ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | الفلسطينيون والأكراد… الضحيتان الأكبر في المئة سنة الأخيرة | عماد شقور
|
القدس العربي |
يحتل الفلسطينيون والاكراد، «بجدارة» كاملة، موقع الصدارة في قائمة وسُلّم الضحايا في الشرق الاوسط، على مدى المئة سنة الماضية، حتى الآن على الاقل. صحيح ان الشرق الأوسط بكامله، بأُممه وشعوبه ودوله، ضحية واحدة هائلة الحجم، انشطرت وتشظّت وتتشظّى إلى عدد غير محدود من الضحايا التي تُوَلِّد ضحايا بلا توقُّف، على مدى ليل غطى سواده قرنا كاملا من الزمن. الجلاد الاول والاكبر في هذه القضية/الجريمة هو التاج البريطاني، تاج الامبراطورية «التي لا تغيب عنها الشمس». وتشارك بريطانيا، بالطبع، فرنسا وغيرها من دول الاستعمار الاوروبية؛ وكذلك الرجعيات العربية والفارسية والتركية؛ اضافة إلى العنصرية اليهودية التي اطلقت الحركة الصهيونية الاستعمارية؛ وعوامل ذاتية من التخلف الذي تجذّر في المنطقة على مدى قرون. بدأت المأساتان المميزتان: الفلسطينية والكردية، في العام 1916، بتوقيع اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية، التي فضحتها روسيا البلشفية عام 1917، بعد عثور الثورة البلشفية على وثائق بخصوصها، حيث كانت روسيا القيصرية ضِلعا ثالثا فيها، وانسحبت بعد سقوط النظام القيصري. تلك المأساة الكبرى الشاملة، قسّمت سوريا الكبرى (بلاد الشّام)، إلى اربعة كيانات/دول: سوريا ولبنان وشرق الاردن وفلسطين. والتزمت بريطانيا، بموجب «صك الانتداب» الذي اقرته «عصبة الأمم»، بتنفيذ «وعد بلفور» الذي التزمت بريطانيا بموجبه إنشاء «وطن قومي» لليهود في فلسطين، متجاهلة، بتصميم إجرامي، وجود شعب فلسطيني له الحق الطبيعي في تقرير مصيره بنفسه، أُسوة ببقية شعوب الارض، او أُسوة بشعوب لبنان وسوريا والاردن، على اقل تقدير. اما ابناء الأُمة الكردية في سوريا فقد أُخضعوا للانتداب الفرنسي، في حين اخضع اخوانهم وابناء أُمتهم في العراق إلى بريطانيا، وظل ابناء الأُمة الكردية في تركيا تحت حكم نظام مصطفى كمال اتاتورك ومن ورثوه، وبقي ابناء الأُمة الكردية في إيران خاضعين للحكم الفارسي. توالت المآسي الفلسطينية والكردية على مدى سواد ليل غطى حتى الآن سنوات قرن كامل من الزمن: ـ احتلت الحركة الصهيونية العنصرية الاستعمارية 78٪ من ارض فلسطين عام 1948، وتسببت بنكبة شعبها، ثم الحقت ذلك، بعد تسعة عشر عاما باستعمار ما تبقى من ارض فلسطين. ـ بحرمان الاكراد من حق تقرير المصير كأُمة مثل غيرها من أُمم العالم، او حقهم كشعوب ينتمون إلى قومية ولغة وثقافة وتاريخ وطموحات واحدة وموحدة، من اقامة كيانات سياسية (دول) خاصة بهم، يلتقون مع الشعب الفلسطيني وادي المعاناة والدم والدموع. يجدر بي ان اؤكد في هذا السياق، ان قناعاتي هذه بالحقوق المشروعة لابناء القومية الكردية ليست جديدة ولا حديثة ولا علاقة لها بما نشهده هذه الايام من نهضة وتململ كردي في شتى اماكن وجودهم. اذكر، في هذا السياق، انني شاركت ايام كنت طالبا في الجامعة العبرية في القدس، في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، في مظاهرة مناصرة لحق الاكراد في تقرير مصيرهم. وحين تفاجأ الصحافي والسياسي الاسرائيلي المخضرم، أوري أفنيري، بمشاركتي في تلك المظاهرة، وهو يعرف انني عربي قومي ناصري وعضو في حركة الارض الوطنية الفلسطينية، كان ردي على استهجانه وتساؤله: «اذا كنت أومن بحق شعبي الفلسطيني في تقرير مصيره، واناضل من اجل ذلك، فكيف تريد ان يكون موقفي من المسألة الكردية، وعدد الاكراد خمسة اضعاف عدد الفلسطينيين في فلسطين ودول اللجوء والشتات». يسعى الاكراد في اقليم كردستان العراق إلى إجراء «استفتاء غير ملزم» حول استقلال اقليمهم، يوم 25 ايلول/سبتمبر المقبل، وذلك بعد توافق بين جميع الاحزاب والقوى السياسية الكردية في الاقليم على هذا الامر في بداية حزيران/يونيو الماضي. من جهة ثانية ومكمِّلة، حددت الإدارة الكردية في شمال سوريا مواعيد اجراء انتخابات للمجالس المحلية، ومجلس تشريعي للمنطقة في أيلول/سبتمبر، وتشرين ثاني/نوفمبر، من هذا العام، وفي كانون ثاني/يناير، مطلع العام المقبل. هذه التطورات الهامة على الصعيد الكردي، وعلى الصعيد العربي المتخم بالأحداث والتطورات، وعلى صعيد الإقليم، تلاقي رفضا حادا وعنيفا مرفقا بتهديدات من تركيا، التي تخشى انعكاس تنفيذ هذه القرارات الكردية العراقية والكردية السورية، على الاوضاع الداخلية التركية. ومن الطريف في هذا السياق ان تركيا تعيد رفضها وقلقها من هذه الاحداث إلى «حرص تركيا على سلامة ووحدة اراضي الدولة العراقية والدولة السورية»!. لكن هذا القلق لا يتوقف عند الحدود التركية، بل يتخطاها إلى داخل حدود إيران. كما يثير الامر وتداعياته قلقا على الصعيد الدولي، كان ابرزه ما اعلنه السفير البريطاني في العراق من تحذير بلاده من تداعيات اجراء الإستفتاء، ولحق بذلك شبه توافق دولي، يتخذ موقفا سلبيا من هذا الحدث الذي اقرته الاحزاب الكردية. يجدر بالعرب عند هذا المفصل، اعادة التفكير، وموازنة الامور، وفحص الغث من السمين، واعتماد الالتزام بمبادئ العدل والحق، والتطلع إلى المستقبل، قبل اتخاذ قرار ورسم سياسة التعاطي مع هذه التطورات. لسنا، كعرب، وحدنا في هذا الاقليم. هناك الاتراك والفرس، وهنا اليهود والحركة الصهيونية ايضا. فهل من مصلحتنا ان نقف حجر عثرة في طريق حق الاكراد في تركيا في تقرير مصيرهم؟، والامر ذاته ينطبق على إيران (والحكم الفارسي) والاكراد هناك؟. وابعد من ذلك واشد خطورة: هل هناك أي مصلحة للعرب في اعتماد سياسة تشكل ريحا تتمناه اشرعة سفينة التحالف الاسرائيلي/الصهيوني-الكردي؟. قد يفيد هنا تسجيل حقائق لا بد من معرفتها واخذ اوزانها وأَبعادها في الحسابات العربية، قبل اتخاذ القرار واعلان الموقف: ليست هناك (لأسباب معروفة) احصائيات دقيقة حول الاكراد في المنطقة والعالم واماكن توزعهم. لكن المرجح، وقريبا جدا من اليقين، ان عدد الاكراد في العالم يتراوح بين الـ35-40 مليون نسمة. وتوزيعهم كالتالي: ـ تركيا: عدد الاكراد يتراوح ما بين 11-19 مليون نسمة، أي ما يعادل 16-19٪ من عدد السكان. ـ إيران: عدد الاكراد يتراوح ما بين 6.5-8 مليون نسمة، أي ما يعادل 7-10٪ من عدد السكان. ـ العراق: عدد الاكراد يتراوح ما بين 6.2-6.5 مليون نسمة، أي ما يعادل 15-23٪ من عدد السكان. ـ سوريا: عدد الاكراد يتراوح ما بين 1.75-2.2 مليون نسمة، أي ما يعادل6-9٪ من عدد السكان. على انه يجدر بنا معرفة ان اقامة دولة، بما تعنيه كلمة «دولة» في قاموس السياسة العصري، من حيث انها المثلث الذي تتكامل اضلاعه الثلاثة: النظام، السكان والحدود الجغرافية، اصعب بما لا يقاس من تحطيم دولة. ومن هنا صعوبة ما يواجهه المنتمون إلى القومية الكردية. تضاف إلى صعوبة وتعقيدات الوضع الكردي مسألة الجغرافيا الظالمة: لا يُطِل «وطن» الاكراد على أي بحر او محيط. واكثر من ذلك: «وطن» الاكراد محصور بين أُمم وشعوب معادية، وان بدرجات متفاوتة من العداء. يقول شاعر فلسطين الكبير، محمود درويش، في قصيدته «مديح الظل العالي» اثر خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982: «من لا بَرّ له، لا بحر له». لكن الحقيقة السياسية هي ان «من لا بحر له، لا بر له». وحقيقة مأساة الـ»وطن» الكردي، الذي لا بحر له، دليل قاطع على ذلك. اما شاعر فلسطين الكبير، احمد دحبور، الذي آلمنا بفراقه قبل اشهر، فكان قد اعلن بشكل بديع، في توصيف الحالة الفلسطينية، وطموحاتهم ومطالبهم المتواضعة، في ثمانينات القرن الماضي: «من اجل فنجان شايٍ، ودفترٍ وطوابعْ…لا بد لي من قلاعٍ، وعسكرٍ ومدافعْ». ما ينطبق على الفلسطيني في قصيدة احمد دحبور، في هذا القرن القاسي، ينطبق على الكردي. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | حشد الدولة” أم “حشد المرجعية”؟! | وليد صبري
|
الوطن البحرينية |
تطرح التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول ميليشيات «الحشد الشعبي» العديد من التساؤلات، وتثير الجدل حول موقف الدولة العراقية منها، خاصة أن العبادي شدد على أن «ميليشيات «الحشد الشعبي» لن يتم حلها وأنها مكون من مكونات الجيش العراقي»، لكن ما ذكره لاحقاً أثار الجدل عندما قال إن «الحشد الشعبي» يخضع لقيادة الدولة العراقية، والمرجعية الدينية في النجف، ويدافع عن العراق»، وهنا كشفت التصريحات عن التناقضات البينة، وهي، هل تلك الميليشيات تخضع لـ «حشد الدولة» أم «حشد المرجعية الدينية»؟! وهل تحولت الدولة العراقية لدولة دينية على غرار دولة «ولاية الفقيه» حتى يخضع جيشها للمرجعية الدينية في النجف؟! وهل جنود الجيش العراقي من السنة يخضعون أيضاً لمرجعية النجف؟!
وكان العبادي يرد بتصريحاته على مطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي استغل التظاهرات التي دعا إليها الجمعة الماضي في توجيه رسالة للجموع الغفيرة في ساحة التحرير ببغداد، وبينها «حصر السلاح في يد الدولة، وإبعاد العناصر غير المنضبطة عن الحشد الشعبي، ودمج العناصر المنضبطة ضمن القوات المسلحة الرسمية، وإلا فبجعل زمام أمر الحشد المقر بقانون تحت إمرة الدولة حصراً، لا غير، وبشروط صارمة». تصريحات الصدر لم تكن مجرد بالونة اختبار لمواجهة مباشرة مع الميليشيات الموالية لطهران وائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، غريم العبادي، والابن المدلل لدى «ولاية الفقيه» في إيران، والذي سيذكره التاريخ بأنه يستحق لقب أسوأ رئيس وزراء ومسؤول في تاريخ العراق – ولا ينافسه على هذا اللقب وتلك المأساة إلا نظام صدام حسين – والمسؤول الأول عن ظهور التنظيم المتطرف عندما فشل في دحره في معاركه في الموصل شمال العراق، وظهر جنوده وهم يهربون بعرباتهم العسكرية في مشهد مخز مؤلم لن يمحى من ذاكرة العراقيين والعرب جميعاً. ولذلك فسر مراقبون دعوات الصدر بحل ميليشيات «الحشد الشعبي» ربما تكون أولى مطالب السعودية، ضمن قائمة وعد بدراستها، غداة زيارة نادرة إلى المملكة قام بها، هي الأولى منذ 11 عاماً، التقى فيها كبار المسؤولين في السعودية، خاصة أن كتائب في الميليشيات سبق وأن هددت الحدود السعودية، ولا يمكن تجاهل أمر تلك الميليشيات في أن تصبح تهديداً لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، بوجه عام.
ولا شك في أن تمدد فصائل شيعية مقاتلة تنضوي تحت «الحشد الشعبي» يثير قلق دول الجوار خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة ألى أمريكا، ويبدو ذلك جليا من توسع ميليشيات «الحشد» وتوجهها إلى الحدود العراقية السورية بذريعة محاربة تنظيم الدولة «داعش» وللحفاظ على الأراضي العراقية، على حد تصريحات قياداتها، خاصة أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أعربت عن مخاوفها من وجود ميليشيات مدعومة من إيران على الحدود العراقية السورية، في إشارة إلى الميليشيات التي تدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد وأيضاً ميليشيات «الحشد الشعبي»، خاصة أن الأخيرة تلقى الدعم والتأييد من طهران.
وربما هذا ما يفسر الاتهامات التي وجهتها قادة الميليشيات للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة «داعش»، بقيادة واشنطن، وتحميل الأخيرة مسؤولية مقتل وإصابة العشرات من «الحشد» في القصف الذي استهدف الخط الحدودي المقابل لبلدة عكاشات، جنوب سنجار في محافظة نينوى العراقية، ورغم أن التحالف نفى مسؤوليته عن العملية، فيما أعلن «داعش» تبنيه لها، إلا أنه ليس من المستبعد أن يكون تحرك الميليشيات على الحدود السورية العراقية قد استفز واشنطن وهو ما دفعها إلى تنفيذ تلك الضربة لإيصال رسالة لإيران وميليشياتها في سوريا والعراق وبينها بطبيعة الحال «الحشد الشعبي».
ولأن ميليشيات «الحشد» أصبح ذكرها يثير الهلع، وغدا اسمها مرتبطاً بعمليات الانتقام الطائفي، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لم يكن أبداً مستغرباً أن يخرج رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ليعبر عن مخاوفه من «عمليات انتقام تطاول الأبرياء» في تلعفر، إذا شاركت قوات «الحشد الشعبي» في استعادة المنطقة من قبضة «داعش». ولذلك حمل بارزاني الجيش العراقي مسؤولية تحرير تلعفر من «داعش»، وشدد على أنه «بالتأكيد لن يسمح لتلك الميليشيات والقوات بالدخول إلى أراضي كردستان العراق».
لا يمكن غض الطرف عن نموذج «الحشد الشعبي» في العراق في أن يصبح سيناريو جديداً لتجربة «حزب الله» في لبنان، وربما هذا ما دفع العبادي إلى التأكيد على أن «الحشد الشعبي هيئة رسمية داخل العراق»، نافياً وجود أي صفة للحشد خارج البلاد، في تضارب جديد للتصريحات، ومحاولة لتبرير تصريحاته السابقة، لكن المعضلة الكبيرة التي يواجهها العراقيون حالياً هو اعتبار أن أمن شيعة العراق يكمن في وجود ميليشيات «الحشد الشعبي» وتلك إحدى المآسي الجديدة التي تدخل البلاد في فوضى تضاف إلى أزمات كبيرة تعيشها الدولة العراقية!
* وقفة:
ميليشيات «الحشد الشعبي» ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واستهدفت بشكل خاص، سنة العراق، ومنها من يقاتل في صفوف نظام الأسد في سوريا، فلماذا لا تصنفها دول مجلس التعاون الخليجي على قوائم الإرهاب ضمن القوائم السوداء على غرار «حزب الله» اللبناني؟
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | بريطاني نعم عراقي لا | فاروق يوسف | العرب بريطانيا |
ما لم يحل العراقيون مشكلتهم مع مزدوجي الجنسية من حكامهم، فإن حلمهم بإقامة دولة جديدة سيظل معلقا في الهواء. يغص العراقيون بحقيقة أن حكامهم الحاليين في معظمهم بريطانيو الجنسية. يقف في المقدمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. هناك العشرات من الوزراء والسفراء والنواب والقضاة، ناهيك عن الذين يعتلون مناصب خاصة ورفيعة المستوى هم أيضا بريطانيون.
صحيح أن كل أولئك السياسيين قد استعادوا جنسيتهم العراقية التي حُرموا منها في سنوات اغترابهم، غير أنهم لم يتخلوا عما يعتبرونه مكسبا شخصيا تاريخيا وهو حصولهم على المواطنة البريطانية.
كل أولئك وسواهم من أصحاب المناصب السياسية العليا الذين يتمتعون بالحصانة كونهم رموزا للسيادة الوطنية في العراق كانوا قد أقسموا في وقت سابق على الولاء لملكة بريطانيا.
هم أمام القانون البريطاني مواطنون بريطانيون.
في كل مكان يحلون فيه لهم حق الحماية التي يوفرها التاج البريطاني لكل من يستظل به. بمعنى أن رئيس الوزراء العراقي يحق له بصفته الشخصية أن يلوذ بحماية سفارة بلاده في بغداد.
وهو ما استفاد منه في وقت سابق وزيران عراقيان أسبقان هما حازم الشعلان وفلاح السوداني حين اتهما بقضايا فساد مالي.
لم يخضعا للمساءلة، ولا استطاع العراقيون أن يعرفوا شيئا عن حقيقة الشبهات التي حامت حولهما بسبب جنسيتهما البديلة.
مشكلة معقدة من ذلك النوع يمكن اختصارها بسؤال عادي هو “كيف يمكن أن تُحكم دولة من قبل رعايا دولة أخرى؟”.
واقعيا وقانونيا فإن العراق تحكمه جالية بريطانية.
تساءل الكثيرون بحَيْرة “بأي صفة يُستقبل رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية العراقيون في بريطانيا وهم مواطنون بريطانيون؟”.
سيبدو مشهدا مضحكا حين نتخيل تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا واقفة في صالة استقبال كبار الـزوار في انتظار وصول مواطن بريطاني اسمه حيدر العبادي، قُيّضَ له أن يصبح رئيس وزراء في بلاد أخرى.
لا أعتقد أن ماي ستفعلها. فالرجل العائد إلى وطنه يعرف الطريق إلى بيته جيدا وهو لا يحتاج إلى مَن يستقبله.
أما وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، الذي كان يوما رئيسا للوزراء هو الآخر، فلا أعتقد أنه سيلجأ إلى ترجمة خطاباته إلى الإنكليزية من أجل أن يلقيها في مجلس العموم البريطاني.
من المؤكد أن المشكلة عراقية وليست بريطانية.
لذلك نص الدستور العراقي الجديد في الفقرة رابعا من المادة (18) منه على أنه “لا يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا التخلي عن أي جنسية مكتسبة”.
الغريب أن العراقيين في كل حراكهم السلمي من أجل التغيير لم يجعلوا من تلك الفقرة شرطا للثقة بمَن يحكمهم.
كان لزاما أن يُخيّر حيدر العبادي على سبيل المثال بين وطنيتيه، العراقية والبريطانية. سيكون الرجل حرا في اختياره ولن يلومه أحد. أما أن يظهر العبادي باعتباره حاملا للوطنية العراقية، في الوقت الذي لا يزال فيه مواطنا بريطانيا، فإن في ذلك نوعا من السلوك العبثي والمجاني.
من حق العبادي أن يكون مواطنا بريطانيا، لكن ليس من حقه أن يكون رئيسا لوزراء العراق ما دام محتفظا بجوازه البريطاني. دستور البلاد التي يحكمها يقول ذلك وليس خصومه.
مشكلة العراق في ذلك أنه سيكون بحجم مواطن بريطاني حين يزور العبادي أو سواه من السياسيين العراقيين من حاملي الجنسية البريطانية عوائلهم التي لا تزال تقيم في بريطانيا.
لن يكون العراق حينها دولة إلا على مستوى الوهم.
لا أعتقد أن فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق يمكنه أن يفكر بعقد لقاء رسمي بأحد صناع القرار في بريطانيا.
يذهب معصوم وهو رجل أكاديمي في إجازاته إلى بيته اللندني متمتعا بهناء كونه مواطنا بريطانيا. قد لا يشير إليه جيرانه باعتباره رئيسا. وهو أمر يسعده بالتأكيد. ليست لديه مشكلة.
ما لم يحل العراقيون مشكلتهم مع مزدوجي الجنسية من حكامهم، فإن حلمهم بإقامة دولة جديدة سيظل معلقا في الهواء. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | الحشد الشعبي يتأهب لتسلم السلطة في العراق | هارون محمد
|
العرب بريطانيا |
من تابع نهايات معركة الموصل، لا بد وأن لاحظ أن اسم الجيش العراقي قد غاب تماما، لا ذكر له ولا إشارة، مما يؤكد أن حملة منظمة قد خطط لها مسبقا لتهميش الجيش وتحجيم قادته. لم يعد رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، قادرا على ضبط الحشد الشعبي، الذي تغول وبات قوة ضاربة خارج إطار الدولة، ينشط وفق عقائده الدينية الطافحة بالطائفية، ويتحرك حسب أجندته السياسية، حتى وصل الأمر بقادة فصائله إلى تهديد كل من يبدي رأيا فيه أو ينتقد سلوكه، وأجبروا وسائل الإعلام المحلية ومراسلي القنوات التلفزيونية على استخدام مفردة “المقدس” أينما ترد عبارة الحشد الشعبي، واعتبار كل من يتداول جرائمه، داعشيا يستحق الموت بلا تحقيق أو محاكمة، لأن المقدسات الشيعية في نظر أبي مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي وأوس الخفاجي وأكرم الكعبي وولائي وخرساني وغيرهم من قادة الميليشيات خط أحمر، رغم أن اغلبها مختلق ومزيف، ونتاج خرافات وروايات موضوعة وفتاوى هزيلة.
ومن تابع نهايات معركة الموصل، لا بد وأن لاحظ أن اسم الجيش العراقي قد غاب تماما، لا ذكر له ولا إشارة، مع أن قطعاته ووحداته لعبت دورا بارزا في تحرير المدينة من احتلال تنظيم داعش، وظهرت تسميات جديدة مثل “القوات الأمنية” أو “القوات المحررة” بدلا منه، مما يؤكد أن حملة منظمة قد خطط لها مسبقا لتهميش الجيش وتحجيم قادته، وقد انتشرت في الفترة الأخيرة صور وأفلام على موقع يوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي، تظهر أصحاب عمائم سوداء وبيضاء وعلى أكتافهم رتب لواء وفريق وأركان، يزورون مقرات عسكرية وشرطوية، ويلقون الخطب ويطلقون التصريحات، وكل واحد منهم يعتقد أنه الجنرال مونتغمري، بلا حياء ودون احترام للعمامة على رؤوسهم، التي وصفها مقدم برامج يعمل في فضائية عصائب قيس الخزعلي، بأنها رمز إسلامي لا تختلف قدسيته عن القرآن الكريم والصلاة والصوم، وهو ما أثار هياج عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة علي الأديب (يزدي) وهاجمهم بشدة وابتدع لهم تهمة جديدة “عملاء فكريون” لا بد من حظر أنشطتهم وملاحقتهم قضائيا وسجنهم.
الحشد الشعبي يتقدم الآن على جميع التشكيلات العسكرية الحكومية من جيش وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة في الموصل ومحافظات صلاح الدين وديالى وشمال بابل، وشرق وجنوب الأنبار وأجزاء من كركوك، وتنتشر مقرات فصائله وترتفع راياتها في كل مكان في هذه المناطق، وتزايدت نقاط التفتيش التابعة له في كل شوارعها، تستفز أهلها المفجوعين بعبارات طائفية مبتذلة، ويظهر أبومهدي المهندس على تخوم الموصل ويعلن، بكل صلافة، “مجنون من يظن أن قوات الحشد ستنسحب من المدن التي حررتها، وستبقى تؤدي مهمات بسط الأمن ومطاردة خلايا الإرهاب النائمة في المدينة”. وهو يقصد سكان الموصل الذين لم تشفع لهم تضحياتهم وخراب بيوتهم وتدمير مدينتهم، فهم مازالوا متهمين على الشبهات في نظر قادة الحشد وميليشياته القاتلة.
ولاحظوا كيف قوبلت دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بضرورة تنظيم الحشد وتأهيل أفراده وإلحاقهم بوحدات الجيش والشرطة؟ حيث تعرض الرجل إلى هجمة شرسة قادها رؤساء الميليشيات بدعايات فجة، وشاركت إيران في التحريض عليه أيضا، وبدأت حملة واسعة تشكك بشيعيته وأنه باع نفسه إلى “الوهابية”، وطلع النائب كاظم الصيادي الذي طرده التيار الصدري من صفوفه في الدورة البرلمانية عام 2010، لسرقته سيارة من ممتلكات التيار وتزوير أوراقها باسمه، كما أعلنت النائبة الصدرية السابقة مها الدوري في حينه، علنا وعلى شاشات التلفزيون، وتهكم على مقتدى قائلا إنه “يعجب من زيارة زعيم شيعي إلى السعودية ودم نمر النمر لم يجف”.
وينشر موقع “نامه نيوز” الذي يشرف عليه قاضي القضاة في إيران صادق لاريجاني، تقريرا قال إنه من مصادر التحالف الوطني (الشيعي) في بغداد، اتهم فيه مقتدى الصدر بأنه قرر العمل خلال المرحلة المقبلة على حل الحشد الشعبي في العراق، مضيفا أن زعيم التيار الصدري بمجرد عودته من السعودية بدأ في استخدام أتباعه كورقة ضغط ضد الحكومة والقوى الشيعية ومن بينها الحشد الشعبي، مدعيا أن الصدر تعهد للمسؤولين السعوديين بأنه سيعمل على حل الحشد الشعبي، مقابل دعم الرياض لتحالف يضمه إلى جانب حيدر العبادي وإياد علاوي، لمواجهة رئيس الوزراء السابق القريب من إيران نوري المالكي.
وواضح أن التحريض الشيعي المحلي والإيراني الخارجي على دعوة التيار الصدري بتنظيم الحشد وفق سياقات عسكرية ونظامية، جاء ضمن مخطط تشتغل عليه إيران منذ صيف 2014 عبر الجنرال قاسم سليماني وضباطه الذين باتوا القادة الميدانيين لفصائل الحشد الرئيسية، لتحويل الحشد إلى حرس ثوري “عراقي” وتذويب قطعات الجيش العراقي وجعلها تحت إمرته كما حصل للجيش الإيراني.
وعندما يقف ضابط عراقي برتبة لواء ركن استعدادا لرئيس ميليشيا بدر، هادي العامري، ويؤدي له التحية العسكرية ويخاطبه بعبارة “سيدي أهلا بك في قاطعنا”، فإن ذلك يعني إعادة الجيش إلى عهد نوري المالكي، الذي نشر الفساد والطائفية في صفوفه، وعين قادة مزيفين وضباط دمج على رأس وحداته، ويعني أيضا أن الحشد سيكون هو المؤسسة العسكرية الأولى والأساسية في العراق، وتصبح قطعات الجيش وقوات الشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات في خدمتها وتخضع لأوامرها، ومبروك مقدما للقائد العام للقوات المسلحة الصوري حيدر العبادي، الذي صرخ عاليا في الأسبوع الماضي “الحشد باق”، وتهنئة خالصة لوزير الدفاع (الفاهي) عرفان الحيالي أو الحديثي (لا فرق)، وانتظروا إحالة الفرقاء رئيس أركان الجيش عثمان الغانمي، وقائد القوات المشتركة طالب شغاتي، وأركان حربه عبدالغني الأسدي وعبدالوهاب الساعدي ومعن السعدي وعبدالأمير يارالله، على التقاعد خلال الشهور القليلة المقبلة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 | عِمامة الصَّدر إلى السُّعودية.. ليست الأُولى
|
رشيد الخيّون
|
الاتحاد الاماراتية |
إذا خضعت العلاقات بين الدُّول لما بين المذاهب الدِّينية، مِن شجار طائفي، لفنيت شعوب المنطقة بالحروب، لذا لابد مِن الفرز، فالجوار بين الدول مِن ثوابت الجغرافيا، قدر لا يُتقى بالرَّحيل، ولا بتشييد موانع، إنما بمحاولة إبراز المشترك، والتاريخ لم يكن بين السُّعودية والعِراق كلُّه خصومة وجفاء. مَن يدرك فوضى الخطاب الطَّائفي، وحجم تسمم الأجواء، لا يستغرب ما قيل في زيارة مقتدى الصَّدر إلى السُّعودية، حتى اضطر في خطاب (الجمعة 4/8/2017) القول بتوقع الاغتيال: “إذا لم تُكتب لي الحياة، ولا سيما بعد أن أنزعج الكثيرون مِن خطواتنا الأخيرة”. يقصد زيارته المذكورة.
جاءت الزيارة بعد رئيس الوزراء، ووزير الدَّاخلية، وقبلهما مشاركة رئيس الجمهورية في مؤتمر القمة الإسلامية الأميركية(21/5/2017 – 20)، ثم زيارات مسؤولين سعوديين مِن وزير الخارجية ووفود عسكرية. على ما يبدو هناك نوايا صادقة مِن قِبل الطَّرفين، وسعي حثيث لإعادة حسن الجوار، والبحث عن المشتركات لصالح البلدين والشَّعبين، وللأسف تأثرت العلاقة بين بغداد والرِّياض كثيراً بفوضى الخطاب الطَّائفي الغوغائي، خطاب الإشاعة والتعميم، ومثل هذا الخطاب يستنزف البلدان، ويقوي مِن شوكة الإرهاب. يقول الجرجاني (ت471هـ): “إذا تعاطى الشَّيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعظل الداء، وأشتد البلاء”(دلائل الإعجاز).
فليس معقولاً أن تكون السعودية ذات الـ(28) مليون نسمة، ومساحة مليوني كيلومتر مربع، كلها تتربص بالعراقيين الكراهية، وكأنها خلت مِن مثقفين يحاربون الطَّائفية ببلادهم، ويواجهون غضباً مِن الطائفيين هناك. فالكل يتذكر أن نشرت “الشَّرق الأوسط” مقترحَ منح جائزة نوبل لآية الله السيستاني(21 /3/ 2005)، وزاد جمال الخاشقجي (رئيس تحرير الوطن السعودية) آنذاك بالدعوة إلى منحه “جائزة خدمة الإسلام وليس نوبل فقط”.
وعندما تلفظ أحد الصَّحويين عن السيستاني بما لا يُليق، كتب عبد الرَّحمن الرَّاشد: “واحد من ألف من الوعاظ، الذين انخرطوا في التراشق الطائفي… لا يفهمون السياسة ويصدقون ما يسمعون من الخزعبلات”(الشرق الأوسط 21/1/2010). وكتب تركي الدِّخيل بالغرض نفسه: “كوني من السُنَّة لا يعني أنني أصطف ضد سعودي آخر هو شريكي في المواطنة”(الوطن السعودية 17/1/2010)، ويقصد مقلدي السيستاني مِن السعوديين الشِّيعة.
لم تكن عِمامة الصَّدر العِراقية الأولى الزائرة للسعودية، لغرض غير تأدية الفريضة، ففي القرن الـ(19) تردد محمد سعيد الحبوبي(ت1915)، على نجد بزيارات متواصلة(الخاقاني، شعراء الغري)، ونظم قائلاً:”بلادكُ نجدٌ والمحبُ عراقي/ وغير التَّمني لا يكون تلاقي”(الديوان)، وشارح الديوان لم يوضح، هل قالها لحبيبة نجدية أم لصديق نجدي، حصل ذلك والوهابية كانت شائعة هناك.
عام(1963) حجَ الشيخ محمد جواد مُغنية(ت1979) وكتب قائلاً: “اجتمعتُ بمَن تسنى لي الاجتماع به مِن علماء الوهابية، ودار بيني وبينهم حوار ونقاش حول مفهوم الإسلام، وحقيقة الشُّرك… فرأيت مِن بعضهم التَّشدد، والعزم على سد أي نافذة يهبُ منها نسيم التقريب والإخاء، ومِن البعض الآخر التَّواضع والتسامح في كل الخلافات إلا في تعمير القبور وبناء القباب فوقها”(مُغنية، هذه هي الوهابية). تلك عقيدة أغلب الحنابلة، غير موجهة ضد مذهب معين، فأول قبة أُزيلت بنجد قُبةَ الصَّحابي زيد شقيق عمر بن الخطاب، والمقتول في حرب اليمامة(11/12هـ).
غدا مَن أشار إليهم مُغنية بالمتشددين موضعاً للنقد، وبأقلام بعض أحفاد وحفيدات محمد بن عبد الوهاب(ت1792) نفسه، فالدُّنيا تغيرت، ومَن لايتغير يتخلف عن الرَّكب. فلتكن الصِّلات مع أهل التَّواضع بالبلدين، وهم ليسوا قليلين لو تركنا التَّعميم جانباً، وسيساهمون بتطبيع الأجواء، لترسيخ علاقات متكافئة، عبر سبعمائة كيلو متر، بما يضمن المنافع المتبادلة.
مِن العمائم التي هبطت بالسعودية أيضاً عِمامة محمد باقر الحكيم(قُتل 2003)، وبعده عبد العزيز الحكيم(ت2009) بزيارات رسمية. إلى جانب قيادات مِن العمائم والأفندية من حزب الدَّعوة الإسلامية، عملوا في الجامعات السُّعودية خلال عقد الثَّمانينيات، واتفاقات سياسية معهم في عقد التسعينيات، كذلك مازالت ذكرى علي جواد الطاهر(ت1996) ومهدي المخزومي (ت1993) وغيرهم العشرات من كبار الأكاديميين العِراقيين حيَّة، وللأخير صورة مازالت معلقة في مدخل الجامعة. ناهيك عن التسهيلات والاستقبال لمراجع النَّجف الكبار عند الحج والعُمرة. هذا، ولم يكن استقبال حسين الصَّدر، ابن شقيق محمد باقر الصَّدر (اعدم1980 )، للسفير السُّعودي السَّابق ببغداد، خالياً مِن محاولة تليين الأحوال بين البلدين.
أرى فرص الاتفاق أكثر مِن الافِتراق، ويكفي وجود الآلاف المؤلفة مِن النِّجادة، الذين ولدوا وتربوا على ضفاف دجلة والفرات، وظلوا يفيضون بعاطفة جياشة لكلِّ ما هو عراقي، بغض النَّظر عن المذهب، مِن شعر وغناء وعلمٍ ومعشر حلوٍ، فالسياسة مصالح، يُساعد تحقيقها الوشائج بين الشُّعوب، ولا يتم هذا إلا بالفصل بين المذهبي والوطني/الدِّيني والسِّياسي.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | كاظم الذي أكرهه
|
ريم الميع | القبس الكويتية |
«أكرهه وأشتهي طربه وإنني أحب كرهي له»… هذا باختصار يمثل موقفي الشخصي (ولا أعرف إن كان يشاركني فيه أحد) من الفنان العراقي كاظم الساهر الذي سبق أن استغربت من عدم إحيائه حفلة في الكويت، ثم استغربت من استغرابي. فمشاعري تجاه كاظم ككاظم نفسه، كتلة من المتناقضات تحتاج سيفاً يسبق العذل في اتخاذ موقف تجاه إقامة الحفلة من منعها وهذا ما كان.
في بداياته الفنية، كان كاظم كغيره من الكثيرين، ابن الكويت، إذ بدأ نجاحه فيها في أوج الهوس الكويتي بالهوسات العراقية، فتولع الكويتيون بـ «عبرت الشط على مودك»، التي ولعت الكويت، لكنهم تشاءموا بما هووا عندما كان.
كانت الأغنية بمشيئة القدر الذي جرى بما لا يشتهي كاظم ولو فنياً ما لم يكن إنسانياً. المهم أن أغنيته بدت كنبوءة نحس ونذير شؤم تحقق بعبور القوات العراقية الشط على مود غزو الكويت عبر دخولها على نحو وصفه هو.
ورغم ذلك، لم نولِ الساهر في وقتها أهمية… كان مجرد مغنواتي لا راح ولا جاء، فلم نهتم لمعرفة موقفه السياسي ونحن نتابع مواقف رؤساء الدول.
تحررت الكويت وحوصر العراق وتغيرت التوجهات السياسية والتركيبة السكانية والسيكولوجية السلوكية وما ترتب عليها من ذوق عام نسي كاظم وراح يطرب لإيهاب توفيق ووائل كفوري وقائمة التسعينات التي تعرفونها.
في تلك الفترة، كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يصغر والفنان العراقي كاظم الساهر يكبر، حتى صار أقوى من رئيسه، إذ تمكن من فك الحصار وغزانا فنياً بمساعدة نزار قباني، فأحببنا فنه لدرجة أننا كرهناه لأننا نكره حبنا لهذا الفن الممزوج بالسياسة. ما أثقل ضمائرنا المتعبة بذنب مصير أسرى ودم شهداء طالوا كل أسرة في الكويت تقريباً.
وفي عز مجد كاظم، انهار مجد صدام، تحررت العراق فلم نجد لكاظم موقفاً لا من التحرير ولا من الغزو ونحن لم ننتظره أصلاً.
وفي عز فرحتنا وتحررنا، انطربنا للبرتقالة، فداوينا ذائقتنا الفاسدة بكاظم الذي فسد هو الآخر. أفسده نزار وانفصل عن توأمه الفني كريم العراقي، وبدأ يتراجع في حين بدأت نجومية ماجد المهندس تسطع وشتان بين الاثنين.
وقتها تمنيت لو أحيا كاظم حفلة في الكويت أسوة بماجد، فهو أولى وكلاهما في الفن عراق، لكن الساهر أعرق.
لكن كاظم تأخر ثم تراجع ثم بهت، حتى عدنا لا نذكر له جديداً من بعد أكرهها، فرحنا نتذكر قديمه وكرهناه هو ووقته، وكنت أشعر بحاجتنا لمواجهة كرهنا لتجاوزه حتى بدأت ترتفع الأصوات الرافضة لحضورة وتتشابك بين الأصوات المطالبة به وبين الصوتين كان الصوت الأوضح لأهالي الشهداء الذين طالبوا بعدم حضوره، وهم الذين لم يطالبوا منذ سبعة وعشرين عاماً بشيء.
هنا صرنا بحاجة إلى قرار حاسم وسط زحمة مشاعر، وأمام كفتي حضوره وغيابه، تبدو تكلفة حضوره أعلى بكثير من غيابه. لم يعد يضيف إلينا شيئاً ولم نعد نضيف إلى مسيرته شيئاً. لم نعد كما كنا ولم يعد كما كان. كل شيء تغير فينا وفيه… إلا شيئا واحدا، ديننا للشهداء، وليكن كاظم الثمن. ووسط قرارات شعبية عالية التكلفة، يبدو قرار إلغاء حفل كاظم الأرخص.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | تسارع المكاسب ضد «داعش» في عهد ترامب | كارين دي يونغ
|
واشنطن بوست |
خلال الأشهر الستة الماضية، تم استرداد نحو ثلث المناطق المسترجعة من «داعش» في العراق وسورية، بفضل السياسات الجديدة التي تبنتها إدارة ترامب، حسبما يؤكد مسؤول بارز في وزارة الخارجية.
أفاد بريت ماغيرك، المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد «داعش» في وزارة الخارجية، بأن الخطوات التي اتخذها ترامب، بما فيها نقل صلاحية اتخاذ القرارات من البيت الأبيض إلى القادة في الميدان، أدت إلى «تسارع كبير» في المكاسب التي حققناها ضد المقاتلين المتطرفين.
وأضاف أن «داعش» طُرد من 45 في المئة من الرقة، التي تُعتبر عاصمة هذا التنظيم في سورية بحكم الواقع، منذ انطلاق الهجوم الذي شنته قوات محلية تدعمها الولايات المتحدة قبل شهرَين، كذلك لعبت ضربات الولايات المتحدة والتحالف الجوي دوراً أساسياً في النجاحات الميدانية التي حققتها القوات الديمقراطية السورية المؤلفة من مقاتلين أكراد وعرب.
صحيح أن إدارة ترامب لم تعلن بعد عن إستراتيجيتها الجديدة للحملة ضد «داعش»، إلا أن ماغيرك ذكر عدداً من «التغييرات الرئيسة» خلال عهد ترامب. وفضلاً عن تفويض صلاحية اتخاذ القرارات، التي شدد ماغيرك على أنها أتاحت قدرة أكبر على التفاعل مع الفرص والظروف المتبدلة، أشار إلى «حملة الإبادة» التي ركّزت على المدن المحيطة الواقعة تحت سيطرة المجاهدين قبل شن الهجمات بهدف الحرص على عدم فرار أي مقاتل.
لذلك قال إن الألفَي مقاتل المتبقين في الرقة «سيموتون فيها على الأرجح»، لكن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن هناك 25 ألف مدني ما زالوا أيضاً في هذه المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، تحدث ماغيرك، الذي شغل المنصب عينه في إدارة أوباما، عن جهود الإدارة المتجددة «لتعزيز تشاطر الأعباء في التحالف» بين 73 دولة، على حد تعبيره. صحيح أن معظم هذه الدول لا يشارك في القتال، إلا أنه من المتوقع أن يساهم في جهود نشر الاستقرار في المناطق المحررة، بما فيها مدينة الموصل في العراق، حيث أعلنت القوى الأمنية العراقية المدعومة من الولايات المتحدة تحقيقها النصر على داعش الشهر الماضي.
انتقد بعض المشرعين الأميركيين ما اعتبروه غياب خطط ما بعد الصراع، في حين أعلن آخرون (كما شدد ترامب خلال حملته الرئاسية) أنه من الضروري ألا تشارك الولايات المتحدة في «بناء الأمم» في الخارج.
وصف ماغيرك التحضيرات المكثفة، مشدداً في الوقت عينه على أن الولايات المتحدة لا تهتم بعملية إعادة البناء أو بناء الأمة، في المقابل، تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها من الأمم، وفق ماغيرك، على إزالة الألغام، وتنظيف الحطام، والحرص على أن الخدمات الأساسية (الكهرباء، والماء، والصرف الصحي) مؤمنة كي يتمكن المهجرون من العودة تحت قيادة المجالس المحلية.
وعند سؤاله عما إذا كان التردي الراهن في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا قد أثر في تعاونهما في سورية، أجاب: «لم نرَ حتى اليوم أي تأثير في تعاوننا» هناك.
في الشهر الماضي، أعلنت حكومتا هذين البلدين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، حيث تقاتل قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة جيش بشار الأسد السوري المدعوم من روسيا في هذه الحرب الأهلية المتواصلة.
علاوة على ذلك، وافقت روسيا، نيابةً عن الأسد، على «الحد من الصراع» على طول الخطوط الممتدة جنوب الرقة ونهر الفرات، حيث هددت قوات الأسد بالتصادم مع مقاتلين مدعومين من الولايات المتحدة يحاربون داعش. كذلك ذكر ماغيرك أن هناك اتصالات يومية «بين الجيشين» الروسي والأميركي مع تراجع الاتصالات الدبلوماسية.
كما تشمل نجاحات السياسة الراهنة، وفق ماغيرك، التوقف شبه الكامل لعمليات تهجير المدنيين داخل سورية والعراق وعودة مئات آلاف المدنيين المهجرين إلى منازلهم في مناطق كان يحتلها «داعش» سابقاً.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | بالاستفتاء أو من دونه: كردستان جارتنا
|
عصام الخفاجي | الحياة السعودية |
تتجنّب الوطنية العراقية استخدام تعبير «استقلال كردستان» مفضّلة تعبير «انفصال كردستان» عليه. لم يبتكر هذا التعبير سياسي أو منظّر قومي، بل هو كامن في الوعي الجمعي لكتل متنافرة من شعوب المشرق. وعي ترسّخ فيه وهم أن كبر الكتلة السكانية والمساحة التي تتحكم بها الدولة مرادف لقوّتها ورفاه أبنائها وبناتها. في الأصل هناك جسد قويّ موحّد اسمه الدولة العثمانية وفقاً للوعي الإسلامي، والدولة العربية وفقاً للوعي القومي. والعارض هو الفايروس الخارجي الذي غزا ويحاول أن يغزو هذا الجسم. الوطنية العربية العراقية اليوم تبني على هذا الوعي الغرائزي. تنتعش عبر نفي حق شعب جار في التمتع بمشاعر وطنية، فلا ترى في تلك المشاعر غير سعي الى تقسيم جسم وحّده القدر لا ظروف اجتماعية-اقتصادية قابلة للتغير.
لم يشكّك سياسي عراقي واحد باحتمال أن يصوّت ما لا يقل عن تسعين في المئة من الأكراد لمصلحة استقلال كردستان في حال إجراء الإستفتاء عليه نهاية الشهر المقبل. يبدأ السياسي عادة بإعلان حق الشعب الكردي في تقرير مصيره ليلحقه بسلسلة من الجمل الإعتراضية: لكنه يتنافى مع الدستور العراقي، لكن التوقيت غير مناسب، لكن الظرف الإقليمي والدولي لا يسمح بذلك، لكنه سيولّد مشكلات داخلية في كردستان، لكنه ليس من مصلحة الشعب الكردي. لا يمكن وصف هذا الخطاب بأقل من «كوميدي». فهو يهرب من الحقيقة الأساس التي يبدأ بها ليناقش جوانبها الإجرائية ونيات من يروّج لها. الحقيقة الأساس أن ما لا يقل عن تسعين في المئة من الشعب يريد الاستقلال. والمطلوب من الساسة العراقيين أن يعلنوا موقفاً واضحاً: هل يمتثلون لهذه الإرادة أم لا؟ وهل يسمح النظام الديموقراطي بتخطئة رأي الغالبية حتى لو رأى الساسة أنهم يعرفون أين تكمن مصلحة الشعب الكردي وأنها لا تعرفها؟ فديباجة الدستور العراقي (الركيكة الصياغة) تقول: «نحن شعب العراق الذي آلى على نفسه بكل مكوّناته وأطيافه أن يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه». فما العمل الآن وقد قرّر «مكوّن أو طيف» بحريته واختياره أن يتحرر من هذا الاتحاد؟
المشكلات التي ستنجم عن قرار الاستقلال كبيرة بالفعل وستكون له عواقب داخلية وإقليمية سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة بالتأكيد. لكن على العراقيين أن يتقبّلوا قيام دولة كردستان (بل يرحبّوا بها كما كتبت في مقال سابق) كجارة جديدة لهم، إن لم يكن لأسباب مبدئية فلأسباب يمليها الواقع على الأقل. وعند ذاك فقط سيكون النقاش حول توقيت إجراء الاستفتاء وآلياته صحّياً، ولا بد من أن تنخرط فيه القيادة الكردستانية وتتعامل معه بإيجابية. ذلك أن معظم، إن لم يكن كل، ساسة العراق يحذّرون من خطورة الاستفتاء آملين بأن تأجيله لن يكون مسألة إجرائية بل إلغاء للتطلّع نحو الاستقلال أصلاً وهذا ما يستدعي توجّس الكرد المبرّر.
لا يهم في هذا السياق إن كانت كردستان ستنال استقلالها بعد خمس سنوات أو عقد. المهم أن دولة كردستان قادمة بلا شك وبقاؤها جزءاً من العراق يضرّ بشعبيهما أكثر مما يفيدهما. فالنظام الفيديرالي، في أكثر تجلّياته ميوعة يعني، فضلاً عن الجوانب الرمزية كالعلم والنشيد الوطني، مركزية القوات المسلحة والسياسة الخارجية والسياسة المالية والنقدية. ولا يحتاج المرء إلى كثير من التبحّر لملاحظة أن الشرط الثالث وحده هو المتوافر في علاقة بغداد وكردستان. ساسة بغداد يشكون دوماً من الأمر، وساسة كردستان يواجهون الشكوى بإنكار أو بتبرير. خطورة الأمر لا تكمن في مناكفات السياسيين بل في ما أنتجه من مشاعر انغرست في أذهان العراقيين والكرد طوال عقد أو يزيد. العراقيون ينظرون إلى الكرد كابن عاق يحصل على امتيازات لا حق له فيها، والكرد ينظرون إلى العراقيين كساعين لفرض سيطرتهم عليهم والتحكم في شؤونهم. مشترك واحد يجمع بين كتلتي المشاعر هاتين هو أن كلاً من العراقيين والأكراد صاروا يتحدثون عن العراق وكردستان كبلدين مختلفين.
ومع هذا تصرّ الحكومة العراقية على أن الخلافات بين المركز والإقليم يمكن حلّها من طريق الحوار. حوار حول ماذا؟ من المؤكد أن أحداً لا يتوقع أن يتم الاتفاق على وضع البيشمركة التي خاضت الحرب ضد «داعش» كحليف ندّ للجيش العراقي تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء، ولا أن تُحصر صلاحياتها ضمن ما ينص عليه الدستور كحرس وطني ينشئه الإقليم للحفاظ على الأمن الداخلي. قوات البيشمركة كانت تقرر القتال في جبهة ما وتمتنع عنه في جبهة أخرى وفق سياسات توضع لها في كردستان وبضغوط من التحالف الدولي. ومن المؤكد أن أحداً لا يتوقع أن تتحول ممثليات كردستان المستقلة في أهم عواصم العالم إلى مكاتب قنصلية وثقافية تابعة للسفارات العراقية وفقاً للدستور. ستدور المحادثات، إن جرت، حول قضايا جوهرية بالتأكيد أهمها الخلاف حول هوية المناطق المتنازع عليها وأهمها كركوك وقانون النفط والغاز الذي ينظّم ملكية وعملية إنتاج وتوزيع تلك الثروة الملعونة. لكن ومن جديد، محادثات بين من ومن؟ بين دولة اتحادية وإقليم تابع لها أو بين جارين يريدان تسوية علاقتهما؟
ستدخل بغداد المفاوضات وفي يدها ورقة شديدة القوة قد تغريها بالتصلّب بعد أن أعلنت كل الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة رفضها أو تحفّظها الشديد على إجراء الاستفتاء في هذا التوقيت على الأقل. وذهب بعضها إلى حد التأكيد على تأييده لبقاء العراق الحالي موحّداً. ولا بدّ أن قيادة كردستان تشعر بالصدمة بعد أن أنفقت بلايين الدولارات على لوبيّات مؤثرة في واشنطن على وجه الخصوص وبذلت جهوداً مضنية لإقناع أميركا والعرب بأنها ستكون واحة الإستقرار الموالية للغرب وقاعدة انطلاقهم لمواجهة إيران والضغط على العراق التابع لها. لم تنتبه هذه القيادة إلى أن هذه الحجة كانت مؤثرة في زمن المالكي. ولم تدرك كذلك أن العالم لا يرى فيها حليفاً بديلاً عن العراق بل أداة حليفة للضغط عليه وكسبه. ولو أن البارزاني أعلن عن نيّته إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان خلال سنوات حكم المالكي الأخيرة فلربما كانت إيران الدولة الوحيدة التي ستعارضه ولصارت كردستان الساحة الرئيسة لتصفية الحسابات الشيعية – السنّية.
قد تدفع الغرائز الوطنية العراقيين إلى التعاطي مع مستجدات الأوضاع بقصر نظر يستبطن شعور من جلب الابن العاق إلى بيت الطاعة أخيراً. لكن على العراقيين التفكير بما يعنيه أن يشعر خُمس سكان بلدهم بأنهم مجبرون على حمل وثائق بلد لا ينتمون إليه وبأن لا يشعر رئيس جمهوريتهم بانتمائه إلى البلد الذي يرأسه. عليهم أن يفكروا بمعنى امتناع الكردي عن القول «أنا عراقي» عند سؤاله عن بلده. وسواء اعتبروا أن للأكراد الحق في الاستقلال أم لا، سيكون من النفاق ألا يرى العراقيون أن الكردي سينظر إليهم كمستعمرين إن وقفوا ضد رغبته بالاستقلال.
ميزان القوى الراجح لمصلحة بغداد الآن هو الفرصة الذهبية لا لليّ الأذرع بل للتفاوض حول إجراءات الاستقلال الذي لا تبدو فيه بغداد مرغمة على تقديم التنازلات. وكلما كان الإنفصال ودّياً زادت احتمالات نشوء علاقات إيجابية متميزة بين البلدين (واستعمل تعبير انفصال هنا بمعنى انفصال توأمين سياميين لا انفصال جزء اسمه كردستان عن كل اسمه العراق). ومن السذاجة التقليل من ضخامة المشكلات المتراكمة بين الطرفين لكن التحكيم القانوني الدولي قادر على حلحلة ما يتعلّق بالمناطق المتنازع عليها، كما أن الإنفصال غير العدائي قد يقود إلى اتّفاق البلدين على إدارة بعض المناطق والموارد بصورة مشتركة لعلها تفضي إلى علاقة كونفدرالية بين دولتين مستقلتين.
أعترف بأن كل ما سبق يبدو حديث أمنيات. فمسعود البارزاني على عجلة من أمره ولم يبد حتى الآن استعداداً لتأجيل الاستفتاء كأن كردستان ستنال استقلالها في اليوم التالي لإعلان نتائجه. والحدث التاريخي الذي حلم به الكرد عقوداً طويلة صار مرهوناً بحساباته لحشد تأييد شعبي يعزز مركزه الذي أضعفته الضغوط والأزمات والانقسامات الداخلية. وبغداد تغلي منذ الآن انتظاراً لانتخابات برلمانية ومحلية قد تخلق وقائع غير متوقعة في العام المقبل. ولو أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي استعداده للتفاوض حول الاستقلال اليوم لقدّم رئاسة الوزراء على طبق من ذهب لنوري المالكي أو لنسخة منه. ستلتهب الغرائز عند ذاك وتغصّ الساحات بقطعان المتظاهرين المطالبين بإعدام الخائن الذي تآمر مع الأعداء وباع جزءاً من الوطن. وسيشمّر الحشد الشعبي عن ذراعيه بوصفه من سيسترجع كردستان المنضمّة إلى قائمة أراضي العرب السليبة: فلسطين وعربستان والإسكندرونة وجنوب السودان وربما الأندلس. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
9 | استعادة العراق للحاضنة العربية
|
سالم الكتبي
|
صحيفة عكاظ السعودية |
بدأت المملكة العربية السعودية منذ أشهر عدة عملية طويلة تستهدف استعادة العراق إلى حاضنته العربية، وتحريره من النفوذ الإيراني، وتجلت أحداث مظاهر هذا الجهد في استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً لمقتدى الصدر زعيم التيار الصدري العراقي في الرياض.
لن تكون عملية استعادة العراق سهلة بطبيعة الحال بعد سنوات طويلة من الإهمال العربي، الذي ترك فراغاً إستراتيجياً كبيرا استغلته إيران ونجحت في اختراق العراق تماماً، وتمددت فيه، وسيطرت على مختلف قطاعات هذا البلد العربي العريق، حتى أصبح الإنسان العادي يعتقد أن العراق بكل ما يمتلك من بشر وموارد وتاريخ وقدرات إستراتيجية بات «تابع» لملالي إيران يتحكمون فيه كما يشاؤون!
لم يخطئ العرب وحدهم في حق العراق، فقد أخطأت القوى الدولية الكبرى أيضا حين سمحت بتمدد النفوذ الإيراني في العراق بل سلمته «هدية مجانية» إلى الملالي منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، حيث عاثت إيران فساداً هناك، وحرصت على نسف أو استنزاف أو تعطيل كل مظاهر وموارد القوة الشاملة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء عراق جديد، فقامت بتغذية الفتن الطائفية وتغيير التركيبة السكانية، وإحداث هندسة ديموجرافية جديدة في كثير من المناطق العراقية بما يسمح ببقاء النفوذ الإيراني، واستمرار هيمنة الملالي عبر أتباعهم ومواليهم من الساسة الشيعة العراقيين.
في ضوء ذلك تأتي أهمية الجهد السعودي لاستعادة العراق، فهذا الجهد يستحق كل تشجيع عربي، حيث يتسم بالجدية ومن دون تدخل مباشر في شؤون العراق، ويمضي وفق إطار يحفظ للعراق سيادته ووحدة شعبه، بعيداً عن الطائفية البغيضة التي عمقتها التدخلات الإيرانية طيلة السنوات الطويلة الماضية.
رحلة استعادة العراق لن تنجح بزيارة واحدة للسيد مقتدى الصدر إلى الرياض، فالرجل معروف بمواقفه المناهضة للنفوذ الإيراني في العراق، كما يمتلك حساسية أيضاً لأي تدخل عربي في شؤون بلاده، وهذا حقه ولا جدال في ذلك، فالعراق بلد كبير كان يمثل إحدى ركائز الأمن والاستقرار ضمن منظومة الأمن القومي العربي، ونأمل أن يعود كذلك في المستقبل القريب.
المقاربة الإستراتيجية السعودية الجديدة للتعاطي مع العراق قائمة على البعد العروبي القومي، بعيداً عن الطائفية والمذهبية المقيتة، وهذا مدخل حيوي يمكن أن يفتح الباب لعودة العراق ويحافظ على وحدته الترابية في مواجهة مخططات التقسيم التي تتكرس كل يوم في المشهد العراقي.
ليس من السهل مطالبة العراقيين اليوم بالتصدي للنفوذ الإيراني بين عشية وضحاها، فالمسألة لم تعد تتلخص في حشود من ميليشيات الحرس الثوري، بل باتت شبكات عميقة وضخمة من المصالح الاقتصادية والسياسية تربط بين الملالي والكثير من القادة السياسيين العراقيين، ناهيك عن أن الملالي لن يستسلموا بسهولة لفكرة استعادة العراقي لقوته وقراره الوطني، بعد أن دانت لهم السيطرة والسيادة على موارد هذا البلد ومصادر قوته بما يمكن إيران من توسيع نفوذها الإقليمي والتمدد إستراتيجياً والوصول إلى شواطئ البحر المتوسط.
تحديد مستقبل العراق بعد طي صفحة «داعش» والإرهاب التي عانى منها الشعب العراقي طويلا يحتاج إلى تضافر جهود العراقيين جميعاً، وإعلاء اسم العراق قبل أي ولاءات مذهبية وطائفية أخرى، ويجب على الدول العربية أن تساندهم في هذه الرحلة الشاقة لاستعادة وطنهم الذي نهبت ثرواته ولا تزال لمصلحة ملالي إيران وحلفائهم العراقيين.
ومن مصلحة العراق ذاته أن يعود إلى حاضنته العربية، وأن يستعيد دوره الإستراتيجي التاريخي، كركيزة إقليمية مهمة للأمن والاستقرار، وهناك وعي متنامٍ على الساحة السياسية العراقية بخطورة الخضوع للنفوذ والوصاية الإيرانية، التي تمثل قيداً على قرار العراق وسيادته الوطنية.
استعادة العراق تمثل أيضاً خطوة مهمة على درب تخليص المنطقة بأكملها من الطائفية والمذهبية التي تسببت في تدمير دول ومناطق عدة من عالمنا العربي، وأسهمت في نشر الإرهاب وتنظيماته، كما فتحت الباب لتدخل القوى الإقليمية الطامعة لاقتطاع أجزاء من دولنا العربية وتوسيع نفوذها، لدرجة جعلت الملالي يتباهون باحتلال عواصم عربية ثلاث والتبشير بقرب احتلال العاصمة الرابعة.
كان من الصعب على العرب أن يعايشوا تلك اللحظة التاريخية التي يتباهى فيها الملالي باحتلال عاصمة الرشيد، ولكن الخلاص من هذا الكابوس يفترض أن يكون الرد الأبلغ على المؤامرات الإيرانية الفارسية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
10 | ما اكثر العبر وأقل الاعتبار: العراق يستعد للانتخابات
|
سعد ناجي جواد | صحيفة الراي اليوم بريطانيا |
هذا القول البليغ لسيد البلاغة الامام علي عليه السلام، ربما لم يشهد انطباقا عليه في اي مجتمع مثل المجتمع العراقي. فرغم كل ما مر به العراق من ماسي وآلآم ظلت الغالبية من العراقيين غير معتبرة بما يجري. ومن هنا يشعر بعض العراقيين والكاتب منهم، بان لا أمل في ان تنصلح الأمور في بلدهم الحبيب في المستقبل المنظور على الأقل. ومع عدم إنكار العوامل الخارجية المتمثّلة بالغزو والاحتلال الامريكي البغيض، والتمدد الايراني والتركي والخليجي والصهيوني كل حسب مصلحته، فان من أوصل العراق الى هذا المنحدر هم ابناءه او من يعتبرون نفسهم كذلك. وما يحدث الان على قسوته وشدته واتساعه، الا انه ليس بالأمر الجديد. فمنذ ان قامت ثورة ١٤ تموز- يوليو ١٩٥٨، وظهر نفوذ الاحزاب السياسية ، حتى ظهرت حملات التهميش والاقصاء والأبعاد بل والتصفية الجسدية لكل من يختلف مع هذه الاحزاب وأفكارها وقياديها. والاخطر من ذلك ان الاحزاب التي كانت تستأثر بالحكم او تكون لها سطوة فيه سرعان ما تتضخم عضويتها ومؤيديها حتى تصل الى الملايين، ثم بين ليلة وضحاها تجد ان هذه الملايين قد تبخرت وانقلب قسم لا باس به منهم الى الاحزاب او الحزب الجديد المتنفذ، وهكذا. ورغم كل الكوارث التي مر بها العراق الا ان الحال لم يزل كما هو. فالشيوعي لا يمكن ان يُنتَقَد من غير الشيوعي حتى وان كان النقد موضوعيا والبعثي لا يمكن ان ينتقد من غير البعثي، وكذلك الكردي والقومي العربي والإسلامي. وجلسات مجلس النواب الحالي خير دليل على ذلك، بحيث وصل الامر ببعض النواب الاكراد ان يعلنوا صراحة بان حق نقد الاقليم وقيادته ونوابه محصور بالنواب الاكراد فقط. في حين ان الاحزاب الدينية تتستر على فاسديها برغم معارضة ذلك لكل الشرائع الدينية. لا بل اكثر من ذلك ان كل حزب لا يقبل نقدا من اي حزب او فئة منشقة عن الحزب نفسه. الأدهى من ذلك ان كل نقد حتى وان كان موضوعيا وهادئا يمكن ان يوصم كاتبه بشتى الاوصاف الاخلاقية واللا اخلاقية، ويمكن ان تصل لحد الاتهام بالعمالة. فالبعثيون والقوميون العرب كانوا بالنسبة للشيوعين عملاء عبد الناصر في زمن الجمهورية الاولى ١٩٥٨-١٩٦٣. والشيوعيون أصبحوا في الجمهورية الثانية (١٩٦٣-١٩٦٨) عملاء موسكو، قبل الاحتلال كان كل من يرفض مغادرة العراق ويصر على البقاء فيه يوصف بانه من عملاء النظام السابق، والمضحك ان من يصفه بذلك هم اطراف المعارضة التي كانت مرتبطة بكل اجهزة المخابرات الغربية والصهيونية. ولما حدث الاحتلال البغيض طبقت نفس النظرية على كل من هو موجود في العراق او اصر على البقاء فيه،. لا بل من جاء مع الاحتلال كان واضحا في تصرفاته انه عائد لينتقم من كل من بقي في العراق. والمؤلم فانه وعلى الرغم من هذه الممارسات الواضحة فان غالبية الأكاديميين الذين كنت أعيش بينهم انجرفوا تماما مع ما كان يحدث من سياسات طائفية وعنصرية وبدأوا بالتحريض على زملاء لهم كونهم من أعضاء حزب البعث او اعتبروهم من مؤيدي النظام. وكان البعض يتشفى عندما يسمع باغتيال أكاديمي بدعوى انه كان بعثيا. وعندما اغتيل اول زميل لنا في الكلية التي نعمل فيها وطلبت من زملائي ان نضرب على العمل احتجاجا لم يستجب لي سوى شخص او شخصين فقط. اما عمليات التحريض على الآخرين فحدث ولا حرج، مع علم المحرضين بان هذا العمل قد يودي بحياة زميل لهم او إنسان لديه عائلة واطفال. لقد كنت اعتقد قبل الاحتلال ان الغالبية العظمى من المثقفين والمتعلمين والأكاديميين قد أصبحت لديها تجارب سابقة كثيرة نتيجة للأحداث الكبيرة والمؤلمة التي مر بها العراق لخمسة عقود خلت، وأنها ونتيجة لإطلاعها على الأمور سوف لن تنجر وراء الشعارات والسياسات الغوغائية والكاذبة، وان مبدأ احترام الرأي والراي المقابل سوف يكون مبدائها وديدنها، الا ان ما حدث بعد الاحتلال اقنعني بان الغالبية العظمى لم تتعض. واذا كان هذا هو حال مثقفينا ومتعلمينا وأكاديميينا فلنا ان نتصور موقف العامة التي تتحكم بها أهوائها وتسيرها المشاعر الدينية والطائفية والعرقية، ولا تمتلك من المعلومات غير ما يضخه فيها الاعلام والسياسيون. وفِي هذه الأيام بدأت حملات مبكرة للتمسك بالحكم من قبل من يمسكون به منذ بداية الاحتلال ولحد الان ، رغم فشلهم الذريع في كل المجالات. مع حملات تشويه للاتجاهات الإصلاحية حتى وان أعلنت انها لن تشارك في الانتخابات. وخير دليل على ذلك ما يجري الان من محاولات لتمرير قانون الانتخاب الذي يراد منه دعم الاحزاب المتنفذة . والى ان نصل الى مستوى نحترم فيه آراء غيرنا وان نعتبر ان الجميع وطنيون حتى وان اختلفنا معهم في الرأي، وان الذي لا مجال للتفاهم معه هو من تلوثت يديه بدم الشعب العراقي او بالفساد او من ساهم ودعم وشجع على احتلال العراق وتدميره، او من ارتبط ولا يزال مصرا على الارتباط بأجهزة المخابرات التي تضمر شرا لمنطقتنا، وكل هؤلاء يجب ان يناط امرهم الى القضاء العادل والنزيه، أقول حتى نصل الى مثل هذا السمو من التفكير والاخلاق فسوف لن تقوم قائمة ليس فقط للعراق ولكن لكل أقطار الوطن العربي الكبير. من ناحية اخرى ان ما ستتمخض عنه الانتخابات القادمة مرتبط ارتباطا كبيرا بأجندات خارجية ودول مجاورة، الشيء الجديد الذي يمكن ان يضاف هنا هو دخول الولايات المتحدة بفاعلية، ومحاولاتها المبكرة لاضعاف اطراف معينة مقابل تشجيع اطراف اخرى على ان تظهر بمظهر يختلف عن مظهرها السابق. اما الرأي العام فكان وسيبقى ضعيفا ومستكينا خوفا من بطش المليشيات المتنفذة. والاسئلة التي تثار عديدة، فمثلا هل ستنجح الولايات المتحدة في تغيير التركيبة والإتيان باخرى، وفِي وفت توكد فيه ممارساتها السابقة بأنها كانت دائما تدعم الدكتاتوريات وليس الديمقراطيات، واذا ما فعلت ذلك فهل ستأتي بتركيبة أفضل ام ستبقى على مبدأ اختيار الموالين والطائعين حتى وان كانوا فاسدين. وهل سيظل الاعتماد على عملائها الذين أتوا معها بعد الاحتلال ام انها ستعمل على اختيار الكفاءات التي استطاعت ان تبني العراق وتديم الحياة فيه بعد حرب ١٩٩١ وخلال سني الحصار الظالم واللا انساني. وهل ستقبل الدول والأحزاب والمليشيات التي استفادت من الاحتلال ان تستسلم لمثل هذه الحلول. ان كل الدلائل تشير الى ان العراق مقبل على أزمات ومعارك طاحنة سوف يكون العراقي البسيط وللاسف وقودها. وسيبقى الرويبضة، كما اسماه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، هو من يتسيد المشهد السياسي العراقي. |