1 |
السؤال هو: ماذا حدث قبل داعش؟
|
هيفاء زنكنة
|
القدس العربي |
اتخذت تصريحات مسؤولي الحكومة العراقية، في الأيام الأخيرة، منحى جديدا، فيما يخص محافظة نينوى، شمال العراق، وعاصمتها الموصل. تحاول التصريحات الاجابة على سؤال أريد منه طمس جبال المصائب الأخرى التي يعيش في ظلها المواطنون، وهو : ماذا بعد داعش ؟ فالانتصار على « الدولة الاسلامية»، على مبعدة بضعة أمتار، اذا أخذنا المقياس المكاني، أو عدة ايام، بالمقياس الزمني، مع اغفال المقياس البشري لاحصاء الضحايا من المدنيين والمتقاتلين. تتناوب على تقديم الأجوبة جهات متعددة من بينها الحكومة ( بشقيها المركزي واقليم كردستان) والميليشيات ( الحشد الشعبي بأقسامه الثلاثة والعشائر) والمتعاقدين من دول التحالف بقيادة أمريكا. في داخل العراق، يتبين عند مراجعة أجوبة المسؤولين الحكوميين والساسة الذين يغذون شراهة استديوهات البث التلفزيوني، على مدى 24 ساعة يوميا، بان لدى الجميع وصفة جاهزة لـ «مرحلة ما بعد داعش»، قد تختلف مسمياتها، الا انها ذات مضمون واحد، وهو:» اعادة اعمار الموصل». الوصفة الاولى، هي التي أعلنها الأمين العام لمجلس الوزراء في 14 حزيران/يونيو 2017، بعنوان «الخطّة الاستراتيجيّة لإعمار الموصل». تم الاعلان عنها قبل أسبوعين فقط، وبعد ان بات حجم الدمار العمراني والبشري «واحداً من أسوأ التطوّرات التي شهدتها الحملة لتحرير المدينة»، حسب ممثلة البرنامج الإنمائيّ لمنظّمة الأمم المتّحدة في العراق، وبلغ عدد النازحين رقما قياسيا، مما يعطينا فكرة عن مدى قدرة المسؤولين الحكوميين، على التفكير الاستراتيجي وجديتهم في تنفيذ الخطط والمشاريع، وتشكل مؤشرا لما هو آت في الايام المقبلة. نقرأ في بيان صادر من وزارة التخطيط، بأن الاعمار سيكلف 100 مليار دولار على مدى عشرة اعوام، حسب الخطة الاستراتيجية، أو عشرين عاما، حسب «خطّة اعادة إعمار المناطق المحرّرة»، التي لا تقتصر، افتراضا، على محافظة نينوى بل تمتد إلى محافظات أخرى، تعرضت مدنها، كما الموصل، إلى التهديم بمعدل 70 بالمئة من بيوتها ومؤسساتها إلى المستشفيات والمدارس والجامعات ومحطات تزويد الطاقة والمياه، أي عموم البنية التحتية، بالاضافة إلى مأساة النازحين، قبل وبعد القاعدة وداعش، الذين تحولت معسكراتهم المؤقتة إلى شبه دائمية، لما تدره من أرباح للعديد من الجهات. من يقرأ الخطة الاستراتيجية لا يلام اذا ما فكر بأن هناك حكومة وطنية تعمل اولا وأخيرا من اجل مصلحة مواطنيها وانها سائرة، لا محالة، في طريق اعادة اعمار المدن المحررة. فكل شيء على الورق يبدو رائعا، كما كانت خطة «تحرير» العراق واعماره الموعود خلال ثلاثة أشهر فقط (مرّت هذه الأشهرالثلاثة ووعودها خمسون مرة منذ الاحتلال، ونحن الآن في الشهر الـ 170 بعد «التحرير» والخراب هو هو في محافظات العراق كلها تقريبا، او يزداد!)، الا ان مراجعة بسيطة لـ « انجازات « الحكومة الحالية، قبل انبثاق «داعش»، سيعيد ترتيب الصورة، بعيدا عن الرطانة السياسية، ونزاعات المتسابقين على رفع راية الانتصار، ليجعل الاولوية لأسئلة على غرار : من الذي سيتحمل تكلفة اصلاح الخراب، شبه الكلي، للمدن؟ ومن الذي سينفذ مشاريع الاعمار، وأعادة الامن والاستقرار، وما هو أعمق من ذلك أي اعادة الثقة بالحكومة وتعويض الضحايا والبدء بمجريات العدالة الانتقالية بمراحلها المختلفة؟ هل هي الحكومة العراقية المعروفة، عالميا، بأنها من الاوائل في قائمة الدول الأكثر فسادا بالعالم، والموصوفة عالميا، أيضا، بأنها حكومة فاشلة تديرها الميليشيات المسلحة الناشطة خارج نطاق القانون، المتغذية على الثروة النفطية بينما يعيش ثلث الشعب تحت خط الفقر؟ ماذا عن الطائفية التي تنخر المؤسسات؟ كيف سينفذ مشاريع تأهيل بيوت النازحين من يسرق مساعدات النازحين ويبيعها لهم؟ كيف ستنفذ مشاريع الاعمار والاصوات تتعالى مطالبة بحصة، في غنيمة الموصل، ثمنا لـ « دماء شهدائنا»، كما يصرح قادة الميليشيات، أو ملكا لأقليم كردستان ثمنا ل « شجاعة البشمركة» أو لأنها من المناطق «المتنازع عليها»، ويوم الاستفتاء على انفصال الاقليم سيحل قريبا؟ تشير تصريحات المسؤولين إلى ان البنك الدولي سيمنح العراق قروضا جديدة، بالاضافة إلى قرض بريطاني بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني، لتضاف إلى سابقاتها التي نعرف جيدا أين انتهت بينما سيتحمل المواطنون عبء تسديدها على مدى عقود. هناك حديث، ايضا، عن مساعدة دولية، والدول المانحة، كما يعرف الجميع، ليست منظمات خيرية بل تأتي مساعداتها مربوطة برزمة شروط لابد ان تنفذها الدولة المتلقية. يلخص الرئيس الامريكي دونالد ترامب هذه الرزمة تحت عنوان « النفط مقابل الاعمار». وهو تصريح يجب التعامل معه، بشكل جدي، اذا ما أريد للعراق ان يحافظ على ما تبقى من ثروته النفطية، خاصة بعد ان نفذ ترامب مشروع « العقود العسكرية مقابل الحماية» مع السعودية وبقية دول الخليج. الى جانب عقود الادارة الامريكية، العسكرية والاستخباراتية، يتحدث المسؤولون العراقيون عن عقود مع شركات أجنبية، من ذات الدول التي ساهمت بتدمير العراق. ولا تقتصر العقود على شركات الاعمار بل تتضمن، بطبيعة الحال، الشركات الأمنية الخاصة التي اصبحت ضرورة من ضرورات العمل في مناطق «ما بعد النزاع»، كبديل رخيص لقوات الاحتلال في توفيرها المرتزقة / الحماية/ الحراسة/ ادارة المعتقلات/ التحقيق مع المعتقلين والعمليات القذرة. واذا كانت سمة النظام العراقي الاولى هي الفساد فأن مسؤولية مأسسة الفساد، بشكله الواسع، هو الاحتلال الانكلو أمريكي عبر عقود الشركات الاحتكارية واستشراء ظاهرة الافلات من العقاب. ومن المفيد مراجعة مشاريع الاعمار التي بقيت حبرا على ورق بينما تلاشت مليارات الدولارات فسادا، ومثالها ما كشفته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، في 24 آذار/مارس 2013، عن عشر شركات عملاقة حققت أرباحاً طائلة قدرها 72 مليار دولار من خلال» مشاريع اعمار وخدمات دون أن تحقق تلك المشاريع أي شيء»، حسب السيناتور الديمقراطية كلير ماكاسكل. الملاحظ في ضجة التصريحات والبيانات والصراع اليومي حول من الذي سيحصل على ماذا في «مرحلة ما بعد داعش» ان الساسة والمسؤولين العراقيين والامريكيين وبقية دول التحالف اختاروا التعامي الانتقائي عن سؤال كان يجب ان يكون هو الاول لو كانت نية اعمار العراق، وليس الموصل وحدها، صادقة. السؤال هو: ما الذي حدث قبل داعش؟ |
|||
2 | شدة المأساة على أطفال الموصل
|
مينا العريبي
|
الشرق الاوسط السعودية |
يوماً تلو آخر تخرج الصور المؤلمة من الموصل… من صور بيوت مهدمة، إلى صور مدنيين يفرون وإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم، وبالطبع صور جامع النوري الكبير ومنارة «الحدباء» التي فجرها الحاقدون بعد أن وقفت شامخة لأكثر من 9 قرون. الواقع المؤلم هو أن هذه الصور باتت شبه «اعتيادية»؛ صور الدمار لم تعد تحرك الضمائر، إذ اعتادت عليها. إلا إنه من المستحيل أن نقبل بأن تصبح صور الأطفال وهم يتألمون «اعتيادية»، وإلا فسنخسر الحاضر والمستقبل. صور الأطفال العراقيين الذين يخرجون من الموصل وآثار المجاعة واضحة عليهم تدل على شدة المأساة في العراق. هل يعقل أن أطفالاً من أغنى دول العالم يعانون المجاعة في ديارهم؟ يبدو أن في العراق كل شيء جائز. وبالطبع، المسؤول الأول عن معاناة أطفال العراق هم الإرهابيون وحاملو السلاح غير الشرعيين. ولكن هذه نصف الصورة. لا يمكن إخلاء مسؤولية من لديه السلطة لمساعدتهم اليوم، بوجود تمثيل لكل المؤسسات والمنظمات الإنسانية، يعول عليهم في تحمل مسؤولية إيصال المساعدات للأطفال، فعلى سبيل المثال؛ «اليونيسيف» أطلقت حملة لتلقيح الأطفال الذين يأتون من مناطق خضعت لسيطرة «داعش» والذين لم يتلقوا أي تلقيح على مدار 3 سنوات مريرة. ولكن مسؤولية معاناة المواطنين العراقيين، خصوصاً الأطفال، تقع على عاتق الحكومة العراقية أولاً، وعليها أن تتحمل هذه المسؤولية. صور هؤلاء الأطفال تعيد إلى الذاكرة صور الأطفال الذين كانوا يعانون سوء التغذية الذي ظهر أيام حصار العراق بعد غزوه الكويت، وحينها كان يتذرع نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بأن العقوبات هي سبب هذه المعاناة، ولكن في الواقع كان النظام هو من فشل في توفير ما يحتاجه الشعب؛ فبينما كانت المواد المطلوبة تصل للقصر الجمهوري، بقيت المستشفيات خالية من الدواء والمستلزمات الطبية. وبالطبع، هناك اختلاف كبير بين نظام صدام والحكومة العراقية اليوم، والظروف تختلف، ولكن نقطة مسؤولية الدولة عن مواطنيها تنطبق في الحالتين. متى سيكون للعراق ساسة يحرصون على الشعب وعلى الدولة؟ الوقت بدأ يتجاوزنا لتأمين وتأهيل جيل جديد يستطيع إعادة بناء العراق وترسيخه. فبحسب «اليونيسيف»، هناك 4.9 مليون طفل عراقي مهدد اليوم بسبب النزاعات والجوع؛ 1.49 مليون منهم دون سن الخامسة. وتقول منظمة الهجرة الدولية إن 55 في المائة من النازحين من الموصل أطفال. ومن القضايا التي تهدد مستقبل العراق – بل المنطقة – عدم حصول مئات الآلاف من أطفال العراق على التعليم؛ وحتى من يحصل على التعليم، فهو في غالب الأحيان بمستوى رديء. هؤلاء هم أطباء ومعلمو ومهندسو العراق مستقبلاً… فماذا يحل بالبلاد من دونهم؟ وبحسب تقرير للأمم المتحدة بعنوان «تكلفة التعليم»، فإن العراق الدولة التي تخصص أقل نسبة من الإنفاق العام على التعليم؛ إذ مثّل الإنفاق العام على التعليم بين عامي 2015 و2016؛ 5.7 في المائة فقط من مجموع الإنفاق الحكومي. ومن المثير أن نصف الأطفال في مخيمات النازحين لا يحصلون على أي تعليم رسمي. اتباع سياسات قصيرة الأمد وعدم الاكتراث بهذه المسألة التي ستؤثر على مستقبل العراق أكثر من أي قضية أخرى، يجعل البلاد في خطر حقيقي. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل بعض الجهات العراقية التي تسعى لحماية التعليم في العراق؛ فعلى سبيل المثال، حرص وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي عبد الرزاق العيسى على تفقد جامعة الموصل بنفسه وحضور أول مناقشة لأطروحة دكتوراه في كلية العلوم بجامعة الموصل. حضوره فيه دلالة على الاهتمام بالموصل وبالمدن التي عانت ما عانته من «داعش» وتخلي كثيرين عنها. وبينما يواصل تحالف 62 دولة محاربة «داعش»، وتصرف المليارات من الدولارات على الأسلحة، ففي النهاية، سلاح العراق الحقيقي سيكون هؤلاء الأطفال. لا يحتمل العراق أن يخسر جيلاً آخر. وقد ضحى الجيش العراقي ومن سانده بالكثير من أجل إخراج «داعش» من الموصل، وتحمل ما تحمله أهل الموصل وباقي المناطق التي غزتها هذه المنظمة الإرهابية. و«التحرير» كلمة تعبر عن حالة احتلال سبقته وقام بها مجرمو «داعش»، ولكن من الصعب «الاحتفال به» وهناك أطفال يئنون تحت أنقاض بيوتهم ويعانون الجوع والعطش وهم يعيشون في مخيمات في هذا الصيف القاسي. |