8 مقالات عن العراق في الصحف العربية والامريكية يوم الاحد

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1  الأكراد والكذب والرغبات المقموعة  

حازم صاغية

 

 الحياة السعودية
في الهيجان الذي أثارته، ولا تزال، الحالة الكرديّة الجديدة، هناك رغبة مقموعة. إنّها تعيش إلى جانب رغبات أخرى بالطبع، تتقاطع مع بعضها وتخالف بعضها، لكنّها تبقى الأكثر خفاء والتواء بين سائر الرغبات.

فالمنطقة العربيّة لو كانت تعيش زمناً من الوئام والإجماع شذّ عنه الأكراد، بدا مفهوماً هذا الهيجان الواسع وما يصحبه من تخوين. أمّا أنّنا نعيش ما بين حرب أهليّة هنا وحرب إقليميّة هناك، فهذا ما يجعل الرغبة الكرديّة في الانفصال جزءاً، مجرّد جزء، من لوحة عديمة الانسجام.

نذهب أبعد فنقول إنّ ما جهر به أكراد العراق هو ما تضمره أغلبيّة كاسحة من شعوب وجماعات المنطقة. وهذا ما يجعل الوطنيّات العربيّة راهناً، بما في ذلك من إعلانات حبّها المتبادل، شيئاً عصيّاً على التصديق.

لكنّ الاعتبارات التي تمنع الرغبات، السنّيّة والشيعيّة والعلويّة والمسيحيّة والدرزيّة والقبطيّة والإيزيديّة والتركمانيّة…، من التحوّل إلى إرادات ومشاريع، لا تزال كثيرة:

– بعضها المسلّح يستمتع بالسيطرة على الآخرين بما لا يحوجه إلى تقليص رقعة سيطرته عبر الانفصال،

– وبعضها يعرف أنّ العوامل الجغرافيّة والديموغرافيّة والاقتصاديّة تعاند رغبته ولا تخدمها،

– وبعضها يتهيّب الارتدادات الإقليميّة والدوليّة،

– وبعضها لا يزال يتمسّك بتفضيل الكبير على الصغير، أو يعتصم بكون «يد الله مع الجماعة»،

– وبعضها يخاف الاتّهام بإنشاء «إسرائيل ثانية» و»ثالثة» و»رابعة»…

وسط هذه اللوحة الملبّدة، حيث يقف الواقع حائلاً دون الرغبات والإمكانات، أبدى أكراد العراق استعدادهم لاختراق هذا الواقع ولتسييد رغبتهم عليه. والأمر هذا قد ينطوي على فائض إراديّ وعلى نقص سياسيّ، لكنْ يبقى أنّ الجزء الكرديّ من لوحة المنطقة بات نافراً فيما باقي اللوحة ماضٍ في تصارعه مع ذاته، ومع كتمان معظم هذه الذات. النيّات غير المعلنة ارتابت بالنيّة المعلنة الوحيدة، خصوصاً أنّها تقول ما تضمره، وما تشتهيه، تلك النيّات. وتجرّؤ الإقدام على ما يرغبه الآخرون ولا يتجرّأون على الإقدام عليه سبب لغضب هؤلاء الآخرين.

غضبٌ كهذا غالباً ما تزكّيه المراحل الانتقاليّة بما فيها من انهيارات ونهايات وقلق من المستقبل وإحساس بضرورة «ترتيب الأمور» على نحو مفيد لأصحابها. وكم يحتقن الغضب ويتعاظم حين يلمس صاحبه أنّ الحاضر منهار والمستقبل ممنوع، فيما ثمّة من يهيّئ نفسه لمغادرة المركب الذي يغرق.

والحال أنّ المكبوت الذي فينا، وهو كثير، لا يعود إلاّ عودات محوّرة وعدوانيّة وحاسدة، بدل أن تكون عوداته صريحة ومباشرة وسلميّة الطابع. إنّه يكره ما يحاوله الآخرون لأنّه يخاف أن يحاول. يكره ما يجهر به الآخرون لأنّه لا يجروء على الجهر.

وهذا مردّه إلى الافتقار العميق إلى الحرّيّة: الافتقار الذي يجعلنا نبالغ في تصوير عداوات متوهّمة أو مزعومة أو بعيدة، عداوات تُخاض المعارك معها لفظيّاً، فتعفينا من مسؤوليّة خوض المعارك المباشرة والفعليّة التي تداهمنا.

هكذا صارت حملة الهيجان على الأكراد لوحة تجتمع فيها التراجيديا والكوميديا. والأمر فيه نفاق كثير ذو وجهين على الأقلّ: واحد كثر الكلام عنه، وهو التعلّق بـ «خريطة سايكس- بيكو» التي نشأت أجيال على لعنها، والآخر أن يُترك لحسن نصرالله مثلاً، وهو قائد حزب مذهبيّ تعريفاً، أن يحذّر في خطاباته المتلاحقة من «مشاريع التفتيت المذهبيّة»، وأن يتّفق رئيس الجمهوريّة «الإسلاميّة» الإيرانيّة حسن روحاني ورئيس الحزب «الإسلاميّ» التركيّ رجب طيّب أردوغان على أنّ بلديهما «لن يقبلا تقسيم المنطقة وتجزئتها»، وأنّهما يرفضان «تأجيج خلافات عرقيّة ومذهبيّة خطّط لها في منطقتنا متآمرون وأجانب».

بمثل هذا، بمثل هؤلاء، تُصنع الوحدات وتدوم.

 

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2  كم بقي من أعداد “داعش”؟!

 

 كاظم الموسوي

 

 

 راي اليوم بريطانيا
  

منذ أن أصبح “داعش” عنوانا اعلاميا مختصرا لذلك التنظيم الارهابي، الذي تأسس ونما ودُعم لأهداف لا تمت لما يروج عنه وله. بل لغايات اكبر منه وابعد مدى مما تمكن منه. ونفذ بعضا منها عمليا ومارس سياسات وحشية لتشويه صورة ما نسب إليه إيديولوجيا ومذهبيا وصناعة كراهية مقيتة وحقد ضدي لكل ما ادعاه وانتسب إليه. ومنذ الاعلان هذا انتشرت معه تخمينات وتقديرات وكالات الاستخبارات الدولية، ومراكز دراسات وأبحاث وتقارير إعلامية صحفية. وأبرزها كانت من وكالات الاستخبارات الامريكية، حيث ذكرت أعداد الدواعش، الذين وصلوا ارض “الخلافة”، التي وفرت لها كل الخدمات اللوجستية وفتحت الحدود ونصبت لها غرف معلومات واستطلاعات على الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا والعراق. ومنها نقلت المؤسسات والأجهزة المعلومات والاحصائيات.

بعد عودته للعراق واحتلاله محافظات شمال وغرب العراق، اثر اتمام السيطرة على محافظات شمال وشرق سورية أعلن ابو بكر البغدادي (خريج سجن بوكا الأمريكي في البصرة) دولته وخطب في جامع النوري الكبير، المعروف بمنارته الحدباء، ودمرهما تنظيمه بعد هزيمته في الموصل، التي أعلنها عاصمة لدولته الخرافية. ومنذ تلك الفترة التي توسعت الأراضي التي احتلها والسيطرة عليها قدرت المؤسسات المخابراتية والبحثية اعداد الدواعش، شاملة الاجانب المنقولين ومسلحي الحواضن المحلية. ففي تفاصيل حصيلة الاجانب الذين أُدخلوا الى سوريا والعراق، كالآتي: السعودية: 2500، لبنان: 900، تونس: 3000، المغرب: 1500، الأردن: 1500، ليبيا: 600، مصر: 360، الجزائر: 200، فلسطين: 120، اليمن: 110، السودان: 100، الكويت: 70 ، قطر: 15 ، الإمارات: 15 ، البحرين: 12، فرنسا: 700، بريطانيا: 500، ألمانيا: 400، بلجيكا: 300 ، هولندا: 150، السويد: 100، أسبانيا: 100، الدنمارك: 100، النمسا: 60 ، إيطاليا: 50، النرويج: 50، إيرلندا: 30، فنلندا: 30، سويسرا: 10، روسيا: 800، تركيا: 400، كازاخستان: 150، ألبانيا: 140، كوسوفو: 120، البوسنة: 60، أوكرانيا: 50، باكستان: 330، استراليا: 250، الصين: 100 كندا: 100، الولايات المتحدة: 100، الصومال: 70، إندونيسيا: 60، أفغانستان: 25. حسب رصد معهد بريطاني لمكافحة التطرف، في تقريره الذي أصدره في تشرين الأول/ اكتوبر 2014 ورد عليه معلقون بأن هذه الأرقام يمكن أن تكون مضاعفة على الارض، وهي ارقام مشابهة لتقارير أمنية أخرى.

بينما تضيف وتؤكد مصادر متابعة لصحيفة «الراي» (26  آب/أغسطس 2014 ) ان عدد الملتحقين بالتنظيم بات يفوق الخمسين ألفا بكثير لان عملية الاستقطاب جارية، وفي ارتفاع جدي “فعدد الغربيين يفوق 20 الفا وعدد السوريين المناصرين داخل سورية يفوق 25 الفاً وعدد العراقيين المناصرين داخل العراق يفوق 30 الفاً وكذلك التونسيين والمصريين والمغاربة وهو ما يجعل عدد أفراد «داعش» في العراق وسورية يناهز مئة الف مع التحفظ بسبب زيادة هذا الرقم يوميا”.

من جهته أعلن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جون برينان،  في كلمة ألقاها أثناء جلسة للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، أن مجموع أعداد مسلحي “داعش” في سوريا والعراق يتراوح بين 18 و22 الفا. وفق موقع “روسيا اليوم” (الجمعة 17 حزيران/ يونيو 2016 ) الذي نقل عنه ايضا: “إن هذا الرقم أقل من الرقم الذي حددته الجهات الأميركية المعنية العام الماضي، البالغ 33 ألف مسلح ضمن صفوف (داعش)”. وأضاف: “أن عدد مسلحي (داعش) في ليبيا يبلغ 5 – 8 آلاف وفي نيجيريا نحو 7 آلاف، بينما يقدر عددهم في مصر واليمن وأفغانستان وباكستان بالمئات.

كما ظهرت إحصاءات جديدة عن عدد مقاتلي “داعش” وعدد القتلى منهم في ضربات التحالف الغربي.. فحسب الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، ريتشارد باريت، قال ل”سكاي نيوز عربية” (2015/12/09) إنه من الصعب تحديد عدد المسلحين في صفوف “داعش” بدقة، مشيرا إلى أن آخر الإحصائيات حتى حزيران/ يونيو 2013 تشير الأرقام ما بين 27 ألف إلى 37 ألف مقاتل. وأضاف أن أعدادا كبيرة جاءت من دول مختلفة من شمال إفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ودول شرق أوروبا. وأوضح باريت أن الأشخاص، الذين يلتحقون بتنظيم “داعش” غالبا ما يكونون جاهزين لفعل أي شيء، مشيرا إلى أن القضاء على معقل “داعش” في الرقة يتطلب مواصلة التنسيق بين دول التحالف لدحر التنظيم المتشدد. بينما حدد خبير استخبارات بريطاني عدد المقاتلين الأجانب في “داعش” في سوريا والعراق بلغ31 ألفا.

 ونسبت صحيفة “يو إس آيه توداي”  للمتحدث باسم التحالف الغربي ضد “داعش” أنه قتل العام الماضي (2014) نحو 15 ألف مقاتل من داعش في سوريا والعراق، وأن العدد ارتفع مع قرب نهاية هذا العام ليصل الإجمالي إلى 23 ألفا. وصولا إلى أرقام موازية الى الاعداد المعلنة.

تحت عنوان بسؤال: كم بقي من العمر ل”داعش”؟ أفاد تقرير أعدته مجموعة المحللين Conflict Monitor التابعة لمنظمة الخبراء IHS Markit الدولية (2017/6/29) بأن تنظيم “داعش” الإرهابي سينهار قبل مرور سنة واحدة من الآن. وجاء في التقرير أن تنظيم “داعش” فقد سيطرته على 60% من الأراضي التي كانت تخضع له، على مدى 3 سنوات من تاريخ إعلان إنشاء “دولة الخلافة”، ما يعني أن التنظيم لا يستطيع أن يعيش عامه الرابع. وأوضح التقرير أن “داعش” كان يسيطر في 2015 على 90.8 ألف كيلومتر مربع، بينما، في حزيران/ يونيو 2017، لم يبق تحت سيطرته سوى 36.2 ألف كيلومتر مربع. وتابع التقرير أن القوات السورية، و”قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، إضافة إلى القوات العراقية، تسهم في إضعاف “داعش” الذي من المرجح أن يتفكك قبل انتهاء العام الحالي. وأضاف التقرير أن الأعمال الهادفة إلى وقف قنوات تمويل الإرهابيين أدت إلى انخفاض حجم إيرادات “داعش” بشكل ملحوظ، حيث بلغ حجم إيرادات التنظيم 16 مليون دولار شهريا في 2017، فيما وصل مبلغ الإيرادات في 2015 إلى 81 مليون دولار في شهر واحد.

وذكر التقرير أن إيرادات “داعش” النفطية انخفضت بنسبة 88%، والضريبية بـ79% بالمقارنة مع العام 2015. وأوضح التقرير أن فقدان السيطرة على الأراضي السورية الغنية بالنفط (الرقة، وحمص)، ومدينة الموصل العراقية أسفر عن تقليص إيرادات “داعش”.

 كما يبدو… ثمة اختلافات في التقديرات ولكن الوضوح في التآكل في قدرات التنظيم البشرية والمادية ملموس، وفي حساب الحصيلة بين الاستقطاب والتجميع والقتلى من اعداده يتبين التراجع الكبير في الأرقام المعلنة، وتبقى تلك التي يحتفظ بها صانعوه مخفية ليوم ما. وفي كل الاحوال، انتهت قدرات “داعش” عسكريا في العراق وسورية، اي تتلاشى أعداد مسلحيه، وما يبقى له فعليا هم من مناصريه، الذين يقتضي الإنتباه منهم والعمل عليهم ستراتيجيا للخلاص من ارتباطهم ومن خطط الارهاب ووقف دور صانعيه معهم..

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3  تركيا وكردستان… حسابات أكثر تعقيداً

 

 عريب الرنتاوي

 

 

 الدستور الاردنية
 

 

ما إن بدا أن حكومة إقليم كردستان العراق، قد حزمت أمرها وقررت إجراء الاستفتاء على تقرير المصير في موعده المقرر، حتى شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ورائه رهطٌ من الساسة الأتراك، في إطلاق سيل جارف من التهديد والوعيد … الاستفتاء تم، والتهديدات تصاعدت وتعاظمت وتيرتها، بيد أن شيئاً على الأرض لم يتغير، وأنقرة لم تأخذ خطوة عملية واحدة حتى الآن، لثني أربيل عن موقفها وإلزامها بإلغاء نتائج الاستفتاء.

ثلاثة معابر حدودية برية بين الإقليم وتركيا، أشهرها معبر خابور، لم تغلق حتى الان، برغم الإنذارات المبكرة بذلك … تركيا لم تغلق أجواءها بعد في وجه الإقليم برغم التلويح المتكرر بهذه الخطوة… النفط ما زال يتدفق في الأنابيب المتجهة إلى ميناء جيهان، محمّلة بـ 300 ألف برميل من النفط يومياً من دون انقطاع … الشركات والبنوك التركية الكبرى، وعددها يزيد عن 200 شركة، ما زالت تفتح أبوابها للزبائن في مدن الإقليم المختلفة، شراكات تركية – كردية تنضوي في إطار 1300 مؤسسة ما زالت تزاول أعمالها كالمعتاد، موفرة 200 ألف فرصة عمل لمواطنين أكراد من الإقليم … حجم الاستثمار التركي في كردستان لا يقل عن 40 مليار دولار، وبعض المصادر تتحدث عن 52 مليار دولار، جعلت من تركيا أكبر مستثمر دولي في الإقليم، مقابل 100 مليار دولار استثمار كردي في تركيا، نصفها أو أزيد قليلاً، استثمارات عائدة لعائلة البازاني كما تقول مصادر عراقية وتركية متطابقة.

طوال السنوات التي أعقبت صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في أنقرة، تزامناً مع سقوط صدام حسين في بغداد، جرت تطورات عميقة ومتسارعة على مسارات العلاقة بين تركيا وكردستان، بالرغم من الصراع التقليدي – التاريخي بين الجانبين … وتعززت العلاقات الثنائية، بشبكة معقدة من المصالح المتبادلة، التي من شأنها جعل العودة عن هذا المسار، أمراً مكلفاً ومتعذراً… تعززت اعتمادية الإقليم على تركيا، وتعاظمت مصالح تركيا في الإقليم.

وبالطبع، فإن لكل فريق من فريقي العلاقة، حساباته ورهاناته التي دفعته لتعزيز هذه العلاقات وتشييدها فوق “بنية تحتية صلبة” … الأتراك راهنوا على احتواء الإقليم، والحد من طموحاته الاستقلالية، بل واستخدامه رأس حربة في الصراع والمنافسة مع بغداد وإيران … والإقليم راهن على أن مصالح تركيا المتعاظمة فيه ومعه، ستكون كافية لتدوير الزوايا الحادة في الموقف التركي من المسألة الكردية، وتحديداً حين تأتي لحظة الحقيقة والاستحقاق، أو لحظة الحقيقة والاستفتاء … لكن الأمور لم تجر على هذا النحو، وأردوغان وحكومته وحزبه، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة حسابات أكثر تعقيداً من حسابات الربح والخسارة وفائض الميزان التجاري أو عجزه.

صحيح أن الأرقام السابقة تفسر إلى حد كبير، حالة التباطؤ في “ردة الفعل التركية” والفجوة الواسعة التي تباعد ما بين التهديدات اللفظية، التي اشتهر بها أردوغان على أي حال، وباتت جزءا من شخصيته من جهة، والخطوات الفعلية على الأرض، والتي لا تكاد تُرى أو تُلحظ من جهة أخرى … لكن الأصح، أن هناك مصالح تركية كبيرة، يتعين الانتباه لها وأخذها بنظر الاعتبار، وهذا ما دفع أردوغان وحكومته، للقول مراراً وتكراراً إنهم معنيون بمعاقبة المسؤول على قرار الاستفتاء وليس الشعب الكردي، في إشارة قد تكشف سر التباطؤ في فرض خطوات عقابية على الإقليم، وتعطي مؤشراً على طبيعة وححجم العقوبات التي ستفرضها تركيا على الإقليم، خلافاً لما هي عليه الحال بالنسبة لإيران، التي سارعت لإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي وتجميد وإلغاء الاتفاقات الثنائية، والتلويح بخيار القوة العسكرية إن لزم الأمر.

لأردوغان وحزبه وحكومته، حسابات أخرى عند النظر إلى هذه المسألة … فإن هو ذهب بعيداً في معاقبة الإقليم، انقلب السحر على الساحر، ليس بمنظور الأرقام السابقة فحسب، بل وربما بخسارة كتلة تصويتية كبيرة في صفوف أكراد تركيا، اعتاد هو شخصياً وحزب العدالة والتنمية، الحصول عليها في كل انتخابات.

وإن هو استمر في المماطلة والمراوغة، وفصل الأقوال عن الأفعال، خاطر بانتقال عدوى تقرير المصير إلى الداخل التركي، فضلاً عن المقامرة بخسارة أصوات الطورانيين الأتراك، الذين دعموه وحزبه في آخر انتخابات واستفتاءات، أعقبت حربه المتجددة على اكراد بلاده في جنوب شرق الأناضول.

كلا الخيارين مكلف للرجل، ولكل منهما تأثيره المباشر على مستقبله الشخصي والسياسي ومصير الأغلبية المريحة التي يتمتع بها حزبه في البرلمان والحكومة، بل ولكل منهما انعكاسات مباشرة على أمن تركيا الوطني وسلامة وحدتها الترابية ونسيجها المجتمعي.

لغة الأرقام و”لوغاريتماتها” أمر مهم من منظور انقرة، لكن لغة الأمن القومي وحسابات المصالح الحزبية والشخصية للرئيس والحزب الحاكم، أمرٌ أكثر أهمية عندما تحين لحظة اتخاذ القرارات الحاسمة، والوقت ينفد أمام أردوغان، وسوف يجد نفسه مضطراً للمفاضلة والاختيار، وربما في غضون أيام قلائل.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4   «داعش» تالي.. كيف نحاربه؟

 

 فيرا ميرونوفا

 

 واشنطن بوست
 

 

عشت حياة مزدوجة في جانب كبير من العام الماضي، فقد كنت أرافق قوات العمليات الخاصة العراقية أثناء معركتها في الموصل لأشاهد الصراع عن كثب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، لكنني كنت أواصل أيضاً بحثي المستمر منذ أربع سنوات بشأن هذا التنظيم، وأجري مقابلات مع مقاتليه وأنصاره لأفهم الصراع من وجهة نظرهم.

 

وخرجت بخلاصة مفادها أن الانتصار في المعارك، واستعادة السيطرة على الأراضي لن يوقف «داعش» لفترة طويلة رغم الجوانب الإيجابية لتحقيق قوات التحالف للكثير من التقدم. فلن يوقف «داعش» إلا التغيير واسع النطاق في السياسات الحكومية. والسياسات المحلية التي تتعامل مع متشددي «داعش» والمقاتلين السابقين والمجندين المحتملين فيها لا تفي بالغرض ليس فقط في العراق، ولكن في كل دولة تقريباً من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا الغربية.

 

ودول مثل ليبيا واليمن والفلبين ونيجيريا والصومال لا تتمتع الحكومات فيها إلا بالقليل من السيطرة الفعلية على بعض أراضيها، ما يجعل هذه المناطق أهدافاً سهلة لـ «داعش»، لكن الدول التي تفرط في سيطرتها القمعية، مثل منطقة القوقاز وجمهوريات وسط آسيا وبعض الدول الأفريقية تساهم أيضا في الأزمة لأنها تجعل حياة مواطنيها لا تطاق بما يدفعهم إلى مغادرة البلاد والعثور على حياة أفضل في «خلافة» الجماعة المتشددة.

وفي المناطق التي لا تستطيع الحكومات أن تضطلع بواجباتها لتوفير الخدمات لمواطنيها وحمايتهم، تستطيع جماعات مسلحة جيدة نسبيا أن تحكم سيطرتها بسهولة. والسكان المحليون الذين سئموا من سوء الإدارة لا يقاومون أياً من يفرض سيطرته، بل يرحب السكان بهم في الغالب. صحيح أن النجاحات العسكرية التي تحققت في الآونة الأخيرة، وفرت للحكومات فرصة لمعالجة قضايا مثل الفساد المتفشي، لكن هناك مؤشرات قليلة على التحسن. فهناك قدر كبير من الفساد وسط قوات الأمن العراقية، وهو ما استغله تنظيم «القاعدة» لمصلحته. وكان التنظيم إذا أراد استقطاب مدني في صفوفه، أبلغ قوات الأمن العراقية أنه عضو في «القاعدة»، ويتعرض هذا المواطن للاعتقال والتعذيب ولا يتم الإفراج عنه على الأرجح إلا بعد دفع أسرته المال غصباً. وبعد هذه التجربة المريرة يصبح المواطن أكثر استعداد في الغالب للتطوع في أي حركة مناهضة للحكومة. ولم تخف حدة الإفراط في استخدام القوة في بعض البلدان بل تفاقم. وتشن حكومات كثيرة حملات مشددة ضد الحريات الدينية والشخصية في معالجتها لمشكلة داعش. وهذا يفاقم المظالم وسط الأشخاص الذين كان من المحتمل بشكل أكبر أن يتصدوا للجماعات المتطرفة، ويدفع هؤلاء الأشخاص لأن ينضموا لهذه الجماعات.

وتنظيم «داعش» يستكشف مناطق ضعيفة من الناحية الأمنية في أنحاء العالم، وهذا البحث قد يمتد إلى أماكن بعيدة مثل الفلبين. وتحاول «داعش» استعادة الأراضي التي تم تحريرها في الآونة الأخيرة في العراق.

 

 

 

 

وأعضاء الجماعة، إما إنهم يشنون حرب تمرد في المناطق الريفية النائية، أو يكمنون في مدن للاستعداد إلى المزيد من الهجمات. و«داعش» لا تكسب حالياً أرضاً جديدة، لكن القدرة الكامنة على كسب مقاتلين جدد لم تضعف. وهناك جيل جديد من المتطرفين، ومنهم المدنيون السنة المحليون الذين فقدوا كل شيء في الحرب، ويخافون بالفعل على أمنهم، وهناك قائمة جديدة من المتعاطفين الشباب الأذكياء الذين يستطيعون استخدام معرفتهم بالهندسة والعلم والجيش لخدمة أهداف جماعة مسلحة.

و«داعش» التالية التي سيقودها مقاتلون أصحاب خبرة متعطشين للانتقام ستكون أكثر فتكاً وانتشاراً. والائتلاف المناهش لـ «داعش» في العراق وسوريا يسيطر على المنطقة بقوته الجوية، لكن المتطرفين بدأ يطورون فعلاً طائراتهم التي بلا طيار. وهذه الطائرات تصنع اليوم من البلاستيك المعاد تدويره والأشرطة اللاصقة، وستكون أكثر خطورة في المستقبل. وبالنظر إلى الواقع الحالي، فكلانا، أنا والمقاتل الأجنبي السابق في «داعش»، لديه أسباب للتفاؤل. أنا متفائلة لأن الحكومة العراقية ستستعيد السيطرة على الأراضي، وهو متفائل لأن رفيقة السابق في السلاح سيذهب إلى الفردوس، وسيأتي مقاتلون جدد ليحلو محله.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5  المتصيدون في المياه العكرة.. إيران والاستفتاء الكردي

 

 محمد علي الحسيني

 

الوطن البحرينية
  

تميز الموقف الإيراني الرافض للاستفتاء الذي جرى في المنطقة الكردية شمال العراق، بأنه كان أعنف وأشد وأسرع رد فعل، خصوصاً وأنه كان أول من بادرَ بإطلاقِ تهديداتٍ ضده وقام بسلسلة اتصالات ومشاورات إقليمية إلى جانب اتصالاته المستمرة مع حلفائه في داخل الحكومة العراقية، وقد كانت إيران تسعى من خلال ذلك أن تبين في ظاهر الأمر حرصها الشديد على وحدة الأراضي العراقية، وعدم سماحها بحدوث أي طارئ يهددها، لكن، وجرياً على عادتها دائماً ومنذ أن وطدت ورسخت من نفوذها داخل العراق، بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد، فإنها سعت دائماً لاستغلال أي مشكلة أو ظرف طارئ في العراق خصوصاً والمناطق الأخرى التي لها فيها نفوذ، من أجل الحصول على مكاسب ومنافع أكبر.

 

الموقف الشديد والصارم الذي اتخذته إيران من الاستفتاء الكردي والذي لا يزال مستمراً لحد الآن، يخبئ خلف طياته الكثير من الحقائق الصادمة التي تكشف معدن وماهية نظام «ولاية الفقيه»، ليس اتجاه الاستفتاء الكردي في العراق وإنما اتجاه الأقليات العرقية والمذهبية داخل إيران نفسها التي تتعرض وبانتظام لنهج عنصري ـ طائفي ـ ديني تنال منها من مختلف النواحي، ولعل ما يجري بشكل خاص ضد المكون العربي في الأحواز وغيرها نموذج صارخ يثبت ذلك.

 

إيران التي تدعي أن جميع أطياف ومكونات وأعراق الشعب الإيراني، متساوون في الحقوق و الواجبات ويتمتعون بكل الامتيازات المتاحة، لكن ما يجري على أرض الحقيقة والواقع غير ذلك تماماً، فالمنطقة العربية في إيران تتعرض لحملة تفريس وتغريب غير مسبوقة، حيث وصلت إلى حد تحريف مجرى الأنهار كما جرى مع نهر «الكرخة»، وقد تسبب حرف مجرى هذا النهر إلى تصحر المناطق التي كانت تمر بها وإلى تلوث هوائها بغبار الأتربة بصورة باتت تؤثر على حياة المواطنين وتجعلها صعبة جداً، ولكن الملفت للنظر، أن المواطنين العرب عندما يقومون بتحركات ونشاطات احتجاجية، فإنهم يواجهون ردود فعل قاسية جداً من جانب السلطات الإيرانية حيث يتم قمعها بمنتهى العنف والقسوة.

 

على سبيل المثال لا الحصر وخلال الأيام القليلة الماضية، وطبقاً لما نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد قامت عناصر من الأمن الداخلي الإيراني، بعد اعتقالها مجموعة من العرب في الأحواز، قامت بتعذيبهم وهم معصوبو الأعين باستخدام مختلف الفنون القتالية وكأنهم يقومون بممارسة التدريب الحي عليهم، وتزامناً مع ذلك يقومون بتوجيه الألفاظ البذيئة لهم ونعتهم بصفات غير لائقة وتمادوا في الاستهانة بهم والنيل من كرامتهم كبشر عندما كانوا يجبرونهم على العواء وتقليد نباح الكلاب، وبطبيعة الحال يجب أن لا ننسى هنا الحوادث المتفرقة لحالات الانتحار التي تجري في المناطق العربية ومن ضمنها حرق النفس في الأماكن العامة التي في طريقها لأن تصبح ظاهرة، وهي انعكاس ورد فعل للأوضاع التي يعيشونها في ظل نظام «ولاية الفقيه» الذي يقوم باستغلال مختلف المناسبات للنيل منهم، وقد رافقت عملية الاستفتاء الكردي بالإضافة إلى ما جرى من قمع وحشي للأكراد الذين خرجوا متظاهرين في المدن الكردية، فقد رافقتها أيضاً حملات قمع وحشية ضد المواطنين العرب حيث استغلت السلطات الإيرانية انشغال المنطقة والعالم بحالة الرفض للاستفتاء الكردي ووظفته لكي تصب جام غضبها على الناشطين العرب بشكل خاص، مع ملاحظة أن المكونات الأخرى نظير البلوش والتركمان والآذريين وغيرهم يواجهون نفس السياسة القمعية، وبرأينا فإن على المجتمع الدولي أن يوجه رسالة واضحة لنظام «ولاية الفقيه» مفادها: إن رفض الاستفتاء الكردي في إقليم كردستان العراق لا يعني إطلاقا وبأي شكل من الأشكال استباحة هضم حقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية وقمعها والنيل منها والاستهانة بها، فنظام «ولاية الفقيه» في إيران كما يبدو يريد أن يخدع العالم كله في وضح النهار!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6  هل يتفكك العراق إلى ثلاث دول؟

 

 

أسعد البصري

 العرب
حكومة بغداد تبدو في وضع حرج حقا، فهي متعطشة للمال وغير مستعدة لخسارة كركوك وفي نفس الوقت عاجزة تماما عن تقديم نموذج سياسي مقبول يمنع تفكك البلاد.

بعد وضع اليد على كركوك أصبح إقليم كردستان يسيطر على احتياطي نفطي يقدر بـ45 مليار برميل وهو ثلث احتياطي العراق تقريبا ويصدّر الإقليم حاليا 600 ألف برميل يوميا عبر ميناء جيهان التركي. ورغم الموقف السياسي التركي المعادي بعد الاستفتاء فإن أردوغان معروف بانتهازيته ولن تغلق تركيا أنبوب النفط الذي يربط كردستان بالميناء المتوسطي، وهي المستفيد الأكبر منه فهو يعزز موقع تركيا كممر للطاقة من روسيا والشرق الأوسط نحو أوروبا.

 

لا أحد يتوقع السماح للحشد الشعبي بتنفيذ تهديداته في منطقة تنتشر فيها مصالح شركات نفطية كبرى كشيفرون وإكسون موبيل وغازبروم وتوتال وغيرها. إضافة إلى مشروع شركة روسية وافقت عليه تركيا لتوسعة الأنبوب ليكون قادرا على نقل مليون برميل يوميا. إضافة إلى مشروع أنبوب غاز جديد إلى تركيا لنقل الطاقة إلى أوروبا.

 

تبدو حكومة بغداد في وضع حرج حقا، فهي متعطشة للمال وغير مستعدة لخسارة كركوك وفي نفس الوقت عاجزة تماما عن تقديم نموذج سياسي مقبول يمنع تفكك البلاد.

 

ناقش الكونغرس في مايو 2015 علنا في جلسة تنصيب الجنرال جوزيف دانفورد رئيسا لأركان الجيش الأميركي مسألة العراق وإمكانية تقسيمه إلى عدة دول. قال الجنرال دانفورد للكونغرس إنه يرى إمكانية لتقسيم العراق إلى دولتين كردية وشيعية.

 

وفي سؤال عن إمكانية قيام دولة سنية ثالثة قال الجنرال إن ذلك غير ممكن لسببين: الأول لا توجد موارد كافية في المناطق السنية تكفي لقيام كيان من هذا النوع، والثاني فإن قيام ثلاث دول سيشكل إشكالية أمام الولايات المتحدة لإدارة البلاد فالواقع يتطلب وجود دولة مركزية قوية ببغداد.

 

أعاد الرئيس دونالد ترامب تنصيب الجنرال دانفورد رئيسا لأركان الجيش عام 2017 ووافق عليه الكونغرس من جديد. وإذا كان رئيس أركان الجيش الحالي يرى بأن الأكراد عندهم إمكانيات قيام دولة بسبب وجود موارد اقتصادية فهذا ربما يعني أنه يقصد كركوك.

 

تحدث دانفورد عن أن الأكراد هم القوة الفعّالة والحليف المؤثر في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأنه سيشرف شخصيا على تسليحهم وتدريبهم والتأكد من فعاليتهم. والمهم أن الجنرال ذكر بأن وجود كفاءة إدارية وقيادة كردية هي العامل المهم في إمكانية قيام دولة كردية.

 

يذكّرنا هذا الكلام بمشروع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الذي دعا إلى ثلاثة أقاليم في العراق منذ عام 2004، وجدد دعوته هذه بقوة عام 2013. يرى بايدن أن المشاكل التي تعصف بالعراق لا يمكن حلها وتجاوزها من دون عزل طائفي يكون فيه لكل من السنة والشيعة والأكراد وضع سياسي وجغرافي ومعنوي في ثلاثة أقاليم مستقلة تجعل هذه الطوائف أكثر انسجاما مع عراق فدرالي يوسّع دائرة الخيارات لكل طائفة.

 

السؤال هو هل تتغير الإستراتيجية الأميركية بهذه السهولة؟ عمليا هم منحوا الأكراد وضعا خاصا منذ عام 1992 وهناك قواعد عسكرية أميركية في كردستان العراق وفي المناطق الكردية في سوريا ولا نعتقد بأنهم قد تخلّوا عن الأكراد ولا عن فكرتهم بمنحهم وضعا مستقلا.

 

من جهته قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في استقباله للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “أميركا والقوى الخارجية تخطط لإقامة إسرائيل جديدة في المنطقة من خلال تصويت كردستان العراق”، مشيرا إلى أن “إسرائيل والأميركيين يستفيدون من تصويت استقلال كردستان العراق”. وأن الاستفتاء الكردي بمثابة “عمل من أعمال الخيانة تجاه المنطقة بأسرها”. من الغريب حقا أن تكون إيران حريصة على وحدة العراق. لو هناك دولة مسؤولة عن تفكك العراق فهي إيران.

 

وبلهجة تهديد واضحة خاطب أردوغان أكراد العراق قائلا “ماذا ستفعلون الآن بعد الإصرار على استفتاء الانفصال؟ فمن الشمال تركيا ومن الجنوب حكومة بغداد ومن الغرب سوريا ومن الشرق إيران، إلى أين ستذهبون؟ وكيف ستدخلون وتخرجون من الإقليم؟”.

 

المشكلة الأكبر اليوم أن الخطوة الكردية أنعشت طموحات سنّة العراق. فقد ذكر عضو مجلس محافظة نينوى غزوان الداودي أن هناك حراكا داخل المكوّن العربي في مجلس المحافظة لإجراء استفتاء حول تحويلها إلى مركز للإقليم السني. يجري هذا وسط أنباء عن فرار أهالي الحويجة باتجاه البيشمركة بدلا من ميليشيات الحشد والجيش العراقي خوفا من انتقام الميليشيات من المدنيين أثناء عمليات تحرير المدينة كما حصل في الموصل. والحويجة تابعة لكركوك.

 

 

خوض المعركة لتحويل العراق حامية إيرانية

ورغم قلة الموارد يفضّل السنّة الفقر على الموت فهناك مليون ونصف إنسان في المخيمات في حالة تنفطر لها القلوب. مدينة كالرمادي في الليل تخاف من داعش وفي النهار تخاف من الميليشيات، مدينة أشباح مهدومة. والشرطي الأنباري لا يعرف متى يدخل عليه الإرهابيون ويطلبون منه أن يحفر قبرا له ولولده كما رأينا في أحد التسجيلات، والميليشيات يغنّون أغان عن “الجنطة والبطة” وهي كناية عن اختطاف الناس ووضعهم في صندوق السيارة لتصفيتهم.

 

في الموصل عادت الميليشيات تفرض على التجار نظام الإتاوات تحت تهديد السلاح ولا يوجد قانون يحاسبهم. وقبل يومين ظهر شاعر شعبي يقول فليقتل قيس الخزعلي (زعيم ميليشيا) الأكراد كما يحلو له فلا توجد “دية” لقتلاهم اليوم ويصف نفسه بـ”ابن المرجعية” والآلاف تصفق له علنا ولا تسجنه الدولة بتهمة الإرهاب والتحريض. هذا في وقت يدعو السيستاني البارزاني بالرجوع إلى الدستور. أيّ دستور وأيّ قانون في دولة جنكيزخانية كهذه متعطشة لدماء مواطنيها؟

 

لم تعد هناك روح وطنية عراقية كالسابق فقد تمكنت الطائفية من العراقيين وأطفأت الوطن في عيون الأطفال. لقد كان فريق كرة القدم بمثابة فرحة الشباب الوحيدة ولكن يد السياسيين وصلت إلى اللاعبين وحرضتهم على “اللطم” في الملاعب لحرمان السنّة من الشعور بتلك الفرحة العظيمة بفريق ينتمون إليه.

 

لقد كان الفقراء عبر التاريخ أبطالا وطنيين وقدموا تضحيات عظيمة في سبيل بلادهم ودافعوا عنها ببسالة رغم أن الحاكم كان مجرّد ملك مستبدّ لكنه ترك لهم ضوء القمر والشعور بالانتماء، ترك لهم الشعور بالشرف والكرامة وهذا ما يدافعون عنه.

 

لا يذكر التاريخ دفاع العبيد عن أوطانهم، فالعبد يجرده سيده من الشرف ويأخذ أطفاله من حضن أمهم ويبيعهم. إن انعدام الشعور الوطني عند سنّة العراق اليوم ورغبتهم بالانفصال واللحاق بالأكراد أمر يستحق التفكير. فهؤلاء وطنيون جيلا وراء جيل وهم بناة الدولة العراقية منذ قيامها كيف أصبحوا بلا مشاعر وطنية حقيقية؟ ذلك لأن الدولة العراقية حاليا لا تُمارس الاستبداد الطبيعي فهي ليست دولة دكتاتورية وطنية عادية بل هي نظام استعباد عنصري يجرّد السنة من الكرامة والشرف ولهذا يريدون الخروج من سجن الأقنان إلى حريتهم من جديد.

 

كيف يحبون وطنهم وهم بحاجة إلى “كفيل” لدخول عاصمتهم بغداد كالغرباء؟ سيطرة الصقور كانت بيد حزب الله تتحكم بدخول وخروج أهل الأنبار واحتاج الأمر إلى سقوط مواطن قتيلا وتدخل القوات الأميركية لتخليص الناس من ظلمهم. تحرّش بالنساء في الموصل وإذا اعترض عليهم أحد يقولون له أنتم كُنتُم تقدمونهن للدواعش. الوضع في العراق لا يُطاق. ولا نرى مثقفا شيعيا شعر بهذه المشكلة وقال فلنجد حلاّ حتى لو كان التقسيم إلى أقاليم فالحكومة عنصرية متوحشة وتعامل السنّة معاملة البهائم. الجميع مرتاح في مدن آمنة ويتشدق بالوطنية ووحدة الوطن متجاهلا عذابات الآخرين تحت هذا الظلم الرهيب.

 

الدول العربية من جهتها حائرة فموقفها مع وحدة العراق وسلامة أراضيه، لكنها أيضا تنظر إلى الوضع الإنساني الصعب والدم المراق في البلاد. ورغم نداءات السعودية المتكررة إلى العراقيين بنبذ المشروع الإيراني والعناية بشؤونهم إلا أن شيئا لم يتغير. فما زالت المرجعيات الدينية لها السلطة العليا والميليشيات فوق القانون والبرلمان عبارة عن مافيا طائفية والبلاد من سيّئ إلى أسوأ. يكفي أن الائتلاف الشيعي يخطط لعودة زعيم طائفي مثل نوري المالكي إلى الواجهة وترشيحه في العام القادم لرئاسة الوزراء.

 

تبدو إيران أكثر حرصا من تركيا على تخريب الطموح الكردي والسنّي بالانفصال فهي تريد العراق كله تحت سيطرتها وكذلك سوريا. نفط كركوك يعتبر حيويا بالنسبة إلى طهران المقبلة على عقوبات جديدة بعد تصريحات الرئيس الأميركي القوية حول إلغاء الاتفاق النووي ولا يوجد مصدر آخر للعملة الصعبة سوى الثروات العراقية.

 

أردوغان من جهته مخادع فهو يبحث عن صفقة في كل مشكلة تحدث. هو يعلم بأن كردستان متعاونة أمنيا مع تركيا ضد حزب العمال الكردي ومصالح تركيا الاقتصادية مع الأكراد أكبر من تحطيمها بموقف عسكري أو متطرّف. ثم إن الاستفتاء شيء وإعلان دولة مستقلة شيء آخر.

 

السؤال هو عن مستقبل العراق الآن! إذا لم تستمع القيادة العراقية إلى اقتراحات المملكة العربية السعودية والتي كررتها أمام حيدر العبادي ومقتدى الصدر بأهمية الابتعاد عن المشروع الإيراني والطائفية وضرورة حل الميليشيات الوقحة فإن “تفكك العراق” إلى ثلاث دول سيكون أمرا واقعا. لا تستطيع الدول العربية إجبار الأكراد والسنّة على الارتباط بدولة طائفية تسير في مشروع إيراني دموي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  العراق والأكراد: تأملات وشجون  إبراهيم أحمد

 

 العرب
 

بعد أن كان ثمة أمل أن تتولى الحلم الكردي قوى ديمقراطية تقدمية ووطنية من الشعب الكردي لتحققه بما يليق به من سلامة ورقي ونجاح، استولى عليه متزعمون عشائريون وإقطاعيون وأمراء حروب.

 

فجيعة حقا أن ترى حلما جميلا يمرغ في أوحال المطامع الشخصية والطغم التي تستولي عليه وتكرسه لرغباتها ونزعاتها للزعامة والثروة والنفوذ. كان حق الأكراد ولا يزال في دولة خاصة بهم على أرضهم أحد الآمال التي عاشها جيلنا وأجيال سابقة ولاحقة وضحّت من أجلها.

 

مئات المناضلين العرب قتلوا مع المناضلين الأكراد في السجون والمظاهرات والكفاح المسلح في الجبال وكان الحلم الكردي جزءا من قضيتهم، وأحد أسباب وجودنا في المنافي هو إيماننا بذلك الحلم المشروع.

 

لكن هذا الحلم نُكب كما نكبت الأحلام الكبرى الأخرى وأجهضت أو تعطلت لأسباب كثيرة. وعشنا معا عربا وأكرادا وتركمانا وأزيديين وآشوريين وكلدانيين الكوارث ذاتها وشربنا كأس الأحزان معا، ويجافي الحقيقة والعدل من يقول إنه وحده عانى من القتل والتشريد والإذلال والتدمير.

 

وبعد أن كان ثمة أمل أن تتولى هذا الحلم قوى ديمقراطية تقدمية ووطنية من الشعب الكردي لتحققه بما يليق به من سلامة ورقي ونجاح، استولى عليه متزعمون عشائريون وإقطاعيون وأغوات وأمراء حروب وراحوا يتلاعبون به حسب أمزجتهم ومصالحهم، مسببين المزيد من الصعاب والمعاناة للأكراد والكثير من الألم والإحراج لأصدقاء ومناصري الشعب الكردي في قضيته العادلة.

 

مصيبة معظم الحكام والمتزعمين في العراق وبلاد العرب والمسلمين أنهم لا يقرأون، وإذا قرأوا يتجاهلون التاريخ لكي لا يروا مصائرهم عبر أشباههم في الزمن الغابر، لذلك هم يفضلون أن يقرأ لهم كتبتهم ومستشاروهم ما يودون سماعه من إطراء وثناء، فيوهمون أنفسهم أن كل شيء على ما يرام، وأنهم على أحسن حال، وهم أفضل من في الدنيا.

 

 

والسيد مسعود البارزاني ليس استثناءً عن المتزعمين من العرب والأكراد الذين ظهروا في العقود الخمسة الأخيرة في العراق، وهو نسخة طبق الأصل من والده مصطفى البارزاني الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب غير سجل حضوره الشخصي في الوضع العراقي باسم الأكراد.

 

مسعود البارزاني تجاهل دروس التاريخ وقرر الخروج من أزمته في انتهاء ولايته وبدء تململ الشعب الكردي ضد حكم العائلة وشبكة الفاسدين فيها وحولها، فلجأ إلى ما أعتقد أنه يضع أزمته في ثلاجة، لكنه وضعها في فرن متفجر حين زج نفسه والشعب الكردي معه في متاهة لا تفضي مخارجها إلا إلى مداخلها. فكان نموذجا آخر لمن يلعب بالقضية العامة من أجل قضيته الخاصة!

 

ذكرنا موقفه الأخير بتلك الأيام المشؤومة حين ركب فيها صدام حسين رأسه وغزا الكويت ورفض كل القرارات الدولية والرجاءات بالانسحاب منها، فكانت الكارثة وكانت النتيجة أنه بغزوته حرر الكويت من احتلاله السابق لها، فهو كان قبل غزوها العسكري يحتلها بصوره ونفوذ مخابراته وسفارته التي كانت تصول وتجول برضا الكويتيين كجزء من تضامنهم معه في الحرب الإيرانية العراقية، لكنه طرد نفسه بنفسه من الكويت حين صحا الكويتيون أخيرا على أصوات مجنزرات دباباته وطائراته ومرارة حقيقته وأخيرا هزيمته التي دفع العراقيون ثمنها الباهظ، فهل يضمن مسعود موقعه ومنصبه إذا انتهت مغامرته القومية إلى كارثة أيضا؟ ألا يمكن أن تنقلب نزعة عبادة الفرد السائدة حوله إلى الكفر به ونبذه والاتجاه إلى زعامات أخرى تتسم بالعقلانية والموضوعية وتغليب المصالح العليا للبلاد والشعب على كل مصلحة؟

 

الأكراد، وكل المراقبين في العالم، كانوا يعرفون أن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح استقلال كردستان، فهو حق طبيعي لكل الشعوب التي حرمت من كيانها الخاص، خاصة أن متزعمي الأكراد ربّوهم على كره الدولة العراقية ومناهضتها والتمرد عليها منذ قيامها عام 1921، فلم يكن لدى معظم الأكراد “شعور وطني عراقي عام” كما لدى معظم التركمان والمسيحيين مثلا، بل نزعة قومية انفصالية تصل حد الشوفينية، لذا لم تكن ثمة حاجة لبذل الجهد والمال والأخطر ردود الأفعال الخطيرة والمكلفة من أجل نتيجة معروفة سلفا.

 

وإذا كان البارزاني يحتاجها كورقة مكتوبة فهو قبلها كانت في يده أوراق كثيرة مكتوبة وغير مكتوبة، لماذا جازف بها من أجل هذه الورقة التي كانت قوتها وهي مجهولة أكبر من قوتها وقد صارت معلومة بنسبة كذا وكيت؟

 

ولا نظن بأن البارزاني لم يقرأ التاريخ. فهو ليس غبيا ويتمتع بذكاء يكفي لجعله متزعما للأكراد للسنوات الطويلة الماضية، كما لا يمكن تصور هذا الاستفتاء أنه جرى دون تنسيق وتخطيط مع دول وجهات في المنطقة والعالم، أو في الأقل عبر حوارات خفية ومعلنة معها، شارك فيها خبراء وأذكياء ومتمرسون لا يقلون دهاء عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، أو زبغنيو بريجنسكي.

 

لذا من الخطأ والإجحاف حصر التفكير بنتائج صناديق الاقتراع التي كما قيل إنها هي نفسها التي استعملت في الاقتراع على الدستور القائم بـ”نعم” في كردستان والذي صار اليوم ملعونا، ونفسها التي اقترع بها في الانتخابات التي أنتجت التحالف العنصري الكردي الطائفي الشيعي الذي حكم العراق لعقد ونصف العقد وأدى به إلى خرابه، الذي يقول البارزاني إنه أجبره على ترك العراق للعراقيين يتولون خرابه وحمل مصائبه، وكأنه لم يكن أحد المساهمين في ذلك، وإنه قرر اقتطاع كردستان والفرار بها إلى بقعة غير معلومة لا في التاريخ ولا في الجغرافيا. لذا سنحاول معرفة ماذا كشف الاستفتاء في واقع العراق وفي المنطقة وفي العالم، وأي مصائر تحمل هذه السحب السود المتجمعة في الأفق.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  العراق.. احتياط إيراني على ذمة الاتفاق النووي

 

حامد الكيلاني

 

 العرب
العراق وإقليم كردستان وسط غابة من بنادق الصيد الجائر، وأي استفزاز أو حركة مباغتة مقصودة أو غير مقصودة ستوقد ألف سبب وسببا لحرب أخرى وإرهاب آخر.

من بين الدول المعنية بنتائج الاستفتاء في إقليم كردستان على الانفصال أو الاستقلال تبدو إيران رغم تصريحاتها ومواقفها أكثر هدوءا في ردات فعلها من تركيا والعراق. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار طهران على رأس وفد رفيع المستوى والتقى الرئيس الإيراني حسن روحاني، ثم المرشد علي خامنئي الذي وصف الأكراد في الإقليم بالخونة الذين يعرّضون استقرار المنطقة إلى الخطر دون أن يخصص القيادة الكردية بمفردة الخيانة، إنما أطلق تعميمه في رسالة لا تخلو من التحذير والتهديد إلى كل كردي ومنهم الأكراد في إيران.

 

تم تداول قضايا الاقتصاد وحجم التبادل التجاري والتطمينات المسبقة بتعويض الخسائر التركية من احتمال غلق المعابر أو قطع صادرات النفط من كردستان إلى ميناء جيهان، بزيادة حركة البضائع وتعدد مراكز تدفق المصالح بين إيران وتركيا. دول أخرى بعيدة وقريبة أبدت قلقها من نتائج الاستفتاء على صادرات النفط العالمية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان في مقدمتها.

 

تركيا وإيران تتقاسمان المخاوف من الاستفتاء لأنه فتيل يذكي شعلة الثورة والحرية في الأمة الكردية داخل حدودهما الجغرافية. الحديث عن مخاطر المتغيرات داخل الإقليم مفتعلة بل العكس صحيح تماما، لأن الدولة الكردية ستكون أكثر رغبة وحرصا على التعاون وبكافة المجالات السياسية والتنموية وذلك يعود بالفائدة الكبيرة على الواقع التركي والإيراني.

 

كما أن الانفصال سيضعف الدولة العراقية ويلغي تماماً أي قلق محتمل في الذاكرة الإيرانية من الماضي القريب للعراق العربي القوي بتجربة حرب الثماني سنوات في ثمانينات القرن الماضي. تركيا يساورها القلق على التركمان في العراق وبما يتعلق بمدينة كركوك ولا تخفي ذلك بتصريحات مسؤوليها النارية على توقعات الصراع للسيطرة على المدينة.

 

الاستفتاء فتح الباب لتفاهمات أكثر علنية بين تركيا وإيران بعد مستجدات الداخل التركي والواقع الروسي على الأرض السورية، وموقف الولايات المتحدة الأميركية الداعم لقوات سوريا الديمقراطية الكردية بما أدى إلى تراجع الود القديم مع أميركا أو مع الاتحاد الأوروبي.

 

مباحثات أستانة لم تنحصر في مردوداتها على الحصاد الروسي في سوريا بل تعدتها إلى تقريب المسافة بين تركيا وإيران والعبور فوق توجهات حلف الناتو، متجاوزة تواجد أكبر قاعدة عسكرية على الأراضي التركية.

 

لماذا كانت إيران على غير عادتها وبما لا يتناسب مع نهجها التصعيدي للأزمات حتى أن تركيا تفوقت عليها بردات فعلها ضد الاستفتاء. زيارة أردوغان إلى إيران كأنها حث وتشجيع تركي لمواقف إيرانية أكثر تشدداً وفعالية. أهم ما كسبه أردوغان سياسيا من زيارته هو ما جاء على لسان المرشد خامنئي بتخوين الأكراد. خامنئي أوصل إلى أردوغان ما يحب أن يستمع إليه ليطمئنه في قضية حساسة جداً لتركيا، وهي عدم قيام دولة كردية مجاورة في العراق أو في سوريا.

 

إيران بمناوراتها العسكرية على الحدود مع إقليم كردستان وجهت رسائل لتركيا وللداخل الإيراني، لأن وجودها الحقيقي يعتمد على ما تنفذه أدواتها من ميليشيات الحشد الشعبي التابع للحرس الثوري الإيراني وأوامر قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي كان نشطا ودؤوبا في التواصل مع إقليم كردستان لثني الإقليم عن الاستفتاء، أو ربما لتحفيز الأكراد على الاستفتاء بتهديدهم وإيصالهم إلى نقطة اللاعودة عن قرارهم وتلك رغبة إيرانية ننتظر أن تفصح عنها الأيام.

 

25 سبتمبر لن يبتعد سوى 20 يوماً عن موعد مراجعة ملف الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس الأميركي وهي مراجعة دورية كل 3 أشهر، لكنها تختلف تماما هذه المرة بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وانتقاده الشديد للاتفاق والسلوك الشائن لإيران وتمددها في أكثر من دولة ودعمها للإرهاب في العالم واصفاً نظامها بالدكتاتوري الفاسد.

 

الرئيس ترامب رغم أنه اتخذ قراره بما يخص الاتفاق النووي إلا أنه لم يصرح به ونعتقد أنه ترك الأمر لمنتصف شهر أكتوبر الجاري، ولجلسة الكونغرس ليحظى بالدعم في حالة تأكيد الرئيس عدم التزام إيران ببنود الاتفاق. هذا التأخير في الإعلان عن قراره فيه نسبة كبيرة من الإيضاحات عن موقف الرئيس في نيته إعادة العقوبات كلياً أو جزئيا، والتي رفعت بعد توقيع الاتفاق، أو ربما يتجه إلى إلغاء الاتفاق تماماً، وهو الاتفاق الأسوأ على حد قول ترامب.

 

قد يفسر لنا انتظار جلسة الكونغرس لماذا تأخرت إيران في إعلان مواقفها الصارمة من استفتاء كردستان، ولماذا مهدت الطريق أمام ميليشياتها في العراق للبوح بمكنوناتها واستعدادها للمواجهة العسكرية مع الإقليم. خلال الأيام القادمة سنتابع إيران بوجه آخر وردات فعل مختلفة ربما غير محسوبة بما فيها موقفها من استفتاء إقليم كردستان.

 

لقاء حيدر العبادي رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة بزعيم ميليشيا بعد يوم واحد من الاستفتاء كان بمثابة إنذار خطير بعواقب وخيمة لا يمكن أن يقدم عليها رئيس وزراء لدولة في حالة حرب مع الإرهاب ولديه وزير دفاع ورئيس أركان وقادة نظاميون في الجيش بإمكانه استشارتهم أو لقاؤهم لغايات ومهمات وواجبات الدولة.

 

لكن أن يلتقي زعيم ميليشيا في ظرف حرج يؤكد لنا لماذا إيران ليست على صفيح ساخن. إيران تعبّر من خلال العراق عن سياستها ضد نتائج الاستفتاء وعيناها على الملف النووي ونتائج مراجعته في الكونغرس.

 

نحن في حرب مؤجلة مع الإقليم تعتمد خيانة إيرانية جديدة تضحي بدم العراقيين وباستقرار المنطقة، وفداحتها تتوقف على الموقف الأميركي الذي سيفصّل لنا الإستراتيجية الأميركية تجاه الإرهاب الإيراني.

 

الإصرار على الاستفتاء من قبل إقليم كردستان وطبخه على نار من الأعصاب الهادئة وبحضور شخصيات بعينها في الإقليم يوضح لنا البعد الدولي الراصد لتطورات الأحداث القادمة في المنطقة.

 

نهاية إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وجرأة الإقليم في إجراء الاستفتاء أو مداخلات الأرض في كركوك ومقتربات معركة الحويجة وجبال حمرين تبين لنا مقدمات الفوضى الخلاقة على المقاسات الدولية بعد نهاية مرحلة صادمة في المنطقة استهلكت تماماً أسبابها، وصار لزاماً عليها تنظيم وترتيب مستجداتها.

 

مساعٍ إيرانية تستهدف الإبقاء على الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية الموقعة عليه وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا إضافة إلى الموقفين الروسي والصيني المعلومَيْن من الجانب الإيراني.

 

مع ذلك فإن أوروبا رغم ميلها إلى استثمار الاتفاق في المنافع الاقتصادية مع إيران، إلا أنها لا تتجاهل كلياً تجاوزات إيران على نص وروح الاتفاق في دعمها للإرهاب أو تجارب إطلاق صواريخها الباليستية، ولذلك فإن الدول الأوروبية الثلاث مع تطبيق الاتفاق والتوجيه بإضافة بعض البنود التي تحجم الطموحات الإيرانية.

 

ما صدر عن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قبل إشهار قرار الرئيس ترامب بشأن الاتفاق النووي؛ بالمحافظة على الاتفاق في حالة عدم تعارضه مع مصالح الولايات المتحدة، يأتي في سياق تصاعد التهديدات النووية الخطيرة مع كوريا الشمالية وما ينتج عنها من استباق لحل أزمة التسلح النووي الإيراني المحتمل في سنوات قليلة مع أن الاتفاق في جوهره لا يلغي رغبة إيران في امتلاك السلاح النووي، إنما يؤجلها لثماني سنوات فقط من تاريخ عامنا هذا. ماتيس يدعم مراجعة اتفاق يبعث بتطمينات تضامن مع حلفاء أميركا في الناتو ويترك أيضاً للرئيس قراره في حماية الشعب الأميركي.

 

العراق وإقليم كردستان وسط غابة من بنادق الصيد الجائر، وأي استفزاز أو حركة مباغتة مقصودة أو غير مقصودة ستوقد ألف سبب وسببا لحرب أخرى وإرهاب آخر.