الحفاظ على وحدة الصفّ بين الأطراف السياسية، وإدانة الهجمات العسكرية والقرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة العراقية ضد إقليم كردستان»، و«عدم التخلي عن نتائج الاستفتاء»، و«استعداد الإقليم لإجراء الحوار غير المشروط، على أساس الدستور وبعيداً عن سياسة فرض الأمر الواقع». البيان تضمّن أيضاً بنداً قالت فيه الأحزاب: «نرفض بشدّة أي خطوة باتجاه العودة إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين، ويجب أن يدخل إقليم كردستان موحداً إلى أي حوار مع الحكومة العراقية». هذا البند لم يُوضع كتحصيل حاصل، مثل الشعارات التعبوية التي تُخطّ على اللافتات، إنّما أُريد به إبلاغ رسالة في مواجهة حركة نشيطة لتحقيق ما أعلن البند رفضه له، وهو تقسيم إقليم كردستان العراق والعودة به إلى حال نشأت في منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما اختلف الحزبان الرئيسيان الحاكمان في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، على إدارة الإقليم وجباية الموارد المالية على نحو خاص. وقد انقسم الإقليم يومها على نفسه وخضع إلى إدارتين إثر صراع مسلح دام نحو ثلاث سنوات. إعلان الأحزاب الاثنين والثلاثين عن رفض العودة إلى أيام الانقسام والصراع المسلح لم يأتِ من فراغ، فمنذ مدّة تجرى جهود حثيثة لتفجير صراع بين الأحزاب الكردستانية على خلفية خلافات على الإدارة والموارد أيضاً انضمّت إليها حركة «غوران» (التغيير) والجماعة الإسلامية وسواهما ممن هم على علاقات وثيقة غير مكتومة مع إيران. الاستفتاء على حقّ تقرير المصير الجاري في الإقليم في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، وجد فيه المشتغلون على تقسيم الإقليم فرصة ثمينة، فحركة التغيير والجماعة الإسلامية وجناح في الاتحاد الوطني الكردستاني يقوده أفراد من عائلة الرئيس الراحل طالباني، عارضت الاستفتاء مباشرة أو مداورة، وتحمّست لإجراءات الحكومة العراقية بعد الاستفتاء، وبخاصة فرض سيطرتها على كركوك وسائر المناطق المتنازع عليها، بعد صفقة بين حكومات العراق وإيران وتركيا، وبتسهيل من جناح عائلة طالباني المتنفذ في كركوك، فكانت النتيجة أن تحمّست أطراف إيرانية وغيرها للدفع باتجاه أن تكون القوى الرافضة للاستفتاء ونتائجه «ممثلاً شرعياً وحيداً» لإقليم كردستان، وجعل مدينة السليمانية، معقل هذه المجموعات، عاصمة للإقليم، أو أقلّه مقراً لحكومة «إنقاذ وطني» تكون الطرف الذي يفاوض الحكومة الاتحادية في مرحلة ما بعد كركوك. من دون التقليل من شأن الدعم المالي واللوجيستي والسياسي الذي يُمكن أن تحظى به من بغداد وطهران وأنقرة مجموعات السليمانية التي لحقت بها الآن جماعات تركمانية في كركوك، لتحقيق فكرة التقسيم والإدارتين، فليس من المُتوقع أن تُكلّل هذه الجهود بالنجاح، إذ لم تزل للحزب الديمقراطي الكردستاني شعبية في صفوف الكرد، وعملية الاستفتاء زادت من هذه الشعبية في الواقع، وعليه ليس مُقدّراً أن يكون لهذه المساعي عواقب غير ممارسة الضغط على قيادة الديمقراطي الكردستاني لإضعاف دوره ونفوذه. من المُفترض أن حكومة بغداد على وجه الخصوص تُدرك واقع أن الحزب الديمقراطي ربما هو الآن، كما كان دائماً، الرقم الأصعب في المعادلة الكردية. على مدى تاريخ القضية الكردية في العراق لم تنجح أي من الحكومات التي استخدمت القوة لإنهاء الثورة الكردية، في إضعاف نفوذ «الديمقراطي الكردستاني» ودوره في الثورة. كل تلك الحكومات انتهت دائماً إلى الاتفاق مع هذا الحزب وليس مع أحد سواه، فلدى قيادته كان على الدوام قرار الحرب وقرار السلم. في عام 1966 تفاوضت حكومة عبد الرحمن البزاز مع الحزب لوقف القتال، على الرغم من أن مجموعة «المكتب السياسي» المنشقّة عن الحزب بقيادة إبراهيم أحمد وجلال طالباني كانت تتعاون مع الحكومة ولها مكاتب علنية في بغداد. تلك المفاوضات أسفرت عن اتفاق على وقف القتال بين القوات الحكومية والبيشمركة، فصدر على أثر الاتفاق بيان 29 يونيو (حزيران) 1966 الذي انقلب عليه وعلى البزاز لاحقاً العسكر. بعد انقلاب 17 يوليو (تموز) 1968 تفاوض الحكم البعثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضاً، مع أن جماعة «المكتب السياسي» كانت تعمل في بغداد ولديها مقارّ وصحيفة يومية، فأسفرت المفاوضات عن اتفاقية 11 مارس (آذار) 1970 وإعلان الحكم الذاتي. وفي 1991 عندما بدأت المفاوضات بعد الانتفاضة التي أعقبت حرب الخليج الثانية، ذهب وفد الجبهة الكردستانية إلى بغداد بقيادة جلال طالباني، لكنّ صدام حسين أصرّ على وجود رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في قيادة الوفد إلى جانب طالباني للمضي في المفاوضات، إدراكاً لنفوذ حزب بارزاني وعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام جدّي من دونه. وفي العهد الحالي كان الحزب الديمقراطي الكردستاني أحد القوى الرئيسة المقرّرة في عملية تشكيل الحكومات واختيار رؤسائها. في السياسة عادة ما يفضّل الأقوياء، أقوياء مثلهم لعقد الاتفاقات الراسخة والتحالفات القوية.. العراق لن يكون الاستثناء من هذه القاعدة. وإذا كانت تحركات أطراف إيرانية، مؤيّدة طوعاً أو كرهاً من أطراف كردستانية وعراقية، للإخلال بالمعادلة القائمة في إقليم كردستان العراق، تحقيقاً لمصلحة إيرانية، فليس هذه المصلحة متوافقة بالضرورة مع المصلحة العراقية، فلا بدّ أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المتطلّع إلى ولاية ثانية، يُدرك أن قيام إدارتين في الإقليم، إحداهما خاضعة لنفوذ إيران وخصوم العبادي المحليين، سيعني إطاحة الحلم بالولاية الثانية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | استفتاءات الانفصال بين مفهومي الأمة والدولة | مايكل غولدفارب
|
نيويورك تايمز |
أثارت استفتاءات الاستقلال الأخيرة في كردستان العراق وإقليم كاتالونيا الإسباني، وردود الفعل من جانب الحكومات المركزية في بغداد ومدريد، العديد من التساؤلات الملحة حول معنى الأمة في القرن الحادي والعشرين. ما هي الأمة؟ وما هي الدولة القومية؟ وهل تتساوى في المعنى مع الدولة؟ وهل الشعب، أو القبيلة، يتساويان في المعنى مع الأمة؟ وفي الاقتصاد العولميّ، ماذا تعني السيادة الوطنية على وجه الحقيقة؟ أغلب الظن عندي أن جلّ المواطنين الأميركيين لا تعنيهم هذه التساؤلات في شيء. فهم يعيشون تحت ظلال أمة واحدة غير قابلة للتجزؤ، حتى وإن لم تعد بلادهم تساورها هذه المشاعر في الآونة الأخيرة. ولكن «ما هي الأمة؟» هو سؤال ظل مطروحاً بإلحاح شديد في غير جزء من أجزاء العالم على مدى ما لا يقل عن ثلاثين سنة منذ نهاية الحرب الباردة. ولقد تمخضت 15 دولة جديدة – قديمة عن الاتحاد السوفياتي وحده. ولقد أعادت دول الكتلة الأوروبية الشرقية تعريف ذاتها كذلك. وفي غضون خمس سنوات فحسب من سقوط حائط برلين، وافقت ألمانيا الشرقية على «بيع الذات» إلى ألمانيا الغربية. وتجزأت تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتين مستقلتين إثر مفاوضات بهذا الشأن. ثم تحولت يوغوسلافيا في خاتمة المطاف إلى سبع دول كان مخاضها عسيراً للغاية إذ ضمخته الكثير من الدماء والأشلاء. ولم تفلح أغلب المجموعات في جهود قيام الدولة القومية الذاتية. والأكراد، على الرغم من عمليات القمع المريعة، لم تنهر محاولاتهم أبداً سعياً وراء قيام «أمة» خاصة بهم. ولفهم هذه الرغبة الملحة لإعادة رسم الخريطة، علينا إمعان النظر في التاريخ الإمبريالي الحديث. كانت حدود كل من كردستان ويوغوسلافيا معروفة وثابتة مع انهيار الإمبراطورية العثمانية والنمساوية الهنغارية إبان نهاية الحرب العالمية الأولى. وكانت الخطوط الحدودية لا تعني الكثير بالنسبة للتطلعات الوطنية، ولكنها كانت تعبر عن كل شيء فيما يتعلق بمصالح الإمبراطوريات المنتصرة في الحرب الكبرى. كانت الحدود تحت حماية القوى الإمبريالية التي حلت محل الإمبراطورية البريطانية والفرنسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ونعني الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. كانت التحديات التي تواجه الفكرة القائمة للأمة قد بدأت مع انهيار الشيوعية. ثم توسعت رقعة الفكرة مع بدء تصدع الدول الغربية في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وتمخضت فكرة البريكست (الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي) عن الجدال الداخلي البريطاني الذي كان يعتمل في صدور البريطانيين منذ الأزمة المالية العالمية بشأن «ماهية أمتهم» وما ينبغي أن تكون عليه. وعززت الأزمة المالية العالمية من الدعم للحزب القومي الأسكوتلندي، الذي حاز الأغلبية في البرلمان الأسكوتلندي في انتخابات عام 2011 التشريعية. وفي عام 2014 طُولب الناخبون الأسكوتلنديون في استفتاء شعبي بالإجابة على التساؤل التالي: «هل ينبغي أن تكون أسكوتلندا دولة مستقلة، نعم أم لا؟» وجاءت نتيجة الاستفتاء سلبية. ولكن هذا لم يكن فصل النهاية في تلك القصة نظراً لأن نزعة القومية الإنجليزية قد أثيرت. من وجهة نظر رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت ثاتشر، فإن الانضمام إلى أوروبا الاتحادية كان يعني زوال الاستقلال الوطني لبريطانيا. وكانت بريطانيا، نظراً لحجمها وأهميتها ضمن الاتحاد الأوروبي، قادرة على الانسحاب من الترتيبات التأسيسية لأوروبا الاتحادية واتفاقية شنغن، التي سمحت بحرية حركة المواطنين عبر الحدود الوطنية لدول الاتحاد، بالإضافة إلى العملة الموحدة، اليورو. فعلت المخاوف على السيادة الوطنية بالعقل الإنجليزي البراغماتي ما تفعله المخاوف بأغلب العقول؛ جعلتها تتصرف بطريقة غير «عقلانية». إلى أي مدى كان قرار كاتالونيا بعقد الاستفتاء على الاستقلال مديناً للتصويت الأسكوتلندي؟ وهل ارتكب كارليس بوتشيمون، زعيم البرلمان في كاتالونيا، خطأ فادحاً بافتراض أن سابقة التصويت السلمي في بريطانيا حول الاستقلال الأسكوتلندي تعني أن شعب كاتالونيا يمكن أن ينال نفس التصويت في نفس الأجواء السلمية؟ ألم يكن يعلم أن الاتحاد الأوروبي قد تعهد باحترام سيادة الدول الأعضاء الحاليين في الاتحاد، وأنه لن يتدخل عندما ترسل الحكومة الإسبانية قوات الحرس الوطني لإيقاف الاستفتاء؟ لقد أسفرت أزمة كاتالونيا عن طرح سؤال أخير حول ماهية الأمة؛ هل يمكن لدول أوروبا الغربية التطلع إلى الحفاظ على ثرواتها ومستويات المعيشة المرتفعة في الاقتصاد العولمي من دون حشد الأمم صوب غاية أكبر؟ إن بداية الإجابة على هذا السؤال المعاصر تأتي من الماضي. قبل نحو 5 قرون، وفي وقت مغاير تماماً من حيث الدفق السياسي والاقتصادي، سُـئل أحد النبلاء من بولندا، الذي أغفل التاريخ ذكر اسمه، حول هويته القومية. فأجاب قائلاً: «إنني أنتمي للأمة البولندية، وللوطن الليتواني، وللشعب الروثيني، وللأصول اليهودية». واتفقت تلك الإجابة تماماً مع وجهة نظر ألبرت ريفيرا، الذي يقود حزب يمين الوسط في كاتالونيا المناهض للاستقلال عن إسبانيا، والذي قال: «كاتالونيا هي موطني، وإسبانيا هي بلدي، وأوروبا هي مستقبلنا». هل يمكن لأوروبا أن تصبح أمة واحدة؟ إنه أحد أكبر الأسئلة المطروحة في القرن الحادي والعشرين. |