7 مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاثنين

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 تحالف حسن نصرالله مع داعش

 

أسعد البصري

 

العرب
العراقيون يشعرون بوجود خديعة. ولأول مرة نسمع من شيعة العراق لعنات وهجوما قويا ضد حزب الله والمشروع الإيراني. هناك شعور بالذنب بحق الموصل.

القادة العراقيون غاضبون، وخصوصا ضباط الجيش العراقي، فقد اقترحوا الإبقاء على منفذ لفرار الدواعش إلى مدينة الرقة لإنقاذ مدينة الموصل التي تعتبر ثاني أهم حاضرة من حواضر العراق. والذي عطل الصفقة هو خطاب حسن نصرالله الشهير، حيث طالب العراقيين بعدم السماح للإرهابيين بالفرار وحث الميليشيات على قطع الطريق المؤدي إلى سوريا وجعل الموصل محرقة للجميع.

 

الآن جنرالات الجيش في حالة احتقان لأنه حين وصل الأمر إلى القلمون وجرود عرسال ومصير بعض الأسرى اللبنانيين تفاوض حسن نصرالله وسمح للدواعش بالانسحاب نحو دير الزُّور والبوكمال على الحدود العراقية. هذه رسالة لبنانية إلى ضباط العراق تقول إن الموصل كلها و650 ألف طفل عراقي مصاب بصدمة الحرب لا تساوي رفات جندي لبناني واحد.

 

البيان الذي أصدره حسن نصرالله لتهدئة الغضب العراقي كان تأثيره عكسيّا، فهو يقول “كانت لدينا في لبنان قضية إنسانية وطنية جامعة هي قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين من قبل داعش منذ عدة سنوات، وكان الإجماع اللبناني يطالب بكشف مصيرهم وإطلاق سراحهم إن كانوا أحياء أو استعادة أجسادهم إن كانوا شهداء، وكان الطريق الوحيد والحصري في نهاية المطاف هو التفاوض مع هؤلاء المسلحين لحسم هذه القضية الإنسانية الوطنية”، وهنا يلاحظ تسمية الدواعش بـ”المسلحين” للتخفيف. ويقول إن نقل 310 داعشي منهك ومهزوم بالباصات التي وفرها حزب الله إلى دير الزُّور لا مشكلة فيه.

سقطت جميع أقنعة حزب الله

 

الاحتجاج بالنسبة إلى العراقيين ليس هو نفسه بالنسبة إلى الولايات المتحدة. الكولونيل ريان ديلون متحدثا باسم التحالف قال إنه “لمنع القافلة من التقدم شرقا، أحدثنا فجوة في الطريق ودمّرنا جسرا صغيرا وأن داعش يشكل تهديدا عالميا، ونقل الإرهابيين من مكان إلى آخر كي يتعامل معهم طرف آخر ليس حلا دائما”. فالولايات المتحدة ضد عقد صفقات من أي نوع مع الإرهابيين، لهذا نفذت غارات جوية داخل سوريا لمنع الدواعش من الوصول إلى الحدود العراقية، بينما العراقيون غاضبون لتدخل حسن نصرالله واعتراضه على توفير أي منفذ لهروب الدواعش من الموصل.

 

هناك معلومات تشير إلى صفقة سابقة مع الدواعش في تحرير الفلوجة، حيث قاد حزب الله العراق المفاوضات معهم وتم انسحاب الدواعش إلى الصحراء. شهود عيان ذكروا خروج الدواعش حينها من مدينة الفلوجة وعبورهم عند سيطرة الرزازة التي تسيطر عليها ميليشيا حزب الله.

 

سيدة لبنانية تابعة لإعلام حزب الله تقول إن حسن نصرالله خط أحمر لا يحق للعراقيين أن ينتقدوه، فهو يفهم بأمور الحرب أكثر من الجميع. ولا نعرف هل يفهم حسن نصرالله بأمور الحرب أكثر من جنرالات العراق الذين فكروا بإنقاذ المدينة من خلال ترك منفذ للهرب وليس عقد صفقة كما فعل الغادر حزب الله؟ لا شك أن إنقاذ حياة مليون طفل عراقي ومدينة عظيمة بحجم الموصل يعتبر سببا إنسانيا أكبر بكثير من رفات جندي لبناني.

 

السيد مقتدى الصدر قال إن على الحكومة نشر قوات على الحدود السورية مع البوكمال وعرض المساعدة، في إشارة إلى استيائه من غدر حسن نصرالله بالعراقيين. فهو بنظرهم غادر مرتين: مرة حين أمر الميليشيات العراقية، لقطع الطريق وإفشال أي خطة لإنقاذ الموصل وأهلها، بتوفير طريق هروب للدواعش خارج المدينة التاريخية؛ ومرة ثانية لأنه في لبنان لم يسمح بفرار الدواعش فقط بل عقد معهم اتفاقا لنقلهم بالقرب من العراق.

 

العراقيون يشعرون بوجود خديعة. ولأول مرة نسمع من شيعة العراق لعنات وهجوما قويا ضد حزب الله والمشروع الإيراني. هناك شعور بالذنب بحق الموصل، فما كان يجب تدميرها بهذا الشكل الرهيب ولا كان يجب تشريد أطفالها بهذه القسوة. جنرالات العراق يشعرون بأنه كان من الممكن ترك الإرهابيين يهربون ومطاردتهم في الصحراء أو في مكان آخر بعيدا عن الناس والمدينة لولا أن حسن نصرالله قد خدعهم، فأيادي القادة العراقيين ملطخة بالدماء ويشعرون بالوجع فقد سقط الكثير من الأبرياء في تلك المعركة. يقولون لماذا دم العراقيين رخيص إلى هذه الدرجة بنظر حسن نصرالله؟

 

شيعي عراقي يقول لماذا لا يعجبنا كلام رجل على فراش الموت يقول “لئن سلمني الله لأدَعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي”، ويضيف “الكوفة جمجمة العرب وكنز الرجال”.

 

ويعجبنا بالمقابل كلام رجل يتمنى لو يصرفنا صرف الدينار بالدرهم، يستبدل عشرة من العراقيين برجل واحد من أهل الشام؟ من حق الناس أن تتساءل في كل شيء بعد خديعة حسن نصرالله للعراقيين.

 

فتح المسلمون العراق عام 14 هجرية وبعد 22 عاما فقد سقط 10 آلاف قتيل من البصريين في “معركة الجمل”، حيث قرر الصحابة نقل خلافاتهم العائلية إلى البصرة، وبعد عام من ذلك التاريخ سقط 40 ألف قتيل من العراقيين في “وقعة صفين” التي هي أبشع حرب أهلية في تاريخ العرب. منذ البداية والعراقيون حطب لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يبدو العراق اليوم نتيجة لصراع صفوي عثماني، فالإسلام السياسي معناه خضوع العراق لاحتلال إيراني أو تركي.

 

في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف انتقد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي ما أسماه “النظرة الاستعمارية” لدى كل من إيران وتركيا تجاه العرب. إن هذه الأعمال الاستعمارية أصبحت واضحة من خلال نقل الإرهابيين من مكان إلى آخر بشكل علني ودعمهم والتفاوض معهم لأغراض سياسية تخدم الهدف الاستعماري التركي والإيراني معا.

 

هناك ملامح انشقاق واضح بين العراقيين وحزب الله بعد فضيحة التفاوض مع الدواعش ونقلهم إلى العراق. لم يكن ممكنا لهذه الحقائق أن تكون مكشوفة لولا إبعاد قطر من قبل الدول العربية، فالدوحة كانت الطرف الرئيسي الذي يقوم بالوساطات ويشوّش الصورة القبيحة لتحالف إيران وعملائها مع الإرهابيين لتدمير العرب وسحق مدنهم.

 

يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، قال “الأمر ليس عزلا أو تهميشا لقطر بل هو لحماية أنفسنا منها”. دون اللاعب القطري تبدو إيران أضعف بكثير وكذلك الإرهاب وتحركاتهما مفضوحة. إن استبعاد قطر بهذا الشكل أربك جميع اللاعبين المعادين للسلام وأصبح العراق يضع ثقته أكثر بالعرب وبالسيد مقتدى الصدر وفضح خبث حسن نصرالله وعملاء طهران.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 ماذا بعد هزيمة داعش؟

 

 

د. فايز رشيد

 

 الوطن العمانية
 

” إسرائيل تدخلت في الأحداث السورية منذ يومها الأول, وأجرت بعض تفاهمات مع روسيا حول تحليق طائراتها في الأجواء السورية, من أجل ضرب ما تدّعيه “وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله”. إيران وحزب الله يضعان كل إمكانياتهما في سبيل إسقاط الهدف الغربي, الهادف إلى إزاحة النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد ومن ثم تفكيك سوريا. ”

ثلاث سنوات استمرّت دولة داعش في العراق وبلاد الشام, وهي الآن على طريق لفظ أنفاسها الأخيرة. لكن مرحلة ما قبل “داعش”, ليست بالتأكيد ما بعده. نظراً للمتغيرات الكثيرة التي طرأت على المنطقة برمتها, وبالأخص في العراق وسوريا. المتغيرات تأتي وفقاً للاعبين الكثر الذين تدخّلوا في البلدين, تحت مسمّى “مكافحة الإرهاب” ظاهرياً, وكل طرف يخفي بواعثه وأهدافه الخفيّة. ربما كانت معركة الموصل وتلعفر وانتصار الجيش العراقي فيهما, والهزائم التي مني بها في سوريا مؤخرا, المفتاح الأهم للإطلالة على مستقبل المنطقة بعد هزيمة “داعش”. لأن جبهة الموصل جرى تسليمها عن عمد لـ”داعش”, بعد انسحاب كل قطعات الجيش العراقي منها. هذا مع العلم,أن كل من قبضت عليهم “داعش” من الجنود العراقيين, قامت فيما بعد بإعدامهم. أيضا, فأن أسلحة الجيش العراقي على جبهة الموصل جرى تسليمها للتنظيم الإرهابي. هذا محدد مهم, لرؤية الوضع في العراق في المدى القريب المنظور. للعلم أيضاً, الولايات المتحدة, وكما تعترف, لها 6000 جندي بالإضافة إلى قواعد ثابتة على الأرض العراقية. تركيا أدخلت كتائب من جيشها في الشمال العراقي. مسعود بارزاني قرر إقامة استفتاء على مصير كردستان, وكلّ ذي عقل يدرك ما هي نتائج الاستفتاء, الذي يعني الانفصال عن العراق وإعلان الدولة الكردية المستقلّة عن الوطن الأم.

الكيان الصهيوني ليس ببعيد عن العراق بالطبع, من خلال تواجده في إقليم كردستان, وهو يتعامل مع المنطقة العربية (وبضمنها العراق) انطلاقا من مخطط برنارد لويس التفتيتي للأقطار العربية (42 دويلة), وتاريخ العلاقات الصهيونية مع الأكراد بدأ, إبان زعامة مصطفى بارزاني (والد مسعود) للثورة الكردية. لعل المحدّد الثاني هو, أن “داعش” ليس جسما عسكريا فقط, بل أيضاً أيديولوجية معتنقة كعقيدة ومنهج حياة. لو كان الأمر على الشكل الأوّل, لانتهى “داعش” في آخر هزيمة له. لكن الحال ليس كذلك, فـقد وجد له تربة خصبة في العديد من الأقطار العربية, ووجد من يرعاه, ووجد من يمدّه بالمال والعتاد. ووجد انتشارا له بين الشباب الناقمين على أنظمة حكم بلدانهم, ووجد صدىٍ له على منابر الكثير من المساجد العربية والتابعة أيضا للدول الإسلامية, وعلى ألسنة المؤيدين لصورة الإسلام الداعشية وطرائقه كوسيلة رئيسية للتعبير عن النقمة على أنظمة الحكم الحالية وتغييرها عنوة. بالتالي، نشك أن يستقبل “داعش” هزيمته بصدر رحب, ويعلن استسلامه وتفكيك تنظيمه. الموصل ستحتاج إلى ما يزيد عن 100مليار دولار لإعادة إعمارها.

“داعش” سيلجأ إلى العمل من تحت الأرض, هذا في ظل انقسامات بينية عراقية, أطرافها حملت السلاح بعضها على بعض. كما تنظيمات مسلحة أخرى لا تعد ولا تحصى, بكلمات أخرى,داعش” هُزم عسكرياً, لكنه بقي نهجاً وفكراً, وطريقةً لحل التناقضات الكثيرة القائمة مع أنظمة الحكم. هذه التناقضات ستكون في المرحلة المقبلة قادرة على استقطاب تنظيمات مسلحة كبيرة/صغيرة في ساحات عربية كثيرة, وليس في العراق وسوريا, ولا اليمن وليبيا ومصر فحسب, بل غيرها بالطبع.

في سوريا,هناك ملامح عامة مشتركة مع الوضع في العراق, لكن بلاعبين متعددين أكثر من المتدخلين في العراق. في سوريا, روسيا دخلت بقوة على آخر منفذ بحري لها في منطقة المياه الدافئة, وهي تدرك تماما لو أن الإرهاب في سوريا تمكن من الانتصار, لغيّر وجه المنطقة إلى درجة سيئة, وأن الإرهاب أيضاً سيطال حدودها. الولايات المتحدة في سنوات الصراع السورية, انتقلت من شكل تدخل مباشر محدود عبر قيادتها لضربات التحالف الدولي في عهد أوباما, إلى شكل أكثر تطورا من التواجد الفعلي المباشر المحدود في عهد الرئيس أوباما, وإلى المشاركة المباشرة في ضرب أهداف عسكرية سورية تحت حجة, استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي, هذا في عهد الرئيس الجديد ترامب, واشنطن تتواجد عسكريا في الشرق السوري على الحدود العراقية ـ السورية.

إسرائيل تدخلت في الأحداث السورية منذ يومها الأول, وأجرت بعض تفاهمات مع روسيا حول تحليق طائراتها في الأجواء السورية, من أجل ضرب ما تدّعيه “وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله”. إيران وحزب الله يضعان كل إمكانياتهما في سبيل إسقاط الهدف الغربي, الهادف إلى إزاحة النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد ومن ثم تفكيك سوريا. تركيا حرصت على إدخال جيشها أيضا إلى الشمال السوري تحت اسم حملة “درع الفرات”, وسط ادّعات بأن هذه المناطق أيضا تتبع لها, انطلاقا من ترتيبات العهد العثماني. المهم بالنسبة لروسيا هو حكم علماني في سوريا. وهي خلصت إلى مقولة مهمة أن شكل نظام الحكم في سوريا هو من مهمات الشعب السوري.

كافة الأطراف اللاعبة في سوريا تدّعي الحرص على وحدة الأراضي السورية, وهذا ما يجافي الحقائق والواقع. الولايات المتحدة والكيان وتركيا تسعى إلى تقسيم سوريا. بالنسبة للصين فهي عمليا لا تتناقض مع الموقف الروسي حول سوريا, بل الأصح القول, إنها تقترب منه كثيرا . أوروبا الغربية لا يمكنها اتخاذ مواقف بعيدا عن التبعية والإلحاق بالموقف الأميركي.

من زاوية ثانية, فإن الأوضاع في ليبيا بعيدة عن إمكانية رسم صورة تقريبية لمستقبلها ,فمتغيرات كثيرة طرأت على الوضع فيها,لجوء الكثير من الداعشيين في سوريا والعراق إليها, وتبعات ذلك. وجود حكومات متناحرة مختلفة, تحرير سيف الإسلام القذافي وتداعياته, كذلك ما كشفت عنه رسائل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة, الالكترونية من اسرار حول هذا الملف, ونشرته مجلة “الفورين بوليسي”الأميركية ,تحت عنوان “لماذا سعى حلف الناتو للإطاحة بالزعيم الليبي” ومخطط ساركوزي في أفريقيا.بالنسبة لليمن. فنتائج الوقائع لم تأت وفقا للحسابات, نظرا لتعقيد الصراعات المتعددة فيه, والذي امتاز بطول مدة كل حروبه, إضافة إلى الكوليرا والمجاعة التي تفتك بأطفاله. نعم الحرب والكوليرا حولتا اليمن السعيد إلى اليمن التعيس! جملة القول: إنّ باباً أغلِقْ, لكن أبوابا كثيرة أخرى لا تزال مفتوحة , وأخرى قد تفتح, ستفاقم من حدة المعارك والصراعات في المنطقة بأكملها.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   «دولة كردستان» مؤجلة… هل يؤجل الاستفتاء؟

 

 جورج سمعان   الحياة السعودية
  

هل فات أوان تأجيل الاستفتاء على انفصال كردستان؟ رئيس الإقليم مسعود بارزاني ربط التأجيل بضمانات يستحيل أن تقدمها بغداد أو أي طرف إقليمي ودولي. يريد ضمانات لإجراء هذا الاستحقاق بعد أشهر أو سنة. أي بعد انتهاء الحرب على «داعش». هذه الحرب هي الذريعة التي يلجأ إليها معظم المعارضين وليس الرافضون بالمطلق. يرون أن الظروف ليست ملائمة. لو قدموا هذه الضمانات اليوم مثلاً لا تعود هناك حاجة إلى استفتاء على استقلال ينشده جموع الكرد. لأن الضمانات تعني ببساطة الموافقة سلفاً على انفصال الإقليم. وعلى رغم اصطفاف حشد من المعترضين الذين تتفاوت لهجات مواقفهم، لم يعد بامكان الزعيم الكردي التراجع. صدقيته وقيادته ومستقبله على المحك. يرى ومعظم مواطنيه أن الظروف التي لا تلائم الآخرين اليوم هي نفسها تلائم أهل كردستان. وقد تساءل قبل مدة متى يكون التوقيت مناسباً؟ فكلما عبر الكرد عن رغبتهم في تأسيس كيانهم المستقل كانوا يواجهون بمقولة أن الظرف ليس مناسباً! وقد رفع غلاة خصومه نبرة التهديد والتلويح باستخدام القوة ولجأوا إلى التخويف من بحور من الدماء في الإقليم. وساق كثيرون اتهامات له بأنه يريد التغطية على فشل إدارته وتجديد رئاسته بعدما انتهت ولايته قبل سنتين ويرفض تسليم الراية.

 

غالبية الكرد ترى إلى الظروف الحالية إذاً فرصة قد لا تتكرر. كان مصير مثل هذا الاستفتاء في السنوات والعقود الماضية بيد أربعة أطراف إقليمية أثبتت قدرتها على إحباط أي محاولة في هذا الاتجاه. فالدول الأربع تركيا وإيران والعراق وسورية يتوزع فيها الكرد مكوناً كبيراً لا يستهان به. وكانت ولا تزال ترفض مجرد التفكير في تغيير جغرافيتها وخريطتها. ولا حاجة إلى التذكير بما عاناه هذا المكون ولا يزال من اضطهاد وعذابات ومرارات منذ تقسيم المنطقة بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني إثر سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. فضلاً عما عاناه تحت نير السلطنة أيام سطوتها. ولا حاجة إلى التذكير بمحاولاته الفاشلة لإقامة دولة مستقلة على غرار باقي شعوب المنطقة. لكن الظروف تبدلت اليوم في كردستان وفي مناطق شمال شرقي سورية. وتبدلت في الشرق الأوسط كله. فقد عاش الإقليم، منذ حرب تحرير الكويت، في شبه استقلال عن العاصمة العراقية. كما أن ما تعانيه البلدان الأربعة التي كانت من أشد المعترضين على انفصال الكرد حد من قلص خياراتها وقدراتها.

 

العراق يعيش تفككاً داخلياً قد لا يكون له علاج لا في المستقبل القريب ولا البعيد. وفوز الكرد بدولة مستقلة سيتفاقم هذا التمزق بين مكوناته. سيعزز حراك أهل السنة العرب لإقامة فيدراليتهم وإن بدا أوانها قد فات. أحزابهم وقواهم السياسية مشتتة ولا قدرة لها على المساهمة في منع المساس بوحدة البلاد، مثلما هي عاجزة عن فرض رؤية واحدة لإدارة المحافظات الغربية والشمالية. حتى أن بعض العشائر العربية نادى بأن يشمله الاستفتاء للتخلص من سطوة القوى الشيعية التي تستأثر بالسلطة. وكذلك لن يكون وقع التصدع سهلاً على تحالف القوى الشيعية المتصدع أصلاً. فبعض أحزابهم يحاول التملص من قبضة إيران. كما أن انقسام «حزب الدعوة» تكرس عملياً على وقع الاتفاق الذي أبرمه «حزب الله» مع «داعش» لنقل مقاتلي «التنظيم» من الحدود اللبناني – السورية إلى مناطق محاذية لحدود العراق. لذا لا تملك بغداد من أدوات القوة لمنع الاستفتاء أو الانفصال. ومهما ساقت من اعتراضات واتهامات للكرد بأن الدستور منحهم نسبة مشاركة تفوق نسبتهم السكانية في البلاد، وهم يحتلون مواقع مهمة في الدولة من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الأركان وعدد من الوزراء… فإن قادة الإقليم يردون بأن مواقعهم صورية لا سلطة قرار لها. كما أن الحكومة المركزية منعت وتمنع عنهم حصتهم من الموازنة العامة. في أي حال موضوع الاتهامات المتبادلة طويل ومعروف، ويتحمل الطرفان المسؤولية عما آل إليه الوضع. فالكرد أفادوا من مشاكل نظام المحاصصة الذي أرساه الأميركيون إثر الغزو وعززوا مواقعهم في الإقليم. وأفادوا أيضاً من «تحالفهم» الظرفي مع الأطراف الشيعية. مثلما أتاحت لهم المساهمة الفاعلة في الحرب على «داعش» فرصة مد سلطتهم إلى مناطق متنازع عليها.

 

وسورية ليست أفضل حالاً. إنها تعيش اليوم على وقع تقاسم خريطتها مناطق نفوذ بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية. وتعيش تركيا على وقع أزمات في عدد من الجبهات داخلياً وخارجياً ليس أولها وآخرها قضية الكرد الذين عادوا وإياها إلى تجديد الحرب والقتال في أكثر من مكان. وهي أمام منعطف تتحول فيه هوية الدولة وشبكة علاقاتها التقليدية. حتى بات يخشى أن يدمر حزب العدالة والتنمية كل ما بناه في السنوات الأخيرة. إضافة إلى ذلك قد لا تحتمل وقف تدفق مئات آلاف البراميل يومياً من كردستان عبر خط جيهان. ناهيك عن أن حجم التجارة التركية مع الإقليم يربو على ثمانية بلايين دولار سنوياً. فهل تجازف حكومة «حزب العدالة والتنمية» بهذه المكاسب الاقتصادية؟ يقود ذلك إلى أن دول المنطقة المعترضة لن يكون يسيراً عليها تنفيذ تهديداتها بعمل عسكري منسق لمنع الكرد من تحقيق استقلالهم. بل إن الحضور العسكري الروسي والأميركي تحديداً في المنطقة لن يكون خارج أي حسابات أو مغامرات من هذا القبيل. فاعتراض واشنطن على توقيت الاستفتاء وليس على حق الكرد في تقرير مصيرهم ومستقبلهم. وكذا موقف أوروبا عموماً. ويمكن وضع هذه المواقف الدولية المعترضة اليوم في خانة مسار تاريخي منذ اتفاق «سايكس – بيكو»، أي رفض تغيير الخرائط. إذ لا تحتاج هذه الدول، في عز الحرب على «داعش»، وقبل ذلك في ظل التحولات الدولية الكبرى، وفي ظل الصراع على بناء نظام دولي وإقليمي، إلى مزيد من المشاكل قد تنجم عن إعادة رسم حدود جديدة للدول في المشرق العربي. فمثل هذه المغامرة قد ينسحب على دول أخرى. هذا التنوع الديموغرافي والاتني والمذهبي في المشرق ليست إيران أو تركيا بعيدتين عنه. كما أن تلويح أنقرة بحصار اقتصادي لكردستان ووقف التعاون في مجال الطاقة إذا انفصلت قد لا يجد صدى. فالمجتمع الدولي لن يتفرج على طوق خانق يقود إلى تجويع الناس ويهدد حياتهم. وتبقى واشنطن أقرب حليف للكرد صاحبة الكلمة العليا ولن تسمح بتوجيه ضربة عسكرية إليهم. بل يمكنها الضغط عليهم لتأجيل إعلان الدولة… إلى حين.

 

تبدو إيران أكثر المعترضين تشدداً. لكنها تخوض اليوم حروباً لترسيخ مشروعها في الشرق الأوسط كله، من العراق إلى لبنان مروراً بسورية وما بقي من فلسطين و… اليمن أيضاً. ولا بد لها في النهاية من النظر في مصالحها الخاصة. وعلى رغم موقفها العلني الرافض بشدة والمحمل بالوعيد والتهديد، قد لا تكون مستعدة لفتح جبهة جديدة ومشاكل إضافية. فلها أكرادها أيضاً وقد لا يسكتون في حال التحرك ضد كردستان. وهم يهادنون اليوم لأن لهم مصلحة في المشاركة في الصراع على سورية. ولذا قد لا تجد أيضاً مبرراً لتدمير شبكة مصالحها مع الإقليم. وكانت سباقة في نجدته بالسلاح عندما توجه إليه «تنظيم الدولة» غداة احتلاله الموصل. فعلاقاتها مع السليمانية مقر سلطة حزب الاتحاد الوطني، تاريخية لا يمكن المغامرة بها. مثلما قد لا يصح هذه المرة الرهان على تأليب الكرد بعضهم على بعض، كما حدث في مناسبات وظروف أخرى. صحيح أن حزب الاتحاد يبدي بعض أجنحته اعتراضاً على توقيت الاستفتاء، ويصر على ترتيب البيت الداخلي للكرد. وكان اقترح قبل ثلاثة أشهر «خريطة طريق» لحل المشاكل في الإقليم والتفاهم مع بغداد. لكن الصحيح أيضاً أن الحزب يرفع منذ يوم تأسيسه شعار العمل من أجل كيان مستقل للكرد. وهو يشارك رسمياً في المجلس الأعلى للاستفتاء. وقد زار ممثله مع وفد المجلس بغداد ودول الجوار وبينها طهران للتسويق لهذا الاستحقاق. حتى القوى الإسلامية لا تعترض كلها. فالاتحاد الاسلامي الكردستاني (رابع قوة في الإقليم) وأحزاب إسلامية أخرى، تنادي بالاستفتاء، باستثناء «حركة التغيير» (القوة الثانية) التي تخوض صراعاً مع قيادة الإقليم. عموماً يصعب على جموع الكرد أن يقفوا بخلاف عواطفهم وطموحاتهم التاريخية بإقامة وطن قومي. وقد لا تنجح وساطة الجمهورية الإسلامية بين بغداد واربيل لإعادة المياه إلى مجاريها. هل تنجح وإيران تهدد كل يوم وهدفها طي صفحة الاستفتاء وليس تأجيله؟

 

يبقى أن الاستفتاء لن يقود إلى إعلان الاستقلال في اليوم التالي. سيستغرق الأمر أشهراً وربما أكثر من سنة. ثمة مشاكل وقضايا يجب أن تحل بالتفاهم بين اربيل وبغداد، مثل قضايا النفط والمياه والحدود النهائية والمناطق المتنازع عليها، إضافة إلى مستقبل العرب المقيمين في الإقليم ووضع الكرد في باقي محافظات العراق… أي أن 25 أيلول هو موعد للاستفتاء وليس موعداً لإعلان الدولة المستقلة. حتى كركوك لن تعني مشاركتها في هذا الاستحقاق أنها ستؤول تلقاءياً إلى أراضي الدول الجديدة. بل إن مصيرها والمناطق المتنازع عليها، كما قال بارزاني، يخضع للمادة 140 من الدستور. لكن حقيقة الموقف الكردي أن المدينة وهذه المناطق التي ساهمت «البيشمركة» في تحريرها من «داعش» ستبقى بيد الكرد… وهذا ليس وحده ما سيؤسس لنزاعات وحروب في المستقبل القريب والبعيد. ذلك أن انفصال كردستان، مهما هوّن الأمر أهل الاستفتاء العتيد، سيسهل على المعترضين من دول الطوق ترسيخ أقدامهم في ما استحوذوا حتى الآن واقتطعوا من المشرق العربي. وسيفتح الباب واسعاً، بعد دحر «داعش» أيضاً، لصراعات جديدة مذهبية وطائفية. فهل يكون الحدث المسمار الأخير في خريطة «سايكس – بيكو» لتنشأ خرائط بديلة للمشرق كله؟

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  حول التفاوض مع الإرهابيين

 

 محمد بدر الدين زايد

 

   الحياة السعودية
  

الملاحظ أنه كلما تمَّت تسوية ما مع أي تنظيم إرهابي، عبر تفاوض اضطراري، تثار تساؤلات حول مدى ملاءمة هذا النوع من التفاوض. وسيجد المرء أن هذه القضية لم تشغل الساسة والحكومات فحسب، وإنما كانت محل إسهامات فكرية وأكاديمية ضخمة من أكثر من فرع دراسي، بل إن هناك فيضاً ضخماً من الدراسات القانونية والسياسية في هذا الصدد، وأن الأمر ليس محل الإجماع السياسي والفكري الذي يتصوره بعضهم، خصوصاً من جانب هؤلاء الذين يرفضون من حيث المبدأ التفاوض مع الإرهابيين. هؤلاء يسوقون حججاً عدة؛ من أبرزها عدم التنازل للعنف، وعدم مكافأة الإرهابيين وعدم إعطاء شرعية لهم ولوسائلهم بما يعوق الاستقرار وتماسك الدول. أما الذين يطرحون آراء مغايرة، فيشيرون ببساطة إلى أن الحكومات والمؤسسات والأفراد يفعلون هذا في الممارسة العملية. ويبررون ذلك بأن الحوار يجب أن يكون جزءاً من حل الصراع. ولعل من أهم المدافعين المفاوض الشهير جوناثان باول الذي قاد الوفد البريطاني في مفاوضات إنهاء الصراع في إرلندا، وطرح آراءه الخطيرة في هذا الصدد ومن بينها مقال له في «أتلانتك ديلي» في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2015.

 

في هذا المقال ناقش باول تحديداً مسألة التفاوض مع «داعش»، معتبراً أن ذلك التنظيم مثله مثل منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الإرلندي الحر؛ وهي مشابهة غير أمينة ومهينة. استهل باول حديثه بالتذكرة بما قاله رئيس الوزراء البريطاني السابق عام 1919 عن عدم إمكان التحدث والحوار مع عصابات المقاومة الإرلندية، ثم دخل بعدذاك بعامين إلى مفاوضات مع قائد الجيش الإرلندي، أسفرت عن استقلال إرلندا، كما أشار إلى مفاوضات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رغم إقراره بوجود فوارق مهمة بين «داعش» والنموذجين الأخيرين فقد ركز فقط على مستويات العنف، وخلص إلى ما وصفه بضرورة التعلم من التاريخ والبحث عن حل لمخاطبة أسباب المعاناة التي تسبب هذه الظواهر وحدَّدها في المعاناة في أوساط السّنة العراقيين والسوريين، بل طرح أفكاراً حول نوع من الحكم الذاتي لهذه المجتمعات. وفي الواقع، إن طرح باول سابق الذكر هو طرح ضعيف للغاية وتفنده التطورات الأخيرة في سورية والعراق، كما أنه لا يستند إلى منطق متماسك، وأسوق هنا بعض الخطوط العريضة في هذا الصدد.

 

الحقيقة أنه لا يمكن البدء بنقاش جاد حول هذه القضية من دون البدء بالبعد الأكثر خلافية وإثارة للجدل وهو تعريف الإرهاب؛ الذي لا يزال محل تباينات سياسية وقانونية عميقة. فعبر التاريخ كان دعاة الاستقلال مدموغين بالإرهاب من جانب السلطة المهيمنة على مجتمعاتهم، ويصبحون أبطالاً ومناضلين إذا تمكنوا من تحقيق أهدافهم السياسية، ويستمرون مدموغين بالإرهاب إذا لم يتمكنوا من تحقيق نصر. في هذه الحالات، يصبح الحديث عن تسوية سياسية وحوار في موضعه الذي يتفق مع حديث باول عن دروس التاريخ التي ليس من الحكمة تجاهلها أو تحديها. وهو ما ينطبق بوضوح على الشعب الفلسطيني وطبعاً الكثير من الشعوب الأخرى التي نالت استقلالها عبر حركات سياسية مارسَت أنماطاً من العنف المسلح. أما ما ذكره باول عن البيئة السّنية المحبطة في سورية والعراق، فهو ما يفسر جزئياً نجاح «داعش» في اجتياح مساحات واسعة من أراضي الدولتين. إلا أن تراجع «داعش» الآن وبدعم سني في البلدين يشير إلى أن ما حدث كان ناتجاً من حالة عارضة من الالتباس وعدم وضوح الرؤية التي أصابت المنطقة والبلدين نتيجة تأثير أسباب داخلية وخارجية لن نخوض في تفاصيلها الآن. وهذا لا ينفي أن القضاء على ظاهرة «داعش» وغيرها من التنظيمات الملتبسة باسم الدين يحتاج إلى مواجهة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبالطبع دينية. ولكن الإشكال الرئيس أن نمط ومستويات العنف المتداخلة مع رؤية أيديولوجية بالغة الضيق، فضلاً عن عمق التوظيف السياسي الداخلي والخارجي لهذه الظاهرة تجعل من أي تنازلات تحصل عليها هذه التنظيمات خسارة استراتيجية لفكرة الدولة والاستقرار فيها. إذ أثبتت التجربة التاريخية أيضاً أن هذه التنظيمات لم تتحول إلى الاعتدال بالحوار معها أو بالسماح لها بحرية الحركة السياسية، والتطورات التي عرفتها مصر في ما سمي بالمراجعات والحوار في التسعينات ثبتَ في معظم حالاتها زيفها وهشاشتها، فسرعان ما اصطفت هذه العناصر مرة أخرى في ممارسات عنف واعتداء وإرهاب.

 

وهنا مرة أخرى لا نجادل في ضرورة معالجة ظروف التهميش التي تعرض لها السنة في العراق وسورية كأمر ضروري لتقليص استمرار عملية التجنيد لعناصر جديدة، إلا أن قيادات هذه الجماعات لا يمكن أن تتحول إلى الاعتدال والمرونة بالحوار معها سواء كان أتباعهم بالعشرات أم بالألوف. ذلك أن البنية الفكرية لكل هذه التنظيمات منذ البذرة التي زرعتها أفكار سيد قطب «الإخواني» تجعل من فكرة الحوار معها وتحويلها للاعتدال أحد الأوهام الكبرى التي رددها بعض الأوساط العربية والغربية، وأثبتت الوقائع عدم صحته.

 

البعد الثاني هو أنه على رغم الاتفاق القانوني والسياسي حول مسألة طبيعة الفعل الإرهابي، إلا أنه من الواضح على الأقل في عالم اليوم أنه لا تسامح مع أنواع معينة من ممارسات العنف حتى لو صدرت من أصحاب قضية عادلة، وهو ما أصبح ينطبق على غالبية حالات استهداف المدنيين، والتي تمثل النسبة الأكبر من عمليات «داعش» و «القاعدة» التي بالمناسبة لم تستهدف إسرائيل أبداً التي لا يزال بعضهم يتحدث عن أنها أحد أهم روافد ظاهرة «داعش» وهو ربما صحيح ولكن في شكل مغاير لما يطرحونه.

 

المعيار الرئيس في دراسات التفاوض هو ناتج هذا التفاوض، فإذا كان يهدف إلى تقليص أخطار أو عنف معين أو إذا حقق مطالب إنسانية كإفراج عن رهائن خصوصاً إذا كانوا من المدنيين، ومن دون أن يحقق مكاسب سياسية أو مادية للتنظيمات الإرهابية، فإن هذا الحوار هو خيار رشيد ومناسب. أما إذا نجحت هذه التنظيمات بخاصة من نوعية «داعش» بكل ما يحيط بها وقياداتها من تساؤلات في اقتناص مكاسب من هذه المفاوضات والحوار معها، فسيعني هذا مزيداً من احتمالات العنف والعمليات الإرهابية. ومن غير المناسب أن نسمح بمشابهات بين حالات التفاوض مع الحركات الوطنية- حتى لو مارست العنف- وبين هذه التنظيمات الظلامية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

داعش وحزب الله

 

   سعيد السريحي

 

    عكاظ السعودية
 

لم يعد أحد يحتاج إلى كثير عناء كي يدرك العلاقة المشبوهة بين داعش من ناحية ونظام الأسد وحزب الله والحشد الشعبي في العراق من ناحية أخرى، فالتنسيق الذي كان يتم في السر بات في العلن والاتفاق الذي كان مجرد احتمال أصبح واقعا ملموسا لا تخجل كافة الأطراف من الإعلان عنه، حزب الله الذي يتحرك بناء على ما يطلب منه القيام به أكد أنه وبتنسيق مع النظام السوري وبعد لقاء جمع أمينه بالرئيس السوري اتفق مع داعش على انتقالها من غرب سوريا وحدود لبنان إلى منطقة البوكمال على الحدود العراقية السورية أقصى شمال غرب العراق، وبدوره أعلن الرئيس السابق للحكومة العراقية نوري المالكي مباركته لهذا الاتفاق، مؤكدا بذلك ما كان يدور حوله من شبهات حين فتح حدود العراق وسهل لداعش قبل ثلاث سنوات احتلال الموصل خلال ساعات.

 

داعش الذي أخذ يتداعى بعد هزائمه في الموصل وتلعفر لم يبق منه إلا فلول قليلة تتمركز في أقصى شمال غرب العراق، وهي فلول بات بوسع الجيش العراقي طردها وتطهير الأراضي العراقية منها، غير أن ذلك إذا ما حدث لم يكن له أن يحقق الدور الذي لعبه داعش باحتلاله الموصل ونينوى حين منح الحشد الشعبي الشيعي فرصة التوسع في الأراضي السنية وتهجير سكانها منها واستكمال مخطط التغيير الديموغرافي للمناطق العراقية، ولذلك لم يكن هناك بد من إعادة بناء صفوف داعش ودعم من بقي منه في غرب العراق بمن بقي منه في غرب سوريا، ولهذا كان الاتفاق المعلن بين حزب الله ونظام الأسد وداعش للتحرك من غرب سوريا إلى شرقها، وعندها لن يصبح داعش مجرد فلول باستطاعة الجيش العراقي القضاء عليها وإنما قوة تستدعي الاستعانة بالحشد الشعبي مما يعني استكمال مخطط اجتياح المواقع السنية في العراق وهو الغرض الذي من أجله تم إنشاء داعش ودعمه بالسلاح والرجال وتسهيل مهمته للاستيلاء على المناطق السنية في العراق ومن ثم تبرير إنشاء الحشد الشعبي الشيعي واحتلاله لتلك المناطق.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     الاستاذة أنيسة توفيق السعدون.. وداعا (1925- 2017): السيدة العروبية بامتياز

 

   سعد ناجي جواد

 

    الراي اليوم بريطانيا
  

في اول ايّام عبد الأضحى اتصل بي الاخ نبيل نورالدين، زوج السيدة تالة العمري ابنة السيدة الفاضلة أنيسة السعدون لينقل لي خبرا أحزنني كثيرا وهو انتقال الزميلة الغالية الاستاذة أنيسة الى جوار ربها. وهكذا نودع في الغربة المقيتة علما اخر من إعلام العراق الأكاديميين وهو امر توطنت النفس عليه مع الأسف.

في عام 1969، وعندما كنت في السنة الرابعة والنهائية من دراستي الجامعية في كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، التحقت السيدة الفاضلة المرحومة أنيسة السعدون كأحدى أفراد الطاقم التدريسي في قسم العلوم السياسية، قادمة من كلية التربية، ولتكون السيدة الاولى بين تدريسي القسم. وكان مظهرها الوقور و تقاطيعها الحادة امران مُلفتان للنظر. ولقد أوكل لها آنذاك مهمة تدريس مادة مباديء العلوم السياسية باللغة الانكليزية على طلبة الصف الاول. بعد ان بدأت السنة الدراسية حمدنا الله نحن الطلبة المهملين الباحثين عن الدرجة الأدنى في النجاح بأننا لم نكن ضمن من تقوم هذه السيدة الفاضلة بتدريسهم لما عرف عنها من جدية عالية والتزام كبير وعدم تهاون في تدريسها، حسب ما كنّا نسمعه من طلبتها. واخر شيء ظل يذكرني بها بعد تخرجي هو صورتها وهي تجلس في الصف الاول مع اساتذة القسم في الصورة  التذكارية   التي التقطت لنا نحن الخريجون للسنة الدراسية عام 1970.

عندما حصلت على شهادتي العليا، وبعد فترة قصيرة من العمل في الخارج عدت الى العراق وتعينت مدرسا في كليتي السابقة عام 1978. وشاءت الصدف ان يخصص لي مكتبا في نفس الغرفة التي كان فيها مكتبها، وكانت تلك الفرصة الاولى التي جعلتني أكون قريبا منها. لم يدهشني التزامها وجديتها في القيام بواجبها التربوي، لأني كما قلت كنت على علم بذلك، ولكن ما أدهشني وآثار اعجابي الكبير بها والذي ظل يتصاعد مع الأيام هو وطنيتها العالية وروحها القومية العربية الأصيلة التي فاقت ما كان يتميز به العديد من اساتذة الكلية من الرجال, وإيمانها المطلق بالقضية الفلسطينية وكرهها للصهيونية المغتصبة لفلسطين. كيف لا وهي المولودة في بيت عمها السياسي الوطني الكبير عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء العراقي في العشرينيات لعدة مرات، والذي اقدم على الانتحار لان المستعمر الإنكليزي رفض مطالبته المستمرة بالاستقلال التام. اكملت المرحومة دراستها الثانوية في بغداد، مع فترة دراسة قصيرة في الهند عندما اصطحبها والداها المورحوم توفيق السعدون عندما عُين قنصلا للعراق هناك. ثم انتقلت الى الولايات المتحدة لكي تكمل دراستها الأولية ومن ثم العليا لتحصل على شهادة الماجستير في عام 1951 من جامعة كولومبيا، لكي تعين مدرسة في كلية الملكة عالية في جامعة بغداد، والتي تحولت الى كلية التربية فيما بعد. وكانت من النساء العراقيات الرائدات اللواتي حصلن على هذه الشهادة في القرن الماضي. كما كانت اول أكاديمية عراقية أشركها وزير الخارجية الكفوء آنذاك المرحوم الدكتور فاضل الجمالي ضمن الوفد الذي ذهب الى الامم المتحدة وحتى قبل ان تحصل على شهادتها العليا. وحضرت في عام ١٩٤٨ الجلسة المؤلمة التي شهدت تقسيم فلسطين. ولعل ما انطبع في ذاكرتها من هذه الجلسة وحجم التامر الذي شهدتها ما جعلها ، وأبقاها، متحمسة في دفاعها عن الحقوق الفلسطينية حتى اخر ايّام حياتها. كان تقاربنا الفكري، اضافة الى ما وجدت هي في من اخلاص واندفاع في عملي سببا اخر لتوثيق علاقة الصداقة والاحترام ما بيننا، وظلت هي تضرب المثل بي وبعدد من زملائي الشباب في العلمية والجدية والاخلاص في العمل. وكانت تجاهر برأيها هذا في كل مكان، ويبدو ان بعض منتسبي الكلية لم يكن يروق لهم هذا المديح والاطراء الخاص بي، وقصوا عليها بعض القصص عن حياتي السابقة. ومن طريف ما اذكره في هذا المجال هو ما حدث ذات يوم حين كنت جالسا وراء مكتبي حيث دخلت هي غرفتنا المشتركة وبدون اية مقدمات بادرتني بالسؤال وبطريقتها المعهودة، (سعد صحيح انك عندما كنت طالبا كنت مهملا ولعوبا وغير جدي ايّام الدراسة؟) قلت نعم ست أنيسة هذا صحيح جدا، فردت مباشرة (الحمد لله اني لم أتعرف عليك في ذلك الوقت وإلا لكنت كرهتك). وللشهادة فإنها ردت عليهم بأنها لا يهمها الماضي بل تقيس على ما انا عليه في الحاضر.

ومرت الأيام بل والسنين ونحن زملاء في الكلية وبدات الأحوال تتدهور بسبب الحرب العراقية – الإيرانية والتي استمرت لمدة ثمان سنوات وبعدها حرب الخليج الاولى عام 1919، ثم الحصار اللا انساني والظالم الذي فرض على العراق منذ عام ١٩٩٠ والذي اثر بدوره على حياتنا الجامعية بنفس القسوة الذي اثر فيه على حياتنا الاجتماعية. ولكن ورغم كل هذه المعاناة لم تتخلخل وطنيتها وعروبيتها وصراحتها بل ظلت متصاعدة وتبعث الأمل في نفوس طلبتها وزملائها.

وفِي حادثة طريفة اخرى كنت شاهدا على جزء منها، وأخبرتني هي رحمها الله بتفاصيلها فيما بعد، هو ما حدث معها في احدى سنين منتصف الثمانينيّات من القرن الماضي، والتي شهدت قبول عدد كبير من منتسبي القوات المسلحة والاجهزة الأمنية و منتسبي حزب البعث في الدراسة المسائية في كليتنا، وكان عدد منهم غير جدي ويحاول الحصول على الشهادة بطرق ملتوية بل وغير مشروعة احيانا، وعندما كنّا نراقب الطلبة وهم يؤدون امتحاناتهم النهائية، تصدت هي لبعض هذه المحاولات في القاعة التي كانت تراقب فيها بكل صرامة، ولم تكن تعلم، بل لم يكن ليهمها ان تعلم بان من كان يقوم بهذه المحاولات هو احد المتنفذين في احد الأجهزة، الذي، وبعد ان فشل في محاولاته، حاول مضايقتها في طريق عودتها الى منزلها بسيارتها الخاصة. وبشجاعتها ورباطة جأشها المعهودة لم تأبه بذلك وواصلت مسيرتها الى منزلها، الذي وصلته منزعجة بالتأكيد. وعندما سالها زوجها المرحوم الدكتور عصام العمري، أخبرته بالسبب. وبعد ان هَدَأ بعض غضبها قال لها ( أتعلمين يا أنيسة ماذا تمثل حالتك مع هذا النوع من الطلبة؟ حالتك هي مثل حالة أرنب وديع مسالم في غابة مليئة بالوحوش الكاسرة التي تستطيع ان تقضي عليه بضربة واحدة. نصيحتي لك هي ان تتقاعدي عن العمل وتجلسي في دارك معززة مكرمة). وكانت وهي تقص عليّ هذه القصة تضحك ضحكتها المميزة النابعة من ألقلب. المهم انها لم تأخذ بهذه النصيحة وظلت تقوم بواجبها تجاه طلبتها على اكمل وجه، والذين ظلوا هم بدورهم متمسكين بها وينهلون من علمها طوال فترة عملها. وكانت هي من المجموعة التي اصر دائما على إطلاق لقب (الجيل الذهبي) عليها من الأساتذة في الجامعات العراقية الذين ظلوا رغم الحروب والحصار وتدني رواتبهم،  الى حد انها وصلت في فترة ما وبسبب تدهور قيمة الدينار العراقي الى ما يعادل ١٥- ٢٠ دولار شهريا، أقول ظل هذا الجيل متمسكا بعراقهم ولم يغادروه رغم كل المغريات من الخارج، وظل هذا الجيل يخرج الدورة تلو الاخرى من الطلبة الذين ساهم عدد كبير منهم في النهضة العلمية لبلدهم والتي دمرها الاحتلال البغيض وما تبعه. وألفت كتابا علميا كبيرا لا يزال يعتبر المرجع الاول في مباديء علم السياسة باللغة الانكليزية في جامعات العراق. وعندما حان وقت تقاعدها بسبب بلوغها السن القانوني كان ذلك من أكثر المناسبات ألما على نفوسنا نحن زملائها و معاصريها في العمل الجامعي، وكان حفل تكريمها الذي عملناه نحن زملاءها وطلبتها يليق بعطائها الكبير، ومليء بالمشاعر المختلطة، فرحين لانها سترتاح  من عناء العمل في تلك الظروف الصعبة، وحزينين لانها ستفارقنا بعد هذه السنين الطويلة من العمل المشترك.

في عام ١٩٥٢ تزوجت الراحلة من المرحوم الدكتور عصام ارشدالعمري الطبيب الجراح المشهور ورائد طب التجميل في العراق، وابن رئيس للوزراء في العراق في العهد الملكي. والذي سبقها في الانتقال الى جوار ربه في الغربة ايضا، وأنجبت المهندسة المعمارية تالة والدكتور الطبيب سعدون، اللذان كانا دائما مبعث فخرها واعتزازها. رحم الله السيدة الفاضلة والاكاديمية والمربية النادرة أنيسة السعدون التي ظلت محتفظة بذاكرتها وحرصها على متابعة الأخبار وخاصة المتعلقة بالعراق وفلسطين حتى اخر ايّام حياتها، وتشارك في الفعاليات التي تقام في لندن. بالتأكيد سيفتقدها ابنائها وعائلتها وأحفادها ومحبيها، وستفتقد زوجتي الدكتور سوسن العساف بغيابها أستاذتها التي احبتها واحترمتها على جهودها وإخلاصها معها ومع زملائها الذين تتلمذوا على يديها. والتي رفدتها بمعلومات قيمة عندما كتبت كتابا عن المراءة العراقية.اما انا فسأفتقد أختا كبيرة وزميلة تجسدت فيها كل الخصال الحميدة،  وسافتقد اتصالاتها الهاتفية المحببة الى نفسي بعد ان تقرا اي مقال اكتبه او تشاهد مقابلة لي، وتحثني على الاستمرار في مواقفي، او عندما تسألني بالم وحرقة عن ما يجري من ماسي في العراق الحبيب على قلبينا. وسأظل أردد بعد غيابها وفِي كل مرة  يرد ذكرها قول  المتنبي الكبير

واذا كان النساء كمن فقدنا

لفضلت النساء على الرجال

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  قصة الإعتراض على صفقة ترحيل «داعش»

 

 نصير شرارة الجمهورية اللبنانية
  

حتى وقت متأخر من ليل الثلثاء ـ الأربعاء الماضي كانت هناك حيرة في «حزب الله»، كون قافلة المرحّلين الدواعش من جرود قارة في القلمون الغربي في اتجاه البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، تطبيقاً للاتفاق بين الحزب و»داعش»، لم تصل الى النقطة المتّفق عليها، ما أثار السؤال في حارة حريك عمّا اذا كانت «داعش» أخَلّت بالقسم الأخير من تعهداتها في الاتفاق.

ثم لاحقاً وصلت الاخبار عن أنّ سبب التأخّر الغامض يعود لتنفيذ طائرات التحالف الدولي غارات استهدفت قطع الطريق على القافلة، الأمر الذي وضعه كبير المبعوثين في التحالف الدولي بريت ماكفورت في خانة أنه رسالة اعتراض دولية على صفقة «حزب الله» مع مقاتلي «داعش»، الذين بحسب وصفه يجب قتلهم في أرض المعركة «بدلاً من إبرام تسويات لترحيلهم للقتال في العراق»!..

 

لم يعد خافياً انّ غارة التحالف لقطع الطريق على قافلة دواعش القلمون الغربي، والتي تمثّل رسالة اعتراض اميركية على صفقة «حزب الله» ـ «داعش»، كان يوجد لها طوال الفترة التي تَلت كَشف نصرالله عن بنود الصفقة، مقدمات من الهمس الدولي الاعتراضي عليها في بيروت، الذي بَدا لافتاً فيه انّ مصدره لم يكن فقط كواليس ديبلوماسية غربية.

 

ونقطة الملاحظة المركزية التي أبرزتها هذه الكواليس هو اعتقادها بعدم «وجود تناسب او انسجام» بين «صفقة ترحيل الدواعش» وبين احترام تطبيق «معايير الالتزام» بأهداف او شروط الحرب الدولية على «داعش» والارهاب التي ينخرط فيها المجتمع الدولي برمّته تقريباً.

 

ومن منظار هذه المعايير الدولية الموجّهة للتحالف الدولي في حربه ضد «داعش»، فإنّ الاتهام الموجّه الى «حزب الله» بخرقها، يقع أساساً في نقطتين اثنتين:

 

ـ النقطة الأولى، إتهام الصفقة التي أبرمها الحزب مع «داعش» بأنها تشكّل خرقاً لـ»مبدأ منع انتقال مقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) الى دول لا يحملون جنسياتها»، وهذا ما يفسّر لماذا رَكّز ماكفورت في تصريحه لتبرير عملية قطع الطريق على قافلة الدواعش المرحّلين، على انّ هدفها هو منع وصولهم الى العراق، وتجاهل الاشارة الى منع وصولهم الى البوكمال السورية وفق النص الاصلي للاتفاق بين الحزب وداعش.

 

وبَدا واضحاً انّ ما قصد ماكفورت التركيز عليه هو انه في النظر الى كون جميع مقاتلي «داعش» المرحّلين تقريباً يحملون الجنسية السورية، فإنّ التحالف الدولي عمل على محاولة منع انتقالهم للعراق، لأنّ في ذلك خرقاً للمعايير المعتمدة دولياً لخطط الحرب الجارية على «داعش» فوق أكثر من جبهة في المشرق.

 

ـ النقطة الثانية أوضَحتها ردّة الفعل العراقية التي بَدت متجانسة مع الاعتراض الاميركي على صفقة الحزب – داعش، وذلك من زاويتين: الأولى في الشكل حيث تظهر المتابعة لمسار نشأة الاعتراض العراقي أنه انطلق بداية من داخل أجواء في لجنة الأمن النيابية العراقية ذات الصلة الوثيقة بواشنطن، وقدّمت هذه الاجواء ما سمّته معلومات للمستوى السياسي العراقي تفيد أنّ صفقة ترحيل الدواعش من القلمون الغربي تلحظ سرّاً نقلهم الى الاراضي العراقية نظراً الى كونهم غير مرحّب بهم لدى دواعش دير الزور الذين يتهمونهم بالجُبن، وايضاً لأنّ المنطقة المحددة في الاتفاق بنقطة وصولهم اليها وهي البوكمال السورية، تمتاز بأنها مرتبطة بطرق صحراوية مفتوحة وغير مراقبة مع منطقة الصنكرة العراقية جنوب غرب قضاء الحديثة!

 

امّا الزاوية الثانية فتمثّلت بتركيز الاعتراض العراقي على ادانة هدف الصفقة لأنه يؤدي الى إيصال مقاتلين دواعش سوريين، وربما بعضهم لبنانيين، الى منطقة في سوريا تسمح لهم بالانتقال الى مناطق «داعش» في الانبار العراقية.

 

وكان اللافت انّ مطلقي هذه الجزئية من الاتهام ضد «حزب الله»، إستخدموا مصطلح «مؤامرة» وطالبوا النظام السوري بإجراء تحقيق في شأنها. وتركزت المصادر العراقية التي أصدرت «اتهام المؤامرة» في بيئات الكتلة النيابية لأياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق المحسوب على السعودية، وأيضاً التيار الصدري المعارض لإيران، إضافة الى مجموعات سياسية سنية.

 

امّا رئيس الوزارء حيدر العبادي فركّز من جانبه في نقده للحزب على معيار آخر اتهمه بخرقه، ومفاده انّ الحرب بنسختها الدولية الراهنة الجارية على «داعش» تحتّم عدم إبرام تسويات مع عناصرها، بل تخييرهم بين الموت في الميدان او الاستسلام كما حصل في الموصل.

 

وهذا ايضاً أحد المعايير الموضوعة لدى التحالف الدولي في شأن الخطط المعتمدة لمحاربة «داعش»، مع ملاحظة انّ موسكو تشدّد خصوصاً على ضرورة تطبيقه، وذلك انطلاقاً من خشيتها ان تؤدي تسويات ميدانية للسماح سراً بعودة مقاتلي «داعش» الشيشانيين من سوريا والعراق الى القوقاز.

 

ولكن على أرض الواقع فإنّ تطبيق هذا المعيار يتعرّض لخرق حتى من جانب الاميركيين، بدليل أنه بعد ساعات من محاولة التحالف قطع الطريق على قافلة الدواعش المرحّلين من القلمون، نفّذت 3 طائرات مروحية اميركية إنزالاً لوحدة خاصة في منطقة السوح جنوب غرب ريف دير الزور، واقتادت عناصر من داعش الى جهة مجهولة. تبرّر واشنطن مثل هذه العمليات التي تتكرر اسبوعياً تقريباً، بأنها تهدف الى سحب عملاء الـ«سي آي إي» مزروعين بين صفوف «داعش»، وذلك بعد انتهاء مهمتهم.

 

وفي مقابل انّ اميركا ودولاً غربية أخرى في التحالف الدولي تقدّم تبريراتها الموجبة لعمليات تسفير او نقل لعناصر «داعش»، تقوم بها في بعض النقاط، فإنّ «حزب الله» قدّم تبريره لاضطراره الى إبرام تسوية تسفير عناصر من داعش في القلمون الغربي، وهي انّ هذه المعركة تتضمن الى جانب هدف تدمير «داعش» فيها، هدفاً إنسانياً وهو الكشف عن مصير جنود لبنانيين محتجزين عند تنظيم «الدولة الاسلامية»، وهو أمر لا يتمّ إدراكه الّا من خلال تسوية تؤدي في الوقت نفسه الى إنهاء المعركة ووجود «داعش» في القلمونين اللبناني والسوري، وتبيّن مصير الجنود.

 

وبحسب معلومات فإنّ الحزب حاول من خلال مجموعة «داعش» التي سلّمت نفسها إليه في بداية المعركة، الحصول منها على معلومات عن مكان دفن الجنود اللبنانيين، وإخراج هذا الهدف من استراتيجية المعركة، لكن سرعان ما ظهر انّ معلوماتهم كانت خاطئة، وانّ الخريطة المكانية التي قدّموها للحزب كانت مفخخة، وانّ «داعش» في حقل تشريك ملغّم.

 

وكانت أوّل جولة بحث لمجموعة من الحزب برفقة دليل من العناصر الداعشية المستسلمة، تسبّبت بوقوع الاخيرة في مكمن تشريكي، وذلك حينما وصلت الى المكان الذي افترضت معلومة الأسير الداعشي انه توجد فيه قبور العسكريين اللبنانيين، ما أدى الى استشهاد اثنين من مقاتلي الحزب.

 

وفي القراءة السياسية لخلفيات الاعتراض على صفقة ترحيل دواعش القلمون، يبرز هدف أساسي وهو نزع الشرعية الدولية عن حرب الحزب ضد «داعش»، وإظهارها انها ليست جزءاً من مجهود المجتمع الدولي العسكري للقضاء على هذا التنظيم، بدليل اتهام الحزب بارتكاب خروقات للمعايير الدولية التي توجّه هذه الحرب العالمية.