1 تحليل مقالاتي المئة
ريتشارد ن هاس
بروجيكت سنديكيت
كان واضحا خلال العقدين المنصرمين أنه لا يوجد توافق ضمن السياسة الخارجية الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فالذي يوجد حاليا هو الحذر بسبب التدخلات العسكرية المكلفة في العراق وأفغانستان والصعود الشعبوي الذي أشعلته الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، وتزايد انعدام المساواة وانخفاض قدرة الناس على الارتقاء طبقيا.
إن هذا مقالي رقم 100 لوكالة بروجيكت سنديكت الإخبارية، وقد جاء هذا المقال بعد 20 عاما تقريبا من مقالي الأول، وكما هي الحال في معظم المناسبات المهمة فإنها تكون بمثابة فرصة جيدة لتحليل ما كتبته، وما الذي كانت تقوله كتاباتي عن العالم خلال العقدين المنصرمين وإلى أين نسير.
إن هناك ثلاثة مواضيع عامة بارزة في هذا الخصوص، وهي: أولا، كيف استطاع الشرق الأوسط أن يحظى باهتمام العالم بما في ذلك اهتمامي أنا شخصيا. إن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة تضم حوالي 6% من سكان العالم وعلى الرغم من امتلاكها لكميات هائلة من النفط فهي تشكل أقل من 5% من الإنتاج الاقتصادي العالمي، ولكنها لا تزال تهيمن على مساحة كبيرة من عناوين الأخبار بالإضافة إلى حصتها الكبيرة من الصراعات والإرهابيين واللاجئين.
يعزو البعض مشاكل الشرق الأوسط العديدة للقوى الاستعمارية الغربية، لكن هذه الحقبة أصبحت من الماضي البعيد، بحيث لا يمكن أن تبرر الفشل الحالي، وفي واقع الأمر فإن العديد من المستعمرات السابقة في أماكن أخرى من العالم تعيش في ازدهار.
ولكن على الرغم من ذلك فإن القوى الخارجية جعلت الأمور أكثر سوءا خلال العقدين المنصرمين سواء من خلال ما فعلته تلك القوى (مثل الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 وتدخل الناتو في ليبيا وروسيا في سورية) وما فشلت في القيام به.
هنا، أرغب في أن أشير إلى التردد الأميركي في التدخل في سورية حتى بعد أن تحدت الحكومة التحذيرات واستخدمت الأسلحة الكيماوية، وفي حين كان التدخل في ليبيا خاطئا فإنه كان يجب على الولايات المتحدة الأميركية وشركاءها الأوروبيين بعد أن اتخذوا ذلك القرار أن يعملوا على تثبيت الاستقرار في ذلك البلد بعد الإطاحة بمعمر القذافي.
لكن حصة الأسد من المسؤولية عن السجل السيئ للشرق الأوسط تقع على عاتق قادة المنطقة والذين فشلوا بشكل عام في توفير الفرص الاقتصادية أو الحقوق السياسية في أوطانهم والذين رفضوا الحلول الوسط من أجل تحقيق السلام، وعوضا عن ذلك رأينا صراعات طويلة ومكلفة في سورية واليمن وجمود في مصر وتلاشي الآمال في أي تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين.
إن الموضوع الثاني الذي ينبثق عن العقدين المنصرمين هو بروز آسيا كساحة رئيسة للعلاقات الدولية الحديثة. لقد كانت أوروبا المسرح الرئيس لمعظم أحداث القرن العشرين على مستوى العالم بما في ذلك حربان عالميتان ساخنتان وحرب باردة، واليوم جاء الدور على آسيا ففي هذه المنطقة نجد جزءا كبيرا من سكان العالم ومعظم إنتاج العالم الاقتصادي بالإضافة الى القوة العسكرية المتعاظمة، وفي تلك المنطقة تتواجه القوى الرئيسة في هذه الحقبة وجها لوجه.
إن الاخبار الطيبة هي أنه خلال العشرين سنة الماضية– في واقع الأمر منذ الحرب الباردة- بقيت آسيا مستقرة مما يعكس عامل الاستقرار الذي تؤديه أميركا والانتعاش الحاصل بفضل النمو الاقتصادي السريع.
إن السؤال الان هو ما إذا كان هذا الاستقرار سيستمر، ويبقى كاتجاه سائد اذا اخذنا بعين الاعتبار صعود الصين والاحتمالية شبه المؤكدة بأن كوريا الشمالية لن تحتفظ بقدراتها النووية والصاروخية، فحسب بل ستعمل على توسيعها بالاضافة الى النزاعات الطويلة في بحر الصين الجنوبي والشرقي وتايوان والعديد من الجزر والحدود.
والموضوع الثالث الذي تناولته في العديد من مقالاتي التسعة والتسعين السابقة هو نهاية العالم الذي نعرفه فلقد لخصت عناوين العديد من مقالاتي تلك النتيجة: “نهاية النظام العالم الليبرالي”، “الحرب الباردة 2″، “حقبة الفوضى”.
إن أحد أسباب هذا التقييم المتشائم هو البروز المتصاعد للصين والتي لا تزال غير ليبرالية داخليا وتنخرط في ممارسات غير عادلة كثيرة من اجل تعزيز موقفها التجاري وهي غير راغبة بشكل عام في تحمل مسؤوليات عالمية تتوافق مع قوتها. إن سببا آخر لذلك التشاؤم هو روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين والتي تسعى إلى انتهاك السيادة– وهي من أهم القواعد الأساسية للنظام العالمي– وذلك من خلال الجيوش التقليدية والرقمية على حد سواء بالإضافة الى توسع الفجوة بين التحديات العالمية مثل التغير المناخي ورغبة العالم في التعامل معها.
إن الفكرة الرئيسة لمقالي سنة 2013 “ماذا نعني بالمجتمع الدولي؟” لا تزال قائمة فهذه الجملة لا تزال تمثل مفهوما ينطوي على الطموح بدلا من الواقع.
إن هناك عاملا لا يزال بارزا في خضم هذا التدهور وهو رفض الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في تأدية دورها التقليدي بالعالم، فلقد كان واضحا خلال العقدين المنصرمين أنه لا يوجد توافق ضمن السياسة الخارجية الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فالذي يوجد حاليا هو الحذر بسبب التدخلات العسكرية المكلفة في العراق وأفغانستان والصعود الشعبوي الذي أشعلته الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، وتزايد انعدام المساواة وانخفاض قدرة الناس على الارتقاء طبقيا.
إن هذه الخلفية هي التي أدت إلى انتخاب الرئيس دونالد ترامب وخلال فترة تزيد على عامين ساهم ترامب في تأجيج الاضطرابات العالمية، وذلك من خلال خليط فريد من عدائه للمنظمات المتعددة الأطراف، ومن التحالفات واستخدامه الدائم للرسوم الجمركية والعقوبات، وذلك لتحقيق أهداف طموحة للغاية، ولدرجة أنها غير واقعية، كما قام ترامب بزيادة الإنفاق العسكري مع تقليص العمل العسكري، بالإضافة الى تقليصه وبشكل كبير لجهود الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان وولعه بالقادة الأقوياء وإيمانه بدبلوماسيته الشخصية لا بالدبلوماسيين المحترفين.
كما ذكرت أعلاه فلقد ساهمت كل تلك الأمور في تلاشي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة والعالم الذي سيحل مكانه لا يزال غامضا فترامب هو شخص يفضل التعطيل على البناء، وهكذا فإن العشرين سنة القادمة مرشحة لتكون أكثر اضطرابا من العشرين سنة الماضية، ومن المؤسف أن أقول إنه ستكون هناك الكثير من المواضيع التي ستكون كافية لمئة مقال آخر على أقل تقدير.
2 إيران بين الخطاب الدبلوماسي ولغة الثورة!
بينة الملحم الرياض السعودية
على إثر اقتراح النظام الإيراني توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة استوقفتني تغريدة سمو الأمير عبدالرحمن مساعد التي علّق على الخبر قائلاً: “اقتراح إيران بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع الدول الخليجية مضحك.. فعدوانها ليس مباشراً بل عبر وكلائها في المنطقة وخلاياها الذين تدعمهم علنًا”، صدق الأمير وأصاب كبد الحقيقة. فمن المفارقات الساخرة أن إيران التي لم تبق دولة خليجية إلا وطالها من تدخل إيران السري والعلني بشؤونها ما يزعج ويقلق من خلال التآمر على أمنها الوطني، وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها، وضربها لكل أعراف حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية بعرض الحائط ولا تفقه سوى السلوك العدائي في الخليج هي ذاتها من تقترح اليوم توقيع تلك الاتفاقية!
وبتأمل كل تصريحات إيران السياسية تجاه الخليج، نجد أنها تنقسم إلى قسمين، الأول: يكون دبلوماسياً ناعماً، يركز على حسن الجوار، وعلى الوحدة في المكان، والتعاون المشترك. أمّا القسم الثاني فهو الخطاب الثوري، وهو الذي يعبر عن “أيديولوجيا الثورة الإيرانية” تجاه دول الخليج، حيث تأتي مفردات الشيطنة، والأحاديث عن “فارسية الخليج” وعن كل الأطماع المختبئة وراء كواليس السياسة الإيرانية، هذا النوع الثاني هو الذي تركز عليه إيران منذ لبّت دول الخليج طلب حكومة البحرين بالاستعانة بقوات “درع الجزيرة” تلك القوة العسكرية خليجية التكوين والتأسيس والكوادر، منذ تلك اللحظة الاستثنائية والذكية وإيران تشعر أنها تفشل في مد نفوذها في الخليج للهيمنة على ولاءات المواطنين، فإيران فعلياً لا تتعامل مع جار إنما عدوّ اسمه “الخليج” حيث تغرس شبكات التجسس، وتشجع المعارضين على الانقلاب على حكامهم، وتدعم أي حراك تخريبي حيث إن الخطاب الثوري الإيراني لا يعبر سوى عن صميم مشروع إيران السري ويشرحه بوفاء، أما الخطابات الناعمة فهي للاستهلاك الإعلامي والدبلوماسي فقط.
التحدي الذي أمام إيران الآن هو أن تكون في حالها، وإذا ما أصرت على التمدد خارج حدودها فإن الصراع سيستمر وإيران فقط هي من سيدفع الثمن، فإيران قد دخلت حرباً ضد العراق وفِي سورية واليمن وخسرت الكثير ولم تربح شيئاً، وتدخل حروباً باردة مع الخليج وغير الخليج ثم لا تجني إلا الرماد، وما تطالب به الآن هو مجرد مناورة ومحاولة أخيرة منها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً بالمراوغة وليس إثبات حسن نيات فلا تصدقوا خطابات إيران الإعلامية والوسائل التي تدور في فلكها فهي مجرد مراوغات وأدوات تستخدم لمشروع “تصدير الثورة” الإيرانية الذي وضع منذ أوائل الثمانينات.
3 إيران ورغبة الهيمنة
تركي محمد السديري الحياة السعودية
كتب الدكتور عثمان الصيني مقالةً في جريدة الوطن الاثنين 20 أيار (مايو) 2019، بعنوان: «المعركة الحقيقية مع الأيديولوجيا الثورية الإيرانية». مقالة جميلة وتحليل أجمل من الدكتور عثمان الذي كتب في بداية المقالة أن إيران خميني وخامنئي ليست هي إيران الدولة الصفوية ولا الساسانية ولا حتى إيران قورش الكبير، فالدولة الفارسية منذ التاريخ القديم كانت حروبها التوسعية وسعيها إلى الهيمنة والسيطرة يقومان على أسباب جيوسياسية واقتصادية وعرقية وأحياناً دينية.
أنا هنا أتفق مع الدكتور عثمان على أن هذه الأسباب في أغلب الأحيان هي التي تسبب الحروب في كثير من الأماكن وليس حصراً على إيران، وأضيف على ذلك أن هذه الصفة تظهر بوضوح في إيران أكثر من غيرها من البلدان. ويقول الدكتور عثمان: «إن الخميني كان فقيهاً مجتهداً وفق المذهب الإمامي الاثنا عشري»، مشيرا إلى أن الخميني كان يشاهد الانجازات التي حققتها الماركسية في ذلك الوقت، وفي هذا إشارة إلى تأثره بها وهذا أمر لا لبس به.
من مبدأ اعرف عدوك جيداً كي تعرف طريقة التعامل معه، أود إضافة بعض المعلومات عن شخصية الخميني، إذ إنني عاصرت ثورته من بدايتها، ومن باب الصدف أنني كنت في بغداد وطبول الحرب تقرع بين إيران والعراق. الجميع يعرف من هو الخميني، لكن القليل منا يعرف الاسم الحقيقي للخميني ومن أين أتى!
الخميني «نسبة إلى بلدة خمين في إيران»، وقد سبق أن ذكرت بعض الصحف البريطانية أن اسمه الحقيقي هو «روزبه بسنديدة»، والده من جنوب الهند من طائفة السيخ وأمه بنت أحد كبار كهنة معبد السيخ في كشمير، هاجر والد الخميني إلى بلدة خمين وكان فقيراً فنزل بجوار معمم موسوي فرأى الفقراء يقدمون القرابين لمعمم الموسوي. بعد وفاة الأب الذي تحول من ديانة السيخ إلى التشيع وعمل خادماً عند المعمم الموسوي، غير الخميني اسمه إلى روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني.
بدأ الخميني ببث أفكاره التي استمدها من الثورة الاشتراكية، كما ذكر ذلك الدكتور عثمان بعد وفاة المعمم الموسوي، ضد شاه إيران، وأحياناً يربط تلك الأفكار بالناحية الدينية. بعد هروبه من إيران أقام لمدة قاربت الـ15 عاما بالنجف، إذ تعمّق خلالها بدراسة المذهب الشيعي الاثني عشري وأحوال الجالية الشيعية هناك. واصل الخميني بث رسائله المعارضة لشاه إيران، ما دعا الشاه للضغط على العراق لتسليمة أو إخراجه من أراضيها. أمام تلك الضغوط طلبت الحكومة العراقية من الخميني مغادرة أراضيها فلجأ إلى فرنسا، من فرنسا بدأ الخميني بث رسائله إلى الشعب الإيراني يدعوهم للثورة وإسقاط نظام الشاه عبر المسافرين وعبر أشرطة الكاسيت المهربة، مستعينا بفكرة ولاية «الولي الفقيه» التي طورها وبدأ يروّج لها أثناء وجوده بالنجف، مستغلا الاعتقاد السائد عند عامة الطائفة الشيعية بوجود الإمام المختفي الذي سيعود ليملأ الارض عدلا، حتى نجحت الثورة.
لا بد أن هذه العوامل أثّرت في شخصية الخميني، وخصوصا الاشتراكية والنظام القمعي للشاه وقراءته الدينية وأخيراً طرده من العراق، ما ولّد لديه حقداً على العراق خصوصاً والعرب على وجه العموم، هذا الحقد جعله بعد توليه السلطة يعلن عن تصدير الثورة ثم يتراجع عن ذلك، بسبب الانتقادات الدولية بتبرير مراوغ، ما يعني أنه يستخدم مبدأ التقية.
عند البحث في الموضوع الإيراني لا بد من المرور على ما يعرف بـ «مجاهدي خلق»، هذه المؤسسة تأسست عام 1965، أي قبل ثورة الخميني، على أيدي مثقفي إيران بهدف إسقاط نظام الشاه، عند قيام الثورة الإيرانية الخمينية كان لمنظمة مجاهدي خلق دور كبير في إنجاحها. نظام الشاه سبق له أن أعدم عددا من مؤسسيها وعددا كبيرا من أعضاء قيادتها، ما أدى إلى تمركز الجناح العسكري لها في معسكر أشرف بالعراق. لكن المنظمة، بعد قيامها بأعمال مضادة للحكم في إيران، صنفت منظمة إرهابية في عهد الرئيس الأميركي بيل كلنتون، ثم تبعه في ذلك عدد من الدول الأوروبية. في 2003 تم إصدار قرار من مجلس الحكم العراقي بطرد عناصر هذه المنظمة إلى خارج العراق. في 2016 تم نقل عناصر الحركة إلى 12 دولة أوروبية. الجدير ذكره أن من أهم رموز هذه الحركة مسعود رجوي الذي اغتيل في ظروف غامضة وجهت فيها أصابع الاتهام إلى النظام الإيراني ثم خلفته في قيادة المعارضة زوجته مريم رجوي.
بعد وفاة الخميني تولى موقع المرشد الأعلى للثورة وهو أعلى سلطة بالنظام الإيراني علي خامنئي الذي تشرّب أفكار الخميني وحولها من النظرية إلى التطبيق.
هنا سأتوقف لأن في مقالة الدكتور عثمان الصيني ما يكفي بهذا الشأن.
4 إيران وسياسة حافة الهاوية!
إبراهيم الصياد
الحياة السعودية
نجحت الديبلوماسية السعودية في تحقيق ضبط النفس ورمَّت “الكرة” في الملعب الإيراني، بالإعلان عن رفض سياسة الاستفزاز العسكري والتمسك بالسلام طريقاً لحياة آمنة مستقرة لدول منطقة الخليج، وفي الوقت ذاته عدم قبول أي تمادي في ممارسات تتسم بالغرور والغطرسة من قبل حكومة طهران، ودعت الدول الخليجية والعربية إلى الوقوف على حقائق الوضع واتخاذ موقف حاسم يحمي المنطقة من مخاطر خلق المحاور.
وفي المقابل، فإن أقل ما يمكن أن يقال لتوصيف السياسة الإيرانية في منطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً، هو أنها سياسة “اللعب بالنار”، إذ تضغط طهران في اتجاه معاكس لما يجب أن يسود في العلاقات بين الدول من حالة استقرار وسلام، منتهزة فرصة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أبواب انتخابات الولاية الرئاسية الثانية، خصوصاً أن من صالح خصومه الديموقراطيين، أن يتورط في عمليات عسكرية تؤثر بلا شك على رأي الناخب الأميركي عندما يتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ويجدر بنا القول، إنه على رغم تهديدات ترامب التي تغلفها العنجهية، إلا أنه يدرك أن ليس من مصلحته الدخول في أي مغامرات عسكرية خارج حدود بلاده الآن، كما أن الخبرة التاريخية من غزو العراق في عام 2003، جعلت أميركا تتعلم درساً يبدو لي أنها استوعبته تماماً، وهو عدم المجازفة بجيوشها في عمليات خارجية مباشرة، لأن الكلفة في هذه الحالة ستكون باهظة جداً. وعليه، نرى أن لا الظروف السياسية المتعلقة بالانتخابات الأميركية المقبلة، ولا المصلحة العليا للولايات المتحدة، تسمحان بخوض حروب تقليدية على أي مستوى. ويبقى الخيار الذي يعتبر الأفضل للمصالح الأميركية، الدفع إلى شفير حرب بالوكالة وتلك طامة كبرى.
على أي حال، تعاملَ الجانب الأميركي مع إيران من خلال سياسة أخرى تعرف بسياسة “حافة الهاوية”، وهي مستقاة من فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وتعتمد على ممارسة نوع من “الردع” ضد الخصم، بشكل يشعره أنه قاب قوسين أو آدنى من التعرض لضربة عسكرية قاصمة. وبذلك، يصبح القرار بأيدي الطرف الآخر المتحكم في آليات الموقف، ما يجبر الخصم على تقديم تنازلات مؤلمة. ولكننا نرى أن الظروف مختلفة جداً اليوم عن حقبة الحرب الباردة في خمسينات وستينات القرن الماضي. حينها، كانت الحرب الباردة بين قطبين، أما الآن فنحن نعيش عصر القطب الواحد وهو الولايات المتحدة، على رغم وجود دول كبرى مثل روسيا والاتحاد الأوروبي والصين واليابان. وكذلك هناك الكثير من المتغيرات الجديدة التي تحكم قرارات الحرب والسلام في عالم اليوم، منها أن عامل المصلحة القومية أضحى بمثابة حجر الزاوية في العلاقات الدولية، بعد انزواء عامل الأيديولوجيا السياسية على مستوى النزاعات بين الدول واستبدالها بالعامل المذهبي، وتعاظم دور الاقتصاد في دعم عامل القوة القومية للدول والشعوب، ولم يعد العدو مباشراً كما كان سابقاً، إذ استطاعت الولايات المتحدة أن تستبدل الشيوعية كعدو، بالتطرف، ومن ثم خلقَ نظام القطبية الآحادية ظاهرة الإرهاب على نحو كبير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في أوائل التسعينات. وأجبر هذا النظام العالمي الجديد، أطرافاً دولية وإقليمية على أن ترعى التنظيمات الإرهابية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. ومن بين هذه الأطراف ايران، ما يجعلنا نؤكد أن طهران في الفترة الأخيرة تشبَّهت بواشنطن في محاولة ممارسة سياسة حافة الهاوية من جانبها ضد جيرانها. لكن الممارسات الإيرانية جاءت بشكل “غير محترف”، فنجدها تراهن على متغير غير مضمون، وهو أوضاع السياسة الداخلية الأميركية وتأثيراتها على نتيجة الانتخابات المقبلة لإزاحة ترامب من البيت الأبيض. عموماً، قد يؤدي التهور والاستفزاز بأي شكل من الأشكال، إلى رد فعل عنيف يزيد من احتقان الموقف، ويؤثر على حالة ضبط النفس لاسيما في ظل وجود أطراف متعددة. ومن أشكال التهور الإيراني – إذا جاز التعبير – الاستمرار في الوقوف الداعم للتنظيمات والجماعات المتطرفة ومنها “جماعة الحوثيين” في اليمن، واستخدامها مخلب قط مكشوف ومعروف الهوية في مواجهة دول المنطقة، الأمر الذي قد يترتب عليه اختلال مفاجئ في قواعد اللعبة في أي لحظة نتيجة الاقتراب – بلا وعي – من حافة الهاوية، ويحنها ربما يحدث ما لا يحمد عقباه. مع هذا، نستبعد نشوب حرب خليجية بالمعنى التقليدي، غير أننا نقول إن الخطر يظل قائماً مع تمسك ايران بسياسة اللعب بالنار.
ولا يمكن أن نغض الطرف أيضاً، عن الدور الايراني الخفي أحياناً والمفضوح أحياناً أخرى في تسييس الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة في بعض دول الخليج والشرق الأوسط، لخلق صراعات طائفية تؤثر على استقرار ووحدة هذه الدول. وبهذا، تؤدي إيران دوراً رئيساً في سيناريو الفوضى الخلّاقة، الذي يهدف الى تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة. ويبقى السؤال الذي اعتدنا طرحه عند تناول أحوال المشهد العربي: أين جامعة الدول العربية من كل هذا الاحتقان في المنطقة؟ وهل مِن فعلٍ عربي يواجه سياسة حافة الهاوية الإيرانية أم سيقف العرب موقف المشاهد؟
5 ماذا نريد من قمم مكة الثلاث؟
سلطان البازعي
الحياة السعودية
لا بد في البداية من التنويه بالقدرة التنظيمية الهائلة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية في عقد ثلاث قمم في وقت واحد وفي مكان واحد هو مكة المكرمة، في موسم يعتبر هو الأكثر ازدحاماً في هذه المدينة المقدسة التي استقبلت أكثر من سبعة ملايين معتمر منذ بداية شهر رمضان المبارك، وسجلت وجود ما يقارب 700 ألف معتمر في مكة المكرمة في اليوم الثامن عشر من الشهر وينتظر أن تزداد الأعداد مع نهاية هذا الأسبوع لتبلغ ذروتها ليلة السابع والعشرين.
وهذه إشارة لا بد منها للحديث عن استضافة قادة ووفود 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى وفود المنظمات الدولية الأخرى التي تحضر عادة اجتماعات المنظمة لحضور اجتماعات الدورة الرابعة عشرة للقمة وهي دورة عادية تستضيفها المملكة وهي دولة المقر للمنظمة في مكة المكرمة.
ولا يتعلق الأمر بوجود هذا العدد الكبير من الضيوف، فالمدينة المقدسة اعتادت استضافة الملايين في موسم الحج ومواسم العمرة طوال العام، وإنما يتعلق الأمر بالظروف الإقليمية التي تفرض نفسها على القمة وهو الأمر الذي دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى الدعوة لاجتماعين طارئين سيعقدان بالتوازي مع القمة الإسلامية، الأول لمجلس الجامعة العربية على مستوى القادة والثاني للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ويجمع المحللون على اختلاف مشاربهم على أن ملف التهديد الإيراني لأمن الإقليم والتوتر الذي فرضته طهران على المنطقة، سيكون هو الملف الأبرز على جدول أعمال القمة الإسلامية، كما أنه سيكون الملف الوحيد على جدول أعمال القمتين العربية والخليجية.
إلا أن هؤلاء المحللين يشرّقون ويغرّبون في خيالاتهم لرسم السيناريوهات التي يرون أنها ستقع نتيجة لهذه القمم، ويربطون تحليلاتهم بوصول القوات الأميركية إلى المنطقة واللغة القوية التي تواجه بها واشنطن استفزازات طهران وخروجها على القانون الدولي ومحاولاتها المستمرة لتهديد إمدادات النفط للعالم، ومساعيها للتوسع في المنطقة والسيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب، ونقضها لتعهداتها الدولية كافة بما فيها الاتفاق النووي الذي يحظر عليها الاستمرار في تطوير الصواريخ بعيدة المدى.
الذي يتجاهله كثير من المعلقين وخاصة أولئك الذين أرعبهم وصول حاملة الطائرات أبراهام لنكولن وقاذفات B52 وبدأوا بإطلاق الدعوات للحوار مع إيران والتهدئة، هو أن إيران وضعت المنطقة في حالة حرب مستمرة طوال الأربعة عقود التي شكلت عمر الجمهورية الإسلامية، كما يتجاهلون أن المملكة العربية السعودية لم تتوقف طوال هذه السنوات من محاولات التحاور مع حكام طهران، وأن الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي يطلقها وكلاؤهم من جبال اليمن على المدن السعودية بما فيها مكة المكرمة لم تكن رسل سلام، ولم يكن تبجحهم باحتلال 4 عواصم عربية دليل رغبة في التحاور.
أما أولئك الذين يروجون لفكرة أن السعودية بدعوتها للقمة الإسلامية في مكة المكرمة تريد بناء ما أسموه “الناتو الإسلامي” المواجه لطهران، فإنهم يتجاهلون إما عمداً أو جهلاً أن السعودية إذا أرادت الذهاب إلى الحرب فإنها ستفعل ذلك بأقل قدر من الضجيج والمؤتمرات، فالسعودية أثبتت أنها كانت دائماً الأقدر على بناء التحالفات الفاعلة والمشكلة من دول عظمى وأخرى عربية وإسلامية للدفاع عن أرضها ومقدساتها أو لإعادة الحق لأصحابه، بدءاً من حرب تحرير الكويت في عاصفة الصحراء إلى عاصفة الحزم لردع وكلاء إيران الحوثيين في اليمن.
وينسون أو يتناسون أن المواجهة العسكرية مع إيران لو فرضت على السعودية فإنها ستتصدى لها وهي مطمئنة إلى قدرتها على الدفاع عن مواطنيها وعن جيرانهم بقواتها المسلحة التي تمتلك التفوق النوعي في العتاد والتجهيز والرجال حتى من دون تدخل خارجي، وواقع الأمر يقول أن الإيرانيين لا يجرؤون على المواجهة المباشرة منذ أن تجرع الخميني السم ووقع اتفاق إنهاء الحرب الإيرانية – العراقية بعد أن دكت الصواريخ العراقية طهران، ولذا فإنهم عمدوا إلى شن الحروب بالوكالة وعبر الميليشيات المسلحة التي تعمل لصالحهم في العراق وسورية ولبنان واليمن، وإلى فرق المخربين والإرهابيين الذين تزرعهم هنا وهناك.
اليوم وقد وصلت الاستفزازات الإيرانية مداها، عبر الصواريخ التي تهدد مكة المكرمة وطائرات الدرون المهربة التي حاولت قصف خط الأنابيب السعودي (شرق-غرب)، وعبر تهديد الملاحة المدنية في الخليج العربي بإرسال المخربين، ما الذي تريده المملكة العربية السعودية من هذه القمم الثلاث في مكة المكرمة؟
من القمة الإسلامية، وإضافة إلى جدول الأعمال المعتاد، فإن الملك سلمان سيضع قادة العالم الإسلامي في صورة ما يحدث لعل عقلاء العالم الإسلامي ينجحون في إقناع حكام طهران، وهم سيكونون ممثلين في القمة بالتأكيد، بالعودة إلى العقل والمنطق وإدراك ما سيجره هذا العبث عليهم وعلى المنطقة وعلى التضامن الإسلامي.
ومن القمة العربية سيؤكد الملك سلمان على أن ما تفعله إيران هو تهديد مباشر للأمن القومي العربي، وأن حداً أدنى من وحدة الصف سيحدث فرقاً في إيقاف المخطط الإيراني عند حده حتى يلتفت العرب لقضيتهم الأساسية فلسطين.
ومن القمة الخليجية سيؤكد الملك سلمان أن دول مجلس التعاون الخليجي هي في الخندق الأول في هذه المواجهة، وأن التخاذل في اتخاذ المواقف ولا حتى الحياد لن تكون في مصلحة هذه الدول ولا شعوبها. ولعل هذه القمة الخليجية تكون فرصة لأمير قطر -إن حضر- لمراجعة مواقفه والعودة إلى جادة الصواب والخروج من عزلة فرضها على نفسه وعلى شعبه في المعسكر الخطأ.
في مكة المكرمة سيطوف قادة العالم الإسلامي حول الكعبة المشرفة وسيصلون في بيت الله الحرام وسيشاهدون بأعينهم معنى أن تقوم الدولة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين بمسؤولية فتح أبواب الحرمين لعشرة ملايين مسلم في كل عام وتحميهم من عبث الصواريخ الإيرانية.
6 السباق على القمة يحتدم
جميل مطر الشرق الاوسط السعودية
لن تكون سهلة رحلة الأيام المتبقية من مرحلة الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، قصرت هذه المرحلة أو طالت. سهل جداً أن نتهم ترمب بأنه الرئيس الأميركي الذي استطاع منذ يومه الأول في منصب الرئاسة أن يثير زوابع قلق ومشاعر شتى ومتناقضة في عديد القصور الرئاسية في مختلف أرجاء العالم.
الصعب هو الثمن الذي سوف تدفعه أميركا والغرب عموماً للاستفادة من هذه الزوابع. ترمب يعرف هذا الأمر. يعرف أنه صنع تغييراً وفرضه ليس فقط داخل المجتمع الأميركي ولكن أيضاً على مستوى قمة العالم.
من ناحيتي، ناحية المراقب والمحلل، أعترف بأنني أتفهم اعتناق الرئيس ترمب الرأي القائل بأنه صنع اختلافاً في شكل وربما جوهر السباق على القمة الدولية، وأنه أفلح في وقف بعض نزيف المكانة ويسعى الآن وفي ولايته القادمة لاسترداد أو تعويض ما فقدته أميركا خلال العقود الثلاثة الأخيرة. أتفهمه، وتفهمي لا يعني أنني صرت مطمئناً.
***
خلال آخر عهود الحكم في أميركا ازداد إلحاح السؤال عن علامات انحدار مكانة أميركا في كثير من مواقع القيادة الدولية وأسبابه والعقبات التي تحول دون وقفه.
ثارت نقاشات عديدة توصل بعضها إلى أن الانحدار حقيقة لا لبس فيها، ثم تشعبت حول ما إذا كان الانحدار الذي أعقب نهاية الحرب الباردة وتجربة غزو العراق يعكس تدهوراً في مكونات القوة الملموسة وغير الملموسة أم يعكس إدراكاً عاماً، أميركياً وغير أميركي، بأن آخرين صاروا بحالة أقوى مما كانوا عليها.
بمعنى آخر صارت أميركا نسبياً، وفي نظر نفسها والغير، أضعف مما كانت عليه فانحدرت مكانتها وربما مكانها أيضاً.
أدت هذه النقاشات وترجمتها على صعيد أداء وتفاعلات صانعي السياسة في الدول الكبرى إلى وضع فريد في النظام الدولي. تغير كثير من أنماط التعامل مع منظومة القيادة الدولية.
دول تصورت أن القيادة الدولية لم تعد أحادية القطب وفي الوقت نفسه لم تثق بأن القيادة أصبحت بالفعل متعددة الأقطاب.
هذه المرحلة من سوء الفهم أو التقدير طال أمدها متسببةً في قلق يبدو أن الغالبية العظمى من الدول وبخاصة الكبرى لا تعرف كيف تتخلص منه.
***
كنا في عهد أوباما – هيلاري نحلل اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية انطلاقاً من هذا الفهم. لم يكن الانحدار الأميركي سراً خفياً أو من قبيل الفتاوى النظرية، إذ كانت البنية التحتية الأميركية تتهاوى في ولاية بعد أخرى، والفجوة التكنولوجية تزداد اتساعاً، وثقة الحلفاء الأوروبيين والآسيويين والعرب بالقيادة الأميركية تترنح. ومع ذلك استمر غالبية المراقبين يعتقدون أن قرار الرئيس باراك أوباما، التحول بالتركيز الأمني وفي السياسة الخارجية نحو الشرق إنما كان إدراكاً متأخراً لفجوة في مستوى توازن القوة بين الصين وأميركا تضيق بسرعة متزايدة. لم نهتم كثيراً بأن الرد الأميركي المتأخر على هذا الإدراك جاء على مستوى متدنٍّ للغاية ولم يفِ بتطلعات حلفاء أميركا المطلين على بحر الصين الجنوبي أو يهدئ من مخاوف اليابانيين.
أعذار كثيرة نستطيع أن نقدمها لتبرير تأخر أميركا في الانتباه إلى فجوة في القوة بنوعيها الملموسة وغير الملموسة بينها وبين أقرب منافسيها، وأن هذه الفجوة تزداد اتساعاً. لم يأتِ الطرفان المتنافسان من فراغ أو من ضرب خيالات مريضة كما جاء في بعض كتابات صقور في تيار المحافظين الجدد والحرب الباردة. كثيرون لا يعرفون أن حكومة الحزب الشيوعي الصيني كانت في الخمسينات من القرن الماضي تبني برامج توعيتها على إحصاءات دورية تقارن بين إنتاج الفحم والصلب في الصين وإنتاجهما في بريطانيا «العظمى» والولايات المتحدة، إمبراطوريتَي الشر. لم أبالغ في أي مرحلة كتبت فيها، ولا أبالغ الآن إن كتبت، أنه من دون سجل الكره التاريخي بين الصين والعملاقين الغربيين ومن دون تعيينهما هدفين لسباق تعوض نتائجه المعنوية والمادية هزائم قرنين أو أكثر للصين على أيدي هيمنة بريطانيا ثم الهيمنة الأميركية، لَمَا حققت الصين إنجازات أهّلتها لموقع العملاق المنافس لأميركا في قيادة العالم. تابعتُ عن قرب صعود الصين غير مصدق أحياناً ومنبهر في أحيان أخرى. تابعت في الوقت نفسه نمطاً من العلاقات بين أميركا والصين بدا لكثيرين أقرب إلى أنماط معروفة من علاقات الحلفاء. احتوى هذا النمط على درجة عالية من التبادل التجاري والاستثماري والمالي أفادت الطرفين. ولولا التبادلية المكثفة فيه لشبّهته بمشروع مارشال ولكن بنيات أخرى.
هذه العلاقة بين أميركا والصين مثيرة لسببين متناقضين. السبب الأول أنها لم تلفت النظر فيما يبدو وبالدرجة الكافية إلى حقيقة أنها تبني عملاقاً منافساً لأميركا وأن وقتاً وعهداً آخر من عهود الحكم في واشنطن سوف يحلان إنْ آجلاً أم عاجلاً ليشهدا دعوة إلى الندم وضرورة تغيير قواعد السباق نحو القمة قبل أن تضيع الفرصة. السبب الآخر هو أن تيارات ومؤسسات نافذة أكاديمياً انتبهت متأخرة إلى أهمية وخطورة ما يحدث. كانت واعية كل الوعي لأهمية أن يكون صعود الصين متناسباً مع معايير تضعها أميركا بالتنسيق مع حلفائها ولا تسمح للصين بالقفز فوقها. كانت واعية أيضاً لضرورة أن تظل الصين ملتزمة مبادئ وقواعد عمل النظام الدولي الذي وضعت أميركا أساسه وأسس مؤسساته وأفكاره وفي مقدمتها حقوق الإنسان وحرية التجارة.
***
رحل عهد أوباما – هيلاري وحل عهد ترمب. اتفق العهدان على أن أميركا قوة عظمى على طريق الانحدار واختلفا حول أمور كثيرة وفي مقدمتها أساليب وقف هذا الانحدار. جاء ترمب إلى البيت الأبيض مقتنعاً بأن هذا الانحدار لن يتوقف إلا بتغيير الكثير من أبعاد الأمر الواقع على الصعيدين الخارجي والداخلي ومنها قواعد وأخلاقيات السباق الدائر على القمة. جاء وفي ذهنه أو أذهان ناصحيه ضرورة «تنويم» روسيا واللعب على التناقض بين طموحات موسكو وبكين قبل الاستفراد بالصين. تنذر المؤشرات بأن مهمة ترمب لن تكون سهلة وأن سباق الصعود معقد ومحفوف بمخاطر شتى ليس فقط لأطرافه المباشرين ولكن أيضاً لأعضاء في تكتلات وأحلاف دولية وإقليمية عديدة.
7 حروب قد تلد أخرى
احمد صبري الوطن العمانية
انشغل العالم بتداعيات التصعيد العسكري والإعلامي بين الولايات المتحدة وإيران، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الاستعداد لشن الحرب على العراق بالغزو والاحتلال عام 2003.
ومرد هذا الانشغال هو أن تداعيات وشرر الحرب هذه المرة ستطاول عدة دول، سواء كانت حليفة لطهران أم معادية لها أو حتى التي تقف على الحياد، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة عبر وسطاء ورسائل.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبقى الباب مفتوحا للتعاطي مع الأزمة الإيرانية إلا أن إيران ترى الحوار بظل التهديدات أمرا غير مجدٍ.
وهنا نتوقف عند تعاطي الإدارات الأميركية مع العراق وإيران؛ فبوش الابن أغلق أي حوار ورفض أي وساطة لنزع فتيل الحرب مع العراق، وأصر على خيار الغزو والاحتلال رغم أن القيادة العراقية في حينها رحبت بالحوار والحل السلمي للأزمة، في حين أن إدارة ترامب لم تغلق الأبواب إلى حد تمرير هاتف رئيسها الشخصي إلى الإيرانيين، فضلا عن تناقض تصريحاته إزاء العمل العسكري.
صحيح أن التلويح بالخيار العسكري وحشد الأساطيل واستعراض القوة أحد أوجه الصراع لفرض الإرادات، إلا أن خواتيم الصراع الملتهب بين واشنطن وإيران لا تشبه خواتيم الصراع مع العراق التي انتهت بالاحتلال المباشر.
وهنا نتساءل عن أسباب تصاعد حدة الصراع بين واشنطن وإيران؟ وكيف استثمرت الأخيرة احتلال العراق بدعم أصدقائها وحولته إلى حليف مؤثر في صناعة القرار العراقي، ونافذة لتخفيف الحصار الأميركي المفروض على طهران، وهو الأمر الذي عدته إدارة ترامب محاولة لإنقاذ طهران من العقوبات؟
في ظل التهديد والوعيد من كلا الطرفين فإن أدوات الحرب وقواعدها قد تغيرت بفعل التقدم التكنولوجي العسكري؛ فالحرب جراء هذا التطور لم تعد القتال وجها لوجه بين جندي وآخر، وإنما بواسطة الصواريخ البعيدة عن حلبة الحرب والطائرات المزودة بكل أشكال الرصد والتمويه ودقة الإصابة، فضلا عن الأقمار الاصطناعية التي تتيح للطرف التي يمتلك حداثتها إدارة مسار الحرب ودقة قواعد الاشتباك مع الخصم وهو على بعد آلاف آلاميال عن ساحة المعركة.
وطبقا لموازين الصراع وأدواته فإن الولايات المتحدة تمتلك الأرجحية وقوة التأثير والنيران، وبالمنظور العسكري تمتلك إدارة الصراع لصالحها حتى من دون حشد الآلاف من جنودها، كما تفعل ايران. فالحرب المحتملة هي حرب تدار من على بُعد وليس كما حشدت أميركا الآلاف من جنودها لغزو العراق واحتلاله.
وإذا عدنا إلى المقاربة بين حرب العراق واحتمالات الحرب على إيران نستطيع القول إنه خلال ربع قرن تعرض العراق إلى أربع حروب قادتها الولايات المتحدة وحشدت لها دولا ولغايات متعددة في عهود الرؤساء بوش الاب وبيل كلينتون وبوش الابن وباراك أوباما.
ففي عام 1991 قادت واشنطن في عهد الرئيس الأميركي بوش الأب تحالفا دوليا ضم أكثر من ثلاثين دولة لإخراج العراق من الكويت بعد اجتياح قواته لها.
خلال السنوات التي أعقبت هذه الحرب تعرض العراق إلى حصار قاسٍ استمر ثلاثة عشر عاما تخللها شن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون سلسلة من الهجمات الجوية على مناطق حيوية بحجة عدم امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن، ولتدمير قدرات الجيش العراقي.
وخلافا لحرب عام 1991 لم تستطع إدارة الرئيس بوش الابن حشد التأييد الدولي لغزوها للعراق عام 2003 باستثناء تأييد رئيس وزراء بريطانيا توني بلير لبوش لشن الحرب الثالثة.
ارتدادات غزو العراق واحتلاله أدت إلى وضع العراق والمنطقة والعالم أمام تحديات أمنية خطيرة جراء تداعيات الغزو وفشل المشروع الأميركي وتخبط إدارة بوش الابن في تعاطيها مع نتائج احتلالها للعراق أدى إلى تحويل العراق إلى ساحة لنشاط وملاذ للجماعات المتطرفة وجاذبا لها.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أعاد مشهد التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في حربها على العراق عام 1991 بتحشيد العالم من جديد لمواجهة خطر داعش ومكافحة الإرهاب بعمل عسكري لتفادي التمدد الداعشي.
حروب العراق من بوش الأب إلى أوباما وما سببته من مآسٍ على العراق والمنطقة، وما أحدثته من متغيرات إلى حد تلويح بشنها من قبل إدارة ترامب هي بالأحوال كافة هي أحد أسباب تنامي الصراع مع إيران بعد أن استثمرت الأخيرة خواتيم احتلال العراق الذي سيكون أحد أبرز المتضررين في حال اندلاع الحرب.
والسؤال: هل سيبقى العراق ساحة لصراع الإرادات وارتدادات تقاطع المصالح؟
8 إذا وقعت الحرب بين إيران وأميركا
حميدي العبدالله البناء الكويتية
واضح أنّ احتمال وقوع حرب، أو مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، احتمال موجود حتى وإنْ كان هو الاحتمال الأضعف، ولكن ماذا إذا وقعت الحرب؟
إذا وقعت الحرب ستكون ساحاتها عديدة، في الخليج وفي العراق، وفي سورية، وحتى بين الكيان الصهيوني وحلفاء إيران، لا سيما المقاومة اللبنانية وبعض المقاومة الفلسطينية، هذا يعني إنْ وقعت الحرب ستكون حرباً واسعة جديدة، ومساحاتها تمثل أهمّ مناطق تمركز المصالح الحيوية الأميركية، وتحديداً مصالح الولايات المتحدة في الثروة النفطية والغازية، إضافةً إلى موقع هذه المنطقة الحيوي بالنسبة لانسياب وانتقال السلع التجارية الأميركية إلى المنطقة وإلى منطقة الشرق الأقصى، وأيضاً تحرك قطعها الحربية المولجة حماية الممرات الاستراتيجية وتأمين التحرك التجاري والعسكري.
مما لا شك فيه أنّ الولايات المتحدة، ومَن سوف يساندها في الحرب إذا وقعت ضدّ إيران، يملكون قدرات عسكرية هائلة ستعرّض مصالح حيوية في إيران لمخاطر حقيقية، ولكن انتشار القوات الأميركية في الخليج وفي العراق وسورية، والكيان الصهيوني، ستكون عرضة هي الأخرى لخسائر لم تألفها الولايات المتحدة في جميع حروبها في وقت قصير، بما في ذلك خسائرها في الحرب العالمية الثانية، وخسائرها في حروب فيتنام وفي حربها على أفغانستان والعراق.
ومثلما سيكون هناك عدد كبير من الضحايا في إيران وخسائر مادية هائلة، سيكون هناك عدد كبير من الضحايا في صفوف القوات الأميركية ودمار لا يقلّ عن الدمار الذي سيلحق بإيران نظراً لانتشار قواتها على رقعة واسعة، وصعوبة حماية هذه القوات في حرب مفتوحة، وأيضاً مصالح حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الحرب على إيران ستتعرّض لخراب يوازي، والأرجح يفوق، الخراب والدمار الذي ستلحقه الحرب بإيران.
ومن الصعب على القوات الأميركية وشركائها في ضوء تجارب حرب اليمن والحروب في العراق وأفغانستان، وحروب «إسرائيل» مع قطاع غزة ولبنان ربح هذه الحرب، التي ستتحوّل إلى حرب استنزاف متبادلة طويلة الأمد لن يخرج منها رابح بالمطلق، ولن تستطيع الولايات المتحدة، أو «إسرائيل»، وضع نهاية لمصلحتها إلا إذا لجأت إلى الخيار النووي، وهذا الخيار أشبه بالمستحيل لأسباب كثيرة لا مجال لشرحها في هذه العجالة.
لكن استمرار الحرب لفترة طويلة، بما تملكه الأطراف المنخرطة فيها من قدرات عسكرية ذات طاقة تدميرية غير مسبوقة في كلّ الحروب السابقة، سيولد كوارث اقتصادية تطال العالم برمته، كوارث لا يمكن مقارنتها مع كوارث أيّ حروب سابقة، وبالتالي لن يقف العالم مكتوف اليدين إزاء مثل هذه الحرب طالما أنّ آثارها ستطال الجميع.
لكلّ ما تقدّم يمكن الاستنتاج أنّ احتمال وقوع حرب شاملة احتمال ضعيف، وخيار لا يحبّذه كلا الطرفين، إيران والولايات المتحدة، ولعلّ آخر تعليق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن «لا أحد يريد رؤية أمور فظيعة تحدث» يلخص الأسباب العميقة لعدم مصلحة الأطراف المعنية في الانزلاق نحو مثل هذه الحرب.
9 كيف تشتري صمت الحكومة البريطانية؟ هيفاء زنكنة القدس العربي بريطانيا
من الصعب، هذه الايام، العثور على خبر رسمي أو غير رسمي في أجهزة الاعلام البريطانية عن العراق. الا ان الشهور الأخيرة شهدت بعض المتابعة من جهات رسمية. فقد طرح أسقف كوفنتري، في الاسبوع الماضي، سؤالا على الحكومة، عن تقييمها للتقارير التي تفيد بأن حوالي 45000 طفل في مخيمات النازحين العراقيين، لا يحملون وثائق هوية مدنية، وما هو الموقف من الحكومة العراقية لضمان عدم استبعاد هؤلاء الأطفال من المواطنة والمجتمع العراقي في المستقبل؟ فكان جواب اللورد أحمد وزير الدولة، مصاغا بعناية دبلوماسية معتادة، بأن الحكومة البريطانية على دراية بالتقارير الإعلامية، وإن لم يتم التحقق من الأرقام المذكورة. وإن الحكومة مدركة لهشاشة وضع هؤلاء الأطفال ومخاطر استبعادهم من الجنسية العراقية والمجتمع في المستقبل. لذلك تستمر الحكومة ببيان قلقها للسلطات العراقية بما في ذلك أهمية الاعتراف الرسمي بجميع الأطفال. والمعروف ان عدد الأيتام، بالعراق، وصل حوالي 800 ألف طفل حتى نهاية 2017.
آخذين بنظر الاعتبار ان الحكومة البريطانية برئاسة توني بلير وقفت جنبا الى جنب مع الادارة الأمريكية برئاسة جورج بوش، مستخدمة «تحرير العراق»، وإرساء حقوق الانسان، من بين ذرائع الحرب، وان معظم الوزراء واعضاء البرلمان، الحاليين، يعترفون بان شن الحرب كان خطأ تاريخيا، سيكون السؤال البديهي: لم لا تتخذ الحكومة اجراءات ردع أكثر فاعلية، بصدد انتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها الحكومة العراقية، ضد مواطنيها، والتي تمس بشكل خاص الشرائح الأكثر ضعفا في المجتمع كالاطفال؟ ما الذي يمنع الحكومة البريطانية من اتخاذ موقف واضح صريح، تجاه حكومات ما بعد «التحرير»، على الرغم من كثرة التقارير المحلية والدولية عن انتهاكات حقوق الانسان، وبضمنها تقارير منظمة الأمم المتحدة؟ ثم ما هي آلية الضغط التي تتحدث عنها الحكومة البريطانية فيما يخص الالتزام بحقوق الانسان القانون الدولي؟ وهل هناك سابقة في هذا المجال؟
هناك آليات ضغط عديدة بامكان الحكومة البريطانية اللجوء اليها اذا شاءت. ونعم هناك سابقة تتعلق بالعراق. حيث « شهد عام 2002 نشرًا غير مسبوق لوثيقة عن حالة حقوق الإنسان في بلد واحد. في تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت وزارة الخارجية ملفًا عن انتهاكات حقوق الإنسان، بعنوان «صدام حسين: الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان – تقرير عن التكلفة الإنسانية لسياسات صدام». جاء فيه تفاصيل عن التجاهل المنهجي للنظام العراقي لحقوق الإنسان لمواطنيه، بما في ذلك استخدامه للتعذيب واضطهاد الأقليات وعمليات القتل التعسفي المتكررة التي تحدث هناك». اذا كانت الحكومة البريطانية قد وقفت بهذا الشكل «الانساني الرائع» ضد سياسة النظام العراقي السابق في انتهاك حقوق الانسان لمواطنيه، لماذا السكوت الآن، وانتهاكات حقوق الانسان وصلت حدا لا يمكن السكوت عليه؟
هناك عدة أسباب، من بينها:
ما الذي يمنع الحكومة البريطانية من اتخاذ موقف واضح صريح، تجاه حكومات ما بعد «التحرير»، على الرغم من كثرة التقارير المحلية والدولية عن انتهاكات حقوق الانسان
أولا: ان القوات العسكرية البريطانية، نفسها، منغمسة في كثير من الخروقات وبعضها يصل حد ارتكاب جريمة حرب. وتعمل الحكومة جاهدة على تشريع قانون يمنع محاسبة القوات مهما كانت الجرائم التي ارتكبها افرادها في البلدان المحتلة.
ثانيا: عقود النفط الموقعة بين شركات النفط البريطانية ووزارة النفط العراقية لصالح الشركات وفي جو الفساد المستشري بلا محاسبة.
ثالثا: العقود التجارية، اذ تشهد الصادرات من السلع والخدمات البريطانية إلى العراق ارتفاعا مضطردا، بمعدل زيادة عشرة بالمئة سنويا. وكان وزير شؤون الشرق الأوسط، قد زار العراق نهاية كانون الثاني/يناير، مؤكدا: «تجمع بيننا طائفةٌ من الأولويات المشتركة والمتزايدة باطراد، ومن بينها الأمن والتنمية والسياسة الخارجية والتجارة». تبعه وزير التجارة الدولية، معلنا أثناء زيارته العراق في 14 نيسان/ أبريل أن المملكة المتحدة ستوفر دعما إضافيا قدره مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية العاملة في العراق.
رابعا: تصدير السلاح والمعدات العسكرية. هناك زيادة كبيرة في عدد تراخيص التصدير. فخلال أربع سنوات فقط، من 2013-2017، زاد إجمالي عدد التراخيص أكثر من 12 مرة من 46 إلى 559 ترخيصا.
خامسا: تعتبر العقود التي حصلت عليها الشركات الامنية العسكرية البريطانية، بعد الغزو، من غنائم الحرب الكبيرة. هناك 80 شركة عسكرية بريطانية تعمل في العراق، ويقال إن بعض الشركات الكبرى تدين بوجودها للأرباح المكتسبة في الحربين ضد العراق وأفغانستان. ولوجود الشركات الامنية أذرع متعددة تمتد ما بين توفير الحماية والأمن الى القتال كمرتزقة، وان تفضل الشركات والدول التي تستأجرها عدم الاشارة الى ذلك. ما تفضل ذكره للتعريف بنفسها، كما تفعل شركة «أيجز» البريطانية الشهيرة، هو «شركة بريطانية للأمن وإدارة المخاطر مقرها لندن… لدينا خبرة كبيرة وقاعدة عملاء عالمية… نحن مزود أمن رئيسي للحكومة الأمريكية». وتؤكد الشركة انها تعمل في العراق منذ عام 2004 ولديها «مجموعة كبيرة من عملاء قطاع النفط والغاز». تضاهيها بالعمل في حقول نفط البصرة، شركة «جي فور أس» البريطانية ذات التاريخ الطويل في إدارة نقاط التفتيش وسجون الاحتلال الصهيوني، حيث يتواصل التعذيب والمعاملة اللا إنسانية المهينة. وهي ذات الانتهاكات التي تعرض لها المواطن العراقي بالاضافة الى تدمير الممتلكات، وإساءة استخدام السلطة، وقتل المدنيين، كما في ساحة النسور ببغداد. وللشركة بالبصرة لوحدها 500 مسلح بأحدث الاسلحة و200 مصفحة عسكرية. وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد منحها عقدا طويلا بعد ان تم الغاء عقود عالمية معها بسبب تاريخها السيئ.
يشير تقرير لموقع «رصد العنف المسلح» الى ان الشركات الأمنية البريطانية تعمل في 17 دولة من بين 30 دولة تدرجها وزارة الخارجية تحت تصنيف دول لا تراعى فيها حقوق الإنسان، وبضمنها العراق. فما الذي تفعله هذه الشركات هناك؟ ما هي الرقابة الموجودة في هذه العمليات، خاصة في بعض الأماكن التي تتورط فيها الحكومة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟ ومن الذي يدفع هذه الشركات؟ يجيب التقرير: لا نعرف. والسبب هو انها تمارس اعمالها وحتى عناوينها واسماء الشركات بطرق تضليلية، كما ان تأسيسها، غالبا، من قبل عسكريين سابقين او بالتعاون مع عسكريين بريطانيين، يجعل التوصل الى تشعبات اعمالها ومدى تدخلها بالشؤون الداخلية للبلدان التي تستأجر فيها، صعبا جدا.
أما ما يرش الملح على الجروح فهو اعلان وزير شؤون الشرق الأوسط، اليستر بيرت عن تخصيص 16 مليون جنيه إسترليني لصندوق الإصلاح وإعادة الإعمار في العراق. وهو مبلغ يقل عن واحد بالألف لايزيد عن كونه فتاتا بالمقارنة مع مما غنموه من شن الحرب وتدمير البلد، و ما يغنمونه وهم يعبرون عن «قلقهم» على وضع اطفال بلا وثائق.