9 مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 مقتدى الصدر في السعودية.. يظل حدثا

 

خيرالله خيرالله

 

العرب بريطانيا
كان لا بد من خطوة سعودية جديدة لتأكيد المؤكد لجهة أن المملكة منفتحة على كل ما من شأنه تطوير العلاقات السعودية- العراقية في وقت تمر فيه المنطقة بمرحلة في غاية الدقة.

 

بكل مقياس من المقاييس، كانت زيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية في غاية الأهمّية، خصوصا أنه التقى نائب الملك وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في جدة، على الرغم من أن مقتدى لا يشغل منصبا رسميا.

 

لا شك أن الخطوة السعودية المتمثلة في استقبال مقتدى الصدر في غاية الذكاء، إضافة إلى أن توقيتها كان مناسبا، على الرغم من أن ثمّة من يعتبر أنها تأخرت كثيرا. وهذا قول يمكن أن يكون مثار أخذ وردّ طويلين إذا أخذنا في الاعتبار أنه سبق للسعودية أن أرسلت إلى بغداد سفيرا، هو ثامر السبهان، ما لبث أن تعرّض لحملة قوية رافقتها تهديدات أدت إلى سحبه. ولكن ما يبقى ثابتا قبل كل شيء أن لا عداء سعوديا للعراق والعراقيين، بغض النظر عن الطائفة والمذهب والمنطقة والقومية. إضافة إلى ذلك، هناك تململ عراقي، ليس معروفا بعد إلى أيّ حدّ سيبلغ مداه، من الوجود الإيراني الضاغط ومن الأحزاب المذهبية التي رعتها وما زالت طهران ترعاها من أجل تكريس واقع جديد لا عودة عنه في العراق تحت لافتة “الحشد الشعبي”. يمثّل “الحشد” في الواقع امتدادا لـ“الحرس الثوري” الإيراني في الأرض العراقية لا أكثر.

 

كان لا بد من خطوة سعودية جديدة لتأكيد المؤكد لجهة أنّ المملكة منفتحة على كل ما من شأنه تطوير العلاقات السعودية- العراقية في وقت تمرّ فيه المنطقة بمرحلة في غاية الدقّة. في أساس هذه المرحلة التي تصب في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، الزلزال العراقي الذي بدأ في العام 2003 والذي لا تزال المنطقة كلّها تعيش في ظلّ تداعياته.

 

سارعت إيران في 2003 إلى وضع يدها على العراق. حصل انكفاء عربي عن هذا البلد الأساسي، بل المحوري، خصوصا أن إدارة جورج بوش الابن خاضت الحرب الهادفة إلى إسقاط نظام صدام حسين بمشاركة إيرانية واضحة. الأهم من ذلك كله، أن إيران لم تكتف بالحلول مكان الاحتلال الأميركي بعدما عملت على إزاحته، بل ساهمت بشكل مباشر في اختراق كل المؤسسات العراقية أو تدميرها من جهة، وتغيير طبيعة العراق ومدنه، بدءا بالبصرة القريبة منها، من جهة أخرى.

 

يمثّل مقتدى الصدر حالة عراقية لا يمكن الاستهانة بها، بغض النظر عن مزاجيته والشكوك في مدى قدرته على الذهاب بعيدا في السير في خط مستقلّ عن إيران. لكنّ ما لا يمكن الاستخفاف به أنّه يمتلك قدرة على تجييش قسم لا بأس به من العراقيين وتعبئتهم ليس من زاوية شيعية فحسب، بل من زاوية عربية أيضا. هل يمكن الرهان على مقتدى الصدر، أم أن مثل هذا الرهان يفترض أن يكون على مسائل أخرى في الوقت ذاته؟

 

ما يطرح هذه المسائل التي قد يجوز الرهان عليها الصعوبات التي تواجه المشروع الإيراني في العراق. قام هذا المشروع على إلحاق العراق بإيران بموافقة أميركية. كان أبرز تعبير عن هذه الموافقة مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في كانون الأول- ديسمبر من العام 2002، أي قبل أربعة أشهر من بدء الحملة العسكرية على العراق. لولا إيران، لم يكن في الإمكان عقد هذا المؤتمر، الذي أشرف عليه مسؤولون اميركيون وقتذاك. كان هناك الضوء الأخضر الإيراني لانعقاد المؤتمر. قبضت إيران سلفا ثمن الضوء الأخضر إذ سمحت بمشاركة فصائل شيعية فيه. صدر عن المؤتمر بيان يشير إلى “الأكثرية الشيعية” في العراق. حصلت ترجمة عملية لهذه العبارة لاحقا حين حل المفوض السامي الأميركي بول بريمر الجيش العراقي، وحين تشكّل “مجلس الحكم الانتقالي” الذي كرّس تهميش السنّة العرب في العراق.

 

يكاد يمر خمسة عشر عاما على مؤتمر لندن. الثابت الوحيد أن العراق لن تقوم له قيامة. كان العراق مفيدا جدا لإيران وخشبة خلاص لاقتصادها في مرحلة ارتفاع أسعار النفط. استطاعت إيران الاستفادة إلى أبعد حدود من موارد العراق ومن مليارات الدولارات التي جناها البلد في مرحلة كان فيها سعر برميل النفط يزيد على مئة دولار.

 

لعلّ أهمّ ما فعلته إيران في العراق منذ 2003 لا يتمثل في القضاء على المدن، بدءا بالبصرة وانتهاء بالموصل، مرورا ببغداد طبعا. يظل أهم ما فعلته هو التخلص من الوجود الأميركي، بعدما استسلم لها باراك أوباما من جهة، وخلق قوى تابعة لها مباشرة مثل ميليشيات “الحشد الشعبي” من جهة أخرى. هذا النموذج، الذي اسمه “الحشد الشعبي” هو ذلك المطلوب تعميمه في المنطقة كلها، في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحيث أمكن…

 

تدخل السعودية على العراق من بوابة مقتدى الصدر ولكن من دون تجاهل الأبواب والمسائل الأخرى التي يمكن الرهان عليها أيضا، من نوع فشل المشروع الإيراني الذي ليس لديه ما يقدّمه للعراق باستثناء نشر البؤس والتخلّف والميليشيات المذهبية التي كان تدمير الموصل آخر إنجازاتها.

 

سيبقى في نهاية المطاف سؤال محيّر، يترافق بالطبع مع أسئلة أخرى، من نوع هل من أفق للمشروع الإيراني في العراق، بل في داخل إيران نفسها؟

 

هذا السؤال المحير مرتبط بإدارة دونالد ترامب وموقفها الفعلي من إيران. إلى أي حد ستكون هذه الإدارة واعية بالدور الذي تلعبه إيران انطلاقا من العراق في نشر كل أنواع الفوضى في المنطقة وفي كل اتجاه من الاتجاهات. ليس ما يشير، إلى الآن، إلى استيعاب أميركي في العمق للدور التخريبي الذي تلعبه إيران وذلك على الرغم من كلّ التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة ترامب. ولكن هل يعني ذلك الاستسلام العربي لإيران في العراق؟

 

من هذا المنطلق، كان استقبال محمد بن سلمان لمقتدى الصدر حدثا بحد ذاته. أعطى الاستقبال بعدا جديدا للسياسة السعودية في المنطقة. مثلما أن إيران تستطيع اللعب في اليمن من أجل مضايقة السعودية وكلّ دولة من دول الخليج العربي، تستطيع السعودية البحث عن حلفاء طبيعيين في العراق. تفعل ذلك كي تثبت أن قرار تحويل العراق مستعمرة إيرانية وجرما يدور في الفلك الإيراني ليس قدرا، على الرغم من كل ما قام به جورج بوش الابن. تكمن مصيبة جورج بوش الابن وإدارته في إهمال البعد الإيراني للمسألة العراقية وحصر الهمّ الأميركي بالتخلص من صدّام حسين ونظامه البائس الذي بدأ بعض العراقيين يترحمون عليه حاليا.

 

أيا تكن نتيجة استقبال السعودية لمقتدى الصدر، يظلّ أن العراق يبدو مقبلا على أحداث كبيرة، خصوصا أن ليس ما يشير إلى أن الأكراد الذين وُعدوا بـ“الفدرالية” في مؤتمر لندن للعام 2002، مثلما وُعد الشيعة بالهيمنة على العراق، على استعداد للتراجع. بل إنّهم مصرون اكثر من أي وقت على الذهاب إلى أبعد في ضوء الحلف القوي مع الولايات المتحدة واليأس من إصلاح أي شيء في النظام الذي أنشأته إيران في العراق بفضل أشخاص عادوا إلى بغداد على دبّابة أميركية.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 انفراط عقد التحالف العراقي الحاكم فاروق يوسف

 

 العرب
 

انهيار التحالف الوطني الشيعي وشيك، غير أن ذلك الانهيار قد لا يقع إلا بعد أن تحسم الولايات المتحدة أمرها في شأن النفوذ الإيراني في العراق بشكل قاطع.

 

دائما كانت التحالفات السياسية هشة في عراق ما بعد الاحتلال. فبالرغم من طابعها الطائفي فإن تلك التحالفات لا تقوم على أساس عقائدي بالمعنى السياسي الحديث. وقد يكون غريبا أن تكون المنطلقات النظرية الدينية التي تستند إليها أحزاب تلك التحالفات مصدر شقاق أكثر مما تكون قاسما مشتركا للاتفاق.

 

ما بدا واضحا حتى الآن أن تلك التحالفات كانت تقام على أساس المصالح المشتركة التي لم تكن ثابتة بما يكفي للحفاظ على نوع من الاستقرار الذي يضمن استمرار المتحالفين في الوفاء بتعهداتهم.

 

وإذا ما كان الولاء لإيران قد شكّل قاعدة لوفاق شيعي، كان الأساس لقيام التحالف الوطني الذي يضم الكتل والأحزاب السياسية الشيعية ومن ثم ضبط إيقاع حركتها والتحكم بخلافاتها، فإن الأحزاب الطائفية السنية لم تكن تملك مرجعية واحدة تستند إليها في تنظيم صلاتها، بعضها بالبعض الآخر، وهو ما أعاق إمكانية نشوء تحالف سني على غرار التحالف الشيعي.

 

غير أن صورة البيت الشيعي متماسكا لم تكن سوى صناعة إيرانية قابلة للتلف في أي لحظة كأي صناعة إيرانية أخرى. فتلك الصورة تجمع نقائض لا يمكن الجمع بينها كل الوقت وبطريقة لائقة. فالتنافس بين عائلتيْ الحكيم والصدر الذي يقوم على أساس طبقي لا يمكن أن يقود إلى تسوية مقبولة من قبل الطرفين. غير أن الخلاف الأكثر خطورة هو ذلك الذي افتعله حزب الدعوة الحاكم حين شنّ حروبا على التيار الصدري لم يكن الهدف منها احتواء التيار، بل شطبه من الخارطة السياسية من خلال إلحاق الهزيمة به وشرذمته والزج بأفراده في المعتقلات.

 

كان نوري المالكي هو رائد فكرة الإلغاء التي صارت جزءا من عقيدة حزب الدعوة في تسييره لعلاقته الفوقية بالآخرين. وهو ما يشير إلى أن العداء سيكون أساسا للعلاقة بين الطرفين (الدعوة والتيار الصدري) في المستقبل، بحيث صار حذف حزب الدعوة من المعادلة السياسية في العراق هو واحد من أهم أهداف التيار الصدري.

 

الصدام الدموي المسلح الذي وقع بين حزب الدعوة والتيار الصدري في غير مناسبة كان من الممكن أن يتكرر بين الأحزاب الشيعية لولا وجود قاسم سليماني ضابطا للإيقاع، كما أن تلك الأحزاب نجحت في استبعاد وقوع احتكاك بينها من خلال توزيع ما يقع في قبضتها من العراق على هيئة إقطاعيات ذات حدود مرسومة، لا يمكن تخطيها.

 

غير أن كل تلك الإجراءات الاستباقية لمنع وقوع صدام شيعي- شيعي لم تؤد إلا إلى تأجيل ذلك الصراع ذلك لأنها لم تقض على أسبابه.

 

اليوم وبعد انقضاء الأمل في قيام تحالف سني بعد الدمار الهائل الذي لحق بالمدن ذات الغالبية السنية يكون الطرف الثاني في معادلة الدولة الطائفية، فإن القوى الحزبية الشيعية تسعى كل على طريقتها إلى تبرئة نفسها من الأسباب التي أدت إلى فشل العملية السياسية التي رعتها إيران من خلال تحميل حزب الدعوة وحده مسؤولية ذلك الفشل كاملة.

 

وإذا ما عرفنا أن كتلة حزب الدعوة كانت دائما هي الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي، فإن ذلك يعني أن أي انقلاب شيعي على الحزب المذكور لن يؤدي إلى تشظي التحالف الوطني فحسب، بل إلى حرب شيعية- شيعية لن تتمكن إيران من منع وقوعها أو وقف تداعياتها.

 

وقد يكون تحذير نوري المالكي من وجود مؤامرة دولية تهدف إلى إسقاط نظام الحكم في العراق، أي نظام حزب الدعوة ومن حوله أحزاب التحالف الوطني، إشارة ذات دلالة إلى شعور زعيم حزب الدعوة بأن هناك قوى سياسية شيعية تسعى إلى الإطاحة بنظامه مستعينة بقوى إقليمية ودولية.

 

تقاسمت الأحزاب الشيعية في ما بينها ثروات العراق وفق برنامج صارم أشرف عليه حزب الدعوة، غير أنها في مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة التي يتوقع الكثيرون أنها ستكون خالية من التهديدات المصيرية بعد القضاء على داعش، لن تقف وراء حزب الدعوة الذي صارت لا تخفي استياءها من سياساته الاستعلائية.

 

ما يخيف الأحزاب الشيعية المتمردة أن يكون حزب الدعوة مستعدا أكثر مما توقع لمواجهة مصيره من خلال الاستعانة بميليشيات الحشد الشعبي التي صار نوري المالكي يعتبر نفسه زعيمها الروحي.

 

انهيار التحالف الوطني الشيعي وشيك. غير أن ذلك الانهيار قد لا يقع إلا بعد أن تحسم الولايات المتحدة أمرها في شأن النفوذ الإيراني في العراق بشكل قاطع.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   شيعة العراق بين السعودية وإيران

 

 كافي علي   العرب
السعودية قوة لا يمكن للأحزاب التابعة لإيران تجاهلها، وموقفها من سياستها يعتمد على رغبتها بالحرب التي تصدرها إيران الخمينية للمنطقة، أو السلام الذي تسعى إليه السعودية دفاعا عن نفسها.

 

كل قضية سياسية تتعلق بالشأن العربي يسعى الإعلام الخميني والإخواني إلى وضعها في إطار عقائدي ويعيد صياغتها برؤية تخدم دول مشاريع الإسلام السياسي.

 

لم تكن الأزمة الأخيرة التي افتعلتها إسرائيل في المسجد الأقصى لتخفيف الضغط موضوع إعلام مشاريع الإسلام السياسي لإثارة الرأي العام العربي ضد المملكة العربية السعودية، ولكن تبادل الزيارات وفتح آفاق الحوار بين المملكة والتيارات السياسية الشيعية في العراق نالا نصيبهما من التشكيك في نوايا المملكة وأهدافها من تلك الزيارات، خاصة في الإعلام الإيراني ومؤسساته العربية. ماذا تريد السعودية من شيعة العراق، وماذا تريد إيران منهم؟

 

في عددها الصادر في أغسطس من عام 1983 نشرت مجلة الدستور فقرة من وصية الخميني على غلافها جاء فيها “هذه وصيتي، عندما تنتهي الحرب مع العراق علينا أن نبدأ حربا أخرى، أحلم أن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت”.

 

إذا كانت بين السعودية والعراق روابط ثقافية قومية ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة، وبين العراق وإيران مشروع طائفي يستغل موارده البشرية والاقتصادية للتوسع. ما الذي يجعل إيران خيارا لشيعة العراق لا السعودية؟ علاقة إيران أو السعودية بشيعة العراق مسألة غير خاضعة للمفاضلة أو الموازنة للحكم بين جهتين، هي إما خلاص الشيعة من مشروع الخميني بعروبتهم، وإما استنزافهم بطائفيتهم.

 

بعد رحلة المنفى، دخل المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم إلى العراق من البصرة، وفي خطبته أمام الحشود التي استقبلته، بُحَّ صوته وهو يكرر بأن تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحكم لا تصلح للعراق ولا تنسجم مع طبيعة نسيجه المتنوع. محمد باقر الحكيم الذي اختاره الخميني لزعامة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بعد محمود الهاشمي، جرفته السياسة الإيرانية، دخل دهاليزها وفهم حقيقة أهدافها، اعترض على تطبيق تجربة ولاية الفقيه في العراق فقتلوه.

 

وعندما سئل رجل الدين الشيعي المعروف أحمد الوائلي في لقاء مصور عن سبب رفضه لدعوة الزيارة الموجهة له من إيران، قال لأنه لا يريد أن يكون طرفا في مشروع، وزيارته إلى إيران ستفسر كتأييد للمشروع، لذلك فضّل البقاء في الكويت لأنه كان رافضا للمشروع الإيراني الذي حذّر منه كثيرا، ولو بشكل غير مباشر محافظا على تقليد مراجع الشيعة بإبعاد العوام عن الخلافات.

 

أما مفكر حزب الدعوة السيد غالب الشابندر فقد بكى على إحدى الفضائيات العراقية، متوسلا بالإمام خامنئي طالبا منه تعمير بغداد وحماية أرواح الشيعة. جاءت توسلاته ضمن جدل سياسي مع قيادي في المجلس الأعلى وآخر من التيار الصدري حول الواقع المأساوي للشيعة بعد هيمنة إيران على القرار السياسي في العراق. في النهاية إيران تقدم مصلحتها القومية على انتمائها المذهبي، وتتخذ من شيعة العراق قربانا لمشروعها.

 

ولأن ولاء التيارات السياسية الشيعية لإيران عقائدي لا سياسي يمكن التراجع عنه بسهولة، لا بد أن يكون موضوع الزيارات المتبادلة مع السعودية خاضعا لظروف فرضتها الحرب على الإرهاب وما رافقها من متغيّرات على الصعيد السياسي والميداني. متغيّرات ربما أدت إلى انقسام قيادات حزب الدعوة والمجلس الأعلى بين أتباع لمشروع ولاية الفقيه، وبين أصحاب توجهات وطنية فرضتها عليهم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض. وقد تكون تلك الانقسامات مجرد محاولات متفق عليها لمواجهة الضغط الأميركي على إيران والجهات التابعة لها في الحكومة.

 

في كلتا الحالتين السعودية قوة لا يمكن للأحزاب التابعة لإيران تجاهلها، وموقفها من سياستها يعتمد على رغبتها بالحرب التي تصدرها إيران الخمينية للمنطقة، أو السلام الذي تسعى إليه السعودية دفاعا عن نفسها.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  العراق.. اتحاد القوى السنية مات وشبع موتا  هارون محمد

 

   العرب
 

اتحاد القوى السنية الذي يستخدم مفردة ‘الوطنية’ في أكثر بياناته، تشكيل هلامي يضم نوابا محسوبين على السنة العرب بالاسم فقط.

دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، الهيئة القيادية لاتحاد القوى السنية، الثلاثاء الماضي، إلى تصحيح مسار العمل السياسي وفق رؤية وطنية مشتركة، دون أن يوضح ما هو المسار الذي يعنيه؟ وما هي الرؤية التي يريدها؟ وهذه هي لغة السياسيين الإسلامويين، شيعة وسنة، في اعتماد الغموض والغيبيات في الطرح والتصريح واتخاذ المواقف.

 

ووفق بيان أصدره رئيس البرلمان، فإن الأخير استقبل أعضاء الهيئة القيادية لاتحاد القوى السنية، وتداول معهم مستجدات الخارطة السياسية وتطورات التحالفات المستقبلية، واتفق معهم على أهمية الحوار وتبادل الرؤى بين الأحزاب والتيارات لمعالجة أخطاء الماضي وتصحيح مسار العمل السياسي لضمان تحقيق تطلعات الشعب، هكذا بعموميات إنشائية، في حين يواجه السنة العرب الذي يدّعي اتحاد القوى أنه يمثلهم، سلسلة مؤامرات آنية ومشاريع عدوانية، تصاعدت في الفترة الأخيرة وباتت تهدد هويتهم الوطنية والقومية، وتواصل تهميشهم والتضييق عليهم، والاستمرار في إبقائهم كنازحين في المنافي والمخيمات ومنعهم من العودة إلى ديارهم التي تتباهى السلطات الحكومية بأنها تحررت من احتلال تنظيم داعش.

 

واتحاد القوى السنية الذي يستخدم مفردة “الوطنية” في بياناته، على غرار التحالف الوطني الشيعي، تشكيل هلامي يضم نوابا محسوبين على السنة العرب بالاسم فقط، وعدد منهم يفاخرون بأنهم من “سنة المالكي” وبعضهم متهم بالفساد، وآخر يداري “خبزته” بالصمت والسكوت، وقليل منهم يرفع صوته في المناسبات ولكنه سرعان ما يهرب ويختفي عندما تشتد هجمة زملائه الشيعة عليه، ورغم مرور قرابة ثلاث سنوات على الإعلان عنه، فإنه ظل اتحادا خاملا وزائدا عن الحاجة. وصحيح أن الحزب الإسلامي وسليم الجبوري، استخدما هذا الاتحاد كغطاء سياسي لتمرير أجندتهما الحزبية والشخصية، ولكن الصحيح أيضا أنه آذى السنة العرب وألحق بهم أضرارا سياسية واجتماعية خطيرة.

 

فهو يزعم أنه يمثلهم تحت قبة البرلمان، ويعبر عن همومهم ويسعى إلى الارتقـاء بهم وتخفيف معـاناتهم، ولكنه كما أثبتت تجربته على مدى ثلاثة أعوام، أنه ساهم بشكل مباشر أو من خلف الستار، في زيادة مشاكلهم وبث الفرقة في صفوفهم واستعداء الميليشيات الشيعية عليهم لاحتلال مناطقهم، حتى وصل الأمر ببعض أعضاء هذا الاتحـاد، مثل مشعان الجبوري، إلى الاستعانة بالقائد الميداني للحشد الشيعي أبي مهدي المهندس، لتـوقيف ابن عمـه في العشيرة أحمد الجبوري محافظ صلاح الدين، لخلافات شخصية بينهما، ونقله من تكريت حيث موقعه الوظيفي، إلى العاصمة بغداد مسجونا في مركز شرطة المنطقة الخضراء.

 

والمعلومات المؤكدة تشير إلى أن ثمة اتصالات تجري بين الجبوريين (النائب والمحافظ) تهدف إلى إقناع الثاني بإطلاق سراحه شرط أن يقدم استقالته طوعيا، ويوعز إلى أعضاء كتلته في مجلس المحافظة، لاختيار ابن مشعان، ويدعى يزن، محافظا لصلاح الدين، رغم أن هذا الأخير وهو شاب ثلاثيني يقود حشدا عشائريا من أقاربه تحت إمرة المهندس، عاد إلى العراق في نهاية العام 2013 بعد تدخل رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي أوقف تنفيذ حكم قضائي صادر عليه وعلى والده بالسجن الغيابي والغرامة، بعد ثبوت استحواذهما على رواتب شرطة حماية أنابيب النفط في المحافظة عام 2005، حيث أمر بإعادة محاكمتهما من جديد لإعلان براءتهما من التهم المسندة إليهما، في حين “يجاهد” ثلاثة نواب في الاتحاد هم عبدالرحمن اللويزي وأحمد كيارة الجبوري وعبدالرحيم الشمري، ويرفعون أصواتهم عاليا لإبقاء قوات الحشد في مناطق جنوب وغربي الموصل، في مناطـق تل عبطة والقيارة وأطراف ربيعة، بحجة الوضع الأمني القلق والخوف من هجمات جديدة لتنظيم داعش، رغم أن هذه المناطق تحررت قبل ستة شهور.

 

إن اتحادا برلمـانيا يرأسـه سليم الجبوري، الذي وقف في مهرجان خطابي نظمته ميليشيا بدر الشيعية الإرهابية، وألقى كلمة أشاد فيها بـ“تضحيات” هذه الميليشيا التي وصفها بأنها “حركة تحرير”، وقال عن رئيسها، هادي العامري، بأنه “بطل ومجاهد” لا يستحق أن يسمى اتحادا سنيا ولا يمثل السنة العرب إطلاقا.

 

علما بأن هذه الميليشيا الإيرانية التأسيس والتجهيز، ارتكبت جرائم وانتهاكات لا تعد ولا تحصى، ضد سكان محافظة ديالى وفي قضاء المقدادية (مسقط رأس الجبوري) تحديدا، وما زالت تحتل المحافظة عبر عملاء إيرانيين يتولون المناصب الإدارية والأمنية والعسكرية فيها.

 

وهناك نائب عضو في اتحاد القوى السنية يدعى شعلان الكريم، مرتبط هو الآخر مع شقيقه رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم مع أبي مهدي المهندس، كل همه الآن وضع العراقيل أمام عودة النازحين السنة إلى الدور وعزيز بلد والضلوعية ومكيشفة ومناطق جنوب سامراء، ويعمد إلى تخريب عقد مصالحات عشائرية فيها، ولا يخفي انحيازه إلى مجموعات شيعية مسلحة في بلد والدجيل استولت على بيوت ومزارع وبساتين تعود ملكيتها للسكان السنة، وترفض إخلاءها متحدية قرارات حكومية وقضائية بإعادتها إلى أصحابها الشرعيين.

 

لقد أثبت اتحاد القوى السنية، أنه مجرد ديكور خارجي، تستخدمه الأطراف والكتل الشيعية لتنفيذ مآربها وتمرير أجندتها الطـائفية.

 

ومؤخـرا عزل رئيس كتلته البرلمانية النائب أحمد المساري، بتهمة أنه يشاكس النواب الشيعة ويدخل معهم في سجالات حادة، واختار وزير دفاع الجعفري والمالكي السابق والنائب الحالي سعدون الدليمي بدلا عنه، وليس دفاعا عن المساري ولدينا ملاحظات سياسية كثيرة عليه، إلا أن الإنصاف يدعونا إلى الإشادة به، لأنه ظل صامدا على الأقل ولم يخضع لإملاءات الكتل الشيعية، مثل سعدون الدليمي الذي يعد واحدا من أركان منظومة “سنة المالكي” وموقفه العدواني ضد الاعتصامات السلمية السنية لا يحتاج إلى تذكير.

 

اتحاد القوى السنية مات وشبع موتا، ولن تعيده إلى الحياة دعوات الحزب الإسلامي ولا اجتماعات سليم الجبوري، والترحم عليه جائز لأنه ميت.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

ثنائية البطالة وداعش في العراق؟

 

   احمد صبري

 

    الوطن العمانية
 

 

”.. طبقا لإحصائيات شبه رسمية فإن العراق يقف في مقدمة دول المنطقة بنسبة بطالة تقدر بـ (59%) وان نسبة الإنتاجية للعامل في المؤسسة العامة يعمل مدة (10 دقائق إلى 15 دقيقة) في ثماني ساعات وهي مدة الإنتاج الرسمي، في حين يكون العامل أو الموظف في القطاع الخاص محققا لدورة إنتاجية تغطي كل ساعات العمل، وهذا التناظر يحدث فرقا هائلا ويتسبب بعدم توازن فرص العمل واختلال المرتبات الشهرية.”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظاهرة تضاف إلى الظواهر التي تخيم على العراق منذ غزوه واحتلاله الا وهي ظاهرة الباحثين عن عمل رغم انه يملك ثاني احتياطي للنفط بالعالم ويصدر نحو خمسة ملايين برميل نفط يوميا.

ومرد اتساع هذه الظاهرة يعود إلى وقف التنمية وتفاقم الديون الخارجية والوضع الأمني، ناهيك عن طغيان الفساد المالي والإداري، واختلال منظومة القوانين الخاصة وسوق العمل، وعزوف الاستثمار العربي والأجنبي العمل في العراق.

واذا وضعنا هذه الأسباب جانبا فسيبرز ارث الخراب والحروب، والحصار الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات، الذي طال اوجه الحياة كافه وعطل منظومة العمل والتنمية وانتج اجيالا من الباحثين عن العمل حيث تحولت هذه الظاهرة في العراق إلى مشكلة خطيرة حولت العراق إلى دولة ريعية مهمتها تأمين رواتب العاملين في مؤسسات الدولة والمتقاعدين.

وطبقا لإحصائيات شبه رسمية فإن العراق يقف في مقدمة دول المنطقة بنسبة بطالة تقدر بـ(59%) وان نسبة الإنتاجية للعامل في المؤسسة العامة يعمل مدة (10 دقائق إلى 15 دقيقة) في ثماني ساعات وهي مدة الإنتاج الرسمي، في حين يكون العامل أو الموظف في القطاع الخاص محققا لدورة إنتاجية تغطي كل ساعات العمل، وهذا التناظر يحدث فرقا هائلا ويتسبب بعدم توازن فرص العمل واختلال المرتبات الشهرية.

فوزارة التخطيط ومنظمات أجنبية ومحلية اشارت إلى أن الذين يدخلون سوق العمل من الشباب قرابة (500 ألف شخص)، تكون نسبة كبيرة منهم من خريجي الجامعات العراقية.

وقطعا فرص العمل التي توفرها الدولة لا تستطيع أن تستوعب كل هؤلاء الخريجين من الجامعات العراقية فحدثت المشكلة المتعلقة ببطالة الخريجين داخل ظاهرة البطالة العامة وأنواعها، فبدأت القضية تتسع من إشكالية إلى ظاهرة فأزمة وصولا إلى إمكانية توصيفها بالكارثة التي تتطلب وضع خطة مكافحة، لمكافحتها.

ان معالجة الخلل الحاصل بين مخرجات النظام التعليمي وحاجة السوق، ومراجعة السياسة الاستثمارية الحالية، وتحسين بيئة العمل، والتخطيط لإنشاء مدن صناعية وتجارية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجيع شركات القطاع الخاص على الاستثمار والدخول بقوة إلى السوق العراقية، والتخطيط لزيادة الاستثمار الحكومي في المشاريع الانتاجية الكبيرة، هي عوامل تحد من ظاهرة الباحثين عن عمل وتمنع العراق من الدخول بالمحظور وتنتج داعشا جديدا بأوجه مختلفة.

وعلى الرغم من تحديد اسباب هذه الظاهرة وعوامل مكافحتها يبقى الفساد المالي والاداري والرقابة على مخرجات الموازنة العامة عاملا مؤثرا لوقف تحول هذه الحالة إلى هاجس للدولة والمواطن.

فمن دون هذه المحددات وعوامل تفعيلها في الميدان يبقى العراق عاجزا عن تكريس ثرواته لسعادة شعبه عبر استغلال الطاقات بمشاريع انتاجية مثمرة ويفتح منافذها امام المفسدين.

لقد آن الأوان لوقف تغول ظاهرة الباحثين عن عمل في المجتمع بإجراءات واقعية تنقذ العراق من تخبطه من خلال اللجوء إلى خيارات مؤقتة وغير مؤثرة وحاسمة لا سيما وقف هدر الأموال المتأتية من عوائد النفط على المجهود الحربي بعد ان اقترب العراق من هزيمة داعش وبما يؤمن وقف الهدر المالي على الماكينة العسكرية التي تسسل إليها الفساد ايضا ما انعكس سلبا على شح التخصصات المالية على ابواب الصحة والتعليم والتطوير واستيعاب جريجي الجامعات لتجديد المجتمع وتطويره.

 

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     مفاجأة في مجلس الحكيم!    عبدالزهرة الركابي

 

    القبس الكويتية
  

لم تعد رياح الفرقة والتباعد تهب على قوى وأحزاب التحالف الشيعي (الوطني) فحسب، بل طالت هذه الرياح حتى الحزب الواحد من هذا التحالف، كما حصل في الفترة الأخيرة في المجلس الإسلامي الأعلى الذي يتزعمه عمار الحكيم.

والمجلس الإسلامي خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة من خلال كتلة «المواطن» التي هي كتلة ائتلافية من المجلس وبعض القوى الإسلامية والعلمانية، أو بالأحرى هي تكتل انتخابي كان بعضوية «المجلس الاعلى والمؤتمر الوطني بزعامة الراحل احمد الجلبي، والعدالة والمواطنة، وعراق المستقبل برئاسة النائب محمد بحر العلوم، وشخصيات مستقلة»، بيد أن الانشقاقات الأخيرة داخل صفوف هذا المجلس جعلت زعيمه عمار الحكيم، يُفكر في تشكيل حزب آخر، لأن المنشقين عنه، كانوا بمنزلة «الحرس القديم» الذين هم من القيادات المؤسسة للمجلس.

وأجمعت مصادر مطلعة من داخل المجلس أن سبب هذه الانشقاقات يعود الى حدوث صراعات بين القيادات المخضرمة فيه مع جيل صاعد من الشباب المدعوم من الحكيم نفسه، كما ان هذه القيادات المخضرمة سبق أن وجهت إلى الحكيم اتهامات تتعلق بتفرده في القرار وتهميش أعضاء المجلس.

إذاً ففي مفاجأة قد تعيد رسم الخريطة السياسية داخل البيت الشيعي في العراق بشكل جديد، يعتزم عمار الحكيم ترك المجلس الاعلى الاسلامي (مع تردد الأنباء مؤخرا عن بقائه في الفترة الحالية)، وتشكيل حزب سياسي جديد بحسب مصادر خاصة ومطلعة، والتي أوضحت أن توجه عمار الحكيم لترك الارث السياسي لعمه ووالده التاريخي، المتمثل في المجلس الأعلى الذي ارتبط اسمه بالحكيم، جاء بعد تنامي الاعتراضات والانشقاقات الداخلية لعدد من القيادات المخضرمة فيه أمثال: جلال الدين الصغير وباقر صولاغ وعادل عبد المهدي، واختلافهم مع رؤية الحكيم لادارة المجلس الأعلى، اضافة الى كيفية التعاطي مع الملفات الداخلية العراقية!

القيادات التي زارت ايران مؤخراً، تمثلت في جلال الدين الصغير وباقر صولاغ وحامد الخضيري، وهم من المتبنين لنظرية ولاية الفقيه والارتباط العقائدي بالخط السياسي الديني لإيران، حيث طالبوا بدور أكبر في صناعة القرار المجلسي، رافضين الصعود الكبير لوجوه شبابية، لم يكن لديها حضور في مشهد ما قبل سقوط النظام العراقي السابق وغزو العراق في 2003.

يذكر أن المجلس الإسلامي تأسس في المنفى بالعاصمة الايرانية طهران سنة 1982، وكان أول رئيس له هو محمود هاشمي شاهرودي، والناطق الرسمي محمد باقر الحكيم.

 

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  العراق وامتحان استفتاء كردستان  عثمان ميرغني

 

    الشرق الاوسط السعودية
  

إذا سارت الأمور وفقا لما هو مقرر ومعلن، فإن استفتاء إقليم كردستان العراق على الاستقلال وتقرير المصير سيجرى في الخامس والعشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل، الأمر الذي ستكون له تداعياته الواسعة على الصعيدين المحلي والإقليمي، وآثاره أيضا على كثير من الحسابات الدولية. وعلى الرغم من اقتراب الموعد، فإن الأمر لا يحظى بالمستوى المتوقع والمطلوب من النقاش، وكأن الناس تتمنى أن يتلاشى الموضوع من تلقاء نفسه، أو أن التمنيات وحدها والعبارات الإنشائية ستمنع انفصال الأكراد.

 

هناك بالطبع من يرى أن الأكراد لن يمضوا في طريق الانفصال، وأنهم يناورون بورقة الاستفتاء ويريدون استخدامها كورقة ضغط على الحكومة المركزية في بغداد للحصول على «صفقة أفضل» وسلطات أكبر للإقليم، أو للحصول على بعض مطالبهم في المناطق المختلف عليها، خصوصا في كركوك. لكن هل من المنطقي تصديق أن الأكراد يناورون بحلمهم القومي، ويريدون استخدام خطوة الاستفتاء فقط للضغط على بغداد من أجل مكاسب وقتية أو تنازلات محدودة في المناطق المتنازع حولها. فالأكراد في أيديهم أوراق كثيرة كان يمكن لهم استخدامها لو أن الأمر مجرد مقايضات محدودة على السلطات أو الأراضي، كما أنهم يتمتعون بسلطات واسعة أصلا وإقليمهم يتمتع بصلاحيات متزايدة منذ التسعينات، رسخها دستور 2005 في ظل الحكم الذاتي، وباتوا بحكم الأمر الواقع وفي ظل الأوضاع المتدهورة في العراق يعيشون وضعا أقرب إلى الاستقلال.

 

طموحات الأكراد أكبر من ذلك في تقديري، ولكنهم لأسباب مفهومة يتوخون التحرك بحذر، لكي لا يجهضوا حلمهم أو يفرطوا في فرصة يرونها تاريخية اليوم. لذا سعوا لطمأنة بغداد والأطراف الإقليمية قائلين إن الاستفتاء مجرد عملية لاستطلاع الرأي بشأن مستقبلهم، وأن نتيجته لا تعني إعلان الانفصال والاستقلال، ولا ضم كركوك أو أي مناطق أخرى متنازع عليها. وفي هذا الصدد أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أن الاستفتاء «لا يعني أن يعلن شعب كردستان دولته فور ظهور النتائج، بل يعني أن يعرف الجميع ما الذي يريده شعب كردستان لمستقبله، وكيف سيختار مصيره».

 

الأكراد يدركون أن هناك معارضة في الداخل لأي خطوة في طريق الانفصال، وقد سمعوا هذا الكلام في تصريحات كثيرة من المسؤولين العراقيين، خصوصا من عدد من رموز التيار الشيعي. كما أنهم يعرفون أن تركيا وإيران تعارضان بشدة خطوة الاستفتاء وتعتبرانه تهديدا «لأمنهما القومي»، لأنه سيعزز الطموحات القومية للأكراد في البلدين وفي سوريا أيضا التي يعزز الأكراد فيها من وضعهم على الأرض مستفيدين من الدعم الغربي ودورهم في محاربة «داعش». من هذا المنطلق فإن أكراد العراق يتوخون الحذر في خطواتهم ولا يريدون الاندفاع في خطوة إعلان الاستقلال بمجرد إعلان نتائج الاستفتاء التي تبدو محسومة لصالح خيار الانفصال بنسبة كبيرة. ولذلك يتمسكون في تصريحاتهم بأنهم لا يريدون إعلان الاستقلال الآن، مما يعني أن النتيجة ستكون بمثابة «إعلان نية»، وورقة في يد الأكراد لفتح باب للمفاوضات حول انفصال بالتراضي عاجلا أم آجلاً.

 

العديد من الأطراف الدولية تنصح الأكراد أيضا بتوخي الحذر وعدم المضي في خطوة إعلان الانفصال من طرف واحد، لأن ذلك من شأنه أن يشعل الأمور، وقد يقود إلى مواجهات واسعة تجر إليها تركيا وإيران. وقال الأميركيون إنهم على الرغم من تقديرهم لتطلعات إقليم كردستان فإنهم يرون أن الاستفتاء الآن سيصرف الانتباه عن «أولويات أكثر إلحاحا» مثل حرب «داعش».

 

أما روسيا فقد أعربت عن أملها في أن تأخذ أربيل في الحسبان ما يترتب على الخطوة «من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية، واقتصادية، خصوصا أن المسألة الكردية تتجاوز حدود العراق».

 

الحكومة العراقية من جانبها اكتفت حتى الآن بتكرار رفضها للاستفتاء، قائلة إنها ستعارض أي خطوة من جانب الأكراد لإعلان الاستقلال، لأن مستقبل العراق ليس خاصا بطرف واحد. كما اعتبرت الخطوة غير دستورية ولا قانونية، مشيرة إلى الدستور الذي يعرف العراق بأنه بلد ديمقراطي اتحادي، ذو سيادة وطنية كاملة. لكن هل يراعي أحد حقا الدستور في العراق اليوم؟

 

الحكومة العراقية تحسن صنعا لو أنها دخلت في حوار جاد ومعمق مع الأكراد ومع كل المكونات الأخرى، من واقع الإقرار بالحقوق لا رفضها، ومن منطلق الرغبة في البحث عن صيغ تعيد الاستقرار المفقود، وتطمئن كل المكونات بضمان المساواة والمشاركة الكاملة، وكبح غول الطائفية التي هي المهدد الحقيقي والأكبر لوحدة العراق وسلامته، وللتعايش بين أهله. فالبلد لا يحتاج مجرد كلام إنشائي عن الاعتراف بالتنوع، وعن ضرورة التعايش، بل إلى ما يترجم ذلك على أرض الواقع. لكن ما يجري في العراق لا يبعث على الاطمئنان في الواقع، ولن ينجح في إقناع الأكراد بالتخلي عن حلمهم القومي، وما الاستفتاء إلا ترجمة لمعنى أن تفشل الدول في بناء مواطنة حقيقية ووطن يرسخ قيم التعايش والمساواة والانتماء الحقيقي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  «وميض نظمي»: وميض فسفوري دائم في الفكر القومي  د. اسعد عبد الرحمن

 

    الراي الاردنية
  

 

نقترب حثيثا من الذكرى السنوية لوفاة القامة الوطنية العراقية وأحد أبرز أعمدة الفكر القومي العربي ودعاته، الصديق الغالي الأستاذ الدكتور (وميض عمر نظمي – أبو ذرى) الذي اشتهر عنه قوله: «لا يمكن أن أكون قوميا عربيا… وأمنع غيري من التمسك بهويته القومية» (قاصدا الأشقاء الكرد الذين تنحدر عائلته منهم). ويجسد (وميض) المثقف العربي النظيف في زمن ووطن مفعم بالفساد، وهو الأمر الذي جعل منه الشخصية النبيلة المعروفة على المستوى الوطني والعربي والدولي. كما كان (وميض) رجلا دمثا، خلوقا، و»منارة» في العلوم السياسية، علما وممارسة، فكان أحد مؤسسي «المؤتمر القومي العربي»، و»المؤتمر القومي/ الإسلامي» والمناصر الدائم للحركات القومية والاشتراكية في الوطن العربي والعالم.

 

ولد (أبو ذرى) في بغداد عام 1941، وتخرج من كلية الحقوق 1964 وحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة درهام في المملكة المتحدة 1974، وكان رئيساً للاتحاد العام للطلاب العرب في المملكة المتحدة وإيرلندا في الفترة ما بين 1971 و1974. وتولى، لاحقا، رئاسة قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد للفترة ما بين 1976 و1982، وكان رئيساً لمركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد خلال عامي 1980 و1981. وفي الأثناء، لعب دورا بارزا (ولو من موقع «المختلف» مع النظام البعثي الحاكم) في بناء العراق والسياسة العراقية.

 

للمرحوم نظمي كتب ومقالات ومحاضرات وتراجم مختلفة في الفكر العربي الإسلامي، الفكر القومي العربي، الفكر الاشتراكي، التطور السياسي في العراق، الاستعمار والإمبريالية، التخلف والتنمية، ودراسة مهمة عن ثورة العشرين في العراق وعن شيعة العراق؛ وكلها دراسات تركت فينا أثرا، واطلعتنا على فكره الخالص وعروبته النقية، مثلما تعرفنا على مناقبيته عبر تلاميذ درسوا عليه في جامعة بغداد. ومن خلال صداقتي الحميمية «الأبدية» مع خاله الشهيد د. باسل الكبيسي الذي اغتالته الأجهزة الإسرائيلية/ الصهيونية/ والمتصهينة في باريس في عام 1973، توطدت العلاقة حثيثا بيني وبين (وميض) حتى غدت متميزة وذلك من خلال مشاركاتنا المواظبة على المنتديات القومية والوحدوية والديمقراطية وكذلك بفضل زياراته المتكررة لي في عمان وحواراتنا عن الهموم العربية المشتركة… إلى قبيل رحيله المفاجئ من عالمنا.

 

كان د. وميض مسؤولا حزبيا عن رفيقه صدام حسين في «حزب البعث العربي الاشتراكي». وقبيل صعود (صدام) إلى سدة الرئاسة، تحول (وميض) ليصبح قوميا عربيا ناصريا ومعارضا للنظام البعثي لكن دونما صدام معه! وكان المرحوم (أبو ذرى) قد طرد من عراق نوري السعيد لرفضه حلف بغداد ودعمه مصر في العدوان الثلاثي (1956)، فلجأ إلى بيروت، وظل يقف بحزم مع قيادة عبدالناصر، مع «الجمهورية العربية المتحدة» وضد «عهد» الإنفصال الذي فصل سورية عن مصر 1961. كل هذا، رغم كونه من أسرة عريقة ومعروفة -تسلمت مناصب علمية وقضائية في العراق في العهد الملكي- حيث تقلد جده منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، كما تقلد والده منصبا وزاريا، وكان جده لجهة أمه المرحوم رؤوف الكبيسي من ضباط الثورة العربية بقيادة الشريف حسين.

 

تألق (وميض) بصفته الأكاديمي البارز والشخصية المرموقة والمعارض الوطني الصلب و»الناصح» لنظام البعث في مرحلة ما قبل الاحتلال متميزا عن «مناضلي الفنادق»! كما كان السياسي الشريف الرافض لاستجرار الاحتلال واستدعائه والاستقواء به واستخدام «معارضته» جسرا لتبريره أو، لعبور المستعمر إلى وطنه، إذ تبين له باكرا «بياض» خيط معارضة النظام، من «سواد» خيط التحالف مع قوى تتآمر على الوطن! ومثلما كان معارضا مختلفا مع نظام الرئيس صدام، كان من أبرز الشخصيات العراقية المقاومة للاحتلال –بكل إفرازاته- ولكل قوى الأمر الواقع الجديد، بحيث أسس مع شخصيات عراقية «المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي»، و»حركة التيار القومي العربي». وخلال الحصار القاسي على العراق، ترأس «اللجنة العربية للتضامن مع الشعب العراقي» عام 1991، لا بل إنه كان يرى مجرد بقائه في عاصمة الرشيد –مرابطا بين أهله وتلاميذه، على الرغم من مصاعب ومتاعب سياسية ومجتمعية غير قليلة- أحد أشكال المقاومة ضد الاحتلال، رغم عروض العمل المغرية التي انهالت عليه من الخارج. كما رفض (وميض) تولي أي منصب سياسي حكومي عرض عليه؛ إدراكا منه كسياسي مخضرم وعريق، مرهف الإحساس الوطني؛ أن هناك من يقود العراق إلى الهاوية من قادته الجدد وسلطة الميليشيات والحكم الفاسد، مكتفيا بالمشاركة في مؤتمرات سياسية ووطنية وقومية.

 

رحل (وميض) وهو يرى في المحاصصات الطائفية والإنقسام العرقي والمذهبي مشروعا استعماريا لتمزيق وحدة العراق، لا يقل عن غلو وتعصب الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية والتدخل الأجنبي، لذا، لا عجب أن لجأ مع شخصيات عراقية وطنية وازنة لتشكيل أطر وطنية عابرة لها، ومات وهو يراهن على وحدة بلده وعروبته، وحرية أبنائه والمساواة بين مكوناته السياسية والاجتماعية في الحقوق والواجبات، وظل حلمه بناء جبهة وطنية عراقية شاملة يسهم فيها التيار القومي في العراق بجهد متميز لدعم ومساندة القوى الوطنية واحرار العراق في كل المحافل. وبذلك، تجاوز (وميض الإنسان)… «وميض البرق» وغدا نوعا من «الوميض الفسفوري»، نوعا من «الوميض المتبقي»، الذي يطلق الضوء بعد زوال مصدر الطاقة (توهج الحياة)!

 

لقد تحولت ذاكرتي هذه السنة والتي قبلها إلى مثوى أخير لمن غادرني من الأحبة: وميض نظمي، هاني الهندي، ومن بعدهما غازي السعدي وزهير الخطيب، وهم كلهم أوجه لعملة واحدة هي القومية العربية. ومن المؤكد أن هؤلاء سيبقون أحياء في قلوبنا وعقولنا، رغم أننا نبكيهم ونبكي على أنفسنا لفراقهم.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
9 العراق وطيّ الصفحة

 

 محمد برهومة

 

 صحيفة الغد الاردنية
 

   

 

كان الأردن يتصرف طيلة السنوات الماضية على أساس عدم وجود جيش عراقي نظامي يتميز بالكفاءة يمكنه مواجهة قوات “داعش” خصوصاً في غرب العراق حيث الحدود مع الأردن. كما كان تصرفنا بالنسبة للجارة الشمالية على أساس أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يسيطر على منطقة درعا شمالي الأردن. اليوم بات واضحاً أن هذه الحسابات الأردنية تغيرت بفعل أربعة عوامل أولها انطلاق عمليتي الموصل والرقة، وثانيها التدخل الروسي في سورية منذ نحو عامين وثالثها مجيء إدارة أميركية جديدة فرضت ترتيبات جديدة على المشهدين العراقي والسوري، وأخيراً تبلور جهد دولي واسع يجعل من بوابة مكافحة الإرهاب مدخلاً لإعادة ترتيبات المنطقة والاستعداد لمرحلة ما بعد “داعش”.

 وحتى لو اتفقنا على أن هذا الجهد تنقصه الرؤية الاستراتيجية المتماسكة للقضاء على “داعش” والتطرف سياسياً وفكرياً، وليس فقط الانتصار العسكري عليهما، فإنه لم يعد خافياً أن إيقاع العمليات العسكرية في العراق وسورية بدأ يترك مفاعيله ويفرض بصماته على إيقاع ونوع الترتيبات الأمنية وإعادة انتشار القوات في الأردن وخصوصاً على الحدود، وهو ما تجلى بوضوح في اتفاق جنوب غرب سورية “اتفاق عمان” قبل أسابيع بين واشنطن وموسكو وعمّان.

وعلى وقع هذه المعطيات الميدانية نشهد حراكاً سياسياً عراقياً تجاه دول المنطقة العربية، تجلى في نهج رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزير داخليته قاسم الأعرجي، وحراك الزعيمين مقتدى الصدر وعمار الحكيم نحو الرياض وعمّان والقاهرة. ولقد عاد قبل أيام مقتدى الصدر من السعودية، بعد زيارة وصفت بأنها “ديبلوماسية شعبية ناجحة لا ترضي إيران”، استقبله خلالها الأمير محمد بن سلمان، وسط معلومات بأن شخصيات سياسية أخرى، بينها عمار الحكيم، ستزور الرياض خلال الفترة المقبلة.

موجبات التقارب العراقي-العربي كثيرة وتفرضها تغيّر الظروف الإقليمية وتغيّر ظروف العراق ونجاح العراق في دحر “داعش” من الموصل ووجود رغبة أميركية قوية بتحسين علاقات العراق مع جيرانه العرب. وقد رحبت واشنطن بزيارات الزعماء السياسيين العراقيين الأخيرة لعمّان والقاهرة والرياض.

لقد اتضح أن حصاد اربعة عشر عاماً، منذ غزو العراق العام 2003، يؤكد أنه لا يمكن تخيّل منطقة عربية قوية في ظل عراق ضعيف ومفكك ومستنزف وتهيمن طهران على كثير من مفاصل قراراته السياسية. وكذلك اتضح أن تقوية الوطنية العراقية ووقوفها في وجه سياسة “الاستلحاق والاستتباع” التي تنتهجها إيران مع قوى نافذة على الساحة العراقية، لا يمكن أن يتمّ من دون حاضنة عربية تتخلص من “إرث ما بعد العام 2003″، وتكرّس مفاهيم أساسية في العلاقات الدولية في صدارتها احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

إعادة الاستقرار إلى العراق ومحاربة الإرهاب فيه ومشاركة الجوار العربي في إعادة إعماره وتنميته والاستثمار فيه أدوات أساسية لترسيخ العمق العربي في سياسة العراق و”مدافعة” النفوذ الإيراني في هذا البلد، وهو نفوذ تصاعد في ظل غياب عربي وتردد سياسي وتواطؤ أميركي. واليوم ثمة فرصة سانحة لطي هذه الصفحة وإعادة الحسابات بتأكيد المصالح العربية ومغادرة سياسة التردد والارتباك وعدم الهروب من دفع “كلفة الجرأة الدبلوماسية”… وذلك عبر الإقرار بأن “سياسة المحاور” بأبعادها الطائفية أضعفت الوطنية العراقية وأضعفت المصالح العربية؛ حين احتزلت العراق في “الحشد الشعبي” ونوري المالكي وأساءت التقدير حين نظرتْ، للأسف، إلى شيعة العراق وكأنهم، وإيران، عملة واحدة !